Translate

الجمعة، 21 أبريل 2023

المرأة{2و3}

المرأة  - 2 -

3/7/1419هـ

إن الحمد لله ، نحمده ونستغفره ونستعينه …

أما بعد :

وتتمةً لموضوع المرأة ، وهي الورقة الثانية من الملف الذي فتح في الأسبوع الماضي . وبالمناسبة فإن أوراق ملف المرأة غير مرتبة ، بمعنى أنه لايلزم أن تكون المواضيع متسلسلة بحيث يرتبط لاحقها بسابقها ، ولا يعني أيضاً أن ما قُدّم أنه أهمّ مما سيأتي بعده ، لكنها تأتي هكذا بحسب ما يجول في الخاطر اتفاقاً ، لكنها في النهاية تصب في موضوع أساسي واحد وهو ما نحن بصدده موضوع المرأة .

إن المرأة تواجه تحديات كثيرة في هذا الواقع المرّ ، وتواجه صراعات متعددة الأطراف ، فأنت لاتدري هل تحميها من ذئاب الإعلام ، أم تحافظ عليها من فساد الشارع والسوق ، أم تحذرها من أدعياء التقدم ورافعي راية التغريب ، أم ماذا تقول لها في هذا الوقت العصيب .

ثم إنه ليس بغريب أن يسعى دعاة التغريب جاهدين بكل ما يستطيعون ، محاولين تغريب المرأة ، وإخراجها من بيتها المكنون ، وليس أيضاً بغريب أن تُطرح أطروحات عفنة مما سمعتم من نماذج في الجمعة الماضية ، ممن في قلوبهم مرض أو ممن يكره الدين أو من مرتد أو زنديق .

لكن الأسف كل الأسف أيها الأحبة أن يدخل هذا المضمار بحسن نية أناس محسوبون على أهل الاسلام ، ويمثلون توجهاً إسلامياً معروفاً ، بل وممن يعتبرهم عوام الناس من مشايخ هذا العصر ، ويستفتونهم في كافة شئون حياتهم . أقول إنه من المؤسف أن نحذر من ضمن من نحذر منهم وما نحذر في موضوع المرأة ، من يمثلون الإسلام ، لكنها مصيبة ولا ينبغي السكوت . وحتى أكون واضحاً ولئلا يذهب عقل السامع هنا وهناك فإن المعنيّ هو مفتي قطر . والذي يجب وجوباً التحذير من فتاواه ، وكشف عوار شطحاته وشذوذاته ، وإن أصاب في بعض الفتاوى لأن منطلقاته في الفتوى فيها نظر وطريقته في الاستدلال غير سليمة ، ولهذا فإن العامة مرتاحة ومعجبة بفتاواه ولا أدري هل هذا الإرتياح وهذا الإعجاب ، هو مجرد ارتياح أم لأن فتاواه توافق أهواء ورغبات العامة من تجويز بعض الأشياء المنهي عنها ، والتساهل في كثير من الأمور ، وتمييع الدين ومحاولة تقريبه من حياة الغرب ، كل ذلك بحجة – أقصد مفتي قطر – فقه التيسير ، والفقه المرن ، وفقه معرفة ومراعاة أحوال الناس .

لقد فتح باباً من الشر عظيم عندما أفتى بجواز كشف المرأة لوجهها ، وكثيرين ممن يتساهلن في هذا الأمر يحتجون بقوله وأنه عالم ، وفتح باباً من الشر أيضاً عظيم عندما أفتى بجواز سماع الغناء والموسيقى ، وقد خالف بقوله هذا أعداداً من العلماء المعتبرين في السابق واللاحق . وليس القصد هنا تعداد المسائل الذي خالف فيها المحققين من أهل العلم ، لكن لأن موضوعنا الحديث عن المرأة فإن المفتي قد فتح باباً آخر من الشر أعظم من أختها ، في الأيام التي مضت فيما نحن بصدد الحديث عنه وضمن كلامنا حول قضايا المرأة ألا وهو إباحتهُ لعمل المرأة في التمثيل ، بل والدعوة إلى ذلك ، فاسمع رعاك الله بعضاً من كلامه اذا كنت ممن يتابع برامجه عبر الشاشة أو كنت ممن يرتاح لفتاويه ، يقول القرضاوي : [1]

إن الفقهاء لا يمكن أن يقفوا عاجزين أمام التحدي الإعلامي ويدفنوا رؤوسهم في الرمال وعليهم أن يواجهوا مشكلات العصر بفقه جديد وفهم جديد للتكيف مع تطورات العصر في ضوء ضوابط الشرع …

وقال : إن الاسلام يريد إعلاماً حياً شاملاً من دراما ومسلسلات وأفلام ومسرحيات وبرامج علمية ومهنية وترويحية مختلفة كبدائل كاملة للإعلام الغربي اللاديني  الموجه ضد المسلمين ليفسد عليهم دينهم ، وسندهم في ذلك الفقهاء والفقه المعاصر المعتدل المرن …

فهل سمعت أذناك كلاماً أغرب من هذا وممن ؟ من أحد من يعتلي أعلى وأخطر منبر وهو منبر الفتوى . إنه من الطبيعي أن يفكر المسلمون في إعلام يكون بديلاً عن الإعلام الغربي وهذا الكلام في الجملة لاغبار عليه لكن الغبار والمأخذ على البديل الذي يقترحه الشيخ حيث يقول :

إن اشتراك المرأة في التمثيل أمر ضروري لابد منه ، لأننا لانستطيع أن نخرج المرأة من الحياة – تأمل أيها المحب في طريقة الاستدلال " لأننا لانستطيع أن نخرج المرأة من الحياة " – ثم يقول : وأي عمل درامي هادف لاتوجد فيه المرأة فهو عمل غير منطقي ودليلنا على ذلك – إسمع الدليل – أن القصص القرآني منذ آدم عليه السلام حتى الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام لم يهمل وجود المرأة فيه حيث آدم وحواء ، ونوح وامرأته ، وكذلك لوط وزوجته ، ثم الخليل إبراهيم وزوجتيه ، ثم قصة ابني آدم وموسى منذ ولادته ووجود أمه وأخته وامرأة فرعون وابنتي شعيب وحوارهما مع نبي الله موسى ويوسف وامرأة العزيز وسورة كاملة تحكي تفاصيل قصة احتلّت فيها المرأة دوراً رئيساً ، ثم سيدنا عيسى وجدته وقصة والدته مفصلة وحتى قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش حيث ذكر القرآن هذه القصص كلها وفيها المرأة بدورها الحيوي فكيف بنا نغلق الباب أمامها ونخرجها من الحياة ؟

عجيب هذا الاستدلال أيها الأحبة ، وهل لذكر المرأة في القرآن مجرد ذكر دليل على جواز التمثيل وأن تشارك في مشهد درامي أو تظهر على المسارح كما زعم ، إن المرأة ذكرت في القرآن في بعض المواطن في معرض الذم وأحياناً في معرض الكفر والشرك فكيف يقال بأن مجرد الذكر دليل على جواز التمثيل .

يواصل الدكتور قوله فيقول : إن اشتراك المرأة في التمثيل إشكالية تحتاج للاجتهاد والتغلب عليها لإيجاد حل لها ، وهذا الحل ليس بفقه المنع الذي لايحل مشكلة رغم سهولته ، وترديد الفتوى بأن ذلك حرام حرام ، فتبقى العقد كما هي والنتيجة أن ينطلق الناس بدوننا ، وليس من الحكمة أن نغلق الأبواب فيدعنا الناس ونقف وحدنا فلا بد من أن نتبنى فقه التيسير ونُعمل عقولنا في فقه جديد نجتهد لعصرنا كما اجتهد فقهاؤنا القدامى لعصرهم ، ولو كان الأئمة المجتهدون يعيشون في عصرنا اليوم لتعاملوا مع هذه القضايا بصورة مختلفة وفق هذه القواعد الفقهية بأن عموم البلوى من المخففات ، وأنه اذا ضاق الأمر اتسع ، والمضايقات تجلب التيسير دون افتئات على محكمات النصوص … إلى أن قال : لأنه من غير المقبول إنشاء قصة خالية من المرأة فهذا ضد الواقع .

تأمل كيف يصور الشيخ القضية بأن التمثيل مما عمت به البلوى وأنه أصبح ضرورة ، وأي ضرورة في تمثيل المرأة ؟ إن أقل طالب علم لا يمكن أن يعتبر تمثيل المرأة من باب التحسينيات فضلاً عن الشيخ الذي يعرف ما معنى كلمة ضرورة عند الفقهاء وهو أنه يقوم عليها مصالح الدين والدنيا ، بحيث اذا فُقدت لم تَجرِ مصالح الدنيا على استقامة ، إن الضرورة اذا فُقدت فلا يستقيم النظام بالإخلال بها ، وإذا انخرمت ، حال الأمر الى فساد ، فأين كل هذا من تمثيل المرأة .

اليوم خرجت الفتوى بجواز تمثيل المرأة بحجة أنها ضرورة لمواجهة مشكلات العصر والتكيف مع تطورات العصر فليس بغريب أن تكون الفتوى في الغد عن جواز الرقص للمرأة من أجل مواجهة مشكلات العصر ، ولا بأس بأن تشارك المرأة في الفرق الموسيقية تكيفاً مع تطورات العصر ، وفي النهاية لو جمّعنا هذه الفتاوى لأصبح لدينا ممثلات وراقصات وعارضات أزياء ومغنيات على الطريقة الاسلامية ، فيا للعجب !!! .

ثم هذه الجرأة على فقهاء المسلمين القدامى بأنهم لو عاشوا عصرنا لتعاملوا مع هذه القضايا بصورة مختلفة . وبناءً على كلام الشيخ فإن فقهاء الأمة الأئمة الأربعة أبوحنيفة والشافعي ومالك وأحمد يُصنفون ضمن أصحاب الفقه اليابس والقاسي ، وتكون فتاواهم على وجوب حفظ المرأة وسترها واحتشامها وحرمة تبرجها واختلاطها بالرجال ، فإن هذا في نظر الشيخ أنه من فقه التعسير وليس من باب فقه التيسير الذي ينادي به .

تخيلوا أيها الأحبة أن بنتي أو بنتك حسب هذه الفتوى وأختي أو أختك تخرج من بيتها لتذهب إلى معهد يعلّم التمثيل ثم تتخرج لتكون ممثلة إسلامية بشروط . كم من الفتاوى أفسدت وجرّت على المسلمين أنواعاً من البلاء . وبدلاً من أن يكون الشيخ في قمة المدافعين عن حمى هذه الشريعة وأحكامها نراه ينـزلق في فتاوى حججها التكيّف ومقتضيات العصر وفقه التيسير ، والفقه المرن ، فيطرح طرحاً مشابهاً لأصحاب من يسمون بالاسلام المستنير الذين انطلقوا تحت ضغط الواقع من منطلقات عقلانية تستدبر النص الشرعي والضابط الفقهي .

أيها المسلمون : قال الله تعالى ( وقل للمؤمنات يَغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فهل يعقل أن يأمر الاسلام بغض البصر عن الرؤية المحرمة ويجيز في الوقت نفسه أن تخرج المرأة في دور تمثيلي في المسرح أو أمام المشاهدين ؟ وقال الله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما) فهل يصح في العقل والنظر أن يأمر الله المرأة بأن تدني عليها من جلبابها لئلا تعرف ثم يجيز في الوقت نفسه أن تظهر على شاشة التلفاز والقنوات ممثلة أو مذيعة ؟ . وفي صحيح مسلم عن جرير رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري ) . فإذا كانت فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نظرة الفجأة وهو مما تعم به البلوى في بعض الأحيان ، فهل يعقل أن تجيز الشريعته المتكاملة البريئة من النقص والتناقض أن تخرج المرأة عارضة نفسها في التمثيل أمام كل من يراها؟ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( العينان زناهما النظر … الحديث ) فأي شيئ يكون زنى العينين سوى تسريح النظر في محاسن النساء الأجنبيات والتمتع بالنظر إليهن ، والذي يحدث بتمثيل المرأة أن تظهر بوجهها وجسمها في الشاشة أو على المسرح والأعين تنظر إليها . وفي جامع الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه : ( يا علي لاتتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ) . وهذا الحديث وحده كاف في حسم هذه القضية فهو نص في محل النـزاع لأنه يستنبط منه أنه لايجوز إتباع النظرة الأولى التي هي نظرة الفجأة نظرة ثانية مقصودة متعمدة ، وهذا ما سوف يحدث حتماً بظهور المرأة ممثلة .

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا

اللهم إن أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين

أقول هذا القول ، فإن كان صواباً فمن الله ، وإن كا خطأً فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان ، وأستغفر الله لي ولكم وسائر …


الحمد لله على إحسانه …

أما بعد : أيها المسلمون :

إن للفتوى علمائها ، وللإجتهاد فرسانه ورجالاته ، ولا يصلح أيها الأحبة أن يتصدر أويتصدى لهذا الأمر كل أحد ، وبالمناسبة أحذركم من مشايخ الشاشة ، إحذروا مشايخ الشاشة ،مرّة ثالثة ، إحذروا مشايخ الشاشة ، فإن الفتاوى المعتبرة ليست عندهم ، واذا أرت يا عبد الله وهذا هو الظن بك أن تنجو من عذاب الله يوم القيامة وأن تخلص رقبتك من النار فلا تأخذ إلا من العلماء الموثوقون بدينهم وأمانتهم وورعهم البعيدين عن الدنيا ، الأتقياء ، الذين يراقبون الله تعالى في فتواهم ، ولا يُظن بأن الأمة تجهل علمائها ، أو أنها لاتعرف ممن تأخذ ، أما ذلك الذي يبحث عن الرخص ، ويقول أجعلها في رقبة عالم أو شيخ وهو يعلم بأنه ما توجه لسؤال فلان إلا لهوىً في نفسه أو لعلمه بتساهل فلان هذا في الفتوى ، فهذا لاينفعه ذلك يوم القيامة .

أيها المسلمون :

وعوداً لموضوع المرأة وإن لم نبعد كثيراً ، إنه من الضروري أن تفقه المرأة ويفقه ولي أمرها من الذي يريد لها الخير ومن الذي يتربص بها . وينبغي أن يعلم بأن أولئك الذين يتظاهرون اليوم أنهم هم الحريصون على مستقبلها وأنهم هم الذين سيخلصونها مما تعانيه – زعموا – أنهم كذبوا في زعمهم ذلك ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) وهذا الصنف كثير اليوم في ديار المسلمين ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) وإذا نظرنا إلى جذورهم الفكرية وجدناها تمتد في فكر أعداء الاسلام ، تشرب منه وتستمد من تعاليمه ومنهجه ، فكلما نعق ناعق في أحد عواصم الكفر في الغرب ، ردد النبرة نفسها أذنابهم في الشرق ، هؤلاء الذين قال عنهم رسول صلى الله عليه وسلم ( دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها ) وقال معرفاً بهم : ( هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ) إن هؤلاء يرددون ما يقوله أسيادهم في واشنطن ولندن وموسكو ، فإنهم لايقولون للمرأة تعالي إلى العلمانية ولا يقولون لها أخرجي من الإسلام ، ولكنهم يفعلون معها ما فعله إبليس بآدم وحواء حتى أخرجهما من الجنة ( وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) وهؤلاء يقسمون بأيديهم وأرجلهم أنهم ناصحون للمرأة وكذبوا ورب الكعبة ، لكنهم يتاجرون بقضية المرأة لتحقيق مآربهم الشخصية .

وللحديث بقية أسأل الله تعالى العون والسداد .

اللهم رحمة إهد بها قلوبنا – واجمع بها شملنا – ولم بها شعثنا – ورد بها الفتن عنا .

اللهم صلي على محمد …

المرأة – 3 –

17/7/1419هـ

ان الحمد لله …

أما بعد : عباد الله :

فهذه هي الورقة الثالثة من أوراق ملف المرأة .

إن العاقل لاينكر ما يرى ويسمع في الواقع من جهود مبذولة في إفساد المرأة وقد مرّ عليكم طرفاً كم ذلك في خطبتين سابقتين .

إن هذا الكيان التي هي المرأة إذا انخرم منه جزءٌ ولو يسير فإن ذلك منذر بانهيار المجتمع كله وليست المرأة وحدها .

هناك قضية ترد بين آونة وأخرى ، ويُسمع ويُقرأ من يتحدث عنها ، مرة بالتلميح ومرات بالتصريح يصب في نهر الكيد لهذا الدين بشكل عام وإفساد المرأة بشكل خاص ، هذه القضية هي محور خطبتنا هذه المرّة ضمن أوراق ملف المرأة وهي – قيادة المرأة للسيارة - .

إن المفسدين وأصحاب الشهوات الدنيئة لايقفون عند حد ، وبعد كل فترة يطرحون لنا أمراً جديداً على مجتمعنا فيما يتعلق بالمرأة . ولا أظن أنكم لم تسمعوا من يتكلم في بعض المجالس ممن يعتنق هذا الرأي المنحرف أو لم تقرأوا ولو مقالاً ممن يكتب أو ممن يكتبن ، من أصحاب الأقلام الموبوءة حول هذا الموضوع ، ويطرحون بعض الشبه والتي سنذكرها بعد قليل ونبين ضعفها وخورها ، مما قد ينطلي على بعض البسطاء ، والذي لا يظن في أمثالكم .

هناك من يقول : بأن قيادة المرأة للسيارة أفضل وأحسن لها ولعرضها من ركوبها مع السائق لوحدها ، وهناك من يقول بأن المرأة كانت تركب الدابة في الزمن الأول بل وكانت تقوده لوحدها فما الذي يمنع من ركوبها للسيارة لوحدها وأن تقوده كما كانت النساء الأوائل يقدن الدابة .

ويضاف إلى هذه الشبه والتي ستسمع جوابها بعد قليل ، أن هناك من حملة بعض العلم في غير هذه البلاد يرون جواز هذا الأمر ويرخصون فيه ، لذا تجد عندنا من يتعلق بمثل هذه الفتاوى الرخيصة ويقول بأنهم علماء ورأيهم معتبر ولماذا تلزمونني بأن آخذ بقول عالمكم ، وهو يعلم في قرارة نفسه بأنه لم يقبل قول ذاك إلا لهوىً في نفسه ، وطمعاً في تحقيق بعض رغباته الشهوانية الافسادية . وكما قلنا مراراً أيها الأحبة بأن القضية الكبرى ليست المرأة  ، لكن القضية هو الاسلام ، إنه حرب على هذا الدين وأهله ، ومحاولات تلو محاولات لإفساد البيت المسلم ، وفي كل مرة يأتون من طريق ، وهذه المرة حجتهم ضرورة ، قيادة المرأة للسيارة لحل بعض الأزمات – زعموا - .

أيها المسلمون : عباد الله : وقبل عرض شبهات القوم إليكم بعض المفاسد المترتبة على قيادة المرأة للسيارة عندنا ، والتي حصلت عند غيرنا من الجيران ممن سبقونا بالدخول في هذا المضمار .

من هذه المفاسد : نزع الحجاب ، لأن قيادة المرأة للسيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة ومحط أنظار الرجال ، ربما يقول قائل : إنه يمكن أن تقود المرأة للسيارة بدون نزع الحجاب وذلك بأن تتلثم المرأة ولا يظهر الا عينيها ، وحتى العينين يمكن أن تلبس عليهما نظارتين سوداوين . الجواب : هذا خلاف الواقع من عاشقات قيادة السيارة ، واسأل من شاهد بنات مجتمعنا إذا سافروا خارج هذه البلاد وقدن السيارات هناك ، وعلى فرض أنه يمكن تطبيقه في ابتداء الأمر فان هذا لن يدوم طويلاً ، بل سيتحول الأمر في المدى القريب الى ما كانت عليه النساء في البلاد الأخرى كما هي سنة التطور المتدهور في أمور بدأت هينة مقبولة بعض الشيئ ثم تدهورت منحدرة الى محاذير مرفوضة .

ومن المفاسد : نزع الحياء من المرأة ، والحياء من الايمان كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والحياء هو الخلق الكريم الذي تقتضيه طبيعة المرأة وتحتمي به من التعرض للفتنة ، فاذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها .

ومن المفاسد أيضاً : أنها سبب لكثرة خروج المرأة من البيت ، والبيت خير لها كما قال ذلك أعلم الخلق بصالح الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن عاشقي القيادة يرون فيها متعة ، ولذا تجدهم يتجولون بسياراتهم هنا وهناك بدون حاجة لما يحصل لهم من المتعة بالقيادة .

ومن المفاسد : أنها سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب في سيارتها الى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه كما يحصل ذلك من بعض الشباب وهم أقوى تحملاً من المرأة .

ومن المفاسد : أنها سبب للفتنة في مواقف عديدة : في الوقوف عند اشارات الطريق ، وفي الوقوف عند محطات البنـزين ، وفي الوقوف عند نقط التفتيش ، وفي الوقوف عند رجال المرور عند التحقيق في مخالفة أو حادث ، وفي الوقوف عند خلل يقع في السيارة في أثناء الطريق فتحتاج المرأة الى إسعافها ، فماذا تكون حالها حينئذٍ ؟ ربما تصادف رجلاً سافلاً يساومها على عرضها في تخليصها من محنتها لاسيما اذا عظمت حاجتها حتى بلغت حد الضرورة .

ومن المفاسد : كثرة الزحام في الشوارع ، فنحن نعاني من الزحام والمرأة لم تمكّن بعد فكيف لو زاد عدد السيارات الى الضعف أو أكثر من ذلك .

ومن المفاسد : كثرة النفقة ، فان كثيراً من الأسر تعاني اليوم من ارتفاع في مستوى المعيشة مع بقاء الراتب على ما هو عليه ، وآلاف من الأسر يعانون من الديون والأقساط الشهرية ، فكيف الحال لو زاد الأمر على ذلك بشراء سيارات لنساء وبنات البيت الواحد .

ومن المفاسد : كثرة الحوادث لأن المرأة بمقتضى طبيعتها أقل من الرجل حزماً وأقصر نظراً وأعجز قدرة في التصرف عند مداهمة الخطر .

ومن المفاسد : فتح أبواب أخرى من الفساد تصب في خانة إخراج المرأة من بيتها ومخالطة الرجال ، اذ يستلزم ذلك الانتقال للمرحلة التالية وهي قولهم فاذا قادت المرأة قالوا : ألا يكون هناك شرطيات أيضاً ونساء مرور ونحوها من الدوائر ذات العلاقة ليُفتح بذلك أبواباً مغلقة لم تكن تخطر لأحد على بال ، وإذا صارت المرأة شرطية فلا بد أن تعرف بذلك وهذا سيدعو قطعاً الى كشف وجهها إذ كيف يعرف الناس أنها شرطية إلا بما يدل على ذلك من لباس وبطاقة ونحوها ، ولنا في جيراننا عبرة لمن أراد أن يتعظ .

ومن المفاسد : أن يتوسع بعد ذلك في القطاع الخاص ، فتنشأ ورش السيارات الخاصة بالنساء ويتطلب ذلك تدريب كوادر وطنية للقيام بمهنة الميكانيكا والسمكرة والكهرباء ، كما يتطلب ذلك فتح محلات لتأجير السيارات للنساء ومحلات لقطع الغيار ، فيتسع الخرق على الراقع ويصعب التحكم فيه وضبطه ، كما أن كل مجال يفتح يحتاج الى عاملات ، وبهذا يتحقق هدف أهل الشر في اخراج المرأة من بيتها وتدمير الأسرة المسلمة وإهمال البيت والأطفال وفتحهم على أبواب الضياع كما هو حاصل في الغرب .

ومن المفاسد : تهيئة الجو للفساد الأخلاقي الذي عمّ وطمّ وبدأ يتطاير شرره فتزداد معاكاست النساء بصورة لم يسبق لها مثيل وتتيسر سبلها أكثر ، وإذا كانت المعاكسات تحصل للمرأة مع وجود والدتها معها بل ومع زوجها أحياناً فما بالك إذا انفردت لوحدها ، هذا إذا كانت المرأة صالحة ، أما المرأة الفاسدة فيتيسر لها ما كان صعب المنال بلا رقيب ولا حسيب وما أكثرهن للأسف الشديد .

ومن المفاسد : تعريض المرأة للمخاطر العظيمة من المساومة على العرض ممن قلّ دينه إذا تعطلت في الأماكن النائية ، والمرأة ضعيفة الشخصية كما نعلم .

ومن المفاسد : أنها سبب لسفر المرأة بدون محرم ، وحينئذ تقع الطامة الكبرى حيث المخاطر الكبيرة ، وإذا كنّ اليوم يسافرن في الطائرات والقاطرات والحافلات بدون محرم فماذا يمنعها من السفر بالسيارة ؟! ، والسفر مُحرّم بدون محرم ولو لليلة ولو لعمل ووظيفة فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال :َ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لاَ يَحِلُّ لِإمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسيِرَةَ لَيْلَةٍ إلا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا ) رواه مسلم .

ومن المفاسد : أن من رأى جرأة النساء في الركوب مع سيارات الليموزين الآن لوحدهن مع علمهنّ بحوادث الإغتصاب ، علم أنهنّ لو قدن السيارات لفعلن الأفاعيل  ثم الفتنة ليست خوفاً على المرأة فقط بل يخشى على الرجال من الوقوع في المحرم بكثرة النساء في الشوارع والطرقات .

وأخيراً تخيل معي ياأخي الحبيب هذا المنظر : تأتي الأمّ  إلى مدرسة ثانوية لتأخذ ولدها الذي لم يصل إلى سن القيادة حيث الرجال يحيطون بها من كل جانب ، أو تمر على زوجها في العمل لتأخذه معها الى البيت .

فهل بعد ذكر هذه المفاسد وهي على سبيل المثال لا الحصر يشك مسلم في حرمة قيادة المرأة للسيارة .

وختاماً ينبغي أن تعلم يا عبدالله بأن هذا الحكم وهو الحرمة هو الذي يفتي به علماء هذه البلاد وعلى رأسهم سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن باز ، مفتي عام المملكة .

أيها المسلمون : إن خروج المرأة وقيادتها للسيارة عندنا ليس في صالح أحد ، الا أصحاب الشهوات والأغراض الدنيئة ، والمرأة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان ) رواه مسلم في الصحيح ، لكن : كما قال الشاعر :

أين العقول أما لديكم حكمةٌ        أين القلوب أما تحسّ وتشعر

ان عدّت الفتن العظام فإنما        فتن النساء أشدهنّ وأخطر

اني لأسأل كيف تبقى أسرةٌ        ووراءها سيف الدسائس يُشهر

اني لأسأل كيف تبقى أسرة        وقلوبهم بلظى المفاتن تُصهر

يغشون دعوى السافرات تهدماً        بنت المكارم في البيوت وتكسر

نخشى على الأخلاق كسراً بالغاً    إنّ المبادئ كسرها لايجبر

ماذا نقول لكعبةِ الله التي     بالثوب الطويل زمانها تتستر

نخشى على أوطاننا من فتنةٍ        فتن البلاء أمامها تستصغر

النار تأكل كل شيئ حولها        والقدر من فوق الأثافي يطفر

فبلادنا بين البلاد تميزت           بالدين يمنحها الثبات ويعمر

قد تهدِم السدّ المشيّد فأرةٌ         ولقد يحطّم أمةٌ متهور

أقول هذا القول فإن كان صواباً فمن الله وإن كان فيه خطأ فمن نفسي ومن الشيطان وأستغفر الله منه نفعني الله وإياكم بهدي كتابه …

الحمد لله رب العالمين …

أما بعد :

هناك بعض الشبه يطرحها أولئك الذين يسعون لتمكين المرأة أن تقود السيارة ، وقد طرحوا هذه الشبهات من خلال بعض الكتابات في الآونة الأخيرة حول هذا الموضوع .

فمن شبههم أن الأصل في قيادة المرأة للسيارة الإباحة وقد كان نساء الصحابة يركبن الدواب بلا نكير فأي فرق بين الحالين ؟

الجواب : أن كل وسيلة تفضي الى محرم فانه يحرّم سداً للذريعة ، وأيضاً ما كانت مفاسده غالبة على مصالحه فانه أيضاً يحرّم من هذا الباب ، ومن تأمل في المفاسد التي ذكرناها في الخطبة الأولى يدرك سبب تحريم العلماء قيادة المرأة للسيارة .

وأيضاً من الشبه التي تتطرح : أن قيادة المرأة للسيارة خير من ركوبها مع السائق الأجنبي بدون محرم .

الجواب : أن كلا الأمرين خطأ ، فركوبها مع السائق لوحدها خطأ ولا يجوز وقيادتها للسيارة لوحدها أيضاً خطأ ولا يجوز ، والخطأ لايعالج بالخطأ . واستمع جيداً لهذا المثال : لاشك عندنا جميعاً بأن المخدرات ضررها وخطورتها أشد بكثير من الخمر ، بل انها فتكها بالمجتمعات أشد من الخمور ، فاذا قال قائل : بما أن المخدرات قد انتشرت في أوساط بعض الشباب عندنا فالحل : هو أن نسمح بالخمور وأن يرخص لها . الجواب أن كلا الأمرين خطأ ، فاستعمال المخدرات محرّم ولا يجوز ، وشرب المسكرات والخمور وإن كان أقل ضرراً من المخدرات لكنه أيضاً محرّم ولا يجوز ، والخطأ لايعالج بالخطأ . وبمثل هذا يرد على من يقول بأن قيادتها لوحدها خير لها من ركوبها مع السائق الأجنبي بدون محرم .

ثم يقال أيضاً بأن قيادة المرأة للسيارة ضررها عام عليها وعلى سائر من تقابله من الرجال للفتنة بها ، أما السائق فضرره على أهل البيت الواحد ، والضرر العام مقدم على الضرر الخاص . كما مقرر في مقاصد هذه الشريعة .

ثم لو سلمنا بأن قيادة المرأة لوحدها خير من ركوبها مع السائق الأجنبي بدون محرم ، فمن الذي يضمن لنا أنه في اليوم الثاني من السماح للمرأة بالقيادة سوف يتم منع اقتناء أية أسرة لسائق أجنبي ، ولنا في جيراننا من دول الخليج عبرة ، فالأب يملك سيارة ، والأم تملك سيارة ، والابن يملك سيارة ، والبنت تملك سيارة ، وفي البيت أيضاً سائق أجنبي ويركبن معه وبدون محرم.

أيها المسلمون : ان الأصل في المرأة القرار في البيت وعدم الخروج ، قال الله تعالى ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) اذا كان هذا أيها الأحبة في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهنّ من هنّ في الطهر والعفاف ، فغيرهنّ أولى .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ….

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد ….

اللهم آمنا في أوطاننا …

 

 



[1] مجلة المجتمع - العدد 1319 - 9/6/1419هـ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال  المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟ الباب الخامس قيم التقدم   في ا...