Translate

الجمعة، 21 أبريل 2023

معركة الغرب مع المسلمين في نسائهم وأولادهم وتكريم المرأة والوصية بها وبيان حقوقها

مواعظ مشكاة -- فيا عباد الله : أخذت الأرض زخرفها وزينتها وظن أهلها أنهم قارون عليها ، وانصرف الناس عن دينهم إليها ، وانقادوا لغرورها وافتتنوا بحضارة الغرب وزخارف الشرق ، وصادف هذا كله غفلة دعاة الحق ، لكن أعداء الإسلام لم يغفلوا عنا ، فحملوا بخيلهم ورجليهم ، وجردوا الحملات المسلمة بسهام الشهوات وسموم الشبهات لتعيث في قلوب المسلمين فسادا ، وتجرس خلال ديارهم ، لتسلخهم من دينهم الحق الذي ارتضاه الله لهم .

وقد كان هؤلاء الأعداء خبثاء ماكرين في حربهم إذ تفرسوا في أسباب قوة المسلمين وحددوها ، ثم اجتهدوا في توهينها وتحطيمها بكل ما أوتوا من مكر ودهاء .

علموا أن المرأة من أعظم أسباب القوة في المجتمع الإسلامي وهم يعلمون أنها سلاح ذو حدين وأنها قابلة لأن يكون أخطر أسلحة الفتنة والتدمير ، ومن هنا كان لها النصيب الأكبر من حجم المؤامرات على تمزيق الأمة وتضييع طاقاتها ، إن المرأة تملك مجموعة من المواهب الضخمة الجديرة بأن تبني أمة ، وأن تهدم أمة ، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال : (( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتن بني إسرائيل كانت في النساء)) ، وعن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد رضي الله عنهما عن النبي قال (( ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء)) .

لقد أراد أعداء الإسلام أن يفتنوا المسلمين عن دينهم فجعلوا من المرأة أهم معاول هذا المهدم وهم يتظاهرون بالشفقة عليها والحرص على حقوقها وخدعت نساء من نساء المسلمين بذلك لجهلهن بدينهم هذا الدين الذي يعتبر المرأة قسيمة الرجل لها ملكه من الحقوق ، وعليها من الواجبات ما يلائم تكوينها وطبيعتها ، وعلى الرجل بما اختص به من شرف الرجولة ، وقوة الجلو ، وبسطة اليد واتساع الحيلة أن يلي رياستها ، فهو بذلك وليها ، يحوطه بقوته ، ويذود عنها بدمه ، وينفق عليها من كسب يده ذلك ما أجمله الله عز وجل وضم أطرافه وجمع حواشيه بقوله تباركت آياته ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللجر عليهن درجة هذا في وقت كانت المجتمعات الغير إسلامية تعتبر المرأة رجسا أو تعتبر الاقتران بها شرا لابد منه لا بل ظل يناقش أمر المرأة عند أولئك إلى عصور متأخرة أهي تحمل روح إنسان أم حيوان ولم تعطها حق التملك إلا قريبا .

ولقد وعت المرأة المسلمة تكريم الإسلام لها فاعتزت به وأسهمت في بناء المجتمع الإسلامي وفي نشر الإسلام والاعتزاز به فكانت النساء مغارس حكمة ومغاوص آداب إنهن أمهات صدق أقامهن الله على نشئه واستخلفهن على صنائعه وائتمنهن على بناة ملكه وحماة حقه ، لقد كان منهن عمة رسول الله صفية إذ انقلبت لترى ما فعل المشركين بأخيها حمزة في معركة أحد وقد نفذت إليه هند بنت عتبة فبقرت بطنه ونزعت كبده وجدعت أنفقه وسلمت أذنيه ، وجاء أبو سفيان يطعنه برمحه في فمه حتى مزقه ، فاشتد حزن رسول الله وأبصر عمته مقبلة لتنظر ما فعل القوم بأخيها فقال رسول الله لابنها الزبير بن العوام (( دونك أمك فامنعها )) فلما وقف ابنها يعترضها قالت : دونك لا أرض لك ، لا أم لك فرجف بطل قريش واعتقل لسانه وكر رجاعا إلى رسول الله فحدثه حديث أمه فقال (( خل سبيلها)) فأتت أخاها فنظرت إليه ، فصلت عليه واسترجعت ، واستغفرت له ، وقالت لابنتها (( قل لرسول الله ما أرضا بما كان في سبيل الله لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله )) .

ولو ذهبت استقرئ أسماء عظماء في هذه الأمة ومن كان وراءهم لطال في الأمر اقرؤوا تاريخكم : اقرؤوا عن أبناء أسماء بنت أبي بكر عبد الله المنذر وعروة أولا عبد الله بن الزبير واقرؤوا تاريخ علي وتاريخ معاوية الذي كان إذا نوزع الفخر يقول : وأنا ابن هند )) واقرؤوا تاريخ عمر بن العزيز وتاريخ عبد الرحمن الناصر وتاريخ سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث وتاريخ ابن حنبل وتاريخ الأوزاعي وتاريخ ربيعة الرأي ، كلهم قامت عليهم نساء فضليات عرفن حق الله عليهن فرعين أبناءهن خير رعاية ونشأنهم خير تنشئة .

لقد كان منهن من بلغن المنزلة الرفيعة في العلوم ، هذا الإمام مالك كان يقرأ عليه الموطأ فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص تدق ابنته الباب فيقول أبوها للقارئ : ارجع فالغلط معك ، فيرجع القارئ فيجد الغلط .

وكان لعلاء الدين السمرقندي صاحب تحفة الفقهاء ابنته فاطمة الفقهية العالمة حفظت التحفة لأبيها ، واطلبها جماعة من الملوك فلما صنف أبو بكر الكاساني كتابه ((البدائع)) وهو شرح التحفة ، عرضه على شيخه وهو أبوها ، فازدا به فرحا ، وزوجه ابنته ، وجعل مهرها منه ذلك ، فقالوا في عصره (( شرح تحفته وتزوج ابنته)) .

وما أكثر أسماء من حفظ لنا تاريخنا سيرهن وعلمهن وجهادهن وحسن تربيتهن لأبنائهن ورعايتهن لأزواجهن .

فهل نقرأ هذا التاريخ ، هل تقرأ بناتنا هذه الأسفار فينشأن تلك النشأة ويحفظن حق الله عليهن أم أنهم مشغولات بمتابعة مالا يزيدهن إلا بعدا عن إسلامهن من مسلسلات هابطة في أشرطة فاسدة ومجلات لا تحمل إلا سموما قاتلة تورد وبأسلوب خبيث خادع أن لفلانة مشكلة تعرضها وتقدم المجلة الحلول التي لا نصيب لكرامة المرأة فيها شيء ولعل الأمر كله افتراض وتخيل لإثارة قضايا تدعو المرأة إلى سلوك غير سبيل الإسلام ، لا بل لتخرج المرأة من عفتها وأخلاقها فتكون سلعة تتقاذفها الأيدي القذرة ويسهل اصطيادها في مكان .

لقد جعل الله الرجال قوامين على النساء ، وهؤلاء القوام أوصياء أناء ومن حق الوصي أن يرعى الوصاية ، ويطلب لها الخير والصلاح ، وإن في طليعة ما يجب أن يعني به من حقوق هذه الوصاية توجيه النساء إلى القدوة الحسنة والتأسي بفضليات النساء في الحشمة ، و الترفع عن مجالس الإثم ومزالق الخطيئة ، فالمرأة في بيتها يجب أن تكون مثال الزوجة الصالحة التي وصفها رسول الله بقوله (( خير النساء امرأة إذا نظرت إليه أسرتك وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)) .

فاتقوا الله في أنفسكم وفي نسائكم وبنائكم فأحسنوا التوجيه والتربية والقوامة فإن أخطر الفساد ما أصاب هذا النصف من المجتمع.

نحن جميعا أمناء ومسؤولية عن تطبيق أحكام هذا الدين الذي أنعم الله به علينا فإن نهضنا بذلك سعدنا في حياتنا الدنيا ورجونا أن تكون من الفائزين في الآخرة وإن فرطنا في ذلك فلابد من أن ندفع الثمن من أعصابنا وأبنائنا ومن أعراضنا ، إن كل واحد منا على ثغر فليحذر أن يؤتي الإسلام من قبله ، إن ترك النساء ويخرجن من البيوت ويزاحمن الرجال في الأسواق ويتحدثن لغير المحارم وتكشف بعضهن عما لا يجوز كشفه من أجسادهن إن كل ذلك حرام وعار ومصيره الدمار ، ولقد كان أول جرم بني إسرائيل انطلاق نسائهم متبرجات للفتنة فابتلاهم الله بالطاعون .

إذا دعت الضرورة المرأة إلى السوق فمن حق القيم عليها أن يلزمها الاحتشام ويمنعها من التبرج وإظهار وما حرم الله إظهاره على الأجانب ومن لبس أفخر الثياب ومن المرور وسط مجالس الرجال ، فقد صح عن رسول الله أنه قال ، وقد رأى اختلاط الرجال بالنساء في الطريق (( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق ، عليكن بحافات الطريق)) ، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدران من لصوقها به ، وعنه أنه قال (( أيما امرأة استعطرت ، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية)) ، إن تفريطا ظاهرا من جانب النساء بتعدي حدود الله وبالتبرج وإظهار الزينة فليسهن ما قال رسول الله (( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، أي يلبسن ثيابا رقاقا تكشف عما تحتها ، مميلات مائلات ، أي زائغات عن الطاعة ، فمتبخترات في مشيتهن ، مميلات للقلوب بتكسره ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )) .

فاتقوا الله عباد الله وقوموا بما أوجه الله عليكم من حقوق على نسائكم وبما أمركم به من رعاية أهليكم والبعد بهن عما يوجب غضب الله وعذابه.

مواعظ مشكاة أما بعد: فإن مما حفلت به شريعة الإسلام تكريم المرأة والوصية بها وبيان حقوقها وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، كما جاءت النصوص القطعية في الكتاب والسنة بضرورة المحافظة على زكاة المجتمع المسلم وطهارته من أمراض القلوب والشهوات، كما قال سبحانه: إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ [النور:19]، كما جاء الشرع بسد منافذ الفتنة ومنع الذرائع التي توصل إلى الفساد مهما كان مصدرها أو حجمها، كما قال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ [النور:21]، بل قرر الشرع أن منع المفاسد مقدم على جلب المصالح إذا تعارض الأمران، فالله تعالى نهى عن سب آلهة المشركين مع أن ذلك محمود شرعاً، لما يترتب على سب آلهتهم من تجرؤ المشركين على سب الله تعالى، كما قال سبحانه: وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].

عباد الله، مما يدور الآن في ساحة النقاش وحلبات الصحافة الحديث عن الحاجة إلى إصدار بطاقة شخصية للمرأة، وقد انقسم الناس حيالها إلى فريقين، فريق يرى أن الحاجة ماسة إلى إصدار البطاقة وأسباب ذلك في نظرهم كثيرة متنوعة منها: أولاً ـ التوثيق ومراعاة الجوانب الأمنية، حتى لا تستغل شخصية المرأة من قبل غيرها فتبرم عقود أو تفرغ ممتلكات بحضور غير صاحبة الشأن، وثانياً ـ أن في حيازة المرأة بطاقة هوية جزءً من تحقيق كرامتها واسترداد شيء من حقوقها المسلوبة، وأن من حقوقها المسلوبة حقها في امتلاك بطاقة لتستقل عن سيطرة الرجل وتصبح حرة طليقة في الذهاب والسفر، ففي إحدى المقابلات مع عدد من النساء المؤيدات للبطاقة، قالت معدة التقرير كما في صحيفة المدينة [10/8/1420هـ]: إن أقوال أكثرهن مبنية على كون البطاقة تخلصاً من تسلط الأزواج، ويقول أصحاب هذا الرأي إن المرأة السعودية هي الوحيدة المحرومة من البطاقة من بين نساء العالم، وفريق آخر يعارض في ذلك الأمر ويرى أن في إصدار بطاقة للنساء باب شر وفتنة لا تدرى عاقبتها، وأن بلادنا بحمد الله لها تميزها واختصاصها في كثير من النواحي، ومن صور التميز ما عليه نساء المجتمع عموماً من الحشمة والستر وانتشار الحجاب، ولم تتعارض هذه الحشمة والحجاب مع تعلم الفتاة وتلقيها العلم العالي المتخصص فرأينا من بنات مجتمعنا الكثيرات المتخصصات في تخصصات علمية وطبية ونحو ذلك.

ويذهب الفريق المعارض إلى أن مراعاة الجوانب الأمنية وحفظها يتم بغير هذا الأسلوب، كنظام بطاقة [البصمة] التي تعد بالفعل أسلوباً توثيقياً مميزاً ودقيقاً، وتكاليفها سهلة، وقد أخذت بها كثير من الدول المتقدمة واكتفت بها عن البطاقة ذات الصورة، لكون البصمة أوثق وأدق ولا تقبل الالتباس، بينما يسهل انتحال البطاقة ذات الصورة من قبل شبيه لصاحبها، كما يلحظ الناس اختلاف صورة البطاقة عن صورة صاحبها أحياناً لطول المدة أو تغير صاحبها، وأصحاب هذا الرأي يجيبون عما يردده البعض من وجود جرائم ترتكبها بعض النساء مستغلات الحجاب وعدم وجود ما يثبت الهوية، فيقولون: إن ما ينسب إلى بعض النساء من جنح أو جرائم يسيرة جداً في عددها ونوعيتها، ولا يبلغ أن يصنف في عداد الجرائم الكبرى، وأكثرها لا علاقة لها بعدم البطاقة، ولعل من أهم أسباب ذلك التزامها بالحجاب الشرعي، وفي المقابل يقال: إن المرأة في الدول الشرقية والغربية لم تكن صورتها في البطاقة حائلاً دون ضلوعها في جرائم كبرى، لذا فليس من الحكمة استغلال ما قد يقع من مخالفات فردية يمكن علاجها والسيطرة عليها لإلزام النساء ببطاقة فيها من المفاسد والمحاذير ما الله به عليم. وعما يظنه البعض من أن في منع المرأة من البطاقة يعتبر إهانة لها وتعدياً على كرامتها يقال: إن عدم حيازة المرأة لبطاقة ليس من الإهانة في شيء، بل إن من الفهم المغلوط، أن يعتقد أن كرامة المرأة كامنة في هذا الإجراء ونحوه، إن كرامة المرأة تكمن في تمسكها بأمر ربها وحكمه واعتزازها به، وكرامتها في حيائها وعفتها ومحافظتها على أنوثتها من غير إفراط ولا تفريط، وما سوى ذلك فمن ترّهات مرضى القلوب الذين يريدون المرأة كلأً مباحاً للجميع يراه الغادي والرائح، وما أصدق كلام ربنا وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27].

أيها المسلمون، إن في إصدار بطاقة خاصة للمرأة مفاسد لا تغيب عن نظر العاقل المتبصر الحريص على سلامة المجتمع وطهارته، فمن تلك المفاسد:

المفسدة الأولى: إضعاف قوامة الرجل على أهله، حيث ترى المرأة أنه صار عندها من الاستقلالية ما يمكنها من الاستغناء عن الرجل، فتذهب كيف شاءت وتسافر متى شاءت، وتسكن في الفندق لوحدها متى أرادت، ما دام معها ما يثبت هويتها، وإن لم يسمح لها بذلك فما قيمة البطاقة إذن؟ ومفاسد سفرها وسكناها بلا محرم لا تأتي تحت حصر، وإذا كانت الجرائم الأخلاقية وغير الأخلاقية تتم بمقربة من ولي الأمر فكيف بالأمر وبينها وبينه المجاهل، وفي إضعاف قوامة الرجل من الشرور والمفاسد وتوسيع فرص الفساد ما لا يخفى، ومعلوم ما عليه الحال من تمرد بعض النساء على أزواجهن وما ترتب على ذلك من مفاسد.

والمفسدة الثانية: في وجود صورة المرأة في البطاقة حصول مفاسد أخر: منها: تردد الأمر فيمن يتولى مطابقة صورة البطاقة مع حاملتها، أيتولاه رجال أم نساء، فإن تولاه الرجال كان فيه المخالفة الصريحة لأمر الله تعالى ورسوله من نظر الرجال إلى غير محارمهم، وإن تولى ذلك النساء فهو فتح باب لعمل المرأة في القطاع العسكري الذي يقحمها في ميادين الرجال ويخلطها بهم، وفي ذلك شرور لا تخفى، ولا زالت المرأة الغربية العاملة بين الرجال تشتكي من تحرش الرجال بها وإيذائهم لها، ثم ما الحال في الطرق السريعة؟! هل سيكنّ هناك؟ وهل سيقمن بالعمل على مدى أربع وعشرين ساعة إلى جانب زملائهن الرجال بصحبة محارمهن؟ وهل الظروف الاقتصادية الحالية تسمح بتوظيف هذا العدد من النساء ومحارمهن؟

ومنها: أن الأمر الذي تمس الحاجة إليه في استخدام البطاقة ليس خاصاً برجال الأمن فحسب، بل هو عام في المستشفيات والبنوك والدوائر.. فمن سينظر للصورة في البطاقة للمطابقة؟

ومن المفاسد: انتشار صورة المرأة وتسربها إلى أيدي الرجال من خلال البطاقة. ومنها بل من أعظمها أن هذه الصور هي بداية لخلع الحجاب، وإذا خُلع الحجاب عن الوجه فلا تسأل عن انكسار عيون أهل الغيرة، وتقلص ظلِّ الفضيلة وانتشار الرذيلة، والتحلل من الدين، وشيوع التبرج والسفور والتهتك والإباحية.

والمفسدة الثالثة المترتبة على إصدار البطاقة: أن استصدار البطاقة باب لغيرها من الشرور مما قد أوصدت أبوابه مثل قيادة المرأة للسيارة وعضويتها في مجالس الرجال الرسمية بحجة أنه أصبح لديها من الاستقلالية والكرامة ما يمنحها حق اقتحام هذه الميادين.

عباد الله، هذه جملة مختصرة من المفاسد التي يخشى وقوعها من جراء استصدار هذه البطاقة، ولا يسع كل غيور على محارمه وعرضه إلا أن يحرص أشد الحرص على سد باب الفتنة والشر حتى لا تقع الشرور والمصائب التي عمت وطمت في كثير من بلاد المسلمين حين تساهلوا بخطوات الشيطان وألاعيب شياطين الإنس، ومعظم النار من مستصغر الشرر، وكم يفخر ابن هذا البلد بما عليه نساؤنا ومحارمنا من الحشمة والستر ولزوم الحجاب في الجملة، فأصبح الستر هو الأصل، أما العري والتهتك فهو الشاذ المنبوذ، وإن واجبنا أن نتمسك بهذا الخير، وأن ندرأ عن محارمنا كل شر، قبل أن تزول عنا هذه النعمة كما زالت عن غيرنا.

وقد حدثني أحد الدعاة أنه كان في ضيافة شيخ جليل وعالم كبير في إحدى الدول الإسلامية، فشاهد فتاتين تلجان المنزل وهما في قمة التعري والميوعة، فساءه الأمر وكيف تدخل هاتان بيت الشيخ وهما على هذا الحال، يقول: فسألت الشيخ عنهما فدمعت عيناه وقال: هاتان ابنتي وأختي، ولو قلت لهما كلمة واحدة منكراً عليهما لجاءت الشرطة واعتقلتني.

اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا واستر اللهم عوراتنا، واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا عزيز يا جبار.

أقول…

أما بعد: أيها المسلمون، فاتقوا الله ربكم وأطيعوه، فمن اتقى ربه فاز ونجا.

أيها المسلمون، إن الحاجة إلى التثبت من شخصية المرأة قائمة، ووسائلها كثيرة بحمد الله تعالى، ومنذ عشرات السنين ومجتمعنا لم يشتك من هذا الأمر ولم تتعطل مصالح المرأة، ومع هذا فإن هناك وسيلة جديدة كافية في التثبت وهي أدق وأوثق من البطاقة ذات الصورة، وهي ما يسمى ببطاقة البصمة، وكلفتها قليلة ولا محظور فيها إطلاقاً، وقد عملت بها دول متقدمة كافرة كاليابان وغيرها، فهل يضير مجتمعنا لو استعمل هذا الأسلوب، أم أن الإصرار على البطاقة هدفه كسر الحاجز وفتح باب الشر، والله المستعان.

وما أجمل ما ذكرته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز ابن باز رحمه الله وعضوية سماحة المفتي العام الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى في فتوى رسمية بينوا فيها أننا في نعمة يجب علينا المحافظة عليها، إلا أن هناك فئة من الناس ممن تلوثت ثقافتهم بأفكار الغرب لا يرضيهم هذا الوضع المشرف الذي تعيشه المرأة في بلادنا من حياء وستر وصيانة، ويريدون أن تكون مثل المرأة في البلاد الكافرة والبلاد العلمانية، فصاروا يكتبون في الصحف، ويطالبون باسم المرأة بأشياء، ذكروا منها: مطالبتهم بتصوير وجه المرأة ووضع صورتها في بطاقة خاصة بها تتداولها الأيدي، ويطمع فيها كل من في قلبه مرض، ولاشك أن ذلك وسيلة إلى كشف الحجاب.. ثم ختموا البيان بقولهم: "فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على كرامة نسائهم وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضللة، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات، وانخدعت بها من عواقب وخيمة، فالسعيد من وعظ بغيره، كما يجب على ولاة الأمور في هذه البلاد أن يأخذوا على أيدي هؤلاء السفهاء، ويمنعوا من نشر أفكارهم السيئة، حماية للمجتمع من آثارها السيئة، وعواقبها الوخيمة، فقد قال النبي : ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((واستوصوا بالنساء خيراً))، ومن الخير لهن المحافظة على كرامتهن وعفتهن وإبعادهن عن أسباب الفتنة. انتهى كلامهم رحم الله من مات منهم وحفظ الباقين.

نسأل الله بأسمائه الحسنى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. اللهم استر على نساء المسلمين واحفظهن من التبرج والسفور يا رب العالمين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال  المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟ الباب الخامس قيم التقدم   في ا...