Translate

الخميس، 4 مايو 2023

فتوح البلدان أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري

بسم الله الرحمن الرحيم

فتوح البلدان

أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري

هذا الكتاب يذكر فيه المؤلف تاريخ الفتوح الإسلامية بداية من دخول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة المنورة وقصة بناء المسجد ثم يطوف المؤلف في الحقبة التاريخية للخلفاء الراشدين ويستعرض أهم الأحداث التاريخية التي وقعت في عصر الخلافة الراشدة، ولعل أهم ما يميز الكتاب ذكره للبلدان التي فتحت وأهم الأحداث التي وقعت في هذه البلدان، وذكره كذلك لأهم ما يميز كل بلد عن الأخرى

المجلد الأول

قال أحمد بن يحيى بن جابر‏:‏

أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بقباء وكان يتحدث عند سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك أحمد بني السلم بن امرئ القيس بن مالك ابن الأوس حتى ظن قوم أنه نزل عنده‏.‏

وكان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نزلوا من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه والصلاة يومئذ إلى بيت المقدس فلما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء صلى بهم فيه‏.‏

فأهل قباء يقولون إنه المسجد الذي يقول الله تعالى فيه‏:‏ (‏لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه‏)‏‏.‏ وروى أن المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

حدثنا عفان بن مسلم الصفار قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أخبرني هشام بن عروة عن يسألونه أن يأتيه فيصلي فيه‏.‏

فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إليهم أتاه الوحي فنزل عليه فيهم‏:‏ ‏)‏والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله‏(‏‏.‏ قال‏:‏ هو أبو عامر‏.‏

)‏لا تقم فيه أبدًا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان‏(‏‏.‏ قال‏:‏ هذا مسجد قباء‏.‏

وحدثنا محمد بن حاتم بن ميمون قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏)‏فيه رجال يحبون أن يتطهروا‏(‏‏.‏ أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مسجد قباء فقال‏:‏ ما هذا الطهور الذي ذكرتم به قالوا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ آنا نغسل أثر الغائط والبول‏.‏

وحدثنا محمد بن حاتم قال‏:‏ حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن عامر قال‏:‏ كان ناس من أهل قباء يستنجون بالماء فنزلت فيهم‏:‏ ‏)‏فيه رجال يحبون أن يتطهروا‏(‏‏.‏ الآية‏.‏

حدثني عمرو بن محمد الناقد وأحمد بن هشام بن بهرام قالا‏:‏ حدثنا وكيع بن الجراح قال‏:‏ أخبرنا ربيعة بن عثمان عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد قال‏:‏ اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى‏.‏

فقال أحدهما‏:‏ هو مسجد الرسول‏.‏

وقال الآخر‏:‏ هو مسجد قباء‏.‏

فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه‏.‏

فقال‏:‏ هو مسجدي هذا‏.‏

حدثني عمرو بن محمد ومحمد بن حاتم بن ميمون قالا‏:‏ حدثنا وكيع عن ربيعة بن عثمان التيمي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع عن ابن عمر قال‏:‏ المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

حدثنا محمد بن حاتم قال‏:‏ حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن عام الأسلمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد عن أبي بن كعب قال‏:‏ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال‏:‏ هو مسجدي هذا‏.‏

حدثني هدبة بن خالد قال‏:‏ حدثنا أبو هلال الراسي قال‏:‏ أخبرنا قتادة عن سعيد بن المسيب في قوله‏:‏ ‏(‏لمسجد أسس على التقوى‏)‏‏.‏ قال‏:‏ هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الأعظم‏.‏

حدثنا على بن عبد الله المديني قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت قال‏:‏ المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول عليه السلام‏.‏

حدثنا عفان قال‏:‏ حدثنا وهيب قال‏:‏ حدثنا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم‏.‏

حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون السمين قال‏:‏ حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال‏:‏ هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يعني الذي أسس على التقوى‏.‏

قالوا‏:‏ وقد وسع مسجد قباء بعد وزيد فيه‏.‏

وكان عبد الله بن عمر إذا دخله صلى إلى الاسطوانة المخلقة وكان ذلك مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالوا‏:‏ وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة‏.‏

فجمع في مسجد كان بنو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بنوه وكانت تلك أول جمعة جمع فيها‏.‏

ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنازل الأنصار منزلا منزلا وكلهم يسأله النزول عليه حتى إذا انتهى إلى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها وجاء أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج فأخذ رحله فنزل صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب‏.‏

وأراده قوم من الخزرج على النزول عندهم فقال‏:‏ المرء مع رحله‏.‏

فكان مقامه في منزل أبي أيوب سبعة أشهر‏.‏

ونزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر ووهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل فضل كان في خططها وقالوا‏:‏ يا بني الله‏!‏ إن شئت فخذ منازلنا‏.‏

فقال لهم خيرا ‏.‏

قالوا‏:‏ وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار نقيب النقباء يجمع بمن يليه من المسلمين في مسجد له فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه‏.‏

ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم فعرض عليهم أن يأخذها ويغرم عنه لليتيمين ثمنها فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وابتاعها منه بعشرة دنانير أداها من مال أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ وبنى به المسجد ورفع أساسه بالحجارة وسقف بالجريد وجعلت عمده جذعا ‏.‏

فلما استخلف أبو بكر رضي الله عنه لم يحدث فيه شيئا واستخلف عمر رضي الله عنه فوسعه وكلم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في بيع داره ليزيدها فيه فوهبها العباس لله والمسلمين فزادها عمر رضي الله عنه في المسجد‏.‏

ثم إن عثمان بن عفان رضي الله عنه بناه في خلافته بالحجارة والقصة وجعل عمده حجارة وسقفه بالساج وزاد فيه ونقل إليه الحصباء من العقيق‏.‏

وكان أول من اتخذ فيه شئ إلى أن ولى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه فكتب إلى عمر بن عبد العزيز وهو عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد وبنائه وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل الشام ومصر‏.‏

فبناه وزاد فيه وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان مولى سعدى مولاة آل معيقيب بن أبي فاطمة الوصي وذلك في سنة سبع وثمانين ويقال في سنة ثمان وثمانين‏.‏

ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف المهدي أمير المؤمنين صلوات الله عليه‏.‏

قال الواقدي‏:‏ بعث المهدي عبد الملك بن شبيب الغساني ورجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه وعليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي فمكثا في عمله سنة وزادا في مؤخره مثئة ذراع فصار طوله ثلاث مئة ذراع وعرضه مائتي ذراع‏.‏

وقال على بن محمد المائني‏:‏ ولى المهدي أمير المؤمنين جعفر بن سليمان مكة والمدينة واليمامة فزاد في مسجد مكة ومسجد المدينة‏.‏

فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين وستين ومئة وكان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الحج فأمر بقلع المقصورة وتسويتها مع المسجد‏.‏

ولما كانت سنة ست وأربعين ومائتين أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله بمرمة مسجد المدينة فحمل إليه فسيفساء كثير وفرغ منه سبع وأربعين ومائتين‏.‏

حدثني عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال‏:‏ حدثنا مالك بن أنس قال‏:‏ حدثنا هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما يفتح من مصر أو مدينة عنوة فإن المدينة فتحت بالقرآن‏.‏

حدثنا شيبان بن أبي شيبة الأبلي قال‏:‏ حدثنا أبو الأشهب قال‏:‏ أخبرنا الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن لكل نبي حرمًا وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ما بين حرتيها لايختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال‏.‏

فمن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل‏.‏

وحدثني روح بن عبد المؤمن البصري المقري قال‏:‏ حدثنا أبو عوانه عن عمر بن أبي سلمة بن عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم إن إبراهيم عبدك ورسولك وأنا عبدك ورسولك وإني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة‏.‏

فكان أبو هيرية يقول‏:‏ والذي نفسي بيده لو أجد الظباء ببطحان ماعانيتهاز وحدثنا شيبان بن أبي سيبة قال‏:‏ حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن محمد بن زياد عن جده وكان مولى عثمان بن مظعون وكانت في يده أرض لآل مظعون بالحرة قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب ربما أتاني نصف النهار واضعا ثوبه على رأسه فيجلس إلي ويتحدث عندي فأجيئه من القثآء والبقل‏.‏

فقال لي يومًا‏:‏ ‏(‏لا تبرح فقد استعملتك على ما هاهنا ولا تدعن أحدا‏)‏‏.‏ يخبط شجرة ولا يعضدها يعني من شجرة المدينة فإن وجدت أحدا يفعل ذلك فخذ حبله وفأسه‏.‏

قال قلت‏:‏ آخذ ثوبه قال‏:‏ لا‏.‏

وحدثني أبو مسعود بن القتات قال‏:‏ حدثنا ابن أبي يحيى المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم من الشجر ما بين أحد إلى عير وأذن لصاحب الناضح في الغضا وما يصلح به محاريثه وعربه‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم‏:‏ قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال‏:‏ سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرجل استعمله على حمى الربذة نسى بكر اسمه‏:‏ اضمم جناحك عن كل مسلم واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة ودعني من نعم ابن عفان وابن العوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع وإن هذا البائس إن تهلك ماشيته يجيء فيصرخ يا أمير المؤمنين‏!‏ يا أمير المؤمنين فالكلاء أهون على المسلمين من غرم المال ذهبه وورقه‏.‏

والله إنها لأرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام وإنهم ليرون أنى أظلمهم ولولا النعم التي تحمل عليها في سبيل الله ما حميت عن الناس من بلادهم شيئا أبدا ‏.‏

حدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا ابن أبي مريم عن العمري عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين‏.‏

قال لي أبو عبيد‏:‏ بالنون‏.‏

وقال‏:‏ النقيع فيه قاع ذرق وهو الحندقوق‏.‏

وحدثني مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه عن ابن الدراوردي عن محمد بن ابراهيم التيمي عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص أنه وجد غلاما يقطع الحمى فضربه وسلبه فأسه‏.‏

فدخلت مولاته أو امرأة من أهله على عمر رضي الله عنه فشكت إليه سعدا فقال عمر‏:‏ رد الفأس والثياب أبا إسحاق رحمك الله‏.‏

فأبى وقال‏:‏ لا أعطي غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

سمعنه يقول‏:‏ من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه واسلبوه‏.‏

فاتخذ من الفأس مسحاه فلم يزل يعمل بها في أرضه حتى توفي‏.‏

وحدثنا أبو الحسن المدائني عن ابن جعدبة وأبي معشر قالا‏:‏ لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بظريب - التأويل مقدمه من غزوة ذي قرد - قالت له بنو حارثة من الأنصار‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ها هنا مسارح إبلنا ومرعى غنمنا ومخرج نسائنا يعنون موضع الغابة‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من قطع شجرة فليغرس مكانها ودية فغرست الغابة‏.‏

وحدثني عبد الأعلى بن حماد الترسي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في وادي مهزور أن يحبس الماء في الأرض إلى الكعبين فإذا بلغ الكعبين أرسل إلى الأخرى لا يمنع الأعلى الأسفل‏.‏

وحدثنا اسحاق بن أبي إسرائيل قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد‏.‏

عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن وحدثني عمر بن أبي حنيفة قال‏:‏ حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن أبيه قال‏:‏ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومذينب أن يحبس الماء حتى يبلغ الكعبين تم يرسل الأعلى إلى الأسفل‏.‏

قال مالك‏:‏ وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل بطحان بمثل ذلك‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود العجلي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا يزيد ابن عبد العزيز عن محمد بن اسحاق قال‏:‏ حدثنا أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور وادي بني قريظة فقضى أن الماء إلى الكعبين لايحسبه الأعلى على الأسفل‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا حفص بن غياث عن جعفر ابن محمد عن أبيه قال‏:‏ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور أن لأهل النخل إلى العقبين ولأهل الزرع إلى الشراكين ثم يرسلون الماء إلى من هو أسفل منهم‏.‏

وحدثني حفص بن عمر الدوري قال‏:‏ حدثنا عباد بن عباد قال‏:‏ حدثنا هشام بن عروه‏.‏

عن عروة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بطحان على ترعة من ترع الجنة‏.‏

عن ابن جعدبة وغيره قالوا‏:‏ أشرفت المدينة على الغرق في خلافة عثمان من سيل مهزور حتى اتخذ له عثمان ردما ‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ وجاء أيضا بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومئة فبعث إليه عبد الصمد بن علي بن عبد الله العباش وهو الأمير يومئذ عبيد الله بن أبي سلمة العمري فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر وقد ملأ السيل صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم فدلتهم عجوز من أهل العالية على موضع كانت تسمع الناس يذكرونه فحفروه فوجد الماء منسربا فغاص منه إلى وادي بطحان‏.‏

قال‏:‏ ومن مهزور إلى مذينب شعبة يصب فيها‏.‏

حدثني محمد بن أبان الوسطي قال‏:‏ حدثنا أبو هلال الراسي قال‏:‏ حدثنا الحسن قال‏:‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها وسماها طيبة‏.‏

وحدثني أبو عمر حفص بن عمر الدوري قال‏:‏ حدثنا عباد بن عباد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت‏:‏ لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مرض المسلمون بها فكان ممن اشتد به مرضه أبو بكر وبلال وعامر ابن فهيرة فكان أبو بكر رضي الله كل ارمئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال رضي الله عنه يقول‏:‏ ألا ليت شعري هل ابتن ليلة بفخ وحولي أذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل وكان عامر بن فهيرة يقول‏:‏ لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه كل ارمئ مجاهد بطوقه كالثور يحمي جلده بروقه قال‏:‏ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذل‏:‏ فقال‏:‏ اللهم طيب لنا المدينة كما طيبت لنا مكة وبارك لنا في مدها وصاعها‏.‏

حدثنا الوليد بن صالح قال‏:‏ حدثنا الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير بن العوام في أشراج الحرة‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك‏.‏

وأخبرني على الأثرم عن أبي عبيدة قال‏:‏ الأشراج مسايل الماء في الحرار والحرة أرض مفروشة بصخر‏.‏

قال‏:‏ وقال حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا يزيد ابن عبد العزيز حدثنا هشام بن عروة‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ أقطع عمر رضي الله عنه العقيق حتى انتهى إلى أرض فقال‏:‏ ما أقطعت مثلها‏.‏

قال خوات بين جبير‏:‏ أقطعنيها‏.‏

فأقطعه إياها‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن يزيد بن عبد العزيز عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ أقطع عمر العقيق مابين أعلاه إلى أسفله‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة قال‏:‏ خرج عمر يقطع الناس وخرج معه الزبير فجعل عمر يقطع حتى مر بالعقيق فقال‏:‏ أين المستقطعون مذ اليوم ما مررت بقطعة أجود منها‏.‏

فقال الزبير‏:‏ أقطعنيها‏.‏

فأقطعه إياها‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ أقطع عمر العقيق كله حتى انتهى إلى قطيعه خوات بن جبير الأنصاري فقال‏:‏ أين المستقطعون ماأقطعت اليوم أجود من هذه‏.‏

وحدثنا خلف بن هشام البزار قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عياش قال‏:‏ حدثنا هشام بن عروة حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن هشام عن أبيه بمثله‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عروة قال‏:‏ أقطع أبو بكر الزبير ما بين الجرف إلى قناة‏.‏

وأخبرني أبو الحسن المدائني قال‏:‏ قناة واد يأتي من الطائف ويصب إلى الأرحضية وقرقرة الكدر ثم يأتي سد معونة ثم يمر على طرف القدوم ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد‏.‏

وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن عيسى عن مالك بن أنس عن ربيعة عن قوم من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن بناحية الفرع‏.‏

وحدثني عمرو الناقد وابن سهم الأنطاكي قالا‏:‏ حدثنا الهيثم بن جميل الأنطاكي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن أبي مكين عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني قال‏:‏ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا أرضا فيها جبل ومعدن‏.‏

فباع بنو بلال عمر بن عبد العزيز أرضا منها فظهر فيها معدن أو قال معدنان فقالوا‏:‏ إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن‏.‏

وجاؤا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة فقبلها عمر ومسح بها عينه وقال لقيمه‏:‏ أنظر ماخرج منها وما أنفقت وقاصهم بالنفقة ورد عليهم الفضل‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة بن ابي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني‏.‏

عن أبيه بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع‏.‏

وحدثني مصعب الزبيري قال‏:‏ قال مالك بن أنس‏:‏ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع لا اختلاف في ذلك بين علمائنا ولا أعلم بين أحد من أصحابنا خلافا أن في المعدن الزكاة ربع العشر‏.‏

قال مصعب‏:‏ وروى عن الزهري أنه كان يقول في المعن الزكاة وروى عنه أيضا قال فيها الخمس مثل قول أهل العراق‏.‏

وهم يأخذون اليوم من معادن الفرع ونجران وذي المروة ووادي القرى وغيرها الخمس على قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف وأهل العراق‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع بن الجراح قال‏:‏ حدثنا الحسن بن صالح بن حي عن جعفر بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع عليا رضي الله عنه أربع أرضين الفقيرين وبئر قيس والشجرة‏.‏

وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد مثله‏.‏

وحدثني عمر بن محمدة الناقد قال‏:‏ حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال‏:‏ أقطع عمر بن الخطاب عليا رضي الله عنهما ينبع فأضاف إليها غيرها‏.‏

وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه بمثله‏.‏

وحدثني من أثق به عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال‏:‏ نسبت بئر عروة بن الزبير إلى عروة بن الزبير‏.‏

ونسب حوض عمرو إلى عمرو بن الزبير‏.‏

ونسب خليج بنات نائلة إلى ولد نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عثمان ابن عفان‏.‏

وكان بن عفان رضي الله عنه اتخذ هذا الخليج وساقه إلى أرض استخرجها واعتملها بالعرصة‏.‏

وأرض أبي هريرة نسبت إلى أب يهريرة الدوسي‏.‏

والصهوة صدقة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في جبل جهينة‏.‏

وقصر نفيس ينسب فيما يقال إلى نفيس التاجر من محمد بن زيد بن عبيد بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد من الخزرج وهم حلفاء بني زريق بن عبد حارثة من الخزرج وهذا القصر بحرة واقم بالمدينة واستشهد عبيد بن المعلى يوم أحد‏.‏

قال‏:‏ ويقال إنه نفيس بن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة مولى المعلى فلإن عبيدا هذا وأباه من سبى عين التمر ومات عبيد بن مرة أيام الحرة وكان يكنى أبا عبد الله‏.‏

قال‏:‏ وبئر عائشة نسبت إلى عائشة بن نمير بن واقف وعائشة رجل وهو من الأوس‏.‏

وبئر المطلب على طريق العراق نسب إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم‏.‏

وبئر ابن المرتفع نسب إلى محمد بن المرتفع بن النضير العبدري‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن شريك بن عبد الله عن أبي نمر الليثي عن عطاء بن يسار مولى ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير لهلالة قال‏:‏ لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ السوق بالمدينة قال‏:‏ هذا سوقكم لا خراج عليكم فيه‏.‏

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده محمد بن السائب وشرقي بن القطامى الكلبي قالا‏:‏ لما هدم بخنصر بيت المقدس وأجلى وسبى من سبى من بني إسرائيل لحق قوم منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادي القرى وتيماء ويثرب وكان بيثرب قوم من جرهم وبقية من العماليق قد اتخذوا النخل والزرع فأقاموا معهم وخالطوهم فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق حتى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها وصارت عمارتها ومراعيها لهم فمكثوا على ذلك ما شاء الله ثم إن من كان باليمن من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم من الخصب ورفاغة العيش فخلق الله جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم بين جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاؤا فيأتيهم الماء منها على قدر حاجتهم وإرادتهم‏.‏

والسد العرم فلم تزل تلك الجرذان تعمل في ذلك العرم حتى خرقته‏.‏

فأغرق الله تعالى جناتهم وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطًا وأثلا وشيئا من سدر قليلا ‏.‏

فلما رأى ذلك مزيقيا - وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن ارمئ القيس ابن مازن بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان - باع كل شيء له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا الأزد حتى صاروا معه إلى بلاد عك فأقاموا بها‏.‏

وقال عمرو‏:‏ الانتجاع قبل العلم عجز‏.‏

فما رأت عك غلبة الأزد على أجود مواضعهم غمها ذلك‏.‏

فقالت للأزد‏:‏ انتقلوا عنا‏.‏

فقام رجل من الأزد أعود أصم يقال له جذع فوثب بطائفة منهم فقتلهم ونشبت الحرب بين الأزد وعك فانهزمت الأزد ثم عرت فقال جذع في ذلك‏:‏ سيعلمون أينا أرك وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان فسموا بذلك‏.‏

ثم إن الأزد سارت حتى انتهت إلى بلاد حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقاتلوهم‏.‏

فظهرت الأزد على حكم ثم إنه بدا لهم الإنتقال عن بلادهم فانتقلوا وبقيت طائفة منهم معهم‏.‏

ثم أتو نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم فأقاموا بنجران ثم رحلوا عنها إلا قوما منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إلى ذلك فأتوا مكة وأهلها جرهم فنزلوا بطن مر وسأل ثعلبة بن عمرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سهل مكة فأبوا فقاتلهم حتى غلب على السهل‏.‏

ثم إنه والأزد استوبئوا مكانهم ورأوا شدة العيش به فتفرقوا فأتت طائفة منهم عمان وطائفة السراة وطائفة الأنبار والحيرة وطائفة الشام وأقامت طائفة منهم بمكة‏.‏

فقال جذع‏:‏ أكلما صرتم يا معشر الأزد إلى ناحية انخزعت منكم جماعة يوشك أن تكونوا أذنابا في العرب‏.‏

فسمى من أقام بمكة خزاعة‏.‏

وأتى ثعلبة بن عمرو مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة ثم إنهم غنوا وكثروا وعزوا حتى أخرجوا اليهود منها ودخلوها‏.‏

فنزلت اليهود خارجها فالأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو ويقال إنها غسانية من الأزد ويقال إنها وكانت للأوس والخزرج قبل الإسلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء حتى شهر بأسهم وعرفت نجدتهم وذكرت شجاعتهم وجل في قلوب العرب أمرهم وهابوا حدهم فامتنعت حوزتهم وعز جارهم وذلك لما أراد الله من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإكرامهم بنصرته‏.‏

قالوا‏:‏ ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا وعاهدهم عهدا ‏.‏

وكان أول من نقض ونكث منهم يهود بني قينقاع فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة‏.‏

وكان أول أرض افتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بني النضير‏.

 

أموال بني النضير

قال‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير من يهود ومعه أبو بكر وعمر وأسيد بن حضير‏.‏

فاستعانهم في دية رجلين من بني كلاب ابن ربيعة موادعين له كان عمرو بن أمية الضمري قتلهما‏.‏

فهموا بأن يلقوا عليه رحا فانصرف عنهم وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده إذ كان منهم ما كان من الغدر والنكث‏.‏

فأبوا ذلك وأذنوا بالمحاربة‏.‏

فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمس عشرة ليلة ثم صالحوه على أن يخرجوا من بلده ولهم ماحملت الإبل إلا الحلقة والآلة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أرضهم ونخلهم والحلقة وسائر السلاح والحلقة الدروع‏.‏

فكانت أموال بني النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة ومافضل جعله في الكراع والسلاح‏.‏

وأقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض بني النضير أبا بكر وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي وغيرهم‏.‏

وكان أمر بني النضير في سنة أربع من الهجرة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان مخيربق أحد بني النضير حبرا عالما فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ماله له وهو سبعة حوائط‏.‏

فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة‏.‏

وهي الميثب والصافية والدلال وحنى وبرقة والأعواف ومشربة أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مارية القبطية حدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح قال‏:‏ أخبرنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري أن وقيعة بني النضير من يهود كانت على ستة أشهر من يوم أحد فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلمحتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة إل الحلقة فأنزل الله فيهم‏:‏ {‏سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وليخزي الفاسقين‏}‏‏.

وحدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق في قوله‏:‏ ‏{‏وما أفاء الله على رسوله منهم‏}‏ قال‏:‏ من بني النضير‏:‏ ‏{‏فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء‏}‏‏.‏ قال‏:‏ أعلمهم أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة دون الناس‏.‏

فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكر فقرا فأعطاهما‏.‏

قال‏:‏ وأما قوله‏:‏ ‏{‏ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول‏}‏‏.‏ إلى آخر الآية قال‏:‏ هذا قسم آخر بين المسلمين على ما وصفه الله‏.‏

وحدثني محمد بن حاتم السمين قال‏:‏ حدثنا الحجاج بن محمد عن بن جريج عن موسى ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني نضير وقطع‏.‏

وفي ذلك يقول حسان بن ثابت‏:‏ لهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير قال ابن جريج‏:‏ وفي ذلك‏:‏ ‏{‏ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين‏}‏‏.‏ اللينة النخلة‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا حجاج عن ابن جريج عن موسى عن نافع بن عمر بمثله‏.‏

وقال أبو عمرو الشيباني الزاوية وغيره من الرواة‏:‏ إن هذا الشعر لإبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وإنما هو‏:‏ لعز على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير ويروي بالبويلة‏.‏

فأجابه حسان بن ثابت فقال‏:‏ أدام الله ذالكم حريقا وضرم في طوائفها السعير هم أوتوا الكتاب فضيعوه فهم عمي عن التوراة بور وحدثني عمرو بن محمد الناقد قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر عن الزهرىء عن مالك بن أوس بن الحدثان قال‏:‏ قال عمر بن الخطاب‏:‏ كانت أموال بني النضير مما أفآء الله على رسوله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في الكراع عدة في سبيل الله‏.‏

حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال‏:‏ حدثنا حاتم بن اسماعيل قال‏:‏ حدثنا أسامة ابن زيد عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه أخبره أن عمر بن الخطاب قال‏:‏ كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا‏:‏ مال بني النضير وخيبر وفدك‏.‏

فأما أموال بني النضير فكانت حبسا لنوائبه وأما فدك فكانت لأبناء السبيل وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء‏:‏ فقسم جزئين منها بين المسلمين وحبس جزأ لنفسه ونفقه أهله فما فضل من نفقتهم إلى فقراء المهاجرين‏.‏

وحدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا سفيان عن الزهري قال‏:‏ كانت أموال بني النضير مما أفآء الله على رسوله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب‏.‏

فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة فقسمها بين المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار منها شيئا إلا رجلين كانا فقيرين‏:‏ سماك بن خرشة أبا دجانة وسهل بن حنيف‏.‏

وحدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عياش عن الكلبي قال‏:‏ لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أموال بني النضير وكانوا أول من أجلى قال الله تباركوتعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر‏}‏‏.‏ والحشر الجلاء فكانت ممالم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصال‏:‏ ليست لإخوانكم من المهاجرين أموال فإن شئتم قسمت هذه وأموالكم بينكم وبينهم جميعا وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة‏.‏

فقالوا‏:‏ بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت‏.‏

فنزلت‏:‏ ‏{‏ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏}‏‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا فو الله ما مثلنا ومثلكم إل كما قال الغنوى‏:‏ جزى الله عنا جعفر حين أزلقت بنا نعلنا في الواطئتين فزلت أبوا أن يملونا ولو أن أمنا نلاقي الذي يلقون منا لملت فذو المال موفور وكل معصب إلى حجرات أدفأت وأظلت وحدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ أخبرنا قيس بن الربي عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام أرضا من أرض بني النضير ذات نخل‏.‏

وحدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى قال‏:‏ حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن هشام ابن عروة عن أبيه قال‏:‏ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير من أموال بني النضير وأقطع الزبير‏.‏

وحدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي قال‏:‏ حدثني أنس بن عياض وعبد الله ابن نمير قالا‏:‏ حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير فيها نخل وأن أبا بكر أقطع الزبير الجرف‏.‏

قال أنس في حديثه‏:‏ أرضا مواتا وقال عبد الله بن نمير في حديثه‏:‏ وإن عمر أقطع الزبير العقيق أجمع‏.‏

أموال بني قريظة قالوا‏:‏ حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة لليال من ذى القعدة وليال من ذى الحجة سنة همس فكان حصارهم خمس عشرة ليلة‏.‏

وكانوا ممن أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب ثم إنهم نزلوا على حكمه فحكم فيهم سعد بن معاذ الأوسي فحكم بقتل من جرت عليه المواسي وبسبي النساء والذرية وأن يقسم مالهم بين المسلمين‏.‏

فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وقال‏:‏ لقد حكمت بحكم الله ورسوله‏.‏

حدثني عبد الواحد بن غياث قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب دخل مغتسلا ليغتسل فجاءه جبريل فقال‏:‏ يامحمد‏!‏ قد وضعتم أسلحتكم وما وضعنا أسلحتنا بعد‏.‏

انهد إلى بني حدثني عبد الواحد بن غياث‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن كثير بن السائب أن بني قريظة عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم فمن كان منهم محتلما أو قد نبتت عانته قتل ومن لم يكن احتلم ولا نبتت عانته ترك‏.‏

وحدثني وهب بن بقية قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن الحسن قال‏:‏ عاهد حيى بن أخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يظاهر عليه أحدا ‏وجعل الله عليه كفيلا‏.‏ فلما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلميوم قريظة وبابنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد أوفى الكفيل‏.‏

ثم أمر به فضربت عنقه وعنق ابنه‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال‏:‏ سألت الزهري هل كانت لبنى قريظة أرض فقال سديدا ‏:‏ قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السهام‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي يصالح حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة حتى نزلوا على حكم سعد بن معذ‏.‏

فقضى بأن تقتل رجالهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم‏.‏

فقتل منهم يومئذ كذا وكذا رجلا ‏.‏

خيبر قالوا‏:‏ غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر في سنة سبع فطاوله أهلها وما كثوه وقاتلوا المسلمين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من شهر ثم إنهم صالحوه على حقن دمائهم وترك الذرية على أن يجلوا ويخلوا بين المسلمين وبين الأرض والصفراء والبيضاء والبزة إلا ما كان منها على الأجساد وأن لا يكتموه شيئا ‏.‏

قم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن لنا بالعمارة والقيام على النخل علما فأقرنا‏.‏

فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاملهم على الشطر من الثمر والحب وقال‏:‏ أقركم ما أقركم الله‏.‏

فلما كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظهر فيهم الوباء وتعبثوا بالمسلمين فأجلاهم عمر وقسم خيبر حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا زياد بن عبد الله ابن طفيل عن محمد ين إسحاق قال‏:‏ سألت ابن شهاب عن خيبر فأخبرني أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتحها عنوة بعد القتال وكانت مما أفآء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمها بين المسلمين ونزل من نزل من أهلها على الجلاء فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المعاملة ففعلوا‏.‏

وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد بن عمر عن نافع عن ابن عمر اقل‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل وصالحهم على أن يحقن دماءهم ويجلوا ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة‏.‏

واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد‏.‏

فغيبوا مسكا فيه مال وحلى لحى بن أخطب وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت بنو النضير‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعية بن عمرو‏:‏ مافعل مسك حيى الذي جاء به من قبل بني النضير قال‏:‏ أذهبته الحروب والنفقات‏.‏

قال‏:‏ العهد قريب والمال كثير‏.‏

وقد كان حيى قتل قبل ذلك‏.‏

فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية إلى الزبير فمسه بعذاب‏.‏

فقال‏:‏ رأيت حييا يطوف في خربة ها هنا‏.‏

فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا المسك‏.‏

فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا‏.‏

ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلمان يقومون بها وكانوا لا يفرغون للقيام عليها بأنفسهم فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء مابدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فكان عبد الله بن رواحة بأتيهم في كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر‏.‏

فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه وأرادوا أن ي رشوه فقال‏:‏ يا أعداء الله‏!‏ أتطعمونني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي وإنكم لأبغض إلي من عدتكم من القرود والخنازير ولن يحملني بغض لكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم‏.‏

فقالوا‏:‏ بهذا قامت السموات والأرض‏.‏

قال‏:‏ ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية بنت حيى خضرة‏.‏

فقال‏:‏ ياصفية‏!‏ فقالت‏:‏ كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة فرأيت كأن قمرا وقع في حجري‏.‏

فأخبرته بذلك فلطمني وقال‏:‏ أتتمنين ملك يثرب قالت‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلي قتل زوجي وأبي وأخي‏.‏

فما زال يعتذر ويقول‏:‏ إن أباك ألب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي‏.‏

قال‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل ارمأة من نسائه ثمانين وسقا من ثمر كل عام وعشرين وسقا من شعير من خيبر‏.‏

قال نافع‏:‏ فلما كان عمر بن الخطاب عاثوا في المسلمين وغشوهم وألقوا ابن عمر من فوق بيت وفدغوا يديه فقسمها عمر رضي الله عنه بين المسلمين ممن كان شهد خيبر من أهل الحديبيه‏.‏

وحدثنا الحسين بن الأسود حدثنا يحيى بن آدم عن زياد البكائي عن محمد ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال‏:‏ حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنيهم الوطيح وسلالهم فلما أيقنوا بالتهلكة سألوه أن يسيرهم ويحقن دمائهم ففعل‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها‏:‏ الشق والنطاة والسكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان في هذين الحصنين‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا عبد السلام ابن حرب عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأثابهم فتحا قريبا‏}‏‏.‏ قال‏:‏ خيبر وأخرى لم حدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما وجعل كل سهم مائة سهم فعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين‏.‏

فكان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم الشق والنطاة وما حيز معهما‏.‏

وكان فيما وقف الكتيبة وسلالم‏.‏

فلما صارت الأموال في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له من العمال من يكفيه عمل الأرض فدفعها إلى اليهود يعملونها على نصف ما خرج منها فلم تزل على ذلك حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمرو كثر المال في أيدي المسلمين وقووا على الأرض أجلى اليهود إلى الشام وقسم الأموال بين المسلمين‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر كان سهم الخمس منها الكتيبة وكان الشق والنطاة وسلالم والوطيح للمسلمين فأقرها في يد يهود على اشطر فكان ما أخرج الله منها للمسلمين يقسم بينهم حتى كان عمر فقسم رقبة الأرض بينهم على سهامهم‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا علي بن معبد عن أبي المليح عن ميمون بن مهران قال‏:‏ حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر ما بين عشرين ليلة حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ أخبرنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما ‏:‏ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما لما ينوبه من الحقوق وأمر الناس والوفود وقسم ثمانية عشر سهما كل سهم لمائة رجل‏.‏

وحدثنا الحن قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن عبد السلام بن حرب عن يحيى بن سعيد قال‏:‏ سمعت بشير بن يسار يقول‏:‏ قسمت سهمان خيبر على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم‏.‏

فكان من ذلك للمسلمين ثمانية عشر سهما اقتسموها بينهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس والوفود وما نابه‏.‏

حدثنا عمرو الناقد والحسين بن الأسود قالا‏:‏ حدثنا وكيع بن الجراح قال‏:‏ حدثني العمري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة إلى خيبر فخرص عليهم النخل ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردوا‏.‏

فقالوا‏:‏ هذا الحق وبه قامت السموات والأرض‏.‏

وحدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال‏:‏ حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج عن رجل من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح بني أبي الحقيق على أن لايكتموا كنزا ‏.‏

فكتموه فاستحل دماءهم‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا بن معبد عن أبي المليح عن ميمون بن مهران أن أهل خيبر أخذوا الأمان على أنفسهم وذراريهم على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء في الحصن‏.‏

قال‏:‏ وكان في الحصن أهل بيت فيهم شدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال لهم قد عرفت عداوتكم لله ولرسوله ولن يمنعني ذلك من أن أعطيكم ما أعطيت أصحابكم وقد أعطيتموني أنكم إن كتمتم شيئا حلت لي دماؤكم‏.‏

ما فعلت آنيتكم قالوا‏:‏ استهلكناها في حربنا‏.‏

قال‏:‏ فأمر أصحابه فأتو المكان الذي هي فيه فاستثاروها ثم ضرب أعناقهم‏.‏

حدثنا عمرو الناقد ومحمد بن الصباح قالا‏:‏ حدثنا هشيم قال‏:‏ أخبرنا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال‏:‏ دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بأرضها ونخلها إلى أهلها مقاسمة على النصف‏.‏

حدثنا محمد بن الصباح قال‏:‏ حدثنا هشيم بن بشير قال‏:‏ أخبرنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال‏:‏ دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر إلى أهلها بالنصف وبعث عبد الله بن رواحة لخرص التمر أو قال النخل‏.‏

فخرص عليهم وجعل ذلك نصفين فخيرهم أن يأخذوا أيهما شاؤا‏.‏

فقالوا‏:‏ بهذا قامت السموات والأرض‏.‏

وحدثنا بعض أصحاب أبي يوسف قال‏:‏ حدثنا أبو يوسف عن مسلم الأعور عن أنس أن عبد الله بن رواحة قال لأهل خيبر‏:‏ إن شئتم خرصت وخيرتكم وإن شئتم خرصتم وخيرتموني‏.‏

فقالوا‏:‏ بهذا قامت السماوات والأرض‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح المصري عن ليث ابن سعد عن يونس بن زيد عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة بعد قتال فخمسها وقسم أربعة أخماسها بين المسلمين‏.‏

وحدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال‏:‏ قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لاجتمع دينان في جزيرة العرب‏.‏

ففحص عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يجتمع دينان في جزيرة العرب فأجلى يهود خيبر‏.‏

عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم من سهمه بخيبر طعما فجعل لكل أرملة من نساءه ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير وأطعم عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه مائتي وسق وأطعم أبا بكر وعمر والحسن والحسين وغيرهم وأطعم بني المطلب ابن عبد مناف أو ساقا معلومة وكتب لهم بذلك كتابا ثابتا‏.‏

وحدثني الوليد عن الواقدي عن أفلح بن حميد عن أبيه قال‏:‏ ولاني عمر بن عبد العزيز الكتيبة فكنا نعطي ورثة المطعمين وكانوا محصين عندنا‏.‏

وحدثنا محمد بن حاتم السمين قال‏:‏ حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن نافع قال‏:‏ أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أهلها بالشطر فكانت في أيديهم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر ثم إن عبد الله بن عمر أتاهم في حاجة فبيتوه فأخرجهم منها وقسمها بين من حضرها من المسلمين وجعل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيها نصيبا وقال‏:‏ آيتكن شاءت أخذت الثمرة وآيتكن شاءت أخذت الضيعة فكانت لها ولورثتها‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عياش عن الكلبي عن أب يصالح عن ابن عباس قال‏:‏ قسمت خيبر على ألف وخمس مائة سهم وثمانين سهما وكانوا ألفا وخمس مائة وثمانين رجلا الذين شهدوا الحدييية منهم ألف وخمس مائة وأربعون والذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبسة أربعون رجلا ‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا بخيبر فيها نخل وشجر‏.‏

فدك قالوا‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك منصرفه من خيبر محيصة بن مسعود الأنصاري بدعوهم إلى الإسلام ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي‏.‏

فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصف الأرض بتربتها‏.‏

فقبل ذلك منهم‏.‏

فكان نصف فدك خالصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب‏.‏

وكان يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل‏.‏

ولم يزل أهلها بها إلى أن استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأجلى يهود الحجاز‏.‏

فوجه أبا الهيثم مالك بن التيهان ويقال النيهان وسهل بن أبي حيثمة وزيد بن ثابت الأنصاريين فقوموا نصف تربتها بقيمة عدل فدفعها إلى حدثنا سعيد بن سليمان عن الليث بن سعيد عن يحيى بن سعيد أن أهل فد صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نصف أرضهم ونخلهم‏.‏

فلما أجلاهم عمر بعث من أقام لهم حظهم من النخل والأرض فأداه إليهم‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى أهل فدك قيمة نصف أرضهم ونخلهم‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن اسحاق عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا‏:‏ بقيت بقية من أهل خيبر تصحنوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لأنه لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب‏.‏

وحدثنا الحسين عن يحيى بن آدم عن زياد البكائي عن محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه وزاد فيه‏:‏ وكان في من مشى بينهم محيصه ابن مسعو‏.‏

وحدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن حميد عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا‏.‏

فكانت أرض بني النضير حبسا وكانت لنوائبه وجزأ خيبر على ثلاثة أجزاء وكانت فدك لأبناء السبيل‏.‏

حدثنا عبد الله بن صالح العجلي قال‏:‏ حدثنا صفوان بن عيسى عن أسامة ابن زيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه موارثيهن من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفد‏.‏

فقالت لهن عائشة‏:‏ أما تتقين الله‏!‏ أما سمعتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا نورث‏.‏

ما تركنا صدقة‏.‏

إنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم وضيفهم فإذا من فهو إلى والي الأمر بعدي‏.‏

قال‏:‏ فأمسكن‏.‏

حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا صفوان بن عيسى الزهري عن أسامة عن ابن شهاب عن عروة بمثله‏.‏

حدثني ابراهيم بن محمد عن عرعرة عن عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي أن بني أمية اصطفوا فدك وغيروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فلما ولي عمر بن عبد العزير رضي الله عنه ردها إلى ما كانت عليه‏.‏

وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب قال‏:‏ أخبرنا الفضيل بن عياض عن مالك ابن جعونه عن أبيه قال‏:‏ قالت فاطمة لأبي بكر‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لي فدك فاعطني إياها‏.‏

وشهد لها علي بن أبي طالب‏.‏

فسالها شاهدا آخر فشهدت لها أم أيمن‏.‏

فقال‏:‏ قد علمت يابنت رسول الله أنه لا تجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين‏.‏

فانصرفت‏.‏

وحدثني روح الكرابيسي قال‏:‏ حدثنا زيد بن الحباب قال‏:‏ أخبرنا خالد ابن طهمان عن رجل حسبه روح جعفر بن محمد أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر الصدبق رضي الله عنه‏:‏ أعطني فدك فقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لي‏.‏

فسألها البينة فجاءت بأم أيمن ورباح مولي النبي صلى الله عليه وسلم فشهدا لها بذلك‏.‏

فقال‏:‏ إن هذا الأمر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين‏.‏

حدثنا ابن عائشة التيمي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح باذام عن أم هاني أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقالت له‏:‏ من يرثك إذ مت قال‏:‏ ولدي وأهلي قالت‏:‏ فما بالك ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا فقال‏:‏ يابنت رسول الله‏!‏ والله ما ورثت أباك ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا كذا‏.‏

فقالت‏:‏ سهمنا بخيبر وصدقتنا فدك‏.‏

فقال‏:‏ يابنت رسول الله‏!‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إنما هي طعمة أطعمنيها الله حياتي فإذا مت فهي بين المسلمين‏.‏

عن مغيرة أن عمر بن عبد العزيز جمع بني أمية فقال‏:‏ إن فدك كانت للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فكان ينفق منها ويأكل ويعود على فقراء بني هاشم ويزوج أمهم‏.‏

وإن فاطمة سألته أن يهبها لها فأبى‏.‏

فلما قبض عمل أبو بكر فيها كعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولي عمر فعمل فيها بمثل ذلك‏.‏

وإني أشهدكم أني قد رددتها إلى ما كانت عليه‏.‏

حدثنا سريج بن يونس قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن الزهري في قول تعالى‏:‏ ‏{‏فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب‏}‏‏.‏ قال‏:‏ هذه قرى عربية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدك وكذا وكذا‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا سعيد بن عفير عن مالك بن أنس - قال أبو عبيد‏:‏ لاأدري ذكره عن الزهي أم لا - قال‏:‏ أجلى عمر يهود خيبر فخرجوا منها‏.‏

فأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمرة ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحهم على ذلك‏.‏

فأقام لهم عمر نصف الثمرة ونصف الأرض من ذهب وورق وأقتاب ثم أجلاهم‏.‏

وحدثني عمرو النقاد قال حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي عن أبيه عن أبي برقان أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة خطب فقال‏:‏ إن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب‏.‏

فسألته إياها فاطمة رحمها الله تعالى فقال‏:‏ ما كان لك أن تسأليني وما كان لي أن أعطيك‏.‏

فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل‏.‏

ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم ولي معاوية فأقطعها مروان بن الحكم فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك فصارت لي وللوليد وسليمان‏.‏

فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي وسألت سليمان حصته منها فوهبها لي فاستجمعهتا‏.‏

وما كان لي من مال أحب إلي منها فاشهدوا أني قد رددتها إلى ما كانت عليه‏.‏

ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة‏:‏ أما بعد فإن أمير المؤمنين بمكانة من دين الله وخلافة رسوله صلى الله عليه وسلم والقرابة به أولى من استن سنته ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته وإليه في العمل بما يقر به إليه رغبته‏.‏

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدك وتصدق بها عليها وكان ذلك أمرا ظتهرا معروفا لا اختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ أمره وصدقته‏.‏

فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله‏.‏

فلئن كان ينادي في كل موسم - بعد أن قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم - أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته إن فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها‏.‏

وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين بأمره يرد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية امير المؤمنين إياها القيام بها لأهلها‏.‏

فأعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه من قبلك وعامل محمد بن يحيى ومحمد عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله والسلام‏.‏

وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين‏.

 

أمر وادي القرى وتيماء

قالوا‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفة من خيبر وادي القرى فدعا أهلها إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوةً وغنمه الله أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثًا ومتاعًا فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وترك النخل والأرض في أيدي اليهود وعاملهم على نحو ما عامل أهل خيبر‏.‏

فقيل إن عمر أجلى يهودها وقسمها بين قاتل عليها وقيل إنه لم يجلهم لأنها خارجة من الحجاز‏.‏

وهي اليوم مضافة إلى عمل المدينة وأعراضها‏.‏

وأخبرني عدة من أهل العلم أن رفاعة بن زيد الجذامي كان أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا يقال له معمم فلما كانت غزاة وادي القرى أصابه سهم غرب وهو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل‏:‏ يا رسول الله هنيئًا لغلامك أصابه سهم فاستشهد‏.‏

فقال‏:‏ كلا إن الشعلة التي أخذها من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه نارًا‏.‏

حدثني شيبان بن فروع قال‏:‏ حدثنا أبو الأشهب عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ استشهد فتاك فلان‏.‏

فقال‏:‏ إنه يجر إلى وحدثني عبد الواحد بن غياث قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن عبد الله بن سفيان قال‏:‏ وحدثنا حبيب بن الشهيد عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هنيئًا لك استشهد فتاك فلان‏.‏

فقال‏:‏ بل هو يجر إلى النار في عباءة غلها‏.‏

قالوا‏:‏ ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل وادي القرى صالحوه على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضوهم في أيديهم وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية وادي القرى وولى يزيد بن أبي سفيان بعد الفتح وكان إسلامه يوم فتح تيماء‏.‏

وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن حكيم‏.‏

عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب أجلى أهل فدك وتيماء وخيبر‏.‏

قال‏:‏ وكان قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل وادي القرى في جمادى الأخرى سنة سبع‏.‏

حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال‏:‏ أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن النعمان بن هوذة العذري رمية من وادي القرى وكان سيد بنى عذره وهو أول أهل الحجاز قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة بنى عذره‏.‏

وحدثني علي بن محمد بن عبد الله مولى قريش عن العباس بن عامر عن عمه قال‏:‏ أتى عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضًا بوادي القرى وأحيا إليها أرضًا وليست لك بذلك المال عناية فقد ضاع وقلت غلته فأقطعنيه فإنه لا خطر له‏.‏

فقال يزيد‏:‏ إنا لا نبخل بكبير ولا نخدع عن صغير‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ غلته كذا‏.‏

قال‏:‏ هو لك‏.‏

فلما ولى قال يزيد‏:‏ هذا الذي يقال إنه بلى بعدنا فإن يكن ذلك حقًا فقد صانعناه وإن يكن باطلًا فقد وصلناه‏.‏

مكة قالوا‏:‏ لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا عام الحيبية وكتب القضية على الهدنة وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل وأنه من أتى قريشا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه ومن أتاه منهم ومن حلفائهم رده قام من كان من كنانة فقالوا‏:‏ ندخل في عهد قريش ومدتها وقامت خزاعة فقالت‏:‏ ندخل في عهد محمد وعقده‏.‏

وقد كان بين عبد المطلب وخزاعة حلف قديم فلذلك قال عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي‏:‏ لا هم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا ثم إن رجلًا من خزاعة سمع رجلًا من كنانة ينشد هجاءً في رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثب عليه فشجه فهاج ذلك بينهم الشر والقتال وأعانت قريش بني كنانة وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة فكان ذلك مما نقضوا به العهد والقضية‏.‏

وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو ابن سالم بن حصيرة الخزاعي يستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه ذلك إلى غزو مكة‏.‏

وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة في حديث طويل قال‏:‏ فهادنت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يأمن بعضهم بعضًا على الأغلال والأسلاب أو قال إرسال فمن قدم مكة حاجًا أو معتمرًا أو مجتازًا إلى اليمن والطائف فهو آمن ومن قدم المدينة‏.‏

من المشركين عامدًا إلى الشام والمشرق فهو آمن‏.‏

قال‏:‏ فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهده بني كعب وأدخلت قريش في عهدها حلفاءها من بنى كنانة‏.‏

عن عكرمة أن بني بكر من كنانة كانوا في صلح قريش وكانت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلت بنو بكر وخزاعة بعرمة فأمدت قريش بنى بكر بالسلاح وسقوهم ألماء وظللوهم‏.‏

فقال‏:‏ بعضهم لبعض‏:‏ نكثتم العهد‏.‏

فقالوا‏:‏ ما نكثنا والله‏.‏

ما قاتلنا إنما مددناهم وسقيناهم وظللناهم‏.‏

فقالوا لأني سفيان بن حرب‏:‏ انطلق فأجد الحلف وأصلح بين الناس‏.‏

فقدم أبو سفيان المدينة فلقي أبا بكر فقال له‏:‏ يا أبا بكر‏!‏ أجد الحلف وأصلح بين الناس‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ الق عمر‏.‏

فلقي عمر فقال له‏:‏ أجد الحلف وأصلح بين الناس‏.‏

فقال عمر‏:‏ قطع الله منه ما كان متصلًا وأبلى ما كان جديدًا‏.‏

فقال أبو سفيان‏:‏ تالله ما رأيت شاهد عشيرة شرًا منك‏.‏

فانطلق إلى فاطمة فقالت‏:‏ الق عليا‏.‏

فلقيه فذكر له مثل ذلك فقال علي‏:‏ أنت شيخ قريش وسيدها فأجد الحلف وأصلح بين الناس‏.‏

فضرب أبو سفيان يمينه على شماله وقال‏:‏ قد جددت الحلف وأصلحت بين الناس‏.‏

ثم انطلق حتى أتى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن أبا سفيان قد أقبل وسيرجع راضيًا بغير قضاء حاجة فلما رجع إلى أهل مكة أخبرهم الخبر فقالوا‏:‏ تالله ما رأينا أحمق منك‏.‏

ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلم فنأمن‏.‏

وجاءت خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ما أصابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني قد أمرت بإحدى القريتين مكة أو الطائف وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير‏.‏

فخرج في أصحابه وقال‏:‏ اللهم اضرب على آذانهم فلا يسمعوا حتى نبغتهم بغتة‏.‏

وأغذ المسير حتى نزل مر الظهران‏.‏

وقد كانت قريش قالت لأبي سفيان‏:‏ ارجع‏.‏

فلما بلغ مر الظهران ورأى النيران والأخبية قال‏:‏ ما شأن الناس كأنهم أهل عشية عرفة وغشيته خيول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوه أسيرًا‏.‏

فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وجاء عمر فأراد قتله فمنعه العباس وأسلم فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما كان عند صلاة الصبح تحشحش الناس وضوءًا للصلاة‏.‏

فقال أبو سفيان للعباس بن عبد المطلب‏:‏ ما شأنهم يريدون قتلى قال‏:‏ لا ولكنهم قاموا إلى الصلاة‏.‏

فلما دخلوا في صلاتهم رآهم إذا ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعوا وإذا سجد سجدوا‏.‏

فقال‏:‏ تالله ما رأيت كاليوم طواعية قوم جاؤا من هاهنا وهانا ولا فارس الكرام ولا الروم ذات القرون‏.‏

فقال العباس‏:‏ يا رسول الله ابعثني إلى أهل مكة ادعهم إلى الإسلام‏.‏

فلما بعثه أرسل في أثره وقال‏:‏ ردوا على عمي لا يقتله المشركون‏.‏

فأبى أن يرجع حتى أتى مكة‏.‏

فقال‏:‏ أي قوم‏!‏ أسلموا تسلموا‏.‏

أتيتم أتيتم واستبطنتم بأشهب بأزل‏.‏

هذا خالد بأسف مكة وهذا الزبير بأعلى مكة وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار وخزاعة‏.‏

فقالت قريش‏:‏ وما خزاعة الأنوف‏!‏ حدثنا عبد الواحد بن غياث قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن قائل خزاعة قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا هم إني ناشدٌ محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا فانصر هداك الله نصرًا أبدًا وادع عباد الله يأتوا مددا قال حماد‏:‏ فحدثني علي بن زيد‏.‏

عن عكرمة أن خزاعة نادوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فقال‏:‏ لبيكم‏.‏

وقال الواقدي وغيره‏:‏ تسلح قوم من قريش يوم الفتح وقالوا‏:‏ لا يدخلها محمد إلا عنوة فقاتلهم خالد بن الوليد وكان أول من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول فقتل أربعة وعشرين رجلًا من قريش وانهزم الباقون فاعتصموا برؤوس الجبال وتوقلوا فيها واستشهد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كرز بن جابر الفهري وخالد الاشعر الكعبي وقل هشام بن الكلبي‏:‏ هو حبيش بن الاشعر الكعبي من خزاعة‏.‏

وحدثنا شيبان بت أبي شيبة الأبلى حدثنا سليمان بن المغيرة قال‏:‏ حدثنا ثابت البستاني عن عبد الله بن رباح قال‏:‏ وفدت وفود إلى معاوية وذلك في شهر رمضان وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله قال‏:‏ فصنعت لهم طعامًا ودعوتهم فقال أبو هريرة‏:‏ ألا أعللكم بحديث من حديثكم معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة فقال‏:‏ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالد بن الوليد على الأخرى وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر فأخذوا بطن الوادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته فرآني فقال‏:‏ يا أبا هريرة‏!‏ قلت‏:‏ لبيك يا رسول الله قال‏:‏ ناد الأنصار فلا يأت أنصاري قال‏:‏ فناديتهم فطافوا به وجمعت قريش أوباشها وأتباعها وقلوا‏:‏ نقدم هؤلاء فان أصابوا ظفرًا كنا معهم وان أصيبوا أعطينا الذي يسأل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أترون أوباش قريش قالوا‏:‏ نعم بإحدى يديه على الأخرى يشير أن اقتلوهم ثم قال‏:‏ وافوني بالصفا قال‏:‏ فانطلقنا فما يشاء أحد أن يقتل أحدًا إلا قتله فجاء أبو سفيان فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن اغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن فقال بعض الأنصار لبعض‏:‏ أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وكان إذا جاءه لم يخف علينا فقال‏:‏ يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا قلوا‏:‏ قد كان ذلك يا رسول الله قال‏:‏ كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فجعلوا يبكون ويقولون‏:‏ والله ما قلنا الذي قلنا إلا للضن برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ وأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلقوا أبوابها ووضعوا سلاحهم واقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت واتى على صنم كان إلى جنب الكعبة وفي يده قوس قد أخذ بسيتها فجعل يطعن في عين الصنم ويقول‏:‏ ‏{‏جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا‏}‏‏.‏ قال‏:‏ فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاه حتى نظر إلى البيت ثم رفع يده يحمد الله ويدعو‏.‏

حدثنا محمد بن الصباح قال‏:‏ أخبرنا هشيم عن حضين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة‏:‏ لا يجهزن على جريح ولا يتبعن مدبر ولا يقتلن أسير ومن أغلق بابه فهو آمن قال الواقدي‏:‏ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان سنة ثمان فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة إلى الفطر ثم توجه لغزوة حنين‏.‏

وولى مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم الأصنام ومحو الصور التي كانت في الكعبة وقال‏:‏ ابن خطل ولو كان متعلقًا بأستار الكعبة‏.‏

فقتله أبو برزة الأسلمي‏.‏

قال أبو اليقظان‏:‏ واسم ابن خطل قيس وقتله أبو شرياب الأنصاري وكانت لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت إحداهما وبقيت الأخرى حتى كسرت لها ضلع أيام عثمان فماتت‏.‏

وقتل نميلة بن عبد الله الكناني مقيس بن ضبابة الكناني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر من وجده أن يقتله‏.‏

وذلك لأن أخاه هاشم ابن ضبابة بن خزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله رجل من الأنصار خطأ وهو يظنه مشركا‏.‏

فقدم مقيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى له بالدية على عاقلة القاتل فأخذا وأسلم ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدًا وقال‏:‏ شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا يضرج ثوبيه دماء الأخداع ثأرت به قهرًا وحملت عقله سراة بني النجار أرباب فارع حللت به وترى وأدركت ثؤرتي وكنت عن الإسلام أول راجع وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحويرث بن نقيذ بن بحير بن عبد ابن قصي وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقتله من وجده‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرازق عن معمر عن الكلبي قال‏:‏ جاءت قينة لهلال بن عبد الله وهو ابن خطل الأدرمي من بني تيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم متنكرة فأسلمت وبايعت وهو لا يعرفها فلم يعرض لها‏.‏

وقتلت قينة له أخرى وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ وأسلم ابن الزبعري السهمي قبل أن يقدر عليه‏.‏

ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان قد أباح دمه يوم الفتح ولم يعرض له‏.‏

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال‏:‏ حدثنا هشيم قال‏:‏ أخبرنا خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم مكة فقال‏:‏ الحمد لله الذي صدق وعده ونصر جنده وهزم الأحزاب وحده ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية وكل دمٍ ودعوى موضوعةٌ تحت قدمي إلا سدانة البيت وسقاية الحاج‏.‏

وحدثنا خلف الزار حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أشياخة قالوا‏:‏ لما كان يوم فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش‏:‏ ما تظنون قالوا‏:‏ نظن خيرًا ونقول خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت‏.‏

قال‏:‏ فلإني أقول كما قال أخي يوسف عليه السلام ‏:‏ {‏لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين‏}‏‏.‏ ألا كل دين ومال ومأثرةٍ كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي إلا سدانة البيت وسقاية الحاج‏.‏

حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته‏:‏ ألا إن مكة حرام ما بين أخشبيها لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار‏.‏

لا يختلى خلاها ولا تعضد عضاهها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا أن يعرف أو يعرف‏.‏

فقال العباس رحمه الله‏:‏ إلا الأذخر فلإنه لصاغتنا وقيوننا وطهور بيوتنا فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ إلا الأذخر‏.‏

حدثنا يوسف بن موسى القطان قال‏:‏ حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يختلى خلى مكة ولا بعضد شجرها‏.‏

فقال العباس‏:‏ إلا الأذخر فلإنه للقيون وطهور البيوت‏.‏

فرخص في ذلك‏.‏

حدثنا شيبان قال‏:‏ حدثنا أبو هلال الراسي عن الحسن قال‏:‏ أراد عمر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله‏.‏

فقال له أبي بن كعب الأنصاري‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ قد سبقك صاحباك ولو كان هذا فضلًا لفعلاه‏.‏

وحدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مكة حرام لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها‏.‏

حدثنا محمد بن حاتم المروزي قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ قلت يا رسول الله‏.‏

ابن لك بناء يظلك من الشمس بمكة فقال‏:‏ إنما هي مناخ من سبق‏.‏

حدثنا خلف بن هشام الزار حدثنا أسماعي عن ابن جريج قال‏:‏ قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء بيوت مكة‏.‏

حدثنا أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن اسرائيل عن نوثر عن محاهد عن ابن عمر قال‏:‏ الحرم كله مسجد‏.‏

حدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان قال‏:‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون على بيوت مكة أجرًا فإنه لا يحل لهم‏.‏

حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال‏:‏ حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن سابط في قوله‏:‏ ‏{‏سواءً العاكف فيه والباد‏}‏‏.‏ قال‏:‏ البادي من يخرج من الحجاج والمعتمرين هم سواء في المنازل ينزلوا حيث شاؤا غير أن لا يخرج أحد من بيته‏.‏

حدثنا عثمان قال‏:‏ حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في هذه الآية قال‏:‏ أهل مكة وغيرهم في المنازل سواء‏.‏

وحدثنا عثمان وعمرو قالا‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال لأهل مكة‏:‏ لا تتخذوا لدوركم أبوابًا لينزل البادي حيث شاء‏.‏

وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وبكر بن الهيثم قالا‏:‏ حدثنا يحيى بن ضريس الرازي عن سفيان عن أبي حصين قال‏:‏ قلت لسعيد بن جبير وهو بمكة‏:‏ إني أريد أن أعتكف‏.‏

فقال‏:‏ أنت عاكف‏.‏

ثم قرأ ‏{‏سواءً العاكف فيه والباد‏}‏‏.‏

حدثنا عثمان قال‏:‏ حدثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏سواءً العاكف فيه والباد‏}‏‏.‏ قال‏:‏ خلق الله فيه سواءٌ‏:‏ أهل مكة وغيرها‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ كان يتخاصم إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في أجور الدور بمكة فيقضى بها على من اكتراها‏.‏

وهو قول مالك وابن أبي ذئب‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ رأيت ابن أبي ذئب يأتيه كراء داره بمكة بين الصفا والمروة‏.‏

وقال الليث بن سعد‏:‏ ما كان من دار فأجرها طيب لصاحبها فأما القاعات والسكك والأفنية والخرابات فمن سبق نزل ذلك بغير كراء‏.‏

وأخبرني أبو عبد الرحمن الأودي عن الشافعي بمثل ذلك‏.‏

وقال سفيان بن سعيد الثوري‏:‏ كراء بيوت مكة حرام‏.‏

وكان يشدد في ذلك‏.‏

وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى وأبو حنيفة‏:‏ إن كراها في ليالي الحج فالكرآء باطلٌ وإن كان في غير ليالي الحج وكان المكتري مجاورًا أو غير ذلك فلا بأس‏.‏

وقال بعض أصحاب أبي يوسف‏:‏ كراؤها حل طلق وإنما يستوي العاكف والبادي في الطواف بالبيت‏.‏

حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن موسى عن الحسن ابن صالح عن العلاء بن المسيب عن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان لا يرى ببقل مكة ولا بالزرع الذي يزرع فيها ولا شيء مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل بأسًا أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت‏.‏

قال‏:‏ وإنما كره ما أنبتت الأرض بمكة من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الإذخر‏.‏

وقال‏:‏ محمد بن عمر الواقدي‏:‏ قال مالك وابن أبي ذئب‏:‏ في محرم أو حلال قطع شجر من الحرم أنه قد أساء فإن كان جاهلًا علم ولا شيء عليه وإن كان عالمًا خالعًا عوقب ولا قيمة عليه ومن قطع من ذلك شيئًا فلا بأس أن ينتفع به‏.‏

قال‏:‏ وقال سفيان الثوري وأبو يوسف‏:‏ عليه في الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع بذلك‏.‏

وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وقال سفيان بن سعيد وأبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ كل شيء مما لا ينبته الناس فعلى قاطعة قيمة‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ سألت الثوري وأبا يوسف عن رجل أنبت في الحرم مالا ينبته الناس فقام عليه حتى نبت له أله أن يقطعه قالا‏:‏ نعم‏.‏

قلت‏:‏ فإن نبتت في بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها قالا‏:‏ يصنع بها ما شاء‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ روى لنا أن ابن عمر كان يأكل بمكة بقلًا زرع في الحرم‏.‏

وحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثني الواقدي عن معاذ بن محمد قال‏:‏ رأيت على مائدة الزهري بقلًا من الحرم‏.‏

قال أبو حنيفة‏:‏ لايرعى الرجل المحرم بعيره في الحرم ولا يحتش له‏.‏

وهو قول زفر‏.‏

وقال ابن أبي ليلى‏:‏ لا بأس بأن يحتش‏.‏

وحدثني عفان والعباس بن الوليد الترسي قال‏:‏ حدثنا عبد الواحد ابن زياد قال‏:‏ حدثنا ليث قال‏:‏ كان عطاء لايرى بأسًا ببقل الحرم وما زرع فيه وبالقضيب والسواك‏.‏

قال‏:‏ وكان مجاهد يكرهه‏.‏

قال‏:‏ ولم يكن للمسجد الحرام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جدار يحيط به فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورًا فهدمها وزاردها فيه‏.‏

وهدم على قومٍ من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد‏.‏

واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة فكانت المسابيح توضع عليه‏.‏

فلما استخلف عثمان بن عفان ابتاع منازل وسع المسجد بها وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجوا به عند البيت فقال‏:‏ إنما جرأكم على حلمى عنكم ولينى لكم‏.‏

لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأررتم ورضيتم‏.‏

ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد ابن أسيد بن أبي العيص فحلى سبيلهم‏.‏

ويقال إن عثمان أول من اتخذ للمسجد الأروقة واتخذها حين وسعه‏.‏

قالوا‏:‏ وكان باب الكعبة على عهد إبارهيم عليه السلام وجرهم والعماليق بالأرض حتى بنته قريش‏.‏

فقال أبو حذيفة بن المغيرة‏:‏ ياقوم‏!‏ ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخل إلا بسلم فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم فإن جاء أحد ممن تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالًا لمن ورائه‏.‏

فعملت قرش بذلك‏.‏

قال‏:‏ ولما تحصن عبد الله بن الزبير بن العوام في المسجد الحرام واستعاذ به والحصين بن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله في أهل الشام أخذ ذات يوم رجل من أصحابه نارًا على ليفةٍ في رأس رمح وكانت الريح عاصفًا فطارت شرره فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها فتصدعت حيطانها واسودت وضك في سنة أربع وستين حتى إذا مات يزيد بن معاوية وانصرف الحصين ابن نمير إلى الشام أمر ابن الزبير بما في المسجد من الحجارة التي رمى بها فأخرج ثم هدم الكعبة متصلًا بالحجر‏.‏

وإنما التمس إعادتها إلى بناء إبراهيم عليه السلام على ما كانت عائشة أم المؤمنين أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وجعل على بابها صفائح الذهب وجعل مفاتيحها من ذهب‏.‏

فلما حاربه الحجاج ابن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان وقتله كتب إليه عبد الملك يأمره ببناء الكعبة والمسجد الحرام‏.‏

وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة فهدمها الحجاج وبناها فردها إلى بناء قريش وأخرج الحجر‏.‏

فكان عبد الملك يقول بعد ذلك‏:‏ وددت أني كنت حملت ابن الزبير من أمر الكعبة وبناءها ما تحمل‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الأنطاع والمغافر‏.‏

فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية ثم كساها عمر وعثمان رضي الله عنهما القباطي ثم كساها يزيد بن معاوية الدياج الخسواني وكساها ابن الزبير والحجاج بعده الديباج وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كان أهل نجران يؤدونهت وأخذوهم بتجويدها وفوقها الديباج‏.‏

ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد الخرام وحمل إليه عمد تلحجارة والرخام والفيسفساء‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فلما كانت خلافة أمير المؤمنين المنصور رحمه الله زاد في المسجد وبناه وذلك في سنة تسع وثلاثين ومئة‏.‏

وقال على بن محمد بن عبد الله المائني‏:‏ ولى المهدي جعفر بن سليمان ابن على بن عبد الله بن العباس مكة والمدينة واليمامة‏.‏

فوسع مسجدي مكة والمدينة وبناهما‏.‏

وقد جدد أمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن أبي اسحاق المعتصم بالله بن الرشيد هارون بن المهدي رضوان الله عليهم رخام الكعبة وأزرها بفضة وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب ولم يفعل ذلك أحد قبله وكسا أساطينها الديباج‏.‏

قالوا‏:‏ كانت قريش قبل جمع قصى إياها وقبل دخولها مكة تشرب من حياض ومصانع على رؤوس الجبال ومن بئرٍ حفرها لؤي بن غالب خارج الحرم تدعى الروى وهي مما يلى عرفه‏.‏

ثم حفر كلاب بن مرة خم ورم والجفر بظاهر مكة‏.‏

ثم إن قصى بن كلاب حفر بئرًا سماها العجول واتخذ سقاية‏.‏

وفيها يقول بعض رجاز الحاج‏:‏ نروى على العجول ثم ننطلق قبل صدور الحاج من كل أفق إن قصيًا قد وفى وقد صدق باشبع للناس وريٍ مغتبق ثم إنه سقط في العجول بعد ممات قصي رجلٌ من بنى نصر بن معاوية فعطلت‏.‏

وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهي عند الخندقة على فم شعب أبي طالب‏.‏

وحفر هاشم أيضًا سجلة فوهبها أسد بن هاشم لعدى بن نوفل بن عبد مناف ابن المطعم ويقال بل ابتاعها منه ويقال إن عبد المطلب وهبها له حين حفر زمزم وكثر الماء بمكة فقالت خالدة بنت هاشم‏:‏ نحن وهبنا لعدىٍ سجله في تربةٍ ذات عذاةٍ سهله تروي الجيج زغلةً فزعله وقد دخلت سجلة في المسجد‏.‏

وحفر ميمون بن الحضرمي حليف بنى عبد شمس بن عبد مناف بئره‏.‏

وهي آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة وعندها قبر أمير المؤمنين المنصور رحمه الله‏.‏

واسم الحضرمي عبد الله بن عماد‏.‏

واحتفر عبد شمس أيضًا بئرين وسماهما خم ورم على ما سمي كلاب بن مرة بئرية‏.‏

فأما خم فهي عند الردم‏.‏

وأما رم فعند دار حديجة بنت خويلد‏.‏

وقال عبد شمس‏:‏ حفرت خمًا وحفرت رمًا حتى أرى المجد لنا قد تما وقالت سبيعة بنت عبد شمس في الطوى‏:‏ إن الطوى إذا شربتم ماءها صوب الغمام عذوبةً وصفاء وحفرت بنو أسد بن عبد العزى بن قصى شفية بئر بني أسد‏.‏

وقال الحويرث بن أسد‏:‏ ماء شفيةٍ كماء المزن وليس ماؤها بطرقٍ أجن وحفر بنو عبد الدار بن قصى أم أحرادٍ فقالت أميمة بنت عميلة بن السباق بن عبد الدار‏:‏ نحن حفرنا البحر أم أحراد ليست كبذر البذور الجماد فأجابتها صفية بنت عبد المطلب‏:‏ نحن حفرنا بذر تروى الحجيج الأكبر من مقبلٍ ومدبر وحفر بنو جمح السنبلة وهي بئر خلف بن وهب الجمحي‏.‏

فقال قائلهم‏:‏ نحن حفرنا للحجيج سنبله صوب سحاب ذو الجلال أنزله وحفر بن سهم الغمر وهي بئر العاصي بن وائل‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ نحن حفرنا الغمر للحجيج تثج ماء أيما ثجيج قال ابن الكلبي‏:‏ قالها ابن الربعى‏.‏

وحفرت بنو عدى الحفير فقال شاعرهم‏:‏ نحن حفرنا بئرنا الحفيرا بحرًا يجيش ماؤه غزيرا وحفرت بنو مخزوم السقيا بئر هشام بن المغيرة بن عبد الله عمر بن مخزوم‏.‏

وحفرت بنو تيم الثريا وهي بئر عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم‏.‏

وحفرت بنو عامر بن لؤى النقع‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت لجبير بن مطعم بئر وهي بئر بنى نوفل فأدخلت حديثًا في دار القوارير التي بناها حماد البربري في خلافة أمير المؤمنين هارون الرشيد‏.‏

وكان عقيل بن أبي طالب حفر في الجاهلية بئرًا وهي في دار ابن يوسف‏.‏

فكانت للأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بئر على باب السود عن الحناطين بئر عكرمة نسبت إلى عكرمة بن خالد بن العاص بن هاشم بن المغيرة‏.‏

بئر عمرو نسبت إلى عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحى وكذلك شعب عمرو الطلوب أسفل مكة لعبد الله بن صفوان‏.‏

بئر حويطب نسبت إلى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس من بنى عامر بن لؤى وهى بفناء داره ببطن الوادي‏.‏

بئر أبي موسى كانت لأبى موسى الأشعرى بالمعلاة‏.‏

بئر شوذب نسبت إلى شوذب مولى معاوية وقد دخلت في المسجد‏.‏

ويقال إن شوذبا كان مولى طارق بن علقمة بن عريج بن جذيمة الكناني ويقال كان مولى لنافع بن علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث بن خمل بن شق الكناني خال مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية‏.‏

وبئر بكار نسبت إلى رجل مكة من أهل العراق وهي بذى طوى‏.‏

وبئر وردان نسبت إلى وردان مولى السائب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي‏.‏

وسقاية سراج بفخ كانت لسراج مولى بنى هاشم‏.‏

وبئر الأسود نسبت إلى الأسود بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مجزم وهي بقرب بئر خالصة مولاة أمير المؤمنين المهدي‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ صاحب دار ابن علقمة بمكة طارق بن علقمة ابن عريج بن جذيمة الكناني‏.‏

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى وعبد المالك بن قريب الأصمعي وغيرهما‏:‏ بستان ابن عامر لعمر بن عبد الله بن معمر بنعثمان بن عمرو بن كعب ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى ولكن الناس غلطوا فيها فقالوا بستان ابن عامر وبستان بني عامر‏.‏

وإنما هو بستان ابن معمر‏.‏

وقوم يقولون نسب إلى ابن عامر الحضرمي وآخرون يقولون نسب إلى ابن عامر بن كريز‏.‏

وذلك ظن وترجيم‏.‏

حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال‏:‏ كانت في الجاهلية مكة تدعى صلاح‏.‏

قال أبو سفيان بن حرب الحضرمي‏:‏ أبا مطر هلم إلى صلاحٍ ليكفيك الندامى من قريش وتنزل بلدةً عزت قديمًا وتأمن أن بذلك رب جيش وحدثني العباس بن هشام الكلبي قال‏:‏ كتب بعض الكنديين إلى أبي يسأله عن سجن ابن سباع بالمدينة إلى من نسب وعن قصة دار الندوة ودار العجلة ودار القوارير بمكة‏.‏

فكتب إليه‏.‏

أما سجن ابن سباع فإنه كان دارًا لعبد الله بن سباع بن عبد العزى بن نضلة ابن عمرو بن غبشان النزاعي‏.‏

وكان سباع يكنى أبا نيار‏.‏

وكانت أمه قابلةً بمكة‏.‏

فبارزه حمزة بن عبد المطلب يوم أحد فقال له‏:‏ هلم إلى يا ابن مقطعة البظور‏!‏ ثم قتله وأكب عليه ليأخذ درعه فزرقه وحشى‏.‏

وأم طريح بن إسماعيل الثقفى الشاعر بنت عبد الله بن سباع وهو حليف بنى زهرة‏.‏

واما دار الندوة فبناها أقصى بن كلاب‏.‏

فكانوا يجتمعون إليه فتقضى فيها الأمور‏.‏

ثم كانت قريش بعده تجتمع فيها فتتشاور في حروبها وأمورها وتعقد الألوية وتزوج من أراد التزويج‏.‏

وكانت أول دار بنيت بمكة من دور قريش ثم دار الندوة وذلك باطل‏.‏

فلم تزل دار الندوة لبني عبد الدار بن قصي حتى باعها عكرمة بن عامر بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي من معاوية بن أبي سفيان فجعلها دارًا للأمارة‏.‏

وأما دار القوارير فكانت لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

ثم صارت للعباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب وقد صارت بعد لأم جعفر زبيدة بنت أبي الفضل بن المنصور أمير المؤمنين‏.‏

واستعمل في بعض فرشها وحيطانها شيء من قوارير فقيل دار القوارير‏.‏

وكان حماد البربري بناها فيل خلافة الرشيد أمير المؤمنين رحمه الله‏.‏

قال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ كان عمرو بن مضاض الجرهمي حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع‏.‏

فخرج عمرو في السلاح يتقعقع فسمي الموضع الذي خرج منه قعيقعان‏.‏

وخرج السميدع مقلدًا خيله الأجراس في أجيادها فسمي الموضع الذي خرج منه أجياد‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ ويقال أخرج بالجياد مسومة فسمي الموضع أجياد‏.‏

وعامة أهل مكة يقولون جياد الصغير وجياد الكبير‏.‏

حدثنا الوليد بن صالح عن محمد بن عمر الاسلمي كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال‏:‏ قدمنا مع عمر بن الخطاب في عمرته سنة سبع عشرة فكلمه أهل المياه في الطريق أن يبتنوا منازل فيما بين مكة والمدينة ولم تكن قبل ذلك فأذن لهم واشترط عليهم أن ابن السبيل أحق بالماء والظل‏.

 

أمر السيول بمكة

حدثنا العباس بن هشام عن أبيه هشام بن محمد عن ابن خربوز المكي وغيره قالوا‏:‏ كانت السيول بمكة أربعة‏.‏

منها سيل أم نهشل وكان في زمن عمر بن الخطاب‏.‏

أقبل السيل حتى دخل المسجد من أعلى مكة فعمل عمر الردمين جميعًا‏.‏

الأعلى بين دار ببة - وهو عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف الذي ولى البصرة في فتنة ابن الزبير اصطلح أهلها عليه - ودار أبان بن عثمان بن عفان‏.‏

قال‏:‏ وأم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية ذهب بها السيل من أعلى مكة فنسب إليها‏.‏

ومنها سيل الجحاف والجراف في سنة ثمانين في زمن عبد الملك بن مروان صبح الحاج يوم الاثنين فذهب بهم وبأمتعتهم وأحاط بالكعبة‏.‏

فقال الشاعر‏:‏ لم تر غسان كيوم الاثنين أكثر محزونًا وأبكى للعين إذ ذهب السيل بأهل الصرين وخرج المخآت يسعين شواردًا في الجبلين يرقين فكتب عبد الملك إلى عبد الله بن الخزومي عامله على مكة - ويقال بل كان عامله يومئذ الحارث بن خالد المخزومي الشاعر - يأمره بعمل ضفائر الدور الشارعة على الوادي وضفائر المسجد وعمل الردم على أفواه السكك لتحصين دور الناس وبعث لعمل ذلك رجلًا نصرانيًا فاتخذ الضفائر وردم الردم الذي يعرف بردم بني قراد وهويعرف ببني جمح واتخذت ردوم بأسفل مكة‏.‏

قال الشاعر‏:‏ سأملك عبرة وأفيض أخرى إذا جاوزت ردم بني قراد ومنها السيل الذي يدعى المخبل أصاب الناس في أيامه مرض في أجسادهم وخبل في ألسنتهم فسمي المخبل‏.‏

ومنها سيل أنى بعد ذلك في خلافة هشام ببن عبد الملك في سنة عشرين ومئة يعرف بسيل أبي شاكر وهو مسلمة بن هشام وكان على الموسم ذلك العام فنسب إليه‏.‏

قال‏:‏ وسيل وادي مكة يأتي من موضع يعرف بسدرة عتاب بن أسيد بن أبي العيص‏.‏

قال عباس بن هشام‏:‏ وقد كان في خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد رحمه الله سيلٌ عظيم بلغ ماؤه قريبًا من الحجر‏.‏

فحدثني العباس قال‏:‏ حدثني أبي عن أبيه محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن عكرمة قال‏:‏ درس شيء من معالم الحرم على عهد معاوية بن أبي سفيان‏.‏

فكتب إلى مروان بن الحكم وهو عامله على المدينة يأمره إن كان كرز بن علقم الخزاعى حيًا أن يكلفة إقامة معالم الحرم لمعرفته بها‏.‏

وكان معمرًا فأقامهم عليها فهي مواضع الأنصاب اليوم‏.‏

قال الكلبي‏:‏ هذا كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة بن عبد نهم ابن حليل بن حبشية الخزاعى‏.‏

وهو الذي استخفى فيه وأبو بكر الصديق معه حين أراد الهجرة إلى المدينة فرأى عليه نسج العنكبوت ورأى دونه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفها فقال‏:‏ هذه قدم محمد الطائف قال‏:‏ لما هزمت هوازن يوم حنين وقتل دريد بن الصمة أتى فلهم أوطاس‏.‏

فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري فقتل‏.‏

فقام بأمر الناس أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري‏.‏

وأقبل المسلمون إلى أوطاس فلما رأى ذلك مالك بن عوف بن سعد أحد بنى دهمان بن نصر ابن معاوية بن بكر بن هوازن - وكان رئيس هوازن يومئذ - هرب إلى الطائف فوجد أهلها مستعدين للحصار قد رموا حصنهم وجمعوا فيه الميرة‏.‏

فأقام بها وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين حتى نزل الطائف فرمتهم ثقيف بالحجارة والنبل ونصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقًا على حصنهم وكانت مع المسلمين دبابة من جلود البقر فألقت عليها ثقيف سكك الحديد المحماة فأحرقتها فأصيب من تحتها من المسلمين وكان حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف خمس عشرة ليلة‏.‏

وكان غزوه إياها في شوال سنة ثمان‏.‏

قالوا‏:‏ ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق من رقيق أهل الطائف منهم أبو بكرة بن مسروح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه نقيع ومنهم الأزرق الذي نسبت الأزارقة إليه كان عبدًا روميًا حدادًا وهو أبو نافع بن الأزرق الخارجي‏.‏

فأعتقوا بنزولهم‏.‏

ويقال إن نافع بن الأزرق الخارجي من بنى حنيفة وأن الأزرق الذي نزل من الطائف غيره‏.‏

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى الجعرانة ليقسم سبى أهل حنين وغنائمهم‏.‏

فخافت ثقيف أن يعود إليهم‏.‏

فبعثوا إليه وفدهم فصالحهم على أن يسلموا ويقرهم على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم واشترط عليهم أن لا يربوا ولا يشربوا الخمر وكانوا أصحاب ربا‏.‏

وكتب لهم كتاباز قال‏:‏ وكانت الطائف تسمى وج فلما حصنت وبنى سورها سميت الطائف‏.‏

حدثني المدائني عن أبي اسماعيل الطائفي عن أبيه عن أشياخ من أهل الطائف قال‏:‏ كان بمخالف الطائف قوم من اليهود طردوا من اليمن ويثرب فأقاموا بها للتجارة فوضعت عليهم الجزية ومن بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت للعباس بن عبد المطلب رحمه الله أرض بالطائف‏.‏

وكان الزبيب يحمل منها فينبذ في السقاية للحج وكانت لعامة قريش أموال بالطائف يأتونها من مكة فيصلحونها فلما فتحت مكة وأسلم أهلها طمعت ثقيف فيها حتى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين وصارت أرض الطائف مخلافًا من مخاليف مكة‏.‏

حدثنا الوليد بن صالح قال‏:‏ حدثنا الواقدي عن محمد بن عبدالله عن الزهري عن ابن المسيب‏.‏

عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تخرص أعتاب ثقيف كخرص النخل ثم تؤخذ زكاتهم زبيبًا كما تؤدي زكاة النخل‏.‏

قال الواقدي‏:‏ قات أبو حنيفة لايخرص ولكنه إذا وضع بلأرض أخذت الصدقة من قليله وكثيره‏.‏

وقال يعقوب إذا بالأرض فبلغت مكيلته خمسة أوسق ففيه الزكاة العشر أو نصف العشر‏.‏

وهو قول سفيان بن سعيد الثوري والوسق ستون صاعًا‏.‏

حدثنا شيبان بن أبي شيبه قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمىقال‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد عن عمر أنه جعل في العسل العشر‏.‏

حدثنا داود بن عبد الحميد قاضي القة عن مروان بن شجاع عن خصيف عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله على مكة والطائف‏:‏ إن في الخلايا صدقة فخذوها منها قال‏:‏ والخلايا الكوثر‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ وروى عن ابن عمر أنه قال‏:‏ عمر أنه قال‏:‏ ليس في الخلايا صدقة‏.‏

وقال مالك والثورى‏:‏ لازكاة في العسل وإن كثر وهو قول الشافعي‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ في قليل العسل وكثيره إذا كان في أرض العشر العشر وإذا كان في ارض الخراج وقال الواقدي‏:‏ أخبرني القاسم بن معن ويعقوب عن أبي حنيفة أنه قال في العسل يكون في أرض ذمى وهي من أرض العشر إنه لا عشر عليه وعلى أرضه الخراج‏.‏

وإذا كان في أرض تغلبي أخذ منه الخمس‏.‏

وقول زفر مثل قول أبي حنيفة‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ إذا كان العسل في أرض الخراج فلا شيء فيه وإذا كان في أرض العشر ففي كل عشرة أرطال رطل‏.‏

وقال محمد بن الحسن‏:‏ ليس فيما دون أفراق صدقة وهو قول ابن أبي ذئب‏.‏

وروى خالد بن عبد الله الطحان عن ابن أبي ليلى أنه قال‏:‏ إذا كان في أرض الخراج أو العشر ففي كل عشرة أرطال رطل‏.‏

وهو قول الحسن بن صالح بن حي‏.‏

وحدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري قال‏:‏ في كل عشرة زقاق زق‏.‏

وحدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن حميد الرقاشي عن جعفر بن نجيح المديني عن بشر بن عاصم وعثمان بن عبد الله بن أوس أن سفيان بين عبد الله الثقفي كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان عاملًا له على الطائف يذكر أن قبله حيطانًا فيها كروم وفيها من الفرسك والرمان وما هو أكثر غلة من الكروم أضعافًا واستأمره في العشر‏.‏

قال‏:‏ فكتب إليه عمر‏:‏ ليس عليها عشر‏.‏

قال يحيى بن آدم‏:‏ وهو قول سفيان بن سعيد سمعته يقول‏:‏ ليس فيما أخرجت الأرض صدقة إلا أربعة أشياء‏:‏ الحنطة والشعير والتمر والزبيب أذا بلغ كل واحد من ذلك خمسة أوسق‏.‏

قال‏:‏ وقال أبو حنيفة فيما أخرجت أرض العشر العشر ولو دستجة بقل‏.‏

وهو قول زفر‏.‏

وقال مالك وابن أبي ذئب ويعقوب‏:‏ ليس في البقول وما أشبهها صدقة‏.‏

وقالوا‏:‏ ليس فيما دون خمسة أو سق من الحنطة والشعير والذرة والسلت والزوان والتمر والزبيب والأرز والسمسم والجلبان وأنواع الحبوب التي تكال وتدخر مع العدس واللوبيا والحمص والماش والدخن صدقة فإذا بلغت خمسة أو سق ففيها صدق‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وهذا قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن‏.‏

وقال الزهري‏:‏ التوابل والقطانى كلها تزكى‏.‏

وقال مالك‏:‏ لاشيء في المثرى والفرسك وهو الخوخ ولا في الرمان وسائر أصناف الفواكه قال أبو يوسف‏:‏ ليس الصدقة إلا فيما وقع عليه القفيز وجرى عليه الكيل‏.‏

وقال أبو الزناد وابن أبي ذئب وابن أبي سبرة‏:‏ لا شيء في الخضر والفواكه من صدقة ولكن الصدقة في أثمانها ساعة تباع‏.‏

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عثمان بن أبي العاص الثقفي على الطائف‏.‏

تبالة وجرش حدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال‏:‏ أسلم أهل تبالة وجرش عن غير قتال‏.‏

فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أسلموا عليه وجعل على كل حالم ممن بهما من أهل الكتاب دينارًا واشترط عليهم ضيافة المسلمين وولى أبا سفيان بن حرب جرش‏.‏

تبوك وأيلة وأذرح ومقنا والجرباء قالوا‏:‏ توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك من أرض الشام لغزو من انتهى إليه أنه قد تجمع له من الروم وعاملة ولخم وجذام وغيرهم وذلك في سنة تسع من الهجرة لم يلق كيدًا‏.‏

فأقام بتبوك أيامًا فصالحه أهلها على الجزية‏.‏

وأتاه وهو بها يحنه بن رؤبة صاحب أيلة فصالحه على أن جعل له على كل حالم بأرضه في السنة دينارًا‏.‏

فبلغ ذلك ثلاث مئة دينار‏.‏

واشترط عليهم قرى من مر بهم من المسلمين وكتب لهم كتابًا بأن يحفظوا ويمنعوا‏.‏

فحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا الواقدي عن خالد بن ربيعة عن طلحة الأبلى أن عمر بن عبد العزيز كان لا يزداد من أهل أيلة على ثلاث مئة دينار شيئًا‏.‏

وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أذرح على مئة دينار في كل رجب‏.‏

وصالح أهل الجرباء على الجزية وكتب لهم كتابًا‏.‏

وصالح أهل منا على ربع عروكهم - والعروك خشب يصطاد عليه - وربع كراعهم وعلى ربع ثمارهم وكانوا يهودًا وأخبرني بعض أهل مصر أنه رأى كتابهم بعينه في جلد أحمر دارس الخط فنسخه وأملي على نسخته‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

من محمد رسول الله إلى بني حبيبة وأهل مقنا‏.‏

سلم أنتم‏.‏

فإنه أنزل على أنكم راجعون إلى قريتكم فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون ولكم ذمة الله وذمة رسوله‏.‏

وإن رسول الله غفر لكم ذنوبكم وكل دم أتبعتم به لاشريك لكم في قريتكم إلا رسول الله أو رسول رسول الله وإنه لاظلم عليكم ولا عدوان‏.‏

وإن رسول الله يجيركم مما يجير منه نفسه فإن لرسول الله بزتكم ورقيقكم والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله‏.‏

وأن عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نخيلكم وربع ما صادت عككم وربع ما اعتزلت نساؤكم‏.‏

وإنكم قد برئتم بعد ذلكم ورفعكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل جزية وسخرة‏.‏

فإن سمعتم وأطعتم فعلى رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم ومن ائتمر في بني حبيبة وأهل مقنا من المسلمين خيرًا فهو خير له ومن أطلعهم بشر فهو شر له وليس عليكم أمير إلا من أنفسكم أو من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكتب على بن أبو طالب في سنة تسع‏.‏

دومة أتجندل قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي ثم السكوني بدومة أتجندل فأخذه أسيرًا وقتل أخاه وسلبه قباء ديباج منسوجًا بالذهب وقدم بأكيدر على النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له ولأهل دومة كتابًا نسخته‏:‏ بسم اله الرحمن الرحيم‏.‏

من محمد رسول الله إلى بني حبيبة وأهل مقنا‏.‏

سلم أنتم‏.‏

فإنه أنزل على أنكم راجعون إلى قريتكم فإذا جاءكم كتابي هذا فإنكم آمنون ولكم ذمة الله وذمة رسوله‏.‏

وإن رسول الله قد غفر لكم ذنوبكم وكل دمٍ أتبعتم به لا شريك لكم في قريتكم إلا رسول الله أو رسول رسول الله وإنه لاظلم عليكم ولا عدوان‏.‏

وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيركم مما يجير منه نفسه فإن لرسول الله بزتكم ورقيقكم والكراع والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله‏.‏

وإن عليكم بعد ذلك ربع ما أخرجت نخيلكم وربع ما صادت عرككم وربع ما اعتزلت نساؤكم‏.‏

وإنكم قد برئتم بعد ذلكم ورفعكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل جزية وسخرة‏.‏

فإن سمعتم وأطعتم فعلى رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم ومن ائتمر في بنى حبيبة وأهل مقنا من المسلمين خيرًا فهو خير له ومن أطلعهم بشرٍ فهو شرٌ له‏.‏

وليس عليكم أميرٌ إلا من أنفسكم أو من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكتب علي بن أبو طالب في سنة تسع‏.‏

دومة أتجندل قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي ثم السكوني بدونة أتجندل فأخذه أسيرًا وقتل أخاه وسلبه قباء ديباج منسوجًا بالذهب وقدم بأكيدر على التبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وكتب له ولأهل دومة كتابًا نسخته‏:‏ هذا كتاب من محمد رسول الله أكيدر حين أجاب إلى الاسلام وخلع الأنداد والأصنام ولأهل دومة‏.‏

إن لنا الضاحية من الضحل والبور والمعامى وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن ولكم الصامنة من النخل والمعين من المعمور‏.‏

لاتعدل سارحتكم ولا تعد فاردتكم ولا يحظر عليكم التبات تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها‏.‏

عليكم بذلك عهد الله والميثاق ولكم به الصدق والوفاء‏.‏

شهد الله ومن حضر من المسلمين‏.‏

الضاحى البارز والضحل الماء القليل والبور الأرض التي لم تستخرج ولم تعتمل والمعامى الأرض المجهولة والأغفال التي لا آثار فيها والحلقة الدروع والحافر الخيل والبرازين والبغال والحمير والحصن حصنهم والضامنة النخيل الذي معهم في الحصن والمعين الماء الظاهر الدائم‏.‏

وقوله‏:‏ لا تعدل ماشيتكم أي لانصدقها إلا في مراعيها ومواضعها لا نحشرها وقوله‏:‏ لاتعد فاردتكم يقول‏:‏ لا تضم الفاردة إلى غيرها ثم يصدق الجميع فيجمع بين متفرق‏.‏

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه‏.‏

عن جده قال‏:‏ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر فقدم به عليه فأسلم فكتب له كتابًا‏.‏

فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم منع الصدقة ونقض العهد وخرج من دومة أتجندل فلحق بالحيرة وابتنى بها بناء سماه دومة بدومة أتجندل‏.‏

وأسلم حريث بن عبد الملك أخوه على ما في يده فسلم ذلك له‏.‏

فقال سويد بن شبيب الكلبي‏:‏ لا يأمنن قومٌ عثار جدودهم كما زال من خبتٍ ظعائن أكدرا قال‏:‏ وتزوج يزيد بن معاوية ابنة حريث أخي أكيدر‏.‏

قال العباس‏:‏ وأخبرني أبي عن عوانة بن الحكم أن أبا بكر كتب إلى خالد ابن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إلى أكيدر‏.‏

فسار إليه فقتله وفتح دومة‏.‏

وكان قد خرج منها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد إليها فلما قتله خالد مضى إلى الشام‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ لما شخص خالد من العراق يريد الشام مر بدومة أتجندل ففتحها وأصاب سبايا فكان فيمن سبا منها ليلى بنت الجودي الغساني‏.‏

ويقال إنها أصيبت في حاضر من غسان أصابتها خيل له‏.‏

وابنة الجودي هي التي كان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق هويها وقال فيها‏:‏ تذكرت ليلى والسماوة بيننا وما لابنة الجودي ليلى وماليا فصارت له فتزوجها وغلبت عليه حتى أعرض عن من سواها من نسائه‏.‏

ثم إنها اشتكت وقال الواقدي‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم غزا دومة أتجندل في سنة خمس فلم يلق كيدًا ووجه خالد بن الوليد إلى أكيدر في شوال سنة تسع بعد إسلام خالد بن الوليد بعشرين شهرًا‏.‏

وسمعت بعض أهل الحيرة يذكر أن أكيدر وإخوته كانوا ينزلون دومة الحيرة‏.‏

وكانوا يزوؤون أخوالهم من كلب فيتغربون عندهم‏.‏

فإنهم لمعهم وقد خرجوا للصيد إذ رفعت لهم مدينةٌ متهدمة لم يبق إلا بعض حيطانها وكانت مبنيةً بالجندل‏.‏

فأعادوا بناءها وغرسوا فيها الزيتون وغيره وسموها دومة الحيرة‏.‏

وحدثني عمرو بن محمد الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس الأبلى عن الزهرى قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة إلى أهل دومة أتجندل‏.‏

وكانوا من عباد الكوفة‏.‏

فاسر أكيدر رأسهم فقاضاه على الجزية‏.‏

صلح نجران حدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد الأيلى عن الزهري قال‏:‏ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيد والعاقب وافدا أهل نجران اليمن فسألاه الصلح‏.‏

فصالحهما عن أهل نجران على ألفى حلة في صفر وألف حلة في رجب ثمن كل حلة أوقية والأوقية وزن أربعين درهما‏.‏

فإن أدوا حلة بما فوق الأوقية حسب لهم فضل ذلك وإن أدوها بما دون الأوقية أخذ منهم النقصان وعلى أن يؤخذ منهم ما أعطوا من سلاحٍٍ أو خيلٍ أو ركابٍ أو عرضٍ من العروض بقيمته قصاصًا من الحلل وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا فما دونه ولا يحبسوهم فوق شهر وعلى أن عليهم عارية ثلاثين درعًا وثلاثين فرسًا وثلاثين بعيرًا إن كان باليمن كيد وأن ما هلك من تلك العارية فالرسل ضامنون له حتى يردوه وجعل لهم ذمة الله وعهده وأن لا يفتنوا عن دينهم ومراتبهم فيه ولا يحشروا ولا يعسروا‏.‏

واشترط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به‏.‏

حدثني الحسين بن السود حدثنا وكيع قال‏:‏ حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن قال‏:‏ جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الاسلام فقالا‏:‏ إنا قد أسلمنا قبلك‏.‏

فقال كذبتما‏.‏

يمنعكما من الاسلام ثلاث‏:‏ أكلكما الخنزير وعبادتكما الصليب وقولكما لله ولد‏.‏

قالا‏:‏ فمن أبو عيسى - قال الحسن‏:‏ وكان صلى الله عليه وسلم لا يعجل حتى يأمره ربه - فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‏}‏‏.‏

- إلى قوله - ‏{‏الكاذبين‏}‏‏.

فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ثم دعاهما إلى المباهلة وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين‏.‏

فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ اصعد الجبل ولا تباهله فإنك إن باهلته بوءت باللعنة‏.‏

قال‏:‏ فما ترى قال‏:‏ أرى أن نعطيه الخراج ولا نباهله‏.‏

حدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ أخذت نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران من كتاب رجل عن الحسن بن صالح رحمه الله وهي‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا ما كتب النبي رسول الله محمد لنجران إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء وبيضاء وسوداء ورقيق فافضل عليهم وترك ذلك ألفى حلة حلل الأواقي‏.‏

في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر الف حلة‏.‏

كل حلة أوقية وما زادت حلل الخراج أو نقصت عن الأواقي فبالحساب وما قضوا من درع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب وعلى نجران مثواة رسلى شهرًا فدونه ولا يحبس رسلى فوق شهر وعليهم عارية ثلاثين درعًا وثلاثين فرسًا وثلاثين بعيرًا إ 1 ا كان كيد باليمن ذو مغدرة - أي إذا كان كيد بغدرٍ منهم - وما هلك مما أعاروا رسلى من خيل أو ركاب فهم ضمنٌ حتى يردوه إليهم‏.‏

ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة‏.‏

محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وغيرهم وبعثهم وأمثلتهم لا يغير ما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم وأمثلتهم لا يفتن أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا واقهٌ من وقاهيته على ماتحت أيديهم من قليل أو كثير وليس عليهم رهقٌ ولا دم جاهلية ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيشٌ من سأل منهم حقًا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران ومن أكل منهم ربًا من ذى قبل فذمتى منه بريئة ولا يؤخذ منهم رجلُ بظلم آخر ولهم على ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي أبدًا حتى يأتي أمر الله ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئًا بظلم ‏.‏

شهد أبو سفيان ابن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن عوف من بنى نصر والأقرع ابن حابس الحنظلي والمغيرة وكتب‏.‏

وقال يخيى بن آدم‏:‏ وقد رأيت كتابًا في أيي النجرانيين كانت نسخته شبيه بهذه النسخة وفي أسفله

وكتب علي بن أبي طالب ولا أدري ما أقول فيه‏.‏

قالوا‏:‏ ولما استخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه حملهم على ذلك‏.‏

فكتب لهم كتابًا على نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابوا الربا وكثروا‏.‏

فخافهم على الإسلام فأجلاهم وكتب لهم‏:‏ أما بعد فمن وقعوا به من أهل السام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض وما اعتملوا من شيء فهو لهم مكان أرضهم باليمن ‏.‏

فتفرقوا‏.‏

فنزل بعضهم الشام ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة وبهم سميث‏.‏

ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح وكانوا كالأتباع لهم‏.‏

فلما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو عامله على الكوفة‏:‏ أما بعد فإن العاقب والأسقف وسارة نجران أتوني بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأروني شرط عمر‏.‏

وقد سالت عثمان بن حنيف عن ذلك فأنباني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضارًا للدهاقين لردعهم عن ارضهم‏.‏

وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله وعقبى لهم من أرضهم‏.‏

وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة ‏.‏

وسمعت بعض العلماء يذكر أن عمر كتب لهم‏:‏ أما بعد فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض‏.‏

وسمعت بعضهم يقول‏:‏ من جريب الأرض وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي اقل‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن اسماعيل بن حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه‏:‏ لا يبقين دينان في ارض العرب‏.‏

فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلى أهل نجران إلى النجرانية وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قال‏:‏ سميت نجران اليمن بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان‏.‏

وحدثني الحسين بن ألسود قال‏:‏ حدثنا وكيع بن الجراح قال‏:‏ حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال‏:‏ كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفًا فتحاسدوا بينهم فأتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا‏:‏ أجلنا‏.‏

وكان عمر قد خافهم على المسلمين فاغتنمها فأجلاهم‏.‏

فندموا بعد ذلك وأتوه فقالوا‏:‏ أقلنا‏.‏

فأبى ذلك‏.‏

فلما قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوه فقالوا‏:‏ ننشدك خطك بيمينك وشفاعتك لنا عند نبيك إلا أقلتنا فقال‏:‏ إن عمر كان رشيد الأمر وأنا أكره خلافه‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي قال‏:‏ حدثني محمد بن مروان والهيثم بن عدة عن الكلبي أن صاحب النجرانية بالكوفة كان يبعث رسله إلى جميع من بالشام والنواحي من أهل نجران فيجبونهم مالًا يقسمه عليهم لإقامة الحلل‏.‏

فلما ولى معاوية أو يزيد بن معاوية شكوا إليه تفرقهم وموت من مات وإسلام من أسلم منهم وأحضروه كتاب عثمان بن عفان بما حطهم من الحلل وقالوا‏:‏ إنما ازددنا تقصانًا وضعفًا‏.‏

فوضع عنهم مائتي حلة تتمة أربع مئة حلة‏.‏

فلما ولى الحجاج بن يوسف العراق وخرج ابن الاشعث عليه اتهم الدهاقين بموالاته واتهمهم معهم فردهم إلى ألف وثمان مئة حلة وأخذهم بحلل وشيٍ‏.‏

فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكوا إليه فناءهم ونقصانهم وإلحاح الأعراب بالغارة عليهم وتحميلهم إياهم المؤن المجحفة بهم وظلم الحجاج إياهم‏.‏

فأمر جزيةً على رؤوسهم وليس هو بصلح عن أرضيهم وجزية الميت والمسلم ساقطة‏.‏

فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم‏.‏

فلما ولي يوسف بن عمر العراق في أيام الوليد بن يزيد ردهم إلى أمرهم الأول عصبيةً للحجاجز فلما استخلف أمير المؤمنين أبو العباس رحمه الله عمدوا إلى طريقه يوم ظهرٍ بالموفة فألقوا فيه الريحان ونثروا عليه وهو منصرف إلى منزله من المسجد‏.‏

فأعجبه ذلك من فعلهم ثم إنهم رفعوا إليه في أمرهم وأعلموه قلتهم وما كان من عمر بن عبد العزيز ويوسف بن عمر وقالوا‏:‏ إن لنا نسبًا في أخوالك بني الحارث بن كعب وتكلم فيهم عبد الله بن الربيع الحارثي وصدقهم الحجاج بن أرطاة فيما ادعوا فردهم أبو العباس صلوات الله عليه إلى مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم‏.‏

قال أبو مسعود‏:‏ فلما استخلف الرشيد هارون أمير المؤمنين وشخص إلى الكوفة يريد الحج رفعوا إليه في أمرهم وشكوا تعنت العمال إياهم‏.‏

فأمر فكتب لهم كتابٌ بالمائتي حلة قد رأيته‏.‏

وأمر أن يعفوا من معاملة العمال وأن يكون مؤداهم بيت المال بالحضرة‏.‏

حدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن وهب المصري عن يوني بن يزيد عن ابن شهاب الزهري اقل‏:‏ أنزلت في كفار قريش والعرب ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله‏}‏‏.‏ وأنزلت في أهل الكتاب‏:‏ ‏{‏قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق} إلى قوله {صاغرون‏}‏‏.‏ فكان أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا ومانو نصارى ثم أعطى أهل أيلة وأذرح وأهل أذرعات الجزية في غزوة تبوك‏.

 

اليمن

قالوا‏:‏ لما بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو حقه أتته وفودهم‏.‏

فكتب لهم كتابًا بإقرارهم على ما أسلموا عليه من أموالهم وأرضهم وركازهم فأسلموا‏.‏

ووجه إليهم رسله وعماله لتعريفهم شرائع الإسلام وسننه وقبض صدقاتهم وجزي رؤوس من أقام على النصرانية واليهودية والمجوسية منهم‏.‏

عن الحسن قال‏:‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن‏:‏ من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم له ذمة الله وذمة رسوله ومن أبى فعليه الجزية‏.‏

وحدثني هدبة قال‏:‏ حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن بمثله‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص أميرًا إلى صنعاء وأرضها‏.‏

قال‏:‏ وقال بعضهم‏:‏ ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجر بن أبي أمية بت المغيرة المخزومي صنعاء فقبض وهو عليها‏.‏

قال‏:‏ وقال آخرون‏:‏ إنما ولى المهاجر صنعاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه وولى خالد بن سعيد مخاليف أعلى اليمن‏.‏

وقال هشام بن الكلبي بن عدي‏:‏ ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجر كندة والصدف‏.‏

فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب أبوبكر إلى زياد بن لبيد البياضي من الأنصار بولاية كندة والصدف إلى ما كان يتولى من حضرموت وولى المهاجر صنعاء ثم كتب إليه بإنجاد زياد بن لبيد ولم يعزله عن صنعاء‏.‏

قالوا‏:‏ وولى النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري زبيد ورمع وعدن والساتحل‏.‏

وولى معاذ بن جبل الجند وصير إليه القضاء وقبض جميع الصدقات باليمن‏.‏

وولى نجران عمرو بن حزم الأنصاري ويقال إنه ولى أباسفيان بن حرب نجران بعد عمرو بن حزم‏.‏

وأخبرني عبد الله بن صالح المقرىء‏.‏

قال‏:‏ حدثني الثقة عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى زرعة بن ذى يزن‏:‏ أما بعد فإذا أتاكم رسولي معاذ بن جبل وأصحابه فاجمعوا ماعندكم من الصدقة والجزية فأبلغةه ذلك فإن أتاكم معاذ بن جبل وأصحابه فاجمعوا ماعندكم من الصدقة والجزية فأبلغوه ذلك فإن أمير رسلى معاذ وهو من صالحى من قبلى وإن مالك بن مرارة الرهاوي حدثني أنك قد أسلمت أول حمير وفارقت المشركين فأبشر بخير‏.‏

وأنا آمركم يامعشر حمير ألا تخونوا ولا تحادوا فإن رسول الله مولى غنيكم وفقيركم‏.‏

وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآله إنما هي زكاةٌ تزكون بها هي لفقراء المسلمين والمؤمنين‏.‏

وإن مالكًا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وإن معاذًا من صالحي أهلي وذوى دينهم فآمركم به خيرًا فإنه منظور إليه والسلام ‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا يزيد ابن عبد العزيز عن عمرو بن عثمان بن موهب قال‏:‏ سمعت موسى بن طلحة يقول‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل على صدقات اليمن وأمره أن يأخذ من المخل والحنطة والشعير والعنب أو قال الزبيب العشر ونصف العشر‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا زياد عن محمد بن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا بيانٌ من الله ورسوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود‏}‏‏.‏

عهدٌ من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن‏:‏ أمره بتقوى الله في أمره كله وأن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ماسقى البعل وسقت السماء ونصف العشر مما سقى الغرب ‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحاق قال‏:‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك حمير‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ من محمد النبي رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال وشرح بن عبد كلال أما بعد فإن الله قد هداكم بهدايته ان أصلحتم وأطعمتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ماسقت العين وسقت السماء وما سقى بالغرب نصف العشر ‏.‏

وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ كان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عريب والحارث ابنى عبد كلال بن عريب بن ليشرح‏.‏

وحدثنا يوسف بن موسى القطان قال‏:‏ حدثنا جرير بن عبد الحميد قال‏:‏ حدثنا منصور عن الحكم قال‏:‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وهو باليمن‏:‏ إن فيما سقت السماء أو سقى غيلًا العشر وفيما سقى بالغرب والدالية نصف العشر إن على كل حالم دينارًا أو عدل ذلك من المعاقر وأن لايفتن يهودي عن يهوديته‏.‏

قالوا‏:‏ الغيل السيح والغرب الدلو يعني ماسقى بالسواني والدوالي والدواليب والغرافات والبعل السيح أيضًا والمعاقر ثياب لهم‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا مروان بن معاوية عن الأعمس عن أبي وائل عن مسروق قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدل ذلك من المعاقر‏.‏

عن الحسن قال‏:‏ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر ومجوس أهل اليمن وفرض على كل من بلغ الحلم من مجوس اليمن من رجل أو امرأة دينارًا أو قيمته من المعاقر حدثنا عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن مسلمة بن علي عن المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الجزية على كل محتلم من أهل اليمن دينارا‏.‏

حدثنا شيبان بن أبي شيبة الأبلى قال‏:‏ حدثنا قزعة بن سويد الباهلي قال‏:‏ سمعت زكريا بن اسحاق يحدث عن يحيى بن سيفى أو أبي معبد عن ابن عباس قال‏:‏ لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال‏:‏ أما إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فقل لهم‏:‏ إن الله فرض عليكم في اليوم والليلة خمس صلوات فإن أطاعوك فقل‏:‏ إن الله فرض عليكم في السنة صوم رمضان فإن أطاعوك فقل‏:‏ إن الله فرض عليكم حج البيت من استطاع إليه سبيلا فإن أطاعوك فقل‏:‏ إن الله قد فرض عليكم في أموالكم صدقةً تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم فإن أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم‏.‏

وإياك حدثنا شيبان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ حدثنا الحجاج بن أرطاة عن عثمان بن عبد الله أن المغيرة بن عبد الله قال‏:‏ قال الحجاج‏:‏ صدقوا كل خضراء‏.‏

فقال أبو بردة بن أبي موسى‏:‏ صدق‏.‏

فقال موسى بن طلحة لأبي بردة‏:‏ هذا الآن يزعم أن أباه كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ الصدقة من التمر والبر والشعير والزبيب‏.‏

وحدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا وكيع عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال‏:‏ قرات كتاب معاذ بن جبل حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فكان فيه أن تؤخذ الصدقة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة‏.‏

حدثنا علي بن عبد الله المديني قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عيبنة عن ابن أبي نجيح قال‏:‏ سألت مجاهدًا لم وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أهل الشام من الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن فقال‏:‏ لليسار‏.‏

حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان عن أبراهيم ابن ميسرة عن طاووس قال‏:‏ لما أتى معاذ اليمن أتى بأوقاص البقر والعسل فقال‏:‏ لم أومر في هذا بشيء‏.‏

وحدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا عبد اللهع ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن قيس المازني عن رجل عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذي بمارب فقال رجل‏:‏ إنه كالماء العد‏.‏

فأبى أن يقعه إياه‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام وغيره عن اسماعيل بن عياش عن عمرو بن يحيى ابن قيس المازني عن أبيه من حدثه عن أبيض بن حمال بمثله‏.‏

وحدثني أحمد بن ابراهيم الدورقي قال‏:‏ حدثنا أبو داود الطيالسى قال‏:‏ حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل الحضري عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضًا بحضرموت‏.‏

عن مسلمة بن محارب قال‏:‏ لما ولى محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف اليمن أساء السيرة وظلم الرعية وأخذ أراضي التاس بغير حقها‏.‏

فكان مما اغتصبه الحرج‏.‏

قال‏:‏ وضرب على أهل اليمن خراجًا جعله وظيفة عليهم‏.‏

فلما ولى عمر ابن عبد العزيز كتب إلى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار على العشر وقال‏:‏ والله لأن لا تأتيني من اليمن حفنة كتم أحب إلى من إقرار هذه الوظيفة فلما ولى يزيد بن عبد الملك أمر بردها‏.‏

عن أبي عبد الرحمن هشام بن يوسف قاضي صنعاء أن أهل خفاش أخرجوا كتابًا من أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قطعة أديم يأمرهم فيه أن يؤدوا صدقة الورس‏.‏

وقال مالك وابن أبي ذئب وجميع أهل الحجاز من الفقهاء وسفيان الثورى وأبو يوسف‏:‏ لا زكاة في الورس والوسمة والقرط والكتم والحناء والورد‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ في قليل ذلك وكثيره الزكاة‏.‏

وقال مالك‏:‏ في الزعفران إذا بلغ ثمنه مائتي درهم وبيع خمسة دراهم‏.‏

وهو قول أبي الزناد‏.‏

وروى عنه أيضًا أنه قال‏:‏ لا شيء في الزعفران‏.‏

وقال أبو حنيفة وزفر‏:‏ في قليله وكثيره الزكاة‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن‏:‏ إذا بلغ ثمنه أدنة ثمن خمسة أوسق من تمرٍ أو حنطةٍ أو شعيرٍ أو ذرةٍ أو صنفٍ من أصناف الحبوب ففيه الصدقة‏.‏

وقال ابن أبي ليلى‏:‏ ليس في الخضر شيء‏.‏

وهو قول الشعبي‏.‏

وقال عطاء وابراهيم النخعي‏:‏ فيما أخرجت أرض العشر من قليل وكثير العشر أو نصف العشر‏.‏

وحدثني الحسين بن السود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن سعيد بن سالم عن الصلت بن دينار وحدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا ابن المبارك عن معمر عن طاووس وعكرمة أنهما قالا‏:‏ ليس في الورس والعطب وهو القطن زكاة‏.‏

وقال أبو حنيفة وبشر في الذمة يملكون الأرضين من أراضي العشر مثل اليمن التي أسلم عليها أهلها والبصرة التي احياها المسلمون وما أقتطعه الخلفاء من القطائع التي لا حق فيها لمسلم ولا معاهد‏:‏ عنهم يلزمون الجزية في رقابهم ويوضع الخراج على أرضهم بقدر احتمالها ويكون مجرى ما يجتبى منهم مجرى مال الخراج فإن أسلم منهم مسلم وضعت عنه الجزية والزم الخراج في أرضه أبدا على قياس السواد‏.‏

و هو قول ابن أبي ليلى‏.‏

وقال ابن شبرمة و أبو يوسف‏:‏ يوضع عليهم الجزية في رقبهم وعليهم الضعف مما على المسلمين في أرضهم و هو الخميس أو العشر‏.‏

وقاسا ذلك على أمر نصارى بني تغلب‏.‏

وقال ابن شبرمة وأبو يوسف‏:‏ يوضع عليهم الجزية في رقابهم وعليهم الضعف ففما على المسلمين في أرضهم وهو الخمس أو العشر‏.‏

وقاسا ذلك على أمر نصارى بني تغلب‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ ما أخذ منهم فسبيله سبيل الخراج فإن أسلم الذمى أو خرجت أرضه إلى مسلم صارت عشرية‏.‏

قد روىذلك عن عطاء والحسن‏.‏

وقالابن أبي ذئب وابن أبي سبرة وشريك بن عبد الله النخغى والشافعي‏:‏ عليهم الجزية في رقابهم ولا خراج ولا عشر في أرضهم لأنهم ليسوا ممن تجب عيه الزكاة وليست أرضهم بأرض خراج‏.‏

وهو قول الحسن بن صالح ابن حي الهمداني‏.‏

وقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن‏:‏ عليهم العشر غير مضعف لأن الحكم حكم الأرض ولا ينظر إلى مالكها‏.‏

وقال الأوزاعي وشريك بن عبد الله‏:‏ إن كانوا ذمةً مثل يهود اليمن التي أسلم أهلها وهم بها لم تأخذ منهم شيئًا غير الجزية ولا تدع الذمى يبتاع أرضًا من أراضي العشر ولا يدخل فيها يعني يملكها به‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ سألت مالكًا عن اليهود من يهود الحجاز يبتاع أرضًا بالجرف فيزرعها‏.‏

قال‏:‏ يؤخذ منه العشر‏.‏

قلت‏:‏ أو لست تزعم أنه لا عشر على أرضٍ ذميٍ إذا ملك أرض عشر فقال‏:‏ ذاك اذا أقاموا ببلادهم فأما اذا خرجوا من بلادهم فإنها تجارة‏.‏

وقال أبو الزناد ومالك بن أنس وابن أبي ذئب والثوري وأبو حنيفة ويعقوب في التلبي يزرع أرضًا من أرض العشر‏:‏ إنه يؤخذ منه ضعف العشر‏.‏

وإذا اكترى رجلٌ مزرعةً عشريةً فإن مالكًا والثوري وابن أبي ذئب ويعقوب قالوا‏:‏ العشر على صاحب الزرع‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إذ لم يؤد رجل عشر أرضه سنتين فإن السلطان يأخذ منه العشر لما يستأنف وقال أبو شمر‏:‏ يأخذ ذلك منه لما مضى لأنه حقٌ وجب في ماله‏.‏

عمان قالوا‏:‏ كان الأغلبين على عمان الأزد وكان بها من غيرهم بشرٌ كثير في البوادي‏.‏

فلما كانت سنة ثمان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا زيد الأنصاري أحد الخزرج وهو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - واسمه فيما ذكر الكلبي قيس بن سكن بن زيد بن حرام وقال بعض البصريين‏:‏ اسمه عمرو بن أخطب جد عروة بن ثابت بن عمرو بن أخطب وقال سعيد بن أوس الانصاري‏:‏ اسمه ثابت بن زيد - وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى عبدٍ وجيفر ابني الجلندي بكتاب منه يدعوهما فيه إلى الإسلام وقال‏:‏ إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد وعمرو عمان وجدا عبدًا وجيفرًا بصحار على ساحل البحر‏.‏

فأوصلا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليهما فأسلما ودعوا العرب هماك إلى الإسلام فأجابوا إليه ورغبوا فيه‏.‏

فلم يزل عمرو وأبو زيد بعمان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويقال إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك‏.‏

قالوا‏:‏ ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت الأزد وعليها لقيط بن مالك ذو التاج وانحازت إلى دبا - وبعضهم يقول دما في دبا - فوجه أبو بكر رضي الله عنه إليهم حذيفة بن محصن البارقي من الأزد وعكرمة ابن أبي جهل بن هشام المخزومي فواقعا لقيطًا ومن معه فقتلاه وسبيا من أهل دبا سبيًا بعثا به إلى أبي بكر رحمه الله‏.‏

ثم إن الأزد راجعت الإسلام وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر‏.‏

فسار إليهم عكرمة فظفر بهم وأصاب منهم مغنمًا وقتل بشرًا‏.‏

وجمع قومٌ من مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة جمعًا فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة‏.‏

وولى أبو بكر رضي الله عنه حذيفة بن محصن عمان فمات أبو بكر وهو عليها وصرف عكرمة ووجه إلى اليمن‏.‏

ولم تزل عمان مستقيمة الأمر يؤدي أهلها صدقات أموالها ويؤخذ ممن بها من الذمة جزية رؤسهم حتى كانت خلافة الرشيد صلوات الله عليه فولاها عيسى ابن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس‏.‏

فخرج إليها بأهل البصرة فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف‏.‏

فبلغ ذلك أهل عمان وجلهم شراةٌ فحاربوه ومنعوه من دخولها ثم قدروا عليه فقتلوه وصلبوه وامتنعوا على السلطان فلم يعطوه طاعة وولوا أمرهم رجلًا منهم‏.‏

وقد قال قوم‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجه أبا زيد بكتابه إلى عبد وجيفر ابنى الجلندي الأزديين في سنة ست ووجه عمرًا في سنة ثمان بعد إسامه بقيليل‏.‏

وكان إسلامه وإسلام خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدي في صفر سنة ثمان أقبل من الحبشة حتى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي زيد‏:‏ خذ الصدقة من المسلمين والجزية من المجوس‏.‏

حدثني أبو الحسن المدائني عن المبارك بن فضالة قال‏:‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة الفزاري عامله على البصرة‏:‏ أما بعد فإني كنت كتبت إلى عمرو بن عبد الله أن يقسم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها ومن سقط إليها من أهل البادية ومن أضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل‏.‏

فكتب إلى ألي أنه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قد باعه وحمل إليك ثمنه فاردد إلى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع التي أمرته بها ويصرفه فيها إن شاء الله والسلام ‏.‏

البحرين قالوا‏:‏ وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس وكان بها خلق كثير من العرب من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في باديتها‏.‏

وكان على العرب بها من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر ابن ساوى أحد بنى عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة - وعبد الله بن زيد هذا هو الأسبذى نسب إلى قرية بهجر يقال لها الأسبذ ويقال إنه نسب إلى الأسبذيين وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين فلما كانت سنة ثمان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن عبد الله بن عماد الحضرمي حليف بني عبد شمس إلى البحرين ليدعو أهلها إلى اإسلام أو الجزية وكتب معه إلى المنذر بن ساوى والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى الإسلام أو الجزية‏.‏

فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم‏.‏

فأما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء وكتب بينه وبينهم كتابًا نسخته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين‏:‏ صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ‏.‏

واما جزية الرؤوس فإنه أخذ لها من كل حالم دينارًا‏.‏

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن الكلي عن أبي صالح عن أبن عباس قال‏:‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين‏:‏ أما بعد فإنكم إذا أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ونصحتم اللح ورسوله وآتيتم عشر النخل ونصف عشر الحب ولم تمجسوا أولادكم فلكم ما أسلمتم عليه غير أن بيت النار اله ورسوله وإن أبيتم فعليكم الجزية ‏.‏

فكره المجوس المجوس واليهود الإسلام وأحبوا أداء الجزية‏.‏

فقال منافقوا العرب‏:‏ زعم محمد لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر وهم غير أهل الكتاب‏.‏

فنزلت‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم‏}‏‏.‏ وقد قيل إن صلى الله عليه وسلم وجه العلاء حين وجه رسله إلى الملوك في سنة ست‏.‏

وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال‏:‏ حدثنا محمد بن المبارك قال‏:‏ حدثنا عتاب بن زياد قال‏:‏ حدثني محمدبن ميمون عن مغيرة الأزدي عن محمد بن زيد بن حيان الأعرج‏.‏

عن العلاء بن الحضرمي قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين أو قال هجر وكنت آتي الحائط بين الأخوة قد أسلم بعضهم فآخذ من المسلم العشر ومن المشرك الخراج‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود‏.‏

عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل هجر‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

من محمد النبي إلى أهل هجر‏.‏

سلم أنتم‏.‏

فإني أحمد إاليكم الله الذي لا إله إلا هو‏.‏

أما بعد فإني أوصيكم بالله وبانسكم ألا تضلوا بعد إذا هدتم ولا تغووا بعد إذا رشدتم‏.‏

أما بعد فإنه أتاني الذي صنعتم وأنه من يحسن منكم لايحمل عليه ذنب السيء فإذا جآءكم أمرائي فأطيعوهم وانصروهم وأعينوهم على أمر الله وفي سبيله فإنه من يعمل منكم عملًا صالحًا فلن يضل له عند الله وعندي وأما بعد فقد جاءني وفدكم فلم آت إلهم إلا ما سرهم وإني لو جهدت حقي فيكم كله أخرجتكم من هجر فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم ‏{‏واذكروا نعمة الله عليكم‏}‏‏.

حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان النحوي عن قتادة قال‏:‏ لم يكن بالبحرين في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على أنصاف الحب والتمر‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا الحسن بن صالح عن أشعث عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا قيس بن الربيع عن قيس ابن مسلم عن الحسن بن محمد قال‏:‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلى الإسلام فإن أسلموا فلهم مالنا وعليهم ما علينا ومن أبى فعليه الجزية في غير أكلٍ لذبائحهم ولا وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد الأبلى عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر وأخذنا عمر من مجوس فارس وأخذها عثمان من بربر‏.‏

وحدثنا الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن إدريس عن مالك ابن أنس عن الزهري بمثله‏.‏

وحدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله ابن سالم بن عبد الله بن عمر عن موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى منذر ابن ساوى‏:‏ من محمد النبي إلى منذر بن ساوى‏.‏

سلمٌ أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو‏.‏

أما بعد فإن كتابك جآءني وسمعت ما فيه فمن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم ومن أبى ذلك فعليه الجزية ‏.‏

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى فأسلم ودعا أهل هجر فكانوا بين راضٍ وكاره‏.‏

أما العرب فأسلموا وأما المجوس واليهود فرضوا بالجزية وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة قال‏:‏ حدثنا حميد بن هلال قال‏:‏ بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالًا من البحرين يكون ثمانين ألفًا ما أتاه أكثر منه قبله ولا بعده فأعطى منه العباس عمه‏.‏

حدثني هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وضائع كسرى بهجر فلم يسلموا‏.‏

فوضع عليهم الجزية دينارًا على كل رجل منهم‏.‏

قالوا‏:‏ وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء ثم ولى البحرين أبان بن سعيد بن العاص بن أمية‏.‏

وقوم يقولون‏:‏ إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف وإن أبان كان على ناحية أخرى فيها الخط والأول اثبت‏.‏

قالوا‏:‏ ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج أبان من البحرين فأتى المدين‏.‏

فسأل أهل البحرين أبا بكر رضي الله عنه أن يرد العلاء عليهم ففعل‏.‏

فيقال إن العلاء لم يزل واليًا حتى توفي بها سنة عشرين‏.‏

فولى عمر مكانه أبا هريرة الدوسي ويقال أيضا إن عمر رضي الله عنه ولى أبو هريرة قبل موت العلاء فأتى العلاء توج من أرض فارس وعزم على المقام بها‏.‏

قال‏:‏ ثم رجع إلى البحرين فمات هناك‏.‏

وكان أبو هريرة يقول‏:‏ دفنا العلاء ثم احتجنا إلى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده في اللحد‏.‏

وقال أبو مخنف‏:‏ كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاء ابن الحضرمي وهو عامله على البحرين يأمره بالقدوم عليه وولى عثمان ابن أبي العاصي الثقفي البحرين وعمان‏.‏

فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بن غزوان فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة مكان عتبة بن غزوان فلم يصل إليها حتى مات وذلك في سنة أربع عشرة أو في أول سنة خمس عشرة‏.‏

ثم إن عمر ولى قدامه بن مظعون الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الأحداث والصلاة ثم عزل قدامة وحده على شرب الخمر وولى أبا هريرة الصلاة والأحداث ثم عزله وقاسمه ماله ثم ولى عثمان بن أبي العاصي البحرين وعمان‏.‏

حدثني العمري عن الهيثم قال‏:‏ كان قدامة بن مظعون على الجباية والأحداث وأبو هريرة على الصلاة والقضاء فشهد على قدامة بما شهد به‏.‏

ثم ولاه عمر البحرين بعد قدامة ثم عزله وقاسمه وأمره بالرجوع فأبى فولاها عثمان بن أبي العاص‏.‏

فمات عمر وهو واليه عليها‏.‏

وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخوه مغيرة بن أبي العاصي ويقال حفص بن أبي العاصي‏.‏

عن أبي هريرة قال‏:‏ استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين فاجتمعت لي اثنا عشر ألفًا‏.‏

فلما قدمت على عمر قال لي‏:‏ يا عدو الله وعدو المسلمين‏!‏ أو قال وعدو كتابه سرقت مال الله قال قلت‏:‏ لست بعدو لله ولا للمسلمين أو قال لكتابه ولكي عدو من عاداهما‏.‏

ولكن خيلًا تناتجت وسهاما اجتمعت‏.‏

قال‏:‏ فأخذ منى اثنا عشر ألفًا‏.‏

فلما صليت الغداة قلت‏:‏ اللهم اغفر لعمر‏.‏

قال‏:‏ فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك حتى إذا كان بعد ذلك قال‏:‏ ألا تعمل يا أبا هريرة قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ولم قد عمل من هو خير منك يوسف‏:‏ ‏{‏قال اجعلني على خزائن الأرض‏}‏‏.‏

فقلت‏:‏ يوسف نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة‏.‏

وأخاف منكم ثلاثًا واثنتين‏.‏

قال‏:‏ فهلا قلت خمسًا‏!‏ قلت‏:‏ أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا عرضي وتأخذوا مالي وأكره أن أقول بغير حلم وأحكم بغير علم‏.‏

حدثنا القاسم بن سلام وروح بن عبد المؤمن قالا‏:‏ حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضري عن يزيد بن ابراهيم التستري عن ابن سيرين عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين قال له عمر‏:‏ يا عدو الله كتابه‏!‏ أسرقت مال الله قال‏:‏ لست عدو الله ولا عدو كتابه ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله‏.‏

قال‏:‏ فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف درهم قال‏:‏ خيلٌ تناسلت وعطاءٌ تلاحق وسهامٌ اجتمعت فقبضها قالوا‏:‏ ولما مات المنذر بن ساوى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل ارتد من بالبحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم - وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بني قيس بن ثعلبة - وإنما سمي الحطم بقوله‏:‏ قد لفها الليل بسواق حطم وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود وهو بشر بن عمرو العبدي ومن تابعه من قومه وأمروا عليهم ابنًا للنعمان بن المنذر يقال له المنذر فصار الحطم حتى لحق بربيعة فانضم إليها بمن معه وبلغ العلاء بن الحضرمي الخبر فسار بالمسلمين حتى نزل جواثا وهو حصن البحرين فدلفت إليه ربيعة فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم فقاتلها قتالًا شديدًا‏.‏

ثم إن المسلمين لجأوا إلى الحصن فحصرهم فيه عدوهم‏.‏

ففي ذلك يقول عبد الله بن حذف الكلابي‏:‏ ألا أبلغ أبا بكرٍ ألوكًا وفتيان المدينة أجمعينا فهل لك في شبابٍ منك أمسوا أسارى في جواث محاصرينا ثم إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة فقاتلوا قتالًا شديدًا وقتل الحطم‏.‏

وقال غير هشام بن الكلبي‏:‏ أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا وقد كفر أهلها جميعًا وأمروا عليهم المنذر بن النعمان فأقام معهم‏.‏

فحصرهم العلاء حتى فتح جواثا وفض ذلك الجمع وقتل الحطم‏.‏

والخبر الأول أثبت‏.‏

وفي قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدي‏:‏ تركنا شريحًا قد علته بصيرةٌ كحاشية البرد اليماني المحبر البصيرة من الدم ما وقع في الأرض‏.‏

ونحن فجعنا أم غضبان بأبنها ونحن كسرنا الرمح في عين حبتر ونحن تركنا مسمعًا متجدلًا رهينة ضبعٍ تعتريه وأنسر قالوا‏:‏ وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور فلما ظهر المسلمون قال‏:‏ لست بالغرور ولكني المغرور‏.‏

ولحق هو وفل ربيعة بالخط فأتاها العلاء ففتحها وقتل المنذر ومن معه‏.‏

ويقال إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر وأرسل الماء حوله فلم يوصل إليه حتى صالح الغرور على أن يخلى المدينة فخلاها ولحق بميلمة فقتل معه‏.‏

وقال قوم‏:‏ قتل المنذر يوم جواثا‏.‏

وقم يقولون إنه استأمن ثم هرب فلحق فقتل‏.‏

وكان العلاء كتب إلى أبي بكر يستمده فكتب إلى خالد بن الوليد بأمره بالنهوض إليه من اليمامة وإنجاده فقدم عليه وقد قتل الحطم فحصر معه الخط‏.‏

ثم أتاه كتاب أبي بكر بالشخوص إلى العراق فشخص إليه من البحرين وذلك في سنة اثني عشر‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ يقول أصحابنا إن خالدًا قدم المدينة ثم توجه منها إلى العراق‏.‏

واستشهد بجواثا عبد الله بن سهيل بن عمرو أحد بنى عامر ابن لؤي ويكنى أبا سهيل وأمه فاخته بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف‏.‏

وكان عبد الله أقبل مع المشركين يوم بدر ثم انحاز إلى المسلمين مسلمًا وشهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما بلغ أباه سهيل بن عمرو خبره قال‏:‏ عند الله أحتسبه‏.‏

ولقيه أبو بكر وكان بمكة حاجًا فعزاه به فقال سهيل‏:‏ إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يشفع الشهيد في سبعين من أهله وإني لأرجو أن لا يبدأ ابنى بأحدٍ قبلي‏.‏

وكان يوم استشهد ابن ثمان وثلاثين سنة‏.‏

واستشهد عبد الله بن عبد الله بن أبى يوم جواثا‏.‏

وقال غير الواقدي‏:‏ استشهد يوم اليمامة‏.‏

قالوا‏:‏ وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الذي كان وجهه لقتل بني تميم حين عرضوا لعيره - واسمه فيروز بن جشيش - بالزارة‏.‏

وانضم إليه مجوسٌ كانوا تجمعوا بالقطيف وامتنعوا من آداء الجزية‏.‏

فأقام العلاء على الزارة فلم يفتحها في خلافة أبي بكر وفتحها في أول خلافة عمر‏.‏

وفتح العلاء السابون ودارين في خلافة عمر عنوة وهناك موضع يعرف بخندق العلاء‏.‏

وقال معمر بن المثنى‏:‏ غزا العلاء بعبد القيس قرى من السابون في خلافة عملا بن الخطاب ففتحها ثم غزا مدينة الغابة فقتل من بها من العجم ثم أتى الزارة وبها المكعبر فحصره‏.‏

ثم إن مرزبان الزارة دعا إلى البراز فبارزه البراء بن مالك فقتله وأخذ سلبه فبلغ أربعين ألفًا‏.‏

ثم خرج رجل من الزارة مستأمنًا على أن يدل على شرب القوم فدله على العين الخارجة من الزارة فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه على أن له ثلث المدينة وثلث كا فيها من ذهب وفضة وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها‏.‏

وأتى الأخنس العامري العلاء فقال له‏:‏ إنهم لم يصالحوك على ذراريهم وهم بدارين‏.‏

ودلخ كراز النكري على المخاضة إليهم فتقحم العلاء في جماعة من المسلمين البحر فلم يشعر أهل دراين إلا بالتكبير فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه فقتلوا وحووا الذرارى والسبى‏.‏

ولما رأى المكعبر ذلك أسلم‏.‏

وقال كراز‏:‏ هاب العلاء حياض البحر مقتحمًا فخضت قدمًا ألى كفار دارينا حدثنا خلف البزاز وعفان قالا‏:‏ حدثنا هشيم قال‏:‏ أخبرنا ابن عون وينس عن محمد بن سيرين قال‏:‏ بارز البراء بن مالك مرزبان الزارة فطعنه فوق صلبه وصرعه ثم نزل فقطع يديه وأخذ سواريه ويلمقًا كان عليه ومنطقة‏.‏

فخمسه عمر لكثرته وكان أول سلب خمس في الإسلام‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت اليمامة تدعى جو فصلبت امرأة من جديس يقال لها اليمامة بنت مر على بابها فسميت باسمها والله اعلم‏.‏

وقالوا‏:‏ ولما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق في أول سنة سبع ويقال في سنة ست كتب إلى هوذة بن علي الحنفي وأهل اليمامة يدعوهم إلى الأسلام وأنفذ كتابه بذلك مع سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري ثم الخزرجي‏.‏

فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدهم‏.‏

وكان في الوفد مجاعة بن مرارة فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضًا مواتًا سأله إياها‏.‏

وكان فيها أيضًا الرجال بن عنفوة فأسلم وقرأ سورة البقرة وسورًا من القرآن إلا أنه ارتد بعد‏.‏

وكان فيهم مسيلمة الكذاب ثمامة بن كبير بن حبيب فقال مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ولا نعمة عين‏.‏

ولكن الله قاتلك‏.‏

وكان هوذة بن علي الحنفي قد كتب الى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يجعل الأمر له من بعده على أن يسلم ويصير إليه فينصره‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ولا كرامة‏.‏

اللهم اكفنيه‏.‏

فمات بعد قليل‏.‏

فلما انصرف وفد بني حنيفة الى اليمامة ادعى مسيلمة الكذاب النبوة وشهد له الرجال بن عنفوة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه في الأمر معه‏.‏

فاتبعه بنو حنيفة وغيرهم ممن باليمامة‏.‏

وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبادة بن الحارث أحد بني عامر بن حنيفة - وهو ابن النواحة الذي قتله عبد الله بن مسعود بالكوفة وبلغه أنه وجماعة معه يؤمنون بكذب مسيلمة -‏:‏ من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله‏.‏

اما بعد فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشًا لا ينصفون‏.‏

والسلام عليك وكتب عمرو ابن الجاورود الحنفي‏.‏

فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

من محمد النبي الى مسلمة الكذاب‏.‏

أما بعد فـ ‏{‏إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏}‏‏.‏

{‏والسلام على من اتبع الهدى‏}‏‏.‏ وكتب أبي بن كعب‏.‏

فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاه في أشهر يسيرة بعث خالد بن الوليد ابن المغيرة المخزومي الى اليمامة وأمره بمحاربة الكذاب مسيلمة‏.‏

فلما شارفها ظفر بقوم من بنى حنيفة فيهم مجاعة بن مرارة بن سلمى فقتلهم واستبقى مجاعة وحمله معه موثقًا‏.‏

وعسكر خالد على ميل من اليمامة فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم الرجال ومحكم بن الطفيل بن سبيع الذي يقال له محكم اليمامة‏.‏

فرأى خالد البارقة فيهم فقال‏:‏ يامعشر المسلمين‏!‏ قد كفاكم الله مؤنة عدوكم ألا ترونهم وقد شهر بعضهم السيوف على بعض وأحسبهم قد اختلفوا ووقع بأسهم بينهم‏.‏

فقال مجاعة وهو في حديدة‏:‏ كلا‏!‏ ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها فأبرزوها للشمس لتلين متونها‏.‏

ثم التقى الناس وقراء القرآن‏.‏

ثم أن المسلمين فآءوا وثابوا فأنزل الله عليهم نصره وهزم أهل اليمامة فأتبعوهم يقتلونهم قتلًا ذريعًا ورمى عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق أخو عائشة لأبيها محكمًا بسهم فقتله وألجأوا الكفرة إلى الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت وقتل الله مسيلمة في الحديقة فبنو عامر بن لؤي بن غالب يقولون‏:‏ قتلة خداش بن بشير بن الأصم أحد بني معيص ابن عامر بن لؤي‏.‏

وبعض الأنصار يقولون‏:‏ قتله عبد الله بن زيد بن ثعلة أحد بنى الحارث بن الخزرج وهو الذي أرى الأذان‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ قتله أبو دجانة سماك بن خرشة مم استشهد‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بل قتله عبد الله بن زيد بن عاصم أخو حبيب بن زيد من بني مبذول من بني النجار‏.‏

وقد كان مسلمة قطع يدي حبيب ورجليه‏.‏

وكان وحشى بن حرب الحبشي قاتل حمزة رضي الله عنه يدعى قتله ويقول‏:‏ قتلت خير الناس وشر الناس‏.‏

وقال قوم‏:‏ إن هؤلاء جميعًا شركوا في قتله‏.‏

وكان معاوية بن أبي سفيان يدعي أنه قتله ويدعي ذلك له بنو أمية‏.‏

حدثني أبو حفص الدمشقي قال‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم عن خالد بن دهقان عن رجل حضر عبد الملك بن مروان سأل رجلًا من بني حنيفة ممن شهد وقعة اليمامة عن قاتل مسيلمة فقال‏:‏ قتله رجل من صفته كذا وكذا‏.‏

فقال عبد الملك‏:‏ قضيت والله لمعاوية بقتله‏.‏

قال‏:‏ وجعل الكذاب يقول حين أخذ منه بالمخنق‏:‏ يابني حنيفة‏!‏ قاتلوا عن أحسابكم‏.‏

فلم يزل يعيده حتى قتله الله‏.‏

وحدثني عبد الواحد بن غياث قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ كفرت العرب‏.‏

فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فلقيهم‏.‏

ثم قال‏:‏ والله لا أنتهى حتى أناطح مسيلمة‏.‏

فقالت الأنصار‏:‏ هذا رأي تفردت به لم يأمرك به أبو بكر أرجع إلى المدينة حتى نريح كراعنا‏.‏

فقال‏:‏ والله لا أنتهي حتى أناطحه‏.‏

فرجعت عنه الأنصار قم قالوا‏:‏ ماذا صنعنا لئن ظهر أصحابنا لقد خسسنا ولئن هربوا لقد خذلناهم‏.‏

فرجعوا ومضوا معه‏.‏

فالتقى المسلمون والمشركون فولى المسلمون مدبرين حتى بلغوا الرحال‏.‏

فقام السائب بن العوام فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ قد بلغتم الرحال فليس لامرئ مفرٌ بعد رحله‏.‏

فهزم الله المشركين وقتل مسيلمة‏.‏

وكان شعارهم يومئذ‏:‏ يا أصحاب سورة البقرة‏.‏

وحدثني بعض أهل اليمامة أن رجلًا كان مجاورًا في بني حنيفة فلما قتل محكم أنشأ يقول‏:‏ فإن أنج منها أنج منها عظيمةً وإلا فإني شاربٌ كأس محكم قالوا‏:‏ وكانت الحرب قد نهكت المسلمين وبلغت منهم فقال مجاعة لخالد‏:‏ إن أكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم وإنما قتلتم منهم القليل وقد بلغوا منكم ما أرى وأنا مصالحك عنهم‏.‏

صالحه على نصف السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع‏.‏

ثم إن خالدًا توثق منه وبعثه إليهم فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من المشايخ أن يلبسوا السلاح ويقوموا على الحصون‏.‏

ففعلوا ذلك‏.‏

فلم يشك خالد والمسلمون حين نظروا إليهم أنهم مقاتلةٌ فقالوا‏:‏ لقد صدقنا مجاعة‏.‏

ثم إن مجاعة خرج حتى أتى عسكر المسلمين فقال‏:‏ ان القوم لم يقبلوا ما صالحتك عليه عنهم واستعدوا لحربك وهذه حصون العرض مملوءة رجالًا ولم أزل بهم حتى رضوا بأن يصالحوا على ربع السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع‏.‏

فاستقر الصلح على ذلك ورضي خالد به وأمضاه وأدخل مجاعة خالدًا اليمامة‏.‏

فلما رأى من بقي بها قال‏:‏ خدعتني يا مجاع‏.‏

وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقة‏.‏

وأتى خالدًا كتاب أبي بكر رضي الله عنه بإنجاد العلاء بن الحضرمي فسار إلى البحرين واستخلف على اليمامة سمرة بن عمرو العنبري وكان فتح اليمامة سنة أثنى عشر‏.

حدثني أبو رباح اليمامي قال‏:‏ حدثني أشياخ من أهل اليمامة أن

مسيلمة الكذاب

كان قصيرًا شديد الصفرة أخنس الأنف أفطس يكنى أبا ثمامة‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان يكنى أبا ثمالة‏.‏

وكان له مؤذن يسمى حجيرًا فكان إذا أذن يقول‏:‏ أشهد أن مسيلمة يزعم أن رسول الله‏.‏

فقال‏:‏ أفصح حجير‏.‏

فمضت مثلًا‏.‏

وكان ممن استشهد باليمامة أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس واسمه هشيم ويقال مهشم‏.‏

وسالم مولى أبي حذيفة ويكنى أبا عبد الله وهو مولى ثبيتة بنت يعار الأنصارية وبعض الرواة يقول‏:‏ نبيثة وهي امرأة‏.‏

وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية‏.‏

وعبد الله وهو الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية‏.‏

ويقال لنه قتل يوم مؤتة‏.‏

وشجاع بن وهب الأسدي حليف بنى أمية يكنى أبا وهب‏.‏

والطفيل بن عمرو الدوسي من الأزد ويزيد بن رقيش الأسدي حليف بنى أمية‏.‏

ومخرمة بن شريح الحضرمي حليف بني أمية‏.‏

والسائب بن العوام أخو الزبير بن العوام‏.‏

والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي‏.‏

والسائب بن عثمان بن مظعون الجمحي‏.‏

وزيد بن الخطاب بن نفيل أخو عمر بن الخطاب يقال قتلة أبو مريم الحنفي فقدم بعد ذلك على مر رضي الله عنه فقال أنت الجوالق واللبيد هو الجوالق‏.‏

وكان زيد يكنى أبا عبد الرحمن وكان أسن من عمر‏.‏

قال بعضهم‏:‏ اسم أبي مريم اياس بن صبيح‏.‏

وهو أول من قضى بالبصرة زمن عمر وتوفي بسنبيل من الأهواز‏.‏

وأبو قيس بن الحارث ابن عدى بن سهم‏.‏

وعبد الله بن الحارث بن قيس‏.‏

وسليط بن عمرو أخو سهيل ابن عمرو أحد بني عامر بن لؤي‏.‏

واياس بن البكير الكناني‏.‏

ومن الأنصار‏:‏ عباد بن الحارث بن عدي أحد بني جحجبا من الأوس‏.‏

وعباد بن بشر بن وقش الأشهلي من الأوس ويكنى أبا الربيع ويقال إنه كان يكنى أبا بشر‏.‏

ومالك بن أوس بن عتيك الأشهلي‏.‏

وأبو عقيل بن ثعلبة بيجان البلوى حليف بني جحجبا - كان اسمه عبد العزى فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عدو الأوثان‏.‏

وسراقة بن كعب بن عبد العزى النجاري من الخزرج‏.‏

وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري ويقال انه مات زمن معاوية‏.‏

وحبيب بن عمرو بن محصن النجاري‏.‏

ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان البلوى من قضاعة حليف الأنصار‏.‏

وثابت بن قيس بن شماس بن أبي زهير خطيب النبي صلى الله عليه وسلم أحد بني الحارث بن الخزرج ويكنى أبا محمد وكان على الأنصار يومئذ‏.‏

وأبو حنة ابن غزية بن عمرو أحد بني مازن النجار‏.‏

والعاص بن ثعلبة الدوسي من الأزد حليف الأنصار‏.‏

وأبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان الساعدي من الخزرج‏.‏

وأبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ويقال إنه مات سنة ستين بالمدينة‏.‏

وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك وكان اسمه الحباب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم أبيه وكان أبوه منافقًا وهو الذي يقال له ابن أبي سلول‏.‏

وسلول أم أبي وهي خزاعية نسب إليها وأبوه مالك ابن الحارث أحد بني الخزرج‏.‏

ويقال إنه استشهد يوم جواثا من البحرين‏.‏

وعقبة بن عامر بن نابئ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حبيب بن زيد بن عاصم أحد بني مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار وعبد الله بن وهب الأسلمي إلى مسيلمة فلم يعرض لعبد الله وقطع يدي حبيب ورجليه‏.‏

وأم حبيب نسيبة بنت كعب‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ إنما أقبلا مع عمرو بن العاص من عمان فكفتهما مسيلمة فنجا عمرو ومن معه غير هذين فأخذا‏.‏

وقاتلت نسيبة يوم اليمامة فانصرفت وبها جراحات‏.‏

وهي أم حبيب وعبد الله ابني زيد وقد قاتلت يوم أحدٍ أيضًا‏.‏

وهي إحدى المرأتين المبايعتين يوم العقبة‏.‏

واستشهد يوم اليمامة عائذ بن ماعص الزرقى من الخزرج ويزيد بن ثابت الخزرجي أخو زيد بن ثابت صاحب الفرائض‏.‏

وقد اختلفوا في عدة من استشهد باليمامة فأقل ما ذكروا من مبلغها سبع مئة وأكثر ذلك ألف وسبع مئة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إن عدتهم ألف ومائتان‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا الحارث بن مرة الحنفي عن هشام بن إسماعيل أن مجاعة اليمامي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب له كتابًا‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا كتاب محمد رسول الله لمجاعة بن مرارة بن سلمى‏.‏

إني أقطعتك الغورة وغرابة والحبل فمن حاجك فإلى الغورة قرية الغرابات تلت قارات‏.‏

قال‏:‏ ثم وفد ما قبض النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر فأقطعه الخضرمة‏.‏

ثم قدم على عمر فأقطعه الريا‏.‏

ثم قدم على عثمان فأقطعه قطعية - قال الحارث‏:‏ - لا أحفظ اسمها‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا أبو أيوب الدمشقي عن سعدان بن يحيى عن صدقة بن أبي عمران عن أبي إسحاق الهمداني عن عدى بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع فرات بن حيان العجلى أرضًا باليمامة‏.‏

حدثني محمد بن ثمال اليمامي عن أشياخهم قال‏:‏ سميت الحديقة حديقة الموت لكثرة من قتل بها‏.‏

قال‏:‏ وقد بنى إسحاق بن أبي خميصة مولى قيس فيها أيام المأمون مسجدًا جامعًا وكانت الحديقة تسمى أباض‏.‏

وقال محمد بن ثمال‏:‏ قصر الورد نسب إلى الورد بن السمين بن عبيد الحنفي‏.‏

وقال غيره‏:‏ سمى الحصن معتقًا لحصانته‏.‏

يريدون أن من لجأ إليه عتق من عدوه‏.‏

وقال‏:‏ الريا عينٌ منها شرب الصعفوقة وهي ضيعة نسبت إلى وكيل كان عليها يقال له خبر ردة العرب في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالوا‏:‏ لما استخلف أبو بكر رحمه الله ارتدت طوائف من العرب ومنعت الصدقة‏.‏

وقال قوم منهم‏:‏ نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة‏.‏

فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ لو منعوني عقالًا لقاتلتهم‏.‏

وبعض الرواة يقول‏:‏ لو منعوني عناقًا والعقال صدقة السنة‏.‏

وحدثني عبد الله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عوانة بن الحكم عن جرير بن يزيد عن الشعبي قال قال عبد الله بن مسعود‏:‏ لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا كدنا نلهك فيه لولا أن الله من علينا بأبي بكر‏.‏

اجتمع رأينا جميعًا على أن لا نقاتل على بنت مختض وابن لبون وأن نأكل قرى عربيةً ونعبد الله حتى يأتينا اليقين‏.‏

وعزم الله لأبي بكر رضي الله عنه على قتالهم فو الله مارضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية‏.‏

فأما الخطة المخزية فأن أقروا بأن من قتل منهم في النار وأن ما أخذوا من أموالنا مردودٌ علينا‏.‏

وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم‏.‏

حدثنا إبراهيم بن محمد عن عرعرة قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال‏.‏

أخبرنا سفيان عن طارق بن شهاب قال‏:‏ قدم وفد بزاخة على أبي بكر فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية‏.‏

فقالوا‏:‏ قد عرفنا الحرب المجلية فما السلم المخزية قال‏:‏ أن ننزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردوا إلينا ما أصبتم منا وتدوا قتلانا ويكون قتلاكم في النار‏.‏

حدثنا شجاع بن مخلد الفلاس قال‏:‏ حدثنا بشر بن المفضل مولى بني رقاش قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عمته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها‏.‏

اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب فو الله ما اختلفوا في واحدة إلا طار بحظها وغنائها عن الإسلام‏.‏

قالوا‏:‏ فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى القصة من أرض محارب لتوجيه الزحوف إلى أهل الردة ومعه المسلمون‏.‏

فصار إليهم خارجة بن حصن ابن حذيفة بن بدر الفزاري ومنظور بن زبان بن سيار الفزاري أحد بني العشراء في غطفان فقاتلوهم قتالًا‏.‏

فانهزم المشركون واتبعهم طلحة بن عبيد الله التيمي فلحقهم بأسفل ثنايا عوسجة فقتل منهم رجلًا وفاته الباقون فأعجزوه هربًا فجعل خارجه بن حصن يقول‏:‏ ويل للعرب من ابن أبي قحافة‏.‏

ثم عقد أبو بكر وهو بالقصة لخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على الناس وجعل على الأنصار ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وهو أحد من استشهد يوم اليمامة إلا أنه كان من تحت يد خالد وأمر خالدًا أن يصمد لطليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ادعى النبوة وهو يومئذ ببزاخة وبزاخة ماء لبني أسد ابن خزيمة‏.‏

فسار إليه خالد وقدم أمامه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس وثابت بن أقرم البلوى حليف الأنصار‏.‏

فلقيهما حبال ابن خويلد فقتلاه وخرج طليحة وسلمة أخوه وقد بلغهما الخبر فلقيا عكاشة وثابتًا فقتلاهما‏.‏

فقال طليحة‏:‏ ذكرت أخي لما عرفت وجوهم وأيقنت أنى ثائرٌ بحبال عشية غادرت ابن أقرم ثاوبًا وعكاشة الغنمي عند مجال ثم التقى المسلمون وعدوهم واقتتلوا قتالًا شديدًا وكان عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر مع طليحة في سبع مئةٍ من بني فزارة‏.‏

فلما رأى سيوف المسلمين قد استحلمت المشركين أتاه فقال له‏:‏ أما ترى ما يصنع جيش أبي الفصيل فهل جاءك جبريل بشيْ قال‏:‏ نعم‏.‏

جاءني فقال‏:‏ إن لك رحًا كرحاه ويمًا لاتنساه‏.‏

فقال عيينة‏:‏ أرى أن لك يومًا لاتنساه‏.‏

يابني فزارة‏!‏ هذا كذاب‏.‏

وولى عن عسكره فانهزم الناس وظهر المسلمون وأسر عيينة ابن حصن‏.‏

فقدم به المدينة فحقن أبو بكر دمه وخلى سبيله‏.‏

وهرب طليحة ابن خويلد فدخل خباءً له فاغتسل وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة ثم مضى إلى مكة ثم أتى المدينة مسلمًا‏.‏

وقيل بل أتى الشام فأخذه المسلمون ممن كان غازيًا وبعثوا به إلى أبي بكر بالمدينة فأسلم وأبلى بعد في فتح العراق ونهاوند‏.‏

وقال له عمر‏:‏ أقتلت العبد الصالح عكاشة بن محصن فقال‏:‏ إن عكاشة ابن محصن سعد بي وشقيت به وأنا استغفر الله‏.‏

وأخبرني داود بن حبال الأسدي عن أشياخ من قومه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لطليحة‏:‏ أنت الكاذب على الله حين زعمت أنه أنزل عليك أن الله لا يصنع بتعقير وجوهكم وقبح أدباركم شيئًا‏.‏

فاذكروا الله أعفةً قيامًا فإن الرغوة فوق الصريح‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ذلك من فتن الكفر الذي هدمه الإسلام كله فلا تعنيف علي ببعضه‏.‏

فأسكت عمر‏.‏

قالوا‏:‏ وأتى خالد بن الوليد رمان وأبا نين وهناك فل بزاخة فلم يقاتلوه وبايعوه لأبي بكر‏.‏

وبعث خالد بن الوليد هشام بن العاص بن وائل السهمي أخا عمرو بن العاص وكان قديم الإسلام وهو من مهاجرة الحبشة إلى بني عامر بن صعصعة فلم يقاتلوه وأظهروا الإسلام والأذان فانصرف عنهم‏.‏

وكان قرة بن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة وأمد طليحة فأخذه هشام بن العاص وأتى به خالدًا فحمله إلى أبي بكر فقال‏:‏ والله ما كفرت مذ آمنت ولقد مر بي عمر بن العاص منصرفًا من عمان فأكرمته وبررته‏.‏

فسأل أبو بكر عمرًا رضي الله عنهما عن ذلك فصدقه‏.‏

فحقن أبو بكر دمه‏.‏

ويقال‏:‏ إن خالدًا كان سار إلى بلاد بني عامر فأخذ قرة وبعث به أبي بكر‏.‏

قال‏:‏ ثم سار خالد بن الوليد إلى الغمر وهناك جماعة من بني أسد وغطفان وغيرهم وعليهم خارجة بن حصن بن حذيفة‏.‏

ويقال إنهم كانوا متسايدين قد جعل كل قومٍ عليهم رئيسًا منهم قاتلوا خالدًا والمسلمين فقتلوا منهم جماعة وانهزم الباقون‏.‏

وفي يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي‏:‏ ألا كل أرماحٍٍٍ قصارٍ أذلةٍ فداءٌ لأرماح الفوارس بالغمر ثم أتى خالد جو قراقر ويقال أتي النقرة وكان هناك جمعٌ لبني سليم عليهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزى السلمي وأمه الخنساء فقاتلوه‏.‏

فاستشهد رجل من المسلمين ثم فض الله جمع المشركين‏.‏

وجعل خالدٌ يومئذ يحرق المرتدين‏.‏

فقيل لأبي بكر في ذلك‏.‏

فقال‏:‏ لا أشيم سيفًا سله الله على الكفار‏.‏

وأسلم أبو شجرة فقدم على عمر وهو يعطي المساكين فاستعطاه فقال له‏:‏ ألست القائل‏:‏ ورويت رمحي من كتيبة خالدٍ وإني لأرجو بعدها أن أعمرا وعلاه بالدرة‏.‏

فقال‏:‏ قد محا الإسلام ذلك يا أمير المؤمنين‏.‏

قالوا‏:‏ وأتى الفجاءة وهو بجير بن إياس بن عبد الله السلمى أبا بكر فقال‏:‏ احملني وقونى أقاتل المرتدين‏.‏

فحمله وأعطاه سلاحًا‏.‏

فخرج يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين وجمع جمعًا‏.‏

فكتب أبو بكر إلى طريفة بن حاجزة أخي معن بن حاجزة يأمره بقتاله‏.‏

فقاتله وأسره ابن حاجزة‏.‏

فبعث به إلى أبي بكر فأمر أبو بكر بإحراقه في ناحية المصلى‏.‏

ويقال‏:‏ إن أبا بكر كتب إلى معن في أمر الفجاءة فوجه معنٌ إليه طريفة أخاه فأسره‏.‏

ثم سار خالد إلى من بالبطاح والبعوضة من بني نميم فقاتلوه ففض جمعهم وقتل مالك بن نويرة أخا متمم بن نويرة‏.‏

وكان مالك عاملًا للنبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني حنظلة‏.‏

فلما قبض صلى الله عليه وسلم خلى ما كان في يده من الفرائض وقال‏:‏ شأنكم بأموالكم يابني حنظلة‏.‏

وقد قيل إن خالدًا لم يلق بالبطاح والبعوضة أحدًا ولكنه بث السرايا في بني تميم وكان منها سريةٌ عليها ضرار بن الأزور الأسدي فلقى ضرار مالكًا فاقتتلوا وأسره وجماعة معه فأتى بهم فضربت أعناقهم وتولى شرار ضرب عنق مالك‏.‏

ويقال إن مالكًا قال لخالد‏:‏ إني والله ما ارتددت‏.‏

وشهد أبو قتادة الأنصاري أن بني حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا‏.‏

فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما‏:‏ بعثت رجلًا يقتل المسلمين ويعذب بالنار‏.‏

وق روى أن متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له‏:‏ ما بلغ من وجدك على أخيك مالك قال‏:‏ بكيته حولًا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيح وما رأيت نارًا إلا كدت أنقطع لها أسفًا عليه لأنه كان يوقد ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف فلا يعرف مكانه‏.‏

قال‏:‏ فصفه لي‏.‏

قال‏:‏ كان يركب الفرس الجرور ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوحين في الليلة القرة وعليه شملة فلوتٌ معتقلًا رمحًا خطلًا فيسرى ليلته ثم يصبح وكان وجه فلقة قمر قال‏:‏ فأنشدني بعض ما قلت فيه‏.‏

فأنشده مرثيته التي يقول فيها‏:‏ وكنا كندمانى جذيمة حقبةً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فقال عمر‏:‏ لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدًا‏.‏

فقال‏:‏ متمم‏:‏ ولا سواء يا أمير المؤمنين‏!‏ لو كان أخي صرع مصرع أخيك ما بكيته‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما عزاني أحدٌ بأحسن مما عزيتني‏.‏

قالوا‏:‏ وتنبأت أم صادرٍ سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة ابن الغنيز بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تمبم ويقال هي سجاح بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة وتكهنت‏.‏

فاتبعها قوم من بني تميم وقومٌ من أخوالها بني تغلب‏.‏

ثم إنها سجعت ذات يوم فقالت‏:‏ إن رب السحاب يأمركم أن تغزوا الرباب‏.‏

فغزتهم فهزموها ولم يقاتلها أحدٌ غيرهم فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجرٍ فتزوجه وجعلت دينها ودينه واحدًا‏.‏

فلما قتل وقال ابن الكلبي‏:‏ أسلمت سجاح وهاجرت إلى البصرة وحسن إسلامها‏.‏

وقال عبد الأعلى بن حماد النرسي‏:‏ سمعت مشايخ من البصريين يقولون‏:‏ إن سمرة بن جندب الفزاري صلى عليها وهو يلي البصرة من قبل معاوية قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ كان مؤذن سجاح الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط الرياحي وقوم يقولون‏:‏ إن شبث بن ربعي الرياحي كان يؤذن لها‏.‏

قالوا‏:‏ وارتدت خولان باليمن فوجه أبو بكر إليهم يعلى بن منية وهي أمه وهي من بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ابن مضر وأبو أمية بن أبي عبيدة من ولد مالك بن حنظلة بن مالك حليف بني نوفل بن عبد مناف فظفر بهم وأصاب منهم غنيمة وسبايا‏.‏

ويقال لم يلق حربًا فرجع القوم إلى الأسلام‏.‏

ردة بني وليعة والأشعث بن قيس بن معدي كرب ابن معاوية الكندي قالوا‏:‏ ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي من الأنصار حضر موت ثم ضم إليه كنده‏.‏

ويقال إن الذي ضم إليه كنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

وكان زياد بن لبيد رجلًا حازمًا صليبًا فأخذ في الصدقة من بعض كنده قلوصًا فسأله الكندي ردها عليه وأخذ غيرها‏.‏

وكان قد وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك وكلمه الأشعث بن قيس فيه فلم يجبه وقال‏:‏ لست برادٍ شيئًا قد وقع الميسم عليه‏.‏

فاتقضت عليه كنده كلها إلا السكون فإنهم كانو معه فقال شاعرهم‏:‏ ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا شقاءً وشايعنا ابن أم زياد ولم نبغ عن حق البياضي مزحلًا وكان تقى الرحمن أفضل زاد وجمع له بنو عمرو بن معاوية بن الحارث الكندي فبيتهم فيمن معه من المسلمين فقتل منهم بشرًا فيهم مخةس ومشرح وحمد وأبضعة بن معدي كرب ابن وليعة بن شر حبيل بن معاوية بن حجر القرد والقرد الجوادفى كلامهم ابن الحارث بن الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث‏.‏

وكانت لهؤلاء الأخوة أوديتٌ يملكونها فسموا الملوك الأربعة‏.‏

وكانوا وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا وقتلت أختٌ لهم يقال لها العمردة وقاتلها يحسبها رجلا‏.‏

ثم إن زيادًا أقبل بالسبي والأموال فمر على الأشعث بن قيس وقومه فصرخ النساء والصبيان وبكوا فحمى الأشعث أنفًا وخرج في جماعة من قومه فعرض لزياد ومن معه‏.‏

فاصيب ناس من المسلمين ثم هزموهم‏.‏

فاجتمعت عظماء كنده إلى الأشعث بن قيس‏.‏

فلما رأى زياد ذلك كتب إلى أبي بكر يستمده وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية يأمره بإنجاده‏.‏

فلقيا الأشعث بن قيس فيمن معهما من المسلمين ففضا جمعه وأوقعا بأصحابه فقتلا منهم مقتله عظيمة‏.‏

ثم إنهم لجأوا إلى النجير وهو حصن لهم فحصرهم المسلمون حتى جهدوا‏.‏

فطلب الأشعث الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه من العدة‏.‏

وذلك إن الجفشيش الكندى - واسمه معدان بن الأسود بن معدي كرب - أخذ بحقوه وقال‏:‏ أجعلني من العدة‏.‏

فأدخله وأخرج نفسه‏.‏

ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فبعثا به إلى أبي بكر الصديق فمن عليه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة‏.‏

فولدت له محمدًا واسحاق وقريبة وحبابة وجعدة‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ زوجه أخته قريبة‏.‏

ولما تزوجها أتى السوق فلم ير بها جزورًا إلا كسف عروقوبيها وأعطى ثمنها وأطعمها الناس‏.‏

وأقام بالمدينة ثم سار إلى الشام والعراق غازيًا ومات بالكوفة وصلى عليه الحسن بن علي بن أبي طال بعد صلحه معاوية‏.‏

وكان الأشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار‏.‏

وقال بعض الرواة‏:‏ ارتد بنو وليعة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فلما بلغت زياد بن لبيد وفاته صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى بيعة أبي بكر فبايعوه خلا بني وليعة فبيتهم وقتلهم‏.‏

وارتد الأشعث وتحصن في النجير فحاصره زياد بن لبيد والمهاجر اجتمعا عليه وأمدهما أبو بكر رضي الله عنه بعكرمة بن أبي جهل بعد انصرافه من عمان‏.‏

فقدم عليهما قالوا‏:‏ وكان بالنجير نسوة شمتن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فكتب أبو بكر رضي الله عنه في قطع أيديهن وارجلهن منهن الثبجاء الحضرمية وهند بنت يامين اليهودية‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثني عبد الرزاق بن همام اليماني عن مشايخ حدثوه من أهل اليمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى خالد بن سعيد بن العاص صنعاء فأخرجه العنسى الكذاب عنها وأنه ولى المهاجر بن أبي أمية على كنده وزياد بن لبيد الأنصاري على حضر موت والصدف - وهم ولد مالك بن مرتع بن معاوية بن كنده - وأنما سمى صدفًا لأن مرتعا تزوج حضرمية وشرط لها أن تكون عنده فإذا ولدت لم يخرجا من دار قومها‏.‏

فولدت له مالكًا‏.‏

فضى الحاكم عليه بأن يخرجها إلى أهلها‏.‏

فلما خرج مالك عنه معها قال‏:‏ صدف عنى مالك‏.‏

فسمى الصدف‏.‏

وقال عبد الرزاق‏:‏ فأخبرني مشايخ من أهل اليمن قالوا‏:‏ كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد والمهاجر بن أبي أمية المخزومي وهو يومئذ على كنده يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدًا وأمرهما واحدًا فيأخذا له البيعة ويقاتلا من امتنع من أداء الصدقة‏.‏

وأن يستعينا بالمؤمنين على الكافرين وبالمطيعين على المعاصين والمخالفين‏.‏

فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة من الابل فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبى زياد إلا أخذها وقال‏:‏ ما كنت لأردها بعد أن وقع عليها ميسم الصداقة‏.‏

فجمع بن عمرو بن معاوية جمعًا‏.‏

فقال زياد بن لبيد للمهاجر‏:‏ قد ترى هذا الجمع وليس الرأي أن نزول جميعًا‏.‏

فقال زياد بن لبيد للمهاجر‏:‏ قد ترى هذا الجمع وليس الرأي أن نزول جميعًا عن مكاننا ولكن أنفصل عن العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للأمر وأستر‏.‏

ثم أبيت هؤلاء الكفرة‏.‏

وكان زياد حازمًا صليبًا‏.‏

فصار إلى بني عمرو وألقاهم في الليل فبيتهم فأتى على أكثرهم وجعل بعضهم يقتل بعضًا‏.‏

ثم اجتمع والمهاجر ومعهما السبي والأسارى فعرض لهما الأشعث بت قيس ووجوه كنده فقاتلاهم قتالًا شديدًا‏.‏

ثم إن الكنديين تحصنوا بالنجير فحاصرهم حتى جهدهم الحصار وأضر بهم ونزل الأشعث على الحكم‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت حضرموت أتت كنده منجدة لهما فواقعهم زياد والهاجر فظفرا بهم وارتدت خولان فوجه إليهم أبو بكر بعلي بن منية فقاتلهم حتى أذعنوا وأقروا بالصدقة ثم أتى المهاجر كتاب أبي بكر بتوليه صنعاء ومخاليفها وجمع عمله لزياد إلى ما كان في يده‏.‏

فكانت اليمن بين ثلاثة‏:‏ المهاجر وزياد ويعلى‏.‏

وولى أبوسفيان بن حرب ما بين آخر حد الحجاز وآخر حد نجران‏.‏

وحدثني أبو الثمار قال‏:‏ حدثني شريك قال‏:‏ أنبأنا إبراهيم بن مهاجر عن ابراهيم النخمي قال‏:‏ ارتد الأشعث بن قيس الكندي في ناس من كنده فحوصروا فأخذ الأمان لسيعين منهم ولم يأخذه لنفسه فأتى به أبو بكر فقال‏:‏ إتا قاتلوك لأنه لاأمان لك إذا أخرجت نفسك من العدة فقال‏:‏ بل تمن علي ياخليفة رسول الله وتزوجني‏.‏

ففعل وزوجه أخته‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ابن سعد عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف عن أبي بكر الصديق أنه قال‏:‏ ثلاث تركتهن ووددت أنى لم أفعل‏.‏

وددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس ضربت عنقه فإنه تخيل إلى انه لايرى شرًا إلا سعى فيه وأعان عليه‏.‏

وودت أني يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه‏.‏

وودت أني حين وجهت خالدًا إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق فأكون قد بسطت يميني وشمالي جميعًا في سبيل الله‏.‏

أخبرني عبدالله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن فراس أو بنان‏.‏

عن الشعبي أن أبا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربع مئة درهم وأن الأشعث بن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثم رده لهم‏.‏

وقال الأشعث بن قيس يرثي بشير بن الأودح وكان ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتد يزيد بن أماناة ومن قتل يوم النيجر‏:‏ فلا غرو ألا يوم يقسم سبيهم وما الدهر عندي بعدهم بأمين وكنت كذات البو ربعت فأقبلت على بوها إذا طربت بحنين عن ابن أماناة الكريم وبعده بشير الندى فليجر دمع عيون أمر الأسود العنسى ومن ارتد معه باليمن قالوا‏:‏ كان الأسود بن كعب بن عوف العنسى قد تكهن وادعى النبوة فاتبعه عنسى واسم عنسى زيد بن مالك بن أدد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ وعنس أخو مراد بن مالك وخالد ابن مالك وسعد العشيرة بن مالك‏.‏

واتبعه أيضًا قومٌ من غير عنسى وسمى نفسه رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة‏.‏

وكان له حمار معلم يقول له‏:‏ اسجد لربك‏.‏

فيسجد ويقول له‏:‏ ابرك فيبرك‏.‏

فسمى ذا الحمار‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ هو ذو الحمار لأنه كان متخمرًا معتمًا أبدًا‏.‏

وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كأن أسود الوجه فسمى الأسود للونه وأن اسمه عيهلة‏.‏

قالوا‏:‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلى في السنة التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وفيها كان إسلام جرير إلى الأسود يدعوه إلى الإسلام قالوا‏:‏ وأتى الأسود صنعاء فغل عليها وأخرج خالد بن سعيد بن العاص عنها ويقال أنه إنما أخرج المهاجر بن أبي أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد البياض وكان عنده حتى أتاه كتاب أبي بكر يأمره بمعاونة زياد فلما فرغ من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها‏.‏

وكان الأسود متجبرًا فاستذل الأبناء وهم أولاد أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع ابن ذي يزن وعليهم وهرز واستخدمهم فأضر بهم وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم وعامل أبرويز عليهم‏.‏

فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن هبيرة المكشوح المرادي لقتاله‏.‏

وإنما سمي المكشوح لأنه كوى على كشحه من داء كان به امره باستمالة الأبناء‏.‏

وبعث معه فروة بن مسيك المرادي‏.‏

فلما صار إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهر قيس للأسود أنه على رأيه حتى بينه وبين دخول صنعاء فدخلها في جماعة من مدحج وهمدان وغيرهم‏.‏

ثم استمال فيروز بن الديلمي أحد الأبناء‏.‏

وكان فيروز قد أسلم‏.‏

ثم أتيا باذام رأس الأبناء ويقال إن باذام قد كان مات ورأس الأبناء بعده خليفة له يسمى داذويه وذلك أثبت‏.‏

فأسلم داذويه‏.‏

ولقى قيس باب بن ذي الجرة الحميري فاستماله وبث داذوية دعائه في الأبناء فأسلموا فتطابق هؤلاء جميعًا على قتل السود واغتياله ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذي هم عليه‏.‏

وكانت شائنةً له‏.‏

فدلتهم على جدولٍ يدخل إليه منه‏.‏

فدخلوا سحرًا ويقال بل نقبوا جدار بيته بالخل نقبًا ثم دخلوا عليه‏.‏

فسكنوا وأمسكوا‏.‏

واحتز قيس رأسه ثم علا سور المدينة حين أصبح فقال‏:‏ الله أكبر‏!‏ الله أكبر‏!‏‏.‏

أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أ محمدًا رسول الله وأن السود كذابٌ عدو الله‏.‏

فاجتمع أصحاب الأسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا وخرج أصحاب قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب العنسى السيف فلم ينج إلا من أسلم منهم‏.‏

وذكر بعض الرواة أن الذي قتل الأسود العنسى فيروز بن الديلمى وأن قيسًا أجاز عليه واحتز رأسه‏.‏

وذكر بعض أهل العلم أن قتل الأسود كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام‏.‏

فقال في مرضه‏:‏ قد قتل الله السود العنسى‏.‏

قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمى وأن الفتح ورد على أبي بكر بعد ما استخلف بعشر ليال‏.‏

وأخبرني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثني ابن أنس اليماني عمن أخبره عن النعمان بن برزج أحد الأبناء أن عامل النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بن سعيد بن العاص وأن الذي قتل الأسود العنسى فيروز بن الديملي وأن قيسًا وفيروز ادعيا قتله وهما بالمدينة‏.‏

فقال عمر‏:‏ قتله هذا الأسد بعني فيروز‏.‏

قالوا‏:‏ ثم إن قيسًا اتهم بقتل داذويه وبلغ أبا بكر أنه على إجلاء الأبناء عن صنعاء فأغضبه ذلك وكتب إلى المهاجر بن أبي أمية حين دخل صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله‏.‏

فلما قدم به عليه أحلفه خمسين يمينًا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما قتل داذويه فحلف فخلى سبيله ووجهه إلى الشام مع من انتدب لغزو الروم من المسلمين‏.‏

فتوح الشم‏.‏

قالوا‏:‏ لما فرغ أبو بكر رضي الله عنه من أمر أهل الردة رأى توجيه الجيوش إلى الشام‏.‏

فكتب إلى أهل مكة والطائف واليمن وجميع العرب بجند والحجاز يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وغنائم الروم فسارع الناس إليه بين محتسب وطامع وأتوا المدينة من كل أوب‏.‏

فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال‏:‏ خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وشرحبيل بن حسنة حليف بتي جمح - وشرحبيل فيما ذكر الواقدي ابن عبد الله المطاع الكندي وحسنة أمه وهي مولاة معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح وقال الكلبي‏:‏ هو شرحبيل بن ربيعة بن المطاع من ولد صوفة وهم الغوث بن مر بن أد بن طابخة - وعمر بن العاص بن وائل السهمي‏.‏

وكان عقده هذه الألوية يوم الخميس لمستهل صفر سنة ثلاث عشرة وذلك بعد مقام الجيوش معسكرين بالجوف المحرم كله وأبو عبيدة بن الجراح يصلي بهم وكان أبو بكر أراد أبا عبيدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك‏.‏

وقد روى قوم أنه عقد له وليس ذلك بثبت ولكن عمر ولاه الشام كله حين استخلف‏.‏

وذكر أبو مخنف أن أبا بكر قال للأمراء‏:‏ إن اجتمعتم على قتال فأميركم أبو عبيدة عامر بن الجراح الفهري وإلا فيزيد بن أبي سفيان‏.‏

وذكر أن عمرو بن العاص إنما كان مددًا للمسلمين وأميرًا على من ضم إليه‏.‏

قال‏:‏ ولما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر ذلك‏.‏

فكلم أبا بكر في عزله وقال‏:‏ إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالية والتعصب‏.‏

فعزله أبو بكر ووجه أبا أروى الدوسي لأخذ لوائه فلقيه بذي المروة فأخذ اللواء منه وورد به على أبي بكر فدفعه أبو بكر رضي الله عنه الى يزيد بن أبي سفيان فسار به ومعاوية أخوه يحمله بين يديه‏.‏

ويقال بل سلم اليه اللواء بذي المروة فمضى على جيش خالد وسار خالد بن سعيد محتسبًا في جيش شرحبيل‏.‏

وأمر أبوبكر رضي الله عنه عمرو بن العاص أن يسلك طريق أيلة عامدًا لفلسطين وامر يزيد أن يسلك طريق تبوك وكتب إلى شرحبيل أن يسلك أيضًا طريق تبوك‏.‏

وكان العقد لكل أمير في بدء الأمر على ثلاثة آلاف رجل فلم يزل أبو بكر يتبعهم الأمداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمس مئة ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفًا‏.

وروي عن الواقدي

أن أبا بكر ولى عمرًا فلسطين وشرحبيل الأردن ويزيد دمشق وقال‏:‏ إذا كان قتال فأميركم الذي تكونون في عمله‏.‏

وروي أيضًا أنه أمر عمرًا مشافهة أن يصلي بالناس إذا اجتمعوا وإذا تتفرقوا صلى كل أمير بأصحابه‏.‏

وأمر الأمراء أن يعقدوا لكل قبيلة لواء يكون فيهم‏.‏

قالوا‏:‏ فلما صار عمرو بن العاص إلى أول عمل فلسطين كتب إلى أبي بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم‏.‏

فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي وهو بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام‏.‏

فيقال إنه جعله أميرًا على الأمراء في الحرب‏.‏

وقال قوم‏:‏ كان خالد أميرًا على أصحابه الذين شخصوا معه وكان المسلمون إذا اجتمعوا لحرب أمره الأمراء فيها لبأسه وكيده ويمن نقيبته‏.‏

قالوا‏:‏ فـ

أول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم

بقرية من قرى غزة يقال لها دائن كانت بينهم وبين بطريق غزة‏.‏

فاقتتلوا فيها قتالًا شديدًا‏.‏

ثم إن الله تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم وذلك قبل قدوم خالد بن الوليد الشام‏.‏

وتوجه يزيد بن أبي سفيان في طلب ذلك البطريق‏.‏

فبلغه أن بالعربة من أرض فلسطين جمعًا للروم فوجه اليهم أبا أمامة الصدي بن عجلان الباهلي فأوقع بهم وقتل عظيمهم ثم انصرف‏.‏

وروى أبو مخنف في يوم العربة أن ستة قاد من قواد الروم نزلوا العربة في ثلاثة آلاف فسار اليهم أبو أمامة في كثف من المسلمين فهزمهم وقتل أحد القواد ثم اتبعهم فصاروا الى الدبية فهزمهم وغنم المسلمون غنمًا حسنًا‏.‏

وحدثني أبو حفص الشامي‏.‏

عن مشايخ أهل الشام قالوا‏:‏ كانت أول وقائع المسلمين وقعة العربة ولم يقاتلوا قبل ذلك مذ فصلوا من الحجاز‏.‏

ولم يمروا بشيء من الأرض فيما بين ابلحجاز وموضع هذه الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب وصار في أيديهم‏.‏

ذكر شخوص خالد بن الوليد إلى الشام وما فتح في طريقه‏.‏

قالوا‏:‏ لما أتى خالد بن الوليد كتاب أبي بكر وهو بالحيرة خلف المثنى بن حارثة الشيباني على ناحية الكوفة وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمان مئة ويقال في ست مئة ويقال في خمس مئة فأتى عين التمر‏.‏

ففتحها عنوة‏.‏

ويقال إن كتاب أبي بكر وافاه وهو بعين التمر وقد فتحها فسار خالد من عين التمر فأتى صندودآء وبها قوم من كنده وأياد والعجم فقاتله أهلها فظفر وخلف بها سعد بن حرام الأنصاري فولده اليوم بها‏.‏

وبلغ خالدًا أن جمعًا لبنى تغلب بن وائل بالمضيح والحصيد مرتدين عليهم ربيعة بن بجير‏.‏

فأتاهم فقاتلوه فهزمهم وسبي وغنم وبعث بالسبي إلى أبي بكر‏.‏

فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بن بجيير وهي أم عمر بن أبي طالب‏.‏

ثم أغار خالد على قراقر وهو ماء لكلب ثم فوز منه إلى سوى وهو ماء لكب أيضًا ومعهم فيه قوم من بهرآ‏.‏

فقتل حرقوص بن النعمان البهراني من قضاعة واكتسح أموالهم‏.‏

وكان خالد لما ركب المفازة عمد إلى الرواحل راحلةً راحلةً ويشرب وأصحابه الماء من أكراشها‏.‏

وكان له دليل يقال له رافع بن عمير الطائي ففيه يقول الشاعر‏:‏ لله در نافعٍ أنى اهتدى فوز من قرارٍ إلى سوى ماءٌ إذا ما رامه الجبس انثنى ما جازها قبلك من إنسٍ يرى وكان المسلمون لما انتهوا إلى سوى وجدوا حرقوصًا وجماعةً معه يشربون ويتغنون وحرقوص يقول‏:‏ ألا عللاني قبل جيش أبي بكر لعل منايانا قريبٌ ولا ندرى فلما قتله المسلمون جعل دمه يسيل في الجفنة التي كان فيها شرابه‏.‏

ويقال إن رأسه سقط فيها أيضًا‏.‏

وقال بعض الرواة‏:‏ إن المغنى بهذا البيت رجل ممن كان أغار خالد عليه من بني تغلب مع وقال الواقدي‏:‏ خرج خالد من سوى إلى الكواثل ثم أتى قرقيسيا فخرج إليه صاحبها في خلق فتركه وانحاز إلى البر ومضى لوجهه وأتى خالد أركة وهي أرك فأغار على أهلها وحاصرهم ففتحها صلحًا على شيء أخذه منهم للمسلمين‏.‏

وأتى دومة أتجندل ففتحها‏.‏

ثم أتى قصم فصالحه بنو مشجعة ابن أتتيم بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وكتب لهم أمانا‏.‏

ثم أتى تدمر فامتنع أهلها وتحصنوا ثم طلبوا الأمان فأمنهم على أن يكونوا ذمة وعلى أن قروا المسلمين ورضخوا لهم‏.‏

ثم أتى القريتين فقاتله أهلها فظفر وغنم‏.‏

ثم أتى حوارين من سنير فأغار على مواشي أهلها فقاتلوه وقد جاءهم مدد أهل بعلبك وأهل بصرى وهي مدينة حوران فظفر بهم فسبى وقتل‏.‏

ثم أتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم وهم نصارى فسبى وقتل‏.‏

ووجه خالد بسر بن أبي أرطاة العامري من قريش وحبيب بن مسلمة القهري إلى غوطة دمشق فأغار على قرى من قراها‏.‏

وصار خالد إلى الثنية التي تعرف بثنية العقاب بدمشق‏.‏

فوقف عليها ساعة ناشرًا رايته وهي راية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سودآء فسميت ثنية العقاب يومئذ‏.‏

والعرب تسمى الراية عقابًا وقوم يقولون‏:‏ إنها سميت بعقاب من الطير كانت ساقطة عليها‏.‏

والخبر الأول أصح‏.‏

وسمعت من يقول‏:‏ كان هناك مثال عقابٍ من حجارة وليس ذلك بشيء‏.‏

قالوا‏:‏ ونزل خالد بالباب الشرقي من دمشق ويقال بل نزل بباب الجابية فأخرج إليه أسقف دمشق نزلًا وخدمه فقال‏:‏ احفظ لي هذا العهد‏.‏

فوعده بذلك‏.‏

ثم سار خالد حتى انتهى إلى المسلمين وهم بقناة بصرى‏.‏

ويقال إنه أتى الجابية وبها أبو عبيده في جماعة من المسلمين فالتقيا ومضيا جميعًا إلى بصرى‏.‏

فتح بصرى قالوا‏:‏ لما قدم خالد بن الوليد على المسلمين بصرى اجتمعوا عليها وأمروا خالدًا في حربها ثم ألصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى ألجأوه وكماة أصحابه إليها‏.‏

ويقال بل كان يزيد بن أبي سفيان المتقلد لأنر الحرب لأن ولايتها وإمرتها كانت إليه لأنها من دمشق‏.‏

ثم إن أهلها صالحوا على أن يؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأولادهم على أن يؤدوا الجزية‏.‏

وذكر بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا على أن يؤدوا عن كل حالم دينارأ وجريب حنطة‏.‏

وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران وغلبوا عليها‏.‏

قال‏:‏ وتوجه أبو عبيده بن الجراح في جماعة من المسلمين كثيفة من أصحاب الأمراء ضموا إليه فأتى مآب من أرض البلقاء وبها جمع العدو فافتتحها صلحًا على مثل صلح بصرى‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إن أبا عبيده فتح مآب وهو أمير على جميع الشام أيام عمر‏.‏

يوم أجنادين ويقال أجنادين ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرب هرقل أكثرهم وتجمع باقوهم من النواحي وهرقل يومئذ مقيمٌ بحمص‏.‏

فقاتلهم المسلمون قتالًا شديدًا وأبلى خالد بن الوليد يومئذ بلاءً حسنًا ثم إن الله عزم أعداءه ومزقهم كل ممزق وقتل منهم خلق كثير‏.‏

واستشهد يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية وأخوه أبان بن سعيد وذلك الثبت ويقال بل توفي أبان في سنة تسع وعشرين‏.‏

وطليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه ثم غشيه الروم فقتلوه‏.‏

وأمه أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عدي‏.‏

وسلمة بن هشام بن المغيرة ويقال إنه قتل بمرج الصفر‏.‏

وعكرمة بن أبي جهل ابن هشام المخزومي‏.‏

وهبار بن سفيان بن عبد السد المخزومي ويقال بل قتل يوم مؤتة‏.‏

ونعيم بن عبد الله النحام العدوى ويقال قتل يوم اليرموك‏.‏

وهشام بن العاص بن وائل السهمي وقال قتل بوم اليرموك‏.‏

وعمر بن طفيل ابن عمرو الدوسي ويقال قتل يوم اليرموك‏.‏

وجندب بن عمرو الدوسي‏.‏

وسعيد بن الحارث‏.‏

والحارث بن الحارث‏.‏

والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي‏.‏

وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ قتل النحام يوم مؤتة وقتل سعيد بن الحارث بن قيس يوم اليرموك وقتل تميم بن الحارث يوم أجنادين وقتل عبيد الله بن عبد الأسد أخوه يوم اليرموك‏.‏

قال‏:‏ وقتل الحارث بن هشام ابن المغيرة يوم أجنادين‏.‏

قالوا‏:‏ ولما انتهى خبر هذه الوقعة إلى هرقل نخب قلبه وسقط في يده وملىء رعبًا فهرب من حمص إلى إنطاكية‏.‏

وقد ذكر بعضهم أن هربه من حمص إلى إنطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام‏.‏

وكانت وقعة أجنادين يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ويقال لليلتين خلتا من جمادى الآخرة ويقال لليلتين بقيتا منه‏.‏

قالوا‏:‏ ثم جمعت الروم جمعًا بالياقوصة والياقوصة وادٍ فمه الفوارة فلقيهم المسلمون هناك فكشفوهم وهزموهم وقتلوا كثيرًا منهم ولحق فلهم بمدن الشام‏.‏

وتوفى أبو بكر رضي الله عنه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة فأتى المسلمين نعيه وقم بالياقوصة‏.‏

يوم فحل من الأردن قالوا‏:‏ وكان وقعة فحل من الأردن لليلتين بقيتا من ذي القعدة بعد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخمسة أشهر وأمير الناس أبو عبيده ابن الجراح‏.‏

وكان عمر قد كتب إليه بولايته الشام وإمرة الأمراء مع عامر بن أبي وقاص أخي سعد بن أبي وقاص‏.‏

وقوم يقولون‏:‏ إن ولاية أبي عبيده الشام أتته والناسمحاصرون دمشق فكتمها خالدًا أيامًا لأن خالدًا كان أمير الناس في الحرب‏.‏

فقال له خالد‏:‏ ما دعاك رحمك الله إلى ما فعلت قال‏:‏ كرهت أن أكسرك وأوهن أمرك وأنت بأجزاء عدو‏.‏

وكان سبب هذه الوقعة أن هرقل لما صار إلى إنطاكية استنفر الروم وأهل الجزيرة وبعث رجلًا من خاصته وثقاته في نفسه‏.‏

فلقوا المسلمين بفحل من الأردن فقاتلوهم أشد قتال وأبرحه حتى أظهرهم الله عليهم‏.‏

وقتل بطريقهم وزهاء عشرة آلاف معه وتفرق الباقون في مدن الشام ولحق بعضهم بهرقل وتحصن أهل فحل فحصرهم المسلمون حتى سألوا الأمان على أداء الجزية عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم فأمنوهم على أنفسهم وأموالهم وأن لا تهدم حيطانهم‏.‏

وتولى عقد ذلك أبو عبيده بن الجراح ويقال‏:‏ تولاه شرحبيل ابن حسنة‏.‏

أمر الأردن‏.‏

عن الهيثم بن عدي قال‏:‏ افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن عنوة ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم‏.‏

وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز التنوحي عن عدة منهم أبو بشر مؤذن مسجد دمشق أن المسلمين لما قدموا الشام كان كل أمير منهم يقصد لناحية ليغزوها ويبث غارته فيها‏.‏

فكان عمرو بن العاص يقصد لفلسطين وكان شرحبيل يقصد الأردن وكان يزيد بن أبي سفيان يقصد ارض دمشق‏.‏

وكانوا إذا اجتمع لهم الدو اجتمعوا عليه وإذا احتاج أحدهم إلى معاضدة صاحبه وإنجاده سارع الى ذلك‏.‏

وكان أميرهم عند الإجتماع في حربهم أول أيام أبي بكر رضي الله عنه عمرو بن العاص حتى قدم قدم خالد بن الوليد الشام فكان أمير المسلمين في كل حرب‏.‏

ثمولي أبو عبيدة بن الجراح أمر الشام كله وإمرة الأمراء في الحرب والسلم من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك أنه لما استخلف كتب إلى خالد نعزله وولى أبا عبيدة‏.‏

ففتح شرحبيل بن حسنة طبرية صلحًا بعد حصار أيام على أن أمن أهلها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكنائسهم ومنازلهم إلا ما جلوا عنه وخلوه واستثنى لمسجد المسلمين موضعًا ثم إنهم نقضوا في خلافة عمر واجتمع إليهم قوم من الروم وغيرهم فأمر أبو عبيدة عمر بن العاص بغزوهم فسارع إليهم في أربعة آلاف ففتحها على مثل صلح شرحبيل‏.‏

ويقال بل فتحها شرحبيل ثانية‏.‏

وفتح شرحبيل جميع مدن الأردن وحصوتها على هذا الصلح فتحًا يسيرًا بغير قتال‏:‏ ففتح بيسان وفتح سوسيه وفتح فيق وجرش وبيت رأس وقدس والجولان وغلب على سواد الأردن وجميع أرضها‏.‏

قال أبو حفص‏:‏ قال أبومحمد سعيد بن عبد العزيز‏:‏ وبلغني أن الوضين بن عطاء قال‏:‏ فتح شرحبيل عكا وصور وصفورية‏.‏

وقال أبو بشر الؤذن‏:‏ إن أبا عبيدة وجه عمرو بن العاص إلى سواحل الأردن فكثر به الوم وجاءهم المدد من ناحية هرقل وهو بالقسطنطينية‏.‏

فكتب الى أبي عبيدة يستمده‏.‏

فوجه أبو عبيدة يزيد بن أبي سفيان‏.‏

فسار يزيد وعلى مقدمته معاوية أخوه‏.‏

ففتح يزيد وعمرو سواحل الأردن فكتب أبو عبيدة بفتحها لهما وكان لمعاوية في ذلك بلاء حسن وأثر جميل‏.‏

وحدثني أبو اليسع الأنطاكي عن أبيه‏.‏

عن مشايخ أهل أنطاكية والأردن قالوا‏:‏ نقل معاوية قومًا من فرس بعتبك وحمص وأنطاكية إلى سواحل الأردن وصور وعكا وغيرها سنة اثنتين وأربعين‏.‏

ونقل من أساورة البصرة والكوفة وفرس بعلبك وحمص إلى انطاكية في هذه السنة أو قبلها أو بعدها بسنة جماعة‏.‏

فكان من قواد الفرس مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي وأخبرني هشام بن الليث الصوري‏.‏

عن مشايخ أهل الشام قالوا‏:‏ رم معاوية عكا عند ركوبه منها إلى قبرص ورم صور‏.‏

ثم إن عبد الملك بن مروان جددها وقد كانتا خربتا‏.‏

وحدثني هشام بن الليث قال‏:‏ حدثني أشياخنا قالوا‏:‏ نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وخلق من الروم‏.‏

ثم نزع إلينا أهل بادان شتى فنزلوها معنا وكذلك جميع سواحل الشام‏.‏

وحدثني محمد بن سهم الأنطاكي‏.‏

عن مشايخ أدركهم قالوا‏:‏ لما كانت سنة تسع وأربعين خرجت الروم إلى السواحل وكانت الصناعة بمصر فقط‏.‏

فأمر معاوية بن أبي سفيان بجمع الصناع النجارين فجمعوا ورتبهم في السواحل‏.‏

وكانت الصناعة في الأردن بعكا‏.‏

قال‏:‏ فذكر أبو الخطاب الأزدى أنه كانت لرجل من ولد أبي معيط بعكا أرجاء ومستغلات‏.‏

فأراده هشام بن عبد الملك على أن يبيعه إباها فأبى المعيطى ذلك عليه‏.‏

فنقل هشام الصناعة إلى صور واتخذ فندقًا ومستغلًا‏.‏

وفال الواقدى‏:‏ لم تزال المراكب بعكا حتى ولّى بنو مروان فنقلوها إلى صور فهي بصور إلى اليوم‏.‏

وأمر أمير المؤمنين المتوكل على الله في سنة سبع وأربعين ومائتين بترتيب المراكب بعكا وجميع السواحل وشحنها بالمقاتلة‏.‏

يوم مرج الصفر قالوا‏:‏ ثم اجتمعت الروم جمعًا عظيمًا وأمدهم هرقل بمددٍ‏.‏

فلقيهم المسلمون بمرج الصفر وهم متوجهون إلى دمشق وذلك لهلال المحرم سنة أربع عشرة‏.‏

فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى جرت الدماء في الماء وطحنت بها الطاحونة وجرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف‏.‏

ثم ولى الكفرة منهزمين مفلولين لا يلوون على شيء حتى أتوا دمشق وبيت المقدس‏.‏

واستشهد يومئذ خالد ابن سعيد بن العاص بن أمية ويكنى أبا سعيد‏.‏

وكان قد أعرس في الليلة التي كانت الوقعة في صبيحتها بأم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومي امرأة عكرمة بن أبي جهل‏.‏

فلما بلغها مصابه انتزعت عمود الفسطاط فقاتلت به‏.‏

فيقال إنها قتلت يومئذ سبعة نفر وإن بها لردع الخلوق‏.‏

وفي رواية أبي مخنف أن وقعة المرج بعد أجنادين بعشرين ليلة وأن فتح مدينة دمشق بعدها ثم بعد فتح مدينة دمشق وقعة فحل‏.‏

ورواية الواقدي أثبت‏.‏

من فارسٌ كره الطعان يعيرني رمحًا إذا نزلوا بمرج الصفر وقال عبد الله بن كامل بن حبيب بن عمير بن خفاف بن امرئ القيس ابن بهثة بن سليم‏:‏ شهدت قبائل مالكٍ # وتغيبت عني عميرة يوم مرج الصفر يعني مالك بن خفاف‏.‏

وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ استشهد خالد بن سعيد يوم المرج وفي عنقه الصمصامة سيفه‏.‏

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى اليمن عاملًا فمر برهط عمرو بن معدي كرب الزبيدى من مذ حج فأغار عليهم فسبا امرأة عمروٍ وعدةً من قومه فعرض عليه عمرو أن يمن عليهم ويسلموا ففعل وفعلوا فوهب له عمرو سيفه الصمصامة وقال‏:‏ خليلٌ لم أهبه من قلاه ولكن المواهب للكرام خليلٌ لم أخنه ولم يخني كذلك ما خلالي أو تدامي حبوت به كريمًا من قريشٍ فسر به وصين عن الليام قال‏:‏ فأخذ معاوية السيف من عنق خالد يوم المرج حين استشهد فكان عنده ثم نازعه فيه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمبة فقضى له به عثمان فلم يزل عنده‏.‏

فلما كان يوم الدار وضرب مروان على قفاه وضرب سعيد فسقط صريعًا أخذ الصمصامة منه رجلٌ من جهينة فكان عنده‏.‏

ثم إنه دفعه إلى صيقلٍ ليجلوه فأنكر الصيقل أن يكون للجهنى مثله فأتى به مروان بن الحكم وهو والي المدينة‏.‏

فسأل الجهنى عنه فحدثه حديثه فقال‏:‏ أما والله لقد سلبت سيفي يوم الدار وسلب سعيد بن العاص سيفه‏.‏

فجاء سعيد فعرف السيف فأخذه وختم عليه وبعث به إلى عمرو بن سعيد الأشدق وهو على مكة‏.‏

فهلك سعيد فبقى السيف متاعه فأخذ السيف محمد بن سعيد أخو عمرو لأبيه‏.‏

ثم صار إلى يحيى ابن سعيد‏.‏

ثم مات فصار إلى عنبسة بن سعيد أخو عمرو لأبيه‏.‏

ثم صار إلى يحيى ابن سعيد‏.‏

ثم هلك فصار إلى محمد بن عبد الله بن سعيد وولده ينزلون ببارق‏.‏

ثم صار إلى أبان بن سعيد فحلاه بحلية ذهب فكان عند أم ولد له‏.‏

ثم إن أيوب بن أبي أيوب بن سعيد بن عمرو بن سعيد باعه من المهدي أمير المؤمنين بنيف وثمانين ألفًا فرد المهدي حليته عليه‏.‏

ولما صار الصمصامة إلى موسى الهادي أمير المؤمنين أعجب به وأمر الشاعر وهو أبو الهول أن ينعته فقال‏:‏ حاز صمصامة الزبيدي عمروٍ خير هذا الأنام موسى الأمين سيف عمروٍ وكان فيما علمنا خير ما أطبقت عليه الجفون أخضر اللون بين حديه بردٌ من ذع أف تميس فيه المنون فإذا ما سللته بهر الشم - س ضياءً فلم تكد تستبين نعم مخراق ذي الحفيظة في الهي - جا بعصا به ونعم القرين ثم إن أمير المؤمنين الواثق بالله دعي له بصقيل وأمره أن يسقنه فلما فعل ذلك تغير‏.‏

فتح مدينة دمشق وأرضها قالوا‏:‏ لما فرغ المسلمون من قتال من اجتمع لهم بالمرج أقاموا خمس عشرة ليلة ثم رجعوا إلى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة أربع عشرة فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة‏.‏

وتحصن أهل المدينة وأغلقوا بابها‏.‏

فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف ضمهم إليه أبو عبيده‏.‏

وقوم يقولون إن خالدًا كان أميرًا وإنما أتاه عزله وهم محاصرون دمشق‏.‏

وسمى الدير الذي نزل عنده خالد دير خالد‏.‏

ونزل عمرو ابن العاص على باب توما‏.‏

ونزل شرحبيل على باب الفراديس‏.‏

ونزل أبو عبيده على باب الجابية‏.‏

ونزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير إلى الباب الذي يعرف بكيسان‏.‏

وجعل أبو الدر داء عويمر بن عامر الخز رجي على مسلحةٍ ببرزة‏.‏

وكان الأسقف الذي أقام لخالد النزل في بدأته ربما وقف على السور فدعى له خالد‏:‏ فإذا أتى سلم عليه وحادثه‏.‏

فقال له ذات يوم‏:‏ يا أبا سليمان‏!‏ إن أمركم مقبلٌ ولي عليك عدة فصالحني عن هذه المدينة فدعى خالد بداوة وقرطاس فكتب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها‏:‏ أعطاهم أمانًا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم ولا يسكن شيء من دورهم‏.‏

لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم والخلفاء والمؤمنين لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية ‏.‏

ثم إن بعض أصحاب الأسقف أتى خالدًا في ليلة من الليالي فأعلمه أنها ليلة عيد لأهل المدينة وأنهم في شغل وأن الباب الشرقي قد ردم بالحجارة وترك وأشار عليه أن يلتمس سلمًا‏.‏

فأتاه قوم من أهل الدير الذي عند عسكرة بسلمين فرقى جماعة من المسلمين عليهما إلى أعلى السور ونزلوا إلى الباب وليس عليه إلا رجلٌ أو رجلان‏.‏

فتعاونوا عليه وفتحوه وذلك عند طلوع الشمس وقد كان أبو عبيد بن الجراح عانى فتح باب الجابية وأصعد جماعة من المسلمين على حائطه فأنصب مقاتلة الروم إلى ناحيته فقاتلوا المسلمينقتالًا شديدًا ودخلوا منه فالتقى أبو عبيده وخالد بن الوليد بالمقسلاط وهو موضع النحاسين بدمشق وهو البربص الذي ذكره حسان بن ثابت في شعره حين قال‏:‏ يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل وقد روى أن الروم أخرجوا ميتًا لهم من باب الجابية ليلًا وقد أحاط بجنازته المسلمين من فتحه ودخوله إلى رجوع أصحابهم من دفن الميت وطمعوا في غفلة المسلمين عنهم وإن المسلمين بدروا بهم فقاتلوهم على الباب أشد قتال وأبرحه حتى فتحوه في وقت طلوع الشمس‏.‏

فلما رأى السقف أن أبا عبيده قد قارب دخول المدينة بدر إلى خالد فصالحه وفتح له الباب الشرقي‏.‏

فدخل والأسقف معه ناشرًا كتابه الذي كتبه له‏.‏

فقال بعض المسلمين‏:‏ والله ما خالد بأمير فكيف يجوز صلحه فقال أبو عبيده‏:‏ إنه يجيز على المسلمين أدناهم‏.‏

وأجاز صلحه وأمضاه ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة فصارت دمشق صلحًا كلها‏.‏

وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر وأنفذه وفتحت أبواب المدينة فالتقى القوم جميعًا‏.‏

وفي رواية أبي مخنف وغيره أن خالدًا دخل دمشق بقتال وأن أبا عبيده دخلها بصلح فالتقيا بالزياتين‏.‏

والخبر الأول أثبت‏.‏

وزعم الهيثم بن عدى أن أهل دمشق صلحوا على أنصاف منازلهم وكنائسهم‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ قال أبو عبد الله الواقدي‏:‏ قرأت كتاب خالد بن الوليد لأهل دمشق فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس‏.‏

وقد روى ذلك ولا أدري من أين جاء من رواه‏.‏

ولكن دمشق لما فتحت لحق بشرٌ كثير من أهلها بهرقل وهو بإنطاكية فكثرت فضول منازلها فنزلها المسلمون‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان فتح مدينة دمشق في رجب سنة أربع عشرة‏.‏

وتاريخ كتاب خالد بصلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة‏.‏

وذلك أن خالدًا كتب الكتاب بغير تاريخ فلما اجتمع المسلمون للنهوض إلى من تجمع لهم باليرموك أتى الأسقف خالدًا فسأله أن يجدد له كتابًا ويشهد عليه أبا عبيده والمسلمين‏.‏

ففعل وأثبت في الكتاب أبي عبيده ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وغيرهم فأرخه بالوقت الذي جدده‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال‏:‏ دخل يزيد دمشق من الباب الشرقي صلحًا فالتقيا بالمقسلاط فأمضيت كلها على الصلح‏.‏

وحدثني القاسم قال‏:‏ حدثنا أبو مسهر عن يحيى بن حمزة عن أبي المهلب الصنعائي عن أبي الأشعث الصنعائي أو أبي عثمان الصنعائي أن أبا عبيده أقام بباب الجابية محاصرًا لهم أربعة أشهر‏.‏

حدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا نعيم بن حماد عن ضمرة بن ربيعه عن رجاء بن أبي سلمة قال‏:‏ خاصم حسان بن مالك عجم أهل دمشق إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسة كان رجل من الأمراء أقطعه إياها‏.‏

فقال عمر‏:‏ إن كانت من الخمس العشرة الكنيسة قال ضمرة عن علي بن أبي حملة‏:‏ خاصمنا عجم أهل دمشق إلى عمر بن عبد العزيز في كنيسة كان فلان قطعها لبني نصر بدمشق فأخرجنا عمر عنها وردها إلى النصارى‏.‏

فلما ولى يزيد بن عبد الملك ردها إلى بني نصير‏.‏

حدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أنه قال‏:‏ كانت الجزية بالشام في بدئ الأمر جريبًا ودينارًا على كل جمجمة‏.‏

ثم وضعها عمر بن الخطاب على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهمًا وجعلهم طبقات لغنى الغنى وإقلال المقل وتوسط المتوسط‏.‏

قال هشام‏:‏ وسمعت مشايخنا يذكرون أن اليهود كانوا كالذمة للنصارى يؤدون إليهم الخراج فدخلوا معهم في الصلح‏.‏

وقد ذكر بعض الرواة أن خالد بن الوليد صالح أهل دمشق فيما صالحهم عليه على أن ألزم كل رجل من الجزية دينارًا وجريب حنطة وخلًا وزيتًا لقوت المسلمين‏.‏

حدثنا عمرو الناقد حدثنا عبد الله بن وهب المصري عن عمر بن محمد عن نافع‏.‏

عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد بأمرهم أن يضربوا الجزية على كل من جرت عليه الموسى وأن يجعلوها على أهل الورق على كل رجل أربعين درهمًا وعلى أهل الذهب أربعة دنانير وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان حنطةً وثلاثة أقساطٍ زيتًا كل شهر لكل إنسان بالشام والجزيرة وجعل عليهم ودكًا وعسلًا لا أدري كم هو وجعل لكل إنسان بمصر في كل شهر أردبًا وكسوةً وضيافة ثلاثة أيام‏.‏

وحدثنا عمرو بن حماد بن أبي حنيفة قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن أسلم أن عمر بن ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة وعلى أهل الورق أربعين درهمًا مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام‏.‏

وحدثني مصعب عن أبيه عن مالك عن نافع عن اسلم بمثله‏.‏

قالوا‏:‏ ولما ولى معاوية بن أبي سفيان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا في المسجد بدمشق‏.‏

فأبى النصارى ذلك فأمسك‏.‏

ثم طلبها عبد الملك بن مروان في أيامه للزيادة في المسجد وبذل لهم مالًا عظيمًا على أن يعطوه إياها فأبوا‏.‏

فقال‏:‏ لئن لم تفعلوا لأهدمنها‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إن من هدم كنيسة جن وأصابته عاهة‏.‏

فأحفظه قوله ودعا بمعول وجعل يهدم بعض حيطانها بيده وعليه قباء خز أصفر‏.‏

ثم جمع الفعلة والنقاضين فهدموها وأدخلها في المسجد‏.‏

فلما استخلف عمر بن عبد العزيز شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم في كنيستهم‏.‏

فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاده في المسجد عليهم‏.‏

فكره أهل دمشق ذلك وقالوا‏:‏ يهدم مسجدنا بعد أن أذنا فيه وصلينا ويرد بيعةً‏.‏

وفيهم يومئذ سليمان بن حبيب المحاربي وغيره من الفقهاء‏.‏

وأقبلوا على النصارى فسألوهم أن يعطوا جميع كنائس الغوطة التي أخذت عنوة وصارت في أيدي المسلمين على أن يصفحوا عن كنيسة يوحنا ويمسكوا عن المطالبة بها‏.‏

فرضوا بذلك وأعجبهم‏.‏

فكتب به إلى عمر فسره وأمضاه‏.‏

وبمسجد دمشق في الرواق القبلة مما يلي المئذنة كتاب في رخامة بقرب السقف‏:‏ مما أمر ببنيانه أمير المؤمنين الوليد سنة ست وثمانين ‏.‏

وسمعت هشام بن عمار يقول‏:‏ لم يزل سور مدينة دمشق قائمًا حتى هدمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بعد انقضاء أمر مروان وبني أمية‏.‏

وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن مؤذن مسجد دمشق وغيره قالوا‏:‏ اجتمع المسلمون عند قدوم خالد على بصرى ففتحوها صلحًا وانبثوا في أرض حوران جميعًا فغلبوا عليها‏.‏

وأتاهم صاحب أذر عات فطلب الصلح على مثل ما صولح عليه أهل بصرى على أن جميع أرض البثنية أرض خراج‏.‏

فأجابوهم إلى ذلك‏.‏

ومضى يزيد بن أبي سفيان حتى دخلها وعقد لأهلها‏.‏

وكان المسلمون يتصرفون بكورتي حوران والبثنية‏.‏

ثم مضوا إلى فلسطين وأردن وغزوا ما لم يكن فتح‏.‏

وسار يزيد إلى عمان ففتحها فتحًا يسيرًا بصلح على مثل صلح بصرى وغلب على أرض البلقاء‏.‏

وولى أبو عبيده وقد فتح هذا كله فكان أمير الناس حين فتحت دمشق إلا أن الصلح كان لخالد وأجاز صلحه‏.‏

وتوجه يزيد بن أبي سفيان في ولاية أبي عبيده ففتح عر ندل صلحًا وغلب على أرض الشراة وجبالها‏.‏

قال‏:‏ وقال سعيد بن عبد العزيز أخبرني الوضين أن يزيد أتى بعد فتح مدينة دمشق صيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهي سواحل وعلى مقدمته أخوه معاوية ففتحها فتحًا يسيرًا وجلا كثيرًا من أهلها وتولى فتح عرقة معاوية نفسه في ولاية يزيد‏.‏

ثم إن الروم غلبوا على بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر بن الخطاب أو أول خلافة عثمان بن عفان فقصد لهم معاوية حتى فتحها ثم رمها وشحنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع‏.‏

قالوا‏:‏ فلما استحلف عثمان وولى معاوية الشام وجه معاوية سفيان بن مجيب الأزدى إلى أطرابلس وهي ثلاث مدن مجتمعة فبنى في مرج على أميال منها حصنًا سمى حصن سفيان وقطع المادة عن أهلها من البحر وغيره وحاصرهم فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة وكتبوا إلى ملك الروم يسألونه أن يمدهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى ما قبله‏.‏

فوجه إليهم بمراكب كثيرة فركبوها ليلًا وهربوا‏.‏

فلما أصبح سفيان - وكان يبيت كل ليلة في حصنه ويحصن المسلمين فيه ثم يغدو على العدو - وجد الحصن الذي كانوا فيه خاليًا فدخله‏.‏

وكتب بالفتح إلى معاوية فأسكنه معاوية جماعة كبيرة من اليهود‏.‏

وهو الذي فيه المينا اليوم‏.‏

ثم إن عبد الملك بناه بعد وحصنه‏.‏

قالوا‏:‏ وكان معاوية يوجه في كل عام إلى أطرابلس جماعة كثيفة من الجند يشحنها بهم ويوليها عاملًا فإذا نغلق البحر قفل وبقى العامل في جميعه منهم يسيرة فلم يزل الأمر فيها جاريًا على ذلك حتى ولى عبد الملك فقدم في أيامه بطريق من بطارقة الروم ومعه بشر منهم كثير فسأل أن يعطى الأمان على أن يقيم بها وؤدى الخراج‏.‏

فأجيب إلى مسئلته‏.‏

فلم يلبث إلا سنتين أو أكثر منهما بأشهر حتى تحين قفول الجند عن المدينة ثم أغلق بابها وقتل عاملها وأسر من معه من الجند وعدة من اليهود ولحق وأصحابه بأرض الروم‏.‏

فقدر المسلمون بعد ذلك عليه في البحر وهو متوجه إلى ساحل للمسلمين في مراكب كثيرة فقتلوه ويقال‏:‏ بل أسروه وبعثوا به إلى عبد الملك فقتله وصلبه‏.‏

وسمعت من يذكر أن عبد الملك بعث إليه من حصره بأطرابلس ثم أخذه سلمًا وحمله إليه فقتله وصلبه‏.‏

وهرب من أصحابه جماعة فلحقوا ببلاد الروم‏.‏

وقال علي بن محمد المدائني قال عتاب بن إبراهيم‏:‏ فتح أطرابلس سفيان بن مجيب ثم نقض

وحدثني أبو حفص الشامي عن سعيد عن الوضين

قال‏:‏ كان يزيد بن أبي سفيان وجه معاوية إلى سواحل دمشق سوى أطرابلس فإنه لم يكن يطمع فيها‏.‏

فكان يقيم على الحصن اليومين والأيام اليسيرة فربما قوتل قتالًا غير شديد وربما رمى ففتحها‏.‏

قال‏:‏ وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحلٍ رتبوا فيها قدر من يحتاج لها إليه من المسلمين فإن حدث في شيء منها حدثٌ من قبل العدو سربوا إليها الإمداد‏.‏

فلما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى معاوية يأمره بتحصين السواحل وشحنتها وإقطاع من ينزله إياها القطائع ففعل‏.‏

وحدثني أبو حفص عن سعيد بن عبد العزيز قال‏:‏ أدركت الناس وهم يتحدثون أن معاوية كتب إلى عمر بن الخطاب بعد موت أخيه يزيد يصف له حال السواحل فكتب إليه في مرمة حصونها وترتيب المقاتلة فيها وإقامة الحرس على مناظرها واتخاذ المواقيدلها‏.‏

ولم يأذن له في غزو البحر‏.‏

وأن معاوية لم يزل بعثمان حتى أذن له في الغزو بحرًا وأمره أن يعد في السواحل إذا غزا أو أغزى جيوشًا سوى من فيها من الرتب وأن يقطع الرتب أرضين ويعطيهم ماجلا عنه أهله من المنازل ويبنى المساجد ويكبر ماكان ابتنى منها قبل خلافته‏.‏

قال الوضين‏:‏ ثم إن الناس بعد انتقلوا إلى السواحل من كل ناحية‏.‏

حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه‏.‏

عن جعفر بن كلاب الكلابي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى علقمة ابن عوف بن الأحوض بن جعفر بن كلاب حوران وجعل ولايته من قبل معاوية‏.‏

فمات بها‏.‏

وله يقول الحطيئة العبسي - وخرج اليه فكان موته قبل وصوله وبلغه أنه في الطريق يريده فأوصى له بمثل سهم من سهام ولده‏:‏ - فما كان بيني لو لقيتك سالمًا وبين الغنى الا ليال قلائل وحدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهشام بن عمار أنه كانت لأبي سفيان بن حرب أيام تجارته الى الشام في الجاهلية ضيعة بالبلقاء تدعى بقبش فصارت لمعاوية وولده‏.‏

ثم قبضت في أول الدولة وصارت لبعض ولد أمير المؤمنين المهدي رضي الله عنه‏.‏

ثم صارت لقوم من الزياتين يعرفون ببني نعيم من أهل الكوفة‏.‏

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه‏.‏

عن جده قال‏:‏ وفد تميم بن أوس أحد بني الدار بن حبيب من لخم ويكني أبا رقية على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أخوه نعيم بن أوس فأقطعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حبرى وبيت عينون ومسجد ابراهيم عليه السلام فكتب بذلك كتابًا‏.‏

فلما افتتح الشام دفع ذلك إليهما‏.‏

فكان سليمان بن عبد الملك إذا مر بهذه القطعة لم يعرج وقال‏:‏ أخاف ان تصيبني دعوة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وحدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق مر بقوم مجذمين من النصارى فامر أن يعطوا من الصدقات وأن يجرى عليهم القوت‏.‏

وقال هشام‏:‏ سمعت الوليد بن مسلم يذكر أن خالد بن الوليد شرط لأهل الدير الذي يعرف بدير خالد شرطًا في خراجهم بالتخفيف عنهم حين أعطوه سلمًا صعد عليه‏.‏

فأنفذه لهم ابو عبيدة‏.‏

ولما فرغ أبو عبيدة من أمر مدينة دمشق سار إلى حمص فمر ببعتبك فطلب اهلها الأمان والصلح فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم واموالهم وكنائسهم وكتب لهم‏:‏ بسم الله الحمن الرحيم‏.‏

هذا كتاب أمان لفلان بن فلان وأهل بعلبك رومها وفرسها وعربها على انفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم داخل المدينة وخارجها وعلى أرحائهم وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم وبين خمسة عشر ميلًا ولا ينزلوا قرية عامرة‏.‏

فإذا مضى شهر ربيع وجمادي الأولى ساروا إلى حيث شاؤا‏.‏

ومن أسلم منهم فله مالنا وعليه ما علينا ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث أرادوا من البلاد التي صالحنا عليها وعلى من أقام الجزية والخراج‏.‏

شهد الله وكفى بالله شهيدًا‏.‏

أمر حمص حدثني عباس بن هشام عن أبيه‏.‏

عن أبي مخنف ان أبا عبيدة بن الجراح لما فرغ من دمشق قدم أمامه خالد بن الوليد وملحان بن زيار الطائي ثم اتبعهما‏.‏

فلما توافوا بحمص قاتلهم أهلها ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الأمان والصلح فصالوه على مئة الف وسبعين الف دينار‏.‏

قال الواقدي وغيره‏:‏ بينما المسلمون على أبواب دمشق إذ أقبلت خيل للعدو كثيفة فخرجت إلبهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين لهيا والثنية فولوا منهزمين نحو حمص على طريق قارا‏.‏

واتبعوهم حتى وافواحمص‏.‏

فألفوهم قد عدلوا عنها‏.‏

ورآهم الحمصيون وكاتوا منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم فاعطوا بايديهم وهتفوا بطلب الأمان‏.‏

فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم‏.‏

فأخرجوا اليهم العلف والطعام وأقاموا على الأرنط - يريد الأرند وهو النهر الذي ياتي أنطاكية ثم يصب في البحر بساحلها - وكان على المسلمين السمط بن الأسود الكندي فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بنأبي سفيان ثم قدم حمص على طريق بعلبك فنزل بباب الرستن فصلحه أهل حمص على أن امنهم على انفسهم واموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج من أقام منهم‏.‏

وذكر بعض الرواة أن السمط بن الأسود الكندي كان صالح أهل حمص فلما قدم أبو عبيدة امضى صلحه وأن السمط قسم حمص خططًا بين المسلمين حتى نزلوها واسكنهم في كل مرفوض جلا أهله او ساحة متروكة‏.‏

وحدثنا أبو حفص الدمشقي‏.‏

عن سعيد بن عبد العزيز قال‏:‏ لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق استخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق وعمرو بن العاص على فلسطين وشرحبيل على الأردن‏.‏

وأتى حمص فصالح اهلها على نحو صلح بعلبك‏.‏

ثم خلف بحمص عبادة بن الصامت الانصاري ومضى نحو حماة فتلقاه اهلها مذعنين فصالحهم على الجزية في رؤسهم والخراج في أرضهم‏.‏

فمضى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم المقلسون ورضوا بمثل ما رضي أهل حماه‏.‏

وبلغت خيله الزراعة والقسطل ومر أبو عبيدة بمعرة حمص وهي تنسب إلى النعمان بن بشير فخرجوا يقلسون بين يديه‏.‏

ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك واذعنوا بالجزية والخراج واسلم أمر حمص فكانت حمص وقنسرين شيئًا واحدًا‏.‏

وقد اختلفوا في تسمية الأجناد فقال بعضهم‏:‏ سمى المسلمون فلسطين جندًا لأنه جمع كورًا وكذلك دمشق وكذلك الأردن وكذلك حمص مع قنسرين‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم بها جندًا‏.‏

وذكروا أن الجزيرة كانت إلى قنسرين فجندها عبد الملك بن مروان أي أفردها فصار جندها يأخذون أطماعهم بها من خراجها‏.‏

وأن محمد بن مروان كان سأل عبد الملك تجنيدها ففعل‏.‏

ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى حمص حتى كان يزيد بن معاوية فجعل قنسرين وإنطاكية ومنبج وذواتها جندا‏.‏

فلما استخلف أمير المؤمنين الرشيد هارون بن المهدي أفرد قنسرين بكورها فصير ذلك جندًا واحدًا وأفرد منبج ودلوك ورعبان وقورس وإنطاكية وتيزين وسماها العواصم‏.‏

لأن المسلمين يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر‏.‏

وجعل مدينة العواصم منبج فسكنها عبد الملك بن صالح بن علي في سنة ثلاث وسبعين ومئة وبنى بها وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز وحدثني موسى ابن إبراهيم التنوخي عن أبيه عن مشايخ من أهل حمص قال‏:‏ استخلف أبو عبيده عبادة بن الصامت الأنصاري على حمص‏.‏

فأتى اللاذقية فقاتله أهلها‏.‏

فكان بها باب عظيم لا يفتحه إلا جماعة من الناس‏.‏

فلما رأى صعوبة مرامها عسكر على بعدٍ من المدين‏.‏

ثم أمر أن تحفر حفائر كالأسراب يستتر الرجل وفرسه في الواحدة منها‏.‏

فاجتهد المسلمون في حفرها حتى فرغوا منها‏.‏

ثم إنهم أظهروا القفول إلى حمص فلما جن عليهم الليل عادوا إلى معسكرهم وحفائرهم وأهل اللاذقية غارون يرون أنهم قد انصرفوا عنهم‏.‏

فلما أصبحوا فتحوا بابهم وأخرجوا سرحهم‏.‏

فلم يرعهم إلا تصبيح المسلمين إياهم ودخولهم من باب المدينة‏.‏

ففتحت عنوةً ودخل عبادة الحصن ثم علا حائطه فكبر عليه‏.‏

وهرب قوم من نصارى اللاذقية إلى اليسيد ثم طلبوا الأمان على ا يتراجعوا إلى أرضهم‏.‏

فقوطعوا على خراج يؤدونه قلوا أو كثروا وتركت لهم كنيستهم وبنى المسلمون باللاذقية مسجدًا جامعًا بأمر عبادة ثم إنه وسع بعد‏.‏

وكانت الروم أغارت في البحر على ساحل اللاذقية فهدموا مدينتها وسبوا أهلها وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز حتى حرز مدينة اللاذقية وفرغ منها والذي أحدث يزيد بن عبد وحدثني أبو حفص الدمشقي قال‏:‏ حدثني سعيد بن عبد العزيز وسعيد بن سليمان الحمصي قالا‏:‏ ورد عبادة والمسلمون السواحل ففتحوا مدينة تعرف ببلة على فرسخين من جبلة عنوةً‏.‏

ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها‏.‏

فأنشأ معاوية بن أبي سفيان جبلة‏.‏

وكانت حصنًا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص وشحنها‏.‏

وحدثني سفيان بن محمد البهراني عن أشياخه قالوا‏:‏ بني معاوية لجبلة حصنًا خارجًا من الحصن الرومي القديم‏.‏

وكان سكان الحصن الرومي رهبانًا وقومًا يتعبدون في دينهم‏.‏

وحدثني سفيان بن محمد قال‏:‏ حدثني أبي وأشياخنا قالوا‏:‏ فتح عبادة والمسلمون معه أنطرطوس وكان حصنًا ثم جلا عنه أهله‏.‏

فبنى معاوية أنطرطوس ومصرها وأقطع بها القطائع وكذلك فعل بمرقبة وبلنياس‏.‏

وحدثني أبو حفص الدمشقي قال عن أشياخه قالوا‏:‏ افتتح أبو عبيده اللاذقية وجبلة وأنطرطوس على يدي عبادة بن الصامت‏.‏

وكان يوكل بها حفظةً إلى انغلاق البحر‏.‏

فلما كانت شحنة معاوية السواحل وتحصينه إياها وحدثني شيخ من أهل حمص قال‏:‏ بقرب سلمية مدينة تدعى المؤتكفة اتقلبت بأهلها فلم يسلم منهم إلا مئة نفسٍ فبنوا منزل وسكنوها فسميت حوزتهم التي بنوا فيها سلم مئة‏.‏

ثم حرف الناس اسمها فقالوا‏:‏ سلمية‏.‏

ثم إن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها ونزلها قوم من ولده‏.‏

وقال ابن سهم الإنطاكي‏:‏ سلمية اسم رومي قديم‏.‏

وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال‏:‏ هدم مروان بن محمد سور حمص‏.‏

وذلك أنهم كانوا خالفوا عليه فلما مر بأهلها هاربًا من أهل خرا سان اقتطعوا بعض ثقله وماله وخزائن سلاحه‏.‏

وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر فلما كانت أيام أحمد بن محمد بن أبي إسحاق المعتصم بالله شغبوا على عاملهم الفضل بن قارن الطبري أخي مازيار ابن قارن فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع‏.‏

ثم إنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك الفرش وحاربوا الفضل بن قارن حتى قدروا عليه وأنهبوا ماله ونساءه وأخذوه فقتلوه وصلبوه فوجه أحمد بن محمد إليهم موسى بن بغا الكبير مولى بأمير المؤمنين المعتصم بالله فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها‏.‏

فقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم باقيهم حتى ألحقهم بالمدينة ودخلها عنوةً وذلك في سنة خمسين ومائتين‏.‏

وبحمص هري يرده قمح وزيت من السواحل وغيرها مما قوطع أهله عليه وأسجلت لهم يوم اليرموك قالوا‏:‏ جمع هرقل جموعًا كثيرة من الروم وأهل الشام وأهل الجزيرة وأرمينية تكون زهاء مائتي ألف وولى عليهم رجلًا من خاصته وبعث على مقدمته جبلة بن الأيهم الغساني في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم وعزم على محاربة المسلمين فإن ظهروا وإلا دخل بلاد الروم فأقام بالقسطنطينية‏.‏

واجتمع المسلمين فزحفوا إليهم فاقتتلوا على اليرموك أشد قتال وأبرحه‏.‏

واليرموك نهر‏.‏

وكان المسلمون يومئذ أربعة وعشرين ألفًا‏.‏

وتسلسلت الروم وأتباعها يومئذ لئلا يطمعوا أنفسهم في الهرب فقتل الله منهم زهاء سبعين ألفًا وهرب فلهم فلحقوا بفلسطين وإنطاكية وحلب والجزيرة وأرمينية‏.‏

وقاتل يوم اليرموك نساءٌ من نساء المسلمين قتالًا شديدًا وجعلت هند بنت عتيبة أم معاوية بن أبي سفيان تقول‏:‏ عضدوا الغلفان بسيوفكم‏.‏

وكان زوجها أبو سفيان خرج إلى الشام تطوعًا وأحب مع ذلك أن يرى ولده وحملها معه ثم إنه قدم المدينة فمات بها سنة إحدى وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة ويقال إنه مات بالشام‏.‏

فلما أتى أم حبيبة بنته نعيه دعت في اليوم الثالث بصفرة فمسحت بها ذراعيها وعارضتها وقالت‏:‏ لقد كنت عن هذا عنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا تحد امرأة على ميت سوى زوجها أكثر من ثلاث‏.‏

ويقال‏:‏ إنها فعلت هذا الفعل حين أتاها نعي أخيها يزيد‏.‏

والله أعلم‏.‏

وكان أبو سفيان بن حرب أحد العوران ذهبت عينة يوم الطائف‏.‏

قالوا‏:‏ وذهب يوم اليرموك عن الأشعث بن قيس وعين هاشم ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري وهو المر قال وعين قيس بن مكشوح‏.‏

واستشهد عامر بن أي وقاص الزهري وهو الذي كان قدم الشام بكتاب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيده بولايته الشام‏.‏

ويقال بل مات في الطاعون‏.‏

وقال بعض الرواة‏:‏ استشهد يوم أجنادين‏.‏

وليس ذلك بثبت‏.‏

قال‏:‏ وعقد أبو عبيده لحبيب بن مسلمة الفهري على خيل الطلب فجعل يقتل من أدرك‏.‏

وأنحاز جبلة بن الأيهم إلى الأنصار فقال‏:‏ أنتم اخوتنا وبنو أبينا‏.‏

وأظهر الإسلام‏.‏

فلما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام سنة سبع عشرةً لاحى جبلة رجلًا من مزينة فلطم عينه فأمره عمر بالاقتصاص منه فقال‏:‏ أوعيته مثل عيني والله لا أقيم ببلد على به سلطان‏.‏

فدخل بلاد الروم مرتدًا‏.‏

وكان جبلة ملك غسان بعد الحارث بن أبي شمر‏.‏

وروى أيضا أن جبلة أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على نصرا نيته‏.‏

فعرض عمر عليه الإسلام وأداء الصدقة فأبى ذلك وقال‏:‏ أقيم على ديني وأؤدي الصدقة‏.‏

فقال عمر‏:‏ إن أقمت على دينك فأد الجزية فأنف منها‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما عندنا لك إلا واحدة من ثلاث‏:‏ إما الإسلام وإما أداء الجزية وإما الذهاب إلى حيث شئت‏.‏

فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفًا‏.‏

فلما بلغ ذلك عمر ندم‏.‏

وعاتبه عبادة بن الصامت فقال‏:‏ لو قبلت منه الصدقة ثم تألفنه لأسلم‏.‏

وإن عمر رضي الله عنه وجه في سنة إحدى وعشرين عمير بن سعد الأنصاري إلى بلاد الروم في جيش عظيم وولاه الصائفة‏.‏

وهي أول صائفة كانت وأمره أن يتلطف لجبلة بن الأيهم ويستعطفه بالقرابة بينهما ويدعوه إلى الرجوع إلى بلاد الإسلام على أن يؤدى ما كان بذل من الصدقة ويقيم على دينه‏.‏

فسار عمير حتى دخل بلاد الروم وعرض على جبلة ما أمره عمر بعرضه عليه فأبى إلا المقام في بلاد الروم‏.‏

وانتهى عمير إلى موضع يعرف بالحمار وهو وادٍ فأوقع بأهله وأخربه‏.‏

فقيل‏:‏ أخرب من جوف حمار‏.‏

قالوا‏:‏ ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده هرب من إنطاكية إلى قسطنطينية‏.‏

فلما جاوز الدرب قال‏:‏ عليك يا سورية السلام‏!‏ ونعم البلد هذا للعدو‏.‏

يعني أرض الشام لكثرة مراعيها‏.‏

وكانت وقعة اليرموك في رجب سنة خمس عشرة‏.‏

قال هشام بن الكلبي‏:‏ شهد اليرموك حباش بن قيس القشيري فقتل من العلوج خلقًا وقطعت رجله وهو لا يشعر‏.‏

ثم جعل ينشدها‏.‏

فقال سوار ابن أوفى‏:‏ ومنا ابن عتابٍ وناشد رجله ومنا الذي أدى إلى الحي حاجبًا يعني ذا الرقيبة‏.‏

وحدثني أبو حفص الدمشقي قال‏:‏ حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال‏:‏ بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك ردوا على أهل حمص ما كانو أخذوا منهم من الخراج وقالوا‏:‏ شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم‏.‏

فقال أهل حمص‏:‏ لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم‏.‏

ونهض اليهود فقالوا‏:‏ والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن تغلب ونجهد‏.‏

فأغلقوا الأبواب وحرسوها‏.‏

وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود وقالوا‏:‏ إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه وإلا فأنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد‏.‏

فلما هزم الله الكفرة وأطهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدوا الخراج‏.‏

وسار أبو عبيده إلى جند قنسرين وإنطاكية ففتحها‏.‏

عن جده قال‏:‏ أبلى السمط بن الأسود الكندي بالشام وبحمص خاصة وفي يوم اليرموك‏.‏

وهو الذي قسم منازل حمص بين أهلها‏.‏

وكان ابنه شرحبيل بن السمط بالكوفة مقاومًا للأشعث بن قيس الكندي في الرياسة‏.‏

فوقد السمط إلى عمر فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إنك لا تفرق بين السبي وقد فرقت بيني وبين ولدي فحوله إلى الشام أو حولني إلى الكوفة‏.‏

فقال‏:‏ بل أحوله إلى الشام‏.‏

فنزل حمص مع أبيه‏.‏

أمر فلسطين حدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه وعن بقية ابن الوليد عن مشايخ من أهل العلم قالوا‏:‏ كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أرض فلسطين وعلى الناس عمرو ابن العاص‏.‏

ثم إن عمر بن العاص فتح غزة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس على أن أعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومنازلهم ثم فتح يبنى وعمواس وبيت جبرين واتخذ بها ضيعةًً تدعى عجلان باسم مولى له وفتح يافا ويقال فتحها معاوية‏.‏

وفتح عمرو رفح على مثل ذلك‏.‏

وقدم عليه أبو عبيدة بعد أن فتح قنسرين ونواحيها وذلك في سنة ست عشرة وهو محاصر إيلياء وإيلياء مدينة ببيت المقدس‏.‏

فيقال إنه وجهه إلى إنطاكية من إيلياء وقد غدر أهلها ففتحها ثم عاد فأقام يومين أو ثلاثة‏.‏

ثم طلب أهل إيلياء من أبي عبيده الأمان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج والدخول في ما دخل فيه نظراؤهم على أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه‏.‏

فكتب أبو عبيده إلى عمر بذلك‏.‏

فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق ثم صار إلى إيلياء فأنفذ صلح أهلها وكتب لهم به‏.‏

وكان فتح إيلياء في سنة سبع عشرة‏.‏

وقد روى في فتح إيلياء وجه آخر‏.‏

حدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب بعث خالد بن ثابت الفهمي إلى بيت المقدس في جيش وهو يومئذ بالجابية فقاتلهم فأعطوه على ما أحاط به حصنهم شيئًا يؤدونه ويكون المسلمين ما كان خارجًا‏.‏

فقدم عمر فأجاز ذلك ثم رجع إلى المدينة‏.‏

وحدثني هشام بن عمار عن الوليد عن الأوزاعي أن أبا عبيده فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة‏.‏

ثم فلسطين فنزل إيلياء فسألوه أن يصالحهم‏.‏

فصالحهم في سنة سبع عشرة على أن يقدم عمر رجمه الله فينفذ ذلك ويكتب لهم به‏.‏

وحدثني هشام بن عمار قال‏:‏ حدثني الوليد بن مسلم عن تميم ين عطية عن عبد الله بن قيس قال‏:‏ كنت فيمن تلقى عمر مع أبي عبيده مقدمة الشم فبينما عمر يسير إذ لقيه المقلسون من أهل أذر عات بالسيوف والريحان‏.‏

فقال عمر‏:‏ مه امنعوهم‏.‏

فقال أبو عبيده‏:‏ يا أمير المؤمنين هذه سنتهم أو كلمة نحوها وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضًا لعهدهم‏.‏

فقال‏:‏ دعوهم‏.‏

قال‏:‏ فكان طاعون عمواس سنة ثمان عشر فتوفى فيه خلق من المسلمين منهم أبو عبيده بن الجراح‏.‏

مات وله ثمان وخمسون سنة وهو أمير‏.‏

ومعاذ ابن جبل أحد بني سلمة من الخزرج ويكنى أبا عبد الرحمن‏.‏

توفى بناحية الأقحوانة من الأردن وله ثمان وثلاثون سنة‏.‏

وكان أبو عبيده لما احتضر استخلفه ويقال استخلف عياض بن غنم الفهري ويقال بل استخلف عمرو بن العاص‏.‏

فاستخلف عمرو ابنه ومضى إلى مصر‏.‏

والفضل بن العباس ابن عبد المطلب ويكنى أبا محمد وقوم يقولون إنه استشهد بأجناد ين والثبت أنه توفى في طاعون عمواس‏.‏

شرحبيل بن حسنة ويكنى أبا عبد الله مات وهو ابن تسع وستين سنة‏.‏

وسهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي ويكنى أبا يزيد‏.‏

والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وقيل إنه استشهد يوم أجناد ين‏.‏

قالوا‏:‏ ولما أتت عمر بن الخطاب وفاة أبي عبيده كتب إلى يزيد ابن أبي سفيان بولاية الشام مكانه وأمره أن يغزو قيساري‏.‏

ويقال قوم‏:‏ إن عمر إنما ولى يزيد الأردن وفلسطين وأنه ولى دمشق أبا الدر داء وولى حمص عبادة بن الصامت‏.‏

وحدثني محمد بن سعيد قال‏:‏ حدثني الواقدي قال‏:‏ اختلف علينا في أمر قيسارية فقال قائلون‏:‏ فتحها معاوية وقال آخرون‏:‏ بل فتحها عياض بن غنم بعد وفاة أبي عبيده وهو خليفته وقال قائلون‏:‏ بل فتحها عمرو بن العاص وقال قائلون‏:‏ خرج عمرو بن العاص إلى مصر وخلف ابنه عبد الل‏.‏

فكان الثبت من ذلك والذي اجتمع عليه العلماء أن أول الناص الذي حاصرها عمرو بن العاص نزل عليها في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة‏.‏

فكان يقيم عليها ما أقام فإذا كان للمسلمين واليرموك ثم رجع إلى فلسطين فحاصرها بعد إيلياء ثم خرج إلى مصر من قيسارية‏.‏

وولى يزيد بن أبي سفيان بعد أبي عبيده فوكل أخاه معاوية بمحاصرتها وتوجه إلى دمشق مطعونًا فمات بها‏.‏

وقال غير الواقدي‏:‏ ولى عمر يزيد بن أبي سفيان فلسطين مع ما ولاه من أجناد الشام وكتب إليه يأمره بغزو قيسارية وقد كانت حوصرت قبل ذلك فنهض إليها في سبعة عشرة ألفًا فقاتله أهلها ثم حصرهم ومرض في آخر سنة ثمان عشرة فمضى إلى دمشق واستخلف على قيسارية أخاه معاوية بن أبي سفيان ففتحها وكتب إليه بفتحها فكتب به يزيد إلى عمر‏.‏

ولما توفى يزيد بن أبى سفيان كتب عمر إلى معاوية بتوليته ما كان يتولاه فشكر أبو سفيان ذلك له وقال‏:‏ وصلتك يا أمير المؤمنين رحم‏.‏

وحدثني هشام بن عمار قال‏:‏ حدثني الوليد بن مسلم عن تميم بن عطية قال‏:‏ ولى عمر معاوية بن أبي سفيان الشام بعد يزيد وولى معه رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والقضاء‏.‏

فولى أبا الدر داء قضاء دمشق والأردن وصلاتهما وولى عبادة قضاء حمص وقنسرين وصلاتهما‏.‏

وحدثني محمد بن سعيد عن الواقدي في إسناده قال‏:‏ لما ولى عمر بن الخطاب معاوية الشام حاصر قيسارية حتى فتحها وقد كانت حوصرت نحوًا من سبع سنين وكان فتحها في شوال سنة تسع عشرة‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن محمد بن عمر عن عبد الله بن عامر في إسناده قال‏:‏ حاصر معاوية قيسارية حتى يئس من فتحها وكان عمرو بن العاص وابنه حاصراها ففتحها معاوية قسرًا فوجد بها من المرتزقة سبع مئة ألف ومن السامرة ثلاثين ألفًا ومن اليهود مائتي ألف ووجد بها ثلاث مئة سوق قائمة كلها وكان يحرسها في كل ليلة على سورها مئة ألف‏.‏

وكان سبب فتحها أن يهوديًا يقال له يوسف أتى المسلمين ليلًا فدلهم على طريق في سرب فيه الماء إلى حقو الرجل على أن أمنوه وأهله وأنفذ معاوية ذلك‏.‏

ودخلها المسلمون في الليل وكبروا فيها فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه‏.‏

وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه‏.‏

وكان بها خلق من العرب وكانت فيهم شقراء التي يقول فيها حسان بن ثابت‏:‏ تقول شقراء لو صحوت عن الخمر لأصبحت مثرى العدد ويقال إن اسمها شعثاء‏.‏

وحدثني محمد بن سع عن الواقدي في إسناده أن سبى قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس‏.‏

فلما بعث به معاوية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بهم فأنزلوا الجرف‏.‏

ثم قسمهم على يتامى الأنصار وجعل بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين‏.‏

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أخدم بنات أبي أمامه أسعد بن زرارة خادمين من سبى عين التمر فماتا فأعطاهن عمر مكانهما من سبى قالوا‏:‏ ووجه معاوية بالفتح مع رجلين من جذام ثم خاف ضعفهما عن المسير فوجه رجلًا من خثعم فكان الخثعمي يجهد نفسه في السير والسرى وهو يقول‏:‏ أرق عيني أخو جذام أخى جشمٍ وأخو حرام كيف أنام وهما أمامي إذ يرحلان والهجير طام فسبقهما ودخل على عمر فكبر عمر‏.‏

وحدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه أن قيسارية فتحت قسرًا في سنة تسع عشرة‏.‏

فلما بلغ عمر فتحها نادى إن قيسارية فتحت قسرًا‏.‏

وكبر وكبر المسلمون‏.‏

وكانت حوصرت سبع سنين وفتحها معاوية‏.‏

قالوا‏:‏ وكان موت يزيد بن أبي سفيان في آخر سنة ثمان عشرة بدمشق‏.‏

فمن قال إن معاوية فتح قيسارية في حياة أخيه قال إنما فتحت في آخر سنة ثمان عشرة ومن قال إنه فتحها في ولايته الشام قال فتحت في سنة تسع عشرة وذلك الثبت‏.‏

وقال بعض الرواة‏:‏ إنها فتحت في أول سنة عشرين‏.‏

قالوا‏:‏ وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية يأمره بتتبع ما بقي من فلسطين‏.‏

ففتح عسقلان صلحًا بعد كيد‏.‏

ويقال‏:‏ إن عمرو بن العاص كان فتحها ثم نقض أهلها وأمدهم الروم وحدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ سمعت محمد بن يوسف الفاريابي يحدث عن مشايخ من أهل عسقلان أن الروم أخرجت عسقلان وأجلت أهلها عنها في أيام ابن الزبير‏.‏

فلما ولى عبد الملك بن مروان بناها وحصنها ورم أيضًا قيسارية‏.‏

وحدثني محمد بن مصفى قال‏:‏ حدثني أبو سليمان الرملي عن أبيه أن الروم خرجت في أيام ابن الزبير إلى قيسارية فشعثتها وهدمت مسجدها‏.‏

فلما استقام لعبد الملك بن مروان الأمر رم قيسارية وأعاد مسجدها وأشحنها بالرجال وبنى صور عكا الخارجة وكانت سبيلهما مثل سبيل قيسارية‏.‏

وحدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام قالوا‏:‏ ولي الوليد بن عبد الملك سليمان بن عبد الملك جند فلسطين‏.‏

فنزل لد‏.‏

ثم أحدث مدينة الرملة ومصرها‏.‏

وكان أول ما بنى منها قصره والدار التي تعرف بدار الصباغين‏.‏

وجعل في الدار صهريجًا متوسطًا لها‏.‏

ثم اختط للمسجد خطةً وبناه فولى الخلافة قبل استتمامه‏.‏

ثم بنى فيه بعد في خلافته ثم أتمه عمر بن عبد العزيز ونقص من الخطة وقال‏:‏ أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت بهم عليه‏.‏

ولما بنى سليمان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا‏.‏

واحتفر لأهل الرملة قناتهم التي تدعى بردة واحتفر آبارًا وولى النفقة على بنائها بالرملة ومسجد الجماعة كاتبًا له نصرانيًا من أهل لد يقال قالوا‏:‏ وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن علي بن عبد الله ابن العباس لأنها قبضت مع أموال بني أمية‏.‏

قالوا‏:‏ وكان بن أمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان ابن عبد الملك‏.‏

فلما استخلف بنو العباس أنفقوا عليها‏.‏

وكان الأمر في تلك النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة فلما استخلف أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله أسجل بتلك النفقة سجلًا فانقطع الاستثمار وصارت جارية يحتسب بها العمال فتحسب لهم‏.‏

قالوا‏:‏ وبفلسطين فروزٌ بسجلات من الخلفاء مفردةٌ من خراج العامة وبها التخفيف والردود‏.‏

وذاك أن ضياعًا رفضت في خلافة الرشيد وتركها أهلها فوجه أمير المؤمنين الرشيد هرثمة بن أعين لعمارتها‏.‏

فدعا قومًا من مزارعها وأكرتها إلى الرجوع إليها على أن يخفف عنهم من خراجهم ولين معاملتهم فرجعوا فأولئك أصحاب التخافيف‏.‏

وجاء قوم منهم بعد فردت عليهم أرضوهم على مثل ما كانوا عليه فهم أصحاب الردود‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ لقيت رجلًا من العرب بعسقلان‏.‏

فأخبرني أن جده ممن أسكنه إياها عبد الملك وأقطعه بها قطيعةً مع من أقطع من المرابطة‏.‏

قال‏:‏ وأراني أرضًا‏.‏

فقال‏:‏ هذه من قطائع عثمان بن عفان‏.

قال بكر‏:‏

وسمعت محمد بن يوسف الفاريابي يقول‏:‏ بعسقلان هاهنا قطائع أقطعت بأمر عمر وعثمان لو دخل فيها رجل لم أجد بذلك بأسا‏.‏

أمر جند قنسرين والمدن التي تدعى العواصم قالوا‏:‏ سار أبو عبيده بن الجراح بعد فراغه من أرض اليرموك إلى حمص فاستقراها‏.‏

ثم أتى قنسرين وعلى مقدمته خالد بن الوليد فقاتله أخل مدينة قتسرين ثم لجأوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم أبو عبيده على مثل صلح حمص‏.‏

وغلب المسلمون على أرضها وقرارها‏.‏

وكان حاضر قنسرين لتنوخ مذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه وهم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل فدعاهم أبو عبيده إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام على النصرانية بنو سليح ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏

فحثني بعض ولد يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي عن أشياخهم أن جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة أمير المؤمنين المهدي فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين‏.‏

ثم سار أبو عبيده يريد حلب فبلغه أن أهل قنسرين قد نقضوا وغدروا‏.‏

فوجه إليهم السمط ابن الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها‏.‏

حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن حمزة عن أبي عبد العزيز عن عبادة بن نسى عن عبد الرحمن بن غنم قال‏:‏ رابطنا مدينة قنسرين مع السمط - او قال شرحبيل بن السمط - فلما فتحها أصاب فيها بقرًا وغنمًا‏.‏

فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم‏.‏

وكان حاضر طيء قديمًا نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بيتهم حين نزل الجبلين من نزل منهم وتفرق باقوهم في البلاد‏.‏

فلما ورد أبو عبيده عليهم أسلم بعضهم وصالح كثير منهم على الجزية‏.‏

ثم أسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذ عن جماعتهم‏.‏

وكان بقرب مدينة حلب حاضر يدعى حاضر حلب يجمع أصنافًا من العرب من تنوخ وغيرهم‏.‏

فصالحهم أبو عبيده على الجزية‏.‏

ثم إنهم أسلموا بعد ذلك فكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد‏.‏

ثم إن أهل ذلك الحاضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستجدونهم‏.‏

فكان أسبقهم إلى إنجادهم وإغاثتهم العباس بن زفر ابن عاصم الهلالي بالخؤولة لأن أم عبد الله بن العباس لبابه بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم وأخربوه‏.‏

وذل في أيام فتنة محمد بن الرشيد‏.‏

فانتقلوا إلى قنسرين فتلقاهم أهلها بالأطعمة والكسى‏.‏

فلما دخلوها أرادوا التغلب عليها فأخرجوهم عنها فتفرقوا في البلاد فمنهم وأخبرني أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله قال‏:‏ سمعت شيخًا من مشايخ بني صالح بن علي بن عبد الله بن العباس يحدث أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله سنة غزا عمورية قال‏:‏ لما ورد العباس بن زفر الهلالي حلب لإغاثة الهاشميين ناداه نسوة منهم‏:‏ يا خال‏!‏ نحن بالله ثم بك‏.‏

فقال‏:‏ لا خوف عليكم إن شاء الله خذلني الله إن خذلنكم‏.‏

قال‏:‏ وكان حيار بني القعقاع بلدًا معروفًا قبل الإسلام وبه كان مقيل المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة فنزله بنو القعقاع بن خليد بن جزء بن زهير بن جذيمة بن رواحه بن ربيعه بن الحارث بن قطيعة بن عبسي بن بغيض أوطنوه منسب إليهم‏.‏

وكان عبد الملك بن مروان أقطع القعقاع به قطيعة وأقطع عمه العباس ابن جزء بن الحارث قطائع أو غرها له إلى اليمن فأوغرت بعده‏.‏

وكانت أو أكثرها مواتًا‏.‏

وكانت ولادة بنت العباس بن جزء عند عبد الملك فولدت له الوليد وسليمان‏.‏

قالوا‏:‏ ورحل أبو عبيده إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري‏.‏

وكان أبوه يسمى عبد غنم فلما أسلم عياض كره أن يقال عبد غنم فقال‏:‏ أنا عياض بن غنم‏.‏

فوجد أهلها قد تحصنوا فنزل عليها‏.‏

فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها‏.‏

فأعطوا ذلك فاستثنى عليهم موضع المسجد‏.‏

وكان الذي وزعم بعض الرواة أنهم صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم‏.‏

وقال‏:‏ بعضهم‏:‏ إن أبا عبيده لم يصادق بحلب أحدًا وذلك أن أهلها انتقلوا إلى إنطاكية وأنهم صالحوه عن مدينتهم وهم بإنطاكية راسلوه في ذلك فلما تم صلحهم رجعوا إلى حلب‏.‏

قالوا‏:‏ وسار أبو عبيده من حلب إلى إنطاكية وقد تحصن بها خلق من أهل جند قنسرين‏.‏

فلما صار بمهروبة وهي على قريب فرسخين من مدينة إنطاكية لقيه جمع للعدو‏.‏

ففضهم ألجأهم إلى المدينة وحاصر أهلها من جميع أبوابها‏.‏

وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى باب البحر‏.‏

ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء‏.‏

فجلا بعضهم وأقام بعضهم‏.‏

فأمنهم ووضع على كل حالم منهم دينارًا وجريبًا‏.‏

ثم تقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيده عياض ابن نم بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول‏.‏

ويقال‏:‏ بل تقضوا بعد رجوعه إلى فلسطين فوجه عمرو بن العاص من إيلياء ففتحها ثم رجع فمكث يسيرًا حتى طلب أهل إيلياء الأمان والصلح‏.‏

والله أعلم‏.‏

وحدثني محمد بن سهم الأنطاكي عن أبي صالح الفراء قال‏:‏ قال مخلد بن الحسين‏:‏ سمعت مشايخ الثغر يقولون‏:‏ كانت إنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمر وعثمان‏.‏

فلما فتحت كتب عمر إلى أبي عبيده أن رتب بإنطاكية جماعة من المسلمين أهل نيات وحسبة وأجهلهم بها مرابطة ولا تحبس عنهم العطاء‏.‏

ثم لما ولى معاوية كتب إليه بمثل ذلك‏.‏

ثم إن عثمان كتب إليه بأمره أن يلزمها قومًا وأن يقطع قطائع ففعل‏.‏

قال ابن سهم‏:‏ وكنت واقفًا على جسر إنطاكية على الأرنط فسمعت شيخًا مسنًا من أهل إنطاكية وأنا يومئذ غلام يقول‏:‏ هذه الأرض قطيعة من عثمان لقوم كانوا في بعث أبي عبيده أقطعهم إياها أيام ولاية عثمان معاوية الشام‏.‏

قالوا‏:‏ ونقل معاوية بن أبي سفيان إلى إنطاكية في سنة اثنتين وأربعين جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص ومن المصرين‏.‏

فكان منهم مسلم قتل على بابٍ من أبواب إنطاكية أرض سلوقية عند الساحل وصير الفلثر وهو الجريب بدينار ومدى قمح عمروها وجرى ذلك لهم وبنى حصن سلوقية‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك فوقفها في سبيل البر‏.‏

وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضًا‏.‏

وكانت الإسكندرية له ثم صارت لرجاء مولى المهدي إقطاعًا فورثه منصور وإبراهيم ابنا المهدي‏.‏

ثم صارت لرجاء مولى المهدي إقطاعًا فورثه منصور وإبراهيم ابنا المهدي‏.‏

ثم صارت لإبراهيم بن سعيد الجوهري ثم لأحمد بن أبي دؤاد الأيادي ابتياعًا‏.‏

ثم انتقل ملكها إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمه الله‏.‏

وغيره قالوا‏:‏ أقطع مسلمة بن عبد الملك قومًا من ربيعه قطائع فقبضت وصارت بعد للمأمون وجرى أمرها على يد صالح الخازن صاحب الدار بإنطاكية‏.‏

قالوا‏:‏ وبلغ أبا عبيده أن جمعًا للروم بين معرة مصرين وحلب فلقيهم وقتل عدة بطارقة وفض ذلك الجيش وسبى وغنم‏.‏

وفتح معرة مصرين على مثل صلح حلب‏.‏

وجالت خيوله فبلغت بوقا وفتحت قرى الجومة وسرمين ومر تحوان وتيزين‏.‏

وصالحوا أهل دير طيايا كذا ودير الفسيلة على أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين وأتاه نصارى خنا صرة فصالحهم‏.‏

وفتح أبو عبيده جميع أرض قنسرين وإنطاكية‏.‏

حدثني العباس بن هشام عن أبيه قال‏:‏ خنا صرة نسبت إلى خناصر بن عمرو بن الحارث الكلبي ثم الكناني وكان صاحبها‏.‏

وبطنان حبيب بن مسلمة الفهري وذلك أن أبا عبيده أو عياض بن غمم وجهه من حلب ففتح حصنًا بها فنسب إليه‏.‏

قالوا‏:‏ وسار أبو عبيده يريد قورس وقدم أمامه عياضًا‏.‏

فتلقاه راهب من رهبانها يسأل الصلح عن أهلها‏.‏

فبعث به إلى أبي عبيده وهو بين جبرين وتل إعزاز فصالحه ثم أتى قورس فعقد لأهلها عهدًا وأعطاهم مثل الذي أعطى أهل إنطاكية وكتب للراهب كتابًا في قرية له قالوا‏:‏ وأتى أبو عبيده حلب الساجور وقدم عياضًا إلى منبج ثم لحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح إنطاكية فأنقذ أبو عبيده ذلك‏.‏

وبعث عياض بن غنم إلى دلوك ورعبان فصالحه أهلها على مثل صلح منبج واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين‏.‏

وولى أبو عبيده كل كوره فتحها عاملًا وضم إليه جماعة من المسلمين وشحن النواحي المخوفة‏.‏

قالوا‏:‏ ثم سار أبو عبيده حتى نزل عراجين‏.‏

وقدم مقدمته إلى بالس‏.‏

وبعث جيشًا عليه حبيب بن مسلمة إلى قاصرين‏.‏

وكانت بالس وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي بالقرب منهما وجعلا حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام‏.‏

فلما نزل المسلمون بها صالحهم على الجزية والجلاء فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج ولم يكن يومئذ إنما اتخذ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه للصوائف‏.‏

ويقال بل كان له رسم قديم‏.‏

قالوا‏:‏ رتب أبو عبيده ببالس جماعة من المقاتلة وأسكنها قومًا من العرب الذين كانوا بالشام فأسلموا بعد قدوم المسلمين الشام وقومًا لم يكونوا من البعوث نزعوا من البوادي من قيس وأسكن قاصرين قومًا ثم رفضوها أو أعقابهم‏.‏

وبلغ أبو عبيده الفرات ثم رجع إلى فلسطين‏.‏

فلما كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان توجه غازيًا للروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس‏.‏

فأتاه أهلها وأهل بوبلس كذا وقاصرين وعابدين وصفين وهي قرى منسوبة إليها‏.‏

فأتاه أهل الحد الأعلى فسألوه جميعًا أن يحفر لهم نهرًا من الفرات يسقي أرضهم على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان الذي كان يأخذه ففعل‏.‏

فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة ووفوا له بالشرط ورم سور المدينة وأحكمه‏.‏

ويقال بل كان ابتداء العرض من مسلمة وأنه دعاهم إلى هذه المعاملة‏.‏

فلما مات مسلمة صارت بالس وقراها لورثته‏.‏

فلم تزل في أيديهم إلى أن جاءت الدولة المباركة وقبض عبد الله بن علي أموال بني أمية فدخلت فيها‏.‏

فأقطعها أمير المؤمنين أبو العباس سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فصارت لابنه محمد ابن سليمان‏.‏

وكان جعفر بن سليمان أخوه يسعى به إلى أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله ويكتب إليه فيعمله أنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد اجتاز إضعاف قيمته وأنفقه فيما يرشح له نفسه وعلى من اتخذ من الخول وأن أمواله حلٌ طلقٌ لأمير المؤمنين‏.‏

وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه‏.‏

فلما توفى محمد بن سليمان أخرجت كتبه إلى جعفر واحتج عليه بها‏.‏

ولم يكن لمحمد أخ لأبيه وأمه غيره فأقر بها وصارت أمواله للرشيد‏.‏

فأقطع بالس وقراها المأمون رحمه الله فصارت لولده من بعده‏.‏

عن عبد الله بن قيس الهمداني قال‏:‏ قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية‏.‏

فأراد قسمة الأرض بين المسلمين لأنها فتحت عنوة فقال له معاذ بن جبل‏:‏ والله لئن قسمها ليكونن ما نكره ويصير الشيء الكثير في أيدي القوم ثم يبيدون فيبقى ذلك لواحد ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون عن الإسلام مسدًا فلا يجدون شيئًا‏.‏

فانظر أمرًا يسع أولهم وآخرهم‏.‏

فصار إلى قول معاذ‏.‏

حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي عن يحيى بن آدم عن مشايخ من الجذريين عن سليمان بن عطاء عن سلمة الجهني عن عمه أن صاحب بصرى ذكر أنه كان صالح المسلمين على طعام وزيت وخل‏.‏

فسأل عمر أن يكتب له بذلك وكذبه أبو عبيده وقال‏:‏ إنما صالحناه على شيء ينقتع به المسلمون لمشتاهم‏.‏

ففرض عليهم الجزية على الطبقات والخراج على الأرض‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبدٍ الأحدب قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مواى عمر أن عمر كتب إلى أمراء الجزية أن لا يضربوها إلا على من جرت عليه الموسى‏.‏

وجعلها على أهل الذهب أربعة دنانير وجعل عليهم لأرزاق المسلمين من الحنطة لكل رجل مديين ومن الزيت ثلاثة أقساط بالشام والجزيرة مع إضافة من نزل بهم ثلاثًا‏.‏

عن مكحول قال‏:‏ كل عشري بالشام فهو مما جلا عنه أهله فأقطعه المسلمون فأحيوه وكان مواتًا لاحق فيه لأحد فأحيوه بإذن الولاة‏.‏

أمر قبرس قال ألوا قدي وغيره‏:‏ غزا معاوية بن أبي سفيان في البحر غزوة قبرس الأولى ولم يركب المسلمون بحر الروم قبلها‏.‏

وكان معاوية استأذن عمر في غزو البحر فلم يأذن له‏.‏

فلما ولى عثمان بن عفان كتب إليه يستأذنه في غزوة قبرس ويعلمه قربها وسهولة الأمر فيها‏.‏

فكتب إليه أن قد شهدت مارد عليك عمر رحمه الله حين استأمرته في غزو البحر‏.‏

فلما دخلت سنة سبع وعشرين كتب إليه يهون عليه ركوب البحر إلى قبرس‏.‏

فكتب إليه عثمان‏:‏ فإن ركبت ومعك امرأتك فاركبه مأذونًا لك وإلا فلا‏.‏

فكتب إليه عثمان‏:‏ فإن ركبت ومعك امرأتك فاركبه مأذونًا لك وإلا فلا‏.‏

فركب البحر من عكا ومعه مراكب كثيرة وحمل امرأته فأخته بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل ابن عبد مناف بن قصي وحمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان الأنصارية وذلك في سنة ثمان وعشرين بعد انحسار الشتاء ويقيا في سنة تسع وعشرين‏.‏

فلما صار المسلمون إلى قبرس فأرقوا إلى ساحلها وهي جزيرة في البحر تكون فيما يقال ثمانين فرسخًا في مثلها - بعث إليهم أركونها يطلب الصلح وقد أذعن أهلها به فصالحهم على سبعة آلاف ومائتي دينار يؤدونها في كل عام وصالحهم الروم على مثل ذلك فهم يؤدون خرجين‏.‏

واشرطوا أن لا يمنعهم المسلمون أداء الصلح إلى الروم واشترط عليهم المسلمون أن لا يقاتلوا عنهم من أرادهم من ورائهم وأن يؤذنوا المسلمين بسير عدوهم من الروم‏.‏

فكان المسلمون إذا ركبوا البحر لم يعرضوا لهم ولم ينصرهم أهل قبرس ولم ينصروا عليهم‏.‏

فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين أعانوا الروم على الغزاة في البحر بمراكب أعطوهم إياها فغزاهم معاوية سنة ثلاث وثلاثين في خمس مئة مركب ففتح قبرس عنوة فقتل وسبي ثم أقرهم على صلحهم‏.‏

وبعث إليها باثنتي عشر ألفًا كلهم أهل ديوان فبنا يها المساجد‏.‏

ونقل إليها جماعة من بعلبك وبنى بها مدينة‏.‏

وأقاموا يعطون الأعطية إلى أن توفى معاوية وولى بعده ابنه يزيد فأقفل ذلكالبعث وأمر بهدم المدينة‏.‏

وبعض الرواة يزعم أن غزوة معاوية الثانية لقبرس في سنة خمس وثلاثين‏.‏

وحدثني محمد بن مصفى الحمصي‏.‏

عن الوليد قال‏:‏ بلغنا أن يزيد رشي مالًا عظيمًا ذا قدر حتى أقفل جند قبرس فلما قفلوا هدم أهل قبرس مدينتهم ومساجدهم‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ لما غزيت قبرس الغزوة الأولى ركبت أم حرام بنت ملحان مع زوجها عبادة بن الصامت‏.‏

فلما انتهوا إلى قبرس خرجت من المركب وقدمت إليها دابة لتركبها فعثرت بها فقتلتها فقبرها بقبرس يدعى قبر المرأة الصالحة‏.‏

قالوا‏:‏ وغزا مع معاوية أبو أيوب خالد بن زيد بن كلب الأنصاري وأبو الدرداء وأبو ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وفضالة بن عبيد الأنصاري وعمير بن سعد بن عبيد الأنصاري ووائلة بن الأسقع الكناني وعبد الله بن بشر المازني وشداد بن أوس بن ثابت وهو ابن أخي حسان بن ثابت والمقداد وكعب بن مانع وجبير بن نفيرالحضرمي‏.‏

حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال‏:‏ حدثنا الويد بن مسلم عن صفوان بن عمرو أن معاوية بن أبي سفيان غزا قبرس بنفسه ومعه امرأته‏.‏

ففتحها الله فتحًا عظيمًا وغنم المسلمين غنمًا حسنًا‏.‏

ثم لم يزل المسلمون بغزوهم حتى صالحهم معاوية في أيامه صلحًا دائمًا على سبعة آلاف دينار وعلى النصيحة للمسلمين وإنذارهم عدوهم من الروم هذا أو نحو‏.‏

قالوا‏:‏ وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك أجلى منهم خلقًا إلى الشام لأمرٍ اتهمهم به‏.‏

فأنكر الناس ذلك فردهم يزيد بن عبد الملك إلى بلدهم‏.‏

وكان حميد بن معيوف الهمداني غزاهم في خلافة الرشيد لحدثٍ أحدثوه فأس منهم بشرًا ثم إنهم استقاموا للمسلمين فأمر الرشيد برد من أسر منهم فردوا‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي في إسناده قال‏:‏ لم يزل أهل قبرس على صلح معاوية حتى ولى عبد الملك بن مروان فزاد عليهم ألف دينار‏.‏

فجرى ذلك إلى خلافة عمر بن عبد العزيز فحطها عنهم‏.‏

ثم لما ولى هشام بن عبد الملك ردها‏.‏

فجرى ذلك إلى خلافة أبي جعفر المنصور فقال‏:‏ نحن أحق من أنصفهم ولم نتكثر بظلمهم‏.‏

فردهم إلى صلح معاوية‏.‏

وحدثني بعض أهلل العلم من الشاميين وأبو عبيد القاسم بن سلام قالوا‏:‏ أحدث أهل قبرس حدثًا في ولاية عبد الملك صالح بن علي بن عبد الله ابن عباس الثغور فأراد نقض صلحهم والفقهاء متوافرون‏.‏

فكتب إلى الليث ابن سعد ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة وموسى بن أعين وإسماعيل ابن عياش ويحيى بن حمزة وأبي إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين في أمرهم فأجابوه‏.‏

وكان فيما كتب به الليث بن سعد‏:‏ إن أهل قبرس قوم لم نزل نتهمهم بغش أهل الإسلام ومنا صحة أعداء الله الروم وقد قال تعالى‏:‏ {‏وإما تخافن من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواء‏}‏‏.‏ ولم يقل لا تنبذ إليهم حتى تستيقن خيانتهم‏.‏

وإني أرى أن تنبذ إليهم وينظروا سنة يأتمرون‏.‏

فمن أحب اللحاق ببلاد المسلمين على أن يكون ذمة يؤدى الخراج قبلت ذلك ومن أراد أن ينتحي إلى بلاد الروم فعل ومن أراد المقام بقبرس على الحرب أقام فكانوا عدوًا يقاتلون ويغزون فإن في أنظار سنة قطعًا لحجتهم ووفاء بعدهم‏.‏

وكان فيما كتب به مالك بن أنس‏:‏ أن أمان أهل قبرس كان قديمًا متظاهرا من الولاة لهم‏.‏

وذلك لأنهم رأوا أن إقرارهم على حالهم ذلٌ وصغار لهم وقوةٌ للمسلمين عليهم بما يأخذون من جزيتهم ويصيبون به من الفرصة في عدوهم‏.‏

ولم أجد أحدًا من الولاة نقض صلحهم ولا أخرهم عن بلدهم‏.‏

وأنا أرى أن لا تعجل بنقض عهدهم ومنابذتهم حتى تتجه الحجة عليهم فإن الله يقول ‏{‏فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم‏}‏‏.‏ فإن هم لم يستقيموا بعد ذلك ويدعوا غشهم ورأيت أن الغدر ثابت منهم أوقعت بهم فكان ذلك بعد الإعذار فرزقت النصر وكان بهم الذل والخزي إن شاء الله تعالى وكتب سفيان بن عيينة‏:‏ إنا لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قومًا فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة فإنه من عليهم وكان نقضهم أنهم نصروا حلفاءهم على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة‏.‏

وكان فيما أخذ على أهل نجران أن لا يأكلوا الربا فحكم فيهم عمر رحمه الله حين أكلوه بإجلائهم‏.‏

فإجماع القوم أنه من نقض عهدًا فلا ذمة له‏.‏

وكتب موسى بن أعين‏:‏ قد كان يكون مثل هذا فيما خلال فيعمل الولاة فيه النظرة‏.‏

ولم أر أحدًا ممن مضى نقض أهل قبرس ولا غيرها ولعل عاميتهم وجماعتهم لم يمالئوا على ما كان من خاصتهم‏.‏

وأنا أرى الوفاء لهم والتمام على شرطهم وإن كان منهم الذي كان‏.‏

وقد سمعت الأوزاعي يقول في قوم صالحوا المسلمين ثم أخبروا المشركين بعورتهم ودلوهم عليها‏:‏ إنهم إن كانوا ذمة فقد نقضوا عهدهم وخرجوا من ذمتهم فإن شاء الوالي قتل وصلب وإن كانوا صلحًا لم يدخلوا في ذمة المسلمين نبذ إليهم الوالي على سواء {‏إن الله لا يهدي كيد الخائنين‏}‏‏.‏

وكتب إسماعيل بن عياش‏:‏ أهل قبرس أذلاء مقهورون يغلبهم الروم على أنفسهم ونسائهم فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم‏.‏

وقد كتب حبيب ابن مسلمة لأهل تفليس في عهده أنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم وقهركم عدوكم فأن ذلك غير ناقضٍ عهدكم بعد أن تفوا للمسلمين‏.‏

وأنا أرى أن يقروا على عهدهم وذمتهم فإن الوليد بن يزيد قد كان أجلاهم إلى الشام فاستفظع ذلك المسلمون واستعظمه الفقهاء لما ولى يزيد بن الوليد بن عبد الملك ردهم إلى قبرس فاستحسن المسلمون ذلك من فعله ورأوه عدلًا ‏.‏

وكتب يحيى بن حمزة‏:‏ إن أمر قبرس كأمر عرب سوس فإن فيها قدوة حسنة وسنة متعبة‏.‏

وكان من أمرها أن عمير بن سعد قال لعمر ابن الخطاب وقدم عليه‏:‏ إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عر بسوس‏.‏

وإنهم يخبرون عدونا بعوراتنا ولا يظهرونا على عورات عدونا‏.‏

فقال عمر‏:‏ فإذا قدمت فخيرهم أن تعطيهم مكان شاة شاتين ومكان بقرةٍ بقرتين ومكان كل شيء شيئين فإذا رضوا بذلك فأعطهم إياه وأجلهم وأخربها فإن أبو افا نبذ إليهم وأجلهم سنة ثم أخرجها‏.‏

فانتهى عمير إلى ذلك فأبوا‏.‏

فأجلهم سنة ثم أخربها‏.‏

وكان لهم عهد كعهد أهل قبرس‏.‏

وكل أهل قبرس على صلحهم والاستعانة بما يؤذن على أمور المسلمين أفضل‏.‏

وكان أهل عهد لا يقاتل المسلمون من ورائهم ويجري عليهم أحكامهم في دارهم فليسوا بذمة ولكنهم أهل فدية يكف عنهم ما كفوا ويوفى لهم بعهدهم ما وفوا ورضوا ويقبل عفوهم ما أدوا‏.‏

وقد روى عن معاذ بن جبل أنه كره أن يصالح أحدٌ من العدو على شيء معلوم إلا أن يكون المسلمون مضطرين إلى صلحهم لأنه لا يدري لعل صلحهم نفع وعز للمسلمين ‏.‏

وكتب أبو إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين‏:‏ أنا لم نر شيئًا اشبه بأمر قبرس من أمر عرب سوس وما حكم به فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه عرض عليهم ضعف مالهم على أن يخرجوا منها أو نظرة سنة بعد نبذ عهدهم إليهم فأبوا الأولى فانظروا‏.‏

ثم أخرجت وقد كان الأوزاعي يحدث أن قبرس فتحت فتركوا على حالهم وصولحوا على أربعة عشر ألف دينار‏:‏ سبعة آلاف للمسلمين وسبعة آلاف للروم ولإنا لنرى أنهم أهل عهد وأن صلحهم وقع على أمر السامرة حدثني هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو أن عبيده بن الجراح صالح السامرة بالأردن وفلسطين وكانوا عيونا وأدلاء للمسلمين على جزية رؤوسهم أطعمهم أرضهم‏.‏

فلما كان زيد بن معاوية وضع الخراج على أرضهم‏.‏

وأخبرني قوم من أهل المعرفة بأمر جندي الأردن وفلسطين أن يزيد بن معاوية وضع الخراج على أرض السامرة بالأردن وجعل على رأس كل امرئ منهم خمسة دنانير‏.‏

والسامرة يهود وهم صنفان‏:‏ صنف يقال لهم الدستان وصنف يقال لهم الكوشان‏.‏

قالوا‏:‏ وكان بفلسطين في أول خلافة أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله طاعون جارف ربما أتى على جميع أهل البيت‏.‏

فخرجت أرضوهم وتعطلت‏.‏

فوكل السلطان بها من عمرها وتألف الأكرة والمزارعين إليها فصارت ضياعًا‏.‏

للخلافة وبها السامرة‏.‏

فلما كانت سنة ست وأربعين ومائتين رفع أهل القرية من تلك الضياع تدعى بيت ماما من كوره نابلس وهم سامرة يشكون ضعفهم وعجزهم عن أدآء الخراج على خمسة دنانير‏.‏

فأمر المتوكل على الله بردهم إلى ثلاثة حدثني هشام بن عمار قال‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم‏.‏

عن سفيان بن عمر وسعيد بن عبد العزيز أن الروم صالحت معاوية على أن يؤدي إليهم مالًا وارتهن معاوية منهم رهناء فوضعهم ببعلبك‏.‏

ثم إن الروم غدرت فلم يستحيل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم وقالوا‏:‏ وفاء بغدر خير من غدر بغدر‏.‏

قال هشام‏:‏ وهو قول العلماء الأوزاعي وغيره‏.‏

أمر الجراجمة حدثني مشايخ من أهل إنطاكية أن الجراجمة من مدينة على جبل اللكام عند معدن الزاج فيما بياس وبوقا ويقال لها الجرجومة‏.‏

وأن أمرهم كان في أيام استلاء الروم على الشام وإنطاكية إلى بطريق إنطاكية وواليها‏.‏

فلما قدم أبو عبيده إنطاكية وفتحها لزموا مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذ خافوا على أنفسهم فلم ينتبه المسلمون لهم ولم ينبهوا عليهم‏.‏

ثم إن أهل إنطاكية نقضوا وغدروا فوجه إليهم أبو عبيده من فتها ثانية وولاها بعد فتحها حبيب بن مسلمة الفهري‏.‏

فغزا الجرجومة فلم يقاتله أهلها ولكنهم بادروا بطلب الأمان والصلح‏.‏

فصالحوه على أن يكونوا أعوانً للمسلمين وعيونًا ومسالح في جبل اللكام وأن لا يؤخذوا بالجزية وأن ينفلوا أسلاب من الرواد يف لأنهم تلوهم وليسوا منهم‏.‏

ويقال إنهم جاؤا بهم إلى عسكر المسلمين وهم أرداف لهم فسموا رواد يف‏.‏

فكان الجراجمة يستقيمون للولاة مرة ويعوجون أخرى فيكاتبون الروم ويمالئونهم‏.‏

قلما كانت أيام ابن الزبير وموت مروان بن الحكم وطلب عبد الملك الخلافة لتوليه إياه عهده واستعدادم للشخوص إلى العراق لمحاربة المصعب بن الربير خرجت خيل الروم إلى جبل اللكام وعليها قائد من قوادهم ثم صارت إلى لبنان وقد ضوت إليها جماعة كثيرة من الجراجمة وأنباط وعبيد أباق من عبيد يؤديه إليه لشغله عن محاربته وتخوفه أن يخرج إلى الشام فيغلب عليه‏.‏

واقتدى بصلحه بمعاوية حين شغل بحرب أهل العراق فإنه صلحهم على أن يؤدي إليهم مالًا وارتهن منهم رهناء وضعهم ببعلبك‏.‏

ووافق ذلك أيضًا طلب عمرو بن سعيد بن العاص الخلافة وإغلاقه أبواب دمشق حين خرج عبد الملك عنها فازداد شغلًا وذلك في سنة سبعين‏.‏

ثم إن عبد الملك وجه إلى الرومي سحيم بن المهاجر فتلطف حتى دخل عليه متنكرًا فأظهر الممالأة له وتقرب إليهم بذم عبد الملك وشتمه وتوهين أمره حتى أمنه واغتر به‏.‏

ثم إنه انكفأ عليه بقوم من موالي عبد الملك وجنده كان أعدهم لموقعته ورتبهم بمكان عرفه‏.‏

فقتله ومن كان معه فتفرق الجراجمة بقرى دمشق وحمص‏.‏

ورجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام وأتى الأنباط قراهم فرجع العبيد إلى مواليهم‏.‏

وكان ميمون الجرجماني عبدًا روميًا لبني أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان وهم ثقفيون وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه بجبل لبنان معهم‏.‏

فبلغ عبد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه أن يعتقوه ففعلوا‏.‏

وقوده على جماعة من الجند وصيره بإنطاكية فغزا مع مسلمة بن عبد الملك الطوافة وهو على ألفٍ من أهل إنطاكية‏.‏

فاستشهد بعد بلاءٍ حسن وموقف مشهود‏.‏

فغم عبد الملك مصابه وأغزى الروم جيشًا عظيمًا طلبًا بثأره‏.‏

قالوا‏:‏ ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم وأتاهم قوم من الروم من قبل الاسكندرونة وروس‏.‏

فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم في خلق من الخلق فافتتحها على أن ينزلوا بحيث أحبوا من الشام ويجري على كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى عيالا تهم القوت من القمح والزيت وهو مديان من قمح وقسطان من زيت وعلى أن لا يكرهوا ولا أحدٌ من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة وعلى أن يؤخذ من تجارتهم وأموال موسر يهم ما يؤخذ من أموال المسلمين‏.‏

فأخرب مدينتهم وأنزلهم فأسكنهم جبل الحوار وسنح اللولون كذا وعمق تيزين‏.‏

وصار بعضهم إلى حمص ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه إنطاكية هرب إلى بلاد الروم‏.‏

وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بإنطاكية جزية رؤوسهم فرفعوا ذلك إلى الواثق بالله رحمه الله وهو خليفة فأمر بإسقاطها عنهم‏.

وحدثني بعض من أثق به من الكتاب

أن المتوكل على الله رحمه الله أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة وأن تجرى عليهم الأرزاق إذ كانوا ممن يستعان به في المسالح وغير ذلك‏.‏

وزعم أبو الخطاب الأزدى أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيام عبد الملك على قرى إنطاكية والعمق وإذا غزت الصوائف قطعوا على المتخلف واللاحق ومن قدروا عليه ممن في أواخر العسكر وغالوا في المسلمين‏.‏

فأمر عبد الملك ففرض القوم من أهل إنطاكية وأنبا طها وجعلوا مسالح وأردفت بها عساكر الصوائف ليؤدبوا الجراجمة عن أواخرها فسموا الرواد يف‏.‏

وأجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير‏.‏

والخبر الأول أثبت‏.‏

وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد عن مكحول قال‏:‏ نقل معاوية في سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين إلى السواحل قومًا من زط البصرة والسيابجة وأنزل بعضهم إنطاكية‏.‏

قال أبو حفص‏:‏ فبإنطاكية محلة تعرف بالزط‏.‏

وببوقا من عمل إنطاكية قوم من أولادهم يعرفون بالزط‏.‏

وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل إلى إنطاكية قومًا من الزط السند ممن حمله محمد بن القاسم إلى الحجاج‏.‏

فبعث بهم الحجاج إلى الشام‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك فوجه صالح بن علي بن عبد الله بن عباس من قتل مقاتلتهم وأقر من بقي منهم على دينهم وردهم إلى قراهم وأجلى قومًا من أهل لبنان‏.‏

فحدثني القاسم بن سلام أن محمد بن كثير حدثه أن الأوزاعي كتب إلى صالح رسالة طويلة حفظ منها‏:‏ وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئًا لمن خرج على خروجه ممن قتلت بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت فكيف تؤخذ عامةٌ بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم وحكم الله تعالى‏:‏ ‏{‏ألا تزر وازرةٌ وزر أخرى‏}‏‏.‏ وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال‏:‏ من ظلم معاهدًا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه‏.‏

ثم ذكر كلاما‏.‏

حدثني محمد بن سهم الإنطاكي قال‏:‏ حدثني معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق الفزاري قال‏:‏ كانت بنو أمية تغزو الروم بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة وتقيم المراكب للغزو وترتب الحفظة في السواحل ويكون الإغفال والتفريط خلال الحزم والتيقظ‏.‏

فلما ولى أبو جعفر المنصور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها وحصنها وبنى ما احتاج إلى البناء منها وفعل مثل ذلك بمدن الثغور‏.‏

ثم لما استخلف المهدي استتم ما كان بقي من المدن والحصون وزاد في شحنها‏.‏

قال معاوية بن عمرو‏:‏ وقد رأينا من اجتهاد أمير المؤمنين هارون في الزو ونفاذ بصيرته في الجهاد أمرًا عظيمًا‏.‏

أقام من الصناعة ما لم يقيم قبله وقسم الأموال في الثغور والسواحل وأشجى الروم وقمعهم‏.‏

وأمر المتوكل على الله بترتيب المراكب في جميع السواحل وأن تشحن بالمقاتلة وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين‏.‏

الثغور الشامية حدثني مشايخ من أهل إنطاكية وغيرهم قالوا‏:‏ كانت ثغور المسلمين الشامية أيام عمر وعثمان رضي الله عنهما وما بعد ذلك في إنطاكية وغيرها من المدن التي سماها الرشيد عواصم‏.‏

فكان المسلمون يغزون ما ورآءها كغزوهم اليوم ما وراء طر سوس‏.‏

وكان فيما بين الاسكندرونة وطر سوس حصون ومسالح للروم كالحصون والمسالح التي يمر بها المسلمون اليوم‏.‏

فربما أخلاها أهلها وهربوا إلى بلاد الروم خوفًا وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به‏.‏

وقد قيل إن هرقل أدخل أهل هذه المدن معه عند انتقاله من إنطاكية لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بين إنطاكية وبلاد الروم‏.‏

والله أعلم‏.‏

وحدثني ابن طسون البغراسي عن أشياخهم أنهم قالوا‏:‏ الأمر المتعالم عندنا أن هرقل نقل أهل هذه الحصون معه وشعثها فكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا بها أحدًا وربما كمن عندها القوم من الروم فأصابوا غرةً المتخلفين عن العسكر والمنقطعين عنها فكان ولاة الشواتى والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها جندًا كثيفا إلى خروجهم‏.‏

وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب وهو درب بغراس فقال بعضهم‏:‏ قطعه ميسرة بن مسروق العبسي وجهه أبو عبيده بن الجراح فلقى جمعًا للروم ومعهم مستعربةٌ من غسان وتنوخ وأياد يريدون اللحاق بهرقل فأوقع بهم وقتل منهم مقتلة عظيمة‏.‏

ثم لحق به مالك الأشتر النخعى مددًا من قبل أبي عبيده وهو بإنطاكية‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أول من قطع الدرب عمير بن سعد الأنصاري حين توجه في أمر جبلة بن الأيهم‏.‏

وقال أبو الخطاب الأزدي‏:‏ بلغني أن أبا عبيده نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة وطر سوس وقد وقال غيره‏:‏ إنما وجه ميسرة بن مسروق فبلغ زنده‏.‏

حدثني أبو صالح الفراء عن رجل من أهل دمشق يقال له عبد الله بن الوليد عن هشام بن الغاز عن عباده بن نسى فيما يحسب أبو صالح قال‏:‏ لما غزا معاوية غزوة عمورية في سنة خمس وعشرين وجد الحصون فيما بين إنطاكية وطر سوس خالية فوقف عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين حتى انصرف من غزاته‏.‏

ثم أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد بن الحر العبسي الصائفة وأمره ففعل مثل ذلك وكانت الولاة تفعله‏.‏

وقال هذا الرجل‏:‏ ووجدت في كتاب مغازى معاوية‏:‏ إنه غزا سنة إحدى وثلاثين من ناحية المصيصة‏.‏

فبلغ درولية فلما خرج جعل لا يمر يحن فيما بينه وبين إنطاكية إلا هدمه‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي وغيره قال‏:‏ لما كانت سنة أربع وثمانين غزا على الصائفة عبد الله بن عبد الملك بن مروان فدخل من درب إنطاكية وأتى المصيصة‏.‏

فبنى حصنها على أساسه القديم ووضع بها سكانًا من الجند فيهم ثلاث مئة رجل انتخبهم من ذوى البأس والمجدة المعروفين ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك وبنى فيها مسجدًا فوق تل الحصن‏.‏

ثم سار في جيشه حتى غزا وقال أبو الخطاب الأزدي‏:‏ كان أول من ابتنى حصن المصيصة في الإسلام عبد الملك بن مروان على يد ابنه عبد الله بن عبد الملك في سنة أربع وثمانين على أساسها القديم‏.‏

فتم بناؤها وشحنها في سنة خمس وثمانين‏.‏

وكانت في الحصن كنيسة جعلت هربًا‏.‏

وكانت الطوالع من إنطاكية تطلع عليها في كل عام فتشتو بها ثم تنصرف وعدة من كان يطلع إليها ألف وخمس مئة إلى الألفين‏.‏

وقال‏:‏ وشخص عمر بن عبد العزيز حتى نزل هري المصيصة وأراد هدمها وهدم الحصون بينها وبين إنطاكية وقال ره أن يحاصر الروم أهلها‏.‏

فأعلمه الناس أنها إنما عمرت ليدفع من بها من الروم عن إنطاكية وأنه إن أخرجها لم يكن للعدو ناهية دون إنطاكية‏.‏

فأمسك وبنى لأهلها مسجدًا جامعًا من ناحية كفربيا وأتخذ فيه صهريجًا وكان اسمه عليه مكتوبًا‏.‏

ثم إن المسجد خرب في خلافة المعتصم بالله وهو يدعى مسجد الحصن‏.‏

قال‏:‏ ثم بنى هشام بن عبد الملك الربض ثم بنى مروان بن محمد الخصوص في شرقي جيحان وبنى عليها حائطًا وأقام عليه باب خشب وخندق خندقا‏.‏

فلما استخلف أبو العباس فرض بالمصيصة لأربع مئة رجل زيادة في شحنتها وأقطعهم‏.‏

ثم لما استخلف المنصور فرض بالمصيصة لأربع مئة رجل‏.‏

ثم لما دخلت سنة تسع وثلاثين ومئة أمر بعمران مدينة المصيصة وكان حائطها متشعثًا من الزلازل وأهلها قليل في داخل المدينة‏.‏

فبنى سور المدينة وأسكنها أهلها سنة أربعين ومئة وسماها المعمورة وبنى فيها مسجدًا جامعًا في موضع هيكلٍ كان بها وجعله مثل مسجد عمر مرات‏.‏

ثم زاد فيه المأمون أيام ولاية عبد الله بن طاهر بن الحسين المغرب‏.‏

وفرض المنصور فيها لألف رجل ثم نقل أهل الخصوص وهم فرس وصقالبة وأنباط نصارى‏.‏

وكان مروان أسكنهم إياها وأعطاهم خططًا في المدينة عوضًا عن منازلهم على ذرعها ونقض منازلهم وأعانهم على البناء وأقطع الفرض قطائع ومساكن‏.‏

ولما استخلف المهدي فرض بالمصيصة لألفي رجل ولم يقطعهم لأنها قد كانت شحنت من الجند ولمطوعة ولم تزل الطوال تأتيها من إنطاكية في كل عام حتى وليها سالم البرلسى وفرض موضعه لخمس مئة مقاتل على خاصة عشرة دنانير‏.‏

فكثر من بها وقووا‏.‏

وذلك في خلافة المهدي‏.‏

وحدثني محمد بن سهم عن مشايخ الثغر قالوا‏:‏ ألحت الروم على أهل المصيصة في أول أيام الدولة المباركة حتى جلوا عنها‏.‏

فوجه صالح بن علي جبريل بن يحيى إليها فعمرها واسكنها الناس في سنة أربعين ومئة‏.‏

وبنى الرشيد كفر بيا ويقال‏:‏ بل كانت ابتديت في خلافة المهدي ثم غير الرشيد بناءها وحصنها بخندق‏.‏

ثم رفع إلى المأمون في أمر غلةٍ كانت على منازلها فأبطلها‏.‏

وكانت منازلها كالخانات‏.‏

قالوا‏:‏ وكان الذي حصن المثقب هشام بن عبد الملك على يد حسان بن ما هويه الإنطاكي‏.‏

ووجد في خندقه حين حفر عظم ساقٍ مفرط الطول فبعث به إلى هشام‏.‏

وبنى هشام حصن قطرغاس على يدي عبد العزيز بن حيان الإنطاكي وبنى هشام حصن مورة على يدي رجل من أهل إنطاكية‏.‏

وكان سبب بنائه إياه أن الروم عرضو لرسولٍ له في درب اللكام عند العقبة البيضاء ورتب فيه أربعين رجلًا وجماعة من الجراجمة وأقام ببغراس مسلحة في خمسين رجلًا وابتنى لها حصنًا‏.‏

وبنى هشام حصن بوقا من عمل إنطاكية ثم جدد وأصلح حديثًا‏.‏

وبنى محمد بن يوسف المر وزي المعروف بأبي سعيد حصنًا بساحل إنطاكية بعد غارة الروم على ساحلها في خلافة المعتصم بالله رحمه الله‏.‏

حدثني داود بن عبد الحميد قاضي الرقة عن أبيه عن جده أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أراد هدم المصيصة ونقل أهلها عنها لما كانوا يلقون من الروم فتوفى قبل ذلك‏.‏

وحدثني بعض أهل إنطاكية وبغراس أن مسلمة بن عبد الملك لما غزا عمورية حمل معه نساؤه وحمل ناس ممن معه نساءهم‏.‏

وكانت بنو أمية تفعل ذلك إرادة الجد في القتال للغيرة على الحرم‏.‏

فلما صار في عقبة بغراس عند الطريق المستدقة التي تشرف على الوادي سقط محملٌ فيه امرأة إلى الحضيض‏.‏

فأمر مسلمة أن تمشى سائر النساء فمشين فسميت تلك العقبة عقبة النساء‏.‏

وقد كان المعتصم بالله رحمه الله بنى على حد تلك الطريق حائطًا قصيرًا من حجارة‏.‏

وقال أبو نعمان االأنطاكي‏:‏ كان الطريق فيما بين أنطاكية والمصيصه مسيعة يعترض للناس فيها الأسد‏.‏

فلما كان الوليد بن عبد الملك شكي إليه فوجه أربعة آلاف جاموسة وجاموس فنفع الله بها‏.‏

وكان محمد بن القسم الثقفي عامل الحجاج على السند بعث منها بألوف جو أميس فبعث الحجاج إلى الوليد منها بما بعث من الأربعة آلاف وألقى باقيها في آجام كسكر‏.‏

ولما خلع يزيد بن المهلب فقتل وقبض يزيد بن عبد الملك أموال بني المهلب أصاب أربعة آلاف جاموسة كانت بكور دجلة وكسكر فوجه بها يزيد بن عبد الملك إلى المصيصه أيضًا مع زطها فكان أصل الجواميس بالمصيصه ثمانية آلاف جاموسة وكان أهل أنطاكية وقنسرين قد غلبوا على كثير منها واختاروا لأنفسهم في أيام فتنة مروان بن محمد فلما استخلف المنصور أمر بردها إلى المصيصه‏.‏

وأما جواميس أنطاكية فكان أصلها ما قدم به الزط معهم وكذلك جواميس بوقا‏.‏

وقال أبو الخطاب‏:‏ بني الجسر الذي على طريق أذنة من المصيصه وهو على تسعة أميال من المصيصه سنة خمس وعشرين ومئة‏.‏

فهو يدعى جسر الوليد وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك المقتول‏.‏

وقال أبو النعمان الأنطاكي وغيره‏:‏ بنيت أذنة في سنة إحدى وأربعين ومئة أو اثنتين وأربعين ومئة والجنود من أهل خرا سان معسكرون عليها مع مسلمة بن يحيى البجلي ومن أهل الشام مع ممالك بن أدهم الباهلي وجههما صالح بن علي‏.‏

قالوا‏:‏ ولما كانت سنة خمس وستين ومئة أغزى المهدي ابنه هارون الرشيد بلاد الروم‏.‏

فنزل على الخليج ثم خرج فرم المصيصه ومسجدها وزاد في شحنتها وقوى أهلها وبنى القصر الذي عند جسر أذنة على سيحان‏.‏

وقد كان المنصور أغزى صالح بن علي بلاد الروم فوجه هلال بن ضيغم في جماعة من أهل مشق والأردن وغيرهم فبنى ذلك القصر ولم يكن بناؤه محكمًا فهدمه الرشيد وبناه‏.‏

ثم لما كانت سنة أربع وتسعين ومئة بنى أبو سليم فرج الخادم أذنة فأحكم بناءها وحصنها ونب إليها رجالًا من أهل خرا سان وغيرهم على زيادة في العطاء وذلك بأمر محمد بن الرشيد‏.‏

فرم قصر سيحان‏.‏

وكان الرشيد توفي سنة ثلاث وتسعين ومئة وعامله على أعشار الثغور أبو سليم فأقره محمد وأبو سليم هذا هو صاحب الدار بأنطاكية‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ غزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم سنة اثنتين وستين ومئة في أهل خرا سان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومطوعة العراق والحجاز‏.‏

خرج مما يلي طر سوس فأخبر المهدي بما في بنائها وتحصينها وشحنها بالمقاتلة من عظيم الغناء عن الإسلام والكبت للعدو والوقم له فيما يحاول ويكيد‏.‏

وكان الحسن قد أبلى في تلك لغزاة بلاء حسنًا ودوخ أرض الروم حتى سموه الشيتن‏.‏

وكان معه في غزاته مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بن سليمان البصري‏.‏

وحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثني سعد بن الحسن قال‏:‏ لما خرج الحسن من بلاد الروم نزل مرج طر سوس فركب إلى مدينتها وهي خراب فنظر إليها وأطاف بها من جميع جهاتها احزر عدة من يسكنها فوجدهم مئة ألف‏.‏

فلما قدم على المهدي وصف له أمرها وما في بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكبته وعز الإسلام وأهله وأخبره في الحدث أيضًا بخبر رغبه في بناء مدينتها‏.‏

فأمره ببناء طر سوس وأن يبدأ بمدينة الحدث فبنيت‏.‏

وأوصى المهدي ببناء طر سوس‏.‏

فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومئة بلغ الرشيد أن الروم ائتمروا بينهم بالخروج إلى طر سوس لتحصينها وترتيب المقاتلة فيها‏.‏

فأغزى الصائفه في سنة إحدى وسبعين ومئة هر ثمة بن أعين وأمره بعمارة طر سوس وبنائها وتمصيرها ففعل‏.‏

وأجرى أمرها على يد فرج بن سليم الخادم بأمر الرشيد فوكل فرج ببنائها وتوجه أبو سليم إلى مدينة السلام فأشخص الندبة الأولى من أهل خرا سان وهم ثلاثة آلاف رجل فوردوا طر سوس‏.‏

ثم أشخص الندبة الثانية وهم آلفا رجل ألف من أهل المصيصة وألف من أهل إنطاكية على زيادة عشرة دنانير لكل رجل في أصل عطاءه فعسكروا مع الندبة الأولى بالمدائن على باب الجهاد في مستهل المحرم سنة اثنتين وسبعين ومئة إلى أن استتم بناء طر سوس وتحصينها وبناء مسجدها‏.‏

ومسح فرج ما بين النهر إلى النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة كل خطة عشرون ذراعًا في مثلها وأقطع أهل طر سوس الخطط وسكنتها الندبتان في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومئة‏.‏

قالوا‏:‏ وكان عبد الملك بن صالح قد استعمل يزيد بن مخلد الفزاري على طر سوس فطرده من بها من أهل خرا سان واستوحشوا منه للهبيريا فاستخلف أبا الفوارس فأقره عبد الملك بن صالح وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومئة‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ حدثني الواقدي قال‏:‏ جلى أهل سيسة ولحقوا بأعلى الروم في أربع وتسعين ومئة أو ثلاث وتسعين ومئة‏.‏

وسيسة ومدينة تل عين زربة وقد عمرت في خلافة المتوكل على يد علي بن يحيى الأرميني ثم أخربتها الروم‏.‏

قالوا‏:‏ فكان الذي أحرق إنطاكية المحترقة ببلاد الروم عباس ابن الوليد بن عبد الملك‏.‏

د قالوا‏:‏ وتل جبير نسبت إلى رجل من فرس إنطاكية كانت له عنه وقعة وهو من طر سوس على قالوا‏:‏ والحصن المعروف بذي الكلاع إنما هو الحصن ذو القلاع لأنه على ثلاث قلاع‏.‏

فحرف أسمه‏.‏

وتفسير أسمه بالرومية الحصن الذي مع الكواكب‏.‏

وقالوا‏:‏ سميت كنيسة الصلح لأن الروم لما حملوا صلحهم إلى الرشيد نزلوها‏.‏

ونسب مرج حسين إلى حسين بن مسلم الإنطاكي‏.‏

وذلك أنه كانت له به وقعة ونكاية في العدو‏.‏

قالوا‏:‏ وأغزى المهدي ابنه هارون الرشيد في سنة ثلاث وستين ومئة‏.‏

فحاصر أهل صمالو وهي التي تدعوها العامة سمالو‏.‏

فسألوه الأمان لعشرة أهل أبيات فيهم القومس فأجابهم إلى ذلك‏.‏

وكان في شرطهم أن لا يفرق بينهم‏.‏

فانزلوا ببغداد على باب الشماسية‏.‏

فسموا موضعهم سمالو فهو معروف‏.‏

ويقال بل نزلوا على حكم المهدي فاستحياهم وجمعهم بذلك الموضع وأمر أن يسمى سمالو‏.‏

وأمر الرشيد فنودي على من بقي في الحصن فبيعوا‏.‏

وأخذ حبشي كان يشتم الرشيد والمسلمين فصلب على برج من أبراجه‏.‏

وحدثني أحمد بن الحارث الو اسطي عن محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ لما كانت سنة ثمانين ومئة أمر الرشيد بابتناء مدينة عين زربة وتحصينها وندب إليها ندبة من أهل خرا سان وغيرهم فأقطعهم بها المنازل‏.‏

ثم لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومئة أمر ببناء الهارونية فبنيت وشحنت أيضًا بالمقاتلة ومن نزح إليها من المطوعة ونسبت إليه‏.‏

ويقال إنه بناها في خلافة المهدي ثم أتتمت في خلافته‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم على وجه الدهر ولها حصن قديم اخرب‏.‏

فأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة السوداء وتحصينها وندب إليها المقاتلة في زيادة العطاء‏.‏

وأخبرني بعض أهل الثغر عزون بن سعد أن الروم أغارت عليها والقاسم بن الرشيد مقيم بدا بق‏.‏

فاستاقوا مواشي أهلها وأثروا عدة منهم‏.‏

فنفر إليهم أهل المصيصة ومطوعتها فاستنقذوا جميع ما صار إليهم وقتلوا منهم بشرًا ورجع الباقون منكوبين مفلولين‏.‏

فوجه القاسم من حصن المدينة ورمها وزاد في شحنتها‏.‏

وقد كان المعتصم بالله نقل إلى عين زربة ونواحيها بشرًا من الزط اللذين كانوا غلبوا على البطائح بين واسط والبصرة فانتفع أهلها بهم‏.‏

حدثني أبو صالح الإنطاكي قال‏:‏ كان أبو إسحاق الفزاري يكره شرى ارضٍ بالثغر ويقول‏:‏ غلب عليه قوم في بدء الأمر وأجلو عنه فلم يقتسموه وصار إلى غيرهم وقد دخلت في هذا الأمر شبه العاقل حقيق بتركها وكانت بالثغر ايغارات قد تحيفت ما يرتفع من أعشاره حتى قصرت عن نفقاته فأمر المتوكل في سنة ثلاث وأربعين ومائتين بأبطال تلك الإغارات فأبطلت‏.‏

حدثني داود بن عبد الحميد قاضي الرقة عن أبيه عن جده عن ميمون بن مهران قال‏:‏ الجزيرة كلها فتوح عياض بن غنم بعد وفاة أبي عبيدة ولاه إياها عمر بن الخطاب وكان أبو عبيدة استخلفه على الشام فولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ثم معاوية من بعده الشام وأمر عياضًا بغزو الجزيرة‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن عدة من الجزريين‏.‏

عن سليمان بن عطاء القرشي قال‏:‏ بعث أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة فمات أبو عبيدة بها فولاه عمر إياها بعد‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا النعيلي عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدثنا سليمان بن عطاء قال‏:‏ لما فتح عياض بن غنم الرها وكان أبو عبيدة وجهه وقف على بابها على فرس له كميت‏.‏

فصالحوه على أن لهم هيكلهم وما حوله وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلا ما كان لهم وعلى معونة المسلمين على عدوهم فإن تركوا شيئًا مما شرط عليهم فلا ذمة لهم‏.‏

ودخل أهل الجزيرة فيما دخل فيه أهل الرها‏.‏

وقال محمد بن سعد‏:‏ قال الواقدي‏:‏ أثبت ما سمعنا في أمر عياض أن أبا عبيده مات في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة واستخلف عياضًا‏.‏

فورد عليه كتاب عمر بتوليته حمص وقنسرين والجزيرة‏.‏

فسار إلى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثمان عشرة في خمسة آلاف وعلة مقدمته ميسرة بن مسروق العبسي وعلى ميمنته سعيد بن عامر بن حديم الجمحي وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمي‏.‏

وكان خالد بن الوليد على ميسرته‏.‏

ويقال إن خالدًا لم يسر تحت لواء أحد بعد أبي عبيده ولزم حمص حتى توفي بها سنة إحدى وعشرين وأوصىإلى عمر‏.‏

وبعضهم يزعم أنه مات بالمدينة وموته بحمص أثبت‏.‏

قالوا‏:‏ فانتهت طليعة عباض إلى الرقة فأغاروا على حاضرٍ كان حولها للعرب وعلى قومٍ من الفلاحين فأصابوا مغنما وهرب من نجا من أولئك فدخلوا مدينة الرق‏.‏

وأقبل عياض في عسكره حتى نزل باب الرها وهو أحد أبوابها في تعبئة‏.‏

فرمى المسلمون ساعة حتى جرح بعضهم‏.‏

ثم إنه تأخر عنهم لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم وركب فطاف حول المدينة ووضع على أبوابها روابط ثم رجع إلى عسكرة وبث السرايا‏.‏

فجعلوا يأتون بالأسرى من القرى وبالأطعمة الكثيرة وكانت الزروع مستحصدة‏.‏

فلما مضت خمسة أيام أو ستة وهم على ذلك أرسل بطريق المدينة إلى عياض يطلب الأمان‏.‏

فصالحه عياض على أن أمن جميع أهلها على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم‏.‏

وقال عياض‏:‏ الارض لنا قد وطئناها وأحرزناها فأقرها في أيديهم على الخراج ودفع منها ما لم يرده أهل الذمة ورفضوه إلى المسلمين على العشر ووضع الجزية على رقابهم فألزم كل رجل منهم دينارًا في كل سنة وأخرج النساء والصبيان ووظف عليهم مع الدينار أففزة من قمح وشيئًا من زيت وخلٍ وعسل فلما ولى معاوية جعل ذلك جزيةً عليهم ثم إنهم فتحوا أبواب المدينة وأقاموا للمسلمين سوقًا على باب الرها فكتب لهم عياض‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا ما أعطى عياض بن غنم أهل الرقة يوم دخلها‏.‏

أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم لا تخرب ولا تسكن إذا أعطوا الجزية التي عليهم ولم يحدثوا مغيلة وعلى أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا يظهروا ناقوسًا ولا باعوثًا ولا صليبًا‏.‏

شهد الله وكفى بالله شهيدا وختم عياض بخاتمه‏.‏

ويقال إن عياضًا ألزم كل حالم من أهل الرقة أربعة دنانير‏.‏

والثبت أن عمر كتب بعد إلى عمير بن سعد وهو واليه‏:‏ أن ألزم كل امرئ منهم أربعة دنانير كما ألزم أهل الذهب‏.‏

قالوا‏:‏ ثم سار عياض إلى حران فنزل بأجدى وبعث مقدمته فأغلق أهل حران أبوابها دونهم ثم أتبعهم‏.‏

فلما نزل بها بعث إليه الحرنانية من أهلها يعلمونه أن في أيديهم طائفة من المدينة ويسألونه أن يصير إلى الرها فما صالحوه عليه من شيء قنعوا به وخلوا بينه وبين النصارى حتى يصيروا إليه‏.‏

وبلغ النصارى ذلك فأرسلوا إليه بالرضي بما عرض الحرنانية وبذلوا‏.‏

فأتى الرها وقد جمع له أهلها فرموا المسلمين ساعة ثم خرجت مقاتلتهم فهزمهم المسلمون حتى ألجئوهم إلى المدينة فلم ينسبوا أن طلبوا الصلح والأمان فأجابهم عياض إليه وكتب لهم كتابًا نسخته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا كتاب عياض بن غنم لأسقف الرها‏.‏

إنكم أن فتحتم ليباب المدينة على أن تؤدوا إلي عن كل رجل دينارًا ومديى قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم‏.‏

وعليكم إرشاد الضال وإصلاح الجسور والطرق ونصيحة المسلمين‏.‏

شهد الله وكفى بالله شهيدا ‏.‏

وحدثني داود بن عبد الحميد عن أبيه عن جده أن كتاب عياض لأهل الرها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا كتاب من عياض بن غنم ومن معه من المسلمين لأهل الرها‏.‏

أني أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم إذا أرادوا الحق الذي عليهم ولنا عليهم أن يصلحوا جسورنا ويهدوا ضالنا‏.‏

شهد الله وملائكته والمسلمون‏.‏

قال‏:‏ ثم أتى عياض حران ووجه صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة الفهري إلى سميساط‏.‏

فصالح عياض أهل حران على مثل صلح الرها وفتحوا له أبوابها وولاها رجلًا‏.‏

ثم سار إلى سميساط فود صفوان بن المعطل وحبيب ابن مسلمة مقيمين عليها وقد غلبا على قرى وحصون من قراها وحصونها‏.‏

فصالحه أهلها على مثل صلح أهل الرها‏.‏

وكان عياض يغزو من الرها ثم يرجع إليها‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر عن الزهري قال‏:‏ لم يبق بالجزيرة موضع قدمٍ إلا فتح على عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على يد عياض بن غنم‏:‏ فتح حران والرها والرقة وقرقيسيا ونصيبين وسنجار‏.‏

وحدثني محمد عن الواقدي عن عبد الرحمن بن مسلمة عن فرات بن سلمان عن ثابت بن الحجاج قال‏:‏ فتح عياض الرقة وحران والرها ونصيبين وميافارقين وقرقيسيا وقرى الفرات ومدائنها صلحًا وأرضها عنوة‏.‏

وحدثني محمد عن الواقدي عن ثور بن يزيد عن راش بن سع أن عياضًا افتتح الجزيرة ومدائنها صلحًا وأرضها عنوة‏.‏

وقد روى أن عياضًا لما أتى حران من الرقة وجدها خالية قد انتقل أهلها إلى الرها‏.‏

فلما فتحت الرها صالحوا عن مدينتهم وهم بها‏.‏

وكان صلحهم مثل صلح الرها‏.‏

وحدثني أبو أيوب الرقى المؤدب قال‏:‏ حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي عن أبيه عن جده قال‏:‏ فتح عياضٌ الرقة ثم الرها ثم حران ثم سميساط على صلح واحد‏.‏

ثم أتى سروج وراسكيفا والأرض البيضاء فغلب على أرضها وصالح أهل حصونها على مثل الرها‏.‏

ثم إن أهل سميساط كفروا فلما بلغه ذلك رجع إليهم فحاصرها حتى فتحها‏.‏

وبلغه أن أهل الرها قد تقضوا فلما أناخ عليهم فتحوا له أبواب مدينتهم فدخلها وخلف بها عامله في جماعة‏.‏

ثم أتي قريات الفرات وهي جسر منبج وذواتها ففتحها على ذلك‏.‏

وأتى عين الوردة وهي رأس العين فامتنعت عليه فتركها‏.‏

وأتى تل موزن ففتحها على مثل صلح الرها وذلك في سنة تسع عشرة‏.‏

ووجه عياض إلى قرقيسيا حبيب ابن مسلمة الفهري ففتحها صلحًا مثل الرقة وفتح عياض آمد بغير قتال على مثل صلح الرها‏.‏

وفتح ميافارقين على مثل ذلك‏.‏

وفتح حصن كفر توثا‏.‏

وفتح نصيبين بعد قتالٍ على مثل صلح الرها‏.‏

وفتح طور عبدين وحصن ماردين ودارا على مثل ذلك‏.‏

وفتح قردي وبازبدى على مثل صلح نصبين‏.‏

وأتاه بطريق الوزان فصالحه عن أرضه على إتاوة وكل ذلك في سنة تسع عشرة وأيام من المحرم سنة عشرين‏.‏

ثم سار إلى أرزن ففتحها على مثل صلح نصيبين‏.‏

ودخل الدرب فبلغ بد ليس وجازها إلى خلاط وصالح بطريقها وانتهى إلى العين الحامضة من أرمينية فلم يعدها‏.‏

ثم عاد فضمن صاحب بد ليس خراج خلاط وجماجمها وما على بطريقها‏.‏

ثم إنه انصرف إلى الرقة ومضى إلى حمص وقد كان عمر ولاه إياها فمات سنة عشرين‏.‏

وولى عمر سعيد بن عامر بن حزيم فلم يلبث إلا قليلًا حتى مات‏.‏

فولى عمر عمير بن سعد الأنصاري ففتح عين الوردة بعد قتال شديد‏.‏

وقال الواقدي حدثني من سمع إسحاق بن أبي فروه يحدث عن أبي وهب الجيشاني ديلم بن الموسع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عياض يأمره أن يوجه عمير بن سعد إلى عين الوردة فوجه إليها‏.‏

فقدم الطلائع أمامه فأصابوا قومًا من الفلاحين وغنموا مواشي من مواشي العدو‏.‏

ثم إن أهل المدينة غلقوا أبوابها ونصبوا العرادات عليها فقتل من المسلمين بالحجارة والسهام بشر وأطلع عليهم بطريق من بطارقتها فشتمهم وقال‏:‏ لسنا كمن لقيتم‏.‏

ثم إنها فتحت بعد على صلح‏.‏

حدثني عمرو بن محمد عن الحجاج بن أبي منيع عن أبيه عن جده قال‏:‏ امتنعت رأس العين على عياض بن غنم ففتحها عمير بن سعد وهو والي عمر على الجزيرة بعد أن قاتل أهلها المسلمين قتالًا شديدًا‏.‏

فدخلها المسلمون عنوة ثم صالحوهم بعد ذلك على أن دفعت الأرض إليهم ووضعت الجزية على رؤوسهم على كل رأس أربعة دنانير ولم تسب نساؤهم ولا أولادهم‏.‏

وقال الحجاج‏:‏ وقد سمعت مشايخ من أهل رأس العين يذكرون أن عميرًا لما دخلها قال لهم‏:‏ وزعم الهيثم بن عدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث أبا موسى الأشعري إلى عين الوردة فغزاها بجند الجزيرة بعد وفاة عياض‏.‏

والثبت أن عميرًا فتحها عنوة فلم تسب وجعل عليهم الخراج والجزية ولم يقل هذا أحد غير الهيثم‏.‏

وقال الحجاج بن أبي منيع‏:‏ جلا خلق من أهل رأس العين واعتمل المسلمون أرضهم وازدرعوها بإقطاع‏.

وحدثني محمد بن المفضل الموصلي عن مشايخ أهل سنجار

قالوا‏:‏ كانت سنجار في أيدي الروم‏.‏

ثم أن كسرى المعروف بأبرويز أراد قتل مئة رجل من الفرس كانوا حملوا إليه بسبب خلاف ومعصية‏.‏

فكلم فيهم فأمر أن يوجهوا إلى سنجار وهو يومئذ يعاني فتحها‏.‏

فمات منهم رجلان ووصل إليها ثمانية وتسعون رجلًا فصاروا مع المقاتلة الذين كانوا بازائها ففتحوها دونهم وأقاموا بها وتناسلوا‏.‏

فلما انصرف عياض من خلاط إلى الجزيرة بعث إلى سنجار ففتحها صلحًا وأسكنها قومًا من العرب وقد قال بعض الرواة‏:‏ إن عياضًا فتح حصنًا من الموصل وليس ذلك بثبت‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ عمير بن سعد عامل عمر هو عمير بن سعد بن شهيد بن عمرو أحد الأوس‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ هو عمير بن سعد بن عبيد‏.‏

وقتل أبوه سعد يوم القادسية‏.‏

وسعد هذا هو قال الواقدي‏:‏ وقد روى قوم أن خالد بن الوليد ولى لعمر بعض الجزيرة فأطلى في حمام بأمد أو غيرها بشيء فيه خمر فعزله عمر‏.‏

وليس ذلك بثبت‏.‏

وحدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثني الحجاج بن أبي منيع عن أبيه عن جده عن ميمون بن مهران قال‏:‏ أخذ الزيت والطعام والخل لمرفق المسلمين بالجزيرة مدة ثم خفف عنهم واقتصر بهم على ثمانية وأربعين درهمًا وأربعة وعشرين واثنا عشر نظرًا من عمر للناس‏.‏

وكان على كل إنسان مع جزيته مدا قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل‏.‏

وحدثني عدة من أهل الرقة قالوا‏:‏ لما مات عياض وولى الجزيرة سعيد بن عامر بن حذيم بنى مسجد الرقة ومسجد الرها‏.‏

ثم توفي فبنى المساجد بديار مضر وديار ربيعه عمير بن سعد‏.‏

ثم لما ولى معاوية الشام والجزيرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه أمره أن ينزل العرب بمواضع نائية عن المدن والقرى ويأذن لهم في اعتمال الأرضين التي لاحق فيها لأحد‏.‏

فأنزل بني تميم الرابية وانزل المازحين والمد يبر أخلاطًا من قبس وأسد وغيرهم وفعل ذلك في جميع نواحي ديار مضر ورتب ربيعه في ديارها على ذلك وألزم المدن والقرى والمسالح من يقوم بحفظها ويذيب عنها من أهل العطاء ثم جعلهم مع عماله‏.‏

وحدثني أبو حفص الشامي عن حماد بن عمرو النصيبي قال‏:‏ كتب عامل نصيبين إلى معاوية وهو عامل عثمان على الشام والجزيرة يشكو إليه أن جماعة من المسلمين ممن معه أصيبوا بالعقارب‏.‏

فكتب إليه يأمره أن يوظف على أهل كل حيز من المدينة عدة من العقارب مسماة في كل ليلة‏.‏

ففعل فكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها‏.‏

وحدثني أبو ايوب المؤدب الرقي عن أبي عبد الله القرقساني عن أشياخه أن عمير بن سعد لما فتح رأس العين سلك الخابور وما يليه حتى أتى قرقيسيا وقد نقد أهلها فصالحهم على مثل صلحهم الأول‏.‏

ثم أتى حصون الفرات حصنًا حصنًا ففتحها على ما فتحت عليه قرقيسيا ولم بلق في شيء منها كثير قتال‏.‏

وكان بعض أهلها ربما رموا بالحجارة‏.‏

فلما فرغ من تلبس كذا وعانات أتى الناؤسة وآلوسة وهيت فوجد عمار بن ياسر وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب على الكوفة وقد بعث جيشًا يستغزى ما فوق الأنبار عليه سعد بن عمرو بن حرام الأنصاري وقد أتاه أهل هذه الحصون فطلبوا الأمان‏.‏

فأمنهم واستثنى على أهل هيت نصف كنيستهم‏.‏

فانصرف عمير إلى الرقة‏.‏

وحدثني بعض أهل العلم قال‏:‏ كان الذي توجه إلى هيت والحصون التي بعدها من الكوفة مد لاج بن عمرو السلمي حليف بنى عبد شمس وله صحبه فتولى فتحها‏.‏

وهو بنى الحديثة التي على الفرات‏.‏

وولده بهيت وكان منهم رجل يكنى أبا هارون باقي الذكر هناك‏.‏

ويقال إن مد لاجا كان من قبل سعد ابن عمرو بن حرام‏.‏

والله أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ وكان موضع نهر سعيد بن عبد الملك بن مروان - هو الذي يقال له سعيد الخير وكان يظهر نسكًا - غيضة ذات سباع‏.‏

فأقطعه إياها الوليد‏.‏

فحفر النهر وعمر ما هناك‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الذي أقطعه ذلك عمر بن عبد العزيز‏.‏

قالوا‏:‏ ولم يكن للرافقة أثر قديم إنما بناها أمير المؤمنين المنصور رحمه الله سنة خمس وخمسين ومئة على بناء مدينته ببغداد ورتب فيها جندًا من أهل خرا سان‏.‏

وجرت على يدي المهدي وهو ولى عهد‏.‏

ثم إن الرشيد بنى قصورها فكان بين الرقة والرافقة فضاء مزارع‏.‏

فلما قدم على بن سليمان ابن علي واليًا على الجزيرة نقل أسواق الرقة إلى تلك الأرض فكان سوق الرقة الأعظم فيما مضى يعرف بسوق هشام العتيق‏.‏

ثم لما قدم الرشيد الرقة استزاد في تلك الأسواق فلم تزل تجبى مع الصوافى‏.‏

وأما رصافة هشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها وكان ينزل قبلها اليتونة‏.‏

وحفر الهنى والمرى واستخرج الضيعة التي تعرف بالهنى والمرى وأحدث فيها واسط الرقة‏.‏

ثم إن تلك الضيعة قبضت في أول الدولة‏.‏

ثم صارت لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور فابتنت ولم يكن للرحبة التي في أسفل قرقيسيا أثر قديم إنما بناها وأحدثها مالك ابن طوق بن عتاب التغلبي في خلافة المأمون‏.‏

وكانت أذرمة من ديار ربيعه قريةً قديمة فأخذها الحسن بن عمرو بن الخطاب التغلبي من صاحبها وبنى بها قصرًا وحصنها‏.‏

وكانت كفرتوثا حصنًا قديمًا فاتخذها ولد أبي رمثة منزلًا فمدنوها وحصنوها‏.‏

حدثني معافى بن طاووس عن أبيه قال‏:‏ سألت المشايخ عن أعشار بلد وديار ربيعا والبدية فقال‏:‏ هي أعشار ما أسلمت عليه العرب أو عمرته من الموات الذي ليس في يد أحد أو رفضه النصارى فمات وغلب عليها الدغل فأقطعه العرب‏.‏

حدثني أبو عفان الرقى عن مشايخ من كتاب الرقة وغيرهم قالوا‏:‏ كانت عين الرومية وماؤها للوليد ابن عقبة بن أبي معيط فأعطاها أبا زبيد الطائي‏.‏

ثم صارت لأبي العباس أمير المؤمنين فأقطعها ميمون بن حمزة مولى على بن عبد الله بن عباس‏.‏

ثم ابتاعها الرشيد من ورثته‏.‏

وهي من أرض الرقة‏.‏

قالوا‏:‏ وكان ابن هبيرة أقطع غابة ابن هبيرة فقبضت وأقطعها بشر بن ميمون صاحب الطاقات وكان هشام أقطع عائشة ابنته قطيعةً برأس كيفا تعرف بها فقبضت‏.‏

وكانت لعبد الملك وهشام قرية تدعى سلعوس ونصف قرية تدعى كفر جدا من الرها‏.‏

وكانت بحران للغمر بن يزيد تل عفراء وأرض تل مذابا كذا وأرض المصلى وصوافى في ربض حران ومستغلاتها‏.‏

وكان مرج عبد الواحد حمى المسلمين قبل أن تبنى الحدث وزبطرة فلما بنيتا استغنى بهما فعمر فضمه الحسين الخادم إلى الأحواز في خلافة الرشيد‏.‏

ثم توثب الناس عليه فغلبوا على مزارعه حتى قدم عبد الله بن طاهر الشام فرده إلى الضياع‏.‏

وقال أبو أيوب الرقى‏:‏ سمعت أن عبد الواحد الذي نسب المرج إليه عبد الواحد بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص وهو ابن عم عبد الملك كان المرج له فجعله حمى المسلمين‏.‏

وهو الذي مدحه القطامى فقال‏:‏ أهل المدينة لا يحزنك شأنهم إذا تخطأ عبد الواحد الأجل أمر نصارى بنى تغلب بن وائل حدثنا شيبان بن فروخ قال‏:‏ حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية من نصارى بني تغلب فانطلقوا هاربين ولحقت طائفة منهم ببعدٍ من الأرض‏.‏

فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان‏:‏ أنشدك الله في بني تغلب‏!‏ فإنهم قوم من العرب يأنفون من الجزية وهم قومٌ شديدة نكايتهم فلا تعن عدوك عليك بهم‏.‏

فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة‏.‏

حدثنا شيبان قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال‏:‏ حدثنا ليث عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ لا تؤكل ذبائح نصارى بنى تغلب ولا تنكح نساؤهم‏.‏

ليسوا منا ولا من أهل الكتاب‏.‏

حدثنا عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة بن الحكم وأبي مخنف قالا‏:‏ كتب عمير بن سعد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي ففتح عانات وسائر حصون الفرات وأنه أراد من هناك من بنى تغلب على الإسلام فأبوه وهموا باللحاق بأرض الروم‏.‏

وقبلهم أراد من في الشق الشرقي على ذلك فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء واستطلع رأيه فيهم‏.‏

فكتب إليه عمر رضي الله عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تؤخذ من المسلمين في كل سائمة وأرض وإن أتوا ذلك حاربهم حتى تبيدهم أو يسلموا‏.‏

فقبلوا أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا‏:‏ أما إذ لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديننا‏.‏

حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثني أبو معاوية عن الشيابني عن السفاح عن داود بن كردوس قال‏:‏ صالح عمر بن الخطاب بني تغلب بعدما قطعوا الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم على أن لا يصبغوا صبيًا ولا يكرهوه على دينهم وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة‏.‏

قال‏:‏ وكان داود بن كردوس يقول‏:‏ ليست لهم ذمة لأنهم قد صبغوا في دينهم يعني المعمودية‏.‏

فحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس ابن يزيد الأبلى عن الزهري قال‏:‏ ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة إلا نصارى بني تغلب أو قال نصارى العرب الذين عامة أموالهم المواشي فإن عليهم ضعف ما على المسلمين‏.‏

حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان أنه كان كلم عمر في نصارى بني تغلب وقال‏:‏ قوم عرب يأنفون من الجزية وإنما هم أصحاب حروث ومواس‏.‏

وكان عمر قد هم أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا في البلاد‏.‏

فصالحهم على أن أضعف عليهم ما يؤخذ من المسلمين من صدقاتهم في الأرض والماشية قال مغيرة‏:‏ فكان علي عليه السلام يقول‏:‏ لئن تفرقت لبنى تغلب ليكونن لي فيهم رأي‏.‏

لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم فقد نقضوا العهد وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم‏.‏

وحدثني أبو نصر التمار قال‏:‏ حدثنا شريك بن عبد الله عن إبراهيم ابن مهاجر عن زياد بن حدير الأسدي قال‏:‏ بعثتي عمر إلى نصارى بني تغل آخذ منهم نصف عشر أموالهم ونهاني أن أعشر مسلمًا أو ذميًا يؤدي الخراج‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أبن أبي سبرة عن عبد الملك بن نوفل عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن عثمان أمر أن لا يقبل من بنى تغلب في الجزية إلا دهيك الذهب والفضة‏.‏

فجاءه الثبت أن عمر أخذ منهم ضعف الصدقة‏.‏

فرجع عن ذلك‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وقال سفيان الثوري والأوزاعي ومالك بن أنس وابن أبي ليلى وابن أبي ذئب وأبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ يؤخذ من التغلبي ضعف ما يؤخذ من المسلم في أرضه وماشيته وماله‏.‏

فأما الصبي والمعتوه منهم فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من ماشيته شيئًا‏.‏

قال أهل الحجاز‏:‏ يؤخذ من أموال بني تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدلٌ من الجزية‏.‏

قالوا‏:‏ لما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى معاوية بولايته الشام‏.‏

وولى عمير بن سعد الأنصاري الجزيرة ثم عزله‏.‏

وجمع لمعاوية الشام والجزيرة وثغورهما وأمره أن يغزو شمشاط وهي أرميني الرابعة أو يغزيها‏.‏

فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن معطل السلمي ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها على مثل صلح الرها‏.‏

وأقام صفوان بها وبها توفى في آخر خلافة معاوية‏.‏

ويقال بل غزاها معاوية نفسه وهذان معه‏.‏

فولاها صفوان فأوطنها وتوفي بها‏.‏

قالوا‏:‏ وقد كان قسطنطين أناخ عليها بعد نزوله في ملطية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة فلم يمكنه فيها شيء فأغار على ما حولها ثم انصرف‏.‏

ولم تزل شمشاط خرا دية حتى صيرها المتوكل على الله رحمه الله عشرية أسوة غيرها من الثغور‏.‏

وقالوا‏:‏ غزل حبيب بن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط فلم يقدر عليه‏.‏

وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه‏.‏

ثم غزاه في سنة تسع وخمسين وهي السنة التي مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمي‏.‏

فعلا عمير سوره ولم يزل يجالد عليه وحده حتى كشف الروم وصعد المسلمون ففتحه لعمير بن الحباب وبذلك كان يفخر ويفخر له‏.‏

ثم إن الروم غلبوا عليه ففتحه مسلمة بن عبد الملك‏.‏

ولم يزل يفتح وتغلب الروم عليه‏.‏

فلما كانت سنة تسع وأربعين ومئة شخص المنصور عن بغداد حتى نزل حديثة الموصل ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد ابن الأشعث وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزو بهم كمخ‏.‏

فمات محمد ابن الأشعث بآم وسار العباس والحسن حتى صارا إلى ملطية فحملا منها الميرة ثم أناخا على كمخ وأمر العباس بنصب المنجنيق ورموا المسلمين فقتلوا منهم بالحجارة مائتي رجل فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالًا شديدًا حتى فتحوه وكان مع العباس بن محمد بن علي في غزاته هذه مطر الوراق‏.‏

ثم إن الروم أغلقوا كمخ‏.‏

فلما كانت سنة سبع وسبعين ومئة غزا محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري وهو عامل عبد الملك بن صالح علي شمشاط ففتحه ودخله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

ويقال إن عبيد الله بن الأقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه وكان أسيرًا عندهم‏.‏

ثم إن عبد الله بن طاهر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدي المسلمين حتى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بن أشوط بطريق خلاط في دفعه إلى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم في عمل شمشاط‏.‏

ملطية وقالوا‏:‏ وجه عياض بن غنم حبيب بن مسلمة الفهري من شمشاط إلى ملطية ففتحها ثم أغلقت‏.‏

فلما ولى معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب بن مسلمة ففتحها عنوةً ورتب فيها رابطةً من المسلمين مع عاملها‏.‏

وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة وغيرهما فكانت طريق الصوائف‏.‏

ثم إن أهلها انتقلوا عنها في أيام عبد الله ابن الزبير وخرجت الروم فشعثتها ثم تركتها‏.‏

فنزلها قوم من النصارى من الأرمن والنبط‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي في إسناده قال‏:‏ كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عبد الله بن عبد الملك سنة ثلاث وثمانين وبنوا بها مساكن‏.‏

وهي من ملطية على ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم‏.‏

ومالطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناسٌ من أهل الذمة من الأرمن وغيرهم‏.‏

فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف فيقيمون بها إلى أن ينزل الشتاء وتسقط الثلوج فإذا كان ذلك قفلوا‏.‏

فلما ولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون وذلك لإشفاقه عليهم من العدو واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئًا حتى كسروا خوابي الخل والزيت ثم أنزلهم ملطية وأخرب طرندة وولى على ملطية جعونة بن الحارث أحد بني عامر ابن صعصعة‏.‏

قالوا‏:‏ وخرج عشرون ألفًا من الروم في سنة ثلاث وعشرين ومئة فنزلوا على مالطية‏.‏

فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء على السور عليهم العمائم فقاتلن‏.‏

وخرج رسول لأهل مالطية مستغيثًا‏.‏

فركب البريد وسار حتى لحق بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة‏.‏

فندب هشام الناس إلى ملطية‏.‏

ثم أتاه الخبر بأن الروم قد رحلت عنها فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلًا ليرابط بها‏.‏

وغزا هشام نفسه ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت فكان ممره بالرقة دخلها مقتلدًا سيفًا ولم يتقله قبل ذلك في أيامه‏.‏

قال الواقدي‏:‏ لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومئة أقبل قسطنطين الطاغية عامدًا لمالطية وكمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بني سليم‏.‏

فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل مالطية‏.‏

فخرج إلى الروم منهم ثماني مئة فارس فواقعهم خيل الروم فهزمتهم‏.‏

ومال الرومي فأناخ على مالطية فحصر من فيها والجزيرة يومئذ مفتونة وعاملها موسى بن كعب بحران‏.‏

فوجهوا رسولًا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم‏.‏

وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم‏:‏ يا أهل ملطية‏!‏ إني لم آتكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم‏.‏

انزلوا على الأمان واخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم‏.‏

فأبوا عليه فوضع عليها المجانيق‏.‏

فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل‏.‏

ثم استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم وألقوا كثيرًا مما ثقل عليهم في الآبار والمخابي ثم خرجوا‏.‏

وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع أخرهم مخترطى السيوف طرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الذي يقابله حتى كأنها عقد قنطرة ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها‏.‏

وهدم الروم مالطية فلم يبقوا منها إلا هريًا فإنهم شعثوا منه شيئًا يسيرًا وهدموا حصن قلوذية‏.‏

فما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة كتب المنصور إلى صالح بن علي يأمره ببناء ملطية وتحصينها‏.‏

ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام واليًا على الجزيرة وثغورها فتوجه في سنة أربعين ومئة الحسن قحطبة في جنود أهل خراسان‏.‏

فقطع البعوث على أهل الشام والجزيرة فتوافى معه سبعون ألفًا‏.‏

فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها‏.‏

وكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء‏.‏

وجعل يغدي الناس ويعشيهم من ماله مبرزًا مطابخه‏.‏

فغاظ ذلك عبد الوهاب فكتب إلى أبي جعفر يعلمه أنه يطعم الناس وأن الحسن يطعم أشعاف ذلك التماسًا لأن يطوله ويفسدها يصنع ويهجنه يالاسراف والرياء وأن له منادين ينادون الناس إلى طعامه‏.‏

فكتب إليه أبو جعفر‏:‏ يا صبي‏!‏ يطعم الحسن من ماله وتطعم من مالي‏.‏

ما أتيت إلا من صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك‏.‏

وكتب إلى الحسن‏:‏ أطعم ولا تتخذ مناديًا‏.‏

فكان الحسن يقول‏:‏ من سبق إلى شرفة فله كذا‏.‏

فجد الناس في العمل حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر وبنى للجند الذين أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما وإسطبل والعرافة عشرة نفر إلى خمسة عشر رجلًا‏.‏

وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلًا منها ومسلحة على نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات‏.‏

وأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم على زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل معونة مئة دينار سوى الجعل الذي يتجاعله القبائل بينها‏.‏

ووضع فيها شحنتها من السلاح وأقطع الجند المزارع وبنى حصن قلوذية‏.‏

وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مئة ألف فنزل جيجان فبلغه كثرة العربي فأحجم عنها‏.‏

وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب في هذه الغزاة نصرين مالك الخزاعى ونصر بن سعد الكاتب مولى الأنصار‏.‏

فقال الشاعر‏:‏ تكتنفك النصران نصر بن مالكٍ ونصر بن سعدٍ عز نصرك من نصر وفي سنة إحدى وأربعين ومئة أغزى محمد بن إبراهيم مالطية في جند من أهل خرا سان وعلى شرطته المسيب بن زهير‏.‏

وكانت الروم عرضت لمالطية في خلافة الرشيد فلم تقدر عليها وغزاهم الرشيد رحمه الله فأشجاهم وقمعهم‏.‏

وقالوا‏:‏ وجه أبو عبيده بن الجراح وهو بمنبج خالد بن الوليد إلى ناحية مرعش ففتح حصنها على أن جلا أهله ثم أخربه‏.‏

وكان سفيان بن عوف الغامدى لما غزا الروم في سنة ثلاثين رحلل من قبل مرعش فساح في بلاد الروم‏.‏

وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جندًا فلما كان موت يزيد بن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها‏.‏

وصالح عبد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بن الحكم وطلبه الخلافة على شيء كان يؤديه إليهم‏.‏

فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا محمد بن مروان الروم وانتقض الصلح‏.‏

ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضًا محمد بن مروان‏.‏

وخرجت الروم في جمادى الأولى من قبل مرعش إلى الأعماق‏.‏

فزحف إليهم المسلمون وعليهم أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معبيط ومعه دينار بن دينار مولى عبد الملك بن مروان وكان على قتسرين وكورها‏.‏

فالتقوا بعمق مرعش فاقتلوا قتالًا شديدًا فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون‏.‏

وكان دينار لقي في هذا العام جماعة من الروم بجسر يغرا وهو من شمشاط على نحوٍ من عشرة أميال فظفر بهم‏.‏

ثم إن العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها وبنى لها مسجدًا جامعًا‏.‏

وكان يقطع في كل عام على أهل قنسرين بعثًا إليها‏.‏

فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم وحصرت مدينة مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم ثم أخربوها‏.‏

وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي‏.‏

وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون‏.‏

ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشًا لبناء مرعش فبنيت ومدنت‏.‏

فخرجت الروم في فتنته فأخربتها فبناها صالح بن علي في خلافة أبي جعفر المنصور وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء‏.‏

واستخلف المهدي فزاد في شحنها وقى أهلها‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ خرج ميخائيل من درب الحث في ثمانين ألفًا فأتى عمق مرعش فقتل وأحرق وسبى من المسلمين خلقًا وصار إلى باب مدينة مرعش وبها عيسى بن علي وكان قد غزا في تلك السنة فخرج إليه موالي عيسى وأهل المدينة ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن المدينة كر عليهم فقتل من موالي عيسى ثمانية نفر واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها‏.‏

ثم انصرف حتى نزل جيحان‏.‏

وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي وهو بدابق وكان قد ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومئة فوجه إليه خيلًا كثيفة فأصيبوا إلا من نجا منهم فأحفظ ذلك المهدي واحتفل لإغراء الحسن بن قحطبة في العام المقبل وهو سنة اثنتين وستين ومئة‏.‏

قالوا‏:‏ وكان حصن الحدث مما فتح أيام عمر فتحه حبيب بن مسلمة من قبل عياض بن غنم وكان معاوية يتعهده بعد ذلك وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة لأن المسلمين كانوا أصيبوا به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس‏.‏

وقال قوم‏:‏ لقي المسلمين غلامٌ حدث على الدرب فقاتلهم في أصحابه فقيل درب الحدث‏.‏

ولما كان زمن فتنة مروان بن محمد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية‏.‏

ثم لما كانت سنة إحدى وستين ومئة خرج ميخائيل إلى عمق مرعش ووجه المهدي الحسن بن قحطبة ساح في بلاد الروم فثقلت وطلأته على أهلها حتى صوروه في كنائسهم‏.‏

وكان دخوله من درب الحدث فنظر إلى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه فارتاد الحسن موضع مدينته هناك فلما انصرف كلم المهدي في بنائها وبناء طر سوس فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث‏.‏

وكان في غزاة الحسن هذه مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بن سليمان البصري فأنشأها علي بن سليمان بن علي وهو على الجزيرة وقنسرين وسميت المحمدية وتوفي المهدي مع فراغهم من بنائها فهي المهدية والمحمدية‏.‏

وكان بناؤها باللبن وكانت وفاته سنة تسع وستين ومئة‏.‏

واستخلف موسى الهادي ابنه فعزل على بن سليمان وولى الجزيرة وقنسرين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي‏.‏

وقد كان علي بن سليمان فرغ من بناء مدينة الحدث وفرض محمدٌ لها فرضًا من أهل الشام والجزيرة وخرا سان في أربعين دينارًا من العطاء وأقطعهم المساكن وأعطى كل امرئ ثلاث مئة درهم‏.‏

وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومئة‏.‏

وقال أبو الخطاب‏:‏ فرض علي بن سليمان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها ونقل إليها من ملطية وشمشاط وكيسوم ودلوك ورعبان ألفي رجل‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج وكثرت الأمطار ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاطٍ فيه فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم‏.‏

وبلغ الخبر موسى فقطع بعثًا مع المسيب بن زهير وبعثًا مع روح بن حاتم وبعثًا مع حمزةبن مالك فمات قبل أن ينفذا‏.‏

ثم ولى الرشيد الخلافة فأمر ببنائها وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع‏.‏

وقال غير الواقدي‏:‏ أناخ بطريقٌ من عظماء بطارقة الروم في جمع كثيف على مدينة الحدث حين بنيت وكان بناؤها بلبن قد حمل بعضه على بعض وأضرت به الثلوج‏.‏

وهرب عاملها ومن فيها ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها فبناها الرشيد حين استخلف‏.‏

وحدثني بعض أهل منبج قال‏:‏ إن الرشيد كتب إلى محمد بن إبراهيم بإقراره على عمله فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد على يده ثم عزله‏.‏

قالوا‏:‏ وكان مالك بن عبد الخثعمي الذي يقال مالك الصوائف وهو من أهل فلسطين غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة ثم قفل‏.‏

فلما كان من درب الحدث على خمسة عشر ميلًا بموضع يدعى الرهوة أقام فيها ثلاثًا‏.‏

فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة فسميت تلك الرهوة رهوة مالك‏.‏

قالوا‏:‏ وكان مرج عبد الواحد حمى لخيل المسلمين‏.‏

فلما بنى الحدث وزبطرة استغنى عنه فاز درع‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت زبطرة حصنًا قديمًا روميًا ففتح مع حصن الحدث القديم فتحه حبيب بن مسلة القهري وكان قائمًا إلى أن اخربته الروم في أيام الوليد بن يزيد فبني بناء غير محكم‏.‏

فأناخت الروم عليه في أيام فتنة نوح بن محمد فهدمته فبناه المنصور‏.‏

ثم خرجت إليه فشعثته فبناه الرشيد على يدي محمد بن إبراهيم وشحنه‏.‏

فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعثوه وأغاروا على سرح أهله فاستاقوا لهم مواشي فأمر المأمون بمرمته وتحصينه‏.‏

وقدم وفد طاغية الروم في سنة عشرة ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه وكتب إلى عمال الثغور فساحوا في بلاد الروم فأكثروا فيها القتل ودوخوها وظفروا ظفرًا حسنًا إلا أن يقظان بن عبد الأعلى بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي أصيب‏.‏

ثم خرجت الروم إلى زبطرة في خلافة المعتصم بالله أبي إسحاق بن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها فأحفظه ذلك وأغضبه فغزاهم حتى بلغ عمورية وقد أخرب قبلها حصونًا فأناخ عليها حتى فتحها فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ثم أخربها وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها‏.‏

وحدثني أبو عمر الباهلي وغيره وقالوا‏:‏ نسب حصن منصور إلى منصور بن جعونة بن الحارث العامري من قيس وذلك أنه تولى بناءه ومرمته وكان مقيمًا به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة‏.‏

وكان منصور هذا على أهل الرها حين امتنعوا في أول الدولة فحصرهم منصور وهو عامل أبي العباس على الجزيرة وأرمينية فلما فتحها هرب منصور ثم أمن فظهر فلما خلع عبد الله بن علي أبا جعفر المنصور شرطته فلما هرب عبد الله إلى البصرة استخفى فدلى عليه في سنة إحدى وأربعين ومئة فأتى المنصور به فقتله بالرقة منصرفة من بيت المقدس‏.‏

وقوم يقولون إنه أمن بعد هرب ابن علي فظهر ثم وجدت له كتب إلى الروم بغش الإسلام‏.‏

فلما قدم المنصور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى وأربعين ومئة وجه من أتاه به فضرب عنق بالرقة ثم انصرف إلى الهاشمية بالكوفة‏.‏

وكان الرشيد بنى حصن منصور وشحنه في خلافة المهدي‏.

قالوا‏:‏ ولم يزل

ديوان الشام

بالرومية حتى ولى عبد الملك بن مروان فلما كانت سنة إحدى وثمانين أمر بنقله‏.‏

وذلك أن رجلًا من كتاب الروم احتاج أن يكتب شيئًا فلم يجد ماءً فبال في الدواة‏.‏

فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه وأمر سليمان بن سعد بنقل الديوان فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة ففعل ذلك وولاه الأردن فلم تنقض السنة حتى فرغ من نقله وأتى به عبد الملك‏.‏

فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عليه فغمه وخرج من عنده كئيبًا فلقيه قومٌ من كتاب الروم فقال‏:‏ اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم‏.‏

قال‏:‏ وكانت وظيفة الأردن التي قطعها معونة مئة ألف وثمانين ألف دينار ووظيفة فلسطين ثلاث مئة ألفٍ وخمسين ألف دينار ووظيفة دمشق أربع مئة ألف دينار ووظيفة حمص مع قنسرين والكور التي تدعى اليوم العواصم ثمان مئة ألف دينار ويقال سبع مئة ألف دينار‏.‏

فتوح أرمينية حدثني محمد بن اسماعيل من ساكني برذعة وغيره عن أبي براء عنبسة بن بحر الأرمني وحدثني محمد بن بشر القالي عن أشياخه وبرمك بن عبد الله الدبيلي ومحمد بن المخبس الخلاطي وغيرهم‏.‏

عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية سقت حديثهم ورددت من بعضه على بعض قالوا‏:‏ كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الرابعة وكانت كوره البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغر وند تدعى أرمينية الثالثة وكانت جرزان تدعى أرمينية الثانية وكانت السبسجان وأران تدعى أرمينية الأولى‏.‏

ويقال‏:‏ كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة‏.‏

وكانت قاليقلا وخلاط وارجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة وسراج طير وبغر وند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية وسيسجان وأران وتفليس تدعى أرمينية الأولى‏.‏

وكانت جرذان وأران في أيدي الخزر وسائر أرمينية في أيدي الروم يتولاها صاحب أرمينيا قس‏.‏

وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور‏.‏

فوجه قباذ بن فيروز الملك قل ئد من عظماء قواده في أثني عشر ألفًا فوطئ بلاد أران وفتح ما بين النهر الذي يعرف بالرس إلى شر وان‏.‏

ثم إن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان ومدينة برذعة وهي مدينة الثغر كله ومدينة قبلة وهي الخزر‏.‏

ثم بنى سد اللبن فيما بين أرض شروان وباب الللان وبنى على سد اللبن ثلاث مئة وستين مديتة خربت بعد بناء الباب والأبواب‏.‏

ثم إنه ملك بعد قباذ ابنه أنو شروان كسرى بن قباذ فبنى الشابران ومدينة مسقط ثم بنى مدينة الباب والأبواب‏.‏

وإنما سميت أبوابًا لأنها بنيت على طريق في الجبل‏.‏

وأسكن ما بنى من هذه المواضع قومًا سماهم السياسيجين‏.‏

وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية وهم أمة يزعمون أنهم من بني دودان بن أسد بن خزيمة وبني الدرذقية وهي اثنا عشر بابًا وكل باب منها قصر من حجارة وبنى بأرض جرزان مدينة يقال لها سغدبيل أنزلها قومًا من السغد وأبناء فارس وجعلها مسلحة وبنى مما يلي الروم في بلاد جرزان قصرًا يقال له باب فيروز قباذ وقصرًا يقال له باب لاذقة وقصرًا يقال له باب بارقة وهو على بحر طرابز نده وبنى باب الآن وباب سمسخى وبنى قلعة الجردمان وقلعة شمشلدى‏.‏

وفتح أبو شروان جميع ما كان في أيدي الروم من أرمينية وعمر مدينة دبيل وحصنها وبنى مدينة النشوى وهي مدينة كوره البسفرجان وبنى حصن ويص وقلاعًا بأرض السيسجان منها قلعة الكلاب وساهيونس وأسكن هذه الحصون والقلاع ذوى البأس والنجدة في سياسيجية‏.‏

ثم إن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله ألموا دعة والصلح وأن يكون أمرهما واحدًا وخطب إليه ابنته ليؤنسه وذكر أنها ابنته‏.‏

فهدى التركي ابنته إليه‏.‏

ثم قدم عليه فالتقيا بالبرشلية وتنادما أيامًا وأنس كل واحدٍ منهما بصاحبه وأظهر بره وأمر أنوشروان جماعةً من خاصته وثقاته أن يبيتوا طرفًا من عسكر التركي ويحرقوا فيه ففعلوا‏.‏

فلما أصبح شكا ذلك إلى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحدًا من أصحابه فعله‏.‏

ولما مضت لذلك ليالٍ أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الذي كان منهم ففعلوا‏.‏

فضج التركي من فعلهم حتى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن‏.‏

ثم إن أنوشروان أمر فألقيت النار في ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قد اتخذت من حشيش وعيدان فلما أصبح ضج أنوشروان إلى التركي وقال‏:‏ كاد أصحابك يذهبون بعسكري وقد كان فأتني بالظنة‏.‏

فحلف أنه لم يعلم لشيء مما كان سببًا‏.‏

فقال أنوشروان‏:‏ يا أخي‏!‏ جندنا وجندك قد كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم من النيل في الغارات والحروب التي كانت تكون بيننا ولا آمن أن يحدثوا أحداثًا تفسد قلوبنا بعد صافينا وتخالصنا حتى نعود إلى العداوة بعد الصهر والمودة والرأي أن تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك ونجعل عليه بابًا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا‏.‏

فأجابه إلى ذلك‏.‏

فانصرف إلى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاث مئة ذراع وألحقه برؤوس الجبال وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وبتغريقها في البحر حتى إذا ظهرت على وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال‏.‏

فلما فرغ من بنائه علق على المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إلى خمسين ألفًا من الجند وجعل عليه دبابة فقيل لخاقان بعد ذلك‏:‏ إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك‏.‏

فلم يقدر على حيلة‏.‏

وملك أنوشروان ملوكًا رتبهم وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية‏.‏

فمنهم خاقان الجبل وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه ومنهم ملك فيلان وهو قيلا نشاه ومنهم طبرسرانشاه وملك اللكز ويدعى جرشا نشاه وملك مسقط وقد بطلت مملكته وملك ليران ويدعى ليرانشاه وملك شروان ويدعى شروانشاه وملك صاحب بخ على بخ وصاحب زريكران عليها وأقر ملوك جبل القيق على ممالكهم وصالحهم على الإتاوة‏.‏

فلم تزل أرمينية في أيدي الفرس حتى ظهر الإسلام فرفض كثير من السياسيجين حصونهم ومدائنهم حتى خربت وغلب الخزر والروم على ما كان في أيديهم بديًا‏.‏

قالوا‏:‏ وقد كانت أمور الروم تشتتت في بعض الأزمنة وصاروا كملوك الطوائف‏.‏

فملك أرمنياقس رجلٌ منهم ثم مات فملكتها بعده امرأته وكانت تسمى قالى‏.‏

فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله ومعنى ذلك إحسان قالى‏.‏

قال‏:‏ وصورت على باب من أبوابها فأعربت العرب قاليقاله فقالوا‏:‏ قاليقلا‏.‏

قالوا‏:‏ ولما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى معاوية وهو عامله على الشام والجزيرة وثغورها يأمره أن يوجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية‏.‏

وكان حبيب ذا أثرٍ جميلٍ في فتوح الشام وغزو الروم قد علم ذلك منه عمر ثم عثمان رضي الله عنهما ثم من بعده‏.‏

ويقال بل كتب عثمان إلى حبيب يأمره بغزو أرمينية وذلك أثبت‏.‏

فنهض إليها في ستة آلاف ويقال في ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة‏.‏

فأتى قاليقلا فأناخ عليها وخرج اليه أهلها فقاتلهم ثم ألجأهم إلى المدينة فطلبوا الأمان على الجلاء والجزية فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم‏.‏

وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرًا‏.‏

ثم بلغه أن بطريق أرمنياقس قد جمع للمسلمين جمعًا عظيمًا وانضمت اليه إمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر من الخزر فكتب إلى عثمان يسأله المدد فكتب إلى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قومًا ممن يرغب في الجهاد والغنيمة‏.‏

فبعث إليه معاوية ألفى رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم بها القطائع وجعلهم مرابطة بها‏.‏

ولما ورد على عثمان كتاب حبيب كتب إلى سعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص بن أمية وهو عامله على الكوفة يأمره بإمداده بجيش عليه سليمان ابن ربيعه الباهلي وهو سلمان الخيل‏.‏

وكان خيرًا فاضلًا غزاء‏.‏

فسار سلمان الخيل اليه في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا على الفرات وقد أبطأ على حبيب المدد فبتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم‏.‏

وقالت أم عبد الله بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له‏:‏ أين موعدك قال‏:‏ سرادق الطاغية أو الجنة فلما انتهى إلى السرادق وجدها عنده‏.‏

قالوا‏:‏ ثم إن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم ففي الغنيمة فلم يفعلوا حتى تغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل‏.‏

قال الشاعر‏:‏ إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل وكتبا إلى عثمان بذلك فكتب‏:‏ إن الغنيمة باردة لأهل الشام‏.‏

وكتب إلي سلمان يأمره بغزو أران‏.‏

وقد روى بعضهم أن سلمان بن ربيعة توجه إلى أرمينية في خلافة عثمان فسبى وغنم وانصرف الى الوليد بن عقبة وهو بحديثه الموصل سنة خمس وعشرين‏.‏

فأتاه كتاب عثمان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قد اجلبوا على المسلمين بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل فوجه بهم وعليهم سلمان بن ربيعة الباهلي ووجه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري معه في مثل تلك العدة فافتتحا حصونًا وأصابا سبيًا وتنازعا الأمارة وهم أهل الشام بسلمان فقال الشاعر‏:‏ إن تقتلوا البيت‏.‏

والخبر الأول أثبت حدثني به عدة من مشايخ أهل قاليقلا وكتب إلى به العطاف بن سفيان أبو الأصبغ قاضيها‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ حاصر حبيب بن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها‏.‏

فلقيه الموريان الرومي فبيته وقتله وغنم ما كان في عسكره ثم قدم سلمان عليه‏.‏

والثبت عندهم أنه لقيه بقاليقلا‏.‏

وحدثني محمد بن بشر وابن ورز المالبان‏.‏

عن مشايخ أهل قاليقلا قالوا‏:‏ ام تزل مدينة قاليقلا منذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حتى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى من بها من المسلمين إلى الجزيرة‏.‏

ثم نزل مرج الحصى فوجه كوسان الأرمني حتى أناخ على قاليقلا فحصرها وأهلها يومئذ قليل وعاملها أبو كريمة‏.‏

فنقب أخوان من الأرمن من أهل المدينة قاليقلا ردمًا كان في سورها وخرجا إلى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها وسبى وهدمها وساق ما حوى إلى الطاغية وفرق السبي على أصحابه‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ لما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة فادى المنصور بمن كان حيًا من أسارى أهل قاليقلا وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جندًا من أهل الجزيرة وغيرهم‏.‏

وقد كان طاغية الروم خرج إلى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حتى كاد يسقط فأنفق المعتصم عليها خمس مئة ألف درهم حتى حصنت‏.‏

قالوا‏:‏ ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حتى نزل مر بالا فأتاه بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم‏.‏

وكان عياض قد أمنه على نفسه وماله وبلاده وقاطعه على إتاوة فانفذه حبيب له ثم نزل منزلًا بين الهرك ودشت الورك فأتاه بطريق خلاط بما عليه من المال وأهدى له هدية لم يقبلها منه ونزل خلاط ثم سار منها إلى الصسانة كذا فلقيه بها صاحب مكس وهي ناحية من نواحي البسفرجان فقاطعه على بلاده ووجه معه رجلًا وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إلى قرى أرجيش وباجنيس من غلب عليها وجبى جزية رؤوس أهلها وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها فأما بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حتى ولى محمد بن مروان بن الحكم الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه فكان يستغلها‏.‏

ثم صارت لمروان بن محمد فقبضت عنه‏.‏

قال‏:‏ ثم سار حبيب وأتى أزد ساط وهي قرية القرمز وأجاز نهر الأكراد ونزل مرج دبيل فسرت الخيول إليها ثم زحف حتى نزل على بابها فتحصن أهلها ورموه فوضع عليها منجنيقًا ورماهم حتى طلبوا الأمان والصلح فأعطاهم إياه وجالت خيوله فنزلت جرنى وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل كونته ووادي الأحرار وغلبت على جميع قرى دبيل ووجه إلى سراج طير وبغر وند فأتاه بطريقها فصالحه عنها على اتاوه يؤديها وعلى مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم على أعدائهم‏.‏

وكان كتاب صلح دبيل‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لنصارى أهل دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم‏.‏

إني أمنتكم على أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون وعلينا الوفاء لكم بالعهد ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج شهد الله وكفى بالله شهيدا‏.‏

وختم حبيب ابن مسلمة ‏.‏

ثم أتى حبيب النشوى فتحها على مثل صلح دبيل وقدم عليه بطريق البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده وأرضى هصالمة كذا وافارستة كذا على خرج يؤديه في كل سنة ثم أتى السيسجان فحاربهم أهلها فهزمهم وغلب على ويص وصالح أهل القلاع بالسيسجان على خرج يؤدونه ثم سار إلى جرزان‏.‏

حدثني مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بن عبد الله قالوا‏:‏ سار حبيب بن مسلمة بمن معه يريد جرزان‏.‏

فلما انتهوا إلى ذات اللجم سرحوا بعض دوابهم وجمعوا لجمها‏.‏

فخرج عليهم قوم من العلوج فأعجلوهم عن الإلجام فقاتلوهم فكشفهم العلوج وأخذوا تلك اللجم وما قدروا عليه من الدواب‏.‏

ثم إنهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم فسمى الموضع ذات اللجم‏.‏

قالوا‏:‏ وأتى حبيبًا رسول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها فأدى إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم فكتب حبيب إليهم‏:‏ أما بعد فإن نقلى رسولكم قدم على وعلى الذين معي من المؤمنين فذكر عنكم‏.‏

إنا أمة أكرمنا الله وفضلنا وكذلك فعل الله وله الحمد كثيرًا وصلى الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه وعليه السلام‏.‏

وذكرتم أنكم أحببتم سلمنا وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم وكتبت لكم أمانًا واشترطت فيه شرطًا فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والسلام على من اتبع الهدى ‏.‏

ثم ورد تفليس وكتب لأهلها صلحًا‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل طفليس من منجليس من جرزان القرمز بالأمان على أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم على إقرار بالصغار والجزية على كل أهل بيت الدار وليس لكم أن تجمعوا بين أهل البيوتات تخفيفًا للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثارًا منها ولنا نصيحتكم وضلعكم على أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعتم وقرى المسلم المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل الكتاب لنا وإن انقطع برجل من المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إلى أدنى فئة من المؤمنين إلا أن يحال دونهم وإن أبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا في الدين وإلا فالجزية عليكم وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك ولا هو ناقص عهدكم‏.‏

هذا لكم وهذا عليكم‏.‏

شهد الله وملائكته وكفى بالله وكتب الجراح بن عبد الله الحكمى لأهل تفليس كتابًا نسخته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الجراح بن عبد الله لأهل تفليس من رستاق منجليس من كوره جرزان‏.‏

انه أتوني بكتاب أمان لهم من حبيب بن مسلمة على الإقرار بصغار الجزية وأنه صالحهم عن أرضين لهم وكرومٍ وأرحاء يقال لها أوارى وسابينا من رستاق منجليس وعن طعام ود يدونا من رستاق قحويط من كوره جرزان على أن يؤدوا عن هذه الأرحاء والكروم في كل سنة مئة درهم بلا ثانية‏.‏

فأنفت لهم أماتهم وصلحهم وأمرت ألا يزاد عليهم فمن قرى عليه كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء الله وكنب ‏.‏

قالوا‏:‏ وفتح حبيب حوا رح وكسفر مس كذا وكسال وحنان وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت صلحًا على حقن دماء أهلها وإقرار مصلياتهم وحيطانهم وعلى أن يؤدوا إتاوة عن أرضهم ورؤوسهم‏.‏

وصالح أهل قلرجيت وأهل ثريا ليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال وباب اللال وصالح الصنارية والد ودانية على إتاوة‏.‏

قالوا‏:‏ وسار سلمان بن ربيعة الباهلي حين أمره عثمان بالمسير إلى أران ففتح مدينة البيلقان صلحًا على أن أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم أداء الجزية والحراج‏.‏

ثم أتى سلمان برذعة فعسكر على الثر ثور وهو نهر منها على أقل من فرسخ فأغلق أهلها دونه أبوابهم فعاناها أيامًا وشن الغارات في قراها وكانت زروعها مستحصدة فصالحوه على مثل صلح البيلقان وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها‏.‏

ووجه خيله ففتحت شفشين والمسفوان وأوذ والمصربان كذا والهرحليان وتبار وهي رسانيق وفتح غيرها من اران ودعا أكراد البلاسجان إلى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل‏.‏

وحدثني جماعة من أهل برذاعة قالوا‏:‏ كانت شمكور مدينة قديمة فوجه سلمان بن ربيعة الباهلي من فتحها‏.‏

فلم تزل مسكونة معمورة حتى أخربها السار ودية وهم قوم تجمعوا في أيام انصرف يزيد بن أسيد عن أرمينية فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم‏.‏

ثم إن بغا مولى المعتصم بالله رحمه عمرها في سنة أربعين ومائتين وهو والي أرمينية وأذربيجان وشمشاط وأسكنها قومًا خرجوا إليه من الخزر مستأمنين لرغبتهم في الإسلام ونقل إليها التجار من برذغة وسماها المتوكلة‏.‏

قالوا‏:‏ وسار سلمان إلى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر الكر ففتح قبلة وصالحه صاحب شكن والقميبران على إتاوة‏.‏

وصالحه أهل خيزان وملك شر وان وسائر ملوك الجبال وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب‏.‏

ثم أغلقت بعده ولقيه خاقان في خيوله خلف نهر البلنجر فقتل رحمه الله في أربعة آلاف من المسلمين فكان يسمع في مأزقهم التكبير‏.‏

وكان سلمان بن ربيعة أول من استقضى بالكوفة أقام أربعين يومًا لا يأتيه خصم وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

وفي سلمان وقتيبة بن مسلم يقول ابن جمانة الباهلي‏:‏ وإن لنا قبرين قبر بلنجرٍ وقبرٌ بصين استان يالك من قبر فذاك الذي بالصين عمت فتوحه وهذا الذي يسقى به سبل القطر وكان مع سلمان بيلنجر قرظة بن كعب الأنصاري وهو جاء بنعيه إلى عثمان‏.‏

قالوا‏:‏ ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إلى عثمان بن عفان فوافاه كتابه وقد نعى إليه سلمان فهم أن يوليه جميع أرمينية ثم رأى أن يجعله غازيًا بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك فولى ثغر أرمينية حذيفة من اليمان العيسى‏.‏

فشخص إلى برذغة ووجه عماله على ما بينها وبين قاليقلا وإلى جيزان فورد عليه كتاب عثمان يأمره بانصراف وتخليف صلة بن زفر العبسي وكان معه‏.‏

فخلفه وسار حبيب راجعًا إلى الشام‏.‏

وكان يغزو الروم‏.‏

ونزل حمص فنقله معاوية إلى دمشق فتوفى بها سنة اثنتين وأربعين وهو ابن خمس وثلاثين سنة‏.‏

وكان معاوية وجه حبيبًا في جيش لنصرة عثمان حين حوصر فلما انتهى إلى وادي القرى قالوا‏:‏ وولى عثمان المغيرة بن شعبة أذربيجان وأرمينية ثم عزله وولى القاسم بن ربيعه بن أمية بن أبي الصلت الثقفى أرمينية ويقال ولاها عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ وليها رجل من بني كلاب بعد المغيرة خمسة عشر سنة ثم وليها العقيلى‏.‏

وولى الشعث بن قيس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أرمينية وأذربيجان ثم وليها عبد الله بن حاتم بن النعمان أخوه فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها وبنى مدينة النشوى ورم مدينة برذعة ويقال إنه جدد بناءها وأحكم حفر الفارقين حولها وجدد بناء مدينة البيلقان وكانت هذه المدن متشعثة مستهدمة‏.‏

ويقال إن الذي جدد بناء برذعة محمد بن مروان في أيام عبد الملك بن مروان وقال الواقدي‏:‏ بنى عبد الملك مدينة برذغة على يد حاتم بن النعمان الباهلي أو ابنه وقد كان عبد الملك ولى عثمان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أرمينية‏.‏

قالوا‏:‏ ولما كانت فتنة ابن الزبير انتقضت أرمينية وخالف أحرارها وأتباعهم‏.‏

فلما ولي محمد بن مروان من قبل أخيه عبد الملك أرمينيا حاربهم فظفر بهم فقتل وسبى وغل على البلاد‏.‏

ثم وعد من بقي منهم أن يعرض لهم في الشرف فاجتمعوا لذلك في كنائس من عمل خلاط فاغلقها عليهم ووكل بأبوابها ثم حرقهم‏.‏

وفي تلك الغزاة سبيت أم يزيد بن أسيد من السيسجان وكانت بنت بطريقها‏.‏

قالوا‏:‏ وولى سليمان بن عبد الملك أرمينيا عدي بن عميرة الكندي‏.‏

وكان عدي بن عميرة ممن نزل الرقة مفارقًا لعلي بن أبي طالب ثم ولاه أياها عمر بن عبد العزيز وه صاحب نهر عدي بالبيلقان‏.‏

وروى بعضهم أن عامل عمر كان حاتم بن النعمان وليس ذلك يثبت‏.‏

ثم ولى يزيد بن عبد الملك معلق بن صفار البهراني ثم عزله وولى الحارث بن عمر الطائي‏.‏

فغزا أهل اللكز ففتح رستاق وحسمدان‏.‏

وولى الجراح ابن عبد الله الحكمي من مذحج أرمينيا فنزل برزعة فرفع إليه اختلاف مكايلها وموازينها فأقامها على العدل والوفاء واتخذ مكيالًا يدعى الجراحي فأهلها يتعاملون به إلى اليوم‏.‏

ثم إنه عبر الكر وسار حتى قطع النهر المعروف بالسمور وصار الى الخزر فقتل منهم مقتل عظيمًا وقاتل أهل بلاد حمزين ثم صالحهم على أن نقلهم إلى رستاق جيزالا وجعل لهم قريتين منه وأوقع بأهل غوميك وسبى منهم ثم قفل فنزل شكى وشتى جنه ببرزعة والبيلقان‏.‏

وجاشت الخزر وعبرت الرس فحاربهم في صحراء ورثان ثم انحازوا الى ناحية اردبيل قواقعهم على أربعة فراسخ مما يلي أرمينيا فاقتتلوا ثلاثة أيام فاستشهد ومن معه فسمي ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عليه الى الجراح أيضًا‏.‏

ثم إن هشام بن عبد الملك ولى مسلمة بن عبد الملك أرمينيا ووجه على مقدمته سعيد بن عمر بن أسود الجرشي ومعه إسحاق بن مسلم العقيلي واخوته وجعونة ابن الحارث بن خالد أحد بني عامر بن ربيعة بن صعصعة وزفافة وخالد ابنا عمير بن الحباب السلمي والفرات بن سلمان الباهلي والوليد بن القعقاع العبسي‏.‏

فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان فكشفهم عنها وهزمهم‏.‏

فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان فلما تهيئة لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بن عبد الملك يلومه على قتاله الخزر قبل قدومه ويعلمه أن قد ولى أمر عسكره عبد الملك بن مسلم العقيلي‏.‏

فلما سلم العسكر أخذه رسول مسلمة فقيده وحمله إلي برذعة فحبس في سجنها وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إلى هشام فكتب إليه‏:‏ اتتركهم بميمذ قد تراهم وتطلبهم بمنقطع التراب وأمر بإخراج الجرشي من السجن‏.‏

قالوا‏:‏ وصالح مسلمة أهل جيزان وأمر بحصنها فهدم واتخذ لنفيه به ضياعًا وهي اليوم تعرف بحوز جيزان‏.‏

وسألمه ملوك الجبال فصار إليه شروان شاه وليران شاه وطبرسران شاه وفيلان شاه وجرشان شاه وصار إليه صاحب مسقط‏.‏

وصمد لمدينة الباب ففتحها وكان في قلعتها ألف بيت من الخزر فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثم بحديد اتخذه على هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك‏.‏

فعمد الى العين التي كان أنو شروان أجرى منها الماء إلى صهريج هم فذبح البقر والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيث فلم يمكث ماؤهم الا لليلة حتى دود وانتن وفسد‏.‏

فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة‏.‏

وأسكن مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب والأبواب أربعة وعشرين ألفًا من أهل الشام على العطاء فأهل الباب اليوم لا يدعون عامل يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم‏.‏

وبنى هريًا للطعام وهريًا للشعير وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها وكان محمد بن مروان مع مسلمة وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالًا شديدًا‏.‏

ثم ولى هشام بعد مسلمة سعيد الجرشي فأقام بالثغر سنتين ثم ولى الثغر مروان بن محمد فنزل كسال وهو بنى مدينتها وهي من برذعة على أربعين فرسخًا ومن تفليس على عشرين فرسخًا‏.‏

ثم دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان وأدخلها أسيد بن زافر السلمي أبا يزيد ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب وألا بواب‏.‏

فأغار مروان على صقالبة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت فأسكنهم خاخيط‏.‏

ثم إنهم قتلوا أميرهم فلحقهم وقتلهم‏.‏

قالوا‏:‏ ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطىء به مروان بلاده من الرجال وما هم عليه من عدتهم وقوتهم نخب ذلك قبله وملأه رعبًا‏.‏

فلما دنا منه أرسل إليه رسولًا يدعوه إلى الإسلام أو الحرب فقال‏:‏ قد قبلت الإسلام فأرسل إلى من يعرضه علي‏.‏

ففعل فأطهر الإسلام ووادع مروان على أن أقره في مملكته‏.‏

وسار مروان معه بخلق من الخزر فأنزلهم ما بين السمور والشابران في سهل أرض اللكز‏.‏

ثم إن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعًا فيها ودان له ملك السرير وأطاعه فصالحه على ألف رأس‏:‏ خمس مئة غلام وخمس مئة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار كل سنة‏.‏

وعلى مئة ألف مدى تصب في أهراء الباب وأخذ منه الرهنة‏.‏

وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس‏:‏ خمسين جارية وخمسين غلام خماسيين سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار وعشرين ألف مدى للأهراء في كل سنة‏.‏

ثم دخل أرض زريكران فصالحه ملكها على خمسين رأسًا وعشرة آلاف مدى للأهراء في كل سنة‏.‏

ثم أتى أرض حمزين فأبى حمزين أن يصالحه فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهرًا فاحرق وأخرب وكان صلحه إياه على خمس مئة رأس يؤدونها دفعة واحدة ثم لايكون عليه سبيل وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إلى أهراء الباب في كل سنة‏.‏

ثم أتى سندان فافتتحا صلحًا على مئة رأسٍ يعطيه إياها صاحبها دفعة ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل وعلى أن يحمل في كل سنة إلى أهراء الباب خمسة آلاف مدى‏.‏

ووظف على أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل إلى أهراء الباب‏.‏

ولم يوظف على فيلانشاه شيئًا وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه وإحماده أمره‏.‏

ثم نزل مروان على قلعة الكر وقد امتنع من أداء شيء من الوظيفة‏.‏

وخرج يريد صاحب الخزر فقتله راعٍ بسهم رماه به وهو لا يعرفه‏.‏

فصالح أهل اللكز على عشرين ألف مدى تحمل إلى الأهراء وولى عليهم خشرمًا السلمى‏.‏

وسار مروان إلى قلعة صاحب شروان وهي تدعى خرش وهي على البحر فأذعن بالطاعة والانحدار إلى السهل‏.‏

وألزمهم عشرة آلاف مدى في كل سنة‏.‏

وجعل على صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون بغزو الخزر وفي الساقة إذا بدءوا وفي المقدمة إذا انصرفوا‏.‏

وسار مروان إلى الدودانية فأوقع بهم‏.‏

ثم جاءه قتل الوليد بن يزيد وخالف عليه ثابت بن نعيم الجذامى وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك الخارجي فوافقه على رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان‏.‏

وأتى أردبيلٍ مستخفيًا فخرج معه قوم من الشراة منها وأتوا باجروان فوجدوا بها قومًا يرون رأيهم فانضموا إليهم فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا على مثل رأيهم وعبروا إلى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا على مثل رأيهم‏.‏

ثم نزل يونان كذا وولى مروان بن محمد إسحاق بن مسلم أرمينية فلم يزل يقاتل مسافرًا وكان في قلعة الكلاب بالسيسجان‏.

ثم لما جاءت الدولة المباركة

وولى أبو جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية في خلافة السفاح أبي العباس رحمه الله وجه إلى مسافر وأصحابه قائدًا من أهل خرا سان فقاتلهم حتى ظفر بهم وقتل مسافرًا‏.‏

وكان أهل البيلقان متحصنين في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بن أصفر البيلقاني ولما استخلف المنصور رحمه الله ولى يزيد أسيد السلمى أرمينية ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان ودوخ الصناربة حتى أدوا الخراج‏.‏

فكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل‏.‏

وولدت له ابنته منه ابنًا فمات وماتت في نفاسها‏.‏

وبعث يزيد إلى نفاطة أرض شروان وملاحاتها فجباها ووكل بها‏.‏

وبنى يزيد أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين‏.‏

حدثني محمد بن إسماعيل عن جماعة من مشايخ أهل برذعة قالوا‏.‏

الشماخية التي في عمل شروان نسبت إلى الشماخ بن شجاع فكان ملك شروان في ولاية سعيد بن سالم الباهلي أرمينية‏.‏

وحدثني محمد بن إسماعيل عن المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الحسن بن قحطبة الطائي بعد عزل ابن أسيد وبكار بن مسلم العقبلى‏.‏

وكان رئيسهم موشائيل الأرميني‏.‏

فبعث إليه المنصور رحمه الله الإمداد وعليهم عامر بن إسماعيل‏.‏

فواقع الحسن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور‏.‏

وهو الذي نسب إليه نهر الحسن بالبيلقان والباغ إلى يعرف بباغ الحسن ببرذعة والضياع المعروفة بالحسنية‏.‏

وولى بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم ثم روح ابن حاتم المهلبي ثم خزيمة بن خازم ثم يزيد بن مزيد الشيباني ثم عبيد الله ابن المهدي ثم الفضل بن يحيى ثم سعيد بن سالم ثم محمد بن يزيد بن مزيد وكان خزيمة أشدهم ولايةً وهو الذي سن المساحة بدبيل والنشوى ولم يكن قبل ذلك ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمى كل واحد منهم ناحيته فإذا قدم الثغر عاملٌٌ من عماله داروه فإن رأوا منه عفة وصرامةً وكان في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنوا له بالطاعة وإلا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره ووليهم خالد بن يزيد بن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم على من بعده من عمال المأمون‏.‏

ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن علي الباذغيسى المعروف بالمأموني الثغر فأهمل بطارقته وأحراره ولان لهم حتى ازدادوا فسادًا على السلطان وكلبًا على من يليهم من الرعية‏.‏

وغلب إسحاق بن إسماعيل بن شعيب مولى بني أمية على جرزان ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر بن كاوس الأفشين على أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه‏.‏

ثم ولى أرمينية عمالٌ كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور‏.‏

ثم إن أمير المؤمنين المتوكل على الله ولى يوسف بن محمد بن يوسف المروزى أرمينية لسنتين من خلافته‏.‏

فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط بن أشوط فحمله إلى سرمن رأى فأوحش البطارقة والأحرار والمنغلبة ذلك منه‏.‏

ثم إنه عمد عامل له يقال له العلاء بن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الأقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدى إليه فأخذ منه جميع ماكان فيه وعسف أهله فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضًا على بعض على الخلاف والنقض ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان في الثوب بيوسف وحرضوهم عليه لما كان من حمله بقراط بطريقهم ووجه كل امرءٍ منهم ومن المتغلبة خيلًا ورجالًا ليؤيدوهم على ذلك فوثبوا به بطرون وقد فرق أصحابه في القرى فقتلوه واحووا على ماكان في عسكره فولى أمير المؤمنين المتوكل على الله بغا الكبير أرمينية فلما صار إلى بد ليس أخذ موسى بن زرارة وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضبًا لبقراط وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى سبيًا كثيرًا ثم حاصر أشوط ابن حمزة بن جاجق بطريق البسفرجان وهو بالباق فاستنزله من قلعته وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان فظفر بإسحاق بن إسماعيل فقتله صبرًا وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية ممن بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم حتى صلح ذلك الثغر صلاحًا لم يكن على مثله ثم قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين‏.‏

قالوا‏:‏ وكلن عمر بن العاص حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك ثم استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بن أبي سفيان ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمس مئة‏.‏

فغضب عمر لذلك وكتب إيه يوبخه ويعنفه على افتياته عليه برأيه وأمره بالرجوع إلى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر‏.‏

فورد الكتاب عليه وهو بالعريش‏.‏

وقيل أيضًا إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص يأمره بالشخوص إلى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية وكان الذي أتاه شريك بن عبدة فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها فسأله أن يستر ذاك ولا يخبر به عمر‏.‏

قالوا‏:‏ وكان مسير عمر إلى مصر في سنة تسع عشرة‏.‏

فنزل العريش ثم أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال‏.‏

فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى قدمًا إلى الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط‏.‏

وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطًا لأنهم قالوا‏:‏ هذا فسطاط القوم ومجمعهم‏.‏

وقم يقولون إن عمرًا ضرب بها فسطاطًا فسميت بذلك‏.‏

قالوا‏:‏ ولم يلبث عمرو بن العاص وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عليه الزبير بن خويلد في عشرة آلاف ويقال في أثنى عشر ألفًا فيهم خارجة بن حذافة العدوى وعمير بن وهب الجمحي‏.‏

وكان الزبير قد هم بالغزو وأراد إتيان إنطاكية فقال له عمر يا أبا عبد الله هل لك في ولاية مصر فقال‏:‏ لا حاجة لي فيها ولكنى أخرج مجاهدًا وللمسلمين معاونا فإن وجدت عمرًا قد فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته في جهادٍ كنت معه‏.‏

فسار على ذلك‏.‏

قالوا‏:‏ وكان الزبير يقاتل من وجهٍ وعمرو بن العاص من وجه ثم إن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن وهو مجرد سيفه فكبر وكبر المسلمون واتبعوه‏.‏

ففتح الحصن عنوةً واستباح المسلمون ما فيه وأقر عمرو أهله على أنهم ذمة ووضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم‏.‏

وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجازه واختط الزبير بمصر وابتنى دارًا معروفة وإياها نزل عبد الله بن الزبير حين غزا إفريقية مع البن أبي سرح‏.‏

وسلم الزبير باقٍ في مصر‏.‏

وحدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام بعث إل مصر‏.‏

فقيل له‏:‏ إن بها الطعن والطاعون‏.‏

فقال‏:‏ إنم جئنا للطعن والطاعون‏.‏

قال‏:‏ فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها‏.‏

وحدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثني عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر ومعه ثلاثة آلاف وخمس مئة‏.‏

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أشفق لما أخبر به من أمرها فأرسل الزبير بن العوام في أثنى عشر ألفًا فشهد الزبير فتح مصر واختط بها‏.‏

وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة عن سفيان بن وهب الخولاني قال‏:‏ لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال‏:‏ اقسمها يا عمرو‏.‏

فأبى فقال الزبير‏:‏ والله لنقسنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فكتب عمرو إلى عمر في ذلك‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة‏.‏

قال‏:‏ وقال عبد الله بن وهب وحدثني ابن لهيعة عن خالد بن ميمون عن عبد الله ابن المغيرة عن سفيان بن وهب بنحوه‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر في ثلاثة آلاف وهمس مئة‏.‏

وكان عمر قد أشفق من ذلك فأرسل الزبير بن العوام في أثنى عشر ألف فشهد معه فتح مصر‏.‏

قال‏:‏ فاختط الزبير بمصر والإسكندرية خطتين‏.‏

وحدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‏:‏ اشتبه على الناس أمر مصر فقال قوم‏:‏ فتحت عنوةً وقال آخرون‏.‏

فتحت صلحًا والثلج في أمرها أن أبي قدمها فقاتله أهل اليونة ففتحها قهرًا وأدخلها للمسلمين وكان الزبير أول من علا حصنها‏.‏

فقال صاحبها لأبي‏:‏ إنه قد بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية على النصارى واليهود وإقراركم الأرض من أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها‏.‏

فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا‏.‏

قال‏.‏

فاستشار أبي المسلمين فأشار عليه بأن يفعل ذلك إلا نفرًا منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع على كل حالمٍ دينارين جزية إلا أن يكون فقيرًا‏.‏

وألزم كل ذى أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطى زيت وقسطى عسل وقسطى خل رزقًا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم‏.‏

وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسًا أو عمامةً وسراويل وخفين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبًا قبطيًا وكتب عليهم بذلك كتابًا وشرط لهم إذت وفوا بذلك أن لاتباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم‏.‏

فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر فأجازه وصارت الأرض أرض خراج إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحًا‏.‏

قال‏:‏ ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر على مثل صلح اليونة‏.‏

فرضوا به وقالوا‏:‏ هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا بهذا فنجن به أقنع لأننا فرش لا منعة لنا‏.‏

ووضع الخراج على أرض مصر فجعل على كل جريب دينارًا وثلاثة أرداب طعامًا وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صالح عمرو بن العاص على أن يسير من الروم من أراد ويقر من أراد الإقامة من الروم على أمرٍ سماه وأن يفرض على القبط دينارين فبلغ ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش فأغلقوا باب الإسكندرية وآذنوا عمرًا بالحرب فخرج إليه لنقوقس فقال‏:‏ أسألك ثلاثًا‏:‏ أن لا تبذل للروم مثل الذي بذلت لي فإنهم قد استغشوني وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم وإن مت فمر بدفني في كنيسةٍ بالإسكندرية ذكرها‏.‏

فقال عمرو‏:‏ هذه أهونهن علي‏.‏

وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم‏.‏

والقرى‏:‏ بلهيت والخيس وسلطيس‏.‏

فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة‏.‏

وكان لهم عهد لم ينقضوه‏.‏

وكتب عمرو بفتح الإسكندرية إلى عمر‏:‏ أما بعد فإن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوةً قسرًا بغير عهد ولا عقد ‏.‏

وهي كلها صلح في قول يزيد بن أبي حبيب‏.‏

عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفى ألف وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلاف ألف فقال عثمان لعمرو‏:‏ إن اللقاح بمصر بعدك قد درت ألبانها‏.‏

قال‏:‏ ذاك لأنكم أعجفتم أولادها‏.‏

قال‏:‏ وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاص يعلمه ما فيه أهل المدينة من الجهد ويأمره أن يحمل ما يفيض من الطعام في الخراج إلى المدينة في البحر‏.‏

فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت‏.‏

فإذا ورد الجار تولى قبضه سعد الجار‏.‏

ثم حمل في دار بالمدينة وقسم بين الناس بمكيال فانقطع ذلك في الفتنة الأولى ثم حمل في أيام معاوية ويزيد ثم انقطع إلى زمن عبد الملك بن مروان ثم لم يزل يحمل إلى خلافة أبي جعفر أو قبيلها‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثني أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن أهل الجزية بمصر صولحوا في خلافة عمر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل على دينارين دينارين‏.‏

فألزم كل رجل أربعة دنانير فرضوا بذلك وأحبوه‏.‏

وحدثني أبو أيوب الرقى قال‏:‏ حدثني عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الجيشاني قال‏:‏ سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عمرو ابن العاص لما فتح القسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمى إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم القسطاط‏.‏

ووجه حارجة بن حذافة الدوي إلى الفيوم والأشمونين وإخميم والبشرودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك‏.‏

ووجه عمير بن وهب الجمحي إلى تنيس ودمياط وتونة ودميرة وشطا ودقهلة وبنا وبوصير ففعل مثل ذلك‏.‏

ووجه عقبة بن عامر الجهنى ويقال وردان مولاه صاحب سوق وردان بمصر إلى سائر قرى أسفل الرض ففعل مثل ذلك‏.‏

فاستجمع عمرو بن العاص فتح مصر فصارت أرضها أرض خراج‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبي العالية عن أبيه قال‏:‏ سمعت عمرو بن العاص يقول على المنبر‏:‏ لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحدٍ من قبط مصر علي عهد ولا عقد‏.‏

إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدًا يوفى لهم به‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثني به عبد الله بن صالح عن موسى بن علي بن رباح اللخمى عن أبيه قال‏:‏ المغرب كله عنوة‏.‏

عن الصلت بن أبي عاصم كاتب حيان بن شريح أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان وكان عامله على مصر أن مصر فتحت عنوةً بغير عهد ولا عقد‏.‏

وحدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر قال‏:‏ كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد على كل امرئ من القبط قيراطًا‏.‏

فكتب إليه‏:‏ كيف أزد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال‏:‏ سمعت عروة بن الزبير يقول‏:‏ أقمت بمصر سبع سنين وتزوجت بها فرأيت أهلها مجاهيد قد حمل عليهم فوق طاقتهم وإنما فتحها عمرو بصلح وعهد وشيء مفروض عليهم‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي علاقة عن عقبة بن عامر الجهني قال‏:‏ كان لأهل مصر عهد وعقد‏.‏

كتب لهم عمرو أنهم آمنون على أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد وفرض عليهم خراجًا لا يزاد عليهم وأن يدفع عنهم خوف عدوهم‏.‏

قال عقبة‏:‏ وأنا شاهد على ذلك‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن من سمع عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة قال‏:‏ سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول‏:‏ لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال‏:‏ يا عمرو‏!‏ اقسمها بيننا‏.‏

فقال عمرو‏:‏ لا والله لا اقسمها حتى أكتب إلى عمر‏.‏

فكتب إلى عمر فكتب إليه في جواب كتابه‏:‏ أن اقرها حتى يغزوا منها حبل الحبلة أو قال يغدو‏.‏

وحدثني محمد سعد عن الواقدي محمد بن عمر عن أسامة بن يزيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال‏:‏ فتح عمرو بن العاص مصر سنة عشرين ومعه الزبير‏.‏

فلما فتحها صالحه أهل البلد على وظيفة وظفها عليهم وهي ديناران على كل رجل وأخرج النساء والصبيان من ذلك فبلغ خراج مصر في ولايته ألفي ألف دينار‏.‏

فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار‏.‏

وحدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاص على أن فرض على القبط دينارين دينارين‏.‏

فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم فسخط أشد السخط وبعث الجيوش إلى الإسكندرية وأغلقها‏.‏

ففتحها عمرو بن العاص عنوة‏.‏

وحدثني ابن القتات وهو أبو مسعود عن الهيثم عن المجالد عن الشعبي أن علي بن الحسين أو الحسين نفسه كلم معاوية في جزية أهل قرية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر فوضعها عنهم‏.‏

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالقبط خيرًا‏.‏

وحدثني عمرو عن عبد الله بن وهب عن مالك الزهري عن ابن لكعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا وقال الليث‏:‏ كانت أم إسماعيل منهم‏.‏

أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن المبارك قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك وربما أخذ منهم‏.‏

فكتب إلى عمرو بن العاص‏:‏ إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن حين وليت مصر‏.‏

فكتب إليه عمرو‏:‏ إن أرضنا أرض مزدرع ومتجر فنحن نصيب عن ما نحتاج اليه لنفقتنا‏.‏

فكتب إليه‏:‏ إني قد خبرت من عمال السوء ما كفى‏.‏

وكتابك إلي كتاب من قد أقلقه الأخذ بالحق‏.‏

وقد سؤت بك ظنًا‏.‏

وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فأطلعه وأخرج إليه ما يطالبك أعفه من الغلظة عليك فإنه برح الخفاء فقاسمه ماله‏.‏

المدائني عن عيسى بن يزيد قال‏:‏ لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاص قال عمرو‏:‏ إن زمانًا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء‏.‏

لقد كان العاص يلبس الخز بكفاف الديباج‏.‏

فقال محمد‏:‏ مه‏!‏ لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكرهه ألفيت معتقلًا عنزًا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكؤها‏.‏

قال‏:‏ أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولي فإن المجالس بالأمانة‏.‏

فقال‏:‏ لا أذكر شيئًا مما جرى بيننا وعمر حي‏.‏

وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة أن مصر فتحت عنوة وحدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن أنعم عن أبيه عن جده وكان ممن شهد فتح مصر قال‏:‏ فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد‏.‏

فتح الإسكندرية قالوا‏:‏ لما افتتح عمرو بن العاص مصر أقام بها‏.‏

ثم كتب إلى عمر بن الخطاب يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية‏.‏

فكتب إليه يأمره بذلك‏.‏

فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بنغالب‏.‏

وكان من دون الإسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا‏:‏ نغزوه الفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الإسكندرية‏.‏

فلقيهم بالكربون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وكان فيهم أعل سخا وبلهيت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رقدوهم وأعانوهم‏.‏

ثم سار عمرو بنالعاص حتى انتهى إلى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله إلا أن القبط في ذلك يحبون الموادعة‏.‏

فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة فأبى عمرو ذلك‏.‏

فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات وجوههن إلى داخله وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين ليرهبهم بذلك‏.‏

فأرسل إليه عمرو‏:‏ إنا قد رأينا ما صنعت وما بالكثرة غلبنا من غلبنا‏.‏

فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان‏.‏

فقال المقوقس لأصحابه‏:‏ قد صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية فنحن أولى بالإذعان فأغلظوا القول وأبوا إلا المحاربة‏.‏

فقاتلهم المسلمون قتالًا شديدًا وحصروهم ثلاثة أشهر‏.‏

ثم إن عمرًا فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل اليونة فكتب إلى عمر بالفتح مع معاوية بن حديج الكندي ثم السكوني وبعث إليه معه بالخمس‏.‏

ويقال إن المقوقس صالح عمرًا على ثلاثة عشر ألف دينار على أن يخرج من الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين‏.‏

فكتب لهم بذلك كتابًا‏.‏

ثم إن عمرو بن العاص استخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي في رابطة من المسلمين وانصرف إلى الفسطاط‏.‏

وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل وهو كان الملك يومئذ يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية فبعث رجلًا من أصحابه يقال له منويل في ثلاث مئة مركب مشحونة بالمقاتلة‏.‏

فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا وذلك في سنة خمس وعشرين‏.‏

وبلغ عمرًا الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفًا فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب فاقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏

ثم إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين فلم يكن لهم ولا عرجة دون الإسكندرية‏.‏

فتحصنوا بها ونصبوا العرادات‏.‏

فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال ونصب المجانيق فأخرب جدرها وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية‏.‏

وهرب بعض رومها إلى الروم وقتل عدو الله منويل‏.‏

وهدم عمرو والمسلمون جدار الإسكندرية وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك‏.‏

وقال بعض الرواة‏:‏ إن هذه الغزاة كانت سنة ثلاث وعشرين‏.‏

وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة قالوا‏:‏ ووضع عمرو على أرض الإسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية‏.‏

وروي أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الأول‏.‏

وروى أيضًا أنه كان مات قبل هذه الغزاة‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه عن حسان بن شريح عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال‏:‏ لم نفتح قرية من المغرب على صلح إلا ثلاثًا‏:‏ الإسكندرية وكفرطيس وسلطيس‏.‏

فكان عمر يقول‏:‏ من أسلم من أهل هذه المواضع خلى سبيله وسبيل ماله حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا ابن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال‏:‏ افتتح عمرو بن العاص الإسكندرية فسكنها المسلمون في رباطهم ثم قفلوا ثم غزوا فابتدروا إلى المنازل‏.‏

فكان الرجل يأتي المنزل الذي كان ينزله فيجد صاحبه قد نزله وبدر غليه‏.‏

فقال عمرو‏:‏ إني أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاورونها‏.‏

فلما غزا فصاروا عند الكربون قال لهم‏:‏ سيروا على بركة الله فمن ركز منكم رمحًا في دار فهي له ولبني أبيه‏.‏

فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها ويأتي الآخر فيركز رمحه كذلك أيضًا‏.‏

فكانت الدار بين النفسين والثلاثة فكانوا يسكنوها فإذا قفلوا سكنها الروم‏.‏

فكان يزيد بن أبي حبيب يقول‏:‏ لا يحل لأحد شيء من كرائها ولا تباع ولا تورث إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم‏.‏

فلما كان قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصي أغلقها أهلها ففتحها عمرو وأخرب سورها‏.‏

قالوا‏:‏ ولما ولى عمرو مولاه وردان الإسكندرية ورجع إلى الفسطاط فلم يلبث إلا قليلًا حتى أتاه عزله‏.‏

فولى عثمان بعده عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث أحد بني عامر بن لؤي‏.‏

وكان أخا عثمان من الرضاعة‏.‏

وكانت ولايته سنة خمس وعشرين‏.‏

ويقال‏:‏ إن عبد الله بن سعد كان على خراج مصر من قبل عثمان‏.‏

فجرى بينه وبين عمرو كلام‏.‏

فكتب عبد الله يشكو عمرًا فعزله عثمان وجمع العملين لعبد الله بن سعد‏.‏

وكتب إليه يعلمه أن الإسكندرية فتحت عنوة وانتقضت مرتين ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها وأن يدر عليهم الأرزاق ويعقب بينهم في كل ستة أشهر‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول‏:‏ خير سواحلكم رباطًا الإسكندرية فخرج إليها من المدينة مرابطًا فمات بها سنة سبع عشرة ومئة‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن موسى بن علي عن ابيه قال‏:‏ كانت جزية الإسكندرية ثمانية عشر ألف دينار‏.‏

فلما كانت ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار‏.‏

حدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ كان عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر وجعل عليها عبد الله بن سعد‏.‏

فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم لأن له معرفة بالحرب وهيبة في أنفس العدو‏.‏

ففعل حتى هزمهم‏.‏

فأراد عثمان أن يجعل عمرًا على الحرب وعبد الله على الخراج‏.‏

فأبى ذلك عمرو وقال‏:‏ أنا كماسك قرني البقرة والأمير يحلبها‏.‏

فولى عثمان ابن سعد مصر‏.‏

ثم أقامت الحبش من البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون من المياه في الغياض‏.‏

قال عبد الله بن وهب‏:‏ وأخبرني الليث بن سعد عن موسى بن علي عن أبيه أن عمرًا فتح الإسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عثمان بعد وفاة عمر رحمه الله‏.‏

فتح برقة وزويلة حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن شرحبيل بن أبي عون عن عبد الله بن هبيرة قال‏:‏ لما فتح عمرو بن العاص الإسكندرية سار في جنده يريد المغرب حتى قدم برقة وهي مدينة أنطابلس‏.‏

فصالح أهلها على الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن سهيل بن عقيل عن عبد الله بن هبيرة قال‏:‏ صالح عمرو بن العاص أهل أنطابلس ومدينتها برقة وهي بين مصر وإفريقية بعد أن حاصرهم وقاتلهم على الجزية على أن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا في جزيتهم‏.‏

وكتب لهم بذلك كتابا‏.‏

حدثني محمد بن سعيد عن الواقدي عن مسلمة بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال‏:‏ كان أهل برقة يبعثون بخراجهم إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاثٌ أو مستحثٌ‏.‏

فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم يدخلها فتنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول‏:‏ لولا مالي بالحجاز لنزلت برقة فما أعلم منزلًا أسلم ولا أعزل منها‏.‏

وحثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح قال‏:‏ كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري المغرب فبلغ زويلة وأن من بين زويلة وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم قد أدى مسلمهم الصدقة وأقر معاهدهم بالجزية وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه‏.‏

وأمر عماله جميعًا أن يأخذوا الصدقة من الأغنياء فيردوها في الفقراء ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه بمصر وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم‏.

وحدثني بكر بن الهيثم

قال‏:‏ سألت عبد الله بن صالح عن البربر فقال‏:‏ هم يزعمون أنهم ولد بر بن قيس وما جعل اله لقيس ولدًا يقال له بر وإنما هم من الجبارين الذين قاتلهم داود عليه السلام‏.‏

وكان منازلهم على أيادي الدهر فلسطين وهم أهل عمود فأتوا المغرب فتناسلوا به‏.‏

حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا عب الله بن صالح عن الليث ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص كتب في شرطه على أهل لواتة من البربر من أهل برقة‏:‏ إن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية‏.‏

قال الليث‏:‏ فلو كانوا عبيدًا ما حل ذلك منهم‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب في اللواتيات أن من كانت عنه لواتية فتح طرابلس فحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة قال‏:‏ سار عمرو بن العاص حتى نزل أطرابلس في سنة اثنتين وعشرين‏.‏

فقوتل ثم افتتحها عنوةً واصاب بها أحمال بزيون كثيرةً مع تجار من تجارها فباعه وقسم ثمنه بين المسلمين‏.‏

وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ إنا قد بلغنا أطرابلس وبينها وبين إفريقية تسعة أيام‏.‏

فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لنا في غزوها فعل‏.‏

فكتب إليه ينهاه عنها ويقول‏:‏ ما هي بإفريقية ولكنها مفرقة غادرة مغدور بها‏.‏

وذلك أن أهلها كانوا يؤدون إلى ملك الروم شيئًا فكانوا يغدرون به كثيرًا وكان ملك الأندلس صالحهم ثم غدر بهم‏.‏

وكان خيرهم قد بلغ عمر‏.‏

حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد قال‏:‏ حدثني مشيختنا أن أطرابلس فتحت بعهدٍ من عمرو بن العاص‏.‏

فتح إفريقية قالوا‏:‏ لما ولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر والمغرب بعث المسلمين في جرائد خيل فأصابوا من أطراف إفريقية وغنموا‏.‏

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه متوقفًا عن غزوها ثم إنه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه‏.‏

وكتب إلى عبد الله في سنة سبع وعشرين ويقال في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين يأمره بغزوها وأمده بجيش عظيم فيه معبد بن العباس ابن عبد المطلب ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية والحارث بن الحكم أخوه وعبد الله بن الزبير بن العوام والمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب ابن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعاصم بن عمر وعبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وبسر بن أرطاة بن عويمر العامري وأبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلى الشاعر وبها توفى فقام بأمره ابن الزبير حتى واراه في لحده‏.‏

وخرج في هذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن نافع مولى آل الزبير عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ أغزانا عثمان بن عفان إفريقية‏.‏

وكان بها بطريق سلطانه من أطرابلس إلى طنجة‏.‏

فسار عبد الله بن سعد بن أبي سرح حتى حل بعقوبة فقاتله أيامًا فقتله الله وكنت أنا الذي قتلته‏.‏

وهرب جيشه فتمزقوا‏.‏

وبث ابن أبي سرح السرايا ففرقها في البلاد فأصابوا غنائم كثيرة واستاقوا من المواشي ما قدروا عليه‏.‏

فلما رأى ذلك عظماء إفريقية اجتمعوا فطلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلاث مئة قنطار من ذهب على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم‏.‏

فقبل ذلك‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد الليثي عن ابن كعب أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح بطريق إفريقية على ألفى ألف دينار وخمس مئة ألف دينار‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن موسى بن ضمرة ألما زني عن أبيه قال‏:‏ لما صالح عبد الله بن سعد بطريق إفريقية رجع إلى مصر ولم يول على إفريقية أحدًا‏.‏

ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصرٌ جامع‏.‏

قال‏:‏ فلما قتل عثمان وولى أمر مصر محمد بن حذيفة عتبة بن ربيعة لم يوجه إليها أحدًا‏.‏

فلما ولى معاوية بن أبي سفيان ولى معاوية بن حديج السكونى مصر‏.‏

فبعث في سنة خمسين عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط الفهري فغزاها واختلطها‏.‏

قالوا‏:‏ ووجه عقبة بشر بن أرطاة من القيروان فافتتحها وقتل وسبى وهي اليوم تعرف بقلعة بسر وهي بالقرب من مدينة تدعى مجانة عند معدن الفضة‏.‏

وقد سمعت من يذكر أن موسى بن نصير وجه بسرًا وبسر ابن اثنين وثمانين سنة إلى هذه القلعة فافتتحها‏.‏

وكان مولد بسر قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين‏.‏

وغير الواقدي يزعم أنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

والله أعلم‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ ولم يزل عبد الله بن سعد واليًا حتى غلب محمد بن أبي حذيفة على مصر وهو كان أتغلها على عثمان ثم إن عليًا رضي الله عنه ولى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري مصر ثم عزله واستعمل عليها محمد بن أبي بكر الصديق ثم عزله وولى مالكًا الشتر فاعتل بالقلزم‏.‏

ثم ولى محمد بن أبي بكر ثانيةً ورده عليها‏.‏

فقتله معاوية بن حديج وأحرقه في جوف حمار‏.‏

وكان الوالي عمرو بن العاص من قبل معاوية بن أبي سفيان‏.‏

فمات عمرو بمصر يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين ويقال سنة ثلاث وأربعين وولى عبد الله بن عمرو ابنه بعده‏.‏

ثم عزله معاوية وولى معاوية بن حديج فأقام بها أربع سنين ثم غزا فغنم‏.‏

ثم قدم مصر فوجه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري ويقال بل ولاه معاوية المغرب فغزا إفريقية في عشرة آلاف من المسلمين‏.‏

فافتتح إفريقية واختط قيروانها‏.‏

وكان موضع القيروان غيضة ذات طر فاء وشجر لا يرام من السباع والحيات والعقارب القتالة‏.‏

وكان ابن نافع رجلًا صالحًا مستجاب الدعوة‏.‏

فدعا ربه وقال الواقدي‏:‏ قلت لموسى بن علي‏:‏ رأيت بناء إفريقية المتصل المجتمع الذي نراه اليوم من بناه فقال‏:‏ أول من بناها عقبة بن نافع الفهري اختطها ثم بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن وبنى المسجد الجامع بها‏.‏

قال‏:‏ وبإفريقية استشهد معبد بن العباس رحمه الله في غزاة ابن أبي سرح في خلافة عثمان ويقال بل مات في أيام القتال‏.‏

واستشهاده أثبت‏.‏

وقال الواقدي وغيره‏:‏ عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج وولى مصر والمغرب مسلمةبن مخلد الأنصاري‏.‏

فولى المغرب أبا المهاجر مولاه فلما ولى يزيد بن معاوية رد عقبة بن نافع على عمله‏.‏

فغزا السوس الأدنى وهو خلف طنجة وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله فانصرف‏.‏

ومات يزيد بن معاوية وبويع لابنه معاوية بن يزيد وهو أبو ليلى‏.‏

فنادى‏:‏ الصلاة جامعة‏.‏

ثم تبرأ من الخلافة وجلس في بيته ومات بعد شهرين‏.‏

ثم كانت ولاية مروان بن الحكم وفتنة ابن الزبير‏.‏

ثم ولى عبد الملك بن مروان فاستقام له الناس‏.‏

فاستعمل أخاه عبد العزيز على مصر فولى إفريقية زهير بن قيس البلوى‏.‏

ففتح تونس ثم انصرف إلى برقة‏.‏

فبلغه أن جماعة من الروم خرجوا من مراكب لهم فعاثوا فتوجه إليهم في جريدة خيلٍ فلقيهم فاستشهد ومن معه فقبره هناك وقبورهم تدعى قبور الشهداء‏.‏

ثم ولى حسان بن النعمان الغساني فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته‏.‏

فأتى قصورًا في حيز برقة فنزلها‏.‏

وهي قصور يضمها قصر سقوفه الزاج فسميت قصور حسان‏.‏

ثم إن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سبًا من البربر وبعث به إلى عبد العزيز‏.‏

فكان أبو محجن نصب الشاعر يقول‏:‏ لقد حضرت عند عبد العزيز سبيًا من البربر ما رأيت قط وجوهًا أحسن من وجوهم‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ ولى هشام كلثوم بن عياض بن وحوح القشيرى إفريقية فانتقض أهلها عليه فقتل بها‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ كان إفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري غلب على إفريقية في الجاهلية فسميت به‏.‏

وهو قتل جرجير ملكها‏.‏

فقال للبرابرة‏:‏ ما أكثر بربرة هؤلاء‏!‏ فسموا البرابرة‏.‏

وحدثني جماعة من أهل إفريقية عن أشياخهم أن عقبة بن نافع الفهري لما أراد تمصير القيروان فكر في موضع المسجد منه‏.‏

فأرى في منامه كأن رجلًا أذن في الموضع الذي جعل فيه مئذنته‏.‏

فلما أصبح بنى المنائر في موقف الرجل ثم بنى المسجد‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ ولى محمد بن الشعث الخزاعى إفريقية من قبل أبي العباس أمير المؤمنين‏.‏

فرم مدينة القيروان ومسجدها‏.‏

ثم عزله المنصور وولى عمر بن حفص هزار مرد مكانه‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وجه عبد العزيز بن مروان موسى بن نصير مولى بن أمية - وأصله من عين النمر‏.‏

ويقال بل هو من أراشة من بلى ويقال هو من لخم - واليًا على إفريقية‏.‏

ويقال بل وليها في زمن الوليد بن عبد الملك سنة تسع وثمانين‏.‏

ففتح طنجة ونزلها وهو أول من نزلها واختط فيها للمسلمين‏.‏

وانتهت خيله إلى السوس الأدنى وبينه وبين السوس الأقصى نيف وعشرون يومًا فوطئهم وسبى منهم وأدوا إليه الطاعة وقبض عامله منهم الصدقة‏.‏

ثم ولاها طارق بن زياد مولاه وانصرف إلى قيروان إفريقية‏.‏

فتح الأندلس قال الواقدي‏:‏ غزا طارق بن زياد عامل موسى بن نصير الأندلس وهو أول من غزاها وذلك في سنة اثنتين وتسعين‏.‏

فلقيه آليان وهو والٍ على مجاز الأندلس فآمنة طارق على أن حمله وأصحابه إلى الأندلس في أسفن‏.‏

فلما صار إليها حاربه أهلها ففتحها وذلك في سنة اثنتين وتسعين‏.‏

وكان ملكها فيما يزعمون من الأسبان وأصلها من أصبهان‏.‏

ثم إن موسى بن نصير كتب إلى طارق كتابًا غليظًا لتغريره بالمسلمين وافتياته عليه بالرأي في غزوه وأمره أن لا يجاوز قرطبة‏.‏

وسار موسى إلى قرطبة من الأندلس فترضاه طارق فرضي عنه‏.‏

فافتتح طارق مدينة طليطلة وهي مدينة مملكة الأندلس وهي مما يلي فرنجة وأصاب بها مائدةً عظيمة أهداها موسى بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين والوليد مريض‏.‏

فلما ولى سليمان لن عبد الملك أخذ موسى بن نصير بمئة ألف دينار‏.‏

فكلمه فيه يزيد بن المهلب فأمسك عنه‏.‏

ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولى المغرب إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بنى مخزوم‏.‏

سار أحسن سيرة ودعا البربر إلى الإسلام‏.‏

وكتب إليهم عمر بن عبد العزيز كتبًا يدعوهم بعد إلى ذلك‏.‏

فقرأها إسماعيل عليهم في النواحي فغلب الإسلام على المغرب‏.‏

قالوا‏:‏ ولما ولى يزيد بن عبد الملك ولى يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج بن يوسف إفريقية والمغرب‏.‏

فقدم إفريقية في سنة اثنتين ومئة‏.‏

وكان حرسه البربر فوسم كل امرئٍ منهم على يده حرسى‏.‏

فأنكروا ذلك وملوا سيرته فدب بعضهم إلى بعض وتضافروا على قتله فخرج ذات عشيةٍ لصلاة المغرب فقتلوه في مصلاه‏.‏

فولى يزيد بشر بن صفوان الكلبي فضرب عنق عبد الله بن موسى بن نصير بيزيد‏.‏

وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عليه‏.‏

ثم ولى هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان أيضًا فتوفى بالقيروان سنة تسع ومئة‏.‏

فولى مكانه ثم استعمل بعده عبد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول‏.‏

فأغزا عبد الرحمن ابن حبيب بن أبي عبيده بن عقبة بن نافع الفهري السوس وأرض السودان‏.‏

فظفر ظفرًا لم ير أحدٌ مثله قط وأصاب جاريتين من نساء ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدي واحد وهم يسمون تراجان‏.‏

ثم ولى بعد ابن الحبحاب كلثوم بن عياض القيشري فقدم إفريقية في سنة ثلاث وعشرين فقتل‏.‏

ثم ولى بعده حنظلة بن صفوان الكلبي أخا بشر بن صفوان فقاتل الخوارج وتوفى هناك وهو وال‏.‏

وقام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فخالف عليه عبد الرحمن بن حبيب الفهري وكان محببًا في ذلك الثغر لما كان من أثار جده عقبة بن نافع فيه فغل عليه وانصرف فنع حنظلة‏.‏

فبقي عبد الرحمن عليه‏.‏

وولى يزيد بن الوليد الخلافة فلم يبعث إلى المغرب عاملًا‏.‏

وقام مروان بن محمد فكاتبه عبد الرحمن بن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه بالهدايا‏.‏

وكان كاتبه خالد بن ربيعة الإفريقي وكان بينه وبين عبد الحميد ابن يحيى مودة ومكاتبة فأقر مروان عبد الرحمن على النغر‏.‏

ثم ولى بعده الياس بن حبيب ثم حبيب بن عبد الرحمن ثم غلب البربر والإباضية من الخوارج‏.‏

ثم دخل محمد بن الأشعث الخز اعي إفريقية واليًا عليها في آخر خلافة أبي العباس في سبعين ألفًا ويقال في أربعين ألفًا فوليها أربع سنين‏.‏

فرم مدينة القيروان‏.‏

ثم وثب عليه جند البلد وغيرهم‏.‏

وسمعت من يحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم أربعين يومًا وهو في قصره حتى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه من أهل خرا سان وغيرهم وظفر بمن حاربه وعرضهم على الأسماء‏:‏ فمن كان اسمه معاوية أو سفيان أو مروان أو اسمًا موافقًا لأسماء بنى أمية قتله ومن كان اسمه خلاف ذلك استبقاه‏.‏

فعزله المنصور وولى عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة المتكى وهو الذي سمى هزار مرد وكان المنصور به معجبًا‏.‏

فدخل إفريقية وغزا منها حتى بلغ أقصى بلاد البربر وابتنى هناك مدينة سماها العباسية‏.‏

ثم إن أبا حاتم اسدر أتي الإباضي من أهل سدراتة وهو مولى لكندة قاتله‏.‏

فاستشهد وجماعة من أهل بيته واتقض الثغر وهدمت تلك المدينة التي ابتناها وولى بعد هزار مرد يزيد بن حاتم بن قبيصة ابن المهلب‏.‏

فخرج في خمسين ألفًا وشيعه أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس وأنفق عليه مالًا عظيمًا‏.‏

فسار يزيد حتى لقي أبا حاتم بأطرابلس فقتله ودخل إفريقية‏.‏

فاستقامت له‏.‏

ثم ولى بعد يزيد بن حاتم روح بن حاتم ثم الفضل إن روح فوثب الجند وحدثني أحمد بن نقد مولى بنى الأغلب قال‏:‏ كان الأغلب بن سالم التميمي من أهل مرو الروذ في من قدم مع المسودة من خرا سان فولاه موسى الهادي المغرب‏.‏

فجمع له حريش وهو رجل كان من جند الثغر من تونس جمعًا وسار إليه وهو بقيروان إفريقية فحصره‏.‏

ثم إن الأغلب خرج إليه فقاتله فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتًا وأصحابه لا يعلمون بمصابه‏.‏

ولم يعلم به أصحاب حريش‏.‏

ثم إن حريشًا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشًا بموضعٍ يعرف بسوق الأحد‏.‏

فسمى الأغلب الشهيد‏.‏

قال‏:‏ وكان إبراهيم بن الأغلب من وجوه جند مصر‏.‏

فوثب واثنا عشر رجل معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيئا وهربوا فلحقوا بموضع يقال له الزاب وهو من القيروان على مسيرة أكثر من عشرة أيام وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هر ثمة بن أعين‏.‏

واعتقد إبراهيم بن لأغلب على من كان من تلك الناحية من الجند وغيرهم الرياسة وأقبل يهدى إلى هرثمة و يلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يدًا من طاعة ولا اشتمل على معصية وأنه إنما دعاه إلى ما كان منه الأحواج والضرورة‏.‏

فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها‏.‏

فلما صرف هرثمة من الثغر وليه بعده ابن الكعى‏.‏

فساء أثره فيه حتى انتقض عليه‏.‏

فاستشار الرشيد هرثمة في رجلٍ يوليه إياه ويقلده أمره‏.‏

فأشار عليه باستصلاح إبراهيم واصطناعه وتوليته الثغر‏.‏

فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قد صفح له عن جرمه وأقاله هفوته ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعًا له ليستقبل به الإحسان ويستقبل به النصيحة‏.‏

فولى إبراهيم ذلك الثغر وقام به وضبطه‏.‏

ثم إن رجلًا من جند البلد يقال له عمران بن مجلد خالف ونقض‏.‏

فانضم إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا إبراهيم بالقيروان‏.‏

فلم يلبثوا أن أتاهم العراض والمعطون ومعهم مالٌ من خراج مصر‏.‏

فلما أعطوا تفرقوا‏.‏

فابتنى إبراهيم القصر الأبيض الذي في قبلة القيروان على ميلين منها‏.‏

وخط للناس حوله فابتنوا ومصر ما هناك وبنى مسجدًا جامعًا بالجص والآجر وعمد الرخام وسقفه بالأرز وجعله مئتي ذراع في نحو مئتي ذراع‏.‏

وابتاع عبيدًا أعتقهم فبلغوا خمسة آلاف وأسكنهم حوله‏.‏

وسمى تلك المدينة العباسية وهي اليوم آهلة عامرة‏.‏

وكان محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أحدث في سنة تسع وثلاثين ومائتين مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية أيضًا‏.‏

فأخربها أفلح بن عبد الوهاب الإباضي وكتب إلى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقربًا إليه به‏.‏

فبعث إليه الأموي مئة ألف درهم‏.‏

وبالمغرب أرضٌ تعرف بالأرض الكبيرة وبينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يومًا أو أقل من ذلك قليلًا وأكثر قليلا‏.‏

وبها مدينةٌ على شاطئ البحر تدعى بارة وكان أهلها نصارى وليسوا بروم‏.‏

غزاها حبله مولى الأغلب فلم يقدر عليها‏.‏

ثم غزاها خلفون البربري ويقال إنه مولى لربيعه ففتحها في أول خلافة المتوكل على الله‏.‏

وقام بعده رجلٌ يقال له المفرج بن سلام ففتح أربعة وعشرين حصنًا واستولى عليها وكتب إلى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الإمام على ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المنغلبين‏.‏

وبنى مسجدًا جامعًا‏.‏

ثم إن أصحابه شغبوا عليه فقتلوه‏.‏

وقام بعده سوران فوجه رسوله إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله يسأله عقدًا وكتاب ولاية‏.‏

فتوفى قبل أن ينصرف رسوله إليه‏.‏

وتوفى المنتصر بالله وكانت خلافته ستة أشهر‏.‏

وقام المستعين بالله أحمد بن محمد بن المعتصم بالله فأمر عامله على المغرب وهو أوتا مش مولى أمير المؤمنين بأن يعقد على ناحيته‏.‏

فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل أوتا مش وولى الناحية وصيف مولى أمير المؤمنين فعقد له وأنفذه‏.‏

فتح جزائر في البحر قالوا‏:‏ غزا معاوية بن حديج الكندي أيام معاوية بن أبي سفيان سقلية وكان أول من غزاها‏.‏

ولم تزل تغزى بعد ذلك‏.‏

وقد فتح آل الأغلب بن سالم الإفريقي منها نيفًا وعشرين مدينة وهي في أيدي المسلمين‏.‏

وفتح أحمد بن محمد بن الأغلب منها في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله قصر بانة وحصن غليانة‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ سبى عبد الله بن قيس بن مخلد الدرقى سقلية فأصاب أصنام ذهب وفضةٍ مكللة بالجواهر‏.‏

فبعث بها إلى معاوية فوجه بها معاوية إلى البصرة لتحمل إلى الهند فتباع هناك ليثمن بها‏.‏

قالوا‏:‏ وكان معاوية بن أبي سفيان يغزي برًا وبحرًا فبعث جنادة بن أبي أمية الأردي إلى رودس - وجنادة أحد من روى عنه الحديث ولقى أبا بكر وعمر ومعاذ بن جبل ومات في سنة ثمانين - ففتحها عنوةً‏.‏

وكانت غيضة في البحر‏.‏

وأمره معاوية فأنزلها قومًا من المسلمين‏.‏

وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين‏.‏

قالوا‏:‏ ورودس من أخصب الجزائر وهي نحو من ستين ميلًا فبها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي وغيره قالوا‏:‏ أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ لهم‏.‏

فلما مات معاوية كتب يزيد إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل‏.‏

وكان معاوية يعاقب بين الناس فيها وفتح جنادة بن أبي أمية في سنة أربع وخمسين أرواد وأسكنها معاوية المسلمين‏.‏

وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع ابن امرأة كعب الأحبار وبها أقرأ مجاهد تبيعًا القرآن‏.‏

ويقال إنه أقرأه القرآن برودس‏.‏

وأرواد جزيرة بالقرب من القسطنطينية‏.‏

وغزا جنادة إقريطش‏.‏

فلما كان زمن الوليد فتح بعضها‏.‏

ثم أغلق‏.‏

وغزاها حميد بن معيوف الهمداني في خلافة الرشيد ففتح بعضها ثم غزاها في خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالإفريطش وافتح منها حصنًا واحدًا ونزله‏.‏

ثم لم يفتح شيئًا بعد شيء حتى لم يبق فيها من الروم أحد وأخرب حصونهم‏.‏

صلح النوبة حدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثني محمد بن عمر الواقدي عن الوليد بن كثير عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال‏:‏ لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها الخيل ليطأهم‏.‏

فبعث عقبة بن نافع الفهري وكان نافع أخا العاص لأمه‏.‏

فدخلت خيولهم أرض النوبة كما تدخل صوائف الروم فلقى المسلمون بالنوبة قتالًا شديدًا‏.‏

لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم‏.‏

فانصرفوا بجراحاتٍ كثيرة وحدقٍ مفقوءة فسموا رماة الحدق‏.‏

فلم يزالوا على ذلك حتى ولى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح‏.‏

فسألوه الصلح والموادعة فأجابهم إلى ذلك على غير جزيةٍ لكن على هدنة ثلاث مئة رأس في كل سنة وعلى أن يهدى المسلمون إليهم طعامًا بقدر ذلك‏.‏

حدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثني الواقدي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن جعفر عن عمر ابن الحارث عن أبي قبيل حسي بن هاني المعا فرى عن شيخ من حمير قال‏:‏ شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب فلم أر قومًا أحد في حرب منهم‏.‏

لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم‏:‏ أين تحب أن أضع سهمي منك فربما عبث الفتى منا فقال‏:‏ في مكان كذا‏.‏

فلا يخطئه‏.‏

كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الرض شيء‏.‏

فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف فما قدرنا على معالجتهم‏.‏

رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مئة وخمسون عينًا مفقوءة‏.‏

فقلنا‏:‏ ما لهؤلاء خير من الصلح إن سلبهم لقليل وإن نكايتهم لشديدة‏.‏

فلم يصالحهم عمرو ولم يزل يكالبهم حتى نزع وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فصالحهم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وبالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندي وكان أعور‏.‏

عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ ليس بيننا وبين الأساود عهد ولا ميثاق إنما هي هدنة بيننا وبينهم على أن نعطيهم شيئًا من قمحٍ وعدسٍ ويعطونا رقيقًا فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم‏.‏

حدثنا أبو عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال إنما الصلح بيننا وبين النوبة على أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا وأن يعطونا رقيقًا ونعطيهم بقدر ذلك طعامًا فإن باعوا نساءهم لم أر بذلك بأسًا أن يشترى‏.‏

‏.‏

ومن رواية أبي البخترى وغيره أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح أهل النوبة على أن يهدوا في السنة أربع مئة رأس يخرجونها ويأخذون بها طعاما‏.‏

وكان المهدي أمير المؤمنين أمر بإلزام النوبة في كل سنة ثلاث مئة رأس وستين رأسًا وزرافة على أن يعطوا قمحًا وخل خمرٍ وثيابًا وفرشا أو قيمته‏.‏

وقد ادعوا حديثًا أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة وأنهم كانوا طولبوا بذلك في خلافة المهدي فرفعوا إليه أن هذا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم فإذا لم يجدوا منه شيئًا عادوا على أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة‏.‏

فأمر أن يحملوا في ذلك على أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة‏.‏

ولم يوجد لهذه الدعوى ثبت في واوين الحضرة ووجد في الديوان بمصر‏.‏

وكان المتوكل على الله أمر بتوجيه رجل يقال له محمد بن عبد الله ويعرف بالقمى إلى المعدن بمصر واليًا عليه وولاه القلزم وطريق الحجاز وبذرقة حاج مصر‏.‏

فلما وافى المعدن حمل الميرة في المراكب من القلزم إلى بلاد البجة ووافى ساحلًا يعرف بعيذاب‏.‏

فوافته المراكب هناك‏.‏

فاستعان بتلك الميرة وتقوتها ومن معه حتى وصل إلى قلعة ملك البجة‏.‏

فناهضه‏.‏

وكان في عدة يسيرة فخرج إليه البجوى في الدهم على إبل محزمةٍٍ‏.‏

فعمد القمى إلى الأجراس فقلدها الخيل‏.‏

فلما سمعت الإبل أصواتها نقطعت بالبجوبين في الودية والجبال‏.‏

وقتل صاحب البجة‏.‏

ثم قام من بعده ابن أخته وكان أبوه أحد ملوك البجويين وطلب الهدنة‏.‏

فأبى المتوكل على الله ذلك إلا أن يطأ بساطه‏.‏

فقدم سر من رأى فصولح في سنة إحدى وأربعين ومائتين على أداء الإتاوة والبقط ورد مع القمى‏.‏

فأهل البجة على الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين من العمل في معدن الذهب‏.‏

وكان ذلك في الشرط على صاحبهم‏.‏

في أمر القراطيس قالوا‏:‏ كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من ارض مصر ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير‏.‏

فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذي يكتب في رؤوس الطوامير من‏:‏ قل هو إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابًا نكرهه فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه ‏.‏

قال‏:‏ فكبر ذلك في صدر عبد الملك‏.‏

فكره أن يدع سنةً حسنة سنها‏.‏

فارسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال له‏:‏ يا أبا هاشم‏!‏ إحدى بنات طبق‏.‏

وأخبره الخبر‏.‏

فقال‏:‏ أفرخ روعك يا أمير المؤمنين‏.‏

حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها واضرب للناس سلكًا ولا تعف هؤلاء الكفرة مما كرهوا في الطوامير‏.‏

فقال عبد الملك‏:‏ فرجتها عنى فرج الله عنك‏.‏

وضرب الدنانير‏.‏

قال عوانة بن الحكم‏:‏ وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتنسبه إلى الربوبية تعالى الله علوًا كبيرًا وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

فلذلك كره ملك الروم ما كره واشتد عليه تغيير عبد الملك ما غيره‏.‏

وقال المدائني‏:‏ قال مسلمة بن محارب‏:‏ أشار خالد بن يزيد على عبد الملك بتحريم دنانيرهم ومنع التعامل بها وأن لا يدخل بلاد الروم شيء من القراطيس‏.‏

فمكث حينًا لا يحمل إليهم‏.

المجلد الثاني

فتوح البلدان الجزء الثاني

خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

قالوا‏:‏ وكان المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيباني يغير على السواد في رجالٍ من قومه‏.‏

فبلغ أبي بكر الصديق رضي الله عنه خبره فسأل عنه فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقرى‏:‏ هذا رجلٌ غير خامل الذكر ولا مجهول النسب ولا ذليل العماد هذا المثنى بن حارثة الشيباني‏.‏

ثم إن المثنى قدم على أبي بكر فقال له‏:‏ يا خليفة رسول الله‏!‏ استعملني على من أسلم من قومي أقاتل هذه الأعاجم من أهل فارس‏.‏

فكتب له أبو بكر في ذلك عهدًا فسار حتى نزل خفان ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا‏.‏

ثم إن أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد المخزومي يأمره بالمسير إلى العراق ويقال بل وجهه من المدينة وكتب أبو بكر إلى المثنى بن حارثة يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه‏.‏

وكان مذعور بن عدي العجلى قد كتب إلى أبي بكر يعلمه حاله وحال قومه ويسأله توليته قتال الفرس‏.‏

فلما نزل خالد النباح لقيه المثنى بن حارثة بها وأقبل خالد حتى أتى البصرة وبها سويد ابن قطبة الذهلى‏.‏

وقال غير أبي مخنف‏:‏ كان بها قطبة بن قتادة الذهلي - من بكر بن وائل ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة مثل فعل المثنى بالكوفة‏.‏

ولم تكن الكوفة يومئذ إنما كانت الحيرة‏.‏

فقد سويد لخالد‏:‏ إن أهل الأبله قد جمعوا لي ولا أحسبهم امتنعوا مني إلا لمكانك‏.‏

قال له خالد‏:‏ فالرأي أن أخرج من البصرة نهارًا ثم أعود ليلًا فأخل عسكرك بأصحابي فإن صبحوك حاربناهم‏.‏

- ففعل خالد ذلك وتوجه نحو الحيرة‏.‏

فلما جن عليه الليل انكفأ راجعًا حتى صار إلى عسكر سويد فدخله بأصحابه وأصبح الأبليون وقد بلغهم انصراف خالد عن البصرة فأقبلوا نحو سويد‏.‏

فلما رأوا كثرة من في عسكره سقط في أيديهم وانكسروا‏.‏

فقال خالد‏:‏ احملوا عليهم فإني أرى هيئة قوم قد ألقى الله في قلوبهم الرعب‏.‏

فحملوا عليهم قهزموهم وقتل الله منهم بشرًا وغرق طائفة في دجلة البصرة‏.‏

ثم مر خالد بالخريبة ففتحها وسبى من فيها واستخلف بها فيما ذكر الكلبي شريح بن عامر بن قين من بني سعد بن بكر بن هوازن‏.‏

وكانت مسلحة للعجم‏.‏

ويقال أيضًا إنه أتى النهرالذي يعرف بنهر المرأة فصالح أهله وأنه قاتل جمعًا بالمذار ثم سار يريد الحيرة وخلف سويد بن قطبة على ناحيته وقال له‏:‏ قد عركنا هذه الأعاجم بناحيتك عركة أذلتهم لك‏.‏

وقد روى أن خالدًا لما كان بناحية اليمامة كتب إلى أب يبكر يستمده فأمده بجرير بن عبد الله البجلي فلقيه جرير منصرفًا من اليمامة فكان معه‏.‏

وواقع صاحب المذار بأمره والله أعلم‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ والذي عليه أصحابنا من أهل الحجاز أن خالدًا قدم المدينة من اليمامة ثم خرج منها إلى العراق على فيد والثعلبية ثم أتى الحيرة‏.‏

قالوا‏:‏ ومر خالد بن الوليد بزند ورد من كسكر فافتتحها وافتتح درنى وذواتها بأمان بعد أن كانت من أهل بزند ورد مراماةٌ للمسلمين ساعة‏.‏

وأتى هرمز جرد فآمن أهلها أيضًا وفتحها‏.‏

وأتى أليس فخرج إليه جابان عظيم العجم فقدم إليه المثنى لن حارثة الشيباني فلقيه بنهر الدم‏.‏

وصالح خالد أهل أنيس على أن يكونوا عيونًا للمسلمين على الفرس وأدلاء وأعوانا‏.‏

وأقبل خالد إلى مجتمع الأنهار فلقيه أزاذبه صاحب مسلح كسرى فيما بينه وبين العرب فقاتله المسلمون وهزموه‏.‏

ثم نزل خالد خفان ويقال بل سار قاصدًا إلى الحيرة فخرج إليه عبد المسيح بن عمر بن قيس بن حيان بن يقيلة - واسم بقيلة الحارث وهو من الأزد - وهانئ بن قبيصة بن مسعود الشيباني وإياس عامل كسرى أبرويز على الحيرة بعد النعمان ابن المنذر - فصالحوه على مئة ألف درهم في كل علم وعلى أن يكونوا عيونًا للمسلمين على أهل فارس وأن لا يهدم لهم بيعة ولا قصرًا‏.‏

وروى أبو مختف عن أبي المثنى الوليد بن القسطامى وهو الصرفي بن القسطامي الكلبي إن عبد المسيح استقبل خالدًا وكان كبير السن فقال له خالد‏:‏ من أين أقصى أثرك يا شيخ فقال‏:‏ من ظهر أبي‏.‏

قال‏:‏ فمن أين خرجت قال‏:‏ من بطن أمي‏.‏

قال‏:‏ ويحك في أي شيء أنت‏!‏ قال‏:‏ في ثيابي‏.‏

قال‏:‏ ويحك على أي شيء أنت قال‏:‏ على الأرض‏.‏

قال‏:‏ أتعقل قال‏:‏ نعم وأقيد‏.‏

قال‏:‏ أسلم أنت أم حرب‏.‏

قال‏:‏ بل سلم‏.‏

قال‏:‏ فما هذه الحصون قال‏:‏ بنيناها للسفيه حتى يجيء الحليم‏.‏

ثم تذاكرا الصلح فاصطلحا على مئة ألف يؤدونها في كل سنة فكان الذي أخذ منهم أول مال حمل إلى المدينة من العراق واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة وأن يكونوا عيونًا على أهل فارس وذلك في سنة أثني عشر‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود عن يحيى بن آدم قال‏:‏ سمعت أن أهل الحيرة كانوا ستة آلاف رجل فألزم كل رجل منهم أربعة عشرة درهمًا وزن خمسة فبلغ ذلك أربعة وثمانين ألفًا وزن خمسة تكون ستين وزن سبعة‏.‏

وروى عن يزيد بن نبيشة العامري أنه قال‏:‏ قدمنا العراق مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى مشلحة العذيب ثم أتينا الحيرة وقد تحصن أهلها في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة وقصر العد سيين فأجلنا الخيل في عرصاتهم ثم صالحونا‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ العدسيون من كلب نسبوا إلى أمهم وهي كلبية أيضًا‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن ابن مجالد عن أبيه عن الشعبي أن خريم بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن فتح الله عليك الحيرة فاعطني ابنة بقيلة‏.‏

فلما أراد خالد صلح أهل الحيرة قال له خريم‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لي بنت بقيلة فلا تدخلها في صلحك‏.‏

وشهد له بشير بن سعد ومحمد بن مسلمة الأنصاريان‏.‏

فاستثناها في الصلح ودفعها إلى خريم فاشتريت منه بألف درهم‏.‏

وكانت عجوزًا قد حالت عن عهده‏.‏

فقيل له‏:‏ ويحك لقد أرخصتها كان أهلها يدفعون إليك أضعاف ما سألت بها‏.‏

فقال‏:‏ ما كنت أظن عددًا يكون أكثر من عشر مئة‏.‏

وقد جاء في الحديث أن الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنت بقيلة رجل من ربيعة والأول اثبت‏.‏

قالوا‏:‏ وبعث خالد بن الوليد بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير الأنصاري إلى بانقيا فلقيته خيل الأعاجم عليها فرخبنداذ فرشقوا من معه بالسهام وحمل عليهم فهزمهم وقتل فرخبنداذ‏.‏

ثم انصرف وبه جراحة انتقضت به وهو بعين التمر فمات منها‏.‏

ويقال إن خالدًا لقي فرخبنداذ بنفسه وبشير معه‏.‏

ثم بعث خالد جرير بن عبد الله البجلي إلى أهل بانقيا فخرج إليه بصبهري بن صلوبا فاعتذر إليه من القتال وعرض الصلح‏.‏

فصالحه جرير على ألف درهم وطيلسان‏.‏

ويقال إن ابن صلوبا أتى خالدًا فاعتذر إليه وصالحه هذا الصلح‏.‏

فلما قتل مهران ومضى يوم النخيلة أتاهم جرير فقبض منهم ومن أهل الحيرة صلحهم وكتب لهم كتابًا بقبض ذلك‏.‏

وقوم ينكرون أن يكون جرير بن عبد الله قدم العراق إلا في خلافة عمر بن الخطاب وكان أبو مخنف والواقدي يقولان‏:‏ قدمها مرتين‏.‏

قالوا‏:‏ وكتب خالد لبصبهري بن صلوبا كتابًا ووجه إلى أبي بكر بالطيلسان مع مال الحيرة وبالألف درهم‏.‏

فوهب الطيلسان للحسين بن علي رضي الله عنهما‏.‏

وحدثني أبو نصر التمار قال‏:‏ حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن عبد الله بن مغفل المزني قال‏:‏ ليس لأهل السواد عهد إلا الحيرة وأليس وبانقيا‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن المفضل بن المهلهل عن منصور عن عن ابن مغفل قال‏:‏ لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بني صلوبا وأرض الحيرة‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن الأسود بن قيس عن أبيه قال‏:‏ انتهينا إلى الحيرة فصالحناهم على كذا وكذا ورحل‏.‏

قال فقلت‏:‏ وما صنعتم بالرحل قال‏:‏ لم يكن لصاحب منا رحل فأعطيناه إياه‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا ابن أبي مريم عن النسري بن يحيى عن حميد بن هلال أن خالدًا لما نزل الحيرة صالح أهلها ولم يقاتلوا‏.‏

وقال ضرار بن الأزور الأسدي‏:‏ أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما لقيت ببانقيا من الجرح يأرق وقال الواقدي‏:‏ المجتمع عليه عند أصحابنا أن ضرارًا قتل باليمامة‏.‏

قالوا‏:‏ وأتى خالد الفلاليج منصرفة من بانقيا وبها جمع للعجم فتفرقوا ولم يلق كيدًا‏.‏

فرجع إلى الحيرة فبلغه أن جابان في جمع عظيم بتستر‏.‏

فوجه إليه المثنى بن حارثة الشيباني وحنظلة بن الربيع بن رباح الأسدي من بني تميم وهو الذي يقال له حنظلة الكاتب‏.‏

فلما انتهيا إليه هرب‏.‏

وسار خالد إلى الأنبار فتحصن أهلها‏.‏

ثم أتاه من دله على سوق بغداد وهو السوق العتيق الذي كان عند قرن الصراة‏.‏

فبعث خالدٌ المثنى بن حارثة فأغار عليه فملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء وما خف محملة من المتاع‏.‏

ثم باتوا بالسيلحين وأتوا الأنبار وخالد بها فحصروا أهلها وحرقوا في نواحيها‏.‏

وإنما سميت الأنبار لأن أهراء العجم كانت بها‏.‏

وكان أصحاب النعمان وصناعه يعطون أرزاقهم منها‏.‏

فلما رأى أهل الأنبار ما نزل بهم صالحوا خالدًا على شيءٍ رضي به فأقرهم‏.‏

ويقال إن خالدًا قدم المثنى إلى بغداد ثم سار فتولى الغارة عليها ثم رجع إلى الأنبار‏.‏

وليس ذلك بثبت‏.‏

وحدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا الحسن ابن صالح عن جابر عن الشعبي أنه قال‏:‏ لأهل الأنبار عهدٌ وعقدٌ‏.‏

وحدثني مشايخ من أهل الأنبار أنهم صولحوا في خلافة عمر رحمه الله عن طسوجهم على أربع مئة ألف درهم وألف عباه قطوانية في كل سنة وتولى الصلح جرير بن عبد الله البجلي‏.‏

وثقال صالحهم على ثمانين ألفًا والله أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ وفتح جرير بوازيج الأنبار وبها قوم من مواليه‏.‏

قالوا‏:‏ وأتى خالد بن الوليد رجلٌ دله على سوق يجتمع فيها كلب وبكر بن وائل وطوائف من قضاعة فوق الأنبار‏.‏

فوجه إليها المثنى بن حارثة فأغار عليها فأصاب ما فيها وقتل وسبى‏.‏

ثم أتى خالد عين تمر فألصق بحصنها‏.‏

وكانت فيه مسلحةٌ للأعاجم عظيمةٌ‏.‏

فخرج أهل الحصن فقاتلوا‏.‏

ثم لزموا حصنهم فحاصرهم خالد والمسلمون حتى سألوا الأمان فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة وقتل وسبى ووجد في كنيسة هناك جماعةً سباهم فكان من ذلك السبي حمران ابن أبان بن خالد النمري‏.‏

وقومٌ يقولون‏:‏ كان اسم أبيه أبا‏.‏

وحمران مولى عثمان وكان للمسيب بن نجبة الفزاري فاشتراه منه فأعتقه‏.‏

ثم إنه وجهه إلى الكوفة للمسألة عن عامله فكذبه فأخرجه من جواره فنزل البصرة‏.‏

وسيرين أبو محمد بن سيرين وأخوته وهم‏:‏ يحيى بن سيرين وأنس بن سيرين ومعبد بن سيرين وهو أكبر أخوته وهم موالي أنس بن مالك الأنصاري‏.‏

وكان من ذلك السبي أيضًا أبو عمرة جد عبد الله بن عبد الأعلى الشاعر‏.‏

ويسار جد محمد بن إسحاق صاحب السيرة وهو مولى قيس بن مخرمة ابن المطلب بن عبد مناف‏.‏

وكان منهم مرة أبو عبيد جد محمد بن زيد بن عبيد بن مرة ونفيس ابن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة صاحب القصر عند الحرة‏.‏

ابن محمد هذا ونوه يقولون‏:‏ عبيد بن مرة بن المعلى الأنصاري ثم الزرقى‏.‏

ونصير أبو موسى بن نصير صاحب المغرب وهو مولى لبنى أمية وله بالثغور موال من أولاد من أعتق يقولون ذلك‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ كان أبو فروه عبد الرحمن بن الأسود ونصير أبو موسى ابن نصير عربيين من أراشة بلى سبيا أيام أبي بكر رحمه الله من جبل الجليل بالشام‏.‏

وكان اسم نصير نصرًا فصغر وأعتقه بعض بنى أمية فرجع إلى الشام وولد له موسى بقرية يقال لها كفر مرى وكان أعرج‏.‏

وقال الكلبي‏:‏ وقد قيل إنهما أخوان من سبى عين التمر وإن ولاءهما لبني ضبة‏.‏

وقال‏:‏ علي بن محمد المدائني‏:‏ يقال إن أبا فروه ونصيرًا كانا من سبى عين التمر‏.‏

فابتاع ناعم الأسدي أبا فروه ثم ابتاعه من عثمان وجعله يحفر القبور‏.‏

فلما وثب الناس به كان معهم عليه فقال له‏:‏ رد المظالم‏.‏

فقال له‏:‏ أنت أولها ابتعتك من مال الصدقة لتحفر القبور فتركت ذلك‏.‏

وكان ابنه عبد الله بن أبي فروه من سراه الموالي‏.‏

والربيع صاحب المنصور الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروه‏.‏

وإنما لقب أبا فروه بفروه كانت عليه حين سبى وقد قيل إن خالدًا صالح أهل حصن عين الثمر وإن هذا السبي وجد في كنيسةٍ ببعض الطسوج‏.‏

وقيل إن سيرين من أهل جرجرايا وإنه كان زائرًا لقرابة له فأخذ في الكنيسة معهم‏.‏

حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن أشعث عن الشعبي قال‏:‏ صالح خالد بن الوليد أهل الحيرة وأهل عين التمر وكتب بذلك إلى أبي بكر فأجازه‏.‏

قال يحيى‏:‏ فقلت للحسن بن صالح‏:‏ أفأهل عين النمر مثل أهل الحيرة إنما هو شيء عليهم وليس على أراضيهم شيء‏.‏

فقال نعم‏.‏

قالوا‏:‏ وكان هلال بن عقبة بن قيس بن البشر النمري على النمر ابن قاسط بعين التمر فجمع لخالد وقاتله فظفر به فقتله وصلبه‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ كان على النمر يومئذ عقبة بن قيس بن البشر بنفسه‏.‏

قالوا‏:‏ وانتقض ببشير بن سعد الأنصاري جرحه فمات فدفن بعين التمر‏.‏

ودفن إلى جنبه عمير بن رئاب بن مهشم بن سعيد بن سهم بن عمرو وكان أصابه سهمٌ بعين التمر فاستشهد‏.‏

ووجه خالد بن الوليد وهو بعين التمر النسير بن ديمس بن ثور إلى ماء لبنى تغلب فطرقهم ليلًا فقتل وأسر فسأله رجلٌ من الأسرى أن يطلقه على أن يدله على حيٍ من ربيعه‏.‏

ففعل فأبى النسير ذلك الحب‏.‏

فبيتهم فغنم وسبة ومضى إلى ناحية تكريت في البر فغنم المسلمون‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن محمد بن مروان أن النسير أتى عكبرا فأمن أهلها وأخرجوا لمن معه طعامًا وعلفًا‏.‏

ثم مر قال‏:‏ ثم أتى المخرم - قال أبو مسعود‏:‏ ولم يكن يدعى يومئذ مخرمًا إنما نزله بعض ولد مخرم بن حزن بن زياد بن أنس بن الديان الحارثي فسمى به فيما ذكر هشام بن محمد الكلبي - ثم عبر المسلمون جسرًا كان معقودًا عند قصر سابور الذي يعرف اليوم بقصر عيسى بن علي فخرج إليه خرزاد بن ماهبنداذ وكان موكلًا به فقاتلوه وهزموه‏.‏

ثم لجوا فأتوا عين التمر‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ وجه المثنى بن حارثة النسير وحذيفة بن محصن بعد يوم الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين إلى خفان وذلك في خلافة عمر بن الخطاب في خيلٍ‏.‏

فأوقعا بقومٍ من بنى تغلب وعبرا إلى تكريت فأصابا نعمًا وشاءً‏.‏

وقال عتاب بن إبراهيم فيما ذكر لي عنه أبو مسعود أن النسير وحذيفة آمنا أهل تكريت وكتبا لهم كتابًا أنفذه له عتبة بن فرقد السلمي حين فتح الطيرهان والموصل‏.‏

وذكر أيضًا أن النسير توجه من قبل خالد بن الوليد فأغار على قرى بمسكن وقطربل فغنم منها غنيمة حسنة‏.‏

قالوا‏:‏ ثم سار خالد من عين التمر إلى الشام وقال للمثنى بن حارثة‏:‏ ارجع رحمك الله إلى سلطانك فغير مقصر ولا وان‏.‏

وقال الشاعر‏:‏ أبحنا دارهم والخيل تردى بكل سيمدع سامي التليل يعني من كان في السوق الذي فوق الأنبار‏.‏

وللمثنى بالعال معركةٌ شاهدها من قبيله بشر يعني بالعال الأنبار وقطر بل ومسكن وبادوريا فأراد سوق بغداد كتيبةٌ أفزعت بوقعتها كسرى وكاد الإيوان ينفطر وشجع المسلمون إذ حذروا وفي صر وف التجارب العبر سهل نهج السبيل فاقتفروا آثاره والأمور تقتفر وقال بعضهم حين لقوا خرزاد‏:‏ وآل منا الفارسي الحذره حين لقيناه دوين المنظره بكل قباء لحوقٍ مضمره بمثلها يهزم جمع الكفره يعني بالمنظرة تل عقرقوف وكان شخوص خالد إلى الشام في شهر ربيع الآخر ويقال في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة‏.‏

وقال قوم إن خالدًا أتى دومة من عين التمر ففتحها ثم أقبل إلى الشام‏.‏

وأصح ذلك مضيه من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالوا‏:‏ لما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجه أبا عبيد ابن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف - وهو أبو المختار بن أبي عبيد - إلى العراق في ألفٍ وكتب إلى المثنى بن حارثة يأمره بتلقيه والسمع والطاعة له وبعث مع أبي عبيد سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري وقال له‏:‏ لولا عجلةٌ فيك لوليتك ولكن الحرب زبونٌ لا يصلح لها إلا الرجل المكيث‏.‏

فأقبل أبو عبيد لا يمر بقومٍ من العرب إلا رغبهم في الجهاد والغنيمة‏.‏

فصحبه خلقٌ‏.‏

فلما صار بالعذيب بلغه أن جابان الأعجمي يتستر في جمعٍ كثير‏.‏

فلقيه فهزم جمعه وأسر منهم‏.‏

ثم أتى درني وبها جمعٌ للعجم فهزمهم إلى كسكر‏.‏

وسار إلى الجالينوس وهو ببار وسما فصالحه ابن الأندرزعز كذا عن كل رأس على أربعة دراهم على أن ينصرف‏.‏

ووجه أبو عبيد المثنى إلى زند ورد فوجدهم قد نقضوا فحاربهم فظفر وسبى‏.‏

ووجه عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الزوابى فصالح دهقانها على مثل صلح بارو سما‏.‏

يوم قس الناطف وهو يوم الجسر قالوا‏:‏ بعث الفرس إلى العرب حين بلغها اجتماعها ذا الحاجب مردا نشاه وكان أنوشروان لقبه بهمن لتبركه به وسمى ذا الحاجب لأنه كان يغضب حاجبيه ليرفعهما عن عينيه كبرا‏.‏

ويقال أن اسمه رستم‏.‏

فأمر أبو عبيد بالجسر فعقد أعانه على عقده أهل بانقيا‏.‏

ويقال أن ذلك الجسر كان قديما لأهل الحيرة يعبرون عليه إلي ضياعهم فأصلحه أبو عبيد وذلك أنه كان معتلًا مقطوعًا‏.‏

ثم عبر أبو عبيد والمسلمون من المروحة على الجسر فلقوا ذا الحاجب وهو في أربعة آلاف مدججٍ ومعه فيلٌ ويقال عدة فيلة واقتتلوا قتالًا شديدًا وكثرت الجراحات وفشت في المسلمين‏.‏

فقال سليط بن قيس‏:‏ يا أبا عبيد‏!‏ قد كنت نهيتك عن قطع هذا الجسر إليهم اشرت عليك بالانحياز إلى بعض النواحي والكتاب إلى أمير المؤمنين بالاستمداد فأبيت‏.‏

وقاتل سليط حتى قتل‏.‏

وسأل أبو عبيد‏:‏ أين مقتل هذه الدابة فقيل‏:‏ خرطومه‏.‏

فحمل فضرب خرطوم الفيل وحمل عليه أبو محجن بن حبيب الثقفي فضرب رجله فعلقها وحمل المشركون فقتل أبو عبيد رجمه الله‏.‏

ويقال إن الفيل برك عليه فمات تحته‏.‏

فأخذ اللواء أخوه فقتل‏.‏

فأخذه ابنه جبر فقتل‏.‏

ثم إن المثنى بن حارثة أخذه ساعة وانصرف بالناس وبعضهم على حامية بعض وقاتل عروة بن زيد الخيل يومئذ قتالًا شديدًا عدل بقتال جماعة وقاتل أبو زبيد الطائي الشاعر حميةً للمسلمين بالغربية وكان أتى الحيرة في بعض أموره وكان نصرانيًا‏.‏

وأتى المثنى أليس فنزلها وكتب إلى عمر بن الخطاب بالخبر مع عروة بن زيد‏.‏

وكان ممن قتل يوم الجسر فيما ذكر أبو مخنف‏:‏ أبو زيد الأنصاري أحد من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت وقعة الجسر يوم السبت في آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة‏.‏

وقال أبو محجن بن حبيب‏:‏ أنى نسرت نحونا أم يوسف ومن دون مسراها فيافٍ مجاهل إلى فتيةٍ بالطف نيل سراتهم وغودر أفراسٌ لهم ورواحل مررت على الأنصار وسط رحالهم فقلت لهم هل منكم اليوم قافل حدثني أبو عبيد بن سلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن كثير عن زائدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ عبر أبو عبيد بانقيا في ناس من أصحابه فقطع المشركون الجسر فأصيب ناسٌ من أصحابه‏.‏

قال إسماعيل‏:‏ وقال أبو عمرو الشيباني‏:‏ كان يوم مهران في أول السنة والقادسية في آخرها‏.‏

يوم مهران وهو يوم النخيلة قال أبو مخنف وغيره‏:‏ مكث عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة لا يذكر العراق لمصاب أبي عبيد وسليط‏.‏

وكان المثنى بن حارثة مقيمًا بناحية أليس يدعو العرب إلى الجهاد‏.‏

ثم إن عمر رضي الله عنه ندب الناس إلى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه حتى هم أن يغزو بنفسه‏.‏

وقدم عليه خلقٌ من الأزد يريدون غزو الشام فدعاهم إلى العراق ورغبهم في غناء آل كسرى فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص‏.‏

وقدم جرير بن عبد الله من السراة في بجيلة فسأل أن يأتي العراق على أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا عليه‏.‏

فأجابه عمر إلى ذلك فسار نحو العراق‏.‏

وقومٌ يزعمون أنه مر على طريق البصرة وواقع مرزبان المذار فهزمه‏.‏

وآخرون يزعمون أنه واقع المرزبان وهو مع خالد بن الوليد‏.‏

وقومٌ يقولون إنه سلك الطريق على فيدٍ والثعلبية إلى العذيب‏.‏

حدثني عفان بن مسلم قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ حدثنا داود بن أبي هند قال‏:‏ أخبرني الشعبي أن عمر وجه جرير بن عبد الله إلى الكوفة بعد قتل أبي عبيد أول من وجه قال‏:‏ هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس قال‏:‏ نعم‏.‏

قالوا‏:‏ واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشر وقد هلك شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إلى أن يبلغ يزد جرد بن شهريار فبعث إليهم مهران بن مهر بنداذ الهمذاني في اثني عشر ألفًا فأهمل المسلمون له حتى عبر الجسر وصار مما يلي دير الأعور‏.‏

وروى سيف أن مهران صار عند عبور الجسر إلى موضع يقال له البويب وهذا الموضع الذي قتل به ويقال إن جنبتى البويب أفعمت عظامًاحتى استوى وعفا عليها التراب زمان الفتنة وإنه ما يثار هناك شيء إلا وقعوا منها على شيء وذلك ما بين السكون وبنى سليم‏.‏

فكان مغيضًا للفرات زمن الأكاسرة يصب في الجوف‏.‏

وعسكر المسلمين بالنخيلة وكان على الناس فيما تزعم بجيلة جرير بن عبد الله وفيما تقول ربيعة المثنى بن حارثة‏.‏

وقد قيل إنهم كانوا متسايدين على كل قوم رئيسهم‏.‏

فالتقى المسلمون وعدوهم فأبلى شرحبيل بن السمط الكندي يومئذ بلاءً حسنًا وقتل مسعود بن حارثة أخو المثنى بن حارثة‏.‏

فقال المثنى‏:‏ يا معشر المسلمين‏!‏ لا يرعكم مصرع أخي فإن مصارع خياركم هكذا‏.‏

فحملوا حملة رجلٍ واحد محققين صابرين حتى قتل الله مهران وهزم الكفرة‏.‏

فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقل من نجا منهم‏.‏

وضارب قرط بن جماح العبدى يومئذ حتى انثنى سيفه وجاء الليل فتتاموا إلى عسكرهم وذلك في سنة أربع عشرة‏.‏

فتولى قتل مهران جرير بن عبد الله والمنذر ابن حسان بن ضرار الضبي فقال هذا‏:‏ أنا قتلته وقال هذا أنا قتلته وتنازعا نزاعًا شديدًا‏.‏

فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه‏.‏

ويقال إن الحصن بن معبد بن زرارة بن عدس التميمي كان ممن قتله‏.‏

ثم لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بين الحيرة وكسكر وفيما بين كسكر وسورا وبربيسما وصراه جاماسب وما بين الفلوجتين والنهرين وعين التمر‏.‏

وأتوا حصن مليقيا وكان منظرة ففتحوه‏.‏

وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف‏.‏

وكانوا منخوبين قد وهن سلطانهم وضعف أمرهم‏.‏

وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى ونهر الملك وباد وريا‏.‏

وبلغ بعضهم كلواذى‏.‏

وكانوا يعيشون بما ينالون من الغارات‏.‏

ويقال إن ما بين مهران والقادسية ثمانية عشر شهرًا‏.‏

يوم القادسية قالوا‏:‏ كتب المسلمون إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمونه كثرة من تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد‏.‏

فأراد أن يغزو بنفسه وعسكر لذلك‏.‏

فأشار عليه العباس بن عبد المطلب وجماعةٌ من مشايخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقام وتوجيه الجيوش والبعوث‏.‏

ففعل ذلك‏.‏

واشار عليه علي بن أبي طالب بالمسير‏.‏

فقال له‏:‏ إني قد عزمت على المقام‏.‏

وعرض على علي رضي الله عنه الشخوص فأباه‏.‏

فأراد عمر توجيه سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى ثم بدا له فوجه سعد بن أبي وقاص - واسم أبي وقاص مالك بن ويقال إن سعيد بن زيد بن عمرو كان يومئذ بالشام غازيا‏.‏

قالوا‏:‏ وسار إلى العراق فأقام بالثعلبية ثلاثة أشهر حتى نلاحق به الناس‏.‏

ثم قدم العذيب في سنة خمس عشرة‏.‏

وكان المثنى بن حارثة مريضًا فأشار عليه بأن يحارب العدو بين القادسية والعذيب ثم اشتد وجعه فحمل إلى قومه فمات فيهم‏.‏

وتزوج سعدٌ امرأته‏.‏

قال الواقدي‏:‏ توفى المثنى قبل نزول رستم القادسية‏.‏

قالوا‏:‏ وأقبل رستم وهو من أهل الري ويقال بل هو من أهل همذان فنزل برس‏.‏

ثم سار فأقام بين الحيرة والسيلحين أربعة أشهر لا يقدم على المسلمين ولا يقاتلهم والمسلمون معسكرون بين العذيب والقادسية‏.‏

وقدم رستم ذا الحاجب فكان معسكرًا بطيزناباذ‏.‏

وكان المشركون زهاء مئة ألف وعشرين ألفًا ومعهم ثلاثون فيلًا ورايتهم العظمى التي تدعى درفشكابيان‏.‏

وكان جميع المسلمين ما بين تسعة آلاف إلى عشرة آلاف فإذا احتاجوا إلى العلف والطعام أخرجوا خيولًا في البر فأغارت على أسفل الفرات‏.‏

وكان عمر يبعث إليهم من المدينة الغنم والجزر‏.‏

قالوا‏:‏ ك وكانت البصرة قد مصرت فيما بين يوم النخيلة ويوم القادسية مصرها عتبة بن غزوان ثم استاذن الحج وخلف المغيرة بن شعبة‏.‏

فكتب إليه عمر بعهده فلم يلبث أن قرف بما قرف به فولى ابى موسى البصرة وأشخص المغيرة في المدينة‏.‏

ثم أن عمر رده ومن شهد عليه إلى بصرة‏.‏

فلما حضروا يوم القادسية كتب عمر إلى أبي موسى يأمره بإمداد سعد فامده بالمغيرة في ثماني مئة فشهدها ثم شخص إلى مدينة‏.‏

فكتب عمر إلى عبيدة بن الجراح فأمد سعدا بقيس بن هبيرة بن المكشوح المرادي‏.‏

فيقال انه شهد القادسية ويقال بل شهد على المسلمين وقد فرغ من حربها وكان قيس في سبع مئة‏.‏

وكان يوم القادسية في آخرسنة ست عشرة‏.‏

وقد قيل إن أمد سعدًا بالمغيرة عتبة بن غزوان وإن المغيرة غنما ولّى البصرة بعد قدومه من القادسية إن عمر لم يخرج من المدينة حين اشخصه إليها لما قرف به إلا واليًا على الكوفة‏.‏

وحدثني العباس بن الوليد النرسي قال‏:‏ حدثنا عبد الواحد بن زياد عن مجالد‏.‏

عن الشعبي قال‏:‏ كتب عمر إلى أبي عبيدة‏:‏ ابعث قيس بن المكشوح إلى القادسية فيمن انتدب معه‏.‏

فانتدب معه خلق‏.‏

فقدم متعجلًا سبع مئة وقد فتح على سعد‏.‏

فسألوه الغنيمة فكتب إلى عمر في ذلك فكتب إله عمر‏:‏ كإن كان قيس قدم قبل دفن القتلى قالوا‏:‏ وأرسل رستم إلى سعد يسأله توجيه بعض أصحابه إليه‏.‏

فوجد المغيرة بن شعبة‏.‏

فقصد سريره ليجلس معه عليه فمنعته الأساورة من ذلك وكلمة رستم بكلام كثير‏.‏

ثم قال له‏:‏ قد علمت أنه لم يحملكم على ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد‏.‏

ونحن نعطيكم ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون‏.‏

فقال المغيرة‏:‏ إن الله بعث إلينا نبيه صلى الله عليه وسلم فسعدنا بإجابته وإتباعه وأمرنا بجها من خالف ديننا‏:‏ ‏{‏حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏}‏‏.‏ ونحن ندعوك إلى عبادة الله وحده والإيمان بنبيه صلى الله عليه وسلم فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم‏.‏

فنخر رستم غضبًا‏.‏

ثم قال‏:‏ والشمس والقمر لا يرتفع الضحى غدًا حتى نقتلكم أجمعين‏.‏

فقال المغيرة‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏

وانصرف عنه‏.‏

وكان على فرس له مهزول وعليه سيفٌ معلوبٌ ملفوفٌ عليه الخرق‏.‏

وكتب عمر إلى سعد يأمره بأن يبعث إلى عظيم الفرس قومًا يدعونه إلى الإسلام‏.‏

فوجه عمرو بن معدي كرب الزبيدي والأشعث بن قيس الكندي في جماعة‏.‏

فمروا برستم فأتى بهم فقال‏:‏ أين تريدون قالوا‏:‏ صاحبكم‏.‏

فجرى بينهم كلام كثير حتى قالوا‏:‏ إن نبينا قد وعدنا أن نغل على أرضكم‏.‏

فدعا بزبيلٍ من تراب فقال‏:‏ هذا لكم من أرضنا‏.‏

فقام عمرو بن معدي كرب مبادرًا فبسط رداءه وأخذ من ذلك التراب فيه وانصرف‏.‏

فقيل له‏:‏ ما دعاك إلى ما صنعت قال‏:‏ تفاءلت بأن أرضهم تصير إلينا ونغلب عليها‏.‏

ثم أتوا الملك ودعوه إلى الإسلام فغضب وأمرهم بالانصراف وقال‏:‏ لولا أنكم رسلٌ لقتلتكم‏.‏

وكتب إلى رستم يعنفه على إنفاذ هم إليه‏.‏

ثم إن علافة المسلمين وعليها زهرة بن حوية بن عبد الله بن قتادة التيمي ثم السعدي - ويقال كان عليها قتادة بن حوية - لقيت خيلًا للأعاجم فكان ذلك سبب الوقعة‏.‏

أغاثت الأعاجم خيلها وأغاث المسلمون علافتهم فالتحمت الحب بينهم وذلك بعد الظهر وحمل عمرو بن معدي كرب الزبيدي فاعتنق عظيمًا من الفرس فوضعه بين يديه في السرج وقال‏:‏ أنا أبو ثور افعلوا كذا‏.‏

ثم حطم قيلًا من الفيلة وقال‏:‏ ألزموا سيوفكم خراطيمها فإن مقتل الفيل خرطومه‏.‏

وكان سعد قد استخلف على العسكر والناس خالد بن عرفطة العذري حليف بني زهرة لعلة وجدها‏.‏

وكان مقيمًا في قصر العذيب فجعلت امرأته - وهي سلمى بنت حفصة من بني تيم الله بن ثعلبة امرأة المثنى بن حارثة - تقول‏:‏ وامثنياه ولا مثنى للخيل‏!‏ فلطمها فقالت‏:‏ يا سعد‏!‏ أغيرة وجبنًا وكان أبو محجن الثقفي بباضع غربه إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشربه الخمر فتخلص حتى لحق بسعد‏.‏

ولم يكن فيمن شخص معه فيما ذكر الواقدي وشرب الخمر في عسكر سعد فضربه وحبسه في قصر العذيب‏.‏

فسأل زبراء أم ولد سعد أن تطلقه ليقاتل ثم يعود إلى حديده‏.‏

فأحلفته بالله ليفعلن إن أطلقته‏.‏

فركب فرس سعد وحمل على الأعاجم فخرق صفهم وحطم الفيل الأبيض بسيفه وسعد يراه‏.‏

فقال‏:‏ أما الفرس ففرسي وأما الحملة فحملة أبي محجن‏.‏

ثم أنه رجع إلى حديده‏.‏

ويقال إن سلمى بنت حفصة أعطته الفرس والأول أصح وأثبت‏.‏

فلما انقضى أمر رستم قال له سعد‏:‏ والله لا ضربتك في الخمر بعدما رأيت منك أبدًا‏.‏

قال‏:‏ وأنا والله فلا شربتها أبدًا‏.‏

وأبلى طليحة بن خويلد الأسدي يومئذ وضرب الجالينوس ضربة قدت مغفره ولم تعمل في رأسه‏.‏

وقال قيس بن مشكوح‏:‏ يا قوم‏!‏ إن منايا الكرام القتل فلا يكونن هؤلاء القلف أولى بالصبر واسخي نفسًا بالموت منكم‏.‏

ثم قاتل قتالًا شديدًا وقتل الله رستم فوجد بدنه مملوءًا ضربًا وطعنًا فلم يعلم من قاتله‏.‏

وقد كان مشى إليه عمرو بن معدي كرب وطليحة بن خويلد الأسدي وقرط بن جماح العبدي وضرار بن الأزور الأسدي‏.‏

وكان الواقدي يقول‏:‏ قتل ضرار يوم اليمامة‏.‏

وقد قيل إن زهير بن عبد شمس البجلي قتله‏.‏

وقيل أيضًا إن قاتله عوام بن عبد شمس‏.‏

وقيل إن قاتله هلال بن علقة التيمي‏.‏

فكان قتال القادسية يوم الخميس والجمعة وليلة السبت وهي ليلة الهرير‏.‏

وإنما سميت ليلة صفين بها‏.‏

ويقال إن قيس بن مشكوح لم يحضر القتال بالقادسية ولكنه قدمها وقد فرغ المسلمون من القتال‏.‏

وحدثني أحمد بن سلمان الباهلي عن السهمي عن أشياخه أن سلمان بن ربيعة غزا الشام مع أبي أمامة الصدي بن عجلان الباهلي فشهد مشاهد المسلمين هناك ثم خرج إلى العراق فيمن خرج من المدد إلى القادسية متعجلًا فشهد الوقعة وأقام بالكوفة وقتل ببلنجر‏.‏

وقال الواقدي في إسناده‏:‏ خد قوم نت الأعاجم لرايتهم وقالوا‏:‏ لا نبرح موضعنا حتى نموت‏.‏

فحمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي فقتلهم واخذ الراية‏.‏

قالوا‏:‏ وبعث سعد خالد بن عرفطة على خيل الطلب فجعلوا يقتلون من لحقوا حتى انتهوا إلى برس‏.‏

ونزل خالد على رجل يقال ته بسطام فأكرمه وبره وسمي نهر هناك نهر بسطام‏.‏

واجتاز خالد بالصراة فلحق جالينوس فحمل عليه كثير بن شهاب الحارثي فطعنه ويقال قتله‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ قتله زهرة بن حوية السعدي وذلك أثبت‏.‏

وهرب الفرس إلى المدائن ولحقوا بيزدجرد وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمصاب من أصيب‏.‏

وحدثني أبو رجاء الفارسي عن أبيه عن جده قال‏:‏ حضرت وقعة القادسية وأنا مجوسي فلما رمتنا العرب بالنبل جعلنا نقول‏:‏ دوك دوك نعني مغزل فما زالت بنا تلك المغازل حتى أزالت أمرنا‏.‏

لقد كان الرجل منا يرمي عن القوس الناوكيةفما يزيد سهمها على أن يتعلق بثوب أحدهم ولقد كانت النبلة من نبالهم تهتك الدرع الحصينة والجوشن المضاعف مما علينا‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ كان أول من قتل أعجميًا يوم القادسية ربيعة بن عثمان بن ربيعة أحد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور‏.‏

وقال طليحة في يوم القادسية‏:‏ أنا ضربت الجالينوس ضربه حين جياد الخيل وسط الكبه وقال أبو محجن الثقفي حين رأى الحرب‏:‏ كفى حزنًا أن تدعس الخيل بالقنا وأترك قد شدوا علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصاريع من دوني تصم المناديا وقال زهير بن عبد شمس بن عوف البجلي‏:‏ أنا زهير وابن عبد شمس أرديت بالسيف عظيم الفرس رستم ذا النخوة والدمقس أطعت ربي وشفيت نفسي وما عقرت بالسيلحين مطيتي وبالقصر إلا خيفة أن أعيرا فبئس امرؤٌ يبأى على برهطه وقد ساد أشياخي معدًا وحميرا وقال بعض المسلمين يومئذ‏:‏ وقاتلت حتى أنزل الله نصره وسعدٌ بباب القادسية معصم فرحنا وقد آمت نساءٌ كثيرةٌ ونسوة سعدٍ ليس منهن أيم وقال قيس بن المكشوح ويقال إنها لغيره‏:‏ جلبت الخيل من صنعاء تردى بكل مدجج كالليث سام إلى وادي القرى فديار كلبٍ إلى اليرموك فالبلد الشامي وجئنا القادسية بعد شهر مسومة دوابرها دوامى فناهضنا هنالك جمع كسرى وأبناء المرازبة الكرام فلما أن رأيت الخيل جالت قصدت لموقف الملك الهمام فأضرب رأسه فهوى صريعًا بسيفٍ لا أفل ولا كهام وقد أتلى الإله هناك خيرًا وفعل الخير عند الله نام أضارب بالمخشوب حتى أفله وأطعن بالرمح المتل وأقدم وقال طليحة بن خويلد‏:‏ طرقت سليمي أرحل الركب أنى اهتديت بسبسب سهب إني كلفت سلام بعدكم بالغارة الشعواء والحرب لو كنت يوم القادسية إذ نازلتهم بمهندٍ عضب أبصرت شداتي ومنصرفي وإقامتي للطعن والضرب وقال بشر بن ربيعة بن عمرو الخثعمي‏:‏ ألم خيالٌ من أميمة موهنًا وقد جعلت أولى النجوم ثغور ونحن بصحراء العذيب ودارها حجازيةٌ إن المحل شطير ولا غرو إلا جوبها البيد في الدجى ومن دوننا رعنٌ أشم وقور تحن بباب القادسية ناقتي وسعد بن وقاص علي أمير وسعدٌ أميرٌ شره دون خيره طويل الشذى كابي الزناد قصير تذكر هداك الله وقع سيوفنا بباب قديسٍ والمكر عسير قال‏:‏ واستشهد يومئذ سعد بن عبيد الأنصاري فاغتم عمر لمصابه وقال‏:‏ لقد كاد قتله ينغص علي هذا الفتح‏.

فتح المدائن

قالوا‏:‏ مضى المسلمون بعد القادسية فلما جازوا دير كعب لقيهم النخيرخان إليها وبدا في جمعٍ عظيمٍ من أهل المدائن فاقتتلوا وعانق زهير ابن سليم الأزدى النخيرخان فسقط إلى الأرض وأخذ زهير خنجرًا كان في وسط النخيرخان فشق بطنه فقتله‏.‏

وسار سعدٌ والمسلمون فنزلوا ساباط واجتمعوا بمدينة بهر سير وهي المدينة التي في شق الكوفة فأقاموا تسعة أشهر ويقال ثمانية عشر شهرًا حتى أكلوا الرطب مرتين‏.‏

وكان أهل تلك المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها‏.‏

فلما فتحها المسلمون أجمع يزد جرد بن شهريار ملك فارس على الهرب‏.‏

فدلى من ابيض المدائن في زبيل فسماه النبط برزبيلا ومضى إلى حلوان معه وجوه أساورته وحمل معه بيت ماله وخف متاعه وخزانته والنساء والذراري‏.‏

وكانت السنة التي هرب فيها سنة مجاعة وطاعون عم أهل فارس‏.‏

ثم عبر المسلمون خوضًا ففتحوا المدينة الشرقية‏.‏

حدثني عفان بن مسلم قال‏:‏ أخبرنا هشيم قال‏:‏ أخبرنا حصين قال‏:‏ أخبرنا أبو وائل قال‏:‏ لما انهزم الأعاجم من القادسية اتبعناهم فاجتمعوا بكوثى فاتبعناهم ثم انتهينا إلى دجلة فقال المسلمون‏:‏ ما تنتظرون بهذه النطفة أن تخوضوها فخضناها فهزمناهم‏.‏

حدثني محمد بن سعيد عن الواقدي عن ابن أبي سيرة عن ابن عجلان عن أبان بن صالح قال‏:‏ لما انهزمت الفرس من القادسية قدم فلهم المدائن فانتهى المسلمون إلى دجلة وهي تطفح بماءٍ لم ير مثله قط‏.‏

وإذا الفرس قد رفعوا السفن والمعابر إلى الجيزة الشرقية وحرقوا الجسر‏.‏

فاغتم سعدٌ والمسلمون إذ لم يجدوا إلى العبور سبيلًا‏.‏

فانتدب رجلٌ من المسلمين فسبح فرسه وعبر‏.‏

فسبح المسلمون ثم أمروا أصحاب السفن فعبروا الأثقال فقالت الفرس‏:‏ والله ما تقاتلون إلا جناٌ فانهزموا‏.‏

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عسوانة بن الحكم وقال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ حدثني أبو عمرو بن العلاء قالا‏:‏ وجه سعد بن أبي وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته فلم يرد سعد حتى فتح خالد ساباط‏.‏

ثم قدم فأقام على الرومية حتى صالح أهلها على أن يجلو من أحب منهم ويقيم من أقام على الطاعة والمناصحة وأداء الخراج ودلالة المسلمين ولا ينطووا لهم على غش‏.‏

ولم يجد معابر فدل على مخاضةٍ عند قرية الصيادين فأخاضوها الخيل فجعل الفرس يرمونهم فسلموا حدثنا عبد الله بن صالح قال‏:‏ حدثني من أثق به عن المجالد بن سعيد عن الشعبي أنه قال‏:‏ أخذ المسلمون يوم المدائن جواري من جواري كسرى جيء بهن من الآفاق فكن يصنعن له فكانت أمي أحداهن‏.‏

قال‏:‏ وجعل المسلمون يأخذون الكافور يومئذ فيلقونه في قدورهم ويظنونه ملحا‏.‏

قال الواقدي‏:‏ كان فراغ سعد من المدائن وجلولاء في سنة ست عشرة‏.‏

يوم جلولاء الوقيعة قالوا‏:‏ مكث المسلمون بالمدائن أيامًا ثم بلغهم أن يزد جرد قد جمع جمعًا عظيمًا ووجهه إليهم وأن الجمع بجلولاء فسرح سعد بن أبي وقاص هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إليهم في أثنى عشر ألفًا فوجدوا الأعاجم قد تحصنوا وخندقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا أن لا يفروا وجعلت الإمداد تقدم عليهم من حلوان والجبال‏.‏

فقال المسلمون‏:‏ ينبغي أن نعاجلهم قبل أن تكثر إمدادهم‏.‏

فلقوهم وحجر بن عدي الكندي على الميمنة وعمرو ابن معدي كرب على الخيل وطليحة بن خويلد على الرجال وعلى الأعاجم يومئذ خرزاذ أخو رستم‏.‏

فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يقتتلوا مثله رميًا بالنبل وطعنًا بالرماح حتى تقصفت وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت‏.‏

ثم إن المسلمين حملوا حملةً واحدةً قلعوا بها الأعاجم عن موقفهم وهزموهم فولوا هاربين وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلا ذريعًا حتى حال الظلام بينهم‏.‏

ثم انصرفوا إلى معسكرهم وجعل هاشم بن عتبة جرير بن عبد الله بجلولاء في خيلٍ كثيفةٍ ليكون بين المسلمين وبين عدوهم‏.‏

فارتحل يزد جرد من حلوان وأقبل المسلمون يغيرون في نواحي السواد من جانب دجلة الشرقي‏.‏

فأتوا مهروذ فصالح دهقانها هاشمًا على جريب من دراهم على أن لا يقتل أحدًا منهم‏.‏

وقتل دهقان الدسكرة وذلك أنه اتهمه بغشٍ للمسلمين‏.‏

وأتى البندنيجين فطلب أهله الأمان على أداء الجزية والخراج فأمنهم‏.‏

وأتى جرير بن عبد الله خانقين وبها بقيةٌ من الأعاجم فقتلهم‏.‏

ولم يبق من سواد دجلة ناحية إلا غلب عليها المسلمون وصارت في أيديهم‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ كان على الناس يوم جلولاء من قبل سعد عمرو بن عتبة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وأمه عاتكة بنت أبي وقاص‏.‏

قالوا‏:‏ وانصرف سعد بعد جلولاء إلى المدائن‏.‏

فصير بها جمعًا ثم مضى إلى ناحية الحيرة‏.‏

وكانت وقعة جلولاء في آخر سنة ست عشرة‏.‏

قالوا‏:‏ فأسلم جميل بن بصبهرى دهقان الفلاليج والنهرين وبسطام ابن نرسى دهقان بابل وخطر نية والرفيل دهقان العال وفيروز دهقان نهر الملك وكوثى وغيرهم من الدهاقين‏.‏

فلم يعرض لهم عمر بن الخطاب ولم يخرج الأرض من أيديهم وأزال الجزية عن رقابهم‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن عوانة عن أبيه قال‏:‏ وجه سعد بن أبى وقاص هاشم بن عتبة بن أبى وقاص ومعه الأشعث بن قيس الكندي فمر بالراذانات وأتى دقوقا وخانيجار فغلب على ما هناك وفتح جميع كوره باجرمى ونفذ إلى نحو سن بارما وبوازيج الملك إلى حد شهر زور‏.‏

حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم قال‏:‏ أخبرنا ابن المبارك عن أب لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص حين فتح السواد‏:‏ أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء الله عليهم‏.‏

فإذا أتاك كتابي فانظر ما أجلب عليه أهل العسكر بخيلهم وركابهم من مالٍ أو كراعٍ فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الأرض والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين فإنك إن قسمتها بين من حضر لم يكن يبقى بعدهم شيء‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا وكيع عن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن حازم قال‏:‏ سألت مجاهدًا عن أرض السواد فقال‏:‏ لا تشترى ولا تباع‏.‏

قال‏:‏ وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن صالح ابن كيسان عن سليمان بن يسار قال‏:‏ أقر عمر بن الخطاب السواد لمن في أصلاب الرجال وأرحام النساء وجعلهم ذمةً تؤخذ منهم الجزية ومن أرضهم الخراج وهم ذمةٌ لا رق عليهم‏.‏

قال سليمان‏:‏ وكان الوليد بن عبد الملك أراد أن يجعل أهل السواد فيئًا فأخبرته بما كان من عمر في ذلك فورعه الله عنهم‏.‏

حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب أراد قسمة السواد بين المسلمين فأمر أن يحصوا فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثةً من الفلاحين‏.‏

فشاروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال علي‏:‏ دعهم يكونوا مادةً للمسلمين‏.‏

فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فوضع عليه ثمانية أربعين وأربعة وعشرين وأثنى عشر‏.‏

حدثنا أبو نصر التمار قال‏:‏ حدثنا شريك عن الأجلج عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد عن علي قال‏:‏ لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعضٍ لقسمت السواد بينكم‏.‏

حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا إسرائيل عن جابر حدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثني الصلت الزبيدي عن محمد بن قيس الأسدي عن الشعبي أنه سئل عن أهل السواد ألهم عهد فقال‏:‏ لم يكن لهم عهدٌ فلما رضي منهم بالخراج صار لهم عهد‏.‏

حدثني الحسين‏:‏ عن يحيى بن آدم عن شريك عن جابر عن عامر أنه قال‏:‏ ليس لأهل السواد عهدٌ‏.‏

حدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا ابن وهب المصري قال‏:‏ حدثنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان للمهاجر بن مجلسٌ في المسجد‏.‏

فكان عمر يجلس معهم فيه ويحدثهم عن ما ينتهي إليه من أمر الآفاق‏.‏

فقال يومًا‏:‏ ما أدري كيف أصنع بالمجوس فوثب عبد الرحمن بن عوف فقال‏:‏ اشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ سنوا بهم سنة أهل الكتب‏.‏

حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال‏:‏ حدثنا هشيم قال‏:‏ حدثنا إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية‏.‏

وكان عمر جعل لهم ربع السواد‏.‏

فلما وفد عليه جرير قال‏:‏ لولا أني قاسمٌ مسئول لكنت على ما جعلت لكم‏.‏

وإني أرى الناس قد كثروا فردوا ذلك عليهم‏.‏

ففعل وفعلوا‏.‏

فأجازه عمر بثمانين دينارًا‏.‏

قال‏:‏ فقالت امرأة من بجيلة يقال لها أم كرز‏:‏ إن أبي هلك وسهمه ثابتٌ في السواد‏.‏

وإني لن أسلم‏.‏

فقال لها‏:‏ يا أم كرز‏!‏ إن قومك قد أجابوا‏.‏

فقالت له‏:‏ ما أنا بمسلمة أو تحملنى على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي ذهبًا‏.‏

ففعل عمر ذلك‏.‏

وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل عن قيس عن جرير قال‏:‏ كان عمر أعطى بجيلة ربع السواد فأخذوه ثلاث سنين‏.‏

قال قيس‏:‏ ووفد جرير بن عبد الله على عمر مع عمار بن ياسر فقال عمر‏:‏ لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما كنتم عليه ولكني أرى أن تردوه‏.‏

ففعلوا‏.‏

فأجازه بثمانين دينارًا‏.‏

الحسن بن عثمان الزيادي قال‏:‏ حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن قيس قال‏:‏ أعطى عمر جرير بن عبد الله أربع مئة دينار‏.‏

حدثني حميد بن الربيع عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال‏:‏ صالح عمر بجيلة من ربع السواد على أن فرض لهم في ألفين من العطاء‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله عن أبيه عن جده أم عمر جعل له ولقومه ربع ما غلبوا عليه من السواد‏.‏

فلما جمعت غنائم جلولاء طلب ريعه‏.‏

فكتب سعد إلى عمر يعلمه ذلك‏.‏

فكتب عمر‏:‏ إن شاء جرير أن يكون إنما قاتل وقومه على جعلٍ كجعل المؤلفة قلوبهم فأعطوهم جعلهم وإن كانوا إنما قاتلوا لله واحتبسوا ما عنده فهم من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم‏.‏

فقال جرير‏:‏ صدق أمير المؤمنين وبر لا حاجة لنا بالربع‏.‏

حدثني الحسين قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم عن عبد السلام بن حرب عن معمر عن على بن الحكم عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال‏:‏ إني قد أسلمت فارفع عن أرض الخراج‏.‏

قال‏:‏ إن أرضك أخذت عنوةً‏.‏

حدثنا خلف بن هشام البزاز قال‏:‏ حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال‏:‏ لما افتتح عمر السواد قالوا له‏:‏ اقسمه بيننا فأنا فتحناه عنوةً بسيوفنا‏.‏

فأبى وقال‏:‏ فما لمن جاء بعدكم من المسلمين وأخاف إن قسمته أن تتفا سدوا بينكم في المياه‏.‏

قال‏:‏ فأقر أهل السواد في أرضهم وضرب على رؤسهم الجزية وعلى أرضهم التصق ولم تقسم بينهم‏.‏

وحدثني القاسم بن سرم قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف الأنصاري يمسح السواد قال القاسم‏:‏ وبلغني أن ذلك القفيز كان مكوكًا لهم يدعى الشابرقان‏.‏

قال يحيى بن آدم‏:‏ هو المختوم الحجاجي‏.‏

حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا أبو معاوية عن الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي قال‏:‏ وضع عمر على السواد على كل جريبٍ عامرٍ أو غامرٍ يبلغه الماء درهمًا وقفيزًا وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزة ولم يذكر النخل وعلى رؤس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين وأثنى عشر‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز لاحق بن حميد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر على صلاة أهل الكوفة وجيوشهم وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبث ما لهم وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض‏.‏

وفرض لهم كل يومٍ شاة بينهم شطرها وسواقطها لعمار والشطر الآخر بين هذين‏.‏

فمسح عثمان بن حنيف الرض فجعل على جريب النخل عشرة دراهم وعلى جري بالكرم عشرة دراهم وعلى جريب القصب ستة دراهم وعلى جريب البر أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين‏.‏

وكتب بذلك إلى عمر رحمه الله فأجازه‏.‏

حدثنا الحين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن مندل العنزى عن الأعمش عن إبراهيم عن عمرو بن ميمون قال‏:‏ بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حذيفة بن اليمان على ما وراء دجلة وبعث عثمان بن حنيف على ما دون دجلة‏.‏

فوضعا على كل جريبٍ قفيزًا ودرهما‏.‏

حدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم عن مندل عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفى قال‏:‏ كتب المغيرة بن شعبة وهو على السواد‏:‏ إن قبلنا أصنافًا من الغلة لها مزيدٌ على الحنطة والشعير‏.‏

فذكر الماشي والكروم والرطبة والسماسم‏.‏

قال‏:‏ فوضع عليها ثمانية ثمانية وألغى النخل‏.‏

وحدثنا خلف البزاز قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عياش وحدثني الحسين بن الأسود عن يحيى بن آدم عن أبي بكر قال‏:‏ أخبرني أبو سعيد البقال عن العيزار بن حريث قال‏:‏ وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جريب الحنطة درهمين وجريبين وعلى جريب الشعير درهمًا وجريبًا وعلى كل غامر يطاق زرعه على الجريبين درهما‏.‏

وحدثنا خلف البزار عن أبي بكر بن عياش عن أبي سعيد عن العيزار بن حريث قال‏:‏ وضع عمر على جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة عشرة دراهم وعلى جريب حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا حفص بن غياث عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مجلز أن عمر وضع على جريب النخل ثمانية دراهم‏.‏

وحدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن ابن سليمان عن السرى بن إسماعيل عن الشعبي قال‏:‏ بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن حنيف فوضع على أهل السواد لجريب الرطبة خمسة دراهم ولجريب الكرم عشرة دراهم ولم يجعل على ما عمل تحته شيئًا‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي سيرة عن المسور بن رفاعة قال قال عمر بن عبد العزيز‏:‏ كان خراج السواد على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مئة ألف ألف درهم‏.‏

فلما كان الحجاج صار إلى أربعين ألف ألف درهم‏.‏

وحدثنا الوليد عن الواقدي عن عبد الله بن عبد العزيز عن أيوب بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال‏:‏ ختم عثمان بن حنيف في رقاب خمس مئة ألفٍ وخمسين ألف علجٍ وبلغ الخراج في ولايته مئة ألف ألف درهم‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح قال‏:‏ حدثنا يونس بن أرقم المالكي قال‏:‏ حدثني يحيى بن أبي الشعث الكندي عن مصعب بن يزيد أبى زيد الأنصاري عن أبيه قال‏:‏ بعثني علي بن ابي طالب على ما سقى الفرات فذكر رساتيق وقرى‏.‏

فسمى نهر الملك وكوتى وبهر سير والرومقان ونهر جوبر ونر درقيط والبهقباذات وأمرني أن أضع على كل جريب زرعٍ غليظ من البر ردرهمًا ونصفًا وصاعًا من طعام وعلى كل جريبٍ وسطٍ درهمًا وعلى كل جريب من البر رقيق الزرع ثلثي درهم وعلى الشعير نصف ذلك‏.‏

وأمرني أن أضع على البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة دراهم وعلى جريب الكرم إذا أتت عليه ثلاث سنين ودخل في الرابعة وأطعم عشرة دراهم وأن ألغي كل نخل شاذ عن القرى يأكله من مر به وأن لا أضع على الخضراوات شيئًا‏:‏ المقاثي والحبوب والسماسم والقطن‏.‏

وأمرني أن أضع على الدهاقين اللذين يركبون البراذين ويتختمون بالذهب على الرجل ثمانية وأربعين درهمًا وعلى أوساطهم من التجار على كل رجل أربعة وعشرين درهمًا في السنة وأن أضع على الأكرة وسائر من بقي منهم على الرجل اثني عشر درهمًا‏.‏

حدثني حميد بن الربيع عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال للحسن‏:‏ ما هذه الطسوق المختلفة فقال‏:‏ كل قد وضع حالًا بعد حال على قدر قرب الأرضين والفرض من الأسواق وبعدها‏.‏

قال‏:‏ وقال يحيى بن آدم‏:‏ وأما مقاسمة السواد فإن الناس سألوها السلطان في آخر خلافة المنصور فقبض قبل أن يتقاسموا ثم أمر المهدي بها فقسموا فيها دون عقبة حلوان‏.‏

وحدثني عبد الله بن صالح العجلي عن عبثر أبي زبيد عن الثقات قال‏:‏ مسح حذيفة سقي دجلة ومات بالمدائن‏.‏

وقناطر حذيفة نسبت إليه وذلك أنه نزل عندها‏.‏

ويقال جددها‏.‏

وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهام ممدودة‏.‏

وبهما قوسم أهل السواد على النصف بعد المساحة التي كانت تمسح عليهم‏.‏

قال بعض الكتاب‏:‏ العشر الذي يؤخذ من القطائع هو عشر ما يكال خمس النصف الذي يؤخذ من الاستان‏.‏

فينبغي أن يوضع على الجريب مما تجري عليه المساحة في القطائع أيضًا خمس ما يؤخذ من جريب الاستان فمضى الأمر على ذلك‏.‏

حدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عنميمون بن مهران أن عمر رحمه الله بعث حذيفة وابن حنيف إلى خانقين زكانت من أول ما افتتحوا‏.‏

فختما أعناق أهل الذمة ثم قبضا الخراج‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن الوليد قال‏:‏ حدثنا رجل كان أبوه أخبر الناس بهذا السواد يقال له عبد الملك بن أبي حره عن أبيه أن عمر بن الخطاب أصفى عشر أرضين من السواد فحفظت سبعًا وذهب عني ثلاث‏:‏ أصفى الآجام ومغايض الماء وأرض كسرى وكل دير يزيد وأرض من قتل في المعركة وأرض من هرب‏.‏

قال‏:‏ ولم يزل ذلك ثابتًا حتى أحرق الديوان أيام الحجاج بن يوسف فأخذ كل قوم ما يليهم‏.‏

وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي قال‏:‏ حدثنا ابن المبارك عن عبد الله بن الوليد عن عبد الملك بن أبي حرة عن أبيه قال‏:‏ أصفى عمر بن الخطاب من السواد أرض من قتل في الحرب وأرض من هرب وكل أرض كسرى وكل مغيض ماء وكل دير يزيد وكل صافية اصطفاها كسرى‏.‏

فبلغت صوافيه سبعة آلاف ألف درهم‏.‏

فلما كانت وقعة الجماجم أحرق الناس الديوان فأخذ كل قوم ما يليهم‏.‏

حدثني الحسين وعمرو الناقد قالا‏:‏ حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن إبراهيم بن مهاجر عن موسى بن طلحة قال‏:‏ أقطع عثمان بن عبد الله بن مسعود أرضًا بالنهرين وأقطع عمارة بن ياسر إستينيا وأقطع خباب بن الأرت صعنبا وأقطع سعدًا قرية هرمز‏.‏

وحدثنا عبد الله بن صالح العجلى عن اسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي قال‏:‏ أقطع عثمان بن عفان طلحة بن عبد الله النشاستج وأقطع أسامة بن زيد حدثنا شيبان بن فروخ قال‏:‏ حدثنا أبو عوانة عن ابراهيم بن المهاجر عن موسى بن طلحة أن عثمان بن عفان أقطع خمس نفر من أصحاب النبي صلىاالله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود وسعد بن مالك الزهرى والزبير بن العوام وخباب بن الأرت و أسامة بن زيد‏.‏

قال‏:‏ فرأيت بن مسعود و سعدًا فكانا جارى يعطيان أرضهما بالثلث والربع‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح عن محمد بن عمر الأسلمى عن اسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة أن عثمان بن عفان أقطع خمسة نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود وسعد بن مالك الزهري والزبير بن العوام وخباب بن الإرث وأسامة بن زيد‏.‏

قال‏:‏ فرأيت ابن مسعود و سعدًا فكانا جاري يعطيان أرضهما بالثلث والربع‏.‏

حدثني الوليد بن صالح عن محمد بن عمر الأسلمي عن إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة قال‏:‏ أول من أقطع العراق عثمان بن عفان‏.‏

أقطع قطائع من صوافي كسرى وما كان من أرض الجالية‏.‏

فأقطع طلحة النشاستج وأقطع وائل بن حجر الحضرمي والي زرارة وأقطع خباب بن الإرث استينيا وأقطع عدي بن حاتم الطائي الروحاء وأقطع خالد بن عرفطة أرضًا عند حمام أعين وأقطع الأشعث بن قيس الكندي طيزناباذ و أقطع جرير بن عبد الله البجلي أرضه على شاطئ الفرات‏.‏

حدثني الحسين بن الأسود عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال‏:‏ بلغني أن عليًا رحمه الله أزم أهل أجمة برس أربعة آلاف درهم وكتب لهم بذلك كتابًا في قطعة أديم‏.‏

وحدثني أحمد بن حماد الكوفي قال‏:‏ أجمة برس بحضرة صرح نمروذ ببابل‏.‏

وفي الأجمة حوةٌ القعر يقال إنها بئرٌ كان آخر الصرح اتخذ من طينها ويقال إنها موضع خسف‏.‏

وحدثني أبو مسعود وغيره أن دهاقين الأنبار سألوا سعد بن أبي وقاص أن يحفر لهم نهرًا كانوا سألوا عظيم الفرس حفره لهم فكتب إلى سعد ابن عمرو بن حرام يأمره بحفره لهم‏.‏

فجمع الرجال لذلك فخفروه حتى انتهوا إلى جبل لم يمكنه شقه فتركوه فلما ولى الحجاج العراق جمع الفعلة من كل ناحيةٍ وقال لقوامه‏:‏ انظروا إلى قيمة ما يأكل ردلٌ من الحفارين في اليوم فإن كان وزنه مثل وزن ما يقلع فلا تمتنعوا من الحفر‏.‏

فأنفقوا عليه حتى استتموه فنسب ذلك الجبل إلى الحجاج ونسب النهر إلى سعد بن عمرو بن حرام‏.‏

قال‏:‏ وأمرت الخيزران أم الخلفاء أن يحفر النهر المعروف بمحدود وسمته الريان‏.‏

وكان وكيلها فأما النهر المعروف بشيلي فإن بنى شيلى بن فرخزادان المروزى يدعون أن سابور حفره لجدهم حين رتبه بنغيا من طسوج الأنبار‏.‏

والذي يقول غيرهم‏:‏ إنه نسب إلى رجل يقال له شيلى كان متقبلًا بحفره‏.‏

وكانت له عليه مبقلة في أيام المنصور أمير المؤمنين وان هذا النهر كان قديمًا مندفنًا فأمر المنصور بحفره فلم يستتم حتى توفى فاستتم في خلافة المهدي‏.‏

ويقال إن المنصور كان أمر بإحداث فوهة له فوق فوهته القديمة فلم يتم ذلك حتى أتمها المهدي رحمه الله‏.‏

ذكر تمصير الكوفة حدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر وغيره أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرةٍ وأن لا يجعل بينه وبينهم بحرًا‏.‏

فأتى الأنبار وأراد أن يتخذها منزلًا‏.‏

فكثر على الناس الذباب فتحول إلى موضع آخر فلم يصلح فتحول إلى الكوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل وأنزل القبائل منازلهم وبنى مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة‏.‏

وحدثني علي بن المغيرة الأثرم قال‏:‏ حدثني أبو عبيده معمر بن المثنى عن أشياخه قالوا‏:‏ لما فرغ سعد بن أبي وقاص من وقعة القادسية وجه إلى المدائن‏.‏

فصالح أهل الرومية وبهرسير‏.‏

ثم افتتح المدائن وأخذ أسبانبر وكردبناذ عنوةً فأنزلها جنده فاحتووها‏.‏

فكتب إلى سعد أن حولهم فحولهم إلى سوق حكمة‏.‏

وبعضهم يقول حولهم إلى كويفةٍ دون الكوفة‏.‏

وقال الأثرم‏:‏ وقد قيل التكوف الاجتماع‏.‏

وقيل أيضًا المواضع المستديرة من الرمل تسمى كوفاني‏.‏

وبعضهم يسمي الأرض التي فيها الحصباء مع الطين والرمل كوفة‏.‏

قالوا‏:‏ فأصابهم البعوض فكتب سعد إلى عمر يعلمه أن الناس قد بعضوا وتأذوا بذلك‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ إن العرب بمنزلة الإبل لا يصلها إلا ما يصلح الإبل فارتد لهم موضعًا عدنًا ولا تجعل بيني وبينهم بحرًا‏.‏

وولى الاختطاط للناس أبا الهياج الأسدي عمرو بن مالك بن جنادة‏.‏

ثم إن عبد المسيح بن بقيلة أتى سعدًا وقال له‏:‏ أدلك على أرض انحدرت عن الفلاة وارتفعت عن المباق‏.‏

فدله على موضع الكوفة اليوم‏.‏

وكان يقال لها سورستان‏.‏

فلما انتهى إلى موضع مسجدها أمر رجلًا فغلا بسهم قبل مهب القلة فأعلم على موقعه ثم غلا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم على موقعه ثم غلا بسهم قبل مهب الجنوب وأعلم على موقعه ثم غلا بسهم قبل مهب الصبا فأعلم على موقعه‏.‏

ثم وضع مسجدها ودار إمارتها في مقام الغالي وما حوله وأسهم لنزار وأهل اليمن بسهمين على أنه من خرج بسهمه أولا فله الجانب الأيسر وهو خيرهما‏.‏

فخرج سهم أهل اليمن فصارت خططهم في الجانب الشرقي وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك العلامات‏.‏

وترك ما دونها فناء للمسجد ودار الإمارة‏.‏

ثم إن المغيرة بن شعبة وسعه وبناه زياد فأحكمه وبنى دار الإمارة‏.‏

وكان زياد يقول‏:‏ أنفقت على كل أسطوانةٍ من أساطين مسجد الكوفة ثماني عشرة مئة‏.‏

وبنى فيها عمرو بن حريث المخزومي بناء‏.‏

وكان زياد يستخلفه على الكوفة إذا شخص إلى البصرة‏.‏

ثم بنى العمال فيها فضيقوا رحابها وأفنيتها‏.‏

قال‏:‏ وصاحب زقاق عمرو بالكوفة بنو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة‏.‏

وحدثني وهب بن بقيةً الواسطي قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون عن داود ابن أبي هند عن الشعبي قال‏:‏ كنا - يعني أهل اليمن - أثني عشر ألفًا‏.‏

وكانت نزار ثمانية آلاف‏.‏

ألا ترى أنا أكثر أه الكوفة وخرج سهمنا بالناحية الشرقية فلذلك صارت خططنا بحيث هي‏.‏

وحدثني علي بن مهمد المائني عن مسلمة بن محارب وغيره قالوا‏:‏ زاد المغيرة في مسجد الكوفة وبناه ثم زاد فيه زيادٌ‏.‏

وكان سبب إلقاء الحصى فيه وفي مسجد البصرة أن الناس كانوا يصلون فإذا رفعوا أيديهم وقد تربت نفضوها‏.‏

فقال زياد‏:‏ ما أخوفني أن يظن الناس على غابر الأيام أن نفض الأيدي سنة في الصلاة‏.‏

فزاد في المسجد ووسعه وأمر بالحصى فجمع وألقى في صحن المسجد‏.‏

وكان الموكلون بجمعه يتعنتون الناس ويقولون لمن وظفوه عليه‏:‏ إيتونا به على ما نريكم وانتقوا منه ضروبًا اختاروها‏.‏

فكانوا يطلبون ما أشبهها فأصابوا مالًا‏.‏

فقيل‏:‏ حبذا الإمارة ولو على الحجارة‏.‏

وقال الأثرم قال أبو عبيده‏:‏ إنما قيل ذلك لأن الحجاج بن عتيك الثقفي أبو ابنه تولى قطع حجارة أساطين مسجد البصرة من جبل الأهواز فظهر له مالٌ فقال الناس‏:‏ حبذا الإمارة ولو على الحجارة‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ وكان تكويف الكوفة في سنة ثمانية عشرة‏.‏

قال‏:‏ وكان زياد اتخذ في مسجد الكوفة مقصورةً ثم جددها خالد ابن عبد الله القسري‏.‏

وحدثني حفص بن عمر العمري قال‏:‏ حدثني الهيثم بن عدي الطائي قال‏:‏ أقام المسلمون بالمدائن واختطوها وبنوا المساجد فيها‏.‏

ثم إن المسلمين استوخموها واستوبؤها فكتب بذلك سعد بن أبي وقاص إلى عمر‏.‏

فكتب إليه عمر أن ينزلهم منزلا غربيًا‏.‏

فارتاد كويفة ابن عمر‏.‏

فنظروا فإذا الماء محيطٌ بها‏.‏

فخرجوا حتى أتوا موضع الكوفة اليوم فانتهوا إلى الظهر وكان يدعى خد العذراء ينبت الخزامة والأقحوان والشيح والقيصوم والشقائق فاختطوها‏.‏

وحدثني شيخ من الكوفيين أن ما بين الكوفة والحيرة كان يسمى الملطاط‏.‏

قال‏:‏ وكانت دار عبد الملك بن عمير للضيفان‏.‏

أمر عمر أن يتخذ لمن يرد من الآفاق دارًا فكانوا ينزلونها‏.‏

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف عن محمد بن إسحاق قال‏:‏ اتخذ سعد بن أبي وقاص بابًا مبوبًا من خشبٍ وخص على قصره خصًا من قصب‏.‏

فبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه محمد بن مسلمة الأصناري حتى أحرق الباب والخص‏.‏

وأقام سعدًا في مساجد الكوفة فلم يقل فيه إلا خيرٌ‏.

وحدثني العباس بن الوليد النرسي وإبراهيم العلاف البصري

قالا‏:‏ حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة أن أهل الكوفة سعوا بسعد بن أبي وقاص إلى عمر وقالوا‏:‏ إنه لا يحسن الصلاة‏.‏

فقال سعدٌ‏:‏ أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين‏.‏

فقال عمر‏:‏ ذاك الظن بك يا أبا إسحاق‏.‏

فأرسل عمر رجالًا يسألون عنه بالكوفة فجعلوا لا يأتون مسجدًا من مساجدها إلا قالوا خيرًا وأثنوا معروفًا حتى أتوا مسجدًا من مساجدها إلا قالوا خيرًا وأثنوا معروفًا حتى أتوا مسجدًا من مساجد بني عبس فقال رجل منهم يقال له أبو سعدة‏:‏ أما إذا سألتمونا عنه فإنه كان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية‏.‏

قال‏:‏ فقال سعدٌ‏:‏ اللهم إن كان كاذبًا فأطل عمره وأدم فقره واعم بصره وعرضه للفتن‏.‏

قال عبد الملك‏:‏ فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك فذا قيل له‏:‏ كيف أنت يا أبا سعدة قال‏:‏ كبيرٌ مفتونٌ أصابتني دعوة سعد‏.‏

قال العباس النرسي في غير هذا الحديث‏:‏ إن سعدًا قال لأهل الكوفة‏:‏ اللهم لا ترض عنهم أميرًا ولا ترضهم بأمير‏.‏

وحدثني العباس النرسي قال‏:‏ بلغني أن المختار بن أبي عبيد أو غيره قال‏:‏ حب أهل الكوفة شرف وبغضهم تلف‏.‏

وحدثني الحسن بن عثمان الزبادي قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي أن عمرو بن معدي كرب الزبيدي وفد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد فتح القادسية فسأله عن سعدٍ وعن رضاء الناس عنه فقال‏:‏ تركته يجمع لهم جمع الذرة ويشفق عليهم شفقة الأم البرة‏.‏

أعرابيٌ في نمرته نبطيٌ في جبايته‏.‏

يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفذ بالسرية‏.‏

فقال عمر‏:‏ كأنكما تقارضتما الثناء - وقد كان سعد كتب يثني على عمرو - قال‏:‏ كلا يا أمير المؤمنين‏!‏ ولكني أنبيت بما أعلم‏.‏

قال‏:‏ يا عمرو‏!‏ أخبرني عن الحرب‏.‏

قال‏:‏ مرة المذاق إذا قامت على ساق‏.‏

من صبر فيها عرف ومن ضعف عنها تلف‏.‏

قال‏:‏ فأخبرني عن السلاح قال‏:‏ سل يا أمير المؤمنين عما شئت منه‏.‏

قال‏:‏ الرمح‏.‏

قال‏:‏ أخوك وربما خانك‏.‏

قال‏:‏ فالسهام‏.‏

قال‏:‏ رسل المنايا تخطئ وتصيب‏.‏

قال‏:‏ فالترس‏.‏

قال‏:‏ ذاك المجن عليه تدور الدوائر‏.‏

قال‏:‏ فالدرع‏.‏

قال مشغلي للفارس متعبة للراحل وإنها لحصن حصين‏.‏

قال‏:‏ والسيف قال‏:‏ هناك ثكلتك أمك‏.‏

فقال عمر‏:‏ بل ثكلتك أمك‏.‏

فقال عمرو‏:‏ الحمى أضرعتنى إليك‏.‏

قال‏:‏ وعزل عمر سعدًا وولى عمار بن ياسر‏.‏

فشكوه وقالوا‏:‏ ضعيفٌ لا علم له بالسياسة‏.‏

فعزله‏.‏

وكانت ولايته الكوفة سنةً وتسعة أشهر‏.‏

فقال عمر‏:‏ من عذيري من أهل الكوفة‏!‏ إن استعملت عليهم القوى فجروه وإن وليت عليهم الضعيف حقروه‏.‏

ثم دعى المغيرة بن شعبة فقال‏:‏ إن وليتك الكوفة أتعود إلى شيءٍ مما قرفت به فقال‏:‏ لا‏.‏

وكان المغيرة حين فتحت القادسية صار إلى المدينة فولاه عمر الكوفة فلم يزل عليها حتى توفى عمر‏.‏

ثم إن عثمان ابن عفان ولاها سعدًا ثم عزله وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية فلما قدم عليه قال له سد‏:‏ إما أن تكون كست بعدي أو أكون حمقت بعدك‏.‏

ثم عزل الوليد وولى سعد بن العاص بن سعيد ابن العاص بن أمية‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن بعض الكوفيين قال‏:‏ سمعت مسعر بن كدام يحدث قال‏:‏ كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه‏.‏

فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا ويحالفوا من أحبوا ويفرض لهم في العطاء‏.‏

فأعطوا الذي سألوه‏.‏

وحالفوا زهرة ابن حوية السعدي من بني تميم وأنزلهم سعد بحيث اختاروا وفرض لهم في ألف ألفٍ وكان لهم نقيبٌ منهم يقال له ديلم فقيل حمراء ديلم‏.‏

ثم إن زيادًا ير بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية فهم بها يدعون الفرس‏.‏

وسيرًا منهم قومًا إلى البصرة فدخلوا في الأساورة الذين بها‏.‏

قال أبو مسعود‏:‏ والعرب تسمى العجم الحمراء ويقولون‏:‏ جئت من حمراء ديلم كقولهم جئت من جهينة وأشباه ذلك‏.‏

قال أبو مسعود‏:‏ وسمعت من يذكر أن هؤلاء الأساورة كانوا مقيمين بازاء الديلم فلما غشيهم المسلمون بقزوين أسلموا على مثل ما أسلم عليه أساورة البصرة وأتوا الكوفة فأقاموا بها‏.‏

وحدثني المدائني قال‏:‏ كان أبرويز وجه إلى الديلم فأتى بأربعة آلاف‏.‏

وكانوا خدمه وخاصته ثم كانوا على تلك المنزلة بعده وشهدوا القادسية مع رستم‏.‏

فلما قتل وانهزم المجوس اعتزلوا وقالوا‏:‏ ما نحن كهؤلاء ولا لنا ملجأ وأثرنا عندهم غير جميل والرأي لنا أن ندخل معهم في دينهم فنعز بهم‏.‏

فاعتزلوا‏.‏

فقال سعد‏:‏ ما لهؤلاء فأتاهم المغيرة بن شعبة فسألهم عن أمرهم فأخبروه بخيرهم وقالوا‏:‏ ندخل في دينكم‏.‏

فرجع إلى سعد فأخبره فأمنهم فأسلموا وشهدوا فتح المدائن مع سعد وشهدوا فتح جلولاء ثم تحولوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين‏.‏

وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي‏:‏ جبانة السبيع نسبت إلى ولد السبيع بن سبع بن صعب الهمداني‏.‏

وصحراء أثير نسبت إلى رجلٍ من بني أسد يقال له أثير‏.‏

ودكان عبد الحميد نسب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة‏.‏

وصحراء بنى قرار نسبت إلى بني قرار ابن ثعلبة بن مالك بن حرب بن طريف بن النمر بن يقدم ابن ثعلبة بن مالك بن حرب بن طريف بن النمر بن يدم بن عنزة بن أسد ابن ربيعة بن نزار‏.‏

قال‏:‏ وكانت دار الروميين مزبلةً لأهل الكوفة تطرح فيها القمامات والكساحات حتى استقطعها عنبسة بن سعيد بن العاص من يزيد بن عبد الملك فأقطعه إياها فنقل ترابها بمئة وقال أبو مسعود‏:‏ سوق يوسف بالحيرة نسب إلى يوسف بن عمر ابن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف بن الحكم ابن أبي عقيل وهو عامل هشام على العراق‏.‏

وأخبرني أبو الحسن على بن محمد وأبو مسعود قالا‏:‏ حمام أعين نسب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاس‏.‏

وأعين هذا هو الذي أرسله الحجاج ابن يوسف إلى عبد الله بن الجارود العبدى من رستقاباذ حين خالف وتابعه الناس على إخراج الحجاج من العراق ومسئلة عبد الملك تولية غيره فقال له حين أدى الرسالة‏:‏ لولا أنك رسول لقتلتك‏.‏

قال أبو مسعود‏:‏ وسمعت أن الحمام قبله كان لرجل من العباد يقال له جابر أخو حيان الذي ذكره الأعشى وهو صاحب مسناة جابر بالحيرة فابتاعه من ورثته‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ وبيعة بنى مازن بالحيرة لقومٍ من الأزد من بنى عمرو بن مازن من الأزد وهم من غسان‏.‏

قال‏:‏ وحمام عمر نسب إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص‏.‏

قالوا‏:‏ وشهارسوج بجيلة بالكوفة إنما نسب إلى بني بجلة وهم ولد مالك بن قعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور‏.‏

وبجلة أمهم وهي غالبةٌ على نسبهم‏.‏

فغلط الناس فقالوا بجيلة‏.‏

وجبانة عرزم نسبت إلى رجلٍ يقال له عرزم كان يضرب فيها اللبن ولبنها ردى فيه قصبٌ وحدثني ابن عرفة قال‏:‏ حدثني إسماعيل بن عليه عن ابن عون أن إبراهيم النخعي أوصى أن لا يجعل في قبره لبن عرزمى‏.‏

وقد قال بعض أهل الكوفة‏:‏ إن عرزمًا هذا رجلٌ من بنى نهد‏.‏

وجبانة بشر نسبت إلى بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير الخثعمي الذي يقول‏:‏ نحن بباب القادسية ناقتي وسعد بن وقاص على أمير قال أبو مسعود‏:‏ وكان بالكوفة موضعٌ يعرف بعنترة الحجام‏.‏

وكان أسو‏.‏

فلما دخل أهل خرا سان الكوفة كانوا يقولون‏:‏ حجام عنترة‏.‏

فبقى الناس على ذلك‏.‏

وكذلك حجام فرج وضحاك رواس وبيطار حيان‏.‏

ويقال‏:‏ رستم ويقال‏:‏ صليب وهو بالحيرة‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ نسبت زرارة إلى زرارة بن يزيد ابن عمرو بن عدس من بنى البكاء بن عامر بن صعصعة‏.‏

وكانت منزله وأخذها منه معاوية بن أبي سفيان‏.‏

ثم أصفيت بعد حتى أقطعها محمد بن الأشعث ابن عقبة الخزاعى‏.‏

قال‏:‏ ودار حكيم بالكوفة في أصحاب الأنماط نسبت إلى حكيم بن سعد ابن ثور البكائي‏.‏

وقصر مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن إبراهيم بن أيوب بن محروق أحد بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم‏.‏

قال‏:‏ والسوا دية بالكوفة نسبت إلى سواد بن زيد بن عدي ابن زيد الشاعر العبادي‏.‏

وجده وقرية أبي صلابة التي على الفرات نسبت إلى صلابة بن مالك بن طارق ابن جبر بن همام العبدي‏.‏

وأقساس مالك نسبت إلى مالك بن قيس بن عبد هند بن لجم أحد بني حذاة بن زهر بن إياد بن نزار‏.‏

ودير الأعور لرجل من إياد من بني أمية بن حذافة كان يسمى الأعور وفيه يقول أبو دؤاد الأيادي وديرٌ يقول له الرائدو - ن ويل أم دار الحذاقى دارا ودير قرة نسب إلى قرة أحد بني أمية بن حذاقة وإليهم ينسب دير السوا والسوا العدل كانوا يأتونه فيتناصفون فيه‏.‏

ويحلف بعضهم لبعض على الحقوق‏.‏

وبعض الرواة يقول‏:‏ السوا امرأة منهم‏.‏

قال‏:‏ ودير الجماجم لأياد وكانت بينهم وبين بني بهراء بن عمرو بن الحاف ابن قضاعة وبين بني القين بن جسر بن شيع الله بن وبرة بن تغلب بن حلوان ابن عمران بن الحاف حربٌ فقتل فيها من إياد خلقٌ فلما أقضت الوقعة دفنوا قتلاهم عند الدير‏.‏

وكان الناس بعد ذلك يحفرون فخرج جماجم فسمى دير الجماجم‏.‏

هذه رواية الشرقي بن القطامى‏.‏

وقال محمد بن السائب الكلبي‏:‏ كان مالك الرماح بن محرز الأيادي قتل قوماٌ من الفرس ونصب جماجمهم عند الدير فسمى دير الجماجم‏.‏

ويقال إن دير كعب لأياد ويقال لغيرهم‏.‏

ودير هند لأم عمرو بن هند وهو عمرو بن المنذر بن ماء السماء‏.‏

وأمه كندية‏.‏

ودار قمام بنت الحارث بن هانئ الكندي وهي عند دار الأشعث ابن قيس‏.‏

قال‏:‏ وبيعة بنى عدي بن الذميل من لخم‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت طيزناباذ تدعى ضيزناباذ‏.‏

فغيروا أسمها‏.‏

وإنما نسبت إلى الضيزن بن معاوية بن العبيد السليحي‏.‏

واسم سليح عمر بن طريف بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏

وربة الخضراء بنت الضيزن‏.‏

وأم الضيزن جهيلة بنت تزيد بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة‏.‏

قال‏:‏ والذي نيب إليه مسجد سماك بالكوفة سماك بن مخرمة بن حمين الأسدي من بني الهالك بن عمرو بن أسد وهو الذي يقول له الأخطل‏:‏ إن سماكًا بني مجدًا لأسرته حتى الممات وفعل الخير يبتدر قد كنت أحسبه قينًا وأخبره فاليوم طير عن أثوابه الشرر وكان الهالك أول من عمل الحديد وكان ولده يعيرون بذلك فقال سماك للأخطل‏:‏ ويحك ما قال ابن الكلبي‏:‏ بالكوفة محلة بني شيطان وهو شيطان بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة من تميم‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ موضع دار عيسى بن موسى التي يعرف بها اليوم كان للعلاء بن عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

وكان العلاء على ربع الكوفة أيام ابن الزبير‏.‏

وسكة ابن محرز تنسب إليه‏.‏

وبالكوفة سكة تنسب إلى عميرة بن شهاب بن محرز بن أبي شمر الكندي الذي كانت أخته عند عمر بن سعد بن أبي وقاص فولدت له حفص بن عمر‏.‏

وصحراء شبث نسبت إلى شبث بن ربعي الرياحي من بني تميم‏.‏

قالوا‏:‏ ودار حجير بالكوفة نسبت إلى حجير بن الجعد الجمحي‏.‏

وفال‏:‏ بئر المبارك في مقبرة جعفي نسبت إلى المبارك بن عكرمة بن حميري الجعفي‏.‏

وكان يوسف بن عمر ولاه بعض السواد‏.‏

ورحى عمارة نسبت إلى عمارة بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية‏.‏

وقال‏:‏ جبانة سام نسبت إلى سالم بن عمار بن عبد الحارث أحد بني دارم بن نهار بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هارون‏.‏

وبنو مرة بن صعصعة ينسبون إلى أمهم سلول بنت ذهل قالوا‏:‏ وصحراء البردخت نسبت إلى البردخت الشاعر الضبي واسمه علي بن خالد‏.‏

قالوا‏:‏ ومسجد بني عنز نسب إلى بني عنز بن وائل بن قاسط‏.‏

ومسجد بني جذيمة نسب إلى بني جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد‏.‏

ويقال إلى بني جذيمة بن رواحة العبسي وفيه حوانيت الصيارفة‏.‏

قال‏:‏ وبالكوفة مسجد نسب إلى بني المقاصف بن ذكوان بن زبينةبن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ولم يبق منهم أحد‏.‏

قال‏:‏ ومسجد بني بهدلة نسب إلى بني بهدلة بن المثل بن معاوية من كندة‏.‏

قال‏:‏ وبئر الجعد بالكوفة نسب إلى الجعد مولى همدان‏.‏

قال‏:‏ ودار أبي أرطاة نسبت إلى أرطاة بن مالك البجلي‏.‏

قال‏:‏ ودار المقطع نسبت إلى المقطع بن سنين الكلبي بن خالد بن مالك‏.‏

وله يقول ابن الرفاع‏:‏ على ذي منار تعرف العين شخصه كما يعرف الأضياف دار المقطع‏.‏

قال‏:‏ وقصر العدسيين في طرف الحيرة لبني عمار بن عبد المسيح بن قيس بن حرملة بن علقمة بن عدس الكلبي‏.‏

نسبوا إلى جدتهم عدية بنت مالك بن عوف الكلبي وهي أم الرماح والمشظ ابن عامر المذمم‏.‏

وحدثني شيخ من أهل الحيرة قال‏:‏ وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة التي كانت لآل المنذر أن المسجد الجامع بالكوفة بني ببعض نقض تلك القصور وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم‏.‏

وحدثني أبو مسعود وغيره قال‏:‏ كان خالد بن عبد الله بن أيد بن كرز القسري من بجياة بني لأمه بيعة هي اليوم سكة البريد بالكوفة‏.‏

وكانت أمه نصرانية‏.‏

قال وبني خالد حوانيت أنشأها وجعل سقوفها آزاجًا معقودة بالآجر والجص‏.‏

وحفر خالد النهر الذي يعرف بالجامع‏.‏

واتخذ بالقرية قصرًا يعرف بقصر خالد‏.‏

واتخذ أخوه أسد بن عبد الله القرية التي تعرف بسوق أسد‏.‏

وسوقها ونقل الناس إليها فقيل سوق أسد‏.‏

وكان العبر الآخر ضيعة عتاب بن ورقاء الرياحي وكان معسكره حين شخص إلى خرا سان واليًا عليها عند سوقة هذا قال أبو مسعود‏:‏ وكان عمر بن هبيرة بن معية الفزاري أيام ولايته العراق أحدث قنطرة الكوفة ثم أصلحها خالدٌ بن عبد الله القسري واسوتثق منها‏.‏

وقد أصلحت بعد ذلك مرات‏.‏

قال‏:‏ وقال بعض أشياخنا‏:‏ كان أول من بناها رجلٌ من العباد من جعفى في الجاهلية ثم سقطت فاتخذ في موضعها جسرٌ ثم بناها في الإسلام زياد بن أبي سفيان ثم ابن هبيرة ثم حدثني أبو مسعود وغيره قالوا‏:‏ كان يزيد بن عمر بن هبيرة بنى مدينة بالكوفة على الفرات ونزلها ومنها شيء يسيرٌ لم يستتم‏.‏

فأتاه كتاب مروان يأمره باجتناب مجاورة أهل الكوفة فتركها‏.‏

وبنى القصر الذي يعرف بقصر ابن هبيرة بالقرب من جسر سورا‏.‏

فلماظهر أمير المؤمنين أبو العباس نزل تلك المدينة واستتم مقاصير فيها وأحدث فيها بناءً وسماها الهاشمية‏.‏

فكان الناس ينسبونها إلى ابن هبيرة على العادة فقال‏:‏ ما أرى ذكر ابن هبيرة يسقط عنها‏.‏

فرفضها وبنى بحيالها المدينة الهاشمية‏.‏

ثم اختار نزول الأنبار فبنى بها مدينته المعروفة فلما توفى دفن بها‏.‏

واستخلف أبو جعفر المنصور فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة واستتم شيئًا كان بقي منها وزاد فيها بناءً وهيأها على ما أراد ثم تحول منها إلى بغداد‏.‏

فبنى مدينته ومصر بغداذ وسماها مدينة السلام واصلح سورها القديم الذي يبتدئ من دجلة وينتهي إلى الصراط‏.‏

وبالهاشمية حبس المنصور عبد الله بن حين ابن حسن بن علي بن أبي طالب بسبب ابنيه محمد وإبراهيم وبها قبره‏.‏

وبنى المنصور بالكوفة الرصافة وأمر أبا الخصيب مرزوقًا مولاه فبنى له القصر المعروف بأبي وأما الخورنق فكان قديمًا فارسيًا بناه النعمان بن امرئ القيس - وهو ابن الشقيقة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان - لبرهام جور بن يزدجرد ابن بهرام بن سابور ذي الأكتاف‏.‏

وكان يهرام جور في حجره‏.‏

والنعمان هذا الذي ترك ملكه وساح فذكره عدي بن زيد العبادي في شعره‏.‏

فلما ظهرت الدولة المباركة أقطع الخورنق إبراهيم بن سلمة أحد الدعاة بخرا سان وهو جد عبد الرحمن بن إسحاق القاضي كان بمدينة السلام في خلافة المأمون والمعتصم بالله رحمهما الله وكان مولى للرباب‏.‏

وإبراهيم أحدث قبة الخورنق في خلافة أبي العباس ولم تكن قبل ذلك‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي قال‏:‏ وحدثني يحيى بن سلمة بن كهيل الحضري عن مشايخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما فتحوا المدائن أصابوا بها فيلًا وقد كانوا قتلوا ما لقيهم قبل ذلك من الفيلة‏.‏

فكتبوا فيه الى عمر‏.‏

فكتب إليهم أن بيعوه إن وجدتم له مباعًا‏.‏

فاشتراه رجلٌ من أهل الحيرة فكان عنده يريه الناس ويجلله ويطوف به في القرى فمكت عنه حينًا‏.‏

ثم إن أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط ارمأة المغيرة بن شعبة - وهي التي خلف عليها زياد بعده - أحبت النظر إليه وهي تنزل دار أبيها‏.‏

فأتى به ووقف على باب المسجد الذي يدعى اليوم باب الفيل‏.‏

فجعلت تنظر إليه ووهبت لصاحبه شيئًا وصرفته فلم يخط إلا خطًا يسيرة حتى سقط ميتًا‏.‏

فسمي الباب باب الفيل‏.‏

وقد قيل إن الناظر إليه امرأة الوليد بن عقبة بن أبي معيط‏.‏

وقيل أن ساحرًا أرى الناس أنه أخرج من هذا الباب فبلًا على حمار وذلك باطل‏.‏

وقيل إن الأجانا التي في المسجد حملت على فيل وأدخل من هذا الباب فسميت باب الفيل‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إن فيلًا لبعض الولاة اقتحم هذا الباب فنسب إليه‏.‏

والخبر الأول أثبت هذه الأخبار‏.‏

وحدثني أبو مسعود قال‏:‏ جبانة ميمون بالكوفة نسبت إلى ميمون مولى محمد بن علي بن عبد الله وهو أبو بشر بن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بالقرب من باب الشام‏.‏

وصحراء أم سلمة نسبت إلى أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم امرأة أبي العباس‏.‏

وحدثني أبو مسعود قال‏:‏ أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها وألزم كل امرئ منهم للنفقة عليه أربعين ردهم‏.‏

وكان ذامًا لهم لميلهم إلى الطالبيين وإرجافهم بالسلطان‏.‏

وحدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جاب وحدثني الحسين قال‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم قال‏:‏ قال عمر‏:‏ بالكوفة وجوه الناس‏.‏

وحدثنا الحسين وإبراهيم بن مسلم الخوارزمي قالا‏:‏ حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي قال‏:‏ كتب عمر إلى أهل الكوفة‏:‏ إلى رأس الإسلام‏.‏

وحدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن قيس بن الربيع عن شمر بن عطية قال‏:‏ قال عمر‏:‏ وذكر الكوفة فقال‏:‏ هم رمح الله وكنز الإيمان وجمجمة العرب يحرسون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار‏.‏

حدثنا أبو نصر التمار قال‏:‏ حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي شريك العامري عن جندب عن سلمان قال‏:‏ الكوفة قبة الإسلام يأتي على الناس زمان لا يبقى مؤمن إلا وهو بها أو يهوى قلبه إليها‏.‏

أمر واسط العراق حدثني عبد الحميد بن واسع الختلى الحاسب قال‏:‏ حدثني يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال‏:‏ أول مسجدٍ جامعٍ بالسواد مسجد المدائن بناه سعد وأصحابه ثم وسع بعد وأحكم بناؤه وجرى ذلك على يدي حذيفة ابن اليمان‏.‏

وبالمدائن مات حذيفة سنة ست وثلاثين‏.‏

ثم بنى مسجد الكوفة ثم مسجد الأنبار‏.‏

قال‏:‏ وأحدث الحجاج مدينة واسط في سنة ثلاث وثمانين أو سنة أربع وثمانين‏.‏

وبنى مسجدها وقصرها وقبة الخضراء بها‏.‏

وكانت واسط أرض قصب فسميت واسط القصب‏.‏

وبينها وبين الأهواز والبصرة والكوفة مقدارٌ واحد‏.‏

وقال ابن القرية‏:‏ بناها في غير بلده ويتركها لغيره ولده‏.‏

وحدثني شيخ من أهل واسط عن أشياخ منهم أن الحجاج لما فرغ من واسط كتب إلى عبد المللك بن مروان‏:‏ إني اتخذت مدينة فر كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها واسطًا‏.‏

فلذلك سمى أهل واسط الكرشيين‏.‏

وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطًا أراد نزول الصين من كسكر فخفر نهر الصين وجمع له الفعلة وأمر بأن يسلسوا لئلا يشذوا ويتبلطوا‏.‏

ثم بدا له فأحدث واسطًا‏.‏

فنزلها واحتفر النيل والزابي وسماه زابيًا لأخذه من الزابي القديم‏.‏

وأحيا ما على هذين النهرين من الأرضين وأحدث المدينة التي تعرف بالنيل ومصرها‏.‏

وعمد إلى ضياعٍ كان عبد الله بن دراج مولى معاوية بن أبي سفيان استخرجا له أيام ولايته خراج الكوفة مع المغيرة بن شعبة من مواتٍ مرفوض ونقوع مياهٍ ومغايض وآجام ضرب عليها المسنيات ثم قلع قصبها فحازها لعبد الملك بن مروان وعمرها‏.‏

ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع بواسط أبوابًا من زند ورد والد وقرة ودار وساط ودير ماسرجسان وشرابيط‏.‏

فضج أهل هذه المدن وقالوا‏:‏ قد أومنا على مدننا وأموالنا‏.‏

فلم يلتفت إلى قولهم‏.‏

قال‏:‏ وحفر خالد بن عبد الله القسري المبارك فقال الفرز دق‏:‏ كأنك بالمبارك بعد شهرٍ تخوض غموره بقع الكلاب ثم قال في شعر له طويل‏:‏ أعطى خليفته بقوة خالدٍ نهرًا يفيض له على الأنهار إن المبارك كاسمه يسقى به حرث السواد وناعم الجبار وكأن دجلة حين أقبل مدها نابٌ يمد له بحبل قطار وحدثني محمد بن خالد بن عبد الله الطحان قال‏:‏ حدثني مشايخنا أن خالد بن عبد الله القسري كتب إلى هشام بن عبد الملك يستأذنه في عمل قنطرة على دجلة‏.‏

فكتب إليه هشام‏:‏ لو كان هذا ممكنًا لسبق إليه الفرس‏.‏

فراجعه فكتب إليه‏:‏ إن كنت متيقنًا أنها تتم فاعملها‏.‏

فعملها وأعظم النفقة عليها فلم يلبث أن قطعها الماء‏.‏

فأغرمه هشام ما كان أنفق عليها‏.‏

قالوا‏:‏ وكان النهر المعروف بالبزاق قديمًا وكان يدعى بالنبطية البساق أي الذي يقطع الماء عن ما يليه ويجره إليه‏.‏

وهو نهر يجتمع إليه فضول مياه آجام السيب وماءٌ من ماء الفرات‏.‏

فقال الناس‏:‏ البزاق‏.‏

فأما الميمون فأول من حفره وكيلٌ لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور يقال له سعيد بن زيد‏.‏

وكانت فوهته عند قرية تدعى قرية ميمون‏.‏

فحولت في أيام الواثق بالله على يدي عمر بن فرج الرخجى وسمى الميمون لئلا يسقط عنه ذكر اليمن‏.‏

وحدثني محمد بن خالد قال‏:‏ أمر المهدي أمير المؤمنين بحفر نهر الصلة فحفر وأحيا ما عليه من الأرضين وجعلت غلته لصلات أهل الحرمين والنفقة هناك‏.‏

وكان شرط لمن تألف إليه من المزارعين الشرط الذي هم عليه اليوم خمسين سنة على أن يقاسموا بعد انقضاء الخمسين مقاسمة النصف‏.‏

وأما نهر الأمير فنسب إلى عيسى بن علي وهو في قطيعته‏.‏

وحدثنا محمد بن خالد قال‏:‏ كان محمد بن القاسم أهدى إلى الحجاج من السند فيلًا فأجيز البطائح في سفينة وأخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة الفيل‏.‏

فسميت تلك المشرعة مشرعة الفيل وفرضة الفيل‏.‏

أمر البطائح حدثني جماعة من أهل العلم أن الفرس كانت تتحدث بزوال ملكها وتروي في آية ذلك زلازل وطوفانًا تحدث‏.‏

وكانت دجلة تصب إلى دجلة البصرة التي تدعى العوراء في أنهار متشعبةٍ من عمود مجراها الذي كان باقي مائها يجري فيه وهو كبعض تلك الأنهار‏.‏

فلما كان زمان قباذ بن فيروز انبثق في أسافل كسكر بثقٌ عظيم فأغفل حتى غلب ماؤه وغرق كثيرًا من أرضين عامرة‏.‏

وكان قياذ واهنًا قليل التفقد لأمره‏.‏

فلما ولى أنو شر وان ابنه أمر لما كانت السنة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى أبرويز وهي سنة سبع من الهجرة ويقال سنة ستٍ زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها ولا بعدها‏.‏

وانبثقت بثوقٌ عظامٌ فجهد أبرويز أن يسكرها فغلبه الماء ومال إلى موضع البطائح فطفا على العمارات والزروع فغرق عدة طساسيج كانت هناك‏.‏

وركب كسرى بنفسه لسد تلك البثوق ونثر الأموال على الأنطاع وقتل الفعلة بالكفاية وصلب على بعض البثوق فيما يقال أربعين جسارًا في يوم فلم يقدر للماء على حيلة‏.‏

ثم دخلت العرب أرض العراق وشغلت الأعاجم بالحروب‏.‏

فكانت البثوق تتفجر فلا يلتفت إليها ويعجز الدهاقين عن سد عظمها‏.‏

فاتسعت البطيحة وعرضت‏.‏

فلما ولى معاوية بن أبي سفيان ولى عبد الله بن دراج مولاه خراج العراق واستخرج له من الأرضين بالبطائح ما بلغت غلته خمسة آلاف ألف‏.‏

وذلك أنه قطع القصب وغلب الماء بالمسنيات‏.‏

ثم كان حسان النبطي - مولى بني ضبة وصاحب حوض حسان بالبصرة والذي تنسب إليه منارة حسان بالبطائح - فاستخرج للحجاج أيام الوليد ولهشام بن عبد الملك أرضين من أراضي البطيحة‏.‏

قالوا وكان بكسكر قبل حدوث البطائح نهرٌ يقال له الجنب‏.‏

وكان طريق البريد إلى ميسان ودستميسان وإلى الأهواز في شقه القبلى‏.‏

فلما تبطحت البطائح سمى ما استأجم من شق طريق البريد آجام البريد‏.‏

وسمى الشق الآخر أجام أغمر بثى‏.‏

ومعنى ذلك الآجام الكبرى‏.‏

والنهر اليوم يظهر في الأرضين الجامدة التي استخرجت حديثًا‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن أشياخه قالوا‏:‏ حدثت البطائح بعد مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وملك الفرس أبرويز‏.‏

وذلك أنه انبثقت يثوقٌ عظامٌ عجز كسرى عن سدها وفاضت الأنهار حتى حدثت البطائح‏.‏

ثم كان مدٌ في أيام محاربة المسلمين الأعاجم وبثوقٌ لم يعن أحدٌ بسدها فاتسعت البطيحة لذلك وعظمت‏.‏

وقد كان بن أمية استخرجوا بعض أرضيها فلما كان زمن الحجاج غرق ذلك لأن بثوقًا انفجرت فلم يعان الحجاج سدها مضارةً للدهاقين لأنه كان اتهمهم بممالأة ابن الأشعث حين خرج عليه‏.‏

واستخرج حسان النبطي لهشام أرضين من أرض البطيحة أيضًا‏.‏

وكان أبو السد - الذي نسب إليه نهر أبي الأسد - قائدًا من قواد المنصور أمير المؤمنين ممن كان وجه إلى البصرة أيام مقام عبد الله ابن علي بها وهو الذي أدخل عبد الله بن علي الكوفة‏.‏

وحدثني عمر بن بكير أن المنصور رحمه الله وجه أبا الأسد مولى أمير المؤمنين فعسكر بينه وبين عسكر عيسى بن موسى حين كان يحارب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب‏.‏

وهو حفر النهر المعروف بأبي أسد عند البطيحة‏.‏

وقال غيره‏:‏ أقام على فم النهر لأن السفن لم تدخله لضيقه عنها فوسعه ونسب إليه‏.‏

قال أبو مسعود‏:‏ وقد انبثقت في أيام الدولة المباركة بثوقٌ زادت في البطائح سعة‏.‏

وحدثت أيضًا من الفرات آجامٌ استخرج بعضها‏.‏

وحدثني أبو مسعود عن عوانة قال‏:‏ انبثقت البثوق أيام الحجاج‏.‏

فكتب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يعلمه أنه قدر لسدها ثلاثة آلاف ألف درهم‏.‏

فاستكثرها الوليد فقال له مسلمة بن عبد الملك‏:‏ أنا أنفق عليها على أن تقطعني الأرضين المنخفضة التي يبقى فيها الماء بعد إنفاق ثلاثة آلاف ألف درهم يتولى إنفاقها ثقتك ونصيحك الحجاج‏.‏

فأجابه إلى ذلك‏.‏

فحصلت له أرضون من طساسيج متصلة‏.‏

فخفر السيبين وتألف الأكرة والمزارعين وعمر تلك الأرضين وألجأ الناس إليها ضياعا كثيرة للتعزز به‏.‏

فلما جاءت الدولة المباركة وقبضت أموال بني أمية أقطع جميع السيبين داود بن علي ابن عبد الله بن العباس ثم ابتيع ذلك من ورثته بحقوقه وحدوده فصار من ضياع الخلافة‏.

أمر مدينة السلام

قالوا‏:‏ وكانت بغداذ قديمةً فمصرها أمير المؤمنين المنصور رحمه الله وابتنى بها مدينةً وابتدأها في سنة خمس وأربعين ومئة‏.‏

فلما بلغه خروج محمد وإبراهيم بنى عبد الله بن حسن بن حسن عاد إلى الكوفة ثم حول بيوت الأموال والخزائن والدواوين من الكوفة إلى بغداذ سنة ست وأربعين ومئة‏.‏

وسماها مدينة السلام‏.‏

واستتم بناء حائط مدينته وجميع أمره وبناء سور بغداذ القديم سنة سبع وأربعين ومئة‏.‏

وتوفى سنة ثمان وخمسين ومئة بمكة ودفن عند بئر ميمون بن الحضرمي حليف بني أمية‏.‏

وبنى المنصور للمهدي الرصافة في الجانب الشرقي ببغداذ‏.‏

وكان هذا الجانب يدعى عسكر المهدي لأنه عسكر فيه حين خرج إلى الري‏.‏

فلما قدم من الري وقد بدا للمنصور في إنفاذه إلى خرا سان للإقامة بها نزل الرصافة وذلك في سنة إحدى وخمسين ومئة وقد كان المنصور أمر فبنى للمهدي قبل إنزاله الجانب الشرقي قصره الذي يعرف بقصر الوضاح وبقصر المهدي وبالشرقية وهو مما يلي باب الكرخ‏.‏

والوضاح رجلٌ من أهل الأنبار كان تولى النفقة عليه فنسب إليه‏.‏

وبنى المنصور مسجدي مدينة السلام‏.‏

وبنى القنطرة الجديدة على الصراة وابتاع أرض مدينة السلام من قومٍ من أرباب القرى باد وريا وقطر بل ونهر بوق ونهر بين وأقطعها أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه وجعل مجمع الأسواق بالكرخ وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة‏.‏

عن أبيه قال‏:‏ سمى المخرم ببغداذ مخرمًا لأن مخرم بن شريح بن حزن الحارثي نزله‏.‏

قال‏:‏ وكان ناحية قنطرة البردان للسرى بن الحطيم صاحب الطيمية التي تعرف ببغداذ‏.‏

وحدثني مشايخ من أهل بغداذ أن الصالحية ببغداذ نسبت إلى صالح بن المنصور‏.‏

قالوا‏:‏ والحربية نسبت إلى حرب بن عبد الله البلخي وكان على شرط جعفر بن أبي جعفر بالموصل‏.‏

والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إلى زهير بن محمد من أهل أبيورد‏.‏

وعيساباذ نسبت إلى عيسى بن المهدي وكان في حجر منازل التركي وهو ابن الخيزران‏.‏

وقصر عبدويه مما يلي براثا نسب إلى رجل من الأزد يقال له عبدويه وكان من وجوه أهل الدولة‏.‏

قالوا‏:‏ وأقطع المنصور ببغداذ سليمان بن مجالد - ومجالد شروىٌ مولى لعلي بن عبد الله - موضع داره‏.‏

وأقطع مهلهل بن صفوان قطيعة بالمدينة وإليه ينسب درب مهلهل‏.‏

وكان صفوان مولى علي بن عبد الله‏.‏

وكان اسم مهلهل يحيى فاسنشده محمد بن علي شعرًا فأنشده‏.‏

أليلتنا بذي حشمٍ أنيري وهي لمهلهل فسماه مهلهلًا‏.‏

ومحمد أعتقه‏.‏

وأقطع المنصور عمارة بن حمزة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج‏.‏

واقطع ميمونًا أبا بشر بن ميمون قطيعةً عن بستان القس ناحية باب الشام‏.‏

وطاقات بشر تنسب إلى بشر بن ميمون هذا‏.‏

وكان ميمون مولى على ابن عبد الله‏.‏

وأقطع شبيلًا مولاه قطيعةً عند دار يقطين وهناك مسجد يعرف بشبيل‏.‏

وأقطع أم عبيده وهي حاضنة لهم ومولاة لمحمد بن علي قطيعةً‏.‏

وغليها تنسب طاقات أم عبيده بقرب الجسر‏.‏

اقطع منيرة مولاة محمد بن علي وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة في الجانب الشرقي‏.‏

واقطع ريسانة موضعًا يعرف بمسجد بنى رغبان مولى حبيب بن مسلمة الفهري يدخل في قصر عيسى بن جعفر أو جعفر بن جعفر بن المنصور ودرب مهروية في الجانب الشرقي نسب إلى مهروية الرازي وكان من سبى سنفاذ فاعتقه المهدي‏.‏

ولم يزل المنصور رحمه الله بمدينة السلام إلى آخر سني خلافته ثم حج منها وتوفي بمكة‏.‏

ونزلها بعده المهدي أمير المؤمنين ثم شخص منها إلى ماسبذان فتوفى بها‏.‏

وكان أكثر نزوله من مدينة السلام بعيساباذ في أبنية بناها هناك‏.‏

ونزلها الرشيد هارون بن المهدي ثم شخص عنها إلى الرافقة فأقام بها وسار منها إلى خرا سان فتوفي بطوس‏.‏

ونزلها محمد بن الرشيد فقتل بها‏.‏

وقدمها المأمون عبد الله بن الرشيد من خرا سان فأقام بها ثم شخص عنها غازيًا فمات بالفذ ندون ودفن بطر سوس‏.‏

ونزلها أمير المؤمنين المعتصم بالله ثم شخص عنها إلى القاطول فنزل قصرًا للرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الذي دعاه أبا الجند لقيام ما يسقى من الرضين بأرزاق جنده‏.‏

ثم بنى بالقاطول بناء نزله ودفع ذلك القصر إلى اشناس التركي مولاه وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء مدينة تركها‏.‏

ثم رأى تمصير سر من رأى فمصرها ونقل الناس إليها وأقام بها وبنى مسجدًا جامعًا في طرف الأسواق وسماها سر من رأى‏.‏

وأنزل اشناس مولاه فيمن ضم إليه من القواد كرخ فيروز وأنزل بعض قواده الدور المعروفة بالعرباني‏.‏

وتوفى رحمه الله بسر من رأى في سنة سبع وعشرين ومئتين‏.‏

وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى في بناءٍ بناه وسماه الهاروني حتى توفى به‏.‏

ثم استخلف أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله في ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين فأقام بالهاروني وبنى بناء كثيرًا وأقطع الناس في ظهر سر من رأى بالحائر الذي كان المعتصم بالله احتجزه بها قطائع فاتسعوا بها‏.‏

وبنى مسجدًا جامعًا كبيرًا وأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارته لتعلوا أصوات المؤذنين فيها حتى ينظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه وتركوا المسجد الأول‏.‏

ثم أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها وأقام بها وأقطع الناس فيها القطائع وجعلها فيما بين الكرخ المعروف بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى فدخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوزة فيها‏.‏

وبنى بها مسجدًا جامعًا‏.‏

وكان من ابتدائه إياها إلى أن نزلها أشهر ونزلها في أول سنة ست وأربعين ومائتين‏.‏

ثم توفى بها رحمه الله في شوال سنة سبع وأربعين واستخلف في هذه الليلة المنتصر بالله فانتقل عنها إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شوال ومات بها‏.‏

قالوا‏:‏ كانت عيون الطف مثل عين الصيد والقطقطانة والرهيمة وعين جمل وذواتها للموكلين بالمسالح التي وراء السواد‏:‏ وهي عيون خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم‏.‏

وذلك أن سابور أقطعهم أرضها فاعتملوها من غير أن يلزمهم لها خراجًا‏.‏

فلما كان يوم ذي قار ونصر الله العرب بنبيه صلى الله عليه وسلم غلبت العرب على طائفة من تلك العيون‏.‏

وبقي في أيدي الأعاجم بعضها‏.‏

ثم لما قدم المسلمون الحيرة هربت الأعاجم بعد أن طمت عامة ما في أيديهم منها وبقي الذي في أيدي العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرضين عشريًا‏.‏

ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أراضي تلك العيون إلى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية أيضًا وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد وكل صدقتها إلى عمال المدينة‏.‏

فلما ولى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها إلى ما في يده فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية وهي على ذلك إلى اليوم‏.‏

وقد استخرج عيونٌ إسلامية في مجرى ما سقت عيونها من الأرضين هذا المجرى‏.‏

وحدثني بعض المشايخ أن جملًا مات عند عين الجمل فنسبت إليه‏.‏

وقال بعض أهل واسط‏:‏ إن المستخرج لها كان يسمى جملًا‏.‏

قالوا‏:‏ وسميت العين عيد الصيد لأن السمك يجتمع فيها‏.‏

وأخبرني بعض الكريزيين أن عين الصيد كانت مما طم فبينا رجل من المسلمين يجول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها‏.‏

فنزل عنه فخفر فظهر له الماء فجمع قومًا عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتى عادت إلى ما كانت عليه‏.‏

ثم إنها صارت بعد إلى عيسى بن علي‏.‏

وكان عيسى ابتاعها من ولد حسن ابن حسن بن علي بن أبي طالب وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بن حسن وكان معاوية أقطع الحسن بن علي عين صيد هذه عوضًا من الخلافة مع غيرها‏.‏

وكانت عين الرحبة مما طم قديمًا فرآها رجلٌ من حجاج أهل كرمان وهي تبض فلما انصرف من حجه أتى عيسى بن موسى متنصحًا فدله عليها فاستقطعها وأرضها واستخرجها له الكرماني فاعتمل ما عليها من الأرضين وغرس النخل الذي في طريق العذيب‏.‏

وعلى فراسخ من هيت عيونٌ تدعى العرق تجري هذا المجرى أعشارها إلى صاحب هيت‏.‏

حدثني الأثرم عن أبي عبيده عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ لما رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر قالوا‏:‏ ما رأينا سوادًا أكثر‏.‏

والسواد الشخص فلذلك سمى السواد سوادا‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد عن محمد بن أبي موسى قال خرج‏:‏ علي إلى السوق فرأى أهله قد حازوا أمكنتهم فقال‏:‏ ليس ذلك لهم إن سوق المسلمين كمصلاهم من سبق إلى موضعٍ فهو له يومه حتى يدعه‏.‏

حدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثني مروان بن معاوية عن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه قال‏:‏ كنا نغدو إلى السوق في زمن المغيرة بن شعبة فمن قعد في موضع كان أحق به إلى الليل‏.‏

فلما كان زياد قال‏:‏ من قعد في موضع كان أحق به ما دام فيه‏.‏

قال مروان‏:‏ وولى المغيرة الكوفة مرتين لعمر مرة ومرة لمعاوية‏.‏

نقل ديوان الفارسية وحدثني المدائني علي بن محمد بن ابي سيف عن أشياخه قالوا‏:‏ لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية فلما ولى الحجاج العراق استكتب زادان فروخ بن بيرى وكان معه صالح بن عبد الرحمن مولى بن تميم يخط بين يديه بالعربية والفارسية‏.‏

وكان أبو صالح من سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحًا بالحجاج وخف على قلبه‏.‏

فقال له ذات يوم‏:‏ إنك سببي إلى الأمير وأراه قد استخفى ولا آمن أن يقدمني عليك وان تسقط‏.‏

فقال‏:‏ لا تظن ذلك هو أحوج إلي منه إليك لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري‏.‏

فقال‏:‏ والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لحولته‏.‏

قال‏:‏ فحول منه شطرًا حتى أرة‏.‏

ففعل‏.‏

فقال له‏:‏ تمارض‏.‏

فتمارض فبعث إليه الحجاج طبيبه فلمير به علة‏.‏

وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر‏.‏

ثم إن زادان فروخ قتل أيام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي وهو خارج من منزلٍ كان فيه إلى منزله أو منزل غيره‏.‏

فاستكتب الحجاج صالحًا مكانه‏.‏

فأعلمه الذي كان جرى بينه وبين زادان فروخ في نقل الديوان‏.‏

فعزم الحجاج على أن يجعل الديوان بالعربية‏.‏

وقلد ذلك صالحًا‏.‏

فقال له مردا نشاه بن زادان فروخ‏:‏ كيف تصنع بد هوية وششوية قال‏:‏ أكتب عشر ونصف عشر‏.‏

قال‏:‏ فكيف تصنع بويد قال‏:‏ أكتبه أيضًا‏.‏

والويد النيف والزيادة تزاد‏.‏

فقال‏:‏ قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية‏.‏

وبذلت له مئة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن ذلك فأبى ونقله‏.‏

فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول‏:‏ لله در صالح‏!‏ ما أعظم منته على الكتاب‏.‏

وحدثني عمر بن شبة قال‏:‏ حدثني أبو عاصم النبيل قال أنبأ سهل بن أبي الصلت قال‏:‏ أجل الحجاج صالح بن عبد الرحمن أجلًا حتى قلب الديوان‏.‏

فتوح الجبال - حلوان قالوا‏:‏ لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص إلى جرير بن عبد الله البجلى خيلًا كثيفة ورتبه بجلولاء ليكون بين المسلمين وبين عدوهم‏.‏

ثم إن سعدًا وجه إليهم زهاء ثلاثة آلافٍ من المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إلى حلوان‏.‏

فلما كان بالقرب منها هرب يزدجرد إلى ناخ ة أصبهان‏.‏

ففتح جرير حلوان صلحًا على أن كف عنهم وأمنهم على دمائهم وأموالهم وجعل لمن أحب منهم الهرب أن لا يعرض لهم‏.‏

ثم خلف بحلوان جريرًا مع عزرة بن قيس بن غزية البجلي ومضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرماسيين على مثل ما فتح عليه حلوان‏.‏

وقدم حلوان فأقام بها واليًا عليها إلى أن قدم عمار بن ياسر الكوفة‏.‏

فكتب إليه يعلمه أن عمر بن الخطاب أمره أن يمد به أبا موسى الأشعري فخلف جرير عزرة بن قيس على حلوان وسار حتى أتى أبا موسى الشعري في سنة تسع عشرة‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن نجاد عن عائشة بنت سعد أب يوقاص قالت‏:‏ لمكا قتل معاوية حجر بن عدي الكندي قال أبى‏:‏ لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف أن له غناءً عظيمًا عن الإسلام‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وقد نزل حلوان قومٌ من ولد جرير بن عبد الله فأعاقبهم بها‏.‏

فتح نهاوند قالوا‏:‏ لما هرب يزد جرد من حلوان في سنة تسع عشرة تكاتبت الفرس وأهل الري وقومس وإصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزد جرد وذلك في سنة عشرين فأمر عليهم مردا نشاه ذا الحاجب وأخرجوا رايتهم الدر فشكا بيان وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفًا ويقال مئة ألف‏.‏

وقد كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخيرهم فهم أن يغزوهم بنفسه ثم خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها وأشير عليه بأن يغزى أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم فخاف إن فعل ذلك أن يعود الروم إلى أوطانها وتغلب الحبشة على ما يليها‏.‏

فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم‏.‏

وبعث من أهل البصرة بعثًا‏.‏

وقال‏:‏ لأستعملن رجلًا يكون لأول ما يلقاه من السنة‏.‏

فكتب إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني وكان مع السائب بن الأقرع الثقفي بتوليته الجيش وقال‏:‏ إن أصبت فالأمير حذيفة بن اليمان فإن أصيب فجرير بن عبد الله المجلي فإن أصيب فالمغيرة ابن شعبة فإن أصيب فالأشعث بن قيس‏.‏

وكان النعمان عاملًا على كسكر وناحيتها ويقال بل كان بالمدينة فولاه عمر أمر هذا الجيش مشافهةً فشخص منها‏.‏

وحدثني شيبان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان فسأل‏:‏ ما ترى أنبدأ بإصبهان أو بأذربيجان فقال الهرمزان‏:‏ إصبهان الرأس وأذربيجان الجناحان فإن قطعت الرأس سقط الجناحان والرأس‏.‏

قال‏:‏ فدخل عمر المسجد فبصر بالنعمان بن مقرنٍ‏:‏ أما جابيًا فلا ولكن غازيا‏.‏

قال‏:‏ فأنت غاز‏.‏

فأرسله وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه‏.‏

فأمدوه وفيهم المغيرة بن شعبة‏.‏

فبعث النعمان المغيرة إلى ذى الحاجبين عظيم العجم بنهاوند فجعل يشق بسطه برمحه حتى قام بين يديه ثم قعد على سريره فأمر به فسحب‏.‏

فقال‏:‏ إني رسولٌ‏.‏

ثم التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرةٍ في سلسلة وكل خمسة في سلسلة لئلا يفروا‏.‏

قال‏:‏ فرمونا حتى جرحوا منا جماعة وذلك قبل القتال‏.‏

وقال النعمان‏:‏ شهدت النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول النصر‏.‏

ثم قال‏:‏ إني هازٌ لوائي ثلاث هزات‏:‏ فأما أول هزة فليتوضأ الرجل بعدها وليقض حاجته وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه أو قال شسعه وليتهيأ وليصلح من شأنه وأما الثالثة فإذا كانت إن شاء الله فاحملوا ولا يلوين أحدٌ على أحد‏.‏

فهز لواءه ففعلوا ما أمرعهم وثقل درعه عليه فقاتل وقاتل الناس فكان رحمه الله أول قتيل‏.‏

قال‏:‏ فأتيت النعمان وبه رمقٌ فغسلت وجهه من أدواة ماءٍ كانت معي‏.‏

فقال‏:‏ من أنت قلت‏:‏ معقل‏.‏

قال‏:‏ ما صنع المسلمون قلت‏:‏ أبشر بفتح الله ونصره‏.‏

قال‏:‏ الحمد لله اكتبوا إلى عمر‏.‏

حدثني شيبان قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ حدثني علي بن زيد بن جدعان عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ أنا ذهبت بالبشارة إلى عمر‏.‏

فقال‏:‏ ما فعل النعمان قلت‏:‏ قتل‏.‏

قال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ثم بكى فقلت‏:‏ قتل والله في آخرين لا أعلمهم‏.‏

قال‏:‏ ولكن الله يعلمهم‏.‏

وحدثني أحمد بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا أبو أسامة وأبو عامر العقدي وسلم بن قتيبة جميعا عن شعبة عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ رأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعى النعمان بن مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكي‏.‏

وحدثنا القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن النهاس بن قهم عن القاسم بن عوف عن أبيه عن السائب بن الأقرع - أو عن عمر بن السائب عن أبيه شك الأنصاري - قال‏:‏ زحف إلى المسلمين زحفٌ لم ير مثله‏.‏

فذكر حديث عمر فيما هم به من الغزو بنفسه وتوليته النعمان بن مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع السائب وولى السائب الغنائم وقال‏:‏ لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقًا‏.‏

ثم ذكر الوقعة‏.‏

قال‏:‏ فكان النعمان أول مقتولٍ يوم نهاوند‏.‏

ثم أخذ حذيفة الراية ففتح الله عليهم‏.‏

قال السائب‏:‏ فجمعت تلك الغنائم ثم قسمتها ثم أتاني ذو العوينتين فقال‏:‏ إن كنز النخير خان في القلعة‏.‏

قال‏:‏ فصعدتها فإذا أنا بسفطين فيهما جوهر لم أر مثله قط‏.‏

قال‏:‏ فأقبلت إلى عمر وقد راث عنه الخبر وهو يتطوف المدينة ويسأل‏.‏

فلما رآني قال‏:‏ ويلك ما وراءك فحدثته بحديث الوقعة ومقتل النعمان وذكرت له شأن السفطين‏.‏

فقال‏:‏ اذهب بهما فبعهما ثم اقسم ثمنها بين المسلمين‏.‏

فأقبلت بهما إلى الكوفة فأتانى شابٌ من قريش يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما بأعطية الذرية والمقاتلة‏.‏

ثم انطلق بأحدهما إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به منى وفضل الآخر فكان ذلك أول لهوة مال اتخذه‏.‏

وقال بعض أهل السيرة‏:‏ اقتتلوا بنهاوند يوم الأربعاء ويوم الخميس ثم تحاجزوا ثم اقتتلوا يوم الجمعة‏.‏

وذكر من حديث الوقعة نحو حديث حماد بن سلمة‏.‏

وقال ابن الكلبي عن أبي مخنف أن النعمان بن مقرن نزل الاسبيذهان وجعل على ميمنته الأشعث بن قيس وعلى الميسرة المغيرة بن شعبة‏.‏

فاقتتلوا فقتل النعمان ثم ظفر المسلمون قال‏:‏ وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة يوم الأربعاء ويقال في سنة عشرين‏.‏

وحدثنا الرفاعي قال‏:‏ حدثنا العنقزي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن ومحمد قالا‏:‏ كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين‏.‏

وحدثني الرفاعي قال‏:‏ حدثنا العنقزى عن أبي معشر عن محمد بن كعب مثله‏.‏

قالوا‏:‏ ولما هزم جيش الأعاجم وظهر المسلمون وحذيفة يومئذ على الناس حاصر نهاوند‏.‏

فكان أهلها يخرجون فيقاتلون وهزمهم المسلمون‏.‏

ثم إن سماك بن عبيد العبسي اتبع رجلًا منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس فجعل لا يبرز إليه رجلٌ منهم إلا قتله حتى لم يبق غير الرجل وحده فاستسلم وألقى سلاحه فأخذه أسيرًا فتكلم بالفارسية فدعا له سماك برجل يفهم كلامه فترجمه فإذا هو يقول‏:‏ اذهب إلى أميركم حتى أصالحه عن هذه الرض وأؤدي إليه الجزية وأعطيك على أسرك إياي ما شئت فإنك قد مننت علي إذ لم تقتلني‏.‏

فقال له‏:‏ وما اسمك قال‏:‏ دينار‏.‏

فانطلق به إلى حذيفة فصالحه على الخراج والجزية وأمن أهل مدينته نهاوند على أموالهم وحيطانهم ومنازلهم‏.‏

فسميت نهاوند ماه دينار‏.‏

وكان دينار يأتي بعد ذلك سماكًا ويهدى إليه ويبره‏.‏

وحدثني أبو مسعود الكوفي عن المبارك بن سعيد عن أبيه قال‏:‏ وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدينور من فتوح أهل البصرة‏.‏

فلما كثر المسلمون بالكوفة احتاجوا إلى أن يزادوا في النواحي التي كان خراجها مقسومًا فيهم فصيرت لهم الدينور وعوض أهل البصرة نهاوند لأنهامن إصبهان‏.‏

فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة‏.‏

فسميت نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة وذلك في خلافة معاوية‏.‏

وحدثني جماعة من أهل العلم أن حذيفة بن اليمان - وهو حذيفة ابن حسيل بن جابر العبسي حليف بني عبد الأشهل من الأنصار وأمه الرباب بنت كعب بن عدي من عبد الأشهل - وكان أبو حذيفة قتل يوم أحدٍ قتله عبد الله بن مسعود الهذلي خطاء وهو يحسبه كافرًا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته فوهبه حذيفة للمسلمين‏.‏

وكان الواقدي يقول‏:‏ سمى حسيل باليماني لأنه كان يتجر إلى اليمن فإذا أتى المدينة قالوا‏:‏ قد جاء اليماني‏.‏

وقال الكلبي‏:‏ هو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة وجروة هو اليمان نسب إليه حذيفة وبينهما آباء وكان قد أصاب في الجاهلية دمًا وهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل فقال قومه‏:‏ هو يمان لأنه حالف اليمانية‏.‏

قالوا‏:‏ انصرف أبو موسى الأشعري من نهاوند وقد كان سار بنفسه إليها على بعث أهل البصرة ممدًا للنعمان بن مقرن فمر بالدينور فأقام عليها خمسة أيام قوتل منها يومًا واحدًا‏.‏

ثم إن أهلها أقروا بالجزية والخراج وسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم‏.‏

فأجابهم إلى ذلك‏.‏

وخلف بها عامله في خيل‏.‏

ثم مضى إلى ما سبذان فلم يقاتله أهلها‏.‏

وصالحه أهل السير وان على مثل صلح ألد ينور وعلى أن يؤدوا الجزية والخراج‏.‏

وبث السرايا فيهم فغلب على أرضها‏.‏

وقومٌ يقولون‏:‏ إن أبا موسى فتح ما سبذان قبل وقعة نهاوند وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري السائب بن الأقرع الثقفى - وهو صهره على ابنته وهي أم محمد بن السائب - إلى الصيمرة مدينة مهر جانقذف ففتحها صلحًا على حقن الدماء وترك السباء والصفح عن الصفراء والبيضاء وعلى أداء الجزية وخراج الأرض‏.‏

وفتح جميع كور مهر جانقذف‏.‏

وأثبت الخير أنه وجه السائب من الأهواز ففتحها‏.‏

حدثني محمد بن عقبة بن مكرم الضبي عن أبيه عن سيف بن عمر التميمي عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا الجبال فمروا بالقلة الشرقية التي تدعى سن سميرة - وسميرة امرأة من ضبة من بني معاوية بن كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضبة من المهاجرات قال ابن هشام الكلبي‏:‏ وقناطر النعمان نسبت إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزنى عسكر عندها وهي قديمة‏.‏

وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن عوانة قال‏:‏ كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذى الغصة الحارثي عثمانيًا يقع في علي بن أبي طالب ويثبط الناس عن الحسين ومات قبيل خروج المختار بن أبي عبيد أو في أول أيامه وله يقول المختار بن أبي عبيد في سجعه‏:‏ أما ورب السحاب شديد العقاب سريع الحساب منزل الكتاب لأنبشن قبر كثير بن شهاب المفترى الكذاب ‏.‏

وكان معاوية ولاه الري ودستبى حينًا من قبله ومن قبل زيادة والمغيرة ابن شعبة عامليه‏.‏

ثم غضب عليه فحبسه بدمشق وضربه جتى شخص شريح ابن هانئ المرادي إليه في أمره فتخلصه‏.‏

وكان يزيد بن معاوية قد حمد مشابعته وأتباعه لهواه فكتب إلى عبيد الله بن زياد في توليته ماسبذان ومهر جانقذف وحلوان والماهين وأقطعه ضياعًا بالجبل فبنى قصره المعروف بقصر كثير وهو من عمل الدينور‏.‏

وكان زهرة بن الحارث بن منصور بن قيس بن كثير بن شهاب اتخذ بما سبذان ضياعا‏.‏

حدثني بعض ولد خشرم بن مالك بن هبيرة الأسدي أن أول نزول الخشارمة ما سبذان كان في آخر أيام بني أمية نزع إليها جدهم من الكوفة‏.‏

وحدثني العميري عن الهيثم بن عدي قال‏:‏ كان زياد في سفر فانقطع سفشق قائه فأخرج كثير بن شهاب إبرةً كانت مغروزةً في قلنسوته وخيطًا كان معه فأصلح السفشق‏.‏

فقال له زياد‏:‏ أنت حازم وما مثلك يعطل‏.‏

فولاه بعض الجبل‏.

فتح همذان

قالوا‏:‏ وجه المغيرة بن شعبة وهو عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الكوفة بعد عزل عمار بن ياسر جرير بن عبد الله البجلي إلى همذان وذلك في سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم فقال‏:‏ احتسبتها عند الله الذي زين بها وجهي ونور لي ما شاء ثم سلبنيها في سبيله‏.‏

ثم إنه فتح همذان على مثل صلح نهاوند‏.‏

وكان ذلك في آخر سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب على أرضها فأخذها قسرًا‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ فتح جريرٌ نهاوند في سنة أرعب وعشرين بعد ستة أشهر من وفاة عمر بن الخطاب رحمه الله‏.‏

وقد روى بعضهم أن المغيرة بن شعبة سار إلى همذان وعلى مقدمته جرير فافتتحها وأن المغيرة ضم همذان إلى كثير بن شهاب الحارثي‏.‏

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده وعوانة بن الحكم أن سعد بن أبي وقاص لما ولي الكوفة لعثمان ابن عفان ولى العلاء بن وهب بن عبد بن وهبان أحد بني عامر بن لؤي ماه وهمدان‏.‏

فغدر أهل همذان ونقضوا‏.‏

فقاتلهم ثم إنهم نزلوا على حكمه فصالحهم على أن يؤدوا خراج أرضهم وجزية الرؤوس ويعطوه مئة ألف درهم للمسلمين ثم لا يعرض لهم في مالٍ ولا حرمةٍ ولا ولد‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ ونسبت القلعة التي تعرف بماذران إلى السرى بن نسير بن ثور العجلي وهو كان أناخ عليها حتى فتحها‏.‏

وحدثني زياد بن عبد الرحمن البلخي عن أشياخ من أهل سيسر قال‏:‏ سميت سيسر لأنها في الخفاض من الأرض بين رؤس آكامٍ ثلاثين‏.‏

فقيل‏:‏ ثلاثون رأسا ‏.‏

وكان سيسر تدعى سيسر صدخانيه أي ثلاثون رأسًا ومئة عين قالوا‏:‏ ولم تزل سيسر وما والاها مراعى لمواشي الأكراد وغيرهم وكانت بها مروجٌ لدواب المهدي أمير المؤمنين وأغنامه وعليها مولى له يقال له سليمان بن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام وشريكٌ معه يقال له سلام الطيفورى‏.‏

وكان طيفور مولى أبي جعفر المنصور وهبه للمهدي‏.‏

فلما كثر الصعاليك والدعار وانتشروا بالجبل في خلافة المهدي أمير المؤمنين جعلوا هذه الناحية ملجأ لهم وحوزًا فكانوا يقطعون ويأوون إليها ولا يطلبون لأنها حد همذان والدينور وأذربيجان‏.‏

فكتب سليمان بن قيراط وشريكه إلى المهدي بخيرهم وشكيا عرضهم لما في أيديهم من الدواب والأغنام‏.‏

فوجه إليهم جيشًا عظيمًا وكتب إلى سليمان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها وأعوانهما ورعاتهما ويحصنان فيها الدواب والأغنام ممن خافاه عليها‏.‏

فبنيا مدينة سيسر وحصناها وأسكناها الناس‏.‏

وضم إليها رستاق ما ينهرج من الدينور ورستاق الجوزمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر فكورت بهذه الرساتيق ووليها عاملٌ مفرد وكان خراجها يؤدى إليه‏.‏

ثم إن الصعاليك كثروا في خلافة أمير المؤمنين الرشيد وشعثوا سيسر فأمر بمرمتها وتحصينها ورتب فيها ألف رجلٍ من أصحاب خاقان الخادم السغدي ففيها قوم من أولادهم‏.‏

ثم لما كان في آخر أيام الرشيد وجه مرة الرديني العجلي على سيسر‏.‏

فحاول عثمان الأودي مغالبته عليها فلم يقدر على ذلك وغلبه على ما كان في يده من أذربيجان أو أكثر‏.‏

ولم يزل مرة بن الرديني يؤدي الخراج عن سيسر في أيام محمد الرشيد على مقاطعة قاطعه عليها إلى أن وقعت الفتنة‏.‏

ثم إنها أخذت من عاصم بن مرة فأخرجت من يده في خلافة المأمون‏.‏

فرجعت إلى ضياع الخلافة‏.‏

وحدثني مشايخ من أهل الفازة وهي متاخمة لسيسر أن الجرشي لما ولى الجبل جلا أهل المفازة عنها فرفضوها‏.‏

وكان للجرشي قائد يقال له همام بن هانئ العبدي فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب على ما فيها‏.‏

فكان يؤدي حق بيت المال فيها حتى توفي‏.‏

وضعف ولده عن القيام بها‏.‏

فلما أقبل المأمون أمير المؤمنين من خراسان بعد قتل محمد بن زبيدة يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له محمد بن العباس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه رقبتها ويكونوا مزارعين له فيها على أن يعزوا ويمنعوا من الصعاليك وغيرهم‏.‏

فقبلها وأمر بتقويتهم ومعونتهم على عمارتها وصلحتها فصارت من ضياع الخلافة‏.‏

وحدثني المدائني أن ليلى الأخيلية أتت الحجاج فوصلها وسألته أن يكتب لها إلى عامله بالري فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك‏.‏

قالوا‏:‏ لما انصرف أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري من نهاوند سار إلى الأهواز فاستقرها‏.‏

ثم أتى قم وأقام عليها أيامًا ثم افتتحها ووجه الأحنف بن قيس واسمه الضحاك بن قيس التميمي إلى قاشان ففتحها عنوة‏.‏

ثم لحق به‏.‏

ووحه عمر بن الخطاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخز اعي إلى أصبهان سنة ثلاث وعشرين ويقال بل كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري يأمره بتوجيه جيش إلى أصبهان فوجهه ففتح عبد الله بن بديل جى صلحًا بعد قتال على أن يؤدي أهلها الخراج والجزية‏.‏

وعلى أن يؤمنوا على أنفسهم وأموالهم خلا ما في أيديهم من السلاح‏.‏

ووجه عبد الله بن بديل الأحنف بن قيس وكان في جيشه إلى اليهودية‏.‏

فصالحه أهلها على مثل ذلك الصلح‏.‏

وغلب ابن بديل على أرض أصبهان وطساسيجها‏.‏

وكان العامل عليها إلى أن مضت من خلافة عثمان سنة ثم ولاها عثمان السائب بن الأقرع‏.‏

وحدثني محمد بن سعد مولى بني هاشم قال‏:‏ حدثنا موسى بن إسماعيل عن سليمان بن مسلم عن خاله بشير أبي أمية أن الأشعري نزل بأصبهان فعرض عليهم الإسلام فأبوا فعرض عليهم الجزية فصالحوه عليها فباتوا على صلح ثم أصبحوا على غدر‏.‏

فقاتلهم وأظهره الله عليهم‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ أحسبه عن أهل قم‏.‏

عن محمد بن إسحاق قال‏:‏ وجه عمر بن بديل الخز اعي إلى أصبهان‏.‏

وكان مرزبانها مسنًا يسمى الفادوسفان‏.‏

فحاصره وكاتب أهل المدينة فخذلهم عنه فلما رأى الشيخ التباث الناس عليه اختار ثلاثين رجلًا من الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم ثم خرج من المدينة هاربًا يريد كرمان ليتبع يزدجرد و يلحق به‏.‏

فانتهى خبره إلى عبد الله بن بديل فاتبعه في خيل كثيفة فالتفت الأعجمي إليه وقد علا شرفًا فقال‏:‏ ابق على نفسك فليس يسقط لمن ترى سهم فإن حملت رميناك وإن شئت أن تبارزنا بارزناك‏.‏

فبارز الأعجمي فضربه ضربة وقعت على قربوس سرجه فكسرته وقطعت اللبب‏.‏

ثم قال له‏:‏ يا هذا‏!‏ ما أحب قتلك فإني أراك عاقلًا شجاعًا فهل لك في أن أرجع معك فأصالحك على أداء الجزية عن أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض له وأدفع المدينة إليك‏.‏

فرجع ابن بديل معه ففتح جى ووفى بما أعطاه وقال‏:‏ يا أهل أصبهان‏!‏ رأيتكم لئامًا متخاذلين فكنت أهلًا لما فعلت بكم‏.‏

قالوا‏:‏ وسار ابن بديل في نواحي أصبهان سهلها وجبلها فغلب عليها وعاملهم في الخراج نحو ما عامل عليه أهل الأهواز‏.‏

قالوا‏:‏ وكان فتح أصبهان وأرضها في بعض سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين‏.‏

وقد روى أن عمر بن الخطاب وجه عبد الله بن بديل في جيش فوافى أبا موسى وقد فتح قم وقاشان‏.‏

فغزوا جميعًا أصبهان وعلى مقدمتها أبي موسى الأشعري الأحنف بن قيس ففتحا اليهودية جميعًا على ما وصفنا ثم فتح ابن بديل جى وسارا جميعًا في أرض أصبهان فغلبا عليها‏.‏

وأصح الأخبار أن أبا موسى فتح قم وقاشان وأن عبد الله بن بديل فتح جى واليهودية‏.‏

وحدثني أبو حسان الزيادي عن رجل من ثقيف قال‏:‏ كان لعثمان بن أبي العاص الثقفي مشهدٌ بإصبهان‏.‏

وحدثنا محمد بن يحيى التميمي عن أشياخه قال‏:‏ كانت للأشراف من أهل إصبهان معاقل بجفر باذ من رستاق الثيمرة الكبرى ببهجاورسان وبقلعةٍ تعرف بماربين‏.‏

فلما فتحت جى دخلوا في الطاعة على أن يؤدوا الخراج وأنفوا من الجزية فأسلموا‏.‏

وقال الكلبي وأبو اليقظان‏:‏ ولى الهذيل بن قيس العنبري إصبهان في أيام مروان فمذ ذاك صار العنبريون إليها‏.‏

قالوا‏:‏ وكان جد دلف وأبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس ابن معقل العجلي يعالج العطر ويحلب الغنم‏.‏

فقدم الجبل في عدةٍ من أهله فنزلوا قريةً من قرى همذان تدعى مس‏.‏

ثم إنهم أثروا واتخذوا الضياع‏.‏

ووثب إدريس بن معقل على رجلٍ من التجار كان له عليه مالٌ فخنقه ويقال‏:‏ بل خنقه وأخذ ماله‏.‏

فحمل إلى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بن عمر الثقفي العراق زمن هشام بن عبد الملك‏.‏

ثم إن عيسى بن إدريس نزل الكرج وغلب عليها وبنى حصنها وكان حصنًا رثًا‏.‏

وقويت حال أبي دلف القاسم بن عيسى وعظم شأنه عند السلطان فكبر ذلك الحصن ومدن الكرج فقيل‏:‏ كرج أبي دلف‏.‏

والكرج اليوم مصرٌ من الأمصار‏.‏

وكان المأمون وجه علي بن هشام المر وزي إلى قم وقد عصا أهلها وخالفوا ومنعوا الخراج وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل وقتل رئيسهم وهو يحيى بن عمران وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض وجباها سبعة آلاف ألف درهم وكسرًا وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفي ألف درهم‏.‏

وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله ابن المتوكل على الله فوجه إليهم موسى ابن بغا عامله على الجبل لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلقٌ كثير‏.‏

وكتب المعتز بالله في حمل جماعةٍ من وجوهها‏.‏

مقتل يزد جرد بن شهريار بن كسرى قالوأ هرب يزدجر من المدائن إلى حلوان ثم إلى إصبهان‏.‏

فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من إصبهان إلى اصطخر‏.‏

فتوجه عبد الله ابن يديل بن ورقاء بعد فتح إصبهان لأتباعه فلم يقدر عليه‏.‏

ووافى أبو موسى الأشعري اصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك وعاناها عثمان بن أبي العاص الثقفى فلم يقدر عليها‏.‏

وقدم عبد الله بن عامر بن كريز البصرة سنة تسع وعشرين وقد افتتحت فارس كلها إلا اصطخر وجور فهم يزد جرد بأن يأتي طبرستان وذلك أن مرزبانها عرض عليه وهو بإصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها ثم بدا له فهرب إلى كرمان واتبعه ابن عامر مجاشع بن مسعود السلمي وهرم بن حيان العبدى فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان فأصاب الناس الدمق وهلك جيشه فلم ينج إلا القليل فسمى القصر قصر مجاشع‏.‏

وانصرف مجاشع إلى ابن عامر‏.‏

وكان يزد جرد جلس ذات يوم بكرمان فدخل عليه كرزبانها فلم يكلمه تيهًا فأمر بجر رجله وقال‏:‏ ما أنت بأهلٍ لولاية قريةٍ فضلًا عن الملك ولو علم الله فيك خيرًا ما صيرك إلى هذه الحال‏.‏

فمضى إلى سجستان فأكرمه لملكها وأعظمه فلما مضت عليه أيامٌ سأله عن الخراج فتنكر له‏.‏

فلما رأى بزدجرد ذلك سار إلى خراسان فلما صار إلى حد مرو تلقاه ما هويه مرزبانها معظكًا مبجلًا وقدم عليه نيزنك عنده شهرًا ثم شخص وكتب إليه يخطب ابنته فأغاظ ذلك يزدجرد وقال‏:‏ اكتبوا إليه إنما أنت عبدٌ من عبدٌ من عبيدي فما جرأك على أن تخطب إلي وأمر بمحاسبة ما هويه مرزبان مرو وسأله عن الأموال‏.‏

فكتب ماهويه إلى نيزك يحرضه عليه ويقول‏:‏ هذا الذي قدم مفلولًا طريدًا فمننت عليه ليرد عليه ملكه فكتب إليك بما كتب‏.‏

ثم تضافرا على قتله‏.‏

وأقبل نيزك في الأتراك حتى نزل الجنابذ فحاربوه فتكافأ الترك ثم عادت الدائرة عليه فقتل أصحابه ونهب عسكره‏.‏

فأتى مدينة مرو فلم يفتح له فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحانٍ على المرغاب ويقال إنه دس إلى الطحان فأمره بقتله فقتله ثم قال‏:‏ ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش‏.‏

فأمر بالطحان فقتل‏.‏

ويقال إن الطحان قدم له طعامًا فأكل وأتاه بشراب يشرب فسكر فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه على رأسه فبصر به الطحان فطمع فيه فعمد إلى رحا فألقاها عليه فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه في الماء‏.‏

ثم عرف ما هويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب‏.‏

ويقال إن يزد جرد نذر برسل ما هويه - فهرب ونزل الماء‏.‏

فطلب من الطحان فقال‏:‏ قد خرج من بيتي‏.‏

فوجدوه في الماء‏.‏

فقال‏:‏ خلوا عني أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجي‏.‏

فتغيبوا عنه‏.‏

وسألهم شيئًا يأكل به خبزًا فأعطاهم بعضهم أربعة دراهم‏.‏

فضحك وقال‏:‏ لقد قيل لي إنك ثم إنه هجم عليه بعد ذلك قومٌ وجهتهم ما هويه لطلبه‏.‏

فقال‏:‏ لا تقتلوني واحملوني إلى ملك العرب لأصالحه عنى وعنكم‏.‏

فأبوا ذلك وخنقوه بوتر ثم أخذوا ثيابه فجعلت في جراب وألقوا جثته في الماء‏.‏

ووقع فيروز بن يزد جرد فيما يزعمون إلى الترك فزوجوه وأقام عندهم‏.‏

فتح الري وقومس حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمار بن ياسر وهو عامله على الكوفة بعد شهرين من وقعة نهاوند يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الري ودستسبى في ثمانية آلاف ففعل‏.‏

وسار عروة إلى ما هناك‏.‏

فجمعت له الديلم وأمدهم أهل الري فقاتلوه فأظهره الله عليهم فقتلهم واجتاحهم‏.‏

ثم خلف حنظلة بن زيد أخاه وقدم على عمار فسأله أن يوجهه إلى عمر وذلك أنه كان القادم عليه بخير الجسر فأحب أن يأتيه بما يسره‏.‏

فلما رآه عمر قال‏:‏ ‏{‏إنا لله وإنا إليه راجعون‏}‏‏.‏ فقال عروة‏:‏ بل احمد الله فقد نصرنا وأظهرنا‏.‏

وحدثه بحديثه فقال‏:‏ هلا أقمت وأرسلت قال‏:‏ قد استخلفت أخي وأحببت أن آتيك بنفسي‏.‏

فسماه البشير‏.‏

وقال عروة‏:‏ ويومًا بأكناف النخيلة قبلها شهدت فلم أبرح أدمى وأكلم وأيقنت يوم الديلميين أنني متى ينصرف وجهي إلى القوم يهزموا محافظةً أنى امرؤ ذو حفيظة إذا لم أجد مستأخرًا أتقدم المنذر بن حسان بن ضرار أحد بنى مالك بن زبد شرك في دم مهران يوم النخيلة‏.‏

قالوا‏:‏ فلما انصرف عروة بعث حذيفة على جيشه سلمة بن عمرو بن ضرار الضبي ويقال البراء بن عازب وقد كانت وقعة عروة كسرت الديلم وأهل الري فأناخ على حصن الفرخان ابن الزينبدى والعرب يسمونه الزينبى وكان يدعى عارين‏.‏

فصالحه ابن الزينبى بعد قتالٍ على أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج وأعطاه عن أهل الري وقو مس خمس مئة ألفٍ على أن لا يقتل منهم أحدًا ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت نار وأن يكونوا أسوة أهل نهاوند في خراجهم‏.‏

وصالحه أيضًا عن أهل دسنسبى الرازي وكانت دسنسبي قسمين قسما رازيًا وقسما همذانيًا‏.‏

ووجه سليمان ب عمر الضبي ويقال البراء بن عازب إلى قو مس خيلًا فلم يمتنعوا أبواب الدامغان‏.‏

ثم لما عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمارًا وولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى المغيرة بن شعبة كثير بن شهاب الحارثى الري ودستبى‏.‏

وكان لكثير أثرٌ جميلٌ يوم القادسية‏.‏

فلما صاروا إلى الري وجد أهلها قد نقضوا فقاتلهم حتى رجعوا إلى الطاعة وأذعنوا بالخراج وغزا الديلم فأوقع بهم وغزا الببر والطيلسان‏.‏

فحدثني حفص بن عمر العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش الهمذاني وغيره أن كثير بن شهاب كان على الري ودستبى وقزوين وكان جميلًا حازمًا مقعدًان فكان يقول‏:‏ ما من مقعد إلا وهو عيال على أهله سواي‏.‏

وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين‏.‏

وكان إذا غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس إبرٍ وخيوط كتان وبمخصفٍ ومقراض ومخلاةٍ تليسة‏.‏

وكان بخيلًا وكانت له جفنه توضع بين يديه فإذا جاءه إنسان قال‏:‏ لا أبا لك‏!‏ أكانت لك علينا عين وقال يوما‏:‏ ي غلام‏!‏ أطعمنا‏.‏

فقال‏:‏ ما عندي إلا خبز وبقل‏.‏

فقال‏:‏ وهل اقتتلت فارس والروم إلا على الخبز والبقل‏.‏

وولى الري ودستبى أيضًا أيام معاوية حينًا‏.‏

قال‏:‏ ولما ولى سعد بن أبي وقاص الكوفة في مرته الثانية أتى الري‏.‏

وكانت ملتاثةً فأصلحها‏.‏

وغزا الديلم وذلك في أول سنة خمس وعشرين ثم انصرف‏.‏

وحدثني بكر بن الهيثم عن يحيى بن ضريس قاضي الري قال‏:‏ لم تزل الري بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتقض وتفتح حتى كان آخر من فتحها قرظة بن كعب الأنصاري في ولاية أبي موسى الكوفة لعثمان فاستقامت‏.‏

وكان عمالها ينزلون حصن الزنبدى ويجمعون في مسجدٍ اتخذ بحضرته‏.‏

وقد دخل ذلك في فصيل المحدثة‏.‏

وكانوا يغزون الديلم من دستبى‏.‏

قال‏:‏ وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلي ومات بها فصلى عليه علي رضي الله عنه‏.‏

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده قال‏:‏ ولى علي يزيد بن حجبة بن عامر بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة الري ودستبى‏.‏

فكسر الخراج فحبسه فخرج فلحق بمعاوية‏.‏

وقد كان أبو موسى غزا الري بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها على أمرها الأول‏.‏

وحدثني جعفر بن محمد الرازي قال‏:‏ قدم أمير المؤمنين المهدي في خلافة المنصور فبنى مدينة الري التي الناس بها اليوم وجعل حولها خندقًا وبنى فيها مسجدًا جامعًا جرى على يدي عمار بن أبي الخصيب وكتب اسمه على حائطه‏.‏

فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومئة‏.‏

وجعل لها فصيلا يطيف به فارقان من آجر وسماها المحمدية فأهل الري يدعون الري المدينة الداخلة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة‏.‏

وحصن الزنبدى في داخل المحمدية‏.‏

وكانالمهدي قد أمر بمرمته ونزله‏.‏

وهو مطل على المسجد الجامع ودار الإمارة وقد كان جعل بعد سجنًا‏.‏

قال‏:‏ وكانت مدينة الري تدعى في الجاهلية ارازى فيقال إنه خسف بها‏.‏

وهي على ست فراسخ من المحمدية وبها سميت الري‏.‏

قال‏:‏ وكان المهدي في أول مقدمه الري نزل قرية يقال لها السير وان‏.‏

قال‏:‏ وفي قلعة الفرخان يقول الشاعر وهو الغطمش بن الأعور بن عمرو الضبي على الجو سق الملعون بالري لا ينى على رأسه داعي المنية يلمع قال بكر بن الهيثم‏:‏ حدثني يحيى بن ضريس القاضي قال‏:‏ كان الشعبي دخل الري مع قتيبة بن مسلم‏.‏

فقال له‏:‏ ما أحب الشراب إليك فقال‏:‏ أهونه وجودًا وأعزه فقدًا‏.‏

قال‏:‏ ودخل سعيد بن جبير الري أيضًا فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير‏.‏

قال‏:‏ وكان عمرو بن معدي كرب الزبيدي غزا الري أول ما غزيت فلما انصرف توفى فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان‏.‏

وبالري دفن الكسائي النحوي واسمه علي بن حمزة‏.‏

كان شخص إليها مع الرشيد رحمه الله وهو يريد خرا سان‏.‏

وبها مات الحجاج بن أرطاة‏.‏

وكان شخص إليها مع المهدي ويكنى أبا أرطاة‏.‏

وقال الكلبي‏:‏ نسب قصر جابر بدستبى إلى جابر أحد بني زيبان ابن تيم الله بن ثعلبة‏.‏

قالوا‏:‏ ولم تزل وظيفة الري أثنى عشر ألف ألف درهم حتى مر بها المأمون منصرفًا من خرا سان يريد مدينة السلام فأسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها‏.‏

فتح قزوين وزنجان حدثني عدةٌ من أهل قزوين وبكر بن الهيثم عن شيخ من أهل الري قالوا‏:‏ وكان حصن قزوين يسمى بالفارسية كشوين ومعاه الحد المنظور إليه أي المحفوظ‏.‏

وبينه وبين الديلم جبل ولم يزل فيه لأهل فارس مقاتلةٌ من الأساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح‏.‏

وكانت دستبى مقسومة بين الري وهمذان فقسم يدعى الرازي وقسم يدعى الهمذاني‏.‏

فلما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى جرير بن عبد الله همذان وولى البراء بن عازب قزوين وأمره أن يسير إليها فإن فتحها الله على يده غزا الديلم منها وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى‏.‏

فسار البراء ومعه حنظلة بن زيد الخيل حتى أتى أبهر‏.‏

فقام على حصنها وهو حصن بناه بعض الأعاجم على عيونٍ سدها بجلود البقر والصوف واتخذ عليها دكة ثم أنشأ الحصن عليها‏.‏

فقاتلوه ثم طلبوا الأمان فآمنهم على مثل ما أمن عليه حذيفة أهل نهاوند وصالحهم ثم غزا أهل حصن قزوين‏.‏

فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة يسئلونهم نصرتهم فوعدوهم أن يفعلوا‏.‏

وحل الباء والمسلمون بعقوتهم فخرجوا لقتالهم والديلميون وقوف على الجبل لا يمدون إلى المسلمين يدًا‏.‏

فلما رأوا ذلك طلبوا الصلح‏.‏

فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر فأنفوا من الجزية وأظهروا الإسلام‏.‏

فقبل إنهم نزلوا على مثل ما نزل عليه أساوره البصرة من الإسلام على أن يكونوا مع من شاؤا‏.‏

فنزلوا الكوفة وحالفوا زهرة بن حوية فسموا حمراء الديلم‏.‏

وقيل إنهم أسلموا وأقاموا بمكانهم وضارت أرضوهم عشرية‏.‏

فرتب البراء معهم خمس مئة رجل من المسلمين معهم طليحة بن خويلد الأسدي وأقطعهم أرضين لا حق فيها لأحد‏.‏

قال بكر‏:‏ وأنشدني رجل من أهل قزوين لجد أبيه وكان مع البراء‏:‏ قد علم الديلم إذ تحارب حين أتى في جيشه ابن عازب بأن ظن المشركين كاذب فكم قطعنا في دجى الغياهب من جبلٍ وعرٍ ومن سبا سب وغزا الديلم حتى أدوا إليه الإتاوة‏.‏

وغزا جيلان والبير والطيلسان‏.‏

وفتح زنجان عنوة‏.‏

ولما ولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الكوفة لعثمان بن عفان غزا الديلم وولى سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بعد الوليد فغزا الديلم ومصر قزوين‏.‏

فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم‏.‏

وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال‏:‏ ثنا خلف بن تميم قال‏:‏ ثنا زائدة بن قدامه عن إسماعيل بن مرة الهمذاني قال‏:‏ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏:‏ من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إلى الديلم فليقاتلهم‏.‏

قال‏:‏ وكنت في النخبة فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إلى الديلم ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف‏.‏

وحدثنا عبد الله بن صالح العجلي عن ابن يمان عن سفيان قال‏:‏ أغزى علي رضي الله عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم وعقد له علي أربعة آلافٍ من المسلمين‏.‏

وحدثني بعض أهل قزوين قال‏:‏ بقزوين مسجد الربيع بن خثيم معروف وكانت فيه شجرة تتمسح بها العامة‏.‏

ويقال إنه غرس سواكه في الرض فأورق حتى كانت الشجرة منه فقطعها عامل طاهر بن عبد الله بن طاهر في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله خوفًا من أن يفتتن بها الناس‏.‏

قالوا‏:‏ وكان موسى الهادي لما صار إلى الري أتى قزوين فأمر ببناء مدينة بازائها‏.‏

وهي تعرف بمدينة موسى‏.‏

وابتاع أرضًا تدعى رستماباذ فوقفها على مصالح المدينة‏.‏

وكان عمر الرومي مولاه يتولاها ثم تولاها بعده محمد بن عمرو‏.‏

وكان المبارك التركي بنى حصنًا يسمى مدينة المبارك وبها قومٌ من مواليه‏.‏

وحدثني محمد بن هارون الإصبهاني قال‏:‏ مر الرشيد بهمذان وهو يريد خرا سان واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم في مجاهدته وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القضية‏.‏

فصير عليهم في كل سنةٍ عشرة آلاف درهم مقاطعةً‏.‏

وكان القاسم ابن أمير المؤمنين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين فألجأ إليه أهل زنجان ضياعهم تعززًا به ودفعًا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم وكتبوا له عليها الأشربة وصاروا مزارعين له‏.‏

وهي اليوم من الضياع‏.‏

وكان القاقرزان عشريًا لأن أهله أسلموا عليه وأحيوه بعد افسلام فألجأوه إلى القاسم أيضًا على أن جعلوا له عشرًا ثانيًا سوى عشر بيت المال‏.‏

فصار أيضًا في الضياع‏.‏

ولم تزل دستبى على قسميها بعضها من الري وبعضها من همذان إلى أن سعى رجلٌ ممن بقزوين من بنى تميم يقال له حنظلة بن خالد يكنى أبا مالك في أمرها حتى صيرت كلها إلى قزوين‏.‏

فسمعه رجل من أهل بلده يقول‏:‏ كورتها وأنا أبو مالك‏.‏

فقال‏:‏ بل أفسدتها وأنت أبو هالك‏.‏

وحدثني المدائني وغيره أن الأكراد عاثوا وأسدوا في أيام خروج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث‏.‏

فبعث الحجاج عمرو بن هاني العبسي في أهل دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقًا‏.‏

ثم أمره بغزو الديلم فغزاهم في أثنى عشر ألفًا فيهم من بنى عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون منهم‏:‏ محمد بن سنان العجلى‏.‏

فحدثني عوف بن أحمد العبدي قال‏:‏ حدثني أبو حنش العجلى عن ابيه قال‏:‏ أدركت رجلًا من التميميين الذين وجههم الحجاج لمرابطة الديلم فحدثني قال‏:‏ رأيت من موالي بني عجل رجلًا يزعم أنه صليبه فقلت‏:‏ إن أباك كان لا يحب بنسبه في العجم ولاية في العرب بدلًا فمن أين زعمت أنك صليبه‏.‏

فقال‏:‏ أخبرتني أمي بذلك‏.‏

فقلت‏:‏ هي مصدقة هي أعلم بأبيك‏.‏

قالوا‏:‏ وكان محمد بن سنان العجلي نزل قرية من قرى دستبى ثم صار إلى قزوين فبنى دارًا في ربضها‏.‏

فعذله أهل الثغر وقالوا‏:‏ عرضت نفسك للتلف وعرضتنا للوهن إن نالك العدو بسوء‏.‏

فلم يلتفت إلى قولهم‏.‏

فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة ثم انتقل الناس بعد قالوا‏:‏ وكان أبو دلف القاسم بن عيسى غزا الديلم في خلافة المأمون وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الأفشين الجبال‏.‏

ففتح حصونًا منها اقليسم صالح أهله على إتاوة‏.‏

زمنها بومج فتحه عنوةً ثم صالح أهله على إتاوة‏.‏

ومنها الإيلام ومنها انداق في حصونٍ أخر‏.‏

وأغزى الإفشين غير أبى دلف ففتح أيضًا من الديلم حصونًا‏.‏

ولما كانت سنة 253 وجه أمير المؤمنين المعتز بالله موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان‏.‏

وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكواكبي‏.‏

فغزا الديلم وأوغل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته‏.‏

وأخبرني رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء الندماء براوند من عمل إصبهان وأن الشاعر إنما قال‏:‏ ألم تعلما أنى براوند مفردٌ وحدثني عبد الله بن صالح العجلي قال‏:‏ بلغني أن ثلاثة نفرٍ من أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الذي وجهه إلى الديلم‏.‏

فكانوا يتنادمون ثلاثتهم ولا يخالطون غيرهم‏.‏

فإنهم على ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه‏.‏

وكانا يشربان عند قبره فإذا بلغته الكأس هرقاها على قبره وبكيا‏.‏

ثم إن الثاني مات فدفنه الباقي إلى جانبه‏.‏

وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ثم يصب على القبر الذي يليه ثم على الآخر ويبكي فأنشأ ذات يوم يقول‏:‏ خليلي هبا طال ما قد رقدتما أجد كما ما تقضيان كراكما ألم تعلما أنى بقزوين مفردٌ ومالي فيها من خليلٍ سواكا مقيمًا على قبريكما لست بارحًا طوال الليالي أو يجيب صداكما سأبكيكما طول الحياة وما الذي يرد على ذي لوعةٍ أن بكاكما ثم لم يلبث أن مات فدفن عند صاحبيه فقبورهم تعرف بقبور الندماء‏.‏

فتح أذربيجان حدثنا الحسين بن عمرو الأرديلي عن واقد الأرديلي عن مشايخ أدركهم أن المغيرة بن شعبة قدم الكوفة واليًا من قبل عمر بن الخطاب ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولاية أذربيجان‏.‏

فأنقذه إليه وهو بنهاوند أو بقربها‏.‏

فسار حتى أتى أردبيل وهي مدينة أذربيجان وبها مرزبانها وإليه جباية خراجها‏.‏

وكان المرزبان قد جمع إليه المقاتلة من أهل باجرون وميمذ والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم‏.‏

فقاتلوا المسلمين قتالًا شديدًا أيامًا ثم أن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان على ثمان مئة ألف درهم وزن ثمانية على أن لايقتل منهم أحدًا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساتر ودان ولا يمنع أهل الشيز خاصةً من الزفن في أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه‏.‏

ثم أنه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على إتاوة‏.‏

قالوا‏:‏ ثم عزل عمر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بن فرقد السلمي‏.‏

فأتاها من الموصل ويقال بل أتاها من شهرزور على السلق الذي يعرف اليوم بمعاوية الأودي‏.‏

فلما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد‏.‏

وانتفضت عليه نواحً فغزاها فظفر وغنم وكان معه عمر بن عتبة الزاهد‏.‏

وروى الواقدي في إسناده أن المغيرة بن شعبة غزا أذربيجان من الكوفة في سنة 22 حتى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع عليها الخراج‏.‏

وروى ابن الكلبي عن أبي مخنف أن المغيرة غزا أذربيجان سنة عشرين ففتحها‏.‏

ثم إنهم كفروا فغزاها الأشعث بن قيس الكندي ففتح حصن باجرون وصالحهم على صلح المغيرة ومضى الأشعث إلى اليوم‏.‏

وكان أبو مخنف لوط بن يحيى يقول‏:‏ إن عمر ولى سعدًا ثم عمارًا ثم المغيرة ثم رد سعد وكتب إليه وإلى أمراء الأنصار في قدوم المدينة في السنة التي توفي فيها‏.‏

فلذلك حضر سعد الشورى وأوصى القائم بالخلافة أن يرده إلى عمله‏.‏

وقال غيره‏:‏ توفي عمر والمغيرة واليه على الكوفة وأوصى بتولية سعد الكوفة وتولية أبي موسى البصرة فولاهما عثمان ثم عزلهما‏.‏

وحدثني المذائني عن علي بن مجاهد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ عزل عمر حذيفة عن أذربيجان واستعمل عليها عتبة بن فرقد السلمي‏.‏

فبعث إليه بأخبصة قد أدرجها في كرابيس‏.‏

فلما وردت عليه قال‏:‏ أورق قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ فما هي قال‏:‏ لطف بعث به‏.‏

فلما نظر إليه قال‏:‏ ردوها عليه‏.‏

وكتب إليه‏:‏ يا ابن أم عتبة إنك لتأكل الخبيص من غير كد أبيك‏.‏

وقال عتبة‏:‏ قدمت من أذربيجان وافدًا على عمر فإذا بين يديه عصلة جزور‏.‏

وحدثني المدائني عن عبد الله بن القاسم عن فروة بن لقط‏:‏ قال لما قام عثمان بن عفان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط فعزل عتبة عن أذربيجان فنقضوا‏.‏

فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله بن شبل الأحمسي‏.‏

فأغار على أهل موقان والبير والطيلسان فغنم وسبى وطلب أهل قال ابن الكلبي‏:‏ ولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أذربيجان سعيد بن سارية الخزاعي ثم الأشعث بن قيس الكندي‏.

وحدثني عبد الله بن معاذ العنقزي عن أبيه عن سعد بن الحكم بن عتبة

عن زيد بن وهب قال‏:‏ لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز إلى حجاز هم وأهل البصرة إلى بصرتهم وأقام حذيفة بنهاوند في أهل الكوفة‏.‏

فغزا أذربيجان فصالحوه على ثمانية مئة ألف درهم‏.‏

فكتب إليهم عمر بن الخطاب‏:‏ إنكم بأرض يخالط طعام أهلها ولباسهم الميتة فلا تأكلوا إلا ذكيًا ولا تلبسوا إلا زكيًا‏.‏

يريد الفراء‏.‏

وحدثني العباس بن الوليد النرسي قال‏:‏ حدثنا عبد الواحد بن زياد قال لنا عاصم الأحول‏.‏

عن أبي عثمان النهدي قال‏:‏ كنت مع عتبة بن فرقد حين افتتح أذربيجان‏.‏

فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود و اللبود ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولى عتبة‏.‏

فلما قدم عليه قال‏:‏ ما الذي جئت به أذهب أم ورق وأمر به فكشف عنه فذاق الخبيص فقال‏:‏ إن هذا الطيب أثر‏!‏ أكل الهاجرين أكل منه شعبه قال‏:‏ لا إنما هو شيء خصك به‏.‏

فكتب إليه‏:‏ من عبد الله أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد‏.‏

أما بعد فليس من كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك‏.‏

لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم‏.‏

وحدثني الحسين بن عمرو وأحمد بن مصلح الأزدي عن مشايخ من أهل أذربيجان قالوا‏:‏ قدم الوليد بن عقبة أذربيجان ومعه الأشعث بن قيس‏.‏

فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتفضت‏.‏

فكتب إليه يستمده‏.‏

فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة‏.‏

فتتبع الأشعث بن قيس حانًا حانًا - والحان الحائر في كلام أهل أذربيجان - ففتحها على مثل صلح حذيفة وعتبة بن فرقد وأسكنها ناسًا من العرب من أهل العطاء والديوان وامرهم بدعاء الناس إلي الإسلام‏.‏

ثم تولى سعيد بن العاص فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان وتجمع له بناحية أرم وبلوانكرح خلق من الأرمن وأهل أذربيجان فوجه إليهم جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم وأخذ رئيسهم فصلبه على قلعة باجروان‏.‏

ويقال إن الشماخ بن ضرار الثعلبي كان مع سعيد بن العاص في هذه الغزاة وكان بكير بن شداد بن عامر فارس أطلال معهم في هذه الغزاة وفيه يقول الشماخ‏:‏ وغنيت عن خيل بموقان أسلمت بكير بني الشداخ فارس أطلال وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام فقتله‏.‏

ثم ولى علي بن أبي طالب الأشعث أذربيجان‏.‏

فلما قدمها وجد أكثرها قد أسلموا وقرأو القرآن‏.‏

فأنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان من العرب ومصرها وبنى مسجدها إلا أنه وسع بعد ذلك‏.‏

قال الحسين بن عمرو‏:‏ وأخبرني واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت إليها عشائرها من المصرين والشام وغلب كل على ما أمكنهم وابتاع بعضهم من العجم الأرضين وألجئت إليهم القرى للخفارة فصار أهلها مزارعين لهم‏.‏

وقال الحسين‏:‏ كانت ورثان قنطرة كقنطرتي وحش وأرشق اللتين اتخذتا حديثًا أيام بابك فبناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وأحيا أرضها وحصنها فصارت له ضيعة‏.‏

ثم قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية فصارت لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور أمير المؤمنين وهدم وكلاؤها سورها‏.‏

ثم رم وجدد قريبًا وكان الورثاني من مواليها‏.‏

قال‏:‏ وكانت برزند قرية فعسكر فيها الأفشين حيدر بن كاوس عامل أمير المؤمنين المعتصم بالله على أذربيجان وأرمنية والجبل أيام محاربته الكافر بابك الخرمي وحصنها‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت المراغة تدعى اقراهروذ‏.‏

فعسكر مروان بن محمد وهو والي أرمينية وأذربيجان - منصرفة من غزوة موقان وجيلان - بالقرب منها‏.‏

وكان فيها سر جبن كثير فكانت دوابه و دواب أصحابه تمرغ فيها فجعلوا يقولون‏:‏ ايتوا قرية الراغة‏.‏

ثم حذف الناس قرية وقالوا‏:‏ المراغة‏.‏

وكان أهلها ألجأوها إلى مروان فابتناها وتألف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز ثم إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية‏.‏

وصارت لبعض بنات الرشيد أمير المؤملين‏.‏

فلما عاث الوجناء الأزدي وصدقة بن علي مولى الأزد فأفسدا وولي خزيمة بن خازم بن خزيمة أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد بنى سورها وحصنها ومصرها وأنزلها جندًا كثيفًا‏.‏

ثم لما ظهر بابك الخرمي بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها‏.‏

ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله منهم‏:‏ أحمد بن الجنيد بن فرزندي وعلي بن هشام‏.‏

ثم نزل الناس ربضها وحصن‏.‏

وأما مرند فكانت قريةً صغيرة فنزلها حلبس أبو البعيث ثم حصنها البعيث ثم ابنه محمد بن البعيث‏.‏

وبنى بها محمد قصورًا‏.‏

وكان قد خالف في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله فحاربه بغا الصغير مولى أمير المؤمنين حتى ظفر به وحمله إلى سر من رأى وهدم حائط مرند وذلك القصر‏.‏

والبعيث من ولد عتيب بن عمرو بن وهب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة‏.‏

ويقال إنه عتيب بن عوف بن سنان‏.‏

والعتبيون يقولون ذلك والله أعلم‏.‏

وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زر دشت صحبهم كان منها‏.‏

وكان صدقة بن علي بن صدقة بن دينار مولى الأزد حارب أهلها حتى دخلها وغب عليها وبنى وأخوته بها قصورًا‏.‏

وأما تبريز فنزلها الرواد الأزدي ثم الوجناء بن الرواد وبنى بها وأخوته بناء وحصنها بسور فنزلها الناس معه‏.‏

وأما الميانج فمنازل الهمدانيين‏.‏

وقد مدن عبد الله بن جعفر الهمداني محلته بالميانج ومصير السلطان بها منبرًا‏.‏

وأما كوره برزة فللأود وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها حصنًا وقد اتخذ بها في سنة 239 منبر على كرهٍ من الأودي‏.‏

وأما نرير فكانت قرية لها قصر قديم متشعث فنزلها مر بن عمرو الموصلي الطائي فبنى بها وأسكنها ولده‏.‏

ثم انهم بنوا بها قصورًا ومدنوها‏.‏

وبنوا سوق جابر وان وكبروه وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون أذربيجان‏.‏

فأما سراه فإن فيها من كنده جماعة أخبرني بعضهم أنه من ولد من كان مع الأشعث بن قيس الكندي‏.‏

فتح الموصل قالوا‏:‏ ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة عشرين‏.‏

فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والإذن لمن أراد الجلاء في الجلاء‏.‏

ووجد بالموصل دياراتٍ فصالحه أهلها على الجزية‏.‏

ثم فتح المرج وقراه وأرض باهذرة وباعذرى والحنانة والمعلة ودامير وجميع معاقل الأكراد‏.‏

وأتى بانعاثا من حزه ففتحها‏.‏

وأتى تل الشهارجة والسلق الذي يعرف ببني الحرين صالح بن عباده الهمداني صاحب رابطة الموصل ففتح ذلك كله وغلب عليه المسلمون‏.‏

وأخبرني معافى بن طاووس عن مشايخ من أهل الموصل قال‏:‏ كانت أرمية من فتوح الموصل فتحها عتبة بن فرقد‏.‏

وكان خراجها حينًا إلى الموصل‏.‏

وكذلك الحور وخوى وسلماس‏.‏

قال معافى‏:‏ وسمعت أيضًا أن عتبة فتحها حين ولى أذربيجان‏.‏

والله أعلم‏.‏

عن جده قال‏:‏ أول من اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هر ثمة بن عر فجة البارقي‏.‏

حدثني أبو موسى الهروى عن أبي الفضل الأنصاري عن أبي المحارب الضبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزل عتبة عن الموصل وولاها هرثمة بن عرفجة البارقي‏.‏

وكان بها الحصن وبيعٌٌ للنصارى ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ومحلة اليهود‏.‏

فمصرها هرثمة فأنزل العرب منازلهم واختط لهم ثم بنى المسجد الجامع‏.‏

وحدثني المعفى بن طاووس قال‏:‏ الذي فرش الموصل بالحجارة ابن تليد صاحب شرطة محمد بن مروان بن الحكم‏.‏

وكان محمد والي الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان‏.‏

قال الواقدي‏:‏ ولى عبد الملك بن مروان ابنه سعيد بن عبد الملك ابن مروان صاحب نهر سعيد الموصل‏.‏

وولى محمدًا أخاه الجزيرة وأرمينية‏.‏

فبنى سعيدٌ سور الموصل وهو الذي هدمه الرشيد حين مر بها‏.‏

وقد كانوا خالفوا قبل ذلك وفرشها سعيد بالحجارة‏.‏

وحدثت عن بعض أهل بابغيش أن المسلمين كانوا طلبوا غرة أهل ناحية منها مما يلي دامير يقال لها زران‏.‏

فأتوهم في يوم عيد لهم وليس معهم سلاح فحالوا بينهم وبين قلعتهم وفتحوها‏.‏

قالوا‏:‏ ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبياتٌ للنصارى فمصرها وأسكنها قومًا من العرب فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل‏.‏

وبنى نحوه حصنًا‏.‏

ويقال إن هرثمة نزل الحديثة أولًا فمصرها واختطها قبل الموصل وإنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الأنبار لما وليهم ابن الرفيل أيام الحجاج ابن يوسف فعسفها‏.‏

وكان فيهم قومٌ من أهل حديثة الأنبار فبنوا بها مسجدًا وسموا المدينة الحديثة‏.‏

قالوا‏:‏ وافتتح عتبة بن فرقد الطيرهان وتكريت وآمن أهل حصن تكريت على أنفسهم وأموالهم وسار في كوره باجرامى ثم صار إلى شهرزور‏.‏

وحدثني شيخٌ من أهل تكريت أنه كان معهم كتاب أمانٍ وشرطٌ لهم‏.‏

فخرقه الجرشى حين أخرب قرى الموصل نرساياذ وهاعلة وذواتها‏.‏

وزعم الهيثم بن عدي أن عباض بن غنم لما فتح بلدًا أتي الموصل ففتح أحد الحصنين‏.‏

والله تعالى أعلم‏.‏

شهر زور والصامغان ودراباذ حدثني إسحاق بن سليمان الشهرزورى قال‏:‏ ثنا أبي عن محمد بن مروان عن الكلبي عن بعض آل عزرة البجلى أن عزرة بن قيس حاول فتح شهرزور وهو والٍ على حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها‏.‏

فغزاها عتبة بن فرقد ففتحها بعد قتال على مثل صلح حلوان‏.‏

وحدثني إسحاق عن أبيه عن مشايخهم قال‏:‏ صالح أهل الصامغان ودراباذ عتبة على الجزية والخراج على أن لا يقتلوا ولا سبوا ولا يمنعوا طريقًا يسلكونه‏.‏

وحدثني أبو رجاء الحلواني عن أبيه عن مشايخ شهرزور قالوا‏:‏ شهرزور والصامغان ودراباذ من فتوح عتبة ابن فرقد السلمي‏.‏

فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقًا وكتب إلى عمر‏:‏ إني قد بلغت بفتوحي أذربيجان‏.‏

فولاه إياها‏.‏

وولى هرثمة بن عرفجة الموصل‏.‏

قالوا‏:‏ ولم تزل شهرزور وأعمالها مضمومةً إلى الموصل حتى فرقت في آخر خلافة الرشيد‏.‏

فولى شهرزور والصامغان ودراباذ رجلٌ مفردٌ‏.‏

وكان رزق عامل كل كوره من كور الموصل مائتي درهم فحط لهذه الكور ست مئة درهم‏.‏

جرجان وطبرستان ونواحيها قالوا‏:‏ ولى عثمان بن عفان رحمه الله سعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص بن أمية الكوفة في سنة تسع وعشرين‏.‏

فكتب مرزبان طوس إليه وإلى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وهو على البصرة يدعوها إلى خراسان على أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر‏.‏

فخرج ابن عامر يريدها وخرج سعيد‏.‏

فسبقه ابن عامر فغزا سعيد طبرستان ومعه في غزاته فيما يقال الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب عليهم السلام‏.‏

وقيل أيضا إن سعيدًا غزا طبرستان بغير كتاب أتاه من أحد وقصد إليها من الكوفة والله أعلم‏.‏

ففتح سعيد طميسة ونامنة وهي قرية‏.‏

وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهم ويقال على ثلاث مئة ألف بغلية وافته فكان يؤديها إلى غزاة المسلمين‏.‏

وافتتح سعيد سهل طبرستان والرويان ودنباوند وأعطاه أهل الجبال مالًا‏.‏

وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الاتاوة عفوًا ورمبا أعطوها بعد قتال‏.‏

وولى معاوية بن ابي سفيان مصقلة بن هبيرة بن شيل - أحد بني ثعلبة ابن شيبان بن ثعلبة بن عكابة - طبرستان وجميع أهلها حرب‏.‏

وضم إليه عشرة آلاف ويقال عشرين ألفًا فكاده العدو وأروه الهيبة له حتى توغل بمن معه في البلاد‏.‏

فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم ودهدهوا الصخور من الجبال على رؤسهم‏.‏

فهلك ذلك الجيش أجمع وهلك مصقلة فضرب فقالوا‏:‏ حتى يرجع مصقلة من طبرستان‏.‏

ثم إن عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان ولى محمد بن الأشعث بن قيس الكندي طبرستان‏.‏

فصالحهم وعقد لهم عقدًا ثم أمهلوا له حتى دخل فأخذوا عليه ا لمضايق وقتلوا ابنه أبا يكر فضخوه ثم نجا‏.‏

فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون من التوغل في أرض العدو‏.‏

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف وغيره قالوا‏:‏ لما ولى سليمان بن عبد الملك بن مروان الأمر ولى يزيد بن الملهب بن أبي صفرة العراق‏.‏

فخرج إلى خرا سان لسبب ما كان من التواء قتيبة بن مسلم وخلافه على سليمان وقتل وكيع بن أبي سود التميمي إياه‏.‏

فعرض له صول التركي في طريقه وهو يريد خرا سان‏.‏

فكتب إلى سليمان يستأذنه في غزوه فأذن له‏.‏

فغزا جيلان وسارية ثم أتى دهستان وبها صول فحصرها وهو في جند كثيف من أهل الشام و أهل المصرين وأهل خرا سان‏.‏

فكان أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم فألح عليهم يزيد وقطع المواد عنهم‏.‏

ثم إن وصل أرسل إلى يزيد يسأله الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وأهل بيته ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها‏.‏

فقبل يزيد ذلك وصالحه عليه ووفى له‏.‏

وقتل يزيد أربعة عشر ألفًا من الترك واستخلف عليها‏.‏

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ إن صول قتل والخبر الأول أثبت‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ أتى يزيد جرجان‏.‏

فتلقاه أهلها بالإتاوة التي كان سعيد بن العاص صالحهم عليها فقبلها‏.‏

ثم إن أهل جرجان نقضوا وغدروا‏.‏

فوجه إليهم جهم بن زحر الجعفي ففتحها‏.‏

قال‏:‏ ويقال إنه صار إلى مرو فأقام بها شتوته ثم غزا جرجان في مئة ألف وعشرين ألف من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخرا سان‏.‏

وحدثني علي بن محمد المدائني قال‏:‏ أقام يزيد بن المهلب بخراسان شتوةً ثم غزا جرجان وكان عليها حائط من آخر قد تحصنوا به من الترك وأحد طرفيه في البحر ثم غلبت الترك عليه وسموا ملكهم صول‏.‏

فقال يزيد‏:‏ قبح الله قتيبة‏!‏ ترك هؤلاء وهم في بيضة العرب وأراد غزو الصين أو قال‏:‏ وغزا الصين‏.‏

وخلف يزيد على خراسان مخلد بن يزيد‏.‏

قال‏:‏ فلما صار إلى جرجان وجد صول قد نزل في البحيرة‏.‏

فحصره ستة أشهر وقاتله مرارًا‏.‏

فطلب الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وثلاث مئة من أهل بيته ويدفع إليه البحيرة بما فيها‏.‏

فصالحه ثم سار إلى طبرستان‏.‏

واستعمل علي دهستان والبياسان عبد الله بن معمر اليشركي وهو في أربعة آلاف ووجه ابنه خالد بن يزيد وأخاه أبا عيينة بن المهلب إلى الإصبهبذ وهزمهما حتى ألحقهما بعسكر يزيد‏.‏

وكتب الإصبهبذ إلى المرزبان - ويقال المروزبان -‏:‏ آنا قد قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبالك من العرب‏.‏

فقتل عبد الله بن معمر اليشكري ومن معه وهم غارون في منازلهم‏.‏

وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة وهو من سبى الديلم فقال للإصبهبذ‏:‏ إني رجل منك وإليك وإن فرق الدين بيننا ولست بآمن أن يأتيك من قبل أمير المؤمنين ومن جيوش خرا سان ما لا قبل لك به ولا قوام لك معه‏.‏

وقد رزت لك يزيد فوجدته سريعًا إلى الصلح فصالحه‏.‏

ولم يزل يخدعه حتى صالح يزيد على سبع مئة ألف درهم وأربع مئة وقر زغفرانًا‏.‏

فقال له الإصبهبذ‏:‏ العشرة وزن ستة‏.‏

فقال‏:‏ لا ولكن وزن سبعة‏.‏

فأبى‏.‏

فقال حيان‏:‏ أنا أتحمل فضل ما بين الوزنتين‏.‏

فتحمله‏.‏

وكان حيان من نبل الموالي وسرواتهم وكان يكنى أبا معمر‏.‏

قال المدائني‏:‏ بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغردهم فسار يريدها ثانية‏.‏

فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها وحولها غياض وأشب‏.‏

فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها على شيء‏.‏

وقاتلوه مررًا ونصب المنجنيق عليها‏.‏

ثم إن رجلًا دلهم على طريق إلى قلعتهم وقال‏:‏ لا بد من سلم جلود‏.‏

فعقد يزيد لجهم بن زحر الجعفى وقال‏:‏ إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت‏.‏

وأمر يزيد أن تشعل النار في الحطب‏.‏

فهالهم ذلك وخرج قومٌ منهم ثم رجعوا‏.‏

وانتهى جهم إلى القلعة فقاتله قومٌ ممن كان على بابها فكشفهم عنه‏.‏

ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم‏.‏

ففتحت القلعة وأنزلوا على حكم يزيد‏.‏

فقادهم جهم إلى وادي جمرجان وجعل يقتلهم حتى سالت الدماء في الوادي وجرت‏.‏

وهو بنى مدينة جرجان‏.‏

وسار يزيد إلى خراسان فبلغته الهدايا‏.‏

ثم ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إلى سليمان‏.‏

فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم‏.‏

فوقع الكتاب في يدي عمر بن عبد العزيز فأخذ يزيد به وحبسه‏.‏

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف أو عوانة بن الحكم قال‏:‏ سار يزيد إلى طبرستان‏.‏

فاستجاش الاصبهبذ الديلم فأنجدوه‏.‏

فقاتله يزيد ثم إنه صالحه على نقد أربعة آلاف ألف درهم وعلى سبع مئة ألف درهم مثاقيل في كل سنة ووقر أربع مئة جمازٍ زعفرانًا وأن يخرجوا أربع مئة رجل على رأس كل رجل منهم ترس وطيلسان وجام فضة ونمرقة حرير‏.‏

وبعض الرواة يقول‏:‏ برنس‏.‏

وفتح يزيد الرويان ودنباوند على مالٍ وثيابٍ وآنية‏.‏

ثم مضى إلى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته وقدم أمامه جهم بن زحر بن قيس الجعفي‏.‏

فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون ووفاه ابن المهلب فقتل خلقًا من أهلها وسبى ذراريهم وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره‏.‏

واستخلف عليها جهمًا فوضع الجزية والخراج على أهلها وثقلت وطأته عليهم‏.‏

قالوا‏:‏ ولم تزل اهل طبرستان يؤدون الصلح مرةً ويمتنعون من أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون‏.‏

فلما كانت أيام مروان بن محمد بن مروان ابن الحكم غدروا ونقضوا حتى إذا استخلف أبو العباس أمير المؤمنين وجه إليهم عامله فصالحوه‏.‏

ثم إنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين في خلافة أمير المؤمنين المنصور‏.‏

فوجه إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي ومعهما مرزوق أبو الخصيب مولاه الذي نسب إليه قصر أبي الخصيب بالكوفة‏.‏

فسألهما مرزوق حين طال عليهما الأمر وصعب أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته ففعلا‏.‏

فخلص إلى الإصبهبذ فقال له‏:‏ إن هذين الرجلين استغشاني وفعلا بي ما ترى وقد هربت إليك فإن قبلت انقطاعي وأنزلتني المنزلة التي أستحقها منك دللتك على عورات العرب وكنت يدًا معك عليهم‏.‏

فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له‏.‏

فكان يريه أنه له ناصحٌ وعليه مشفق‏.‏

فلما اطلع على أموره وعوراته كتب إلى خازم وروح بما احتاجا إلى معرفته من ذلك واحتال للباب حتى فتحه‏.‏

فدخل المسلمون المدينة وفتحوها وساروا في البلاد فدوخوها‏.‏

وكان عمر بن العلاء جزارًا من أهل الري فجمع جمعًا وقاتل سنفاذ حين خرج بها‏.‏

فأبلى ونكى فأوفده جهور بن مرار العجلى على المنصور فقوده وحضنه وجعل له مرتبة‏.‏

ثم أنه ولى طبرستان فاستشهد بها في خلافة المهدي أمير المؤمنين‏.‏

وافتتح محمد بن موسى بن حفص بن عمر بن العلاء وما يزديار بن قارن جبال شر وين من طبرستان وهي أمنع جبالٍ وأصعبها وأكثرها أشبًا وغياضًا في خلافة المأمون رحمه الله‏.‏

ثم إن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند وسماه محمدًا وجعل له مرتبة الإصبهبذ‏.‏

فلم يزل واليًا حتى توفى المأمون‏.‏

ثم استخلف أبو إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين فأقره على عمله‏.‏

ثم إنه كفر وغدر بعد ست سنين وأشهرٍ من خلافته‏.‏

فكتب إلى عبد الله بن طاهر ابن الحسين بن مصعب عامله على خراسان والري وقومس وجرجان يأمره بمحاربته‏.‏

فوجه عبد الله إليه الحسن لن الحسين عمه في رجال خراسان‏.‏

ووجه المعتصم بالله محمد بن إبراهيم بن مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة‏.‏

فلما توافت الجنود في بلاده كاب أخٌ له يقال له فوهيار بن قارن الحسن ومحمدًا وأعلمهما أنه معهما عليه‏.‏

وقد كان يحقد أشياء يناله بها من الاستخفاف‏.‏

وكان أهل عمله قد ملوا سيرته لتجبره وعسفه‏.‏

فكتب الحسن يشير عليه بأن يكمن في موضع سماه له وقال لما يزديار‏:‏ إن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا وذكر غير ذلك الموضع وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك فيما بلغني‏.‏

فسار مايزديار يريد الحسن‏.‏

فلما صار بقرب الموضع الذي الحسن كامنٌ فيه آذنه فوهيار بمجيئه‏.‏

فخرج عليه في أصحابه وكانوا منقطعين في الغياض فجعلوا يتتامون إليه‏.‏

واراد مايزديار العرب فأخذ فوهيار بمنطقته‏.‏

وانطوى عليه أصحاب الحسن فأخذوه سلمًا بغير عهدٍ ولا عقد‏.‏

فحمل إلى سر من رأى في سنة خمس وعشرين ومائتين فضرب بالسياط بين يدي المعتصم بالله ضربًا مبرحًا فلما رفعت السياط عنه مات‏.‏

فصلب بسر من رأى مع بابك الخرمي على العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة‏.‏

ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه فقتل بطبرستان‏.‏

وافتتحت طبرستان سهلها وجبلها فتولاها عبد الله بن طاهر وطاهر بن عبد الله من بعده‏.‏

فتوح كور دجلة قالوا‏:‏ كان سويد بن قطبة الذهلي وبعضهم يقول‏:‏ قطبة بن قتادة يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم كما كان المثنى بن حارثة الشيباني يغير بناحية الحيرة‏.‏

فلما قدم خالد بن الوليد البصرة يريد الكوفة سنة 12 أعانه على حرب أهل الأبلة وخلف سويدًا‏.‏

ويقال إن خالدًا لم يسر من البصرة حتى فتح الخريبة وكانت مسلحةً للأعاجم فقتل وسبى‏.‏

وخلف بها رجلًا من بني سعد بن بكر بن هوازن يقال له شريح بن عامر‏.‏

ويقال إنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحًا صالحه عنه النوشجان بن جسنسما والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى وهي ابنة عم النوشجان‏.‏

وإنما سميت المرأة لأن أبا موسى الأشعري كان نزل بها فزودته خبيصًا فجعل يقول‏:‏ أطعمونا من دقيق المرأة‏.‏

وكان محمد بن عمر الواقدي ينكر أن يكون خالد بن الوليد أتى البصرة حين فرغ من أمر أهل اليمامة والبحرين‏.‏

ويقول‏:‏ قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية والله أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ فلما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله فولاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب - أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة‏.‏

وهو حليف بني نوفل بن عبد مناف وكان من المهاجرين الأولين - وقال له‏:‏ إن الحيرة قد فتحت وقتل عظيمٌ من العجم يعني مهران ووطئت خيل المسلمين أرض بابل‏.‏

فصره إلى ناحية البصرة واشغل من هناك من أهل الأهواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك‏.‏

فأتاها عتبة وانضم إليه سويد بن قطبة ومن معه من بكر بن وائل وكانت بالبصرة سبع دساكر‏:‏ اثنتان بالخريبة واثنتان بالزايوقة وثلاثٌ في موضع دار الأزد اليوم‏.‏

ففرق عتبة أصحابه فيها ونزل هو بالخريبة وكانت مسلحةً للأعاجم ففتحها خالد بن الوليد فخلت منهم‏.‏

وكتب عتبة إلى عمر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا‏.‏

فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم موضعًا قريبًا من الماء والمراعى‏.‏

فأقبل إلى موضع البصرة‏.‏

قال أبو مخنف‏:‏ وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل إنها بصرة‏.‏

وقيل إنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها‏.‏

قالوا‏:‏ وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط‏.‏

ولم يكن لهم بناء‏.‏

وأمد عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة البارقي وكان بالبحرين ثم إنه صار بعد إلى الموصل‏.‏

قالوا‏:‏ فغزا عتبة بن غزوان الأبلة ففتحها عنوة‏.‏

وكتب إلى عمر يعلمه ذلك ويخبره أن الأبله فرضة البحرين وعمان والهند والصين‏.‏

وأنفذ الكتاب مع نافع بن الحارث الثقفي‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح قال‏:‏ ثنا مرحوم العطار عن أبيه عن شويس الهدوي قال‏:‏ خرجنا مع أمير الأبلة فظفرنا بها‏.‏

ثم عبرنا الفرات فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم فظفرنا بهم وفتحنا الفرات‏.‏

وحدثني عبد الواحد بن غياث قال‏:‏ ثنا حماد بن سلمة عن أبيه عن حميري بن كراثة الربعى قال‏:‏ لما دخلوا الأبلة وجدوا خبيز الحواري‏.‏

فقالوا‏:‏ هذا الذي كان يقال إنه يسمن‏.‏

فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون‏:‏ والله ما نرى سمنًا‏.‏

قال‏:‏ وأصبت قميصًا مجيبًا من قبل صدره أخضر فكنت أحضر فيه الجمعة‏.‏

وحدثني المدائني عن جهم بن حسان قال‏:‏ فتح عتبة الأبلة ووجه مجاشع بن مسعود على الفرات وأمر المغيرة بالصلاة وشخص إلى عمر‏.‏

وحدثني المدائني عن أشياخه أن مابين الفهرج إلى الفرات صلح وسائر الأبلة عنوة‏.‏

وحدثني عبد الله بن صالح المقري قال‏:‏ حدثني عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق بن يسار قال‏:‏ وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتبة بن غزوان حليف بني نوفل في ثمان مئة إلى البصرة وأمده بالرجال‏.‏

فنزل بالناس في خيم‏.‏

فلما كثروا بنى رهطٌ منهم سبع دسا كر من لبنٍ منها بالخريبة اثنتان بالزابوقة واحدة وفي الأزد اثنتان وفي تميم اثنتان‏.‏

ثم إنه خرج إلى الأبلة فقاتل أهلها ففتحها عنوة‏.‏

وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بن مسعود السلمي ففتحه عنوة‏.‏

وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه الله وغرق عامة من معه‏.‏

وأخذ سلمًا فضرب عتبة عنقه‏.‏

وسار عتبة إلى دستميسان وقد جمع أهلها للمسلمين وأرادوا المسير إليهم فرأى أن يعاجلهم بالغزو ليكون ذلك أفت في اعضادهم وأملأ لقلوبهم فلقيهم فهزمهم الله وقتل دها قيهم‏.‏

وانصرف عتبة من فوره إلى أبرقياذ ففتحها الله عليه‏.‏

قالوا‏:‏ ثم استأذن عتبة عمر بن الخطاب في الوفادة عليه والحج‏.‏

فأذن له‏.‏

فاستخلف بن مجاشع بن مسعود السلمي وكان غائبًا عن البصرة وأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى قدومه‏.‏

فقال ‏:‏ أتولى رجلًا من أهل الوبر على رجل من أهل المدر واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه وشخص فمات في الطريق‏.‏

فولى عمر البصرة للمغيرة بن شعبة‏.‏

وقد كان الناس سألوا عتبة عن البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلقٌ من الناس‏.‏

وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قال‏:‏ كانت عند عتبة بن غزوتن أزده بنت الحارث بن كلدة‏.‏

فلما استعمل عمر عتبة بن غزوان قدم معه نافعٌ وأبوه بكرة وزياد‏.‏

ثم إن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات فجعلت امرأته أزده تحرض الناس على القتال وهي تقول‏:‏ إن يهزموكم تولجوا فينا الغلف ففتح الله على المسلمين تلك المدينة وأصابوا غنائم كثيرة‏.‏

ولم يكن فيهم أحدٌ يكتب ويحسب إلا زياد‏.‏

فولى قسم ذلك المغنم وجعل له كل يوم درهمان وهو غلام في رأسه ذوابة‏.‏

ثم إن عتبة شخص إلى عمر‏.‏

وكتب إلى مجاشع بن مسعود يعلمه أنه قد خلفه وكان غائبًا وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس إلى قدوم مجاشع‏.‏

ثم إن دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام فلقيه المغيرة بالمنعرج فقتله‏.‏

وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه‏.‏

فدعا عمر عتبة فقال‏:‏ ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعًا قال‏:‏ نعم‏.‏

فإن المغيرة كتب إلى بكذا‏.‏

فقال‏:‏ إن مجاشعًا كان غائبًا فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلى بالناس إلى قدومه‏.‏

فقال عمر‏:‏ لعمري لاهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر‏.‏

ثم كتب إلى المغيرة بعهده على البصرة وبعث به إليه‏.‏

فأقام المغيرة ما شاء الله‏.‏

ثم إنه هوى المرأة‏.‏

وحدثني عبد الله بن صالح عن عبدة عن محمد بن إسحاق قال‏:‏ غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتالٍ شديدٍ وغلب على أرضها‏.‏

ثم إن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة‏.‏

وحدثني روح بن عبد المؤمن قال‏:‏ حدثني وهب بن جرير بن حازم عن أبيه قال‏:‏ فتح عتبة بن غزوان الأبلة والفرات وأبرقاذ زد ستميسان وفتح المغيرة ميسان‏.‏

وغدر أهل أبرقباذ ميسان‏.‏

قالوا‏:‏ وكان من سبى ميسان أبو الحسن البصري وسعيد بن يسار أخوه‏.‏

وكان اسم يسار فيروز‏.‏

فصار أبو الحسن لامرأة من الأنصار يقال لها الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك‏.‏

ويقال كان لامرأة من بني سلمة يقال لها جميلة امرأة أنس بن مالك‏.‏

وروى الحسن قال‏:‏ كان أبي وأمي لرجل من بني النجار‏.‏

فتزوج امرأة من بنى سلمة فساقهما إليها في صداقها‏.‏

فأعتقتهما تلك المرأة فولاؤنا لها‏.‏

وكان مولد الحسن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافه عمر وخرج منها بعد صفين بسنة ومات بالبصرة سنة 110 وهو ابن تسع وثمانين سنة‏.‏

قالوا‏:‏ إن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل بنت محجن بن الأفقم بن شعيثة بن الهزم‏.‏

وقد كان لها زوجٌ من ثقيف يقال له الحجاج بن عتيك‏.‏

فبلغ ذلك أبا بكرة بن مسروح مولى النبي صلى الله عليه وسلم من مولدي ثقيف وشبل بن معبد بن عبيد البجلي ونافع بن الحارث ابن كلدة الثقفي وشبل بن معبد بن عبيد البجلي ونافع بن الحارث ابن كلدة الثقفي وزياد بن عبيد فرصدوه‏.‏

حتى إذا دخل عليها هجموا عليه فإذا هما عريانان وهو متبطنها‏.‏

فخرجوا حتى أتوا عمر بن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا‏.‏

فقال عمر لأبي موسى الأشعري‏:‏ إني أريد أبعثك إلى بلد قد عشش فيه الشيطان‏.‏

قال‏:‏ فأعنى بعدةٍ من الأنصار‏.‏

فبعث معه البراء بن مالك وعمران بن الحصين وأمره بأشخاص المغيرة‏.‏

فأشخصه بعد قدومه بثلاث‏.‏

فلما صار إلى عمر جمع بينه وبين الشهود‏.‏

فقال نافع بن الحارث‏:‏ رأيته على بطن المرأة يحتفز عليها ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة‏.‏

ثم شهد شبل بن معبد على شهادته ثم أبو بكرة ثم أقبل زياد رابعًا‏.‏

فلما نظر إليه عمر قال‏:‏ أما إني أرى وجه رجلٍ أرجو أن لا يرجم رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده ولا يخزي بشهادته‏.‏

وكان المغيرة قد من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال زياد‏:‏ رأيت منظرًا قبيحًا وسمعت نفسًا عاليًا‏.‏

وما أدري أخالطها أم لا ويقال لم يشهد بشيء‏.‏

فأمر عمر بالثلاثة لجلدوا‏.‏

فقال شبل‏:‏ أنجلد شهود الحق وتبطل الحد فلما جلد أبو بكرة قال‏:‏ أشهد أن المغيرة زانٍ‏.‏

فقال عمر‏:‏ حدوه‏.‏

فقال‏:‏ على إن جعلتها شهادة‏.‏

فارجم صاحبك‏.‏

فخلف أبو بكرة أن لايكلم زيادًا ابدًا وكان أخاه لأمه سمية‏.‏

ثم إن عمر ردهم إلى مصرهم‏.‏

وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عمر بولايتها وإضخاص المغيرة‏.‏

والأول أثبت‏.‏

وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يبعث عتبة بن غزوان إلى البصرة ففعل‏.‏

وكان يأنف من مكاتبته إياه فلذلك استعفى وأن عمر رضي الله عنه رده واليًا فمات في الطريق‏.‏

وكانت ولاية أبي موسى البصرة في سنة 16 ويقال سنة 17 فاستقرى كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها على قدر احتمالها‏.‏

والثبت أن أبا موسى ولى البصرة في سنة 16‏.

حدثني شيبان بن فروخ الأبلس

قال‏:‏ ثنا أبو هلال الراسي قال‏:‏ حدثنا يحيى بن أبي كثير أن كاتبًا لأبي موسى كنب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ من أبو موسى‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ إذا أتاك كتابي هذا فاضرب كاتبك سوطًا واعزله عن عملك‏.‏

تمصير البصرة حدثني علي بن المغيرة الأثرم عن أبي عبيده قال‏:‏ لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة كتب إلى عمر ابن الخطاب يعلمه نزوله إياها وأنه لا بد للمسلمين من منزلٍ يشتون به لإذا شتوا ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم‏.‏

فكتب إليه أن اجمع أصحابك في موضع واحد‏.‏

وليكن قريبًا من الماء والمرعى‏.‏

واكتب إلى بصفته‏.‏

فكتب إليه‏:‏ إني وجدت أرضًا كثيرة القضبة في طرف البر إلى الريف ودونها مناقع ماءٍ فيها قصباء‏.‏

فلما قرأ الكتاب قال‏:‏ هذه أرض نضرة قريبة من المشارب والمراعي زالمحتطب‏.‏

وكتب إليه أن أنزلها الناس‏.‏

فأنزلهم إياها‏.‏

فبنوا مساكن بالقصب‏.‏

وبنى عتبة مسجدًا من قصب وذلك في سنة 14‏.‏

فيقال إنه تولى اختطاط المسجد بيده‏.‏

ويقال اختطه محجر بن الادرع البهزي من سليم‏.‏

ويقال اختطه نافع بن الحارث بن كلدة حين خط داره‏.‏

ويقال بل اختطه الأسود بن سريع التميمي وهو أول من قضى فيه‏.‏

فقال له مجاشع ومجالد ابنا مسعود‏:‏ رحمك الله‏!‏ شهرت نفسك‏.‏

فقال‏:‏ لا أعود‏.‏

وبنى عتبة دار الأمارة دون المسجد في الرحبة التي يقال لها اليوم رحبة بني هاشم‏.‏

وكانت تسمى الدهناء‏.‏

وفيها السجن والديوان‏.‏

فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو‏.‏

فإذا رجعوا أعادوا بناءه‏.‏

فلم تزل الحال كذلك‏.‏

ثم إن الناس اختطوا وبنوا المنازل‏.‏

وبنى أبو موسى الأشعري المسجد ودار الامارة بلبن وطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد‏.‏

وكان الإمام إذا جاء للصلاة تخطاهم إلى القبلة على حاجر‏.‏

فخرج عبد اله بن عامر ذات يوم من دار الإمارة يريد القبلة وعليه جبة خز دكناء‏.‏

فجعل الأعراب يقولون‏:‏ على الأمير جلد دب‏.‏

وحدثني أبو محمد الثوري عن الأصمعي قال‏:‏ لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن بن أبي بكرة‏.‏

وهو أول مولود بالبصرة‏.‏

فنخر أبوه جزورًا أشبع منها أهل البصرة‏.‏

ثم لما استعمل معاوية بن أبي سفيان زيادًا على البصرة زاد في المسجد زيادةً كثيرة وبناه بالآجر والجص وسقفه بالساج وقال‏:‏ لا ينبغي للأمام أن يتخطى الناس‏.‏

فحول دار الإمارة من الدهناء إلى قبلة المسجد‏.‏

فكان الإمام يخرج من الدار في الباب الذي في حائط القبلة‏.‏

وجعل زياد حين بنى المسجد ودار الإمارة يطوف فيهما وينظر إلى البناء ثم يقول لمن معه من وجوه أهل البصرة‏:‏ أترون خللا فيقولون‏:‏ ما نعلم بناء احكم منه‏.‏

فقال‏:‏ بلى هذه الأساطين وروى عن يونس بن حبيب النحوي قال‏:‏ لم يؤت من تلك الاساطين قط تصديع ولا عيب‏.‏

وقال حارثة بن بدر الغداني ويقال‏:‏ بل قال ذلك البعيث المجاشعى‏:‏ بنى زيادٌ لذكر الله مصنعةٌ من الحجارة لم تعمل من الطين لولا تعاور أيدي الأنس ترفعها اذًا لقلنا من أعمال الشياطين وقال الوليد بن هشام بن قحذم‏:‏ لما بنى زياد المسجد جعل لصفته المقدمة خمس سوارٍ‏.‏

وبنى منارته بالحجارة‏.‏

وهو أول من عمل المقصورة‏.‏

ونقل دار الإمارة إلى قبلة المسجد‏.‏

وكان بناؤه إياها بلبن وطين حتى بناها صالح بن عبد الرحمن السجستاني مولى بني تميم في ولايته خراج العراق لسليمان بن عبد الملك بالآجر والجص‏.‏

وزاد فيه عبيد الله بن زياد وفي مسجد الكوفة‏.‏

وقال‏:‏ دعوت الله أن يرزقني الجهاد ففعل ودعوته أن يرزقني بناء مسجدي الجماعة بالمصرين ففعل ودعوته أن يجعلني خلفًا من زياد ففعل‏.‏

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ لما بنى زياد المسجد أتي بسواريه من جبل الأهواز‏.‏

وكان الذي تولى أمرها وقطعها الحجاج بن عتيك الثقفي وابنه‏.‏

فظهر له مال‏.‏

فقيل‏:‏ حبذا الإمارة ولو على الحجارة‏.‏

فذهب مثلًا‏.‏

قال‏:‏ وبعض الناس يقول إن زيادًا رأى الناس ينفضون أيديهم إذا تربت وهم في الصلاة فقال‏:‏ لا آمن أن يظن الناس على طول الأيام أن نفض الأيدي في الصلاة سنة‏.‏

فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد‏.‏

فاشتد الموكلون بذلك على الناس وتعنتوهم وأروهم حصى وإلقائه في المسجد‏.‏

فاشتد الموكلون بذلك على الناس وتعنتوهم وأروهم حصى انتقوه‏.‏

فقالوا‏:‏ ايتونا بمثله على مقاديره وألوانه وارتشوا على ذلك‏.‏

فقال القائل‏:‏ حبذا الإمارة ولو على الحجارة‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ كان جانب المسجد الشمالي متزويًا لأنه كانت هناك دارٌ لنافع بن الحارث بن كلدة‏.‏

فأبى ولده بيعها‏.‏

فلما ولى معاوية عبيد الله بن زياد البصرة قال عبيد الله لأصحابه‏:‏ إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعته فأعلموني ذلك‏.‏

فشخص إلى قصره البيض الذي على البطيحة‏.‏

فأخبر عبيد الله بذلك‏.‏

فبعث الفعلة فهدموا من تلك الدار ما سوى به تربيع المسجد‏.‏

وقدم ابن نافع فضج إليه من ذلك‏.‏

فأرضاه بأن أعطاه بكل ذراعٍ خمسة أذرع‏.‏

وفتح له في الحائط خوخةً إلى المسجد‏.‏

فلم تزل الخوخة في حائطه حتى زاد المهدي أمير المؤمنين في المسجد‏.‏

فأدخلت الدار كلها فيه وأدلت فيه أيضاَ دار الامارة في خلافة الرشيد رحمه الله‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ لما قدم الحجاج بن يوسف العراق أخبر أن زيادًا ابتنى دار الإمارة بالبصرة‏.‏

فأراد أن يزيل اسمه عنها فهم ببنائها بجص وآجر‏.‏

فقيل له‏:‏ إنما تزيد اسمه فيها ثباتًا وتوكدًا‏.‏

فبنيت عامة الدور حولها من طينها ولبنها وأبوابها‏.‏

فلم تكن بالبصرة دار إمارة حتى ولى سليمان بن عبد الملك‏.‏

فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق‏.‏

فحدثه صالح حديث الحجاج وما فعل في دار الإمارة‏.‏

فأمره بإعادتها‏.‏

فأعادها بالآجر والجص على اساسها ورفع سمكها‏.‏

فلما ولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وولى عدي بن أرطاة الفزاري البصرة أراد عدي أن يبنى فوقها غرفًا‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ هبلتك أمك يا بن أم عدي‏!‏ أيعجز عنك منزل وسع زيادًا وآل زياد فأمسك عدي عن إتمام تلك الغرف وتركها‏.‏

فلما ولى سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس البصرة لأبي العباس أمير المؤمنين بنى على ما كان عدي رفعه من حيطان الغرف بناءً بطين ثم تركه وتجول إلى المربد فنزله‏.‏

فلما استخلف الرشيد أدخلت الدار في قبلة المسجد فليس للأمراء بالبصرة دار إمارة‏.‏

وقال الوليد بن هشام بن قحذم‏:‏ لم يزد أحدٌ في المسجد بعد ابن زياد حتى كان المهدي‏.‏

فاشترى دار نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي ودار عبيد الله بن أبي بكرة ودار ربيعة بن كلدة الثقفي ودار عمر بن وهب الثقفي ودار أم جميل الهلالية التي كان من أمرها وأمر المغيرة بن شعبة ما كان ودورًا غيرها فزادها في المسجد أيام ولى محمد بن سليمان بن علي البصرة‏.‏

ثم أمر هارون أمير المؤمنين الرشيد عيسى بن جعفر بن المنصور أيام ولايته البصرة أن يدخل دار الإمارة في المسجد ففعل‏.‏

وقال الوليد بن هشام‏:‏ أخبرني أبي عن أبيه وكان يوسف بن عمر ولاه ديوان جند العرب قال‏:‏ نظرت في جماعة مقاتلة البصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفًا‏.‏

ووجدت عيالهم مئة ألفٍ وعشرين ألف عيل‏.‏

ووجدت العرب مقاتلة الكوفة ستين ألفًا وعيالهم ثمانين ألفًا‏.‏

وحدثني محمد بن سعيد عن الواقدي في إسناده قال‏:‏ كان عتبة بن غزوان مع سعد بن أبي وقاص‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ أن أضرب قيروانك بالكوفة‏.‏

ووجه عتبة بن غزوان إلى البصرة‏.‏

فخرج في ثماني مئة فضرب خيمة من أكسية وضرب الناس معه‏.‏

وأمده عمر بالرجال‏.‏

فلما كثروا بنى رهطٌ منهم سبع دسا كر من لبن‏.‏

منها بالخريبة اثنتان وبالزابوقة واحدة وفي بنى تميم اثنتان وفي الأزد اثنتان‏.‏

ثم إن عتبة خرج إلى الفرات بالبصرة فافتتحه‏.‏

ثم رجع إلى البصرة‏.‏

وكان سعد يكاتب عتبة فغمه ذلك‏.‏

فاستأذن عمر في الشخوص إليه‏.‏

فلحق به واستخلف المغيرة بن شعبة‏.‏

فلما قدم المدينة شكا إلى عمر تسلط سعدٍ عليه‏.‏

فقال له‏:‏ وما عليك أن تقر بالإمارة لرجل من قريشٍ له صحبةٌ وشرف فأبى الرجوع‏.‏

وأبى عمر إلا رده‏.‏

فسقط عن راحلته في الطريق فمات في سنة 16‏.‏

وكان محجر بن الأدرع اختط مسجد الصرة ولم يبنه‏.‏

فكان يصلي فيه غير مبنى‏.‏

فبناه عتبة بقصبٍ ثم بناه أبو موسى الأشعري وبنى بعده‏.‏

حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال‏:‏ ثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ ثنا أبو معاوية عن الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي قال‏:‏ كان بالبصرة رجلٌ يكنى أبا عبد الله ويقال له نافع فكان أول مت افتلا الفلاة بالبصرة فأتى عمر فقال له‏:‏ إن بالبصرة أرضًا ليست من أرضي الخراج ولا تضر بأحدٍ من المسلمين‏.‏

فكتب له أبو موسى إلى عمر بذلك‏.‏

فكتب له عمر إليه أن يقطعه إياها‏.‏

وحدثني سعيد بن سليمان قال‏:‏ ثنا عبادة بن العوام عن عوف الأعرابي قال‏:‏ قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى‏:‏ إن أبا عبد الله سألني أرضًا على شاطئ دجلة يفتلى فيها خيله‏.‏

فإن كانت في غير أرض الجزية ولا يجزأ إليها ماء الجزية فأعطه إياها‏.‏

وقال عباد‏:‏ بلغني أنه نافع بن الحارث بن كلدة طبيب العرب‏.‏

وقال الوليد بن هشام بن قحذم‏:‏ وجدت كتابًا عندنا فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى المغيرة بن شعبة‏.‏

سلام عليك‏.‏

فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو‏.‏

أما بعد فإن أبا عبد الله ذكر أنه زرع بالبصرة في أمارة ابن غزوان وافتلى أولاد الخيل حين لم يفتلها أحد من أهل البصرة وإنه نعم ما رأى‏.‏

فأعنه على زرعه وعلى خيله‏.‏

فإني قد أذنت له أن يزرع‏.‏

وآته أرضه التي زرع إلا أن تكون أرضًا عليها الجزية من أرض الأعاجم أو يصرف إليها ماء أرضٍ عليها الجزية‏.‏

ولا تعرض له إلا بخير‏.‏

والسلام عليك ورحمة الله‏.‏

وكتب معيقيب بن أبي فاطمة في صفر سنة 17‏.‏

وقال الوليد بن هشام‏:‏ أخبرني عمي عن ابن شيرمة أنه قا‏:‏ لو وليت البصرة لقبضت أموالهم‏.‏

لأن عمر ابن الخطاب لم يقطع بها أحدًا إلا أبا بكرة ونافع بن الحارث‏.‏

ولم يقطع عثمان بالبصرة إلا عمران بن حصين وابن عامر أقطعه داره وحمران مولاه‏.‏

قال‏:‏ وقد أقطع زياد عمران قطيعة أيضًا فيما يقال‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ أول دار بنيت بالبصرة دار نافع ابن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزني‏.‏

وكان عثمان بن عفان أخذ دار عثمان بن أبي العاص الثقفي وكتب أن يعطى أرضًا بالبصرة‏.‏

فأعطى أرضه المعروفة بشط عثمان بحيال الأبلة‏.‏

وكانت سبخةً فاستخرجها وعمرها‏.‏

وإلى عثمان بن أبي العاص ينسب باب عثمان بالبصرة‏.‏

قالوا‏:‏ كان حمران بن أبان للمسيب بن نجبة الفزاري‏.‏

أصابه بعين التمر فابتدعه منه عثمان بن عفان وعلمه الكتاب واتخذه كتابًا‏.‏

فوجد عليه نه كان وجهه للمسئلة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط فارتشى منه وكذب ما قيل فيه‏.‏

فتيقن عثمان صحة ذلك بعد‏.‏

فوجد عليه وقال‏:‏ لا بساكني أبدًا‏.‏

وخيره بلدًا يسكنه غير المدينة‏.‏

فاختار البصرة‏.‏

وسأله أن يقطعه بها دارًا وذكر ذرعًا كثيرًا‏.‏

فاستكثره عثمان وقال لابن عامر‏:‏ أعطه دارًا مثل بعض دورك‏.‏

فأقطعه داره التي بالبصرة‏.‏

قالوا‏:‏ ودار خالد بن طليق الخزاعي القاضي كانت لأبي الجراح القضي صاحب سجن ابن الزبير‏.‏

اشتراها له سلم بن زياد لأنه هرب من سجن الزبير‏.‏

قال ابن الكلبي‏:‏ سكة بنى سمرة بالبصرة كان صاحبها عتبة ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف‏.‏

ومسجد عاصم نسب إلى أحد بني ربيعة بن كلاب بن ربيعة ابن عامر ن صعصعة‏.‏

ودار أبي نافع بالبصرة نسبت إلى أبي نافع مولى عبد الرحمن بن أبي بسكرة‏.‏

وقال القحذمي‏:‏ كانت دار أبي يعقوب الخطابي لسحامة بن عبد الرحمن بن الأصم الغنوى مؤذن الحجاج‏.‏

هو ممن قاتل مع يزيد بن المهلب‏.‏

فقتله مسلمة بن عبد الملك يوم العقر‏.‏

وهي إلى جانب دار المغيرة ابن شعبة‏.‏

قالوا‏:‏ ودار طارق نسبت إلى طارق بن أبي بكرة‏.‏

وقبالتها خطة الحكم بن أبي العاص الثقفي‏.‏

ودار زياد بن عثمان كان عبيد الله بن زياد اشتراها لابن اشتراها لابن أخيه زياد بن عثمان‏.‏

وتليها الخطة التي منها دار بابة بنت أبي العاص‏.‏

وكانت دار سليمان بن علي لسلم بن زياد فغلب عليها بلال بن أبي بردة أيام ولايته البصرة لخالد بن عبد الله ثم جاء سليمان بن علي فنزلها‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت دار موسى بن أبي المختار مولى ثقيف لرجل من بني دارم‏.‏

فأراد فيروز حصين ابتياعها منه بعشرة آلاف‏.‏

فقال‏:‏ ما كنت لأبيع جوارك بمئة ألف‏.‏

فأعطاه عشرة آلاف وأقر الدار في يده‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ أراد الدارمى بيع داره فقال‏:‏ أبيعها بعشرة آلاف درهم خمسة آلاف ثمنها وخمسة آلاف لجوار فيروز‏.‏

فبلغ فيروز ذلك فقال‏:‏ أمسك عليك ودارك‏.‏

وأعطاه عشرة آلاف درهم‏.‏

ودار ابن تبع نسبت إلى عبد الرحمن بن تبع الحيرى‏.‏

وكان على قطائع زياد وكان دمون من أهل الطائف‏.‏

فتزوج أبو موسى ابنته فولدت له أبا بردة‏.‏

ولدمون خطة بالبصرة‏.‏

وله يقول أهل البصرة‏:‏ الرفاء والبنون وخبز وكمون في بيت الدمون‏.‏

وقال القحذمي وغيره‏:‏ كان أول حمام اتخذ بالبصرة حمام عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي وهو موضع بستان سفيان بن معاوية الذي بالخريبة وعند قصر عيسى بن جعفر‏.‏

ثم الثاني حمام فيل مولى زياد‏.‏

ثم الثالث حمام مسلم بن أبي بكرة في بلالاباذ‏.‏

وهو الذي صار لعمرو بن مسلم الباهلي‏.‏

فمكث البصرة دهرًا وليس بها إلا هذه الحمامات‏.‏

وحدثني المدائني قال‏:‏ قال أبو بكرة لابنه مسلم‏:‏ يا بني‏!‏ والله ما تلي عملًا وما أراك تقصر عن أخوتك في النفقة‏.‏

فقال‏:‏ إن كتمت علي أخبرتك‏.‏

قال‏:‏ فإني أفعل‏.‏

قال‏:‏ فإني اغتل من حمامي هذا في كل يومٍ ألف درهم وطعامًا كثيرًا‏.‏

ثم إن مسلمًا مرض فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي بكرة وأخبره بغلة حمامه‏.‏

فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمام‏.‏

وكانت الحمامات لا تبتنى بالبصرة إلا بإذن الولاة‏.‏

فأذن له‏.‏

فاستأذن عبيد الله ابن أبي بكرة فأذن له واستأذن الحكم بن أبي العاص فأذن له‏.‏

واستأذن سياه الأسواري فأذن له‏.‏

واستأذن الحصين بن أبي الحر العنبري فأذن له‏.‏

واستأذنت ربطة بنت زياد فأذن لها‏.‏

واستأذنت لبابه بنت أوفى الجرش فأذن لها في حمامين‏:‏ أحدهما في أصحاب القباء والآخر في بني سعد‏.‏

واستأذن المنجاب بن راشد الضبي فإذن له‏.‏

وأفاق مسلم بن أبي بكرة من مرضه وقد فسدت عليه غلة حمامه‏.‏

فجعلن بلغن عبد الرحمن ويقول‏:‏ ماله قطع الله رحمه‏!‏‏.‏

قالوا‏:‏ وكان فيل حاجب زياد ومولاه ركب معه أبو الأسود الدائلي وأنس بن زنيم وكان على برذون هملاج وهما على فرسي سوء قطوفين‏.‏

فأدركهما الحسد‏.‏

فقال أنس‏:‏ أجز يا أبا الأسود‏.‏

قال‏:‏ هات‏.‏

فقال‏:‏ لعمر أبيك ما حمام كسرى على الثلثين من حمام فيل فقال أبو الأسود‏:‏ وقال أبو مفرغ لطلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله بن خلف‏:‏ تمنيني طليحة ألف ألفٍ لقد منيتنى أملًا بعيدا فلست لماجدٍ حرٍ ولكن لسمراء التي تلد العبيدا ولو أدخلت في حمام فيلٍ وألبست المطارف والبر ودا وقال بعضهم وقد حضرته الوفاة‏:‏ يا رب قائلةٍ يومًا وقد لغبت كيف الطريق إلى حمام منجاب يعنى حمام المنجاب بن راشد الضبي‏.‏

وقال عباس مولى بني أسامة‏:‏ ذكرت البند في حمام عمروٍ فلم أبرح إلى بعد العشاء وحمار بلج نسب إلى بلج بن نشبة السعدي الذي يقول له زياد‏:‏ ومحترسٍ من مثله وهو حارس وقال هشام بن الكلبي‏:‏ قصر أوس بالبصرة نسب إلى أوس ابن ثعلبة بن رقى أحد بني تيم الله بن ثعلبة بن عكابة‏.‏

وهو من وجوه من كان بخرا سان‏.‏

وقد تقلد بها أمورًا جسيمة‏.‏

وهو الذي مر بتدمر فقال في صنميها‏:‏ فكائن مر من دهرٍ ودهرٍ لأهلكما وعامٍ بعد عام وقصر أنس نسب إلى أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ والذي بنى منارة بني أسيد بن سعد منهم‏.‏

والقصر الأحمر لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان وهو اليوم لآل عمر بن حفص بن قبيصة بن أبي صفرة‏.‏

وقصر المسيرين كان لعبد الرحمن بن زياد‏.‏

وكان الحجاج سير عيال من خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث الكندي إليه فحبسهم فيه‏.‏

وهو قصرٌ في جوف قصر ويتلوه قصر عبيد الله بن زياد وإلى جانبه جوشق‏.‏

قال القحذمى‏:‏ وقصر النواهق هو قصر زياد‏.‏

سماه الشطار بذلك‏.‏

وقصر النعمان كان للنعمان بن صهبان الراسبى الذي حكم بين مضر وربيعه أيام مات يزيد بن معاوية‏.‏

قال‏:‏ وزاد عبيد الله بن زياد للنعمان بن صهبان في قصره هذا‏.‏

فقال‏:‏ بئس المال هذا يا أبا حاتم‏!‏ إن كثر الماء غرقت وإن قل عطشت‏.‏

فكان كما قال‏.‏

قل الماء فمات كل من ثم‏.‏

وقصر زربى نسب إلى زربى مولى عبد الله بن عامر‏.‏

وكان قيمًا على خيله‏.‏

فكانت الدار وقصر عطية نسب إلى عطية الأنصاري‏.‏

ومسجد بني عباد نسب إلى بني عباد بن رضاء بن شقرة بن الحارث بن تميم بن مرة‏.‏

وكانت دار عبد الله بن خازم السلمي لعمته دجاجة أم عبد الله بن عامر‏.‏

فقطعته إياها وهو عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت‏.‏

وهي دجاجة بنت أسماء‏.‏

وحدثني المدائني عن أبي بكر الذلى والعباس بن هشام عن أبيه عن عوانة قالا‏:‏ قدم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أهل البصرة‏.‏

فجعل يسألهم رجلًا رجلًا والأحنف في ناحية البيت في بت لا يتكلم‏.‏

فقال له عمر‏:‏ أما لك حاجة قال‏:‏ بلى يا أمير المؤمنين‏.‏

إن مفتاح الخير بيد الله وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية بين المياه العذبة والجنان الملتفة وإنا نزلنا سبخه نشاشة لا يجف نداها ولا ينبت مرعاها‏.‏

ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج ومن قبل المغرب الفلاة فليس لنا زرع ولا ضرع تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مريء النعامة‏.‏

يخرج الرجل الضعيف فيستعذب الماء من فرسخين وتخرج المرأة لذلك فنريق ولدها كما يريق العنز يخاف بادرة العدو وأكل السبع‏.‏

فألا ترفع خسيستنا وتجبر فاقتنا نكن كقوم هلكوا‏.‏

فألحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحتفر لهم نهرًا‏.‏

فحدثني جماعة من أهل العلم قالوا‏:‏ كان لدجلة العوراء - وهي دجلة البصرة - خور والخور طريق للماء لم يحفره أحد يجري فيه ماء الأمطار إليها ويتراجع ماؤها فيه عند المد ونضب في الجزر‏.‏

وكان طوله قدر فرسخ‏.‏

وكان لحده مما يلي البصرة غور وسعة تسمى في الجاهلية الإجانة وسمته العرب في الاسلام الجزارة‏.‏

وهو على مقدار ثلاثة فراسخ من البصرة بالذرع الذي يكون به نهر الأيلة كله أربعة فراسخ ومنه يبتدىء النهر الذي يعرف اليوم بنهر الإجانة‏.‏

فلما أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري أن يحتفر لأهل البصرة نهرًا ابتدأ الحفر من الإجانة وقاده ثلاثة فراسخ حتى بلغ به البصرة‏.‏

فصار طول نهر الابلة أربعة فراسخ‏.‏

ثم إنه انطم منه ما بين البصرة وبثق الحيرى وذلك على قدر فرسخ من البصرة‏.‏

وكان زياد بن أبي سفيان واليًا على الديوان وبيت المال من قبل عبد الله بن عامر بن كريز وعبد الله يومئذ على البصرة من قبل عثمان بن عفان‏.‏

فأشار على ابن عامر أن ينفذ حفر نهر الابلة من حيث انطم حتى يبلغ به البصرة‏.‏

وكان يربث ذلك ويدافع به‏.‏

فلما شخص ابن عامر إلى خرا سان واستخلف زيادًا أقر حفر أبي موسى الأشعري على حاله‏.‏

وحفر النهر من حيث انطم حتى بلغ به البصرة‏.‏

وولى ذلك عبد الرحمن بن أبي بكرة‏.‏

فلما فتح عبد الرحمن الماء جعل يركض فرسه والماء يكاد يسبقه‏.‏

وقدم ابن عامر من خرا سان فغضب على زياد وقال‏:‏ إنما أردت أن تذهب بذكر النهر دوني‏.‏

فتباعد ما بينهما حتى ماتا‏.‏

وتباعد بسببه ما بين أولادهما‏.‏

فقال يونس بن حبيب النحوي‏:‏ أنا أدركت ما بين آل زياد وآل ابن عامر متباعدًا‏.‏

وحدثني الأترم عن أبي عبيده قال‏:‏ قاد أبو موسى الأشعري نهر الأبلة من موضع الإجانة إلى البصرة‏.‏

وكان شرب الناس قبل ذلك من مكان يقال له دير قاووس فوهته في دجلة فوق الأيلة بأربعة فراسخ يجري في سباخ لا عمارة على حافاته‏.‏

وكانت الأرواح تدفنه‏.‏

قال‏:‏ ولما حفر زياد فيض البصرة بعد فراغه من إصلاح نهر الأيلة قدم ابن عامر من خرا سان فلامه وقال‏:‏ أردت أن تذهب بشهرة هذا النهر وذكره‏.‏

فتباعد ما بينهما وبين أهلهما بذلك السبب‏.‏

وقال أبو عبيده وكان احتفاره الفيض من لدن دارفيل مولى زياد وحاجبه إلى موضع الجسر‏.‏

وروى محمد بن سعد عن الواقدي وغيره أن عمر بن الخطاب أمر أبا موسى بحفر النهر الآخر وأن يجريه على يد معقل بن يسار المزني فنسب إليه‏.‏

وقال الوليد بن هشام القحذمي وعلي بن محمد أبي سيف المدائني‏:‏ كلم المنذر بن الجاورد العبدي معاوية بن أبي سفيان في حفر نهر ثار‏.‏

فكتب إلى زياد فحفر نهر معقل‏.‏

فقال قوم‏:‏ جرى على يد معقل بن يسار‏.‏

فنسب إليه‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل أجراه زياد على يد عبد الرحمن بن أبي بكرة أو غيره‏.‏

فلما فرغ منه وأرادوا فتحه بعث زياد معقل بن يسار ففتحه تبركًا به لأنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقال الناس‏:‏ نهر معقل‏.‏

فذكر القحذمي أن زيادًا أعطى رجلًا ألف درهم وقال له‏:‏ أبلغ دجلة وسل عن صاحب هذا النهر من هو فإن قال لك رجل إنه نهر زياد فأعطه الألف فبلغ دجلة ثم رجع فقال‏:‏ ما لقيت أحدًا إلا يقول نهر معقل‏.‏

فقال زياد‏:‏ ‏{‏ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‏}‏‏.‏ قالوا ونهر دبيس نسب إلى رجل قصار يقال له دبيس كان يقصر الثياب عليه‏.‏

وبثق الحيرى نسب إلى نبطي من أهل الحيرة ويقال كان مولى لزياد‏.‏

قالوا‏:‏ وكان زياد لما بلغ بنهر معقل قبته التي يعرض فيها الجند رده إلى مستقبل الجنوب حتى أخرجه إلى أصحاب الصدقة بالجبل‏.‏

فسمي ذلك العطف نهر دبيس‏.‏

وحفر عبد الله بن عامر نهره الذي عند دارفيل‏.‏

وهو الذي يعرف بنهر الأسوارة‏.‏

ونهر عمرو نسب إلى عمرو بن عتبه بن أبي سفيان ونهر أم حبيب نسب إلى أم حبيب بنت زياد‏.‏

وكان عليه قصر كثير الأبواب فسمي الهزاردر‏.‏

وقال علي بن محمد المدائني‏:‏ تزوج شيرويه الأسواري مرجانه أم عبد الله بن زياد‏.‏

فبنى لها قصرًا فيه أبواب كثيرة فسمي هزار در‏.‏

وقال أبو الحسن‏:‏ قال قوم‏:‏ سمي هزار در لأن شيرويه اتخذ في قصره ألف باب‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ نزل ذلك الموضع ألف أسوار في ألف بيت أنزلهم كسرى فقيل هزار در‏.‏

ونسب نهر حرب إلى حرب بن سلم بن زياد‏.‏

وكان عبد الأعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر ادعى أن الأرض التي كانت عليه كانت لابن عامر وخاصم فيها حربًا‏.‏

فلما توجه القضاء لعبد الأعلى أتاه حربٌ فلقال له‏:‏ خاصمتك في هذا النهر وقد ندمت على ذلك‏.‏

وأنت شيخ العشيرة وسيدها فهو لك‏.‏

فقال عبد الأعلى بن عبد الله‏:‏ بل هو لك‏.‏

فانصرف حرب فلما كان العشى جاء موالي عبد الأعلى ونصحاؤه فقالوا‏:‏ والله ما أتاك حرب حتى توجه لك القضاء عليه‏.‏

فقال‏:‏ والله لا رجعت فيما جعلت له أبدًا‏.‏

والنهر المعروف بيزيدان نسب إلى يزيد بن عمر الأسيدي صاحب شرطة عدى بن أرطاة‏.‏

وقالوا‏:‏ أقطع عبد الله بن عامر بن كريز عبد الله بن عمير بن عمرو بن مالك الليثي وهو أخوه لأمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمية ثمانية آلاف جريب‏.

فخفر لها النهر الذي يعرف بنهر ابن عمير‏.‏

قالوا‏:‏ وكان عبد الله بن عامر حفر نهر أم عبد الله دجاجة وولاه غيلان بن خرشة الضبي‏.‏

وهو النهر الذي قال حارثة بن بدر الغاني لعبد الله بن عامر وقد سايره‏:‏ لم أر أعظم بركة من هذا النهر‏.‏

يستقى منه الضعفاء من أبواب دروهم ويأتيهم منافعهم فيه إلى منازلهم وهو مغيضٌ لمياههم‏.‏

ثم إنه ساير زيادًا بعد ذلك في ولايته فقال‏:‏ ما رأيت نهرًا شرًا منه ينز منه دورهم ويبعضون له في منازلهم ويغرق فيه صبيانهم‏.‏

وروى قوم أن غيلان بن خرشة القائل‏.‏

وهذا والأول أثبت‏.‏

ونهر سلم نسب إلى سلم بن زياد بن أبي سفيان‏.‏

وكان عبد الله بن عامر حفر نهرًا تولاه نافذٌ مولاه فغل عليه فقيل نهر نافذ‏.‏

وهو لآل الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب‏.‏

قال أبو اليقظان‏:‏ أقطع عثمان بن عفان العباس بن ربيعة بن الحارث دارًا بالبصرة وأعطاه مئة ألف درهم‏.‏

وكان عبد الرحمن بن عباس يلقب راشض البغال لجودة ركوبه لها‏.‏

وتابعه الناس وطلحتان نهر طلحة بن أبي نافع مولى طلحة بن عبيد الله‏.‏

ونهر حميدة نسب إلى امرأة من آل عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس يقال لها حميدة‏.‏

وهي امرأة عبد العزيز بن عبد الله بن عامر‏.‏

وخيرتان لخيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب‏.‏

ولها مهلبان‏.‏

كان المهلب وهبه لها‏.‏

ويقال‏:‏ بل كان لها فنسب إلى المهلب‏.‏

وهي أم أبي عيينة ابنه‏.‏

وجبيران لجبير بن حية‏.‏

وخلفان قطعية بعد الله بن خلف الخزاعي أبي طلحة الطلحات‏.‏

طليقان لآل عمران بن حصين الخزاعي من ولد خالد بن طليق بن محمد ابن عمران‏.‏

وكان خالد ولي قضاء البصرة‏.‏

وقال القحذمى‏:‏ نهر مرة لابن عامر ولى حفره له مرة مولى أبي بكر الصديق فغلب على ذكره‏.‏

وقال أبو اليقظان وغيره‏:‏ نسب نهر مرة إلى مرة بن أبي عثمان مولى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وكان سريا‏.‏

سأل عائشة أم المؤمنين أن تكتب له إلى زياد وتبدأ به في عنوان كتابها‏.‏

‏.‏

فكتبت له إليه بالوصاية به وعنونته‏:‏ إلى زياد بن أبي سفيان من عائشة أم المؤمنين‏.‏

فلما رأى زياد أنها قد كاتبته ونسبته إلى أبي سفيان سر بذلك وأكرم مرة وألطفه‏.‏

وقال للناس‏:‏ هذا كتاب أم المؤمنين إلي فيه وعرضه عليهم ليقرؤا عنوانه‏.‏

ثم أقطعه مئة جريب على نهر الأبله وأمره فحفر لها نهرًا فنسب إليه‏.‏

وكان عثمان بن مرة من سراه أهل البصرة وقد خرجت القطيعة من أيدي ولده وصارت لآل الصفاق بن حجر بن بجير العقوي من الأزد‏.‏

قالوا‏:‏ ودرجاه جنك من أموال ثقيف وإنما قيل له ذلك لمنازعات كانت فيه‏.‏

وجنك بالفارسية صخب‏.‏

أنسان نسب إلى أنس بن مالك في قطيعة من زياد‏.‏

نهر بشار نسب إلى بشار بن مسلم بن عمرو الباهلي أخي قتيبة‏.‏

وكان أهدى إلى الحجاج فرسًا فسبق عليه‏.‏

فأقطعه سبع مئة جريب ويقال أربع مئة جريب‏.‏

فحفر لها النهر‏.‏

ونهر فيروز نسب إلى فيروز حصين ويقال إلى باشكار كان يقال له فيروز‏.‏

وقال القحذمى‏:‏ نسب إلى فيروز مولى ربيعة بن كلدة الثقفي‏.‏

ونهر العلاء نسب إلى العلاء بن شرك الهزلي أهدى إلى عبد الملك شيئًا أعجبه فأقطعه مئة جريب‏.‏

ونهر ذراع نسب إلى ذراع النمري من ربيعة‏.‏

وهو أبو هارون بن ذراع‏.‏

ونهر حبيب نسب إلى حبيب بن شهاب الشامي التاجر في قطيعة من زياد ويقال من عثمان‏.‏

وحدثني العقوي الدلال قال‏:‏ كانت الجزيرة بين النهرين سبخةً فأقطعها معاوية بعض بنى أخوته‏.‏

فلما قدم الفتى لنظر إليها أمر زيادٌ بالماء فأرسل فيها‏.‏

فقال الفتى‏:‏ إنما أقطعني أمير المؤمنين بطيحةً لا حاجة لي فيها‏.‏

فابتاعها زياد منه بمائتي ألف درهم وحفر أنهارها‏.‏

وأقطع منها روادان لرواد ابن أبي بكرة‏.‏

ونهر الراء صيدت فيه سمكةٌ تسمى الراء فسمى بها‏.‏

وعليه أرض حمران الذي أقطعه إياها معاوية‏.‏

ونهر مكحول نسب إلى مكحول بن عبيد الله الأحمسى وهو ابن عم شيبان صاحب مقبرة شيبان بن عبد الله الذي كان على شرطة ابن زياد‏.‏

وكان مكحول يقول الشعرفى اخيل فكانت قطيعة من عبد الملك بن مروان‏.‏

وقال القحذمي‏:‏ نهر مكحول نسب إلى مكحول بن عبد الله السعدي وقال القحذمي‏:‏ شط عثمان اشتراه عثمان بن أبي العاص الثقفي من عثمان ابن عفان بمال له بالطائف‏.‏

ويقال إنه اشتراه بدارٍ له بالمدينة فزادها عثمان بن عفان في المسجد‏.‏

وأقطع عثمان بن أبي العاص أخاه حفص بن أبي العاص حفصان‏.‏

وأقطع أبا أمية بن أبي العاص أميتان‏.‏

وأقطع أخاه المغيرة مغيرتان‏.‏

قال‏:‏ فكان نهر الأرحاء لأبي عمرو بن أبي العاص الثقفي‏.‏

وقال المدائني‏:‏ أقطع زياد في الشط الجموم وهي زيادان‏.‏

وقال لعبد الله بن عثمان‏:‏ إني لا أنفذ إلا ما عمرتم‏.‏

وكان يقطع الرجل القطيعة ويدعه سنتين فإن عمرها وإلا أخذها منه‏.‏

فكانت الجموم لأبي بكرة ثم صارت لعبد الرحمن بن أبي بكرة‏.‏

أزرقان نسب إلى الأزرق بن مسلم مولى بنى حنيفة‏.‏

ونسب محمدان إلى محمد بن علي بن عثمان الحنفي‏.‏

زيادان نسب إلى زياد مولى بنى الهيثم وهو جد مؤنس بن عمران بن جميع بن يسار وجد عيسى بن عمر النحوي وحاجب بن عمر لأمهما‏.‏

ونهر أبي الخصيب نسب إلى أبي الخصيب مرزوق مولى المنصور أمير المؤمنين‏.‏

ونهر الأمير بالبصرة حفره المنصور ثم وهبه لابنه جعفر‏.‏

فكان يقال نهر أمير المؤمنين ثم قيل نهر الأمير ثم ابتاعه الرشيد وأقطع منه وباع‏.‏

ونهر ربا للرشيد نسب إلى سورجى‏.‏

والقرش كان عبيد الله بن عبد الأعلى الكريزي وعبيد الله بن عمر ابن الحكم الثقفي والقندل خور من أخوار دجلة سده سليمان بن علي وعليه قطيعة المنذر ابن الزبير بن عوام‏.‏

وفيه نهر النعمان بن المنذر صاحب الحيرة‏.‏

أيام كسرى وكان هناك قصر للنعمان‏.‏

ونهر مقاتل نسب إلى مقاتل بن جارية بن قدامه السعدي‏.‏

وعميران نسب إلى عبد الله بن عمير الليثي‏.‏

وسيحان كان للبرامكة وهم سموه سيحان‏.‏

والجوبرة صيد فيها الجوبرة فسميت بذلك‏.‏

حصينان لحصين بن أبي الحر العنبري‏.‏

عبيدلان لعبيد بن كعب النميري‏.‏

منقذان لمنقذ بن علاج السلمي‏.‏

عبد الرحمانان كان لأبي بكرة بن زياد فاشتراه أبو عبد الرحمن مولى هشام‏.‏

ونافعان لنافع بن الحارث الثقفي‏.‏

وأسلمان لأسلم بن زرعة الكلابي‏.‏

وحمرانان لحمران بن أبان مولى عثمان‏.‏

وقتيبتان لقتيبة بن مسلم‏.

وقال القحذمي‏:‏

بهر البنات بنات زياد أقطع كل بنت ستين جريبًا‏.‏

وكذلك كان يقطع العامة‏.‏

وقال‏:‏ أمر زياد عبد الرحمن بن تبع الحميرى وكان على قطائعه أن يقطع نافع بن الحارث الثقفي ما مشى‏.‏

فمشى فانقطع شسعه فجلس فقال‏:‏ حسبك‏.‏

فقال‏:‏ لو علمت لمشيت إلى الأبلة‏.‏

فقال دعني حتى أرمي بنعلي‏.‏

فرمى بها حتى بلغت الأجانة‏.‏

سعيدان لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عبادة بن أسيد‏.‏

وكان سليمانان قطيعة لعبيد بن قسيط صاحب الطوف أيام الحجاج‏.‏

فرابط بها رجلٌ من الزهاد يقال له سليمان بن جابر فنسبت إليه‏.‏

وعمران لعمر بن عبد الله بن معمر التميمي‏.‏

وفيلان لفيل مولى زياد‏.‏

وخالدان نسب إلى خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية‏.‏

نهر يزيد الاباضي وهو يزيد بن عبد الله الحميري‏.‏

المسمارية قطيعة مسمار مولى زياد‏.‏

وله بالكوفة ضيعة‏.‏

قال القحذمى‏:‏ وكان بلال بن أبي بردة الذي فتق نهر معقل في فيض البصرة‏.‏

وكان قبل ذلك واحتفر بلالٌ نهر بلال وجعل على جنبتيه حوانيت ونقل إليها السوق وجعل ذلك ليزيد بن خالد القسري‏.‏

قالوا‏:‏ وحفر بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة المرغاب وسماه باسم مرغاب مرو‏.‏

وكانت القطيعة التي فيها المرغاب لهلال بن أحوز المازني أقطعه إياها يزيد بن عبد الملك وهي ثمانية آلاف جريب‏.‏

فحفر بشير المرغاب والسواقي والمعترضات بالتغلب وقال‏:‏ هذه قطيعة لي‏.‏

وخاصمه حميري بن هلال فكتب خالد بن عبد الله القسري إلى مالك بن المنذر بن الجار ود وهو على أحداث البصرة‏:‏ أن خل بين الحميري وبين المرغاب وأرضه‏.‏

وذلك أن بشيرًا أشخص إلى خالدٍ فتظلم فقبل قوله‏.‏

وكان عمرو بن يزيد الأسيدي يعني بحميري ويعينه‏.‏

فقال لمالك بن المنذر‏:‏ أصلحك الله‏!‏ ليس هذا خل إنما هو حل بين حميري وبين المرغاب‏.‏

قال‏:‏ وكانت لصعصعة بن معاوية عم الأحنف قطيعةٌ بحيال المرغاب وإلى جنبها‏.‏

فجاء معاوية بن صعصعة بن معاوية معينًا لحميري‏.‏

فقال بشير‏:‏ هذا مسرح إبلنا وبقرنا وحميرنا ودوابنا وغنمنا‏.‏

فقال معاوية‏:‏ أمن أجل ثلط بقرةٍ عقفاء وأتانٍ ودق تريد أن تغلبنا على حقنا وجاء عبد الله بن أبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد فقال‏:‏ أرضنا وقطيعتنا‏.‏

فقال له معاوية‏:‏ أسمعت بالذي تخطى النار فدخل اللهب في استة فأنت هو‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت سويدان لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعةً مبلغها أربع مئة جريب‏.‏

فوهبها لسويد بن منجوف السدوسي‏.‏

وذلك أن سويدًا مرض وعاده ابن أبي بكرة فقال له‏:‏ كيف تجدك قال صالحًا إن شئت‏.‏

قال‏:‏ قد شئت فما ذاك قال‏:‏ إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر فليس علي بأس‏.‏

فأعطاه سويدان فنسبت إليه‏.‏

قال المدائني‏:‏ حفر يزيد بن المهلب نهر يزيد في قطيعةٍ لعبيد الله بن أبي بكرة‏.‏

فقال لبشير بن عبيد الله‏:‏ اكتب لي كتابًا بأن هذا النهر في حقي‏.‏

قال‏:‏ لا ولئن عزلت لأخاصمنك‏.‏

جبران لآل كلثوم بن جبر‏.‏

نهر ابن أبي برذعة نسب إلى أبي برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة‏.‏

والمسر قانان قطيعة لآل أبي بكرة وأصلها مئة جريب فمساح المنصور ألف جريب‏.‏

فأقروا في أيدي آل أبي بكرة منها مئة وقبضوا الباقي‏.‏

قطيعة هميان لهميان بن عدي السدوسي‏.‏

كثيران لكثير بن سيار‏.‏

بلالان لبلال بن أبي بردة‏.‏

كانت القطيعة لعباد بن زيد فاشتراها‏.‏

شبلان لشبل بن عميرة بن يثربي الضبي‏.‏

نهر سلم نسب إلى سلم بن عبيد الله بن أبي بكرة سبخة عائشة إلى عائشة بنت عبد الله بن خلف الخز اعي قالوا‏:‏ واحتفر كثير بن عبد الله السلمي وهو أبو العاج عامل يوس بن عمر الثقفي على البصرة نهرًا من نهر ابن عتبة إلى الخستل فنسب إليه‏.‏

نهر أبي نسب إلى أبي شداد مولى زياد‏.‏

بثق سيار لفيلٍ مولى زياد ولكن القيم عليه كان سيار بنى عقيل فغلب عليه‏.‏

أرض الإصبهانيين شراءٌ من بعض العرب‏.‏

وكان هؤلاء الأصبهانيون قومًا أسلموا وهاجروا إلى البصرة‏.‏

ويقال إنهم كانوا من الأساورة الذين صاروا بالبصرة‏.‏

ودار ابن الإصبهاني بالبصرة نسبت إلى عبد الله بن الإصبهاني وكان له أربع مئة مملوك لقي المختار مع مصعب وهو على ميمنته‏.‏

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن بعض آل الأهتم قال‏:‏ كتب يزيد بن عبد الملك إلى عمر بن هبيرة‏:‏ انه ليست لأمير المؤمنين بأرض العرب خرصة فسر على القطائع فخذ فضولها لأمير المؤمنين‏.‏

فجعل عمر يأتي القطيعة فيسأل عنها ثم يمسحها‏.‏

حتى وقف على أرضٍ فقال‏:‏ لمن هذه فقال صاحبها‏:‏ لي‏.‏

فقال‏:‏ ومن أين هيلك فقال‏:‏ قال‏:‏ ثم إن الناس ضجوا من ذلك فأمسك‏.‏

قالوا‏:‏ صلتان نسب إلى الصلت بن حريث الحنفي وقاسمان قطيعة القاسم بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ورثه إياه أخوه عون ونهر خالدان الأجمة لآل خالد بن أسيد وآل أبي بكرة ونهر ماسوران كان فيه رجلٌ شريرٌ يسعى بالناس ويبحث عليهم فنسب النهر إليه‏.‏

والماسور بالفارسية الجريء الشرير جبيران أيضًا قطيعة جبير بن أبي زيد من بني عبد الدار‏.‏

معقلان قطيعة معقل بن يسار من زياد وولده يقولون من عمر ولم يقطع عمر أحدًا على النهرين‏.‏

جندلان لعبيد الله بن جندل الهلالي نهر التوت قطيعة عبد الله بن نافع بن الحارث الثقفي‏.‏

وقال القحذمي‏:‏ كان نهر سليمان بن علي لحسان بن أبي حسان النبطي‏.‏

والهر الغوثي كان عليه صاحب مسلحةٍ يقال له غوث فنسب إليه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ جعل مغيثًا للمرغاب فسمى الغوث‏.‏

ذات الحفافين على نهر معقل ودجلة كانت لعبد الرحمن بن أبي بكرة فاشتراها عربي التمار مولى أمة الله بنت أبي بكرة‏.‏

نهر أبي سيرة الهذلي قطيعة‏.‏

حربانان قطيعة حرب بن عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص‏.‏

قطيعة الحباب حباب بن يزيد وكان خراجيًا‏.‏

نهر جعفر كان لجعفر مولى سلم بن زياد وكان خراجيًا‏.‏

بثق شيرين نسب إلى شيرين امرأة كسرى بن هرمز‏.‏

وقال القحذمى والمدائني‏:‏ كانت مهلبان التي تعرف في الديوان بقطيعة عمر بن هبيرة لعمر بن هبيرة‏.‏

أقطعه إياها يزيد بن عبد الملك حين قبض مال يزيد بن المهلب وإخوانه وولده‏.‏

وكانت للمغيرة بن المهلب وفيها نهرٌ كان زادان فروخ حفره فعرف به‏.‏

وهي اليوم لآل سفيان بن معاوية ابن يزيد بن المهلب رفع إلى أبي العباس أمير المؤمنين فيها فأقطعه إياها فخاصمه آل المهلب في أمرها فقال‏:‏ كانت للمغيرة‏.‏

فقالوا‏:‏ نجيز ذلك‏.‏

مات المغيرة بن المهلب قبل أبيه فورثت ابنته النصف فلك ميراثك من أمك‏.‏

ورجع الباقي إلى أبيه فهو بين الورثة‏.‏

قال‏:‏ وللمغيرة ابن قالوا‏:‏ ومالك ولابن المغيرة أنت لا ترثه إنما هو خالك‏.‏

فلم بعطهم شيئًا وهي ألف وخمسين مئة جريب‏.‏

كوسجان نسب إلى عبد الله بن عمرو الثقفي الكوسج‏.‏

وقال المدائني‏:‏ كانت كوسجان لأبي بكرة‏.‏

فخاصمه أخوه نافع فخرجا إليها وكل واحدٍ منهما يعيها‏.‏

وخرج إليها عبد الله بن عمرو الكوسج‏.‏

فقال لهما‏:‏ أراكما تختصمان فحكماني‏.‏

فحكماه‏.‏

فقال‏:‏ قد حكمت بها لنفسي‏.‏

فسلماها له‏.‏

قال‏:‏ ويقال إنه لم يكن للكوسج شربٌ‏.‏

فقال لأبي بكرة ونافع‏:‏ اجعلا لي شربًا بقدر وثبة‏.‏

فأجاباه إلى ذلك‏.‏

فيقال إنه وثب ثلاثين ذراعًا‏.‏

قالوا‏:‏ وبالفرات أرضون أسلم أهلا عليها حين دخلها المسلمون وأرضون خرجت من أيدي أهلها إلى قومٍ مسلمين بهبات وغير ذلك من أسباب الملك فصيرت عشريةً وكانت خراجية‏.‏

فردها الحجاج إلى الخراج ثم ولى هشام بن عبد الملك رد بعضها إلى الصدقة‏.‏

ثم إن المهدي أمير المؤمنين جعلها كلها من أراضي الصدقة‏.‏

وقال‏:‏ جعفران كان لأم جعفر بنت مجزأة بن ثور السدوسي امرأة أسلم صاحب أسلمان‏.‏

قال القحذمى‏:‏ حدثني أرقم بن إبراهيم أنه نظر إلى حسان النبطي يشير من الجسر ومعه عبد الأعلى بن عبد الله بحوز كل شيءٍ من حد نهر الفيض لولد هشام بن عبد الملك‏.‏

فلما بلغ دار عبد الأعلى رفع الذرع‏.‏

فلما كانت الدولة المباركة قبض ذلك أجمع فوقف أبو جعفر الجبان فيما وقف على أهل المدينة‏.‏

وأقطع المهدي العباسة ابنته امرأة محمد بن سليمان الشرقي عبادان قطيعة لخمران بن أبان مولى عثمان من عبد الملك بن مروان‏.‏

وبعضها فيما يقال من زياد‏.‏

وكان حمران من سبى عين التمر يدعى أنه من النم بن قاسط‏.‏

فقال الحجاج ذات يوم وعنده عباد بن حصين الحبطي‏:‏ ما يقول حمران لئن انتمى إلى العرب ولم يقل إن أباه أبي وإنه مولى لعثمان لأضربن عنقه‏.‏

فخرج عباد من عند الحجاج مبادرًا فأخبر حمران بقول‏.‏

فوهب له غربي النهر وحبس الشرقي‏.‏

فنسب إلى عباد بن الحصين‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ كان أول من رابط بعبادان عبد بن الحصين‏.‏

قال‏:‏ وكان الربيع بن صبح الفقيه وهو مولى بني سعد جمع مالًا من أهل الصرة فحصن به عبادان ورابط فيها - والربيع يروي عن الحسن البصري وكان خرج غازيًا إلى الهند في البحر فمات فدفن في جزيرة من الجزائر في سنة مئة وستين‏.‏

وخالدان ليزيد بن طلحة الحنفي ويكنى أبا خالد‏.‏

قال‏:‏ ونهر عدي كان خورًا من نهر البصرة حتى فتقه عدي بن أرطاة الفزاري عامل عمر بن عبد العزيز من بثق شيرين‏.‏

قال‏:‏ وكان سليمان أقطع يزيد بن المهلب ما اعتمل من البطيحة فاعتمل الشرقي والجبان والخشت والريحين ومغيرتان وغيرها فصارت حوزًا فقبضها يزيد بن عبد الملك ثم أقطعها هشام ولده ثم حيزت بعده‏.‏

قال القحذمى‏:‏ وكان الحجاج أقطع خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب عباسان‏.‏

فقبضها يزيد بن عبد الملك فأقطعها العباس بن الوليد بن عبد الملك‏.‏

ثم قبضت فأقطعها أبو العباس أمير المؤمنين سليمان بن علي‏.‏

قال‏:‏ وكانت القاسمية مما نضب عنه الماء فافتعل القاسم بن سليمان مولى زياد كتابًا ادعى أنه من يزيد بن معاوية بإقطاعه إياها‏.‏

الخالدية لخالد بن صفوان بن الأهتم‏.‏

كانت للقاسم بن سليمان‏.‏

المالكية لمالك بن المنذر بن الجارود‏.‏

الحاتمية لحاتم بن قبيصة بن المهلب‏.‏

حدثني جماعة من أهل البصرة قالوا‏:‏ كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز وأمر أهل البصرة أن يكتبوا في حفر نهر لهم‏.‏

فكتب إليه وكيع بن أبي سود التميمي‏:‏ إنك إن لم تحفر لنا نهرًا فما البصرة لنا بدار‏.‏

ويقال إن عديًا التمس في ذلك الاضرار ببهز بن يزيد بن المهلب فنفعه‏.‏

قالوا‏:‏ فكتب عمر يأذن له في حفر نهر‏.‏

فحفر نهر عديٍ وخرج الناس ينظرون إليه‏.‏

فحمل عدي الحسن البصري على حمارٍ كان عليه وجعل يمشي‏.‏

قالوا‏:‏ ولما قدم عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عاملًا على العراق من قبل يزيد بن الوليد أتاه أهل البصرة فشكوا إليه ملوحة مائهم وحملوا إليه قارورتين في إحداهما ماء من ماء البصرة وفي الأخرى ماء من ماء البطيحة‏.‏

فرأى بينهما فصلًا‏.‏

فقالوا‏:‏ إنك إن حفرت لنا نهرًا شربنا من هذا العذب‏.‏

فكتب بذلك إلى يزيد فكتب إليه يزيد‏:‏ إن بلغت نفقة هذا النهر خراج العراق ما في أيدينا فأنفقه عليه‏.‏

فحفر النهر الذي يعرف بنهر ابن عمر‏.‏

وقال رجل ذات يوم في مجلس ابن عمر‏:‏ والله إني أحسب نفقة هذا النهر تبلغ ثلاث مئة ألف او أكثر‏.‏

فقال ابن عمر‏:‏ لو بلغت خراج العراق لأنفقته عليه‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت الولاة والأشراف بالبصرة يستعذبون الماء من دجلة‏.‏

ويحتفرون الصهاريج‏.‏

وكان للحجاج بها صهريج معروف يجتمع فيه ماء المطر‏.‏

وكان لابن عامر وزياد وابن زياد صهاريج يبيحونها الناس‏.‏

قالوا‏:‏ وبنى المنصور رحمه الله بالبصرة في دخلته الأولى قصره الذي عند الحبس الأكبر وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومئة‏.‏

وبنى في دخلته الثانية المصلى بالبصرة‏.‏

وقال القحذمي‏:‏ الحبس الأكبر إسلامي‏.‏

قالوا‏:‏ ووقف محمد بن سليمان بن علي ضيعة له على أحواض اتخذها بالبصرة فغلتها تنفق على دواليبها وإبلها ومصلحتها‏.‏

وحدثني روح بن عبد المؤمن عن عمه أبي هشام عن أبيه قال‏:‏ وفد أهل البصرة على عمر بن عبد العزيز بواسط‏.‏

فسألوه حفر نهر لهم فحفر لهم نهر ابن عمر‏.‏

وكان الماء الذي يأتي نزرًا قليلًا‏.‏

وكان عظم ماء البطيحة يذهب في نهر الدير‏.‏

فكان الناس يستعذبون الأيلة حتى قدم سليمان بن علي البصرة واتخذ المغيثة وعمل مسنياتها على البطيحة‏.‏

فحجز الماء عن نهر الدير وصرفه إلى نهر ابن عمر‏.‏

وأنفق على المغيثة ألف ألف درهم‏.‏

فقال‏:‏ شكا أهل البصرة إلى سليمان ملوحة الماء وكثرة ما يأتيهم من ماء البحر‏.‏

فسكر القنديل قال‏:‏ واشترى سليمان بن علي موضع السجن من ماله في دار ابن زياد فجعله سجنًا وحفر الحوض الذي في الهناء وهي رحبة بني هاشم‏.‏

وحدثني بعض أهل العلم بضياع البصرة قال‏:‏ كان أهل الشعيبة من الفرات جعلوها لعلي بن أمير المؤمنين الرشيد في خلافة الرشيد على أن يكونوا مزارعين له فيها ويخفف مقاسمتهم‏.‏

فتكلم فيها فجعلت عشرية من الصدقة وقاسم أهلها على ما رضوا به وقام له بأمرها شعيب بن زياد الواسطي الذي لبعض ولده دار بواسط على دجلة فنسبت إليه‏.‏

وحدثني عدة من البصريين منهم روح بن عبد المؤمن قالوا‏:‏ لما اتخذ سليمان بن علي المغيثة أحب المنصور أن يستخرج ضيعة من البطيحة فأمر باتخاذ السبطية‏.‏

فكره سليمان بن علي وأهل البصرة ذلك واجتمع أهل البصرة إلى باب عبد الله بن علي وهو يومئذ عند أخيه سليمان هاربًا من المنصور فصاحوا‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ انزل إلينا نبايعك‏.‏

فكفهم سليمان وفرقهم وأوفد إلى المنصور سوار بن عبد الله التميمي ثم العنزي وداود بن أبي هند مولى بني بشير وسعيد بن أبي عروبة بهران فقدموا عليه ومعهم صورة البطيحة فأخبروه أنهم يتخوفون أن يملح ماؤهم‏.‏

فقال‏:‏ ما أراه كما ظننتم‏.‏

وأمر بالإمساك‏.‏

ثم إنه قدم البصرة فأمر باستخراج السبطية فاستخرجت له‏.‏

فكانت منها أجمة لرجل من ألدها قين يقال له سبيط‏.‏

فحبس عند الوكيل الذي قلد القيام بأمر الضيعة واستخرجها بعض ثمنها وضربه فلم يزل على باب المنصور يطالب بما بقي له من ثمن أجمته ويختلف في ذلك إلى ديوانه حتى مات‏.‏

فنسبت الضيعة إليه بسبب أجمته فقيل السبطية‏.‏

وقالوا‏:‏ قنطرة قرة بالبصرة نسبت إلى قرة بن حيان الباهلي وكان عندها نهر قديم ثم اشترته أم عبد الله بنت عامر فتصدقت به مغيضًا لأهل البصرة‏.‏

وابتاع عبد الله بن عامر السوق فتصدق به‏.‏

قالوا‏:‏ ومر عبيد الله بن زياد يوم نعي يزيد بن معاوية على نهر أم عبد الله فإذا هو بنخل فأمر به فعقر وهدم حمام حمران بن أبان وموضعه اليوم يعمل فيه الرباب‏.‏

قالوا‏:‏ ومسجد الحامرة نسب إلى قوم قدموا اليمامة عجم من عمان‏.‏

ثم صاروا منها إلى البصرة على حمير فأقاموا بحضرة هذا المسجد‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بنوه ثم جدد بعد‏.‏

وحدثني علي الأرتم عن أبي عبيده عن أبي عمرو بن العلاء قال‏:‏ كان قيس بن مسعود الشيباني على الطف من قبل كسرى فهو اتخذ المنجشانية على ستة أميل من البصرة‏.‏

وجرت على يد عضروط يقال له منجشان فنسبت إليه‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ نسب الماء الذي يعرف بالحوءب إلى الحوءب بنت كلب بنت وبرة‏.‏

وكانت عند مر بن أد بن طابخة‏.‏

ونسب حمى ضريه إلى ضرية بنت ربيعة بن نزار وهي أم حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏

قالوا‏:‏ نسب حلوان إلى حلوان هذا‏.‏

أمر الأساورة و الزط حدثني جماعةٌ من أهل العلم قالوا‏:‏ كان سياه الأسواري على مقدمة يزجرد‏.‏

ثم إنه بعث به إلى الأهواز فنزل الكلبانية وأبو موسى الأشعري محاصرٌ السوس‏.‏

فلما رأى ظهور الإسلام وعز أهله وأن السوس قد فتحت والإمداد متتابعة إلى أبي موسى أرسل إليه‏:‏ إنا قد أحببنا الدخول معكم في دينكم على أن نقاتل إلى أبي موسى أرسل إليه إنا قد أحببنا الدخول معكم في دينكم على أن نقاتل العجم معكم وعلى أنه إن وقع بينكم اختلافٌ لم نقاتل بعضكم مع بعض وعلى أنه إن قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم وعلى أن ننزل بحيث شئنا من البلاد ونكون فيمن شئنا منكم وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الذي فقال أبو موسى‏:‏ بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا‏.‏

قالوا‏:‏ لا نرضى‏.‏

فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ أن أعطهم جميع ما سألوا‏.‏

فخرجوا حتى لحقوا بالمسلمين‏.‏

وشهدوا مع أبي موسى حصار تستر فلم يظهر منهم نكاية‏.‏

فقال لسياه‏:‏ يا عون‏!‏ ما أنت وأصحابك كما كنا نظن‏.‏

فقال له‏:‏ أخبرك أنه ليست بصائرنا كبصائركم ولا لنا فيكم حرمٌ نخاف عليها ونقاتل وإنما دخلنا في هذا الدين في بدء أمرنا تعوذًا وإن كان الله رزق خيرًا كثيرًا‏.‏

ثم فرض لهم في شرف العطاء‏.‏

فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فقيل‏:‏ بنو تميم‏.‏

وكانوا على أن يحالفوا الأزد فتركوهم وحالفوا بني تميم‏.‏

ثم خطت لهم خططهم فنزلوا وحفروا نهرهم وهو يعرف بنهر الأساورة‏.‏

ويقال إن عبد الله بن عامر حفره‏.‏

وقال أبو الحسن المدائني‏:‏ أراد شيروية الأسواري أن ينزل في بكر بن وائل مع خالد بن المعمر وبني سدوس فأبى سياه ذلك‏.‏

فنزلوا في بني تميم‏.‏

ولم يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عبد شمس‏.‏

قال‏:‏ فانضم إلى الأساورة السيابحة وكانوا الإسلام بالسواحل وكذلك الزط وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلا‏.‏

فلما اجتمعت الاساورة والزط والسيابجة تنازعتهم بن تميم فرغبوا فيهم‏.‏

فصارت الأساورة في بني سعدٍ والزط والسيابجة في بني حنظلة‏.‏

فأقاموا معهم يقاتلون المشركين وخرجوا مع ابن عامر إلى خراسان ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين ولا شيئًا من حروبهم حتى كان يوم مسعود‏.‏

ثم شهدوا بعد يوم مسعود الربذة وشهدوا أمر ابن الشعث معه‏.‏

فأضر بهم الحجاج فهدم دورهم وحط أعطيا تهم وأجلى بعضهم‏.‏

وقال‏:‏ كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا على بعض‏.‏

وقد روى أن الأساورة لما انحازوا إلى الكلبانية وجه أبو موسى إليهم الربيع بن زياد الحارثي فقاتلهم‏.‏

ثم إنهم استأمنوا على أن يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاؤا ونزلوا بحيث أحبوا‏.‏

قالوا‏:‏ وانحاز إلى هؤلاء الأساورة قومٌ من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له فلحقوا بهم بعد أن وشعت الحرب أوزارها في النواحي فصاروا معهم ودخلوا في الإسلام‏.‏

وقال المدائني‏:‏ لما توجه يزدجرد إلى إصبهان دعا سياه فوجهه إلىاصطخر في ثلاث مئة فيهم سبعون رجلًا من عظمائهم وأمره أن ينتخب من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته‏.‏

ثم اتبعه يزد جرد‏.‏

فلما صار باصطخر وجهه إلى السوس وأبو موسى محاصر لها‏.‏

ووجه الهرمزان إلى تستر‏.‏

فنزل سياه الكلبانية وبلغ أهل السوس أمر يزد جرد وهربه فسألوا أبا موسى الصلح فصالحهم‏.‏

فلم يزل سياه مقيمًا بالكلبانية حتى سار أبو موسى إلى تستر فتحول سياه فنزل بين رامهرمز وتستر حتى قدم عمار‏.‏

فجمع سياه الرؤساء الذين خرجوا معه من أصب هان فقال‏:‏ قد علمتم بما كنا نتحدث به من أن هؤلاء القوم سيغلبون على هذه المملكة ويروث دوابهم في إيوان اصطخر‏.‏

وأمرهم في الظهور على ما ترون‏.‏

فانظروا لأنفسكم وادخلوا في دينهم‏.‏

فأجابوه إلى ذلك‏.‏

فوجه شيرويه في عشرة إلى أبي موسى فأخذوا ميثاقًا على ما وصفنا من الشرط وأسلموا‏.‏

وحدثني غير المدائني عن عوانة قال‏:‏ حالفت الأساور الازد‏.‏

ثم سألوا عن أقرب الحيين من الأزد وبني تميم نسبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأقربهم مددًا‏.‏

فقيل‏:‏ بنو تميم فحالفوهم‏.‏

وسيد بني تميم يومئذ الأحنف بن قيس‏.‏

وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة من الأساورة فقتلوا خلقًا بعدتهم من النشاب ولم يخطئ لأحد منهم رمية‏.‏

أما السيابجة والزط والند غار فإنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند‏.‏

ومن كان سبيًا من أولى الغزاة‏.‏

فلما سمعوا بما كان من أمر الأساورة أسلموا وأتوا أبا وحدثني روح بن عبد المؤمن قال‏:‏ حدثني يعقوب بن الحضرمي عن سلام قال‏:‏ أتى الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها من الأمم معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم فأسكنهم بأسفل كسكر‏.‏

قال روح‏:‏ فغلبوا على البطيحة وتناسلوا بها‏.‏

ثم إنه ضوى إليهم قوم من أباق العبيد وموالي باهلة وخولة محمد بن سليمان بن علي وغيرهم فشجعوهم على قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية‏.‏

وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن يسألوا الشيء الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفيتة فيتناولوا منها ما أمكنهم اختلاسه‏.‏

وكان الناس في بعض أيام المأمون قد تحاموا الاجتياز بهم وانقطع عن بغداد جميع ما كان يحمل إليها من البصرة في السفن‏.‏

فلما استخلف المعتصم بالله تجرد لهم وولى محاربتهم رجلًا من أهل خرا سان يقال له عجيف بن عنبسة وضم إليه من القواد والجند خلقًا ولم يمنعه شيئًا طلبه من الأموال فرتب بين البطائح ومدينة السلام خيلًا مضمرة مهلوبة الأذناب‏.‏

وكانت أخيار الزط تأتيه بمدينة السلام في ساعات من النهار أو أول الليل وأمر عجيفًا فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حتى أخذوا فلم يشذ منهم أحد وقدم بهم إلى مدينة السلام في الزواريق فجعل بعضهم بخانقين وفرق سائرهم في عين زربة والثغور‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت جماعة من السيابجة موكلين ببيت مال البصرة يقال إنهم أربعون ويقال أربع مئة‏.‏

فلما قدم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام البصرة وعليها من قبل علي بن أبي طالب عثمان بن حنيف الأنصاري أبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم علي رضي الله عنه‏.‏

فأتوهم في السحر فقتلوهم‏.‏

وكان عبد الله بن الزبير المتولى لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه‏.‏

وكان على السيابجة يومئذ أبو سالمة الزطي وكان رجلًا صالحًا‏.‏

وقد كان معاوية نقل من الزط والسيابجة القدماء إلى سواحل الشام وإنطاكية بشرًا‏.‏

وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل قومًا من الزط إلى إنطاكية وناحيتها‏.‏

قالوا‏:‏ وكان عبيد الله بن زياد سبى خلقًا من أهل بخارى‏.‏

ويقال بل نزلوا على حكمه ويقال بل دعاهم إلى الأمان والفريضة فنزلوا على ذلك ورغبوا فيه‏.‏

فأسكنهم البصرة‏.‏

فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرًا منهم إليها‏.‏

فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خالد الشاطر المعروف بابن مارقلي‏.‏

قال‏:‏ والاندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان‏.‏

كور الأهواز قالوا‏:‏ غزا المغيرة بن شعبة سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بن غزواه من البصرة في آخر سنة خمس عشرة أو أول سنة ست عشرة‏.‏

فقاتله البيرواز دهقا نها ثم صالحه على مال‏.‏

ثم إنه نكث فغزاها أبو موسى الأشعري حين ولاه عمر بن الخطاب البصرة بعد المغيرة‏.‏

فافتتح سوق الأهواز عنوة وفتح نهر تيرى عنوة وولى ذلك بنفسه في سنة سبع عشرة‏.‏

وقال أبو محنف والوا قدي في روايتهما‏:‏ قدم موسى البصرة فاستكتب زيادًا وأتبعه عمر بن الخطاب بعمران بن الحصين الخزاعي وصيره على تعليم الناس الفقه والقرآن وخلافة أبي موسى إذا شخص عن البصرة‏.‏

فسار أبو موسى إلى الأهواز فلم يزل يفتح رستاقًا رستاقًا ونهرًا نهرًا والأعاجم تهرب من بين يديه فغلب على جميع أرضها إلا السوس وتستر ومناذر ورامهرمز‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح قال‏:‏ حدثني مرحوم العطار عن أبيه عن شوبس العدوي قال‏:‏ أتينا الأهواز وبها ناس من الزط و الأساورة فقاتلناهم قتالًا شديدًا فظهرنا عليهم وظفرنا بهم فأصبنا سبيًا كثيرًا اقتسمناهم‏.‏

فكتب إلينا عمر‏:‏ إنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلوا ما في أيديكم من السبي واجعلوا عليهم الخراج‏.‏

فرددنا السبي ولم نملكهم‏.‏

قالوا‏:‏ وسار أبو موسى إلى مناذر فحاصر أهلها فاشتد قتالهم‏.‏

فكان المهاجر بن زياد الحارثي أخو الربيع بن زياد بن الديان في الجيش‏.‏

فأراد أن يشري نفسه وكان صائم فقال الربيع لأبي موسى‏:‏ إن المهاجر عزم على أن يشري نفسه وهو صائم فقال موسى‏:‏ عزمت على كل صائم أن يفطر أو لا يخرج إلى القتال‏.‏

فشرب المهاجر شربة ماء وقال‏:‏ قد أبررت عزمة أميري‏!‏ والله ما شربتها من عطش‏.‏

ثم راح السلاح فقاتل حتى استشهد وأخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه على قصرهم بين شرفتين‏.‏

وله يقول القائل‏:‏ وفي مناذر لما جاش جمعهم راح المهاجر في حل بأجمال والبيت بيت بنى الديان نعرفه في آل مذ حج مثل الجوهر الغالي واستخلف أبو موسى الأشعري الربيع بن زياد على مناذر وسار إلى السوس ففتح الربيع مناذر عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية وصارت مناذر الكبرى والصغرى في أيدي المسلمين فولاهما أبو موسى عاصم بن قيس بن الصلت السلمي‏.‏

وولى سوق الأهواز سمرة بن جندب الفزاري حليف الأنصار‏.‏

وقال قوم‏:‏ إن عمر كتب إلى أبي موسى وهو محاصر مناذر يأمره أن يخلف عليها ويسير إلى السوس فخلف الربيع بن زياد‏.‏

حدثني سعدويه قال‏:‏ حدثنا شربك عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة قال‏:‏ حاصرنا مناذر فأصبنا سبيًا فكتب عمر‏:‏ إن مناذر قرية من قرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم‏.‏

قالوا‏:‏ وسار أبو موسى إلى السوس فقاتل أهلها ثم حاصرهم حتى نفذ ما عندهم من الطعام فضرعوا إلى الأمان‏.‏

وسأل مرزبانهم أن يؤمن ثمانون منهم على أن يفتح باب المدينة ويسلمها‏.‏

فسمى الثمانين وأخرج نفسه منهم فأمر به أبو موسى فضربت عنقه ولم يعرض للثمانين وقتل من سواهم من المقاتلة وأخذ الأموال وسبى الذرية‏.‏

ورأى أبو موسى في قلعتهم بيتًا وعليه ستر فسأل عنه فقيل‏:‏ إن فيه جثة دانيال النبي عليه السلام وعلى أنبياء الله ورسله فإنهم كانوا أقحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا‏.‏

وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به بابل فقبض بها‏.‏

فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ أن كفنه وأدفنه‏.‏

فسكر أبو موسى نهرًا حتى إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه‏.‏

حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا مروان بن معاوية عن حميد الطويل عن حبيب عن خالد بن زيد المزني وكانت عينه أصيبت بالسوس قال‏:‏ حاصرنا مدينتها وأميرنا أبو موسى فلقينا جهدًا‏.‏

ثم صالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ويؤمن له مئة من أهله ففعل وأخذ عهد أبي موسى‏.‏

فقال له اعزلهم‏.‏

فجعل يعزلهم وأبو موسى يقول لأصحابه‏:‏ إني لأرجو أن يغلبه الله على نفسه‏.‏

فعزل المائة وبقي عدو الله‏.‏

فأمر أبو موسى أن يقتل فنادى‏:‏ رويدك أعطيك مالًا كثيرًا‏!‏ فأبى وضرب عنقه قالوا‏:‏ وهادن أبو موسى أهل رامهرمز ثم انقضت هد نتهم فوجه إليهم أبا مريم الحنفي فصالحهم على ثماني مئة ألف درهم‏.

حدثني روح بن عبد المؤمن

قال‏:‏ حدثني يعقوب عن أبي عاصم الرامهرمزى وكان قد بلغ المئة أو قاربها قال‏:‏ صالح أبو موسى أهل رامهرمز على ثماني ألف أو تسع مئة ألف‏.‏

ثم إنهم غدروا ففتحت بعد عنوة فتحها أبو موسى في آخر أيامه‏.‏

قالوا‏:‏ ومفتح أبو موسى سرق على مثل صلح رامهرمز‏.‏

ثم إنهم غدروا فوجه إليها حارثة بن بدر جيشٍ كثيف فلم يفتحها‏.‏

فلما قدم عبد الله بن عامر فتحها عنوة‏.‏

وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك‏.‏

وفيه يقول أبو الأسود الدولي‏.‏

أجار بن بدرٍ قد وليت أمارةً فكن جرذًا فيها تخون وتسرق فإن جميع الناس إما مكذبٌ يقول بما تهوى وإما مصدق ولا تعجزن فالعجز أسوأ عادة فحظك من مال العراقين سرق فلما بلغ الشعر حارثة قال‏:‏ جزا‏:‏ إله الناس خير جزائة فقد قلت معروفًا وأوصيت كافيا أمرت بحزمٍ لو أمرت بغيره لألفيتني فيه لأمرك عاصيًا قالوا‏:‏ وسار أبو موسى إلى تستر وبها شوكة العدو وحدهم‏.‏

فكتب إلى عمر يستمده‏.‏

فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره بالمسير إليه في أهل الكوفة‏.‏

فقدم عمارٌ جرير بن عبد الله البجلي وسار حتى أتى تستر وعلى ميمنته - يعني مسمنة أبي موسى - البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي وعلى الخيل أنس بن مالك وعلى ميمنته عمار بن عازب الأنصاري وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصاري وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني‏.‏

فقاتلهم أهل تستر قتالًا شديدًا‏.‏

وحمل أهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر‏.‏

فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد رجمه الله ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة بشر حال وقد قتل منهم في المعركة تسع مئة ضربت أعناقهم بعد‏.‏

وكان الهرمزان من أهل مهرجا نقذف وقد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم ثم إن رجلًا من الأعاجم استأمن إلى المسلمين على أن يدلهم على عورة المشركين‏.‏

فأسلم واشترط أن يفرض لولده ويفرض له‏.‏

فعاقده أبو موسى على ذلك ووجه رجلًا من شيبان يقال له أشرس بن عوف فخاض به دجيل على عرقٍ من حجارة ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان ثم رده إلى العسكر‏.‏

فندب أبو موسى أربعين رجلًا مع مجزأة بن ثور وأتبعهم مائتي رجل وذلك في الليل والمستأمن يقدمهم‏.‏

فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة‏.‏

فلما سمع الهرمزان هرب إلى قلعته وكانت موضع خزانته وأمواله‏.‏

وعبر أبو موسى حين أصبح حتى دخل المدينة فاحتوى عليها‏.‏

وقال الهرمزان‏:‏ ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال أمرهم وأدبار أمرنا‏.‏

وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم في دجيل خوفًا من أن يظفر بهم العرب‏.‏

وطلب الهرمزان إلى عمر فاستحياه وفرض له‏.‏

ثم إنه اتهم بممالأة أبي لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة على قتل عمر رضي الله عنه فقال عبيد الله بن عمر‏:‏ امض بنا ننظر إلى فرسٍ لي‏.‏

فمضى وعبيد الله خلفه فضربه بالسيف وهو غافل فقتله‏.‏

حدثنا أبو عبيده قال‏:‏ حدثنا مروان بن معاوية عن حميد عن أنس قال‏:‏ حاصرنا تستر فنزل الهرمزان فكنت الذي أتيت به إلى عمر بعث بي أبو موسى‏.‏

فقال له عمر‏:‏ تكلم‏.‏

فقال‏:‏ تكلم لابأس‏.‏

فقال الهرمزان‏:‏ كنا معشر العجم ما خلى الله بيننا وبينكم تقصيكم ونقتلكم‏.‏

فلما كان اله معكم لم يكن لنا بكم يدان‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما تقول يا أنس قلت‏:‏ تركت خلفي شوكةً شديدة وعدوا كلبًا‏.‏

فإن قتلته يئس القوم من الحياة فكان أشد لشوكتكم وإن استحييته طمع القوم في الحياة‏.‏

فقال عمر‏:‏ يا أنس‏!‏ سبحان الله‏.‏

قاتل البراء بنو مالك ومجزأة بن ثور السدوسي‏.‏

قلت‏:‏ فليس لك إلى قتله سبيل‏.‏

قال‏:‏ ولم إعطاءك أصبت منه قلت‏:‏ لا ولكنك قلت له‏:‏ لا بأس‏.‏

فقال‏:‏ متى لتجيئن معك بمن شهد وإلا بدأت بعقوبتك‏.‏

قال‏:‏ فخرجت من عنده فإذا الزبير بن العوام قد حفظ الذي حفظت‏.‏

فشهد لي‏.‏

فخلى سبيل الهرمزان‏.‏

فاسلم وفرض له عمر‏.‏

وحدثني إسحاق بن أبي إسرائيل قال‏:‏ حدثنا ابن المبارك عن ابن جريح عن عطاء الخرساني قال‏:‏ كفيتك أن تستر كانت صلحًا فكفرت‏.‏

فسار إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري فلم يزالوا في أيدي سادتهم حتى كتب عمر‏:‏ خلوا ما في أيديكم‏.‏

قال‏:‏ وسار أبو موسى إلى جند يسابور وأهلها منخوبون فطلبوا الأمان فصالحهم على أن لا يقتل منهم أحدًا ولا يسبيه ولا يعرض لأموالهم سوى السلاح‏.‏

ثم إن طائفةً من أهلها توجهوا إلى الكلبانية‏.‏

فوجه إليهم أبو موسى الربيع بن زياد فقتلهم وفتح الكلبانية‏.‏

واستأمنت الأساورة فأمنهم أبو موسى فأسلموا‏.‏

ويقال إنهم استأمنوا قبل ذلك فلحقوا بأبي موسى وشهدوا تستر‏.‏

والله أعلم‏.‏

وحدثني عمر بن حفص العمري عن أبي حذيفة عن أبي الأشهب عن أبي رجاء قال‏:‏ فتح الربيع بن زياد الثيبان من قبل أبي موسى عنوة‏.‏

ثم غدروا ففتحها منجوف بن ثور السدوسي‏.‏

قال‏:‏ وكان مما فتح عبد الله بن عامر سنبيل والزط‏.‏

وكان أهلهما قد كفروا‏.‏

فاجتمع إليهم أكرادٌ من هذه الأكراد‏.‏

وفتح أيذج بعد قتالٍ شديد‏.‏

وفتح أبو موسى السوس وتستر ودورق عنوة‏.‏

وقال المدائني‏:‏ فتح ثابت بن ذى الحرة الحميري قلعة ذى الرناق‏.‏

عن مجالد بن يحيى أن مصعب بن الزبير ولى مطرف بن سيدان الباهلي أحد بني جئآوة شرطته في بعض أيام ولايته العراق لأخيه عبد الله بن الزبير‏.‏

فأتى مطرف بالنابي بن زياد بن ظبيان أحد بني عائش بن مالك بن تميم الله ابن ثعلبة بن عكابة وبرجل من بني نمير قطعا الطريق فقتل النابي وضرب النميري بالسياط وتركه‏.‏

فلما عزل مطرف عن الشرطة وولى الأهواز جمع عبيد الله بن زياد بن ظبيان له جمعًا وخرج يريده‏.‏

فالتقيا فتواقفا وبينهما نهرٌ فعبر مطرف بن سيدان فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله‏.‏

فبعث مصعب مكرم بن مطرف في طلبه‏.‏

فسار حتى صار إلى الموضع الذي يعرف اليوم بعسكر مكرم فلم يلق ابن ظبيان‏.‏

ولحق ابن ظبيان بعبد الملك بن مروان وقاتل معه مصعبًا فقتله واحتز رأسه‏.‏

ونسب عسكر مكرم إلى مكرم بن مطرف هذا‏.‏

قال البعيث الكرى‏.‏

سقينا ابن سيدانٍ بكأسٍ رويةٍ كفتنا وخير الأمر ما كان كافيا ويقال أيضًا إن عسكر مكرم إنما نسب إلى مكرم بن الفزر أحد بني جعونة بن الحارث بن نمير‏.‏

وكان الحجاج وجه لمحاربة خرزاد بن باس حين عصى ولحق بأيذج وتحصن في قلعةٍ تعرف به‏.‏

فلما طال عليه الحصار نزل مستخفيًا متنكرًا ليلحق بعبد الملك‏.‏

فظفر به مكرم ومعه درتان في وذكروا أنه كانت عند عسكر مكرم قريةٌ قديمةٌ وصل بها البناء بعد ثم لم يزل يزاد فيه حتى كثر‏.‏

فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم‏.‏

وهو اليوم مصرٌ جامع‏.‏

وحدثني أبو مسعود عن عوانة قال‏:‏ ولى عبد الله بن الزبير البصرة حمزة بن عبد الله بن الزبير‏.‏

فخرج إلى الأهواز فلما رأى جبلها قال‏:‏ كأنه قعيقعان‏.‏

وقال الثوري‏:‏ الأهواز سمى بالفارسية هوز مسير‏.‏

وإنما سميت الأخواز فغيرها الناس فقالوا‏:‏ الأهواز‏.‏

وأنشد لأعرابي‏:‏ لا ترجعني إلى الأخواز ثانيةً وقعقعان الذي في جانب السوق ونهر بط الذي أمسى يؤرقني فيه البعوض بلسبٍ غير تشفيق فما الذي وعدته نفسه طمعًا من الحصينى أو عمرو بمصدوق وقال‏:‏ نهر البط نهرٌ كانت عنده مراعٍ للبط فقالت العامة‏.‏

نهر البط كما قالوا‏:‏ دار بطيخ‏.‏

وسمعت من يقول‏:‏ ن النهر كان لامرأة تسمى البطئة فنسب إليها ثم حذف‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري قال‏:‏ افتتح عمر السواد والأهواز عنوةً‏.‏

فسئل عمر قسمة ذلك‏.‏

فقال‏:‏ فما لمن وحدثني المدائني عن علي بن حماد وسحيمٍ بن حفص وغيرهما قالوا‏:‏ قال أبو المختار يزيد بن قيس بن يزيد بن الصعق كلمةً رفع فيها على عمال الأهواز وغيرهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ أبغ أمير المؤمنين رسالة فأنت أمين الله في النهي والأمر وأنت أمين الله فينا ومن يكن أمينًا لرب العرش يسلم له صدري فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى يسغون مال الله في الأدم الوفر فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه وأرسل إلى جزءٍ وأرسل إلى بشر ولا تنسين النافعين كليهما ولا ابن غلابٍ من سراة بني نصر وما عاصمٌ منها بصفرٍ عيابه وذاك الذي في السوق مولى بني بدر وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه وصهر بني غزوان إني لذو خبر وشبلًا فسله المال وابن محرشٍ فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر فقاسمهم أهلي فداؤك إنهم سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر ولا تدعوني للشهادة إنني أغيب ولكني أرى عجب الدهر فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم حتى أخذ نعلًا وترك نعلًا‏.‏

وكان أبو بكرة فقال‏:‏ إني لم أل لك شيئًا‏.‏

فقال له‏:‏ أخوك على بيت المال وعشور الأبله وهو يعطيك المال تتجربه‏.‏

فأخذ منه عشرة آلاف‏.‏

ويقال‏:‏ قاسمه شطر ماله‏.‏

وقال‏:‏ الحجاج الذي ذكره الحجاج بن عتيك الثقفي وكان على الفرات‏.‏

وجزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق‏.‏

وبشر بن المحتفز كان على جند يسابور‏.‏

والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة أخوه‏.‏

وابن غلاب خالد بن الحارث من بني دهمان كان على بيت المال بإصبهان‏.‏

وعاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر‏.‏

والذي في السوق سمرة بن جندب على سوق الأهواز‏.‏

والنعمان بن عدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان أحد بني عدي بن كعب بن لؤي كان على كور دجلة‏.‏

وهو الذي يقول‏:‏ من مبلغ الحسناء أن خليلها بميسان يسقى في زجاجٍ وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية وصناجةٌ تجزو على كل منسم فلما بلغ عمر شعره قال‏:‏ أي والله إنه ليسوءني ذلك‏.‏

وعزله‏.‏

وصهر بني غزوان مجاشع بن مسعود السلمي‏.‏

كانت عنده بنت عتبة بن غزوان‏.‏

وكان على أرض البصرة وصدقاتها‏.‏

وشبل بن معبد البجلي ثم الأحمس كان على قبض المغانم‏.‏

وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز‏.‏

قال عوسجة بن زياد الكاتب‏:‏ أقطع الرشيد أمير المؤمنين عبيد الله بن المهدي مزارعةً أرض الأهواز‏.‏

فدخل فيها شبهةٌ فرفع في ذلك قومٌ إلى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها فما لم تكن فيه شبهة أنفذ وما شك فيه سمى المشكوك فيه‏.‏

وذلك معروف بالأهواز‏.‏

كور فار وكرمان قالوا‏:‏ كان العلاء بن الحضرمي وهو عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين وجه هرثمة بن عرفجة البارقي من الأزد ففتح جزيرة في البحر مما يلي فارس‏.‏

ثم كتب عمر إلى العلاء أن يمد به عتبة بن فرقد السلمي فعل‏.‏

ثم وولى عمر عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلهما وجه أخاه الحكم بن أبي العاص في البحر إلى فارس في جيش عظيمٍ من عبد القيس والأزد وتميم وبني ناحية وغيرهم ففتح جزيرة ابركاوان‏.‏

ثم صار إلى توج وهي من أرض أردشير خره ومعنى اردشير خرة بهاء أردشير‏.‏

وفي رواية أبي مخنف أن عثمان بن أبي العاص نفسه قطع البحر إلى فارس فنزل توج ففتحها وبنى بها المساجد وجعلها دارًا للمسلمين وأسكنها عبد القيس وغيرهم‏.‏

فكان يغير منها على أرجان وهي متاخمة لها‏.‏

ثم إنه شخص عن فارس إلى عمان والبحرين لكتاب عمر إليه في ذلك واستخلف أخاه الحكم‏.‏

وقال غير أبي مخنف‏:‏ إن الحكم فتح توج وأنزلها المسلمين من عبد القيس وغيرهم سنة تسع عشرة‏.‏

وقالوا‏:‏ إن شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من قدوم العرب فارس واشتد عليه وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم على كل من لقوه من عدوهم‏.‏

فجمع جمعًا عظيمًا وسار بنفسه حتى أتى راشهر من أرض سابور وهي بقرب توج فخرج إليه الحكم بن أبي العاص وعلى مقدمته سوار بن همام العبدي‏.‏

فاقتتلوا قتالًا شديدًا‏.‏

وكان هناك وادٍ قد وكل به شهرك رجلًا من نقابه في جماعة وأمره أن لا يجتازه هاربٌ من أصحابه إلا قتله‏.‏

فأقبل رجلٌ من شجعاء الساورة موليًا من المعركة‏.‏

فأراد الرجل قتله‏.‏

فقال له‏:‏ لا تقتلني فإنما نقاتل قومًا منصورين الله معهم‏.‏

ووضع حجرًا فرماه ففلقه ثم قال‏:‏ أترى هذا السهم الذي فلق الحجر والله ما كان ليخدش بعضهم لو رمى به‏.‏

قال‏:‏ لا بد من قتلك‏.‏

فبينما هو في ذلك إذ أتاه الخبر بقتل شهرك‏.‏

وكان الذي قتله سوار ابن همام العبدي حمل عليه فطعنه فأذراه عن فرسه وضربه بسيفه حتى فاظت نفسه‏.‏

وحمل ابن شهرك على سوار فقتله وهزم الله المشركين وفتحت راشهر عنوةً وكان يومها في صعوبته وعظيم النعمة على المسلمين فيه كيوم القادسية‏.‏

وتوجه بالفتح إلى عمر بن الخطاب عمرو بن الأهتم التميمي فقال‏:‏ جئت الأمام بإسراعٍ لأخبره بالحق من خبر العبدي سوار أخبار أروع ميمونٍ تقيبته مستعملٍ في سبيل الله مغوار وقال بعض أهل توج‏:‏ إن توجٍ مصرت بعد مقتل شهرك‏.‏

والله أعلم‏.‏

قالوا‏:‏ ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عثمان ابن أبي العاص في إتيان فارس‏.‏

فخلف على عمله أخاه المغيرة ويقال‏:‏ هو حفص ابن أبي العاص‏.‏

وكان جزلًا‏.‏

وقدم توج فنزلها‏.‏

فكان يغزو منها ثم يعود إليها‏.‏

وكتب عمر إلى أبي موسى وهو بالبصرة يأمره أن يكانف عثمان بن أبي العاص ويعاونه‏.‏

فكان يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها‏.‏

وبعث عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان العبدي إلى قلعة يقال لها شبير ففتحها عنوة بعد حصار وقتال‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ فتح هرم قلعة الستوج عنوة وأتى عثمان خره من سابور ففتحها وأرضها بعد أن قاتله أهلها صلحًا على أداء الجزية والخراج ونصح المسلمين‏.‏

وفتح عثمان بن أبي العاص كازرون من سابور وغلب على أرضها‏.‏

وفتح عثمان النوبندجان من سابور أيضًا وغلب عليها‏.‏

واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبي العاص في آخر خلافة عمر رضى الله عنه ففتحها أرجان صلحًا على الجزية والخراج‏.‏

وفتحا شيراز وهي من أرض أردشير خره على أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج إلا من أحب منهم الجلاء ولا يقتلوا ولا يستعبدوا‏.‏

وفتحا سينيز من أرض أردشير خره وترك أهلها عمارًا للأرض‏.‏

وفتح عثمان حصن جنابا بأمانٍ‏.‏

وأتى عثمان بن أبي العاص درا بجرد وكانت شادروان علمهم ودينهم وعليها الهربذ فصالحه الهربذ على مال أعطاه إياه وعلى أن أهل درا بجرد كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس‏.‏

واجتمع له جمعٌ بناحية جهرم ففضهم وفتح أرض جهرم‏.‏

وأتى عثمان فسا فصالحه عظيمها على مثل صلح درا بجرد‏.‏

ويقال أن الهربذ صالح عنها أيضا‏.‏

وأتى عثمان بن أبي العاص مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال في سنة اربع وعشرين قبل أن تأتي أبا موسى ولايته البصرة من قبل عثمان بن عفان فوجد أهلها هائبين للمسلمين‏.‏

ورأى أخو شهرك في منامه كأن رجلًا من العرب دخل عليه فسلبه قميصه‏.‏

فنخب ذلك قلبه فامتنع قليلً ثم طلب الأمان والصلح‏.‏

فصالحه عثمان على أن لا يقتل أحدًا ولا يسبيه وعلى أن تكون له ذمة ويعجل مالًا‏.‏

ثم إن أهل سابور نقضوا وغدروا‏.‏

ففتحت في سنة ست وعشرين عنوةً فتحها أبو موسى وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص‏.‏

وقال معمر بن المثنى وغيره‏:‏ كان عمر بن الخطاب أمر أن يوجه الجارود العبدي سنة أثنتين وعشرين إلى قلاع فارس‏.‏

فلما كان بين خره وشيراز تخلف عن أصحابه في عقبةٍ هناك سحرًا لحاجته ومعه اداوة فأحاطت به جماعةٌ من الأكراد فقتلوه‏.‏

فسميت تلك العقبة عقبة الجارود‏.‏

قالوا‏:‏ ولما ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة من قبل عثمان ابن عفان بعد أبي موسى الأشعري سار إلى اصطخر في سنة ثمان وعشرين فصالحه ماهك عن أهلها‏.‏

ثم خرج يريد جور فلما فارقها نكثوا وقتلوا عامله عليهم‏.‏

ثم لما فتح جور كر عليهم ففتحها‏.‏

قالوا‏:‏ وكان هرم بن حيان مقيما على جور‏.‏

وهي مدينةً اردشير خره‏.‏

وكان المسلمون يعانونها ثم ينصرفون عنها فيعانون اصطخر ويغزون نواحي كانت تنتقض عليهم‏.‏

فلماذا نزل ابن عامر بها قاتلوه ثم تحصنوا ففتحها بالسيف عنوة وذلك في سنة تسع وعشرين‏.‏

وفتح ابن عامر أيضًا الكاريان وفشجاتن وهي الفيشجان من درا بجرد ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ وانتقضتا‏.‏

وحدثني جماعة من أهل العلم أن جور غزيت عدة سنين فلم يقدر عليها حتى فتحها ابن عامر‏.‏

وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلي ذات ليلة وإلى جانبه جرابٌ له فيه خبزٌ ولحم فجاء كلبٌ فجره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخلٍ لها خفيٍ فألظ المسلمون بذلك المدخل حتى دخلوا منه وفتحوها‏.‏

قالوا‏:‏ ولما فرغ عبد الله بن عامر من فتح جور كر على أهل اصطخر وفتحها عنوة بعد قتالٍ شديد ورميٍ بالمجانيق‏.‏

وقتل بها من الأعاجم أربعين ألفًا وأفنى أهل البيوتات ووجه الأساورة وبعض الرواة يقول‏:‏ إن ابن عامر رجع إلى اصطخر حين بلغه نكثهم ففتحها‏.‏

ثم صار إلى جور وعلى مقدمته هرم بن حيان ففتحها‏.‏

وروى الحسن بن عثمان الزيادي أن أهل اصطخر غدروا في ولاية عبد الله بن عباس رضي الله عنه عنهما العراق لعلي رضي الله عنه ففتحها‏.‏

وحدثني العباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف قال‏:‏ توجه ابن عامر إلى اصطخر ووجه على مقدمته عبيد الله بن معمر التيمي‏.‏

فاستقبله أهل اصطخر برامجرد فقاتلهم فقتلوه فدفن في بستان برامجرد‏.‏

وبلغ ابن عامر الخبر فأقبل مسرعًا حتى واقعهم وعلى ميمنته أبو برزة نضلة بن عبد الله الأسلمي وعلى الرجال خالد بن المعمر الذهلي‏.‏

فقاتلهم فهزمهم حتى أدخلهم اصطخر‏.‏

وفتحها الله عنوة فقتل فيها نحوًا من مئة ألف‏.‏

وأتى درا بجرد ففتحها وكانت منتقضة ثم وجه إلى كرمان‏.‏

حدثني عمر الناقد قال‏:‏ حدثنا مروان بن معاوية الفرازى عن عاصم الأحول عن فضيل بن زيد الرقاش قال‏:‏ حاصرنا شهرياج شهرًا جرّارًا وكان ظننا أنا سنفتحها في يومنا فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إلى معسكرنا وتخلف عبدٌ مملوك منافرًا ظنوه‏.‏

فكتب لهم أمانًا ورمى به إليهم في سهم‏.‏

قال‏:‏ فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم قالوا‏:‏ هذا أمانكم‏!‏ فكتبنا بذلك إلى عمر‏.‏

فكتب إلينا‏:‏ إن العبد المسلم من المسلمين ذمته كذمتهم فلينفذ أمانة‏.‏

فأنفذناه‏.‏

وحدثني القاسم بن سلام قال‏:‏ حدثنا أبو النضر عن شعبة عن عاصم عن الفضيل قال‏:‏ كنا مصافي العدو بسيراف‏.‏

ثم ذكر نحو ذلك‏.‏

وحدثنا سعدوية قال‏:‏ حدثنا عباد بن العوام عن عاصم الأحول عن الفضيل بن زيد الرقاشي قال‏:‏ حاصر المسلمون حصنًا‏.‏

فكتب عبدٌ أمانًا ورمى به إليهم في مشقص‏.‏

فقال المسلمون‏:‏ ليس أمانة بشيء‏.‏

فقال القوم‏:‏ لسنا نعرف الحر من العبد‏.‏

فكتب بذلك إلى عمر‏.‏

فكتب‏:‏ إن عبد المسلمين منهم ذمته ذمتهم‏.‏

وأخبرني بعض أهل فارس أن حصن سيراف يدعى سوريانج‏.‏

فسمته العرب شهرياج‏.‏

وبفسا قلعةٌ تعرف بخرشة بن مسعود من بني تميم ثم من بني شقرة كان مع ابن الأشعث فتحصن في هذه القلعة ثم أومن فمات بواسط‏.‏

له عقب بفسا‏.‏

كرمان وأما كرمان فإن عثمان بن أبي العاص الثقفي لقى مرزبانها في جزيرة ابركاوان وهو في خفٍٍٍٍ فقتله‏.‏

فوهن أمر أهل كرمان وتخيب قلوبهم‏.‏

فلما صار ابن عامر إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد‏.‏

فأتى بيمند‏.‏

فهلك جيشه بها‏.‏

ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعًا كرمان‏.‏

ففتح بيمند عنوةً واستبقى أهلها وأعطاهم أمانًا‏.‏

وبها قصرٌ يعرف بقصر مجاشع‏.‏

وفتح مجاشع بروخروة وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان وأقام عليها ايامًا بسيرة أهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيلٌ فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلًا ثم إن كثيرًا من أهلها جلوا عنها‏.‏

وقد كان أبو موسى الأشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان وصالح أهل بم والاندغار‏.‏

فكر أهلها ونكثوا‏.‏

فاقتتحها مجامع بن مسعود‏.‏

وفتح جيرفت عنوةً وسار في كرمان فدوخها‏.‏

واتى القفص وجمع له بهرموز خلقٌ ممن جلا من الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم‏.‏

وهرب كثيرٌ من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وأتي بعضهم سجستان فأقطعت العرب منازلهم وأرضيهم فعمروها وأدوا العشر فيها واحتفروا القنى في مواضع منها‏.‏

وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على إجازته فقال‏:‏ من جاز فله ألف درهم‏.‏

فجازوه فوفى لهم‏.‏

فكان ذلك أول يوم سميت الجائزة فيه‏.‏

قال الشاعر وهو الجحاف بن حكيم‏:‏ فدى للأكرمين بني هلال على علاتهم أهلي ومالي هم سنوا الجوائز في معدٍٍ فصارت سنة أخرى الليالي رماحهم تزيد على ثمانٍ وعشرٍ حين تختلف العوالي وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي قطن يقول الشاعر‏:‏ كم من أميرٍ قد أصبت حباهء وآخر حظي من إمارته الحزن فهل قطنٌ إلا كمن كان قبله فصبرًا على ما جاء يومًا به قطن قالوا‏:‏ وكان ابن زياد ولى شريك بن الأعور الحارثي وهو شريك بن الحارث وكتب يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الحميري إليه فأقطعه أرضًا بكرمان فباعها بعد هرب ابن زياد من البصرة‏.‏

وولى الحجاج الحكم بن نهيك الهجيمي كرمان بعد أن كان ولاه فارس‏.‏

فبنى مسجد أرجان ودار إمارتها‏.‏

سجستان وكابل حدثني علي بن محمد وغيره‏:‏ أن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس توجه يريد خرا سان سنة ثلاثين‏.‏

فنزل بعسكره شق الشيرجان من كرمان‏.‏

ووجه الربيع بن زياد ابن أنس بن الديان الحارثي إلى سجستان فسار حتى نزل الفرج‏.‏

ثم قطع المفازة وهي خمسة وسبعون فرسخًا فأتى رستاق زالق وبين زالق وبين سجستان خمسة فراسخ وزالق حصن‏.‏

فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثم غمرها ذهبًا وفضة وصالح الدهقان على حقن دمه‏.‏

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ صالحه على أن يكون بلده كبعض ما افتتح من بلاد فارس وكرمان‏.‏

ثم أتى قريةً يقال لها كركوبه على خمسة أميال من زالق فصالحوه ولم يقاتلوه‏.‏

ثم نزل رستاقًا يقال له هيسون فأقام له أهله النزل وصالحوه على غير قتال‏.‏

ثم أتى زالق وأخذ الأدلاء منها إلى زرنج وسار حتى نزل الهند مند وعبر واديا ينزع منه يقال له نوق‏.‏

وأتى زوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل‏.‏

فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالًا شديدًا وأصيب رجالٌ من المسلمين‏.‏

ثم كر المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلةً عظيمة‏.‏

ثم أتي الربيع ناشروذ وهي قريةٌ‏.‏

فقاتل أهلها وظفر بهم‏.‏

وأصاب بها عبد الرحمن أبا صالح بن عبد الرحمن الذي كتب للحجاج مكان زدا نفروخ ابن نيرى وولى خراج العراق لسليمان بن عبد الملك وأمه‏.‏

فاشترته امرأة من بني تميم ثم من بني مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد ابن تميم يقال لها عبلة‏.‏

ثم مضى من ناشروذ إلى شرواذ وهي قريةٌ‏.‏

فغلب عليها وأصاب بها جد إبراهيم بن بسام فصار لابن عمير الليثي‏.‏

ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتله أهلها‏.‏

فبعث إليه برويزمرز بأنها يستأمنه ليصالحه‏.‏

فأمر بجسدٍ من أجساد القتلى فوضع له‏.‏

فجلس عليه واتكأ على الآخر وأجلس أصحابه على أجساد القتلى‏.‏

وكان الربيع آدم أفوه طويلًا فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وصيف ثم أتى سناروذ وهو وادٍ فعبره وأتى القريتين‏.‏

وهناك مربط فرس رستم فقاتلوه فظفر‏.‏

ثم قدم زرنج فأقام بها سنتين‏.‏

ثم أتى عامر واستخلف بها رجلًا من بني الحارث بن كعب فأخرجوه وأغلقوها‏.‏

وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفًا‏.‏

وسبى في ولايته هذه أربعين ألف رأس‏.‏

وكان كاتبه الحسن البصري‏.‏

ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس سجستان‏.‏

فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في يوم عيدٍ لهم فصالحه على ألفي ألف درهم وألفى وصيفٍ‏.‏

وغلب ابن سمرة على ما بين زرنج وكش من ناحية الهند‏.‏

وغلب من ناحية طريق الرخج على ما بينه وبين بلاد الداور‏.‏

فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور ثم صالحهم فكانت عدة من معه من المسلمين ثمانية آلاف‏.‏

فأصاب كل رجلٍ منهم أربعة آلاف‏.‏

ودخل على الزور وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان‏.‏

فقطع يده وأخذ الياقوتتين‏.‏

ثم قال للمرزبان‏:‏ دونك الذهب والجوهر وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع‏.‏

وفتح بست وزابل بعهد‏.‏

حدثني الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن حماد بن زيد عن يحيى ابن عتيق قال وكيع‏:‏ عقد لهم عقدًا وهو دون العهد‏.‏

قالوا‏:‏ وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها حتى اضطرب أمر عثمان‏.‏

ثم استخلف أمير بن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان‏.‏

ولأمير يقول زياد الأعجم‏:‏ لولا أميرٌ هلكت يشكرٌ ويشكرٌ هلكى على كل حال ثم إن أهل زرنج أخرجوا أميرًا واغلقوها‏.‏

ولما فرغ علي بن أب يطالب عليه السلام من أمر الجمل خرج حسكة بن عتاب الحبطي وعمران بن الفصيل البرجمي في صعاليك من العرب حتى نزلوا زالق وقد نكث أهلها‏.‏

أصابوا منها مالا وأخذوا جد البختري الأصم ابن مجاهد مولى شيبان‏.‏

ثم أتو زرنخ وقد خافهم مرزبانها فصالحهم ودخلوها وقال الراجز‏.‏

بشر سجستان بجوع وحرب بابن الفصيل وصعاليك العرب لا فضةٌ يغنيهم ولا ذهب وبعث علي بن أبي طالب عبد الرحمن بن جزء الطائي إلى سجستان فقتله حسكة‏.‏

فقال علي‏:‏ لأقتلن من الحبطات أربعة آلاف‏.‏

فقيل له‏:‏ إن الحبطات لا يكونون خمس مئة‏.‏

وقال أبو مخنف‏:‏ وبعث علي رضي الله عنه عون بن جعده ابن هبيرة المخزومي إلى سجستان‏.‏

فقتله بهدالى اللص الطائي في طريق العراق‏.‏

فكتب عليٌ إلى عبد الله بن العباس يأمره أن يولى سجستان رجلًا في أربعة آلاف‏.‏

فوجه ربعى بن الكاس العنبري في أربعة آلاف‏.‏

وخرج معه الحصين بن أبي الحر - وأسم أبي الحر مالك بن الخشخاش العنبري - وثات بن ذي الحرة الحميري‏.‏

وكان على مقدمته‏.‏

فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة فقتلوه‏.‏

وضبط ربعي البلاد‏.‏

فقال راجز هم‏:‏ نحن الذين اقتحموا سجستان على ابن عتابٍ وجند الشيطان يقدمنا الماجد عبد الرحمان أنا وجدنا في منير الفرقان أن لا نوالي شيعة ابن عفان وكان ثات يسمى عبد الرحمن‏.‏

وكان فيروز حصين ينسب إلى حصين بن أبي الحر‏.‏

وهذا هو من سبى سجستان‏.‏

ثم لما ولى معاوية بن أبي سفيان استعمل ابن عامرٍ على البصرة‏.‏

فولى عبد الرحمن بن سمرة سجستان‏.‏

فأتاها وعلى شرطته عباد بن الحصين الحبطى ومعه من الأشراف عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وعبد الله بن خازم السلمي وقطرى بن الفجاءة والمهلب بن أبي صفرة‏.‏

فكان يغزو البلد قد كفر أهله فيفتحه عنوةً أو يصالح أهله حتى بلغ كابل‏.‏

فلما صار إليها نزل بها فحاصر أهلها أشهرًا وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق حتى ثلمت ثلمة عظيمةً فبات عليها عباد بن الحصين ليلةً يطاعن المشركين حتى أصبح فلم يقدروا على سدها‏.‏

وقاتل ابن خازم معه عليها‏.‏

فلما أصبح الكفرة خرجوا يقاتلون المسلمين‏.‏

فضرب ابن خازم فيلًا كان معهم فسقط على الباب الذي خرجوا منه فلم يقدروا على غلقه فدخلها المسلمون عنوةً‏.‏

وقال أبو مخنف‏:‏ الذي عقر الفيل المهلب‏.‏

وكان الحسن البصري يقول‏:‏ ما ظننت أن رجلًا يقوم مقام ألفٍ حتى رأيت عباد بن الحصين‏.‏

قالوا‏:‏ ووجه عبد الرحمن بن سمرة ببشارة الفتح عمر بن عبيد الله بن معمر والمهلب بن أبي صفرة‏.‏

ثم خرج عبد الرحمن فقطع زادي نسل‏.‏

ثم أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة‏.‏

وسار إلى رزان فهرب أهلها وغلب عليها‏.‏

ثم سار إلى خشك فصالحه أهلها‏.‏

ثم أتى الرخج فقاتلوه فظفر بهم وفتحها‏.‏

وأتى كابل وقد نكث أهلها ففتحها‏.‏

ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن سمرة سجستان من قبله وبعث إليه بعهده فلم يزل عليها حتى قدم زيادٌ البصرة فأقره أشهرًا ثم ولاها الربيع بن زياد‏.‏

ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين وصلى عليه زياد‏.‏

وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ لا تسأل الإمارة فإنك إن أويتيها عن غير مسئلة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها‏.‏

وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الذي هو خيرٌ وكفره عن يمينك‏)‏‏.‏

وكان عبد الرحمن قدم بغلمان من سبى كابل فعملوا له مسجدًا في قصره بالبصرة على بناءٍ كابل‏.‏

قالوا‏:‏ ثم جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل‏.‏

وجاء رتبيل فغلب على ذا بلستان والرخج حتى انتهى إلى بست‏.‏

فخرج الربيع بن زياد في الناس فقاتل رتبيل بيست وهزمه وأتبعه حتى أتى الرخج فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور‏.‏

ثم عزل زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان‏.‏

فغزا فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن بلاده وبلاد كابل على ألف ألفٍ ومائتي ألف‏.‏

فأجابه إلى ذلك‏.‏

وسأله أن يهب له مائتي ألفٍ ففعل‏.‏

فتم الصلح إلى ألف ألف درهم‏.‏

ووفد عبيد الله على زياد فأعلمه ذلك‏.‏

فأمضى الصلح‏.‏

ثم رجع عبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان فأقام بها إلى أن مات زياد‏.‏

وولى سجستان بعد موت زيادٍ عباد بن زياد من قبل معاوية‏.‏

ثم لما ولى يزيد بن معاوية ولى سلم بن زياد خرا سان وسجستان‏.‏

فولى سلم أخاه يزيد بن زياد سجستان‏.‏

فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر أهل كابل ونكثوا وأسروا أبا عبيده بن زياد‏.‏

فسار إليهم يزيد بن زياد فقاتلهم وهم بجينزة فقتل يزيد بن زياد وكثيرٌ ممن كان معه وانهزم سائر الناس‏.‏

وكان فيمن استشهد زيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان القرشي وصلة بن اشيم أبو الصهباء العدوى زوج معاذة العدوية‏.‏

فبعث سلم بن طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي الذي يعرف بطلحة الطحات ففدى أبا عبيده بخمس مئة ألف درهم‏.‏

وسار طلحة من كابل إلى سجستان واليًا عليها من قبل سلم بن زياد‏.‏

فجبى وأعطى زواره ومات بسجستان‏.‏

واستخلف رجلًا من بني يشكر فأخرجته المضرية ووقعت العصبية وغلب كل قومٍ على مدينتهم‏.‏

فطمع فيهم رتبيل‏.‏

ثم قدم عبد العزيز بن عبد الله بن عامر واليًا على سجستان من قبل القباع وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي في أيام ابن الزبير‏.‏

فأدخلوه مدينة زرنج وحاربوا رتبيل فقتله أبو عفراء عمير المازني وانهزم المشركون‏.‏

وأرسل عبد الله بن ناشرة التميمي إلى عبد العزيز‏:‏ أن خذ جميع ما في بيت المال وانصرف‏.‏

ففعل‏.‏

وأقبل ابن ناشرة حتى دخل زرنج ومضى وكيع ابن أب يسود التميمي فرد عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين وأخرج ابن ناشرة فجمع جمعًا فقاتله عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين وأخرج ابن ناشرة فجمع جمعًا فقاتله عبد العزيز بن عبد الله ومعه وكيع فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل‏.‏

فقال أبو حزابة ويقال حنظلة ابن عرادة‏:‏ ألا لفتى بعد ابن ناشرةً الفتى ولا شيء إلا قد تولى وأدبرا أكان حصادًا للمنايا ازدرعنه فهلا تركن النبت ما كان أخضرا فتىً حنظليٌ ما تزال يمينه تجود بمعروفٍ وتنكر منكرا لعمري لقد هدت قريشٌ عروشنا بأروع نفاح العشيات أزهرا واستعمل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص على خرا سان‏.‏

فوجه ابنه عبد الله بن أمية على سجستان وعقد له عليها وهو بكرمان‏.‏

فلما قدمها غزا رتبيل الملك بعد رتبيل الأول المقتول‏.‏

وقد كان هاب المسلمين‏.‏

فصال عبد الله حين نزل بست على ألف ألف‏.‏

ففعل وبعث إليه بهدايا ورقيق فأبى قبول ذلك وقال‏:‏ ن ملأ لي هذا الرواق ذهبًا وإلا فلا صلح بيني وبينه‏.‏

وكان غزاءً فخلى له رتبيل البلاد حتى إذا أوغل فيها أخذ عليه الشعاب والمضايق‏.‏

وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم شيئًا‏.‏

فأبى ذلك وقال‏:‏ بل تأخذ ثلاث ألف درهم صلحًا وتكتب واليا ولا تحرق ولا تخرب‏.‏

ففعل‏.‏

وبلغ عبد الملك بن مروان ذل‏:‏ فعزله‏.‏

ثم لما ولى الحجاج بن يوسف العراق وجه عبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان فخار ووهن‏.‏

وأتى الرخج وكانت البلاد مجدبةً فسار حتى نزل بالقرب من كابل وانتهى إلى شعب فأخذه عليه العدو ولحقهم رتبيل‏.‏

فصالحهم عبيد الله على أن يعطوه خمس مئة ألف درهم ويبعث إليه بثلاثة من ولده‏:‏ نهار والحجاج وأبي بكرة رهناء ويكتب لهم كتابًا أن لا يغزوهم ما كان واليًا‏.‏

فقال له شريح بن هانئ الحارثي‏:‏ اتق الله وقاتل هؤلاء القوم‏.‏

فإنك إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الإسلام بهذا الثغر وكنت قد فررت من الموت الذي إليه مصيرك‏.‏

فاقتتلوا وحمل شريح فقتل‏.‏

وقاتل الناس فأفلتوا وهم مجهودون وسلكوا مفازة بست فهلك كثيرٌ من الناس عطشًا وجوعًا‏.‏

ومات عبيد الله بن أبي بكرة كمدًا لما نال الناس وأصابهم‏.‏

ويقال إنه اشتكى أذنه فمات‏.‏

واستخلف على الناس ابنه أبا بردعة‏.‏

ثم إن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث خلع وخرج إلى سجستان مخالفًا لعبد الملك بن مروان والحجاج‏:‏ فهادن رتبيل وصار إليه‏.‏

ثم إن رتبيل أسلمه خوفا من الحجاج‏.‏

وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى نفسه سلسل نفسه معه فمات‏.‏

فأتى الحجاج برأسه فصالح الحجاج رتبيل على أن لا يغزوه سبع سنسن ويقال تسع سنسن على أن يؤدي بعد ذلك في كل سنة ألف درهم عروضًا‏.‏

فلما انقضت السنون ولى الحجاج الأشهب بن بشر الكلبي سجستان فعاسر رتبيل في العروض التي أداها‏.‏

فكتب إلى الحجاج يشكوه إليه فعزله الحجاج‏.‏

قالوا‏:‏ ثم لما ولى قتيبة بن مسلم الباهلي خرا سان وسجستان في أيام الوليد بن عبد الملك ولى أخاه عمرو بن مسلم سجستان‏.‏

فكلب الصلح من رتبيل دراهم مدر همة‏.‏

فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عليه الحجاج من العروض‏.‏

فكتب عمرو بذلك إلى قتيبة‏.‏

فسار قتيبة إلى سجستان‏.‏

فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه‏:‏ أنا لم نخلع بدًا من الطاعة وإنما فارقتمونا على عروض فلا تظلمونا‏.‏

فقال قتيبة للجند‏:‏ اقبلوا منه العروض فإنه ثغر مشئوم‏.‏

فرضوا بها‏.‏

ثم انصرف قتيبة إلى خرا سان بعد أن زرع زرعًا في أرض زر نج لييأس العدو من انصرافه فيذعن له‏.‏

فلما حصد ذلك الزرع منعت منه الأفاعي فأمر به فأحرق‏.‏

ثم ولى سليمان بن عبد الملك وولى يزيد بن المهلب العراق‏.‏

فولى يزيد مدرك بن المهلب أخاه سجستان‏.‏

فلم يعطه رتبيل شيئًا‏.‏

ثم ولى معاوية بن يزيد فرضخ له‏.‏

ثم ولى يزيد بن عبد الملك فلم يعط رتبيل عماله شيئًا‏.‏

قال‏:‏ ما فعل قومٌ كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه من الصلاة نعالهم خوص قالوا‏:‏ انقرضوا‏.‏

قال‏:‏ أولئك أوفى منكم عهدًا وأشد بأسًا وإن كنتم أحسن منهم وجوهًا‏.‏

وقيل له‏:‏ ما بالك كنت تعطي الحجاج الإتاوة ولا تعطيناها‏.‏

فقال‏:‏ كان الحجاج رجلًا لا ينظر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه درهم وأنتم لا تنفقون درهمًا إلا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه عشرة‏.‏

ثم لم يعط أحدًا من عمال بني أمية ولا عمال أبي مسلم على سجستان من تلك الإتاوة شيئًا‏.‏

قالوا‏:‏ ولما استخلف المنصور أمير المؤمنين ولى معن بن زائدة الشيباني سجستان‏.‏

فقدمها وبعث عماله عليها‏.‏

وكتب إلى رتبيل يأمره بحمل الإتاوة التي كان الحجاج صالح عليها‏.‏

فبعث بإبلٍ وقبابٍ تركيةٍ ورقيقٍ وزاد في قيمة ذلك للواحد ضعفه‏.‏

فضب معن وقصد الرخج وعلى مقدمته يزيد ابن مزيد‏.‏

فوجد رتبيل قد خرج عنها ومضى إلى ذابلستان ليصيق بها‏.‏

ففتحها وأصاب سبيا كثيرة‏.‏

وكان فيهم فرج الرخجى وهو صبي أبوه زياد‏.‏

فكان فرج يحدث أن معنًا رأى غبارًا ساطعًا أثارته حوافر حمرٍ وحشية فظن أن جيشًا قد أقبل نحوه ليجاره ويتخلص السبي والأسرى من يده‏.‏

فوضع السيف فيهم فقتل منهم عدة كثيرة ثم إنه تبين أمر الغبار ورأى الحمير فأمسك‏.‏

وقال فرج‏:‏ لقد رأيت حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى علي وهو يقول‏:‏ اقتلوني ولا تقتلوا ابني‏.‏

قالوا‏:‏ وكانت عدة من سبى وأسر زهاء ثلاثين ألفًا‏.‏

فطلب ما وند خليفة رتبيل الأمان على أن يحمله إلى أمير المؤمنين‏.‏

فآمنه وبعث به إلى بغداد مع خمسة آلاف من مقاتلتهم فأكرمه المنصور وفرض له وقوده‏.‏

قالوا‏:‏ وخاف معن الشتاء وهجومه فانصرف إلى بست‏.‏

وأنكر قومٌ من الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلةٍ كانوا يبنون في منزله بناءًً فلما بلغوا التسقيف احتلوا مع فعلةً كانوا يبنون في منزله بناءً فلما بلغو التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في حزم القصب ثم دخلوا عليه قبته وهو يحتجم ففتكوا به وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه‏.‏

وقال أحدهم‏:‏ وضربه على رأسه أبو الغلام الطاقي - والطاق بقرب زرنج - فقتلهم يزيد بن ثم إن يزيد قام بأمر سجستان واشتدت على العرب والعجم من أهلها وطأته‏.‏

فاحتال بعض العربي فكتب على لسانه إلى المنصور كتابًا يخبره أن كتب المهدي إليه قد حيرته وأدهشته ويسأله أن يعفيه من معاملته‏.‏

فأغضب ذلك المنصورة وشتمه وأقرأ المهدي كتابه فعزله وأمر بحبسه وبيع كل شيء له‏.‏

زرنج - ثم إنه كلم فيه فأشخص إلى مدينة السلام‏.‏

فلم يزل بها مجفوًا حتى لقيه الخوارج على الجسر فقاتلهم‏.‏

فتحرك أمره قليلًا‏.‏

ثم توجه إلى يوسف البرم بخرا سان فلم يزل في ارتفاع‏.‏

ولم يزل عمال المهدي والرشيد رحمهما الله يقبضون الإتاوة من رتبيل سجستان على قدر قوتهم وضعفهم ويولون عمالهم النواحي التي قد غلب عليها الإسلام‏.‏

ولما كان المأمون بخرا سان أديت إليه الإتاوة مضعفة‏.‏

وفتح كابل وأظهر ملكها الإسلام والطاعة وأدخلها عامله واتصل إليها البريد فبعث إليه منها باهليلج غض ثم استقامت بعد ذلك حينا‏.‏

وحدثني العمري عن الهيثم بن عدي قال‏:‏ كان في صلحات سجستان القديمة أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الأفاعي عندهم‏.‏

قال‏:‏ أول من دعا أهل سجستان إلى رأى الخوارج رجلٌ من بني تميم يقال له عاصم أو ابن

فتوح البلدان - القسم الثالث

خراسان

قالوا‏:‏ وجه أبو موسى الأشعري عبد الله بن بديل بن ورقاء الخز اعي غازيًا فأتى كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين وهما حصنان يقال لأحدهما طبس وللآخر كرين‏.‏

وهما حرم فيهما نخل وهما بابا خرا سان‏.‏

فأصاب مغنمًا‏.‏

وأتى قومٌ من أهل الطبسين عمر بن الخطاب فصالحوه على ستين ألفًا ويقال خمسة وسبعين ألفًا وكتب لهم كتابًا‏.‏

ويقال بل توجه عبد الله بن بديل من إصبهان من تلقاء نفسه‏.‏

فلما استخلف عثمان بن عفان ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين وهو ابن خمس وعشرين سنة فافتتح من أرض فارس ما افتتح ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين واستخلف على البصرة زياد ابن أبي سفيان وبعث على مقدمته الأحنف بن قيس ويقال عبد الله ابن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب السلمي فأقر صلح الطبسين‏.‏

وقدم ابن عام الأحنف بن قيس إلى قوهستان‏.‏

وذلك أنه سأل عن أقرب مدينة إلى الطبسين فدل عليها‏.‏

فلقيته الهياطلة - وهم أتراكٌ ويقال بل هم قومٌ من أهل فارس كانوا يلوطون فنفاهم فيروز إلى هراة فصاروا مع الأتراك فكانوا معاونين لأهل قوهستان - فهزمهم وفتح قوهستان عنوةً‏.‏

ويقال بل ألجأهم إلى حصنهم‏.‏

ثم قدم عليه ابن عامر فطلبوا الصلح فصالحهم على ست مئة ألف درهم‏.‏

وقال معمر بن المثنى‏:‏ كان المتوجه إلى قوهستان أمير بن أحمر اليشكري‏.‏

وهي بلاد بن وائل إلى اليوم‏.‏

وبعث ابن عامر يزيد الجرش أبا سالم بن يزيد إلى رستاق زام من نيسابور ففتحه عنوة‏.‏

وفتح باخرز وهو رستاق من نيسابور وفتح أيضًا جوين وسبى سبيًا‏.‏

ووجه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوى عدى الرباب وكان ناسكا إلى بيهق وهو رستاق من نيسابور‏.‏

فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه ودخلت معه طائفةٌ من المسلمين وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة‏.‏

فقاتل الأسود حتى قتل ومن معه‏.‏

وقام بأمر الناس بعده أدهم بن كلثوم‏.‏

فظفر وفتح بيهق‏.‏

وكان الأسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه ودفن من استشهد من أصحابه‏.‏

وفتح ابن عامر بشت من نسيابور وأشبند ورخ وزاوة وخواف واسبرائين وأرغيان من نيسابور‏.‏

ثم أتى أرشهر وهي مدينة نيسابور فحصر أهلها أشهرًا‏.‏

وكان على كل ربع منها رجلٌ موكل به‏.‏

وطلب صاحب ربعٍ من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة‏.‏

فأعطيه‏.‏

وأدخلهم إياها ليلًا‏.‏

ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها في القهندز ومعه جماعة فطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها‏.‏

فصالحه على ألف ألف درهم ويقال سبع مئة ألف درهم‏.‏

وولى نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمى‏.‏

ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمى إلى حمراندز من نسا وهو رستاق ففتحه‏.‏

وأتاه صاحب نسا فصالحه على ثلاث مئة ألف درهم ويقال على احتمال الأرض من الخراج على أن لا يقتل أحدًا ولا يسبيه‏.‏

وقدم بهمنة عظيم أبيورد على ابن عامر فصالحه على أربع مئة ألف ويقال وجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم فصالح أهلها على أربع مئة ألف درهم‏.‏

ووجه عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس‏.‏

فقاتلهم ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على إيمان مئة رجل وأن يدفع إليه النساء‏.‏

فصارت ابنته في سهم ابن خازم واتخذها وسماها ميثاء‏.‏

وغلب ابن خازم على أرض سرخس‏.‏

ويقال إنه صالحه على أن يؤمن مئة نفس‏.‏

فسمى له ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينه ففتحهما‏.‏

وأتى كعنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه عن طوس على ست مئة ألف درهم‏.‏

ووجه ابن عامر جيشًا إلى هراة عليه أوس بن ثعلبة بن رقى‏.‏

ويقال خليد بن عبد الله الحنفي فبلغ عظيم هراة ذلك‏.‏

فشخص إلى ابن عامر وصالحه عن هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون فإنهما فتحا عنوة‏.‏

وكتب له ابن عامر‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

هذا ما أمر به عبد الله بن عامر عظيم هراة وبوشنج وبادغيس‏.‏

أمره بتقوى الله ومناصحة المسلمين وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين‏.‏

وصالحه عن هراة سهلها وجبلها على أن يؤدى من الجزية ما صالحه عليه وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلًا بينهم‏.‏

فمن ما عليه فلا عهد ولا ذمة‏.‏

وكتب ربيع بن نهشل وختم ابن عامر‏.‏

ويقال أيضًا إن عامر سار نفسه في الدهم إلى هراة‏.‏

فقاتل أهلها ثم صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس على ألف ألف درهم‏.‏

وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح فوجه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي وقال بعضهم‏:‏ ألف ألف درهم ومائتي ألف جريب من بر وشعير‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ألف ألف ومئة ألف أوقية‏.‏

وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن عليهم قسمة المال وليس على المسلمين إلا قبض ذلك‏.‏

وكانت مرو صلحًا كلها إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ صالحه على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع‏.‏

ولم يكن عند القوم يومئذ عين‏.‏

وكان الخراج كله على ذلك حتى ولى يزيد بن معاوية فصيره مالا‏.‏

ووجه عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس نحو طخارستان‏.‏

فأتى الموضع الذي يقال له قصر الأحنف وهو حصنٌ من مرو الروذ وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف ويدعى بشق الجرذ‏.‏

فحصر أهله فصالحوه على ثلاث مئة ألف‏.‏

فقال الأحنف‏:‏ أصالحكم على أن يدخل رجلٌ منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف فرضوا‏.‏

وكان الصلح عن جميع الريتاق‏.‏

ومضى الأحنف إلى مرو الروذ فحصر أهلها وقاتلوه قتالًا شديدًا فهزمهم المسلمون فاضطروهم إلى حصنهم‏.‏

وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له‏.‏

فكتب إلى الأحنف‏:‏ إنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام‏.‏

فصالحه على ستين ألف‏.‏

وقال المدائني‏:‏ قال قوم ست مئة ألف‏.‏

وقد كانت للأحنف خيلٌ سارت رستاقًا يقال له بغ واستاقت مئة مواشي فكان الصلح بعد ذلك‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ قاتل الأحنف أهل مرو الروذ مرات‏.‏

ثم إنه مر برجلٍ يطبخ قدرًا أو يعجن لأصحابه عجينًا‏.‏

فسمعه يقول‏:‏ إنما ينبغي للأمير أن يقاتلهم من وجهٍ واحد من داخل الشعب‏.‏

فقال في نفسه‏:‏ الرأي ما قال الرجل‏.‏

فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره‏.‏

والمرغاب نهر يسيح بمرو الروذ ثم يغيض في رمل ثم يخرج بمرو الشاهجان‏.‏

فهزمهم ومن معهم من الترك‏.‏

ثم طلبوا الأمان فصالحهم‏.‏

وقال غير أبي عبيده‏:‏ جمع أهل طخارستان للمسلمين‏.‏

فاجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب ومن حولهم فبلغوا ثلاثين ألفًا وجاءهم أهل الصغانيان وهم في الجانب الشرقي من النهر فرجع الأحنف إلى قصره فوفى له أهله‏.‏

وخرج ليلًا فسمع أهل خباءٍ يتحدثون ورجلًا يقول‏:‏ الرأي للأمير أن يسير إليهم فيناجزهم حيث لقيهم‏.‏

فقال رجلٌ يوقد تحت خزيرة أو يعجن‏:‏ ليس هذا برأي‏!‏ ولكن الرأي أن ينزل بين المرغاب والجبل فيكون المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره فلا يلقى من عدوه وإن كثروا إلا مثل عدة أصحابه‏.‏

فرأى ذلك صوابًا ففعله‏.‏

وهو في خمسة آلاف من المسلمين‏:‏ أربعة آلاف من العرب وألفٌ من مسلمي العجم‏.‏

فالتقوا وهز رايته وحمل وحملوا فقصد ملك الصغانيان للأحنف فأهوى له بالرمح فانتزع الأحنف الرمح من يده وقاتل قتالًا شديدًا فقتل ثلاثة ممن معهم الطبول منهم‏.‏

كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله‏.‏

ثم إن الله ضرب وجوه الكفار فقتلهم المسلمون قتالًا ذريعًا ووضعوا السلاح أتى شاؤا منهم‏.‏

ورجع الأحنف إلى مرو الروذ‏.‏

ولحق بعض العدو بالجوزجان فوجه إليهم الأحنف الأقرع بن حابس التميمي في خيل‏.‏

قال‏:‏ يا بني تميم‏!‏ تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم‏.‏

وابدؤا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم‏.‏

ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم‏.‏

فسار الأقرع فلقى العدو بالجوزجان‏.‏

فكانت في المسلمين جولة ثم كروا فهزموا الكفرة وفتحوا الجوزان عنوة‏.‏

وقال ابن الغريزة النهشلي‏:‏ سقى صوب السحاب إذا استهلت مصارع فتيةٍ بالجوزجان إلى القصرين من رستاق حوفٍ أفادهم هناك الأقرعان وفتح الأحنف الطالقان صلحًا‏.‏

وفتح الفارياب‏.‏

ويقال بل فتحها أمير ابن أحمر‏.‏

ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارا‏.‏

فصالحهم أهلها على أربع مئة ألف ويقال سبع مئة ألف وذلك أثبت‏.‏

فاستعمل على بلخ أسيد بن المتشمس‏.‏

ثم سار إلى خارزم وهي من سقى النهر جميعًا ومدينتها شرقين فلم يقدر عليها فانصرف إلى بلخ وقد جبى أسيد صلحها‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ فتح ابن عامر مادون النهر‏.‏

فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل‏.‏

فيقال إنه عبر النهر حتى أتى موضعًا موضعًا‏.‏

وقيل بل أتو فصالحوه وبهث من قبض ذلك‏.‏

فأتته الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب ثم أحرم شكرًا لله‏.‏

ولم يذكر غيره عبوره النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي‏.‏

وقالوا‏:‏ إنه أهل بعمرة وقدم على عثمان‏.‏

واستخلف قيس ابن الهيثم‏.‏

فسار قيس بعد شخوصه من أرض طخارستان فلم يأت بلدًا منها إلا صالحه أهله فأذعنوا له حتى أتى سمنجان فامتنعوا عليه فحصرهم حتى فتحها عنوة‏.‏

وقد قيل إن ابن عامر جعل خراسان بين ثلاثة‏:‏ الأحنف بن قيس وحاتم ابن النعمان الباهلي وقيس بن الهيثم‏.‏

والأول أثبت‏.‏

ثم إن ابن خازم افتعل عهدًا على لسان ابن عامر وتولى خراسان‏.‏

فاجتمعت بها جموع الترك ففضهم‏.‏

ثم قدم البصرة قبل قتل عثمان‏.‏

عن محمد بن سيرين أن عثمان بن عفان عقد لمن وراء النهر‏.‏

قالوا‏:‏ وقدم ما هويه مرزبان مرو على علي بن أبي طالب في خلافته وهو بالكوفة‏.‏

فكتب له إلى الدهاقين والأساورة والهشلارين أن يؤدوا إليه الجزية‏.‏

فانقضت عليهم خراسان‏.‏

فبعث جعده بن هبيرة المخزومي - وأمه أم هانئ بنت أب يطالب - فلم يفتحها‏.‏

ولم تزل خراسان ملتاثة حتى قتل علي عليه السلام‏.‏

قال أبو عبيده‏:‏ أول عمال علي على خراسان عبد الرحمن بن أبرزى مولى خزاعة ثم جعده بن هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فلم يعرض لأهل النكث وجبى أهل الصلح‏.‏

فكان عليها سنة أو قريبًا منها‏.‏

قالوا‏:‏ واستعمل معاوية بن أبي سفيان قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت السلمى على خراسان ثم عزله وولى خالد بن المعمر فمات بقصر مقاتل أو بعين التمر‏.‏

ويقال إن معاوية ندم على توليته فبعث إليه بثوب مسموم‏.‏

ويقام بل دخلت في رجله زجاجة فنزف منها حتى مات‏.‏

ثم ضم معاوية إلى عبد الله بن عامر مع البصرة خراسان‏.‏

فولى ابن عامر قيس بن الهيثم السلمى خراسان‏.‏

وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج وبلخ على نكثهم‏.‏

فسار إلى بلخ فأخرب نوبهارها‏.‏

وكان الذي تولى ذلك عطاء بن السائب مولى بني الليث وهو الخشل‏.‏

وإنما سمى عطاء الخشل‏.‏

واتخذ قناطر على ثلاثة أنهار من بلخ على فرسخ فقيل قناطر عطاء‏.‏

ثم إن بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة صالحهم قيس ثم قدم على ابن عامر فضربه مئة وحبسه‏.‏

واستعمل عبد الله بن خازم‏.‏

فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس فطلبوا الأمان والصلح‏.‏

فصالحهم وحمل إلى ابن عامر مالًا‏.‏

وولى زياد بن أبي سفيان البصرة في سنة خمس وأربعين فولى أمير بن أحمر مرو‏.‏

وخليد بن عبد الله الحنفي أبرشهر‏.‏

وقيس بن الهيثم والطالقان والفارياب‏.‏

ونافع بن خالد الطاحي من الأزد هراة وبادغيس وبوشنج وقادس من أنواران‏.‏

فكان أمير أول من أسكن العرب مرو‏.‏

ثم ولى زياد الحكم بن عمرو الغاري وكان عفيفًا وله صحبة‏.‏

وإنما قال لحاجبه فبل‏:‏ ايتني بالحكم وهو يريج الحكم بن أبي العاص الثقفي‏.‏

وكانت أم عبد الله بنت عثمان بن أبي العاص عنده فأتاه بالحكم بن عمرو فلما رآه تبرك به وقال‏:‏ رجلٌ صالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فولاه خراسان فمات بها في سنة خمسين‏.‏

وكان الحكم أول من صلى من وراء النهر‏.‏

سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان كان يطلب معنا الحديث‏:‏ أتدري من فتح بلادك قال لا‏.‏

قال‏:‏ فتحها الحكم بن عمرو الغفاري‏.‏

ثم ولي زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين خرا سان وحول معه من أهل المصرين زهاء خمسين ألف بعيالانهم‏.‏

وكان فيهم بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو عبد الله وبمرو توفى في أيام يزيد بن معاوية‏.‏

وكان فيهم أيضًا أبو برزة الأسلمي عبد الله بن نضلة وبها مات‏.‏

وأسكنهم دون النهر والربيع أول من أمر الجند بالتناهد‏.‏

ولما بلغه مقتل حجر بن عدي الكندي غمه ذلك فدعا بالموت فسقط من يومه ومات سنة ثلاث وخمسين‏.‏

واستخلف عبد الله ابنه فقاتل أهل آمل وهي آموية وزم‏.‏

ثم صالحهم ورجع إلى مرو‏.‏

فمكث فيها شهرين ثم مات‏.‏

ومات زياد فاستعمل معاوية عبد الله بن زياد على خرا سان وهو ابن خمس وعشرين سنة‏.‏

فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفًان فأتى بيكند‏.‏

وكانت خاتون بمدينة بخارا فأرسلت إلى الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحوا عسكرهم‏.‏

وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب الصلح والأمان فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة‏.‏

وفتح رامدين وبيكند وبينهما فرسخان‏.‏

ورامدين تنسب إلى بيكند ويقال أنه فتح الصغانيان‏.‏

وقدم البصرة بخلق من أهل بخارا فقرض لهم‏.‏

ثم ولى معاوية سعيد بن عفان خرا سان فقطع النهر‏.‏

وكان أول من قطعه بجنده‏.‏

فكان معه رفيع أبو العالية الرياحي وهو مولى لأمرأة من بني رياح‏.‏

فقال‏:‏ رفيع أبو العالية رفعة وعلو‏.‏

فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح وأقبل أهل السغد والترك وأهل كش ونسف وهي نخشب إلى سعيد في مئة ألف وعشرين ألف‏.‏

فالتقوا ببخارا وقد ندمت خاتون على ادآئها الإتاوة ونكثت العهد‏.‏

فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون‏.‏

فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرهن وأعادت الصلح‏.‏

ودخل سعيد مدينة بخارا‏.‏

ثم غزا سعيد بن عثمان سمر قند فأعانته خاتون بأهل بخارا‏.‏

فنزل على باب سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمي قهندزها‏.‏

فقاتل أهلها ثلاثة أيام وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث‏.‏

ففقئت عينه وعين الهلب بن أبي صفرة‏.‏

ويقال إن عين المهلب فقئت بالطالقان‏.‏

ثم لزم العدو المدينة وقد فشت فيهم الجراح‏.‏

وأتاه رجل فدله على قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم‏.‏

فسار إليهم وحصرهم‏.‏

فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح‏.‏

فصالحهم على سبع مئة ألف درهم وعلى أن يعطوه رهنًا من أبناء عظمائهم وعلى أن يدخل المدينة ومن شاء يخرج من الباب الآخر‏.‏

فأعطوه خمسة عشر من أبناء ملوكهم ويقال أربعين ويقال ثمانين‏.‏

ورمى القهندز فثبت الحجر في كوته‏.‏

ثم انصرف‏.‏

فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح‏.‏

وأقام على الترمذ حتى فتحها صلحًا‏.‏

ثم لما قتل عبد الله بن خازم السلمي أتى موسى ابنه ملك الترمذ فأجاره وألجأه وقومًا كانوا معه فأخرجه عنها وغلب عليها وهو مخالف‏.‏

فلما قتل صارت في أيدي الولاة ثم انتفض أهلها ففتحها قتيبة بن مسلم‏.‏

وفي سعيد يقول مالك بن الريب‏:‏ هبت شمال خربق أسقطت ورقًا واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح فارحل هديت ولا تجعل غنيمننا ثلجًا يصفقه بالترمذ الريح أن الشتاء عدو ما نقاتله فاقفل هديت وثوب الدفء مطروح ويقال إن هذه الأبيات لنهار بن توسعة في قتيبة وأولها‏:‏ فاستبدلت قتيبًا جعدًا أتامله كأنما وجهه بالخل منضوح وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب مع سعيد بن عفان فتوفي بسمرقند‏.‏

ويقال استشهد بها‏.‏

فأقبل يصلي‏.‏

فقيل له‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ أما سمعتم الله يقول‏:‏ ‏{‏واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين‏}‏‏.

وحدثني عبد الله بن صالح قال‏:‏ حدثنا شريك عن جابر عن الشعبي قال‏:‏ قدم قثم على سعيد بن عفان بخرا سان فقال له سعيد‏:‏ أعطيك من المغنم ألف سهم‏.‏

فقال‏:‏ لا ولكن أعطيني سهمًا لي وسهمًا لفرسي‏.‏

قال‏:‏ ومضى سعيد بالرهن الذين أخذهم من السغد حتى ورد بهم المدينة‏.‏

فدفع ثيابهم ومناطقهم إلى مواليه وألبسهم جباب الصوف وألزمهم السقي والسواني والعمل‏.‏

فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به ثم قتلوا أنفسهم‏.‏

وفي سعيد يقول مالك بن الريب‏:‏ ومازالت يوم السغد ترعد واقفًا من الجبن حتى خفت أن تتنصر وقال خالد بن عقبة بن أبي معيط‏:‏ ألا إن خير الناس نفسًا ووالدًا سعيد بن عثمان قتيل الأعاجم وكان سعيد احتال لشريكه في خراج خرا سان‏.‏

فأخذ منه مالًا فوجه معاوية من لقيه بحلوان فأخذ المال منه‏.‏

وكان شريكه أسلم بن زرعة ويقال إسحاق بن طلحة بن عبيد الله‏.‏

وكان معاوية قد خاف سعيدًا على خلعه ولذلك عاجله بالعزل‏.‏

ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد خرا سان وكان شريفًا‏.‏

ومات معاوية وهو عليها‏.‏

ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد‏.‏

فصالحه أهل خارزم على أربع مئة ألف وحملوها إليه‏.‏

وقطع النهر ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي‏.‏

وكانت أول عربية عبر بها النهر‏.‏

وأتى سمرقتد فأعطاه أهلها ألف دية‏.‏

وولد له ابن سماه السغدى‏.‏

واستعارت امرأته من امرأة صاحب السغد حليها فكسرته عليها وذهبت به‏.‏

ووجه سلم بن زياد وهو بالسغد جيشًا إلى خجندة وفيهم أعشى همدان فهزموا‏.‏

فقال الأعشى‏:‏ ليت خيلي يوم الخجندة لم تهزم وغودرت في المكر سليبًا تحضر الطير مصرعي وتروحت إلى الله في الدماء خضيبا ثم رجع سلم إلى مرو‏.‏

ثم غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدي‏.‏

وقد كان السغد جمعت له فقاتلها‏.‏

ولما مات يزيد بن معاوية التاث الناس على سلم وقالوا‏:‏ بئس ما ظن ابن سمية إن ظن أنه يتأمر علينا في الجماعة والفتنة‏.‏

كما قيل لأخيه عبيد الله بالبصرة‏.‏

فشخص عن خرا سان وأتى عبد الله بن الزبير فأغرمه أربعة آلاف ألف درهم وحبسه‏.‏

وكان سلم يقول‏:‏ ليتني أتيت الشام ولم آنف من خدمة أخي عبيد الله بن زياد فكنت أغسل رجله ولم آت ابن الزبير‏.‏

فلم يزل بمكة حتى حصر ابن الزبير الحجاج بن يوسف‏.‏

فنقب السجن وصار إلى الحجاج ثم إلى عبد الملك‏.‏

فقال له عبد الملك‏:‏ أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها وال غيرك ولا كان بها عليك أمير‏.‏

وولاه خرا سان‏.‏

فلما قدم البصرة مات بها‏.‏

قالوا‏:‏ وقد كان عبد الله بن خازم السلمي تلقى سلم بن زياد منصرفه من خرا سان بنيسابور‏.‏

فكتب له سلم عهدًا على خرا سان وأعانه بمئة ألف درهم‏.‏

فاجتمع جمعٌ كثير من بكر بن وائل وغيرهم فقالوا‏:‏ على ما يأكل هؤلاء خرا سان دوننا فأغاروا على ثقل ابن خازم فقاتلوهم عنه فكفوا‏.‏

وأرسل سليمان بن مرثد أحد بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس ابن تعلبة بن عكابة من المراثد بن ربيعة إلى ابن خازم‏:‏ إن العهد الذي معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخرا سان لم يخرج عنها ويوجهك‏.‏

وأقبل سليمان فنزل بمشرعة سليمان وابن خازم بمرو واتفقا على أن يكتبا إلى ابن الزبير فأيهما أمره فهو الأمير‏.‏

ففعلا فولى ابن الزبير عبد الله بن حازم خرا سان‏.‏

فقدم إليه بعهده عروة بن قطبة بعد ستة أشهر‏.‏

فأبى سليمان أن يقبل ذلك وقال‏:‏ ما ابن الزبير بخليفة وإنما هو رجل عائدٌ بالبيت‏.‏

فحاربه ابن خازم وهو في ستة آلاف وسليمان في خمسة عشر ألفًا فقتل سليمان قتله قيس بن عاصم السلمي واحتز رأسه‏.‏

وأصيب من أصحاب ابن خازم رجالٌ‏.‏

وكان شعار ابن خازم‏.‏

حمرٌ لا ينصرون‏.‏

وشعار سليمات‏:‏ يا نصر الله اقترب‏.‏

واجتمع فل سليمان إلى عمر بن مرثد بالطالقان‏.‏

فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله‏.‏

واجتمعت ربيعة إلى أوس بن ثعلبة بهراة فاستخلف ابن خازم موسى ابنه وسار إليه وكانت بين أصحابهما وقائع واغتنمت الترك ذلك فكانت تغير حتى بلغت قرب نيسابور‏.‏

ودس ابن خازم إلى أوس من سمه فمرض‏.‏

واجتمعوا للقتال فحض ابن خازم أصحابه فقال‏:‏ اجعلوه يومكم واطعنوا الخيل من مناخرها فإنه لم يطعن فرس قط في منخره إلا أدبره فاقتتلوا قتالًا شديدًا وأصابت أوسا جراحة وهو عليل فمات منها بعد أيام‏.‏

وولى ابن خازم ابنه محمدًا هراة وجعل على شرطته بكير بن وشاح وصفت له خرا سان‏.‏

ثم إن بني تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدًا‏.‏

فظفر أبوه عثمان بن بشر بن المحتفز فقتله صبرًا وقتل رجلًا من بني تميم‏.‏

فاجتمع بنو تميم فتناظروا وقالوا‏:‏ ما نرى هذا يقلع عنا فيصير جماعة منا إلى طوس فإذا خرج إليهم خلعه من بمر ومنا‏.‏

فمضى بجير بن وفاء الصريمي من بني تميم إلى طوس في جماعة فدخلوا الحصن ثم تحولوا إلى أبر شهر وخلعوا ابن خازم‏.‏

فوجه ابن خازم ثقله مع ابنه موسى إلى الترمذ ولم يأمن عليه من بمرو من بني تميم‏.‏

وورد كتاب عبد الملك بن مروان على ابن خازم بولاية خرا سان‏.‏

فأطعم رسوله الكتاب وقال‏:‏ ما كتب لألقى الله وقد نكثت بيعه ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعت ابن طريدة‏.‏

فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح بولايته خرا سان‏.‏

فخاف ابن خازم أن يأتيه في أهل مرو وقد كان بكير خلع ابن خازم وأخذ السلاح وبيت المال ودعى أهل مرو إلى بيع عبد الملك فبايعوه‏.‏

فمضى ابن خازم بريد ابنه موسى وهو بالترمذ في عياله وثقله فأتبعه بجير فقاتله بقرب مرو ودعا وكيع بن الدورقية القريعى - واسم أبيه عميرة وأمه من سبى دورق نسب إليها - بردعه وسلاحه فلبسه وخرج فحمل على ابن خازم ومعه بجير بن وقاء فطعناه‏.‏

وقعد وكيع على صدره وقال‏:‏ يا لثارات دويلة‏!‏ ودويلة أخو وكيع لأمه‏.‏

وكان مولى لبني قريع قتله ابن خازم فتنخم ابن خازم في وجهه وقال‏:‏ لعنك الله أتقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفًا من نوى‏.‏

وقال وكيع‏:‏ ذق يا بن عجلي مثل ما قد أذقتني ولا تحسبني كنت عن ذاك عاقلًا عجلي أم ابن خازم وكان يكنى أبا صالح‏.‏

وكنية وكيع بن الدورقية أبو ربيعه‏.‏

وقتل مع عبد الله بن خازم بناه عنبسة ويحيى‏.‏

وطعن طهمان مولى ابن خازم وهو جد يعقوب بن داود كاتب أمير المؤمنين المهدي بعد أبي عبيد الله‏.‏

وأتى بكير بن وشاح برأس ابن خازم فبعث به إلى عبد الملك بن مروان فنصبه بدمشق‏.‏

وقطعوا يده اليمنى وبعثوا بها إلى ولد عثمان بن بشر بن المحتفز المزنى‏.‏

وكان وكيع جافيًا عظيم الخلقة‏.‏

صلى يومًا وبين يديه نبتٌ فجعل يأكل منه‏.‏

فقيل له‏:‏ أتأكل وأنت تصلي فقال‏:‏ ما كان الله أحرم نبتًا أنبته بماء السماء على طين الثرى‏.‏

وكان يشرب الخمر فعوتب عليها فقال‏:‏ في الخمر تعاتبوني وهي تجلو بولي حتى تصيرة كالفضة‏!‏‏.‏

قالوا‏:‏ وغضب قومٌ لابن خازم ووقع الاختلاف وصارت طائفة مع بكير بن وشاح وطائفةٌ مع بجير‏.‏

فكتب وجوه أهل خرا سان وخيارهم إلى عبد الملك يعلمونه أنه لا تصلح خرا سان بعد الفتنة إلا برجلٍ من قريش‏.‏

فولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية خرا سان‏.‏

فولى بكير بن وشاح طخارستان‏.‏

ثم ولاه غزو ما وراء النهر‏.‏

ثم عزم أمية على غزو بخارا ثم إتيان موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ‏.‏

فانصرف بكير إلى مرو وأخذ ابن أمية فحبسه ودعا الناس إلى خلع أمية فأجابوه‏.‏

وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخارًا على فدية قليلة واتخذ السفن وقد كان بكير أحرقها ورجع وترك موسى بن عبد الله‏.‏

فقاتله بكير ثم صالحه على أن يوليه أي ناحية شاء‏.‏

ثم بلغ أمية أنه يسعى في خلعه بعد ذلك فأمر إذا دخل داره أن يؤخذ فدخلها فأخذ وأمر بحبسه فوثب به بجير بن وفاء فقتله‏.‏

وغزا أمية الختل وقد نقضوا بعد أن صالحهم سعيد بن عثمان فافتتحها‏.‏

ثم إن الحجاج بن يوسف ولى خرا سان مع العراقين‏.‏

فولى خرا سان المهلب بن أبي صفرة - واسمه ظالم بن سراق بن صبح بن العتيك من الأزد ويكنى أبا سعيد - سنة تسع وتسعين‏.‏

فغزا مغازى كثيرةً وفتح الختل وقد انتقضت‏.‏

وفتح خجندة فأدت إليه السغد الإتاوة‏.‏

وغزا كش ونسف ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ بالشوصة‏.‏

وكان بدؤ علته الحزن على ابنه المغيرة بن المهلب‏.‏

واستخلف المهلب ابنه يزيد المهلب‏.‏

فغزا مغازى كثيرة وفتح البتم على يد مخلد بن يزيد بن المهلب‏.‏

وولى الحجاج يزيد بن المهلب‏.‏

وصار عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب إلى هراة في فل ابن الأشعث وغيرهم وكان خرج مع ابن الأشعث‏.‏

الرقاد العتكي وجبى الخراج‏.‏

فسار إليه يزيد فاقتتلوا فهزمهم يزيد وأمر بالكف عن أتباعهم ولحق الهاشمي بالسند‏.‏

وغزا يزيد خار زم وأصب سبيًا‏.‏

فلبس الجند ثياب السبي فماتوا من البرد‏.‏

ثم ولى الحجاج المفضل بن المهلب بن أبي صفرة‏.‏

ففتح بادغيس وقد انتقضت وشومان وأخرون وأصاب غنائم قسمها بين الناس‏.‏

قالوا‏:‏ وكان موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بالترمذ‏.‏

فأتى سمرقند فأكرمه ملكها طرخون‏.‏

فوثب رجلٌ من أصحابه على رجل من السغد فقتله فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش‏.‏

ثم أتى الترمذ وهو حصنٌ فنزل على دهقان الترمذ وهيأ له طعامًا‏.‏

فلما أكل اضطجع فقال له الدهقان‏:‏ أخرج‏.‏

فقال‏:‏ لست أعرف منزلا مثل هذا‏.‏

وقاتل أهل الترمذ حتى غلب عليها‏.‏

فخرج دهقانها وأهلها إلى الترك يستنصرنهم فلم ينصروهم وقالوا‏:‏ لعنكم الله‏!‏ فما ترجون بخير‏.‏

أتاكم رجل في مئة وأخرجكم عن مدينتكم وغلبكم عليها‏.‏

وقد تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه وغيرهم‏.‏

ولم يزل صاحب الترمذ وأهلها بالترك حتى أعانوهم وأطافوا جميعًا بموسى ومن معه فبيتهم موسى وحوى عسكرهم‏.‏

وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلا‏.‏

وكان ثابت وحريث ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى‏.‏

فاستجاشا طرخون وأصحابه لموسى فأنجده وأنهض إليه بشرًا كثيرًا‏.‏

فعظمت دالتهما عليه وكانا الآمرين والناهين في عسكره‏.‏

فقيل له‏:‏ إنما لك الاسم وهذان صاحبا العسكر والأمر‏.‏

وخرج إليه من أهل الترمذ خلقٌ من الهياطلة والترك واقتتلوا قتالًا شديدًا فغلبهم المسلمون ومن معهم‏.‏

فبلغ ذلك الحجاج فقال‏:‏ الحمد لله الذي نصر المنافقين على المشركين‏.‏

وجعل موسى من رءوس من قاتله جوسقين عظيمين‏.‏

وقتل حريث ابن قطبة بنشابة أصابته‏.‏

فقال أصحاب موسى لموسى‏:‏ قد أراحنا الله من حريث فأرحنا من ثابت فإنه لا يصفو عيشٌ معه‏.‏

وبلغ ثابتًا ما يخوضون فيه فلما استثبته لحق بحشورًا واستنجد طرخون فأنجده‏.‏

فنهض إليه موسى فغلب على ربض المدينة‏.‏

ثم كثرت إمداد السغد فرجع إلى الترمذ فتحصن بها وأعانه أهل كش ونسف وبخارًا‏.‏

فحصر ثابتٌ موسى وهو في ثمانين ألفًا‏.‏

فوجه موسى يزيد بن هزيل كالمعزى لزيادٍ القصير الخزاعي وقد أصيب بمصيبة فالتمس الغرة من ثابت فضربه بالسيف على رأسه ضربةً عاش بعدها سبعة أيام ثم مات‏.‏

وألقى يزيد نفسه في نهر الصغانيان فنجا‏.‏

وقام طرخون بأمر أصحابه‏.‏

فبيتهم موسى فرجعت الأعاجم إلى بلادها‏.‏

وكان أهل خرا سان يقولون‏:‏ ما رأينا مثل موسى قاتل مع أبيه سنتين لم يفل‏.‏

ثم أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدةٍ يسيرةٍ وأخرج ملكها عنها‏.‏

ثم قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم‏.‏

فلما عزل يزيد بن المهلب وتولى المفضل بن المهلب خرا سان وجه عثمان بن مسعود‏.‏

فسار حتى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عثمان وهو في خمسة عشر ألفًا‏.‏

فضيق على موسى وكتب إلى طرخون فقدم عليه‏.‏

فلما رأى موسى الذي ورد عليه خرج من المدينة وقال لأصحابه الذين خلقهم فيها‏:‏ إن قتلت فادفعوا المدينة إلى مدرك بن المهلب ولا تدفعوها إلى ابن مسعود‏.‏

وحال الترك والسغد بين موسى والحصن وعثر به فرسه فسقط فارتدف خلف مولى له وجعل يقول‏:‏ الموت كريه‏.‏

فنظر إليه عثمان فقال‏:‏ وثبة موسى ورب الكعبة‏!‏ وقصد له حتى سقط ومولاه فانطووا عليه فقتلوه وقتل أصحابه فلم ينج منهم إلا رقية بن الحر فإنه دفعه إلى خالد بن أبي برزة الأسلمي‏.‏

وكان الذي أجهز على موسى بن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري‏.‏

ودفعت المدينة إلى مدرك بن المهلب‏.‏

وكان قتله في آخر سنة خمس وثمانين‏.‏

وضرب رجلٌ ساق موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله‏.‏

قالوا‏:‏ ثم ولى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي خرا سان‏.‏

فخرج يريد آخرون‏.‏

فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر فأتاه حين عبر النهر ملك الغانيان بهدايا ومفتاحٍ من ذهب وأعطاه الطاعة ودعاه إلى نزول بلاده وكان ملك آخرون وشومان قد ضيق على الصغانيان وغزاه فلذلك أعطى قتيبة ما أعطاه ودعاه إلى ما دعاه إليه‏.‏

وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان وسلما إليه بلديهما‏.‏

فانصرف قتيبة إلى مرو وخلف أخاه صالحًا على ما وراء النهر‏.‏

ففتح صالح كاسان واورشت وهي من فرغانة‏.‏

وكان نصر بن سيار معه في جيشه‏.‏

وفتح بيعنخر وفتح خشكت من فرغانة وهي مدينتها القديمة‏.

وكان

آخر من فتح كاسان

وأورشت وقد انتقض أهلها نوح بن أسد في خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله رحمه الله‏.‏

قالوا‏:‏ وأرسل ملك الجوزجان إلى قتيبة فصالحه على أن يأتيه‏.‏

فصار إليه ثم رجع فمات ثم غزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه نيزك فقطع النهر من زم إلى بيكند وهي أدنى مدائن بخارا إلى النهر‏.‏

فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار عليهم وحصرهم‏.‏

فطلبوا الصلح ففتحها عنوة‏.‏

وغزا قتيبةتومشكت وكرمينية سنة ثمانٍ وثمانين‏.‏

واستخلف علي مرو بشار ابن مسلم أخاه فصالحهم وافتتح حصونًا صغارًا‏.‏

وغزا قتيبة بخارا ففتحها على صلح‏.‏

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ أتى قتيبة بخارا فاحترسوا منه‏.‏

فقال‏:‏ دعوني أدخلها فأصلي بها ركعتين‏.‏

فأذنوا له في ذلك‏.‏

فأكمن لهم قومًا فلما دخلوا كاثروا أهل الباب ودخلوا‏.‏

فأصاب فيها مالًا عظيمًا وغدر بأهلها‏.‏

قال‏:‏ وأوقع قتيبة بالسغد وقتل نيزك بطخارستان وصلبه وافتتح كش ونسف وهي نخشب صلحًا‏.‏

قالوا‏:‏ وكان ملك خارزم ضعيفًا‏.‏

وكان أخوه خرزاد قد ضاده وقوى عليه‏.‏

فبعث ملك خارزم إلى قتيبة‏:‏ إني أعطيك كذا وكذا وأدفع إليك المفاتيح على أن تملكني على بلادي دون أخي‏.‏

وخارزم ثلاث مدائن يحاط بها فارقين ومعدنية الفيل أحصنها‏.‏

فنزل الملك أحصن المدائن وبعث إلى قتيبة بالمال الذي صالحه عليه وبالمفاتيح‏.‏

فوجه قتيبة أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى خرزاد فقاتله فقتله وظفر بأربعة آلاف أسير فقاتلهم‏.‏

وملك ملك خارزم الأول على ما شرط له‏.‏

فقال له أهل مملكته‏:‏ إنه ضعيف‏.‏

ووثبوا عليه فقتلوه‏.‏

فولى قتيبة أخاه عبيد الله ابن مسلم خوارزم‏.‏

وغزا قتيبة سمرقند وكانت ملوك السند تنزلها قديمًا ثم نزلت اشتخين‏.‏

فحصر قتيبة أهل سمرقند والتقوا مرارًا فاقتتلوا‏.‏

وكتب ملك السند إلى ملك الشاش وهو مقيم باطاربند فأتاه في خلق من مقاتليه‏.‏

فلقيهم المسلمون فاقتتلوا أشد قتال‏.‏

ثم إن قتيبة أوقع بهم وكسرهم فصالحه غوزك على ألفي ألف ومائتي ألف درهم في كل عام وعلى أن يصلى في المدينة‏.‏

فدخلها وقد اتخذ له غوزك طعامًا فأكل وصلى واتخذ مسجدًا وخلف بها من المسلمين فيهم الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير‏.‏

ويقال‏:‏ إنه صالح قتيبة على سبعة مئة ألف درهم وضيافة المسلمين ثلاثة أيام‏.‏

وكان في صلحه بيوت الأصنام والنيران‏.‏

فأخرجت الأصنام فسلبت حليها وأحرقت‏.‏

وكانت الأعاجم تقول‏:‏ إن فيها أصنامًا من استخف به هلك‏.‏

فلما حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق‏.‏

فقال المختار بن كعب الجعفي في قتيبة‏:‏ وقال أبو عبيدة وغيره‏:‏ لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر‏.‏

فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيًا ينظر فيما ذكروا‏.‏

فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا فنصب لهم جميع بن حاضر التاجي‏.‏

فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سوآء‏.‏

فكره أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا المسلمين فأقاموا بين أظهرهم‏.‏

وقال الهيثم بن عدي‏:‏ حدثني ابن عياش الهمذاني قال‏:‏ فتح قتيبة عامة الشاش وبلغ أسيجاب‏.‏

وقيل‏:‏ كان فتح حصن أسبيجاب قديمًا ثم غلب عليه الترك ومعهم قوم من أهل الشاش ثم فتحه نوح بن أسد في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله وبنى حوله سورًا يحيط بكروم أهله ومزارعهم‏.‏

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى‏:‏ فتح قتيبة خارزم وفتح سمرقند عنوة‏.‏

وقد كان سعيد بن عثمان صالح أهلها ففتحها قتيبة بعده ولم يكونوا نقضوا ولكنه استقل صلحهم‏.‏

قال‏:‏ وفتح بيكند وكش ونسف والشاش وغزا فرغانة ففتح بعضها وغزا السند وأشرو سنة‏.‏

قالوا‏:‏ وكان قتيبة مستوحشًامن سليمان بن عبد الملك‏.‏

وذلك أنه سعى في بيعة عبد العزيز بن الوليد فأراد دفعها عن سليمان‏.‏

فلما مات الوليد وقام سليمان خطب الناس فقال‏:‏ إنه قد وليكم هبنقة العائشي‏.‏

وذلك أن سليمان كان يعطي ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم‏.‏

وكان هنبقة وهو يزيد بن ثروان يؤثر سمان إبله بالعلف والمرعى ويقول‏:‏ أنا لا أصلح ما أفسد الله‏.‏

ودعا الناس إلى خلعه‏.‏

فلم يجبه أحد إلى ذلك‏.‏

فشتم بني تميم ونسبهم إلى الغدر وقال‏:‏ لستم بني تميم ولكنكم من بني ذميم‏.‏

وذم بني بكر بن وائل وقال‏:‏ ياإخوة مسيلمة‏.‏

وذم الأزد فقال‏:‏ بدلتم الرماح بالمرادي وبالسفن أعنة الحصن‏.‏

وقال‏:‏ يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية‏!‏ لأضعنكم بحيث وضعكم الله‏.‏

قال‏:‏ فكتب سليمان إلى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من في حبسه وأن يعطى الناس أعطياتهم ويأذن لمن أراد القفول في القفول‏.‏

وكانوا متطلعين إلى ذلك‏.‏

وأمر رسوله بإعلام الناس ما كتب به‏.‏

فقال قتيبة‏:‏ هذا من تدبيره علي‏.‏

وقام فقال‏:‏ أيها الناس‏!‏ إن سليمان قدمناكم مخ أعضاد البعوض وإنكم ستدعون إلى بيعة أنور صبي لا تحل ذبيحته‏.‏

وكانوا حنقين عليه لشتمه إياهم‏.‏

فاعتذر من ذلك وقال‏:‏ إني غضبت فلم أدر ما قلت وما أردت لكم إلا الخير فتكلموا وقالوا‏:‏ إن أذن لنا في القفول كان خيرًا له وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه‏.‏

وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد إحسانه إليهم وذم قلة وفائهم له وخلافهم عليه وخوفهم بالأعاجم الذين استظهر بهم عليهم‏.‏

فأجمعوا على حربه ولم يجيبوه بشيء‏.‏

وطلبوا إلى الحضين بن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى وأشار عليهم بوكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود بن كلب بن عوف بن مالك بن غدانة بن يربوع بن حنظلة التميمي وقال‏:‏ لا يقوى على هذا الأمر غيره لأنه إعرابي جاف تطيعه عشيرته وهو من بني تميم وقد قتل قتيبة بني الأهتم فهم يطلبونه بدمائهم‏.‏

فسعوا إلى وكيع فأعطاهم يده فبايعوه‏.‏

وكان السفير بينه وبينهم قبل ذلك حيان مولى مصقلة وبخرا سان يومئذٍ من مقاتلة أهل البصرة أربعون ألفًا ومن أهل الكوفة سبعة آلاف ومن الموالي سبعة آلاف‏.‏

وإن وكيعًا تمارض ولزم منزله‏.‏

فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى رجليه وساقه بمغرة فيقول‏:‏ أنا عليل لا تمكنني الحركة‏.‏

وكان إذا أرسل إليه قومًا يأتونه به تسللوا وأتوا وكيعًا فأخبروه فدعا وكيعٌ بسلاحه وبرمح وأخذ خمار أم ولده فعقده عليه‏.‏

ولقيه رجل يقال له إدريس فقال له‏:‏ يا أبا مطرف‏!‏ إنك تريد أمرًا وتخاف ما قد أمنك الرجل منه فالله الله‏.‏

فقال وكيع‏:‏ هذا إدريس رسول إبليس‏!‏ أقتيبة يؤمنني والله لا آتيه حتى أوتى برأسه‏.‏

ودلف نحو فسطاط قتيبة وتلاحق به الناس وقتيبة في أهل بيته وقومٌ وفوا له‏.‏

فقال صالح أخوه لغلامه‏:‏ هات قوسي‏.‏

فقال له بعضهم وهو يهزأ‏:‏ أنه ليس هذا يوم قوس‏.‏

ورماه رجلٌ من بني ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط فقضى وقتيبة عند رأسه‏.‏

وكان قتيبة يقول لحيان وهو على الأعاجم‏.‏

احمل‏.‏

فيقول‏:‏ لم يأن ذلك بعد‏.‏

وحملت العجم على العرب‏.‏

فقال حيان‏:‏ يا معشر العجم‏!‏ لم تقتلون أنفسكم لقتيبة ألحسن بلائه عندكم فانحاز بهم إلى بني تميم‏.‏

وتهايج الناس وصبر مع قتيبة اخوته أهل بيته وقومٌ من أبناء ملوك السغد انفوا من خذلانه‏.‏

وقطعت إطناب الفسطاط وإطناب الفازة فسقطت على قتيبة أو سقط عمود الفازة على هامته فقتله‏.‏

فاحتز رأسه عبد الله بن علوان‏.‏

وقال قومٌ منهم هشام بن الكلبي‏:‏ بل دخلو عليه فسطاطه فقتله جهم بن زحر الجعفي وضربه سعد بن مجد واحتز رأسه ابن علوان‏.‏

قالوا‏:‏ وقتل معه جماعةٌ من أخوته وأهل بيته وأم ولده الصماء‏.‏

ونجا ضرار بن مسلم أمنه بنو تميم‏.‏

وأخذت الأزد رأس قتيبة وخاتمه‏.‏

وأتى وكيع برأس قتيبة فبعث به إلى سليمان مع سليط بن عطية الحنفي‏.‏

وكتب وكيع إلى أبي مجلز لاحق بن حميد بعهده على مرو فقبله ورضى الناس به‏.‏

وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة‏.‏

ولما قبل وكيع بن أبي سود بصارم بخرا سان وضبطها أراد سليمان توليته إياها فقيل له‏:‏ إن وكيعًا ترفعه الفتنة وتضعه الجماعة وفيه جفاءٌ وأعرابية‏.‏

وكان وكيع يدعو بطستٍ فيبول والناس ينظرون إليه‏.‏

فمكث تسعة أشهر حتى قدم عليه يزيد بن المهلب وكان بالعراق‏.‏

فكتب إليه سليمان أن يأتي خرا سان وبعث إليه بعهده‏.‏

فقدم يزيد مخلدًا ابنه فحاسب وكيعًا وحبسه وقال له‏:‏ أد مال الله‏.‏

فقال‏:‏ أوخازًا لله كنت‏.‏

وغزا مخلد البتم ففتحها‏.‏

ثم نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم فطمعوا في انصرافه ثم كر عليهم حتى دخلها‏.‏

ودخلها جهم بن زحر وأصاب بها مالًا وأصنامًا من ذهب فأهل البتم ينسبون إلى ولائه‏.‏

قال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ كانوا يرون أن عبد الله بن عبد الله بن الأهم أبا خاقان قد كتب إلى الحجاج يسعى بقتيبة ويخبر بما صار إليه من المال وهو يومئذ خليفة قتيبة على مرو‏.‏

وكان قتيبة إذا غزا استخلفه على مرو‏.‏

فلما كانت غزوة بخارا وما يليها واستخلفه أتاه بشير أحد بني الأهتم فقال له‏:‏ إنك قد انبسطت إلى عبد الله وهو ذو غوائلٍ حسودٌ فلا نأمنه أن يعزلك قال‏:‏ إنما قلت هذا حسدًا لابن عمك‏.‏

قال‏:‏ فلسكن عذري عندك فإن كان ذلك عرتني‏.‏

وغزا فكتب بما كتب به إلى الحجاج‏.‏

فطوى الحجاج كتابه في كتابه إلى قتيبة‏.‏

فجاء الرسول حتى نزل السكة بمرو وجاوزها ولم يأت عبد الله‏.‏

فأحس بالشر فهرب فلحق بالشام فمكث زمينًا يبيع الخمر والكتانيات في رزمة على عنقه يطوف بها‏.‏

ثم إنه وضع خرقةً وقطنة على إحدى عينيه ثم عصبها واكتنى بأبي طينة‏.‏

وكان يبيع الزيت‏.‏

فلم يزل على هذه الحال حتى هالك الوليد بن عبد الملك وقام سليمان فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة‏.‏

وقام بخطبة تهنئة لسليمان ووقوعًا في الحجاج وقتيبة‏.‏

وكانا قد بايعا لعبد العزيز بن الوليد وخلعا سليمان‏.‏

فتفرق الناس وهم يقولون‏:‏ أبو طينة الزيات أبلغ الناس‏.‏

فلما انتهى إلى قتيبة كتاب ابن الأهتم إلى الحجاج وقد فاته عكر علي بني عمه وبنيه‏.‏

وكان أحدهم شيبة أبو شبيب فقتل تسعة أناسي منهم أحدهم بشير‏.‏

فقال له بشير‏:‏ اذكر عذري عندك فقال‏:‏ قدمت رجلًا وأخرت رجلًا يا عدو الله‏!‏ فقتلهم جميعًا‏.‏

وكان وكيع بن أبي سود قبل ذلك على بني تميم بخرا سان‏.‏

فعزله عنهم قتيبة واستعمل رجلًا من بني ضرار الضبي فقال حين قتلهم‏:‏ قتلني الله أنا أقتله‏.‏

وتفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر‏.‏

وقال أبو عبيده‏:‏ غزا قتيبة مدينة فبل ففتحها‏.‏

وقد كان أمية بن عبد الله ابن خالد بن أسيد فتحها‏.‏

ثم نكثوا ورامهم يزيد بن المهلب فلم يقدر عليها‏.‏

فقال كعب الأشقري‏:‏ أعطيتك فيلٌ بأيديها وحق لها ورامها قبلك الفجفاجة الصلف يعني يزيد بن المهلب قالوا‏:‏ ولما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام‏.‏

فأسلم بعضهم وكان عامل عمر على خرا سان الجراح بن عبد الله الحكمي‏.‏

فأخذ مخلد بن يزيد وعمال يزيد فحبسهم‏.‏

ووجه الجراح عبد الله بن معمر اليشكرى إلى ما وراء النهر فأوغل في بلاد العدو وهم بدخول الصين فأحاطت به الترك حتى افتدى منهم وتخلص وصار إلى الشاش‏.‏

ورفع عمر الخراج على من أسلم بخرا سان وفرض لمن أسلم وابتنى الخانات‏.‏

ثم بلغ عمر عن الجراح عصبية وكتب إليه إنه لا يصلح أهل خرا سان إلا السيف‏.‏

فأنكر ذلك وعزله‏.‏

وكان عليه دين فقضاه‏.‏

وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي حرب خرا سان وعبد الرحمن بن عبد الله القشيري خراجها‏.‏

قال‏:‏ وكان الجراح بن عبد الله يتخذ نقرًا من فضةٍ وذهب ويصيرها تحت بساطٍ في مجلسه على أوزانٍ مختلفة‏.‏

فإذا دخل عليه الداخل من أخوته والمعتزين به رمى إلى كل امرئ منهم مقدار ما يؤهل له‏.‏

ثم ولى يزيد بن عبد الملك فولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخرا سان‏.‏

فولى مسلمة سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاس بن أمية خرا سان وسعيدٌ هذا يلقب حذيفة‏.‏

وذلك أن بعض دها قين ما وراء النهر دخل عليه وعليه معصفرٌ وقد رجل شعره‏.‏

فقال‏:‏ هذا خذينة‏.‏

يهني دهقانة‏.‏

وكان سعيدٌ صهر مسلمة على ابنته‏.‏

فقدم سعيدٌ سورة بن الحر الحنظلي ثم ابنه فتوجه إلى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها‏.‏

فحاربهم وهزمهم ومنع الناس من طلبهم حينًا‏.‏

ثم لقي الترك ثانيةً فهزموهم وأكثروا القتل في أصحابه‏.‏

وولى سعيد نصر ابن سيار‏.‏

وفي سعيد يقول الشاعر‏:‏ فسرت إلى الأعداء تلهو بلعبةٍ فأيرك مشهورٌ وسيفك مغمد وشخص قومٌ من وجوه أهل خرا سان إلى مسلمة يشكون سعيدًا فعزله‏.‏

وولى سعيد بن عمرو الجرشي خرا سان‏.‏

فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده وكان لحانًا‏.‏

فقال سعيدٌ‏:‏ أيها الناس‏!‏ إن الأمير بريءٌ مما تسمعون من هذا اللحن‏.‏

ووجه إلى السغد يدعوهم إلى الفئة والمراجعة وكف عن مهايجتهم حتى أتته رسله بإقامتهم على خلافة‏.‏

فزحف إليهم فانقطع عن عظيمهم زهاء عشرة آلاف رجل وفارقوهم مائلين إلى الطاعة وافتتح الجرش عامة حصون السغد ونال من العدو نيلا شافيا‏.‏

وكان يزيد بن عبد الملك ولى عهده هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بعده فلما مات يزيد بن عبد الملك قام هشام‏.‏

فولى عمر ابن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشي واستعمل على خرا سان مسلم بن سعيد‏.‏

فغزا أفشين فصالحه على ستة آلاف رأس ودفع إليه قلعته ثم انصرف إلى مرو‏.‏

وولى طخارستان نصر بن سيار فخالفه خلقٌ من العرب فأوقع بهم ثم سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا‏.‏

واستعمل هشام خالد بن عبد الله القسري على العراق‏.‏

فولى أسد بن عبد الله أخاه خرا سان‏.‏

وبلغ ذلك مسلم بن سعيد فسار حتى أتى فرغانة فأناخ على مدينتها فقطع الشجر وأخرب العمارة وانحدر عليه خاقان الترك في عسكره فارتحل عن فرغانة وسار في يوم واحد ثلاث مراحل حتى ماتت دوابه وتطرفت الترك عسكره‏.‏

فقال بعض الشعراء‏:‏ غزوت بنا من خشية العزل عاصيًا فلم تنج من دنيا معنٍ غرورها وقدم أسد سمرقند‏.‏

فاستعمل عليها الحسن بن أبي العمرطة‏.‏

فكانت الترك تطرق سمرقند وتغير‏.‏

وكان الحسن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم‏.‏

فخطب ذات يوم فدعا على الترك في خطبته فقال‏:‏ اللهم اقطع آثارهم وعجل أقدارهم وأنزل عليهم الصبر‏.‏

فشتمه أهل سمرقند وقالوا‏:‏ لا بل أنزل الله علينا الصبر وزلزل أقدامهم‏.‏

وغزا أسد جبال نمرود‏.‏

فصالحه نمرود وأسلم‏.‏

وغزا الختل فلما قدم بلخ أمر ببناء مدينتها ونقل الدواوين إليها‏.‏

وصار إلى الختل فلم يقدر منها على شيء‏.‏

وأصاب الناس ضرٌ وجوعٌ‏.‏

وبلغه عن نصر بن سيار كلامٌ فضربه وبعث به إلى خالد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب‏.‏

ثم شخص أسد عن خرا سان وخلف عليها الحكم بن عوانة الكلبي‏.‏

واستعمل هشام أشري بن عبد الله السلمي على خرا سان‏.‏

وكان معه كاتب نبطي يسمى عميرة ويكنى أبا أمية‏.‏

فزين له الشر‏.‏

فزاد أشرس في وظائف خرا سان واستخف بالدهاقين ودعا ما وراء النهر إلى الإسلام وأمر بطرح الجزية عن من أسلم‏.‏

فسارعوا إلى الإسلام وانكسر الخراج‏.‏

فلما رأى أشرس ذلك أخذ المسالمة‏.‏

فأنكروا ذلك وألاحوا منه‏.‏

وغضب لهم ثابت قطنة الأزدى‏.‏

وإنما قيل له قطنة لأن عينه فقئت فكان يضع عليها قطنة‏.‏

فبعث إليهم أشري من فرق جمعهم‏.‏

وأخذ ثابتًا فحبسه ثم خلاه بكفالة ووجهه في وجهً فخرجت عليه الترك واستعمل هشام في سنة 112 الجنيد بن عبد الرحمن المري على خرا سان‏.

فلقى الترك فحاربهم ووجه طلائع له فظفروا بابن خاقان وهو سكران يتصيد‏.‏

فأخذوه فأتوا به الجند بن بعد الرحمن‏.‏

فبعث به إلى هشام يستمده فأمده بعمرو بن مسلم في عشرة آلاف رجل من أهل البصرة وبعبد الرحمن بن نعيم في عشرة آلاف من أهل الكوفة وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس‏.‏

وأطلق يده في الفريضة ففرض لخمسة عشر ألف رجل‏.‏

وكانت للجنيد مغازٍ وانتشرت دعاة بني هاشم في ولايته وقوى أمرهم‏.‏

وكانت وفاة الجنيد بمرو‏.‏

وولى هشام خرا سان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي‏.‏

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى‏:‏ التاثب نواحٍ من طخارستان فتحها الجنيد ابن عبد الرحمن وردها إلى صلحها ومقاطعتها‏.‏

قال‏:‏ وكان نصر بن سيار غزا اشروسنة أيام مروان بن محمد فلم يقدر على شيْ منها‏.‏

فلما استخلف أمير المؤمنين العباس رحمه الله ومن بعده من الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها ويحاربون من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبلة ويعيدون مصالحة من امتنع من الوفاء بصلحه بنصب الحرب له‏.‏

قالوا‏:‏ ولما استخلف المأمون أمير المؤمنين أغزى السغد وأشروسنة ومن انتقض عليه من أهل فرغانة الجند وألح عليهم بالحروب وبالغارات أيام مقامه بخرا سان وبعد ذلك‏.‏

وكان مع تسريبه الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إلى الإسلام والطاعة والترغيب فيهما‏.‏

ووجه إلى كابل شاه جيشًا فأدت الإتاوة وأذعن بالطاعة‏.‏

واتصل إليها البريد حتى حمل إليه منها أهليلج وصل رطبًا‏.‏

وكان كاوس ملك اشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل المعروف بذى الرياستين وهو وزير المأمون وكاتبه يسأله الصلح على مالٍ يؤديه على أن لا يغزى المسلمين بلده‏.‏

فأجيب إلى ذلك‏.‏

فلما قدم المأمون رحمه الله إلى مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح‏.‏

وكان له قهرمان أثيرٌ عنده قد زوج ابنته من الفضل بن كاوس‏.‏

فكان يقرظ الفضل عنده ويقربه من قلبه ويذم حيدر بن كاوس المعروف بالأفشين ويشنعه‏.‏

فوثب حيدر على القهرمان فقتله على باب كنب مدينتهم وهرب إلى هاشم بن محور الختلي‏.‏

وكان هاشم ببلده مملكا عليه‏.‏

فسأله أن يكتب إلى أبيه في الرضى عليه‏.‏

وكان كاوس قد زوج أم جنيد حين قتل قهرمانه طراديس وهرب ببعض دهاقينه‏.‏

فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الإسلام وشخص إلى مدينة إسلام فوصف للمأمون سهولة الأمر في أشروسنة وهون عليه ما يهوله الناس من خبرها ووصف له طريقًا مختصرة إليها‏.‏

فوجه المأمون أحمد بن أبي خالد الأحول الكاتب لغزوها في جيشٍ عظيمٍ‏.‏

فلما بلغ كاوس إقباله نحوه بعث الفضل ابن كاوس إلى الترك يستنجد هم فأنجد منهم الدهم‏.‏

وقدم أحمد ابن أبي خالد بلد أشر وسنة فأناخ على مدينتها قبل موافاة الفضل بالأتراك‏.‏

فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطريق البعيدة وأنه لا يعرف هذه الطريق المختصرة فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم وخرج في الطاعة‏.‏

وبلغ الفضل خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك ثم فارقهم وسار جادًا حتى أتى أباه فدخل في أمانة‏.‏

وهلك الأتراك عطشًا‏.‏

وورد كاوس مدينة السلام فأظهر الإسلام وملكه المأمون على بلاده‏.‏

ثم ملك ابنه وهو الأفشين بعده‏.‏

وكان المأمون رحمه الله يكتب إلى عماله على خرا سان في غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم ويستميلهم بالرغبة فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم‏.‏

ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك حتى صار جل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السغد والفراغنة والأشر وسنة وأهل الشاش وغيرهم‏.‏

وحضر ملوكهم بابه وغلب الإسلام على من هناك وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك‏.‏

وأغزى وحدثني العمري عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب ما وراء النهر حتى أسكنهم أرض فرغانة والشاش‏.‏

فتوح السند أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال‏:‏ ولى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة خمس عشرة‏.‏

فوجه أخاه الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان فأقطع جيشًا إلى تانه‏.‏

فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ يا أخا ثقيف‏!‏ حملت دودًا على عود‏.‏

وإني أحلف بالله إلو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم‏.‏

ووجه الحكم أيضًا إلى بروص‏.‏

ووجه أخاه المغيرة بن أبي العاص إلى خور الديبل فلقى العدو فظفر‏.‏

فلما ولى عثمان بن عفان رضي الله عنه وولى عبد الله بن عامر بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره‏.‏

فوجه حكيم بن جبلة العبدي‏.‏

فلما رجع أوفده إلى عثمان فسأله عن حال البلاد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ قد عرفتها وتنحرتها‏.‏

قال‏:‏ ماؤها وشل وثمرها دقل ولصها بطل‏.‏

إن قل الجيش فيها ضاعوا وإن كثروا جاعوا‏.‏

فقال له عثمان‏:‏ أخابر أم ساجع قال‏:‏ بل خابر‏.‏

فلم يغزها أحدًا‏.‏

فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدي متطوعًا بإذن علي‏.‏

فظفر وأصاب مغنمًا وسبيًا وقسم في يوم واحد ألف رأس‏.‏

ثم إنه قتل ومن معه بأرض القيقان إلا قليلًا‏.‏

وكان مقتله في سنة اثنتين وأربعين‏.‏

والقيقان من بلاد السند مما يلي خرا سان‏.‏

ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبي صفرة في أيام معاوية أربع وأربعين‏.‏

فأتى بنة وألاهور وهما بين الملتان وكابل‏.‏

فلقيه العدو فقاتله ومن معه‏.‏

ولقى المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسًا من الترك على خيل محذوفة فقاتلوه فقتلوا جميعًا فقال المهلب‏:‏ ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا فحذف الخيل فكان أول من حذفها من المسلمين‏.‏

وفي بنة يقول الأزدى‏:‏ ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا ببنة كانوا خير جيش المهلب ثم ولى عبد الله بن عامر في زمن معاوية بن أبي سفيان عبد الله بن سوار العبدي‏.‏

ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند‏.‏

فغزا القيقان فأصاب مغنمًا‏.‏

ثم وفد إلى معاوية وأهدى إليه خيلًا قيقانية وأقام عنده ثم رجع إلى القيقان فاستجاشوا الترك‏.‏

فقتلوه وفيه يقول الشاعر‏:‏ وابن سوارٍ على علاته موقد النار وقتال السغب وكان سخيًا لم يوقد أحدٌ نارًا غير ناره في عسكره‏.‏

فرأى ذات ليلة نارًا فقال‏:‏ ما هذه فقالوا‏:‏ امرأة نفساء يعمل لها خبيص‏.‏

فأمره أن يطعم الناس الخبيص ثلاثًا‏.‏

وولى زياد بن أبي سفيان في أيام معاوية سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي‏.‏

وكان فاضلا متألهًا‏.‏

وهو أول من أحلف الجند بالطلاق‏.‏

فأتى الثغر ففتح مكران عنوةً ومصّرها وأقام بها وضبط البل‏.‏

وفيه يقول الشاعر‏:‏ رأيت هذيلًا أحدثت في يمينها طلاق نساء ما تسوق لها مهرها لهان على حلفة ابن محبق إذا رفعت أعناقها حلقًا صفرا وقال بن الكلبي‏:‏ كان الذي فتح مكران حكيم بن جبلة العبدى‏.‏

ثم استعمل زيادٌ على الثغر راشد بن عمر الجديدى من الأزد‏.‏

فأتى مكران ثم غزا القيقان فظفر ثم غزا الميد فقتل‏.‏

وقام بأمر الناس سنان بن سلمى‏.‏

فولاه زيادٌ الثغر‏.‏

فأقام به وقال أعشى همدان في مكران‏:‏ وأنت تسير إلى مكران فقد شحط الورد والمصدر ولم تك من حاجاتي مكران ولا الغزوة فيها ولا المتجر وحدثت عنها ولم آتها فما زلت من ذكرها أوجر بأن الكثير بها جائعٌ وأن القليل بها معور وغزا عبادة بن زيّاد ثغر الهند من سجستان‏.‏

فأتى سناروذ‏.‏

ثم أخذى على حوّى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهند مند‏.‏

فنزل كش وقطع المفازة حتى أتى القندهار فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم وفتحها بعد أن أصيب رجالٌ من المسلمين‏.‏

ورأى قلانس أهلها طوالًا‏.‏

فعمل عليها‏.‏

فسميت العبادية‏.‏

وقال ابن مفرغ‏:‏ كم بالجروم وأرض الهند من قدمٍ ومن سرابيل قتلى لا هم قبروا بقندهار ومن تكتب منيته بقندهار يرجم دونه الخبر ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدي ويكنى أبا الأشعث ثغر الهند‏.‏

فغزا البوقان والقيقان‏.‏

فظفر المسلمون وغنموا‏.‏

وبث السرايا في بلادهم وفتح قصدار وسبابها‏.‏

وكان سنان قد حل بقصدار فأضحى لها في القبر لم يقفل مع القافلين لله قصدار وأعنابها أي فتى دنيا أجنت ودين ثم ولى عبيد الله بن زياد بن حري الباهلي‏.‏

ففتح الله تلك البلاد على يده‏.‏

وقاتل بها قتالًا شديدًا فظفر وغنم‏.‏

وقال قوم إن عبيد الله بن زياد ولى سنان بن سلمة‏.‏

وكان حري على سراياه‏.‏

وفي حري بن حري يقول الشاعر‏:‏ لولا طعاني بالبوقان ما رجعت منه سرايا ابن حري بأسلاب وأهل البوقان اليوم مسلمون‏.‏

وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي بها مدينة سماها البيضاء وذلك في خلافة المعتصم بالله‏.‏

ولما ولى الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي العراق ولى سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر‏.‏

فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان فقتل‏.‏

وغلب العلافيان على الثغر‏.‏

واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏

وهو أبو جرم‏.‏

فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر‏.‏

فغزا مجاعة فغنم وفتح طوائف من قندابيل‏.‏

ما من مشاهدك التي شاهدتها إلا يزينك ذكرها مجاعا ثم استعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري‏.‏

فأهدى إلى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوةً ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن وكانوا تجارًا‏.‏

فأراد التقرب بهن فعرض للسفينة التي كن فيها قومٌ من ميد الديبل في بوارج‏.‏

فأخذوا السفينة بما فيها‏.‏

فنادت امرأة منهن وكانت من بني يربوع يا حجاج‏!‏ وبلغ الحجاج ذلك‏.‏

فقال‏:‏ يالبيك‏!‏ فأرسل إلى داهر يسأله تخليه النسوة‏.‏

فقال‏:‏ إنما أخذهن لصوصٌ لا أقدر عليهم‏.‏

فأغزى الحجاج عبيد الله نبهان الديبل فقتل‏.‏

فكتب إلى بديل بن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الديبل‏.‏

فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو فقتلوه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ قتله رط البدهة‏.‏

قال‏:‏ وإنما سميت هذه الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها‏.‏

ثم ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بفارس وقد أمره أن يسير إلى الري وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي‏.‏

فرده إليه وعقد له على ثغر السند وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام وخلقًا من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والمسال وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما أعد له‏.‏

وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل‏.‏

فقال‏:‏ إذا صرتم إلى السند فإن الخل بها ضيق فانقعوا ويقال إن محمدًا لما صار إلى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم‏.‏

فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل‏.‏

فسار محمد بن القسم إلى مكران فأقام بها أيامًا ثم أتى قنزبور ففتحها ثم أتى أرمائيل‏.‏

وكان محمد بن هارون بن ذراع قد لفيه فانضم إليه وسار معه فتوقى بالقرب منها فدفن بقنبل‏.‏

ثم سار محمد بن القاسم من ارمائيل ومعه جهم بن زحر الجعفي فقدم الديبل يوم جمعة ووافته سفنٌ كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة‏.‏

فخندق حين نزل الديبل وركزت الرماح على الخندق ونشرت الأعلام وأنزل الناس على راياتهم ونصب منجنيقا تعرف بالعروس كان يمد فيها خمس مئة رجل‏.‏

وكان بالديبل بدٌ عظيم عليه دقلٌ طويلٌ وعلى الدقل رايةٌ حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة‏.‏

وكانت تدور‏.‏

والبد فيما ذكروا منارة عظيمة يتخذ في بناء لهم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها‏.‏

وقد يكون الصنم في داخل المنارة أيضا‏.‏

وكل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد‏.‏

والصنم بدٌ أيضا‏.‏

وكانت كتب الحجاج ترد على محمد وكتب محمد ترد عليه بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام‏.‏

فورد على محمد من الحجاج كتاب ان انصب العروس واقصر منها قائمة ولتكن مما يلي المشرق ثم ادع صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الذي وصفت لي‏.‏

فرمى الدقل فكسر فاشتدت طيرة الكفر من ذلك‏.‏

ثم إن محمدًا ناهضهم وقد خرجوا إليه فهزمهم حتى ردهم وأمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها الرجال‏.‏

وكان أولهم صعودًا رجلٌ من مراد من أهل الكوفة‏.‏

ففتحت عنوةً‏.‏

ومكث محمد يقتل من فيها ثلاثة أيام وهرب عامل داهر عنها وقتل سادنا بيت آلهتهم‏.‏

واختط محمد للمسلمين بها وبنى مسجدًا وأنزلها أربعة آلاف‏.‏

قال أحمد بن يحيى‏:‏ فحدثني منصور بن حاتم النحوي مولى آل خالد بن أسيد أنه رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسورًا وأن عنبسة ابن إسحاق الضبي العامل كان على السند في خلافة المعتصم بالله رحمه الله هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجنًا وابتدأ فر مرمة المدينة بما نقض من حجارة تلك المنارة‏.‏

فعزل قبل استتمام ذلك‏.‏

وولى بعده هارون بن أبي خالد المروروذي فقتل بها‏.‏

قالوا‏:‏ وأتي محمد بن القاسم البيرون‏.‏

وكان أهلها بعثوا سمنيين منهم إلى الحجاج فصالحوه‏.‏

فأقاموا لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم ووفوا بالصلح‏.‏

وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر نهرًا دون مهران‏.‏

فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عن من خلفهم ووظف عليهم ثم سار إلى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك داهر واستعد لمحاربته‏.‏

وبعث محمد بن القاسم محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي إلى سدوسان في خيل وحماراتٍ فطلب أهلها الأمان والصلح وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجًا وأخذ منهم رهنًا وانصرف إلى محمد ومعه من الزط أربعة آلاف فصاروا مع محمد‏.‏

وولى سدوسان رجلًا‏.‏

ثم إن محمدًا احتال لعبور مهران حتى عبره مما يلي بلاد راسل ملك قصة من الهند على جسر عقده‏.‏

وداهر مستخفٌ به لاهٍ عنهٍ‏.‏

ولقيه محمد والمسلمون وهو على فيلٍ وحوله الفيلة وممه التكاكرة‏.‏

فاقتتلوا قتالًا شديدًا لم يسمع بمثله وترجل داهر وقائل فقتل عند المساء وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا‏.‏

وكان الذي قتله في رواية المدائني من بني كلاب وقال‏:‏ الخيل تشهد يوم داهر والقنا ومحمد بن القاسم بن محمد أني فرجت الجمع غير معردٍ حتى علوت عظيمهم بمهند فتركته تحت العجاج مجدلا متعفر الخدين غير مؤسد فحدثني منصور بن حاتم قال‏:‏ داهر والذي قتله مصوران ببروص‏.‏

وبديل بن طهفة مصور بقند وقبره بالديبل‏.‏

وحدثني علي بن محمد المدائني عن أبي محمد الهندي عن أبي الفرج قال‏:‏ لما قتل داهر غلب محمد بن القاسم على بلاد السند‏.‏

وقال ابن الكلبي‏:‏ كان الذي قتل داهر القاسم بن ثعلبة بن عبد الله بن حصن الطائي‏.‏

قالوا‏:‏ وفتح محمد بن القاسم راور عنوةً‏.‏

وكانت بها امرأة لداهر فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها‏.‏

ثم أتى بن القاسم برهمناباذ العتيقة وهي على رأس فرسخين من المنصورة ولم تكن المنصورة يومئذ لأتما كان موضعها غيضة‏.‏

وكان فل داهر ببرهمناباذ هذه فقاتلوه ففتحها محمد عنوة وقتل بها ثمانية آلاف وقبل ستة وعشرين ألفًا وخلف فيها عامله وهي اليوم خراب‏.‏

وسار محمد يريد الرور وبغرور فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الأمان إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين ودلالتهم وأهل ساوندري اليوم مسلمون‏.‏

ثم تقدم إلى بسمد فصالح أهلها على مثل صلح ساوندرى‏.‏

وانتهى محمد إلى الرور وهي من مدائن السند وهي على جبل‏.‏

فحصرهم أشهرًا ففتحها صلحًا على أن لا يقتلهم ولا يعرض لبدهم وقال‏:‏ ما البد إلا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس‏.‏

ووضع عليهم الخراج بالرور‏.‏

وبنى مسجدًا‏.‏

وسار محمد إلى السكة وهي مدينة دون بياس ففتحها‏.‏

والسكة اليوم خراب‏.‏

ثم قطع نهر بياس إلى الملتان‏.‏

فقاتله أهل الملتان فأبلى زائدة بن عمير الطائي وانهزم المشركون فدخلوا المدينة وحصرهم محمد ونفدت أزواد منه شربهم وهو ماءٌ يجري من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في المدينة وهم يسمونه البلاح‏.‏

فغوره فلما عطشوا نزلوا على الحكم فقتل محمد المقاتلة وسبى الذرية وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف‏.‏

وأصابوا ذهبًا كثيرًا‏.‏

فجمعت تلك الأموال في بين يكون عشرة أذرع في ثماني أذرع يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة فس سطحه‏.‏

فسميت الملمتان فرج بيت الذهب‏.‏

والفرج الثغر‏.‏

وكان بد الملتان بدًا تهدى إليه الأموال وتنذر له النذور ويحج إليه السنج فيطوفون به ويلحقون رؤسهم ولحاهم عنده ويزعمون أن صنما فيه هو أيوب النبي صلي الله عليه وسلم‏.‏

قالوا‏:‏ ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف‏.‏

فقال‏:‏ شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر‏.‏

ومات الحجاج فأتت محمدًا وفاته فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور وكان قد فتحها فأعطى الناس ووجه إلى البيلمان جيشًا فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة‏.‏

وسالمه أهل سرست وهي مغزى أهل البصرة اليوم وأهلها الميد الذي يقطعون في البحر‏.‏

ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم العدو وهرب دوهر ويقال قتل‏.‏

ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى‏.‏

قال الشاعر‏:‏ نحن قتلنا داهرًا ودوهرا والخيل تردى منسرًا فمنسرا ومات الوليد بن عبد الملك وولى سليمان بن عبد الملك‏.‏

فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق وولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند فحمل محمد بن القاسم مقيدًا مع معاوية بن المهلب‏.‏

فقال محمد متمثلا‏:‏ أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهةٍ وسداد ثغر فبكى أهل الهند على محمد وصوروه بالكيرج‏.‏

فحبسه صالح بواسط فقال‏:‏ فلئن ثويت بواسطٍ وبأرضها رهن الحديد مكبلًا مغلولا فلرب فتية فارسٍ قد رعتها ولرب قرنٍ قد تركت قتيلا وقال‏:‏ لو كنت أجمعت القرار لوطئت إناثٌ أعدت للوغى وذكور وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ولا كان من عكٍ على أمير ولا كنت للعبد المزوني تابعًا فيا لك دهرٌ بالكرام عثور وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح وكان يرى رأي الخوارج‏.‏

وقال حمزة بن بيض الحنفي‏:‏ إن المروة والسماحة والندى لمحمد بن القاسم بن محمد ساس الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤددًا من مولد وقال آخر‏:‏ ساس الرجال لسبع عشرة حجة ولداته عن ذاك في أشغال ومات يزيد بن أبي كبشة بعد قدومه أرض السند بمثانية عشر يومًا‏.‏

واستعمل سليمان بن عبد الملك حبيب بن المهلب على حرب السند‏.‏

فقدمها وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم‏.‏

فرجع حليشه كذا بن داهر إلى برهمناباذ ونزل حبيب على شاطئ مهران فأعطاه أهل الرور الطاعة‏.‏

وحارب قومًا فظفر بهم‏.‏

ثم مات سليمان بن عبد الملك وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز بعده‏.‏

فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم‏.‏

وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشه والملوك وتسموا بأسماء العرب‏.‏

ومكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند فظفر‏.‏

وهرب بنو المهلب إلى السند في أيام يزيد بن عبد الملك‏.‏

فوجه إليهم هلال بن أحوز التميمي فلقيهم فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل‏.‏

وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومران ومعاوية بني المهلب وقتل معاوية بن يزيد في آخرين‏.‏

وولى الجنيد بن عبد الرحمن المري من قبل عمر بن هبيرة الفزاري ثغر السند ثم ولاه إياه هشام بن عبد الملك‏.‏

فلما قدم خالد بن عبد الله القسري العراق كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته‏.‏

فأتى الجنيد الديبل ثم نزل شط مهران فمنعه حليشة العبور وأرسل إليه‏:‏ إني قد أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنك‏.‏

فأعطاه رهنًا وأخذ منه رهنًا بما على بلاده من الخراج‏.‏

ثم انهما ترادا الرهن وكفر حليشة وحارب‏.‏

وقيل إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه‏.‏

فأتى الهند فجمع جموعًا وأخذ السفن واستعد للحرب‏.‏

فسار إليه الجنيد في السفن فالتقوا في بطيحة الشرقي فأخذ حليشه أسيرًا وقد جنحت سفينته‏.‏

فقتله‏.‏

وهرب صصه بن داهر وهو يريد أن يمضي إلى العراق فيشكو غدر الجنيد فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده فقتله‏.‏

وغزا الجنيد الكيرج وكانوا قد نقضوا‏.‏

فاتخذ كباشًا نطاحة فصك بها حائط المدينة حتى ثلمه ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم‏.‏

ووجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص‏.‏

وكان الجنيد يقول‏:‏ القتل في الجزع أكبر منه في الصبر‏.‏

ووجه الجنيد جيشًا إلى أزين‏.‏

ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض المالية‏.‏

فأغاروا على أزين وغزوا بهرمد فحرقوا ربضها‏.‏

وفتح الجنيد البيلمان والجزر وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها‏.‏

قال جرير‏:‏ أصبح زوار الجنيد وصحبه يحيون صلت الوجه جما مواهبه وقال أبو الجويرية‏:‏ لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قومٌ بإحسانهم أو مجدهم قعدوا مجسدون على ما كان من كرم لا ينزع الله منهم ماله حسدوا ثم ولى بعد الجنيد تميم بن زيد العتبي‏.‏

فضعف ووهن ومات قريبًا من الديبل بماء يقال له ماء وكان تميم من اسخياء العرب‏.‏

وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف ألف درهم طاطارية فأسرع فيها‏.‏

وكان قد شخص معه في الجند فتى من بني يربوع يقال له خنيس وأمه من طيء إلى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في إقفاله وعاذت بقبر غالب أبيه‏.‏

فكتب الفرزدق إلى تميم‏:‏ أتتني فعادت يا تميم بغالبٍ وبالحفرة السافي عليها ترابها فهب لي خنيسًا واتخذ فيه منةً لحوبة أمٍ ما يسوغ شرابها تميم بن زيد لا تكونن حاجتي بظهرٍ ولا يجفى عليك جوابها فلا تكثر الترداد فيها فإنني ملولٌ لحاجات بطي طلابها فلم يدر ما اسم الفتى أهو حبيش أم خنيس فأمر أن يقفل كل من كان اسمه على مثل هذه الحروف‏.‏

وفي أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد الهند ورفضوا مراكزهم فلم يعودوا إليها إلى هذه الغاية‏.‏

ثم ولى الحكم بن عوانة الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة‏.‏

فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه فبنى من وراء البحيرة مما بلى الهند مدينة سماها المحفوظة وجعلها مأوى لهم ومعاذًا ومصرها‏.‏

وقال لمشايخ كلب من أهل الشام‏:‏ ما ترون أن نسميها فقال بعضهم‏:‏ دمشق‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ حمص‏.‏

وقال رجل منهم‏:‏ سمها تدمر فقال‏:‏ دمر الله عليك يا أحمق‏!‏ ولكني أسميها المحفوظة‏.‏

ونزلها‏.‏

وكان عمرو بن محمد بمن القاسم مع الحكم وكان يفوض إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله‏.‏

فأغزاه من المحفوظة‏.‏

فلما قدم عليه وقد ظفر أمره فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة فهي التي ينزلها العمال اليوم‏.‏

وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما غلبوا عليه ورضى الناس بولايته‏.‏

وكان خالد يقول‏:‏ واعجبًا‏!‏ وليت فتى العرب فرفض‏.‏

يعني تميما‏.‏

ووليت أبخل الناس فرضى به‏.‏

ثم قتل الحكم بها‏.‏

ثم كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم ويفتحون الناحية قد نكث أهلها‏.‏

فلما كان أول الدولة المباركة ولى أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلسًا العبدي ثغر السند وأخذ على طخارستان وسار حتى إلى منصور بن جمهور الكلبي وهو بالسند‏.‏

فلقيه منصور فقتله وهزم جنده‏.‏

فلما بلغ أبا مسلم ذلك عقد لموسى بن كعب التميمي ثم وجهه إلى السند فلما قدمها كان بينه وبين منصور بن جمهور مهران ثم التقيا فهزم منصورًا وجيشه وولى موسى السند فرم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح‏.‏

وولى أمير المؤمنين المنصور رحمه الله هشام بن عمرو التغلبي السند ففتح ما استغلق‏.‏

ووجه عمرو ابن جمل في بوارج إلى نارند‏.‏

ووجه إلى ناحية الهند فافتتح قشمير وأصاب سبايا ورقيقًا كثيرًا‏.‏

وفتح الملتان‏.‏

وكان بقندابيل متغلبةٌ من العرب فأجلاهم عنها‏.‏

وأتى القندهار في السفن ففتحها‏.‏

وهدم البد وبنى موضعه مسجدًا‏.‏

فأخصبت البلاد في ولايته فتبركوا به‏.‏

ودوخ الثغر وأحكم أموره‏.‏

ثم ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزار مرد ثم داود بن يزيد بن حاتم وكان معه أبو الصمة المتغلب اليوم وهو مولى لكندة‏.‏

ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيمًا حتى وليه بشر بن داود في خلافة المأمون فعصى وخالف‏.‏

فوجه إليه غسان بن عباد وهو رجل من أهل سواد الكوفة فخرج بشر إليه في الأمان وورد به مدينة السلام‏.‏

وخلف غسان على الثغر موسى بن يحيى بن خالد بن برمك‏.‏

فقتل باله ملك الشرقي وقد بذل له خمس مئة ألف درهم على أن يستبقيه‏.‏

وكان باله هذا التوى على غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره من الملوك فأبى ذلك‏.‏

وأثر موسى أثرًا حسنًا‏.‏

ومات سنة إحدى وعشرين واستخلف ابنه عمران ابن موسى‏.‏

فكتب إليه أمير المؤمنين المعتصم بالله بولاية الثغر‏.‏

فخرج إلى القيقان وهم زطٌ‏.‏

فقاتلهم فغلبهم وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند‏.‏

ثم أتى المنصورة وصار منها إلى قندابيل وهي مدينة على جبل وفيها متغلبٌ يقال له محمد بن الخليل‏.‏

فقاتله وفتحها وحمل رؤساءها إلى قصدار‏.‏

ثم غزا الميد وقتل منهم ثلاثة آلاف وسكر سكرًا يعرف بسكر الميد‏.‏

وعسكر عمران على نهر الرور ثم نادى بالزط الذين بحضرته فأتوه فختم أيديهم وأخذ الجزية منهم وأمرهم بأن يكونوا مع كل رجلٍ منهم إذا اعترض عليه كلب فبلغ الكلب خمسين درهمًا‏.‏

ثم غزا الميد ومعه وجوه الزط فحفر من البحر نهرًا أجراه في بطيحتهم حتى ماح ماؤهم وشن الغارات عليهم‏.‏

ثم وقعت العصبية بين النزارية واليمنية فمال عمران إلى اليمانية‏.‏

فسار إليه عبد العزيز الهباري فقتله وهو غار‏.‏

وكان جد عمر هذا ممن قدم السند مع الحكم بن عوانة الكلبي‏.

وحدثني منصور بن حاتم

قال‏:‏ كان الفضل بن ماهان مولى بني سامة فتح سندان وغلب عليها‏.‏

وبعث إلى المأمون رحمه الله بفيلٍ وكاتبه‏.‏

ودعا له في مسجد جامع اتخذه بها‏.‏

فلما مات قام محمد بن الفضل ابن ماهان مقامه‏.‏

فسار في سبعين بارجة إلى ميد الهند فقتل منهم خلقًا وافتتح فالي‏.‏

ورجع إلى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان بن الفضلً وكاتب أمير المؤمنين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجًا لم يرى مثله عظمًا وطولا‏.‏

وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عليه فقتلوه وصلبوه‏.‏

ثم إن الهند بعد غلبوا سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون للخليفة‏.‏

وحدثني أبو بكر مولى الكريزيين أن بلدًا يدعى العسيفان بين قشمير والملتان وكابل كان له ملك عاقل‏.‏

وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنمًا قد بنى عليه بيت وأبدوه‏.‏

فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت فقال لهم‏:‏ ادعوا الصنم أن يبرئ ابني‏.‏

فغابوا ساعة ثم عادوا فقالوا‏:‏ قد دعوناه وقد أجابنا إلى ما سألناه‏.‏

فلم يلبث الغلام أن مات‏.‏

فوثب الملك على البيت فهدمه وعلى الصنم فكسره وعلى السدنة فقتلهم‏.‏

ثم دعا قومًا من تجار المسلمين فعرضوا عليه التوحيد‏.‏

فوحد وأسلم‏.‏

وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله‏.‏

قال بشر بن غياث‏:‏ قال أبو يوسف‏:‏ إيما أرض أخذت عنوة مثل السواد والشام وغيرهما فإن قسمها الإمام بين من غلب عليها فهي أرض عشر وأهلها رقيق‏.‏

وإن لم يقسمها الإمام وردها للمسلمين عامة - كما فعل عمر بالسواد - فعلى رقاب أهلها الجزية وعلى الأرض الخراج وليسوا برقيق‏.‏

وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وحكى الواقدي عن سفيان الثوري مثل ذلك‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ قال مالك بن أنس وابن أبي ذئب‏:‏ إذا أسلم كافر من أهل العنوة أقرت أرضه في يده يعمرها ويؤدي الخراج عنها‏.‏

ولا اختلاف في ذلك‏.‏

وقال مالك وابن أبي ذئب وسفيان الثوري وابن أبي ليلى عن الرجل يسلم من أهل العنوة‏:‏ الخراج في الأرض والزكاة من الزرع بعد الخراج‏.‏

وهو قول الأوزاعي‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ لا يجتمع الخراج والزكاة على رجل‏.‏

وقال مالك وابن ذئب وسفيان وأبو حنيفة‏:‏ إذا زرع رجل أرضه الخراجية مرات في السنة لم يؤخذ منه إلا خراج واحد‏.‏

وقال ابن أبي ليلى‏:‏ يؤخذ منه الخراج كلما أدركت له غلة‏.‏

وهو قول ابن أبي سبره وأبي شمر‏.‏

وقال أبو الزناد ومالك وأبو حنيفة وسفيان ويعقوب وابن أبي ليلىوابن أبي سبرة وزفر ومحمد بن الحسن وبشر بن غياث‏:‏ إذا عطل رجل أرضه قيل له‏:‏ ازرعها وأد خراجها وإلا فادفعها إلى غيرك يزرعها‏.‏

فأما أرض العشر فإنه لا يقال له فيها شيء إن زرع أخذت منه الصدقة وإن أبى فهو أعلم‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا عطل رجل أرضه سنتين‏.‏

ثم عمرها أدى خراجًا واحدًا‏.‏

وقال أبو شمر‏:‏ يؤدي الخراج للسنتين‏.‏

وقال أبو حنيفة وسفيان ومالك وابن أبي ذئب وأبو عمرو الأوزاعي‏:‏ إذا أصابت الغلات آفة أو غرق سقط الخراج عن صاحبها‏.‏

وإذا كانت أرض من أراضي الخراج لعبد أو مكاتب أو امرأة فإن أبا حنيفة قال عليها الخراج فقط‏.‏

وقال سفيان وابن ذئب ومالك عيها الخراج وفيما بقي من الغلة العشر‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ والثوري في أرض الخراج بني مسلم أو ذمي فيها بناء من حوانيت أو غيرها أنه لا شيء عليه‏.‏

فإن جعلها بستانًا ألزم الخراج‏.‏

وقال مالك وابن أبي ذئب‏:‏ نرى إلزامه الخراج لأن انتفاعه بالبناء كانتفاعه بالزرع‏.‏

فأما أرض العشر فهو أعلم ما اتخذ فيها‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ في أرض موات من أرض العنوة يحييها المسلم أنها له وهي أرض خراج إن كانت تشرب من ماء الخراج‏.‏

فإن استنبط لها عينًا أو سقاها من ماء السماء فهي أرض عشر‏.‏

وقال بشر‏:‏ هي أرض عشر شربت من ماء الخراج أو عيره‏.‏

وقال أبو حنيفة والثوري وأصحابها ومالك وابن ذئب والليث بن سعد في أرض الخراج التي لا تنسب إلى أحد يقعد المسلمون فيها فيتبايعون ويجعلونها سوقًا‏:‏ انه لا خراج علبهم فيها‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ إذا كانت في البلاد سنة أعجمية لم يغيرها الإسلام ولم يبطلها فشكاها قوم إلى الإمام لما ينالهم من مضرتها فليس له أن يغيرها‏.‏

وقال مالك والشافعي‏:‏ يغيرها وإن قدمت لأن عليه نفي كل سنة جائرة سنها أحد من المسلمين فضلًا عن ما سن أهل الكفر‏.‏

ذكر العطاء في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن المجالد عن أبيه مجالد بن عن الشعبي قال‏:‏ لما افتتح عمر العراق والشام وجبى الخراج جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني قد رأيت أن أفرض العطاء لأهله‏.‏

فقالوا‏:‏ نعم الرأي يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ فيمن أبدأ قالوا‏:‏ بنفسك‏.‏

قال‏:‏ لا ولكني أضع نفسي حيث وضعها الله وأبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ففعل فكتب عائشة أم المؤمنين رحمها الله في أثنى عشر ألفًا‏.‏

وكتب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف‏.‏

وفرض لعلي بن أبي طالب في خمسة آلاف‏.‏

وفرض مثل ذلك لمن شهد بدرًا من بني هاشم‏.‏

وحدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطأة عن حبيب بن أبي ثابت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن تتتابعن إلى العطاء‏.‏

محمد بن سعد عن الواقدي عن عائذ بن يحيى عن أبي الحويرث عن جبير بن الحويرث بن نقيذ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الديوان‏.‏

فقال له علي بن أبي طالب‏:‏ تقسم كل سنة ما اجتمع إليك من مال ولا تمسك منه وقال عثمان‏:‏ أرى مالًا كثيرًا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن يشتبه الأمر‏.‏

فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة‏:‏ قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانًا وجندوا جندًا‏.‏

فدون ديوانًا وجند جندًا‏.‏

فأخذ بقوله‏.‏

فدعا عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من كتاب قريش فقال‏:‏ اكتبوا الناس على منازلهم‏.‏

فبدؤا بني هاشم ثم أتبعوهم أبو بكر وقومه ثم عمر وقومه على الخلافة‏.‏

فلما نظر إليه عمر قال‏:‏ وددت الله أنه هكذا ولكن ابدؤا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى‏.‏

محمد عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال‏:‏ جاءت بنو عدي إلى عمر فقالوا‏:‏ أنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة أبي بكر وأبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا‏.‏

قال‏:‏ بخٍ بخٍ بني عدي‏!‏ أردتم الأكل على ظهري وأن أهب حسناتي لكم‏.‏

لا والله حتى تأتيكم الدعوة وأن يطبق عليكم الفتر - يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس - إن لي صاحبين سلكا طريقًا فإن خالفتهما خولف بي والله ما أدركنا الفضل في الدنيا وما نرجو الثواب على عملنا ألا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو شرفنا وقومه أشرف العرب ثم الأقرب فالأقرب‏.‏

والله لئن جاءت الأعاجم بعمل وجئنا بغير عمل لهم أولى بمحمد منا يوم القيامة فإن من قصر به عمله لم يسرع به نسبه‏.‏

محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري عن سعيد عن قوم آخرين سماهم الواقدي دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا‏:‏ لما أجمع عمر على تدوين الديوان وذلك في المحرم سنة عشرين بدأ ببني هاشم في الدعوة قم الأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فكان القوم إذا استووا في القرابة قدم أهل السابقة‏.‏

ثم انتهى إلى الأنصار فقالوا‏:‏ بمن نبدأ فقال ابدءوا برهط سعد بن معاذ الأشهلي من الأوس ثم الأقرب فالأقرب لسعد‏.‏

وفرض عمر لأهل الديوان ففضل أهل السوابق والمشاهد في الفرائض‏.‏

وكان أبو بكر قد سوى بين الناس في القسم‏.‏

فقيل لعمر في ذلك‏.‏

فقال‏:‏ لا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه‏.‏

فبدأ بمن شهد بدرًا من المهاجرين والأنصار لكل رجلٍ منهم خمسة آلاف درهم في كل سنة حليفهم ومولاهم معهم بالسواء‏.‏

وفرض لمن كان له إسلام كإسلام أهل بدر ومن مهاجرة الحبشة ممن شهد أحدًا أربعة آلاف وفرض لأبناء البدريين ألفين ألفين إلا حسنًا وحسينًا فإنه ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف‏.‏

وفرض للعباس بن عبد المطلب خمسة آلاف لقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ فرض له سبعة آلاف درهم‏.‏

وقال سائرهم‏:‏ لم يفضل أحدًا على أهل بدر إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإنه فرض لهن أثنى عشر ألفًا أثنى عشر ألفًا‏.‏

وألحق بهن جويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي بن أخطب‏.‏

وفرض لمن هاجر قبل الفتح لكل رجل منهم ثلاثة آلاف درهم‏.‏

وفرض لمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفين‏.‏

وفرض لغلمان أحداثٍ من أنباء المهاجرين كفرائض مسلمة الفتح‏.‏

وفرض لعمر بن أبي سلمة أربعة آلاف‏.‏

فقال محمد بن عبد الله ابن جحش‏:‏ لم تفضل عمر علينا فقد هاجر آباؤنا وشهدوا بدرًا‏.‏

فقال عمر‏:‏ أفضله لمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فليأت الذي يستغيث بأمٍ من أم سلمة أغثه‏.‏

وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف‏.‏

فقال عبد الله بن عمر‏:‏ فرضت لي في ثلاثة آلاف وفرضت لأسامة في أربعة آلاف‏.‏

وقد شهدت ما لم يشهد أسامة‏.‏

فقال عمر‏:‏ زدته لأنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وكان أبوه أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك‏.‏

ثم فرض للناس على منازلهم وقراءتهم القرآن وجهادهم‏.‏

ثم جعل من بقي الناس بابًا واحدًا‏.‏

فألحق من جاءه من المسلمين بالمدينة في خمسة وعشرين دينارًا لكل رجل‏.‏

وفرض لآخرين معهم‏.‏

وفرض لأهل اليمن وقيس بالشام والعراق لكل رجل ما بين ألفين إلى ألف إلى تسع مئة إلى خمس مئة إلى ثلاث مئة ولم ينقص أحدًا عن ثلاث مئة‏.‏

وقال‏:‏ لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم ألفًا لسفره وألفًا لسلاحه وألفًا يخلفه لأهله وألفًا لفرسه ونعله‏.‏

وفرض لنساء مهاجرات‏.‏

فرض لصفية بنت عبد المطلب ستة آلاف درهم ولأسماء بنت عميس ألف درهم ولأم كلثوم بنت عقبة ألف درهم ولأم عبد الله بن مسعود أل فدرهم‏.‏

قال الواقدي‏:‏ فقد روى أنه فرص للنساء المهاجرات ثلاثة آلاف درهم لكل واحدة‏.‏

قال الواقدي في إسناده‏:‏ وأمر عمر فكتب له عمال أهل العوالي‏.‏

فكان يجري عليهم القوات‏.‏

وكان عمر يفرض للمنفوس مئة درهم فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم فإذا بلغ زاده‏.‏

وكان إذا أتى باللقيط فرض له مئة وفرض له رزقًا يأخذه وليه كل شهر بقدر ما يصلحه ثم ينقله من سنة إلى سنة‏.‏

وكان يوصى بهم خيرًا ويجعل رضاعهم ونفقتهم من بيت المال‏.‏

وحدثنا محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ حدثني حزام بن هشام الكعبي عن أبيه قال‏:‏ رأيت عمر بن الخطاب يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديد فتأتيه النساء بقديد فلا يغيب عنه امرأة بكرٌ ولا ثيبٌ فيعطيهن في أيديهن ثم يروح فينزل عسفان فيفعل ذلك أيضًا حتى توفى‏.‏

محمد بن سعيد عن الواقدي عن أبي بكر بن أبي سيرة عن محمد بن زيد قال‏:‏ كان ديوان حمير على عهد عمر على حدة‏.‏

محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا الواقدي قال‏:‏ حدثني عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي جهم قال‏:‏ قدم خالد بن عرفطة العذري على عمر فسأله عن ما وراءه فقال‏:‏ تركتهم يسألون الله لك أن يزيد في عمرك من أعمارهم‏.‏

ما وطئ أحدٌ القادسية إلا وعطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة‏.‏

وما من مولودٍ ذكرًا كان أو أنثى إلا لحق في مئة وجريبين في كل شهر‏.‏

قال عمر‏:‏ إنما هو حقهم وأنا أسعد بأدائه إليهم لو كان من مال الخطاب ما أعطيتهموه ولكن قد علمت أن فيه فضلًا فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء ابتاع منه غنمًا فجعلها بسوادهم فإذا خرج عطاؤه ثانية ابتاع الرأس والرأسين فجعله فيها فإن بقي أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه‏.‏

إني لا أدري ما يكون بعدي وإني لأعم بنصيحتي من طوقني الله أمره فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ من مات غاشًا لرعيته لم يرح ريح الجنة‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عمرو عن الحسن قال‏:‏ كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم‏.‏

فكتب إليه‏:‏ إنا قد فعلنا وبقي شيء كثير‏.‏

فكتب إليه‏:‏ إنه فيئهم الذي أفاءه الله عليهم ليس هو لعمر ولا لآل عمر فاقسمه بينهم‏.‏

قال‏:‏ وحدثنا وهب بن بقية ومحمد بن سعد قالا‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أنبأ محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قدم على عمر من البحرين‏.‏

قال‏:‏ فلقيته في صلاة العشاء الآخرة‏.‏

فسلمت عليه فسألني عن الناس‏:‏ ثم قال لي‏:‏ ما جئت به‏.‏

قلت‏:‏ جئت بخمس مئة ألف‏.‏

قلت‏:‏ جئت بخمس مئة ألف‏.‏

قال‏:‏ ماذا تقول قلت‏:‏ مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف فعددت خمسًا‏.‏

فقال‏:‏ إنك ناعس فأرجع إلى أهلك فنم فإذا أصبحت فأتني‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ فغدوت إليه‏.‏

فقال‏:‏ ما جئت به قلت‏:‏ خمس مئة ألف‏.‏

قال‏:‏ أطيب قلت‏:‏ نعم لا أعلم إلا ذاك‏.‏

فقال للناس‏:‏ إنه قدم علينا مال كثير‏.‏

فإن شئتم أن نعده لكم عددًا وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا‏.‏

فقال له رجل‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانًا يعطون الناس عليه‏.‏

قال‏:‏ فدون الديوان وفرض للمهاجرين الأولين في خمسة آلاف وللأنصار في أربعة آلاف ولأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أثنى عشر ألفًا عن برزة بنت رافع قالت‏:‏ لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها‏.‏

فلما أدخل إليها قالت‏:‏ غفر الله لعمر غيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني‏.‏

قالوا‏:‏ هذا كله لك‏.‏

قالت‏:‏ سبحان الله واستترت منه بثوب‏.‏

ثم قالت‏:‏ صبوه واطرحوا عليه ثوبًا‏.‏

ثم قالت لي‏:‏ ادخلي يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان من ذوى رحمها وأيتامٍ لها‏.‏

فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب‏.‏

قالت برزة بنت رافع‏:‏ فقلت غفر الله لك يا أم المؤمنين‏!‏ والله لقد كان لنا في هذا المال حق‏.‏

قالت‏:‏ فلكم ما تحث الثوب‏.‏

فوجده تحته خمس مئة وثمانين درهمًا‏.‏

ثم رفعت يدها إلى السمار فقالت‏:‏ اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا‏.‏

قال‏:‏ فماتت‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن محمد بن عجلان قال‏:‏ لما دون عمر الدواوين قال‏:‏ بمن نبدأ قالوا بنفسك‏.‏

قال‏:‏ لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامنا فبرهطه نبدأ ثم بالأقرب فالأقرب‏.‏

حدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد وحدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ لما وضع عمر الديوان استشار الناس بمن يبدأ فقالوا‏:‏ ابدأ بنفسك‏.‏

قال لا‏:‏ ولكن أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بهم‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن مصعب بن سعد أن عمر فرض لأهل بدر في ستة آلاف ستة آلاف وفرض لأمهات المؤمنين في عشرة آلاف عشرة آلاف وفضل عائشة بألفين لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها وفرض لصفية وجويرية في ستة آلاف ستة آلاف وفرض لنساء من المهاجرات في ألف ألف منهن أم عبد وهي أم عبد الله بن مسعود‏.‏

حدثنا الحسين قال‏:‏ حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ فرض عمر لأهل بدر عربهم ومواليهم في خمسة آلاف خمسة آلاف‏.‏

وقال‏:‏ لأفضلنهم على من سواهم‏.‏

حدثنا الحسين حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال‏:‏ كان فيهم خمسةٌ من العجم‏:‏ منهم تميم الداري وبلال‏.‏

قال وكيع‏:‏ الدار من لخم ولكن الشعبي قال هذا‏.‏

عن شيخ لهم قال‏:‏ سمعت عمر يقول‏:‏ لئن بقيت إلى قابل لألحقن سفلة المهاجرين في ألفين ألفين‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح المصري عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي عن ابن شهاب أن عمر حين دون الدواوين فرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي نكح نكاحًا أثنى عشر ألف درهم أثنى عشر ألف درهم‏.‏

وفرض لجويرية وصفية بنت حبى بن أخطب ستة آلاف درهم لأنهما كانتا مما أفاء الله على رسوله‏.‏

وفرض للمهاجرين الذين شهدوًا بدرًا خمسة آلاف خمسة آلاف‏.‏

وفرض للأنصار الذين شهدوا بدرًا أربعة آلاف أربعة آلاف‏.‏

وعم بفريضته كل صريحٍ وحليفٍ ومولى شهد بدرًا فلم يفضل أحدًا على أحد‏.‏

حدثنا عمرو الناقد وأبو عبيد قالا‏:‏ حدثنا أحمد بن يونس عن أبي خيثمة قال‏:‏ حدثنا أبو إسحاق عن مصعب بن سعد أن عمر فرض لأهل بدر من المهاجرين والأنصار ستة آلاف ستة آلاف‏.‏

وفرض لنساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف وفضل عليهن عائشة ففرض وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف‏.‏

وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس وأسماء بنت أبي بكر وأم عبد الله بن مسعود ألف ألف‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن محمد بن قيس الأسدي قال‏:‏ حدثتني والدتي أم الحكم أن عليا ألحقها في مئة من العطاء‏.‏

حدثنا الحسين بن الأسود قال‏:‏ حدثنا وكيع عن سفيان عن الشيباني عن يسير بن عمرو أن سعدًا فرض لمن قرأ القرآن في ألفين ألفين‏.‏

قال‏:‏ فكتب إليه عمر‏:‏ لا تعط على القرآن أحدًا‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم عن أبن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر جعل عمرو بن العاص في مائتين لأنه أميرٌ وعمير بن وهب الجمحي في مائتين لصبره على الضيق وبسر بن أبي أرطأة في مائتين لأنه صاحب فتح‏.‏

وقال‏:‏ رب فتحٍ قد فتحه الله على يده‏.‏

فقال أبو عبيد‏:‏ يعني بهذا العدد من الدنانير‏.‏

وقال أبو عبيد‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى عمرو بن العاص‏:‏ أن افرض لمن بايع تحت الشجرة في مائتين من العطاء - قال‏:‏ يعني مائتي دينار - وابلغ ذلك لنفسك بإمارتك وافرض لخارجة بن حذافة في شرف العطاء لشجاعته‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن محمد بن عجلان أن عمر فضل أسامة بن زيد على عبد اله بن عمر‏.‏

فلم يزل الناس بعبد الله حتى كلم عمر فقال‏:‏ أتفضل على من ليس بأفضل مني فرضت له في ألفين ولى في ألفٍ وخمسة مئة درهم‏.‏

قال عمر‏:‏ فعلت ذلك لأن زيد بن حارثة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر‏.‏

وأن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمر‏.‏

وحدثني يحيى بن معين قال‏:‏ حدثنا يحيى بن سعيد عن خارجة بن مصعب عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره عن ابن عمر أنه كلم أباه في تفضيل أسامة عليه في العطاء وقال‏:‏ والله ما سبقني إلى شيء‏.‏

فقال عمر‏:‏ إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وإنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك‏.‏

عن الحسن قال‏:‏ إن قومًا قدموا على عاملٍ لعمر بن الخطاب فأعطى العرب منهم وترك الموالي‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد فيحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم والسلام‏.‏

حدثنا أبو عبيد حدثنا خالد بن عمر عن إسرائيل عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء عمار بن ياسر ستة آلاف درهم‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا خالد عن إسرائيل عن إسماعيل بن سميع عن مسلم البطين أن عمر جعل عطاء سلمان أربع آلاف درهم‏.‏

وحدثنا روح بن عبد المؤمن قال‏:‏ حدثنا يعقوب عن حماد عن حميد عن أنس قال‏:‏ فرض عمر للهرمزان في ألفين من العطاء‏.‏

حدثني العمري قال‏:‏ حدثني أبو عبد الرحمن الطائي‏.‏

عن الشعبي قال‏:‏ لما هم عمر بن الخطاب في سنة عشرين بتدوين الدواوين دعا بمخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم فأمرهما أن يكتبا الناس على منازلهم‏.‏

فكتبوا بني هاشم ثم اتبعوهم أبا بكر وقومه وعمر وقومه‏.‏

فلما نظر عمر في الكتاب قال‏:‏ وددت أنى في القرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم كذا‏.‏

ابدؤوا بالأقرب فالأقرب‏.‏

ثم ضعوا عمر بحيث وضعه الله‏.‏

فشكر العباس بن عبد المطلب رحمه الله على ذلك وقال‏:‏ وصلتك رحمٌ‏.‏

قال‏:‏ فلما وضع عمر الديوان قال أبو سفيان بن حرب‏:‏ أديوان مثل ديوان بني الأصفر إنك إن فرضت للناس اتكلوا على الديوان وتركوا التجارة‏.‏

فقال عمر‏:‏ لا بد من هذا فقد كثر فيء المسلمين‏.‏

قال‏:‏ وفرض عمر لدهقان نهر الملك ولأبن النخيرخان ولخالد وجميل ابني بوصبهري دهقان الفلاليج ولبسطام بن نرسي دهقان بابل وخطر نية وللرفيل دهقان العال وللهرموزان ولجفينة العبادي في ألف ألف‏.‏

ويقال إنه فضل الهرمزان ففرض له ألفين‏.‏

وحدثنا أبو عبيد عن إسماعيل بن عياش عن أرطئة بن المنذر عن حكيم بن عمير أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد‏:‏ ومن أعتقتم من الحمراء فأسلموا فألحقوهم بمواليهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم وإن أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فاجعلوهم أسوتهم في العطاء‏.‏

حدثنا هشام بن عمار عن بقية عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن أبيه عن أبي عبيده أن رجالًا من أهل البادية سألوه أن يرزقهم‏.‏

فقال‏:‏ والله لا أرزقكم حتى أرزق أهل الحاضرة‏.‏

وحدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا أبو اليمان قال‏:‏ حدثنا صفوان بن عمر قال‏:‏ كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن حصين أن مر للجن بالفريضة وعليك بأهل الحاضرة‏.‏

حدثني أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع‏.‏

عن ابن عمر أن عمر كان لا يعطي أهل مكة عطاء ولا يضرب عليهم بعثًا ويقول هم كذا وكذا‏.‏

حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن عدي بن ثابت عن أبي حازم‏.‏

عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من ترك كلًا فإلينا ومن ترك مالًا فلورثته‏.‏

حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال‏:‏ حدثنا الوليد بن مسلم عن سليمان أبن أبي العاتكة وكلثوم بن زياد قالا‏:‏ حدثني سليمان بن حبيب أن عمر فرض لعيال المقاتلة وذريتهم العشرات‏.‏

قال‏:‏ فأمضى عثمان ومن بعده من الولاة ذلك وجعلوها موروثة يرثها ورثة الميت ممن ليس في العطاء حتى كان عمر بن عبد العزيز‏.‏

قال سليمان‏:‏ فسألني عن ذلك فأخبرته بهذا‏.‏

فأنكر الوراثة وقال‏:‏ اقطعها وأعم بالفريضة‏.‏

فقلت‏:‏ فإني أتخوف أن يستنوا بك من بعدك في قطع الوراثة ولا يستنوا بك في عموم الفريضة‏.‏

قال‏:‏ صدقت وتركهم‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي قبيل قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفرض للمولود إذا ولد في عشرة فإذا بلغ أن يفرض له ألحق بالفريضة فلما كان معاوية فرض ذلك للفطيم‏.‏

فلما كان عبد الملك بن مروان قطع ذلك كله إلا عمن شاء‏.‏

حدثنا عفان‏:‏ حدثنا يزيد‏.‏

قال‏:‏ أنبأ يحيى بن المتوكل عن عبد الله بن نافع‏.‏

عن ابن عمر أن عمر كان لا يفرض للمولود حتى يفطم‏.‏

ثم نادى مناديه‏:‏ لا تعجلوا أولادكم عن الفطام فإن نفرض لكل مولودٍ في الإسلام‏.‏

وحدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق أن جده مر على عثمان فقال له‏:‏ كم معك من عيالك يا شيخ قال‏:‏ معي كذا‏.‏

قال‏:‏ قد فرضنا لك وفرضنا لعيالك مئة مئة‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا مروان بن شجاع الجزري قال‏:‏ أثبتني عمر بن عبد العزيز وأنا فطيمٌ في عشرة دنانير‏.‏

حدثنا إبراهيم بن محمد الشامي قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي الجحاف عن رجل من خثعم قال‏:‏ ولد لي ولدٌ فأتيت به عليًا فأثبته في مئة‏.‏

حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عبد الله بن شريك عن بشر بن غالب قال‏:‏ سئل الحسين بن علي - أو قال‏:‏ الحسن ابن علي شك عمر - متى يجب سهم المولود قال‏:‏ إذا استهل‏.

حدثني عمرو الناقد

قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد أن ثلاثة مملوكين لبني عفان شهدوا بدرًا‏.‏

فكان عمر يعطى كل إنسان منهم كل سنة ثلاثة آلاف درهم‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا ابن أبي عدي عن سفيان عن زهير ابن ثابت أو ابن أبي ذئب عن ذهل بن أوس أن عليًا أتى بمنبوذ فأثبته في مئة‏.‏

وحدثني عمرو والقاسم بن سلام قالا‏:‏ حدثنا أحمد بن يونس عن زهير وحدثني عبد الله بن صالح المقري عن زهير بن معاوية قال‏:‏ حدثنا أبو إسحاق عن حارثة بن المضرب أن عمر بن الخطاب أمر بجريبٍ من طعام فعجن ثم خبز ثم ثرد بزيت ثم دعا بثلاثين رجلًا فأكلوا منه غداءهم حتى أصدرهم‏.‏

ثم فعل بالعشي مثل ذلك‏.‏

فقال‏:‏ يكفي الرجل جريبان كل شهر‏.‏

فكان يرزق الناس الرجل والمرأة والمملوك جريبين كل شهر‏.‏

قال عبد الله بن صالح‏:‏ إن الرجل كان يدعو على صاحبه فيقول‏:‏ رفع الله جريبيك‏.‏

أي قطعهما عنك بالموت‏.‏

فبقي ذلك في ألسن الناس إلى اليوم‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثني أبو اليمان عن صفوان بن عمرو عن أبي الزاهرية أن أبا الدرداء قال‏.‏

رب سنة راشدةٍ مهدية قد سنها عمر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم منها‏:‏ المديان والقسطان‏.‏

حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن قيس بن رافع أنه سمع سفيان بن وهب يقول‏:‏ قال عمر وأخذ المدى بيد والقسط بيد‏:‏ إني قد فرضت لكل نفس مسلمة في كل شهر مدي حنطة وقسطي خل‏.‏

فقال رجل‏:‏ والعبد قال‏:‏ نعم والعبد‏.‏

حدثني هشام بن عمار قال‏:‏ حدثنا يحيى بن حمزة قال‏:‏ حدثني تميم ابن عطية قال‏:‏ حدثني عبد الله بن قيس أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ إنا أجرينا عليكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل شهر وفي يديه المدى والقسط‏.‏

قال‏:‏ فحركهما وقال‏:‏ حدثنا أبو عبيد قال‏:‏ حدثنا ابن أبي زائدة عن معقل بن عبيد الله عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا استوجب الرجل عطاءه ثم مات أعطاه ورثته‏.‏

حدثنا عفان وخلف البزار ووهب بن بقية قالوا‏:‏ أنبأ يزيد بن هارون قال‏:‏ أنبأ إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ قال الزبير بن العوام لعثمان بن عفان رضي الله عنهما بعد موت عبد الله بن مسعود‏:‏ اعطني عطاء عبد الله فعياله أحق به من بيت المال‏.‏

فأعطاه خمسة عشر ألفًا‏.‏

قال يزيد قال إسماعيل‏:‏ وكان الزبير وصى ابن مسعود‏.‏

وحدثني ابن أبي شيبة قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح ابن حي عن سماك بن حرب أن رجلًا مات في الحي بعد ثمانية أشهر مضت من السنة فأعطاه عمر ثلثي عطائه‏.‏

أمر الخاتم حدثني عفان بن مسلم قال‏:‏ حدثنا شعبة قال‏:‏ أنبأ قتادة قال‏:‏ سمعت أنس بن مالك يقول‏:‏ لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى ملك الروم قيل له‏:‏ إنهم لا يقرأون الكتاب إلا أن يكون مختومًا‏.‏

قال‏:‏ فاتخذ خاتمًا من فضة‏.‏

فكأني أنظر إلى بياضه في يده‏.‏

ونقش عليه‏:‏ محمدٌ رسول الله‏.‏

حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني قال‏:‏ حدثنا حماد بن زيد قال‏:‏ أنبأ أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من فضة وجعل فصه من باطن كفه حدثني محمد بن حيان الحياني قال‏:‏ حدثنا زهير عن حميد عن أنس بن مالك قال‏:‏ كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة كله وفصه منه‏.‏

حدثنا عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون عن حميد عن الحسن قال‏:‏ كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق وكان فصه حبشيا‏.‏

حدثنا هدية بن خالد قال‏:‏ حدثنا همام بن يحيى عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ قد صنعت خاتمًا فلا ينقشن أحدٌ على نقشه‏.‏

حدثنا بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة قالا‏:‏ اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من فضة ونقش عليه محمد رسول الله‏.‏

فكان أبو بكر يختم به ثم عمر ثم عثمان وكان في يده فسقط من يده في البئر فنزفت فلم يقدر عليه وذلك في النصف من خلافته‏.‏

فاتخذ خاتمًا ونقش عليه محمد رسول الله في ثلاثة أسطر‏.‏

قال قتادة‏:‏ وحربه كذا ‏.‏

حدثنا هناد قال‏:‏ حدثنا الأسود بن شيبان قال‏:‏ أخبرنا خالد بن سمير قال‏:‏ انتقش رجل يقال له معن بن زائدة على خاتم الخلافة‏.‏

فأصاب مالًا من خراج الكوفة على عهد عمر فبلغ ذلك عمر فكتب إلى المغيرة بن شعبة‏:‏ إنه بلغني أن رجلًا يقال له معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة فأصاب به مالًا من خراج الكوفة‏.‏

فإذا أتاك كتابي هذا فنفذ فيه أمري وأطع رسولي‏.‏

فلما صلى المغيرة العصر وأخذ الناس مجالسهم خرج ومعه رسول عمر‏.‏

فاشرأب الناس ينظرون إليه حتى وقف على معن‏.‏

ثم قال للرسول‏:‏ إن أمير المؤمنين أمرني أن أطيع أمرك فيه فمرني بما شئت‏.‏

فقال للرسول‏:‏ ادع لي بجامعة أعلقها في عنقه‏.‏

فأتى بجامعة فجعلها في عنقه وجبذها جبذًا شديدًا‏.‏

ثم قال للمغيرة‏:‏ احبسه حتى يأتيك فيه أمر أمير المؤمنين‏.‏

ففعل‏.‏

وكان السجن يومئذ من قصب فتمحل معنٌ للخروج وبعث إلى أهله‏:‏ أن ابعثوا لي بناقتي وجاريتي وعباءتي القطوانية‏.‏

ففعلوا‏.‏

فخرج من الليل وأردف جاريته فسار حتى إذا رهب أن يفصحه الصبح أناخ ناقته وعقلها ثم كمن حتى كف عنه الطلب‏.‏

فلما أمسى أعاد على ناقته العباءة وشد عليها وأردف جاريته ثم سار حتى قدم على عمر وهو يوقظ المتهجدين لصلاة الصبح ومعه درته‏.‏

فجعل ناقته وجاريته ناحيةً ثم دنا من عمر فقال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمه الله وبركاته‏.‏

فقال‏:‏ وعليك‏.‏

من أنت قال‏:‏ معن بن زائدة جئتك تائبًا‏.‏

قال‏:‏ ائت فلا يحييك الله‏.‏

فلما صلى صلاة الصبح قال الناس‏:‏ مكانكم‏.‏

فلمت طلعت الشمس قال‏:‏ هذا معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة فأصاب فيه مالًا من خراج الكوفة فما تقولون فيه فقال قائل‏:‏ اقطع يده‏.‏

وقال قائل‏:‏ اصلبه‏.‏

وعليٌ ساكت‏.‏

فقال له عمر‏:‏ ما تقول أبا الحسن‏.‏

قال‏:‏ يا أمير المؤمنين رجل كذب كذبة عقوبته في بشره‏.‏

فضربه عمر ضربًا شديدًا - أو قال مبرحًا - وحبسه‏.‏

فكان في الحبس ما شاء الله‏.‏

ثم إنه أرسل إلى صديق له من قريش‏:‏ أن كلم أمير المؤمنين في تخلية سبيلي‏.‏

فكلمه القرش فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين معن بن زائدة قد أصبته من العقوبة بما كان له أهلًا فإن رأيت أن تخلي سبيله‏.‏

فقال عمر‏:‏ ذكرتني الطعن وكنت ناسيًا‏.‏

علي بمعن‏.‏

فضربه ثم أمر به إلى السجن‏.‏

فبعث معن إلى كل صديق له‏:‏ لا تذكروني لأمير المؤمنين‏.‏

فلبث محبوسًا ما شاء الله‏.‏

ثم إن عمر انتبه له فقال‏:‏ معن‏.‏

فأتى به فقاسمه وخلى سبيله‏.‏

حدثني المفضل البشكري وأبو الحسن المدائني عن ابن جابان عن ابن المقفع قال‏:‏ كان ملك الفرس إذا أمر بأمر وقعه صاحب التوقيع بين يديه وله خادم يثبت ذكره عنده في تذكرة تجمع لكل شهر فيختم عليها الملك خاتمه وتخزن ثم ينفذ التوقيع إلى صاحب الزمام وإليه الختم فينفذه إلى صاحب العمل فيكتب به كتابًا من الملك وينسخ في الأصل ثم ينفذ إلى صاحب الزمام فيعرضه على الملك فيقابل به ما في التذكرة ثم يختم بحضرة الملك أو أوثق الناس عنده‏.‏

وحدثني المدائني عن مسلمة بن محارب قال‏:‏ كان زياد بن أبي سفيان أول من اتخذ من العرب ديوان زمامٍ وخاتم امتثالًا لما كانت الفرس تفعله‏.‏

حدثني مفضل اليشكري قال‏:‏ حدثني ابن جابان عن ابن المقفع قال‏:‏ كان لملكمن ملوك فارس خاتم للسر وخاتم للرسل وخاتم للتخليد يختم به السجلات والإقطاعات وما أشبه ذلك من كتب التشريف وخاتم للخراج‏.‏

فكان صاحب الزمام يليها‏.‏

وربما أفرد بخاتم السر والرسائل رجلٌ من خاصة الملك‏.‏

وحدثني أبو الحسن المدائني عن ابن جابان عن ابن المقفع قال‏:‏ كانت الرسائل بحمل المال تقرأ على الملك وهي تكتب في صحفٍ بيض‏.‏

وكان صاحب الخراج يأتي الملك كل سنة بصحف موصلة قد أثبت فيها مبلغ ما اجتبى من الخراج وما أنفق في وجوه النفقات وما حصل في بيت المال فيختمها ويجريها‏.‏

فلما كان كسرى بن هرمز ابرويز تأذى بروائح تلك الصحف وأمر أن لا يرفع إليه صاحب ديوان خراجه ما يرفع إلا في صحف مصفرة بالزعفران وماء الورد وأن لا تكتب الصحف التي تعرض عليه بحمل المال وغير ذلك إلا مصفرة‏.‏

ففعل ذلك‏.‏

فلما ولى صالح بن عبد الرحمن خراج العراق تقبل منه ابن المقفع بكور دجلة ويقال بالبهقباذ فحمل مالًا‏.‏

فكتب رسالته في جلد وصفرها‏.‏

فضحك صالح وقال‏:‏ أنكرت أن يأتي بها غيره‏.‏

يقول‏:‏ لعلمه بأمور العجم‏.‏

قال أبو الحسن‏:‏ وأخبرني مشايخ من الكتاب أن دواوين الشام إنما كانت في قراطيس وكذلك الكتب إلى ملوك بني أمية في حمل المال وغير ذلك‏.‏

فلما ولى أمير المؤمنين المنصور أمر وزيره أبا أيوب المورياني أن يكتب الرسائل بحمل الأموال في صحف وأن تصفر الصحف‏.‏

فجرى الأمر على ذلك‏.‏

أمر النقود حدثنا الحسين بن السود قال‏:‏ حدثنا يحيى بن آدم قال‏:‏ حدثني الحسن بن صالح قال‏:‏ كانت الدراهم من ضرب الأعاجم مختلفة كبارًا وصغارًا‏.‏

فكانوا يضربون منها مثقالًا وهو وزن عشرين قيراطًا ويضربون منها وزن اثني عشر قيراطًا ويضربون عشرة قراريط وهي أنصاف المثاقيل‏.‏

فلما جاء الله بالإسلام واحتيج في أداء الزكاة إلى الأمر الوسط أخذوا عشرين قيراطًا‏.‏

فضربوا على وزن الثلث من ذلك وهو أربعة عشر قيراطًا فوزن الدرهم العربي أربعة عشر قيراطًا من قراريط الدينار العزيز فصار وزن كل عشرة دراهم سبع مثاقيل‏.‏

وذلك مئة وأربعون قيراطًا وزن سبعة‏.‏

وقال غير الحسن بن صالح‏:‏ كانت دراهم الأعاجم ما العشرة منها وزن عشرة مثاقيل وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل وما العشرة منها وزن خمسة مثاقيل‏.‏

فجمع ذلك فوجد إحدى وعشرين مثقالًا‏.‏

فأخذ ثلثه وهو سبعة مثاقيل فضربوا دراهم وزن العشرة منها سبعة مثاقيل‏.‏

وحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر الأسلمي قال‏:‏ حدثنا عثمان ابن عبد الله بن موهب عن أبيه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال‏:‏ كانت دنانير هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية وترد عليهم دراهم الفرس البغلية‏.‏

فكانوا لا يتبايعون إلا على أنها تبر‏.‏

وكان المثقال عندهم معروف الوزن وزنه اثنان وعشرون قيراطًا إلا كسرًا ووزن العشرة الدراهم سبعة مثاقيل‏.‏

فكان الرطل أثني عشر أوقية وكل أوقية أربعين درهما‏.‏

فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وأقره أبو بكر وعمر وعثمان وعلي‏.‏

فكان معاوية فأقر ذلك على حاله‏.‏

ثم ضرب مصعب بن الزبير في أيام عبد الله بن الزبير دراهم قليلة كسرت بعد‏.‏

فلما ولى عبد الملك بن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير‏.‏

فكتب إلى الحجاج بن يوسف أن يضرب الدراهم على خمسة عشر قيراطًا من قراريط الدنانير‏.‏

وضرب هو الدنانير الدمشقية‏.‏

قال عثمان قال أبي‏:‏ فقدمت علينا المدينة وبها نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين فلم ينكروا ذلك‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وزن الدرهم من دراهمنا هذه أربعة عشر قيراطًا من قراريط مثقالنا الذي جعل عشرين قيراطًا‏.‏

وهو وزن خمسة عشر قيراطًا من إحدى وعشرين قيراطًا وثلاثة أسباع‏.‏

حدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني إسحاق ابن حازم عن المطلب بن السائب عن أبي وداعة السهمي أنه أراه وزن المثقال‏.‏

قال‏:‏ فوزنته فوجدته وزن مثقال عبد الملك بن مروان‏.‏

قال‏:‏ هذا كان عند أبي وداعة بن ضبيرة السهمي في الجاهلية‏.‏

وحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا الواقدي عن سعيد بن مسلم ابن بابك عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي قال‏:‏ كانت لقريش أوزانٌ في الجاهلية‏.‏

فدخل الإسلام فأقرت على ما كانت عليه‏.‏

كانت قريش تزن الفضة بوزنٍ تسميه درهما وتزن الذهب بوزن تسميه دينارًا‏.‏

فكل عشرةٍ من أوزان الدراهم سبعة أوزان الدنانير‏.‏

وكان وزن الشعيرة وهو واحد من الستين من وزن الدرهم‏.‏

وكان لهم الأوقية وزن أربعين درهما‏.‏

والنش وزن عشرين درهما‏.‏

وكانت لهم النواة وهي وزن خمسة دراهم‏.‏

فكانوا يتبايعون بالتبر على هذه الأوزان‏.‏

فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقرهم على ذلك‏.‏

محمد بن سعد عن الواقدي قال‏:‏ حدثني ربيعة بن عثمان عن وهب بن كيسان قال‏:‏ رأيت الدنانير والدراهم قبل أن ينقشها عبد الملك ممسوحة‏.‏

وهي وزن الدنانير التي ضربها عبد الملك‏.‏

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عثمان بن عبد الله ابن موهب عن أبيه قال‏:‏ قلت لسعيد بن المسيب‏:‏ من أول من ضرب الدنانير المنقوشة فقال‏:‏ عبد الملك بن مروان وكانت الدنانير ترد روميةً والدراهم كسرويةً وحميرية قليلة‏.‏

قال سعيد‏:‏ فأنا بعثت بتبر إلى دمشق فضرب لي على وزن المثقال في الجاهلية‏.‏

وحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن أبيه أن أول من ضرب وزن سبعة الحارث بين عبد الله بن أبي ربيعة المخزوى أيام ابن الزبير‏.‏

وحدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثني محمد بن عمر قال‏:‏ حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه أن عبد الملك أول من ضرب الذهب عام الجماعة سنة أربع وسبعين قال أبو الحسن المدائني‏:‏ ضرب الحجاج الدراهم آخر سنة خمس وسبعين ثم أمر بضربها في جميع النواحي سنة ستٍ وسبعين‏.‏

وحدثني داود الناقد قال سمعت مشايخنا يتحدثون أن العباد من أهل الحيرة كانوا يتروجون على مئة وزن ستة يريدون وزن ستين مثقالًا دراهم وعلى مئة وزن ثمانية يريدون ثمانين مثقالا دراهم وعلى مئة وزن خمسة يريدون وزن خمسين مثقالا دراهم وعلى مئة وزن مئة مثقال‏.‏

قال داود الناقد‏:‏ رأيت درهما عليه ضرب هذه الدراهم بالكوفة سنة ثلاث وسبعين فاجمع النقاد أنه معمول‏.‏

وقال‏:‏ رأيت درهما شاذا لم ير مثله عليه عبيد الله بن زياد فأنكر أيضًا‏.‏

حدثني محمد بن سعد قال‏:‏ حدثني الواقدي عن يحيى بن النعمان الغفاري عن أبيه قال‏:‏ ضرب مصعب الدراهم بأمر عبد الله بن الزبير سنة سيعين على ضرب الأكاسرة وعليها بركة الله‏.‏

فلما كان الحجاج غيرها‏.‏

وروي عن هشام بن الكلبي أنه قال‏:‏ ضرب مصعب مع الدراهم دنانير أيضًا‏.‏

حدثني داود الناقد قال‏:‏ حدثني أبو الزبير الناقد قال‏:‏ ضرب عبد الملك شيئًا من الدنانير في سنة أربع وسبعين ثم ضربها سنة خمس وسبعين وأن الحجاج ضرب دراهم بغلية كتب عليها‏:‏ بسم الله‏.‏

الحجاج‏.‏

ثم كتب عليها بعد سنة‏:‏ الله الصمد‏.‏

فكره الفقهاء ذلك فسميت قال‏:‏ ويقال إن الأعاجم كرهوا نقصانها فسميت مكروهة‏.‏

قال‏:‏ وسميت السميرية بأول من ضربها واسمه سمير‏.‏

حدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال‏:‏ حدثني عوانة بن الحكم أن الحجاج سأل عن ما كانت الفرس تعمل به في ضرب الدراهم‏.‏

فاتخذ دار ضرب وجمع فيها الطباعين‏.‏

فكان يضرب المال للسلطان مما يجتمع له من التبر وخلاصة الزيوف والستوقة والبرهجة‏.‏

ثم أذن للتجار وغيرهم في أن تضرب لهم الأوراق واستغلها من فضول ما كان يؤخذ من فضول الأجرة للصناع والطباعين‏.‏

وختم أيدي الطباعين‏.‏

فلما ولى عمر بن هبيرة العراق ليزيد بن عبد الملك خلص الفضة أبلغ من تخليص من قبله وجود الدراهم‏.‏

فاشتد في العيار‏.‏

ثم ولي خالد بن عبد الله البجلي ثم القسري العراق لهشام بن عبد الملك فاشتد في النقود أكثر من شدة ابن هبيرة حتى أحكم أمرها أبلغ من أحكامه‏.‏

ثم ولى يوسف بن عمر بعده فأفرط في الشدة على الطباعين وأصحاب الغيار وقطع الأيدي وضرب الأبشار‏.‏

فكانت الهبرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بني أمية‏.‏

ولم يكن المنصور يقبل في الخراج من نقود بني أمية غيرها‏.‏

فسميت الدراهم الأولى المكروهة‏.‏

عن أبيه أن عبد الملك بن مروان أول من ضرب الذهب والورق بعد عام الجماعة‏.‏

قال‏:‏ فقلت لأبي‏:‏ أرأيت قول الناس إن ابن مسعود كان يأمر بكسر الزيوف قال‏:‏ تلك زيوف ضربها الأعاجم فغشوا فيها‏.‏

حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال‏:‏ حدثنا حماد بن سلمة قال‏:‏ حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس أن ابن مسعود كانت له بقاية في بيت المال فباعها بنقصان‏.‏

فنهاه عمر بن الخطاب عن ذلك فكان يدينها بعد ذلك‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن قدامة بن موسى أن عمرو وعثمان كانا إذا وجدا الزيوف في بيت المال جعلاها فضة‏.‏

حدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز أنى برجل يضرب على غير سكة السلطان فعاقبه وسجنه وأخذ حديده فطرحه في النار‏.‏

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن عبد الملك مروان أخذ رجلًا يضرب على غير سكة قال المطلب‏:‏ فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسنوا ذلك من فعله وحمدوه‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وأصحابنا يرون فيمن نقش على خاتم الخلافة المبالغة في الأدب والشهرة وأن لا يرون عليه قطعًا وذلك رأي أبي حنيفة الثوري‏.‏

وقال مالك وابن أبي ذئب وأصحابهما‏:‏ نكره قطع الدرهم إذا كانت على الوفاء وننهى عنه لأنه من الفساد‏.‏

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه‏:‏ لا بأس بقطعها إذا لم يضر ذلك بالإسلام وأهله‏.‏

حدثني عمرو الناقد قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عون عن ابن سيرين أن مروان بن الحكم أخذ رجلًا بقطع الدراهم فقطع يده فبلغ ذلك زيد بن ثابت فقال‏:‏ لقد عاقبه‏.‏

قال إسماعيل‏:‏ يعني دراهم فارس‏.‏

قال محمد بن سعد وقال الواقدي‏:‏ عاقب أبان بن عثمان وهو على المدينة من يقطع الدراهم‏.‏

ضربه ثلاثين وطاف به‏.‏

وهذا عندنا فيمن قطعها ودس فيها المفرغة والزيوف‏.‏

وحدثني محمد عن الواقدي عن صالح بن جعفر عن ابن كعب في قوله‏:‏ ‏{‏أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء‏}‏‏.‏ قال‏:‏ قطع الدراهم‏.‏

حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا يزيد بن هارون قال‏:‏ أنبأنا يحيى بن سعيد قال‏:‏ ذكر لابن المسيب رجل يقطع الدراهم فقال سعيد‏:‏ هذا من الفساد في الأرض‏.‏

حدثنا عمر الناقد قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن قال‏:‏ كان الناس وهم أهل كفر قد عرفوا موضع هذا الدرهم من الناس فجودوه وأخلصوه فلما صار إليكم غششتموه وأفستدموه‏.‏

ولقد كان عمر بن الخطاب قال‏:‏ هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل‏.‏

فقيل له إذًا لا بعير‏.‏

فأمسك‏.‏

أمر الخط حدثنا عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن جده وعن الشرقي بن القطامي قال‏:‏ اجتمع ثلاثة نفر من طيء ببقة وهم مرا مر بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية‏.‏

فتعلمه منهم قوم من الأنفار ثم تعلمه أهل الحيرة من أهل الأنبار‏.‏

وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي ثم السكوني صاحب دومة أتجندل يأتي الحيرة فيقيم بها لحين وكان نصرانيًا‏.‏

فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة‏.‏

ثم أتى مكة في بعض أمره فرآه سفيان بن أمية بن عبد شمس وأبو قيس بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسألاه أن يعلمهما الخط‏.‏

فعلمهما الهجاء ثم أراهما الخط فكتبا‏.‏

ثم إن بشرًا وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلم الخط منهم‏.‏

وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منه عمرو بن زرارة بن عدس فسمي عمرو الكاتب‏.‏

ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك‏.‏

وتعلم الخط من الثلاثة الطائيين أيضًا رجل من طابخة كلب فعلمه رجلًا من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قومًا من أهلها‏.‏

وحدثني الوليد بن صالح ومحمد بن سعد قالا‏:‏ حدثنا محمد بن عمر الواقدي عن خالد بن الياس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم العدوي قال‏:‏ دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلًا كلهم يكتبون‏:‏ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة ويزيد بن أبي سفيان وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن عمرو العامري من قريش وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وأبان بن سعيد بن العاصي بن أمية وخالد بن سعيد أخوه وعبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري وحويطب بن عبد العزى العامري وأبو سفيان بن حرب بن أمية‏.‏

ومعاوية بن أبي سفيان وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي‏.‏

حدثني بكر بن الهيثم قال‏:‏ حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للشفاء بنت عبد الله العدوية من رهط عمر بن الخطاب‏:‏ ألا تعلمين حفصة رقنة النملة كما علمتها الكتابة وكانت الشفاء كاتبة في الجاهلية‏.‏

حدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن أسامة بن زيد عن عبد الرحمن بن سعد قال‏:‏ كانت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكتب‏.‏

وحدثني الوليد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن علقمة بن أبي علقمة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تكتب‏.‏

وحدثني الوليد عن الواقدي عن فروه عن عائشة بنت سعد أنها قالت‏:‏ علمني أبي الكتاب‏.‏

عن عائشة أنها كانت تقرأ المصحف ولا تكتب‏.‏

وحدثني الوليد عن الواقدي عن عبد الله بن يزيد الهذلي عن سالم سبلان عن أم سلمة أنها كانت تقرأ ولا تكتب وحدثني الوليد ومحمد بن سعد عن الواقدي عن أشياخنا قالوا‏:‏ أول من كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة أبي بن كعب الأنصاري‏.‏

وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتب فلان‏.‏

فكان أبي إذا لم يحضر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدبن ثابت الأنصاري فكتب له‏.‏

فكان أبي وزيد يكتبان الوحي بين يديه وكتبه إلى الناس وما يقطع وغير ذلك‏.‏

قال الواقدي‏:‏ وأول من كتب له من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح ثم ارتد ورجع إلى مكة وقال لقريش‏.‏

أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد‏.‏

وكان يملي عليه الظالمين فيكتب الكافرين‏.‏

يمل عليه سميع عليم فيكتب غفور رحيم‏.‏

وأشباه ذلك فأنزل الله‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله‏}‏‏.‏ فلما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان وقال‏:‏ أخي من الرضاع وقد أسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتركه وولاه عثمان مصر‏.‏

فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان شرحبيل بن حسنة الطابخي من خندف حليف قريش‏.‏

ويقال بل هو كندي وكتب لهم جهيم بن الصلت مخرمة وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد بن العاص والعلاء بن الحضرمي‏.‏

فلما كان الفتح أسلم معاوية وكتب له أيضا‏.‏

ودعاه يومًا وهو يأكل فأبطأ فقال‏:‏ لا أشبع الله بطنه‏.‏

فكان يقول‏:‏ لحقنني دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل‏.‏

وقال الواقدي وغيره‏:‏ كتب حنظلة بن الربيع بن رباح الأسدي من تميم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فسمي حنظلة الكاتب‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلًا‏.‏

وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون‏.‏

وهم سعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو وأبي بن كعب وزيد بن ثابت فكان يكتب العربية والعبرانية ورافع بن مالك وأسيد بن حضير وسعد بن الربيع وأوس ابن خولى وعبد الله بن أبي المنافق‏.‏

قال‏:‏ فكان الكملة منهم - والكامل من يجمع إلى الكتاب الرمي والعوم - رافع بن مالك وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير وعبد الله ابن أبي وأوس بن خولى وكان من جمع هذه الأشياء في فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان شرحبيل بن حسنة الطابخي من خندف حليف قريش‏.‏

ويقال بل هو كندي وكتب لهم جهيم بن الصلت مخرمة وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد بن العاص والعلاء بن الحضرمي‏.‏

فلما كان الفتح أسلم معاوية وكتب له أيضاَ‏.‏

ودعاه يومًا وهو يأكل فأبطأ فقال‏:‏ لا أشبع الله بطنه‏.‏

فكان يقول‏:‏ لحقنني دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل‏.‏

وقال الواقدي وغيره‏:‏ كتب حنظلة بن الربيع بن رباح الأسدي من تميم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فسمي حنظلة الكاتب‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلًا‏.‏

وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون‏.‏

وهم سعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو وأبي بن كعب وزيد بن ثابت فكان يكتب العربية والعبرانية ورافع بن مالك وأسيد بن حضير وسعد بن الربيع وأوس ابن خولى وعبد الله بن أبي المنافق‏.‏

قال‏:‏ فكان الكملة منهم - والكامل من يجمع إلى الكتاب الرمي والعوم - رافع بن مالك وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير وعبد الله ابن أبي وأوس بن خولى وكان من جمع هذه الأشياء في فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان شرحبيل بن حسنة الطابخي من خندف حليف قريش‏.‏

ويقال بل هو كندي وكتب لهم جهيم بن الصلت مخرمة وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد بن العاص والعلاء بن الحضرمي‏.‏

فلما كان الفتح أسلم معاوية وكتب له أيضاَ‏.‏

ودعاه يومًا وهو يأكل فأبطأ فقال‏:‏ لا أشبع الله بطنه‏.‏

فكان يقول‏:‏ لحقنني دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل‏.‏

وقال الواقدي وغيره‏:‏ كتب حنظلة بن الربيع بن رباح الأسدي من تميم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فسمي حنظلة الكاتب‏.‏

وقال الواقدي‏:‏ كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلًا‏.‏

وكان بعض اليهود قد علم كتاب العربية وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون‏.‏

وهم سعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو وأبي بن كعب وزيد بن ثابت فكان يكتب العربية والعبرانية ورافع بن مالك وأسيد بن حضير وسعد بن الربيع وأوس ابن خولى وعبد الله بن أبي المنافق‏.‏

قال‏:‏ فكان الكملة منهم - والكامل من يجمع إلى الكتاب الرمي والعوم - رافع بن مالك وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير وعبد الله ابن أبي وأوس بن خولى وكان من جمع هذه الأشياء في قال الواقدي‏:‏ وكان جفينة العبادي من أهل الحيرة نصرانيًا ظئرًا لسعد بن أبي وقاص‏.‏

فاتهمه عبيد الله بن عمر بمشايعة أبي لؤلؤة على قتل أبيه فقتله وقتل ابنيه‏.‏

حدثنا اسحاق بن اسرائيل قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت قال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كتاب اليهود وقال لي‏:‏ إني لا آمن يهوديًا على كتابي‏.‏

فلم يمر بي نصف شهر حتى تعلمته‏.‏

فكنت أكتب له إلى يهود وإذا كتبوا إليه قرأت كتابهم  تم بحمد الله وفضله 

شبكة مشكاة الإسلامية

مكتبة مشكاة الإسلامية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال  المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟ الباب الخامس قيم التقدم   في ا...