Translate

الجمعة، 21 أبريل 2023

الحضارة الغربية حضارة يبوء كاهلها بالمتناقضات : تناقض في الأفكار ،لأ . د . جعفر شيخ إدريس رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة

الإسلام لعصرنا

الحضارة الغربية

ضجة عن الحرية .. وممارسة للهيمنة الثقافية

أ . د . جعفر شيخ إدريس رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة

 

الحضارة الغربية حضارة يبوء كاهلها

 بالمتناقضات : تناقض في الأفكار ،

وتناقض في القيم ، وتناقض في المواقف ، وتناقض بين الأقوال والأفعال . لكنها

رغم ذلك كله هي الحضارة السائدة التي يعدها أهلها ويعدها بقية العالم إلا من رحم

ربك حضارة العصر ، الحضارة التي يجب أن يحذو حذوها كل من يريد أن يتبوأ

مكانة محترمة ومقبولة في هذا العصر ، وإلا كان فيه بجسده ، وخارجَه بروحه

وفكره .

ولعل من أبرز أنواع التناقض بين أقوال هذه الحضارة وأفعالها تناقضها بين

ضجتها الصوتية العالية عن حرية الأفراد والشعوب ، وسلوكها كل سبيل لفرض

قيمها الخُلُقية ، وتجربتها السياسية ، ونظمها الاقتصادية ، بل ومعتقداتها الدينية على

سائر شعوب الأرض ، ووصم كل ما يخالفها ، بل كل ما يتعارض مع مصالحها ،

بكونه انتهاكاً للحقوق الإنسانية ، أو إضراراً بالمصالح العالمية ، أو ممارسة

للإرهاب ، أو سبباً للتخلف ، وما شئت من تهم جائرة ، بل وأحيانا أقوال آفكة .

المتعصبون من أهل الحضارة الغربية ضد ثقافات الأمم الأخرى وما كلهم كذلك

مصابون بنوع من المرض الثقافي الذي يجعل على بصر صاحبه غشاوة تهول له

قيم ثقافته ، بل وأباطيلها ، حتى يراها هي القيم الإنسانية التي يجب على كل الأمم

أن تؤمن بها وتطبق مقتضياتها ، بل وهي المعيار الذي تقاس به إنسانية الأمم ،

ويحدد على أساسه استحقاقها للمصالحة والمساعدة أو المشاقَّة والإعنات . وقد عبر

عن شيء من هذا مندوب أو مندوبة باكستان في جلسة الأمم المتحدة الخاصة بقضية

المرأة . قالت لهم المندوبة كلاماً نقلته بعض الصحف الأمريكية فحواه : أن مشكلة

المرأة في باكستان أن تشرب ماءً نقياً ، لا أن تتزوج امرأة مثلها ، ولا أن تكون لها

حرية الاتصال بمن شاءت من الرجال .

هذا موضوع كبير نُشرت فيه أوراق وأُلفت فيه كتب منها كتاب مشهور

للأستاذ إدوارد سعيد اسمه : ( الاستعمار الثقافي ) لكن حديثنا اليوم عن آخر

مظهرين شهدهما الكاتب لهذه الهيمنة . أولهما : الاجتماع الخاص بالنساء الذي عقد

بالأمم المتحدة والذي تحدثت عنه في مقال سابق . وثانيهما : كتاب لرائدة من رواد

الحركة الأنثوية feminism .

من مظاهر الهيمنة الثقافية في اجتماع الأمم المتحدة أن المنظمات غير

الحكومية التي شاركت فيه كان أعلاها صوتاً وربما أكثرها عدداً المنظمات الآتية

من البلاد الغربية . وحتى التي أتت من البلاد غير الغربية كان كثير منها إن لم يكن

معظمها من الجماعات الدائرة في فلك المنظمات الغربية ، بل ربما كان بعضها

مجرد صدى لها . كان منها مثلاً منظمة من بلد من أكثر البلاد الإفريقية فقراً وجوعاً ،

لكن مستوى أدائه في الدعاية للقيم الغربية كان مضاهياً لأغنى المنظمات الغربية .

ومن مظاهرها : أن اللغة المسيطرة على الاجتماع كله كانت اللغة الإنجليزية ؛

فالذي لا يعرفها لا يستطيع أن يشارك مشاركة فعالة .

ومن مظاهرها : أن كُبريات المتحدثات كن من الشخصيات الأمريكية

المرموقة ؛ فقد تحدثت في اجتماع المنظمات غير الحكومية سيدة أمريكا الأولى ،

وخاطبت الجمعية العمومية وزيرة خارجيتها ، وكان معظم المتحدثين والمتحدثات

غير الغربيين من أبواق الغرب ، حتى إن عدد المتحدثين والمتحدثات من بلد أفريقي

غير الذي ذكرت آنفاً لم يكن متناسباً قط لا مع أهميته ولا مع حجمه .

والقضايا التي أثيرت ونالت اهتماماً كبيراً كانت هي القضايا التي يهتم بها

الغرب ؛ إما لأنها من القضايا التي تشغل بال الناس فيه ، أو لأنها مما يعترض عليه

الغرب في ثقافات الآخرين . من ذلك قضية ختان البنات ، التي حوَّلها الكُتَّاب

والساسة الغربيون وأتباعهم من المستغربين إلى قضية كبرى تكاد تكون من أهم

معاييرهم للولاء والبراء .

وهذا يقودنا إلى كتاب الرائدة الأنثوية الذي أسمته : المرأة كاملة ، أو المرأة

بأكملها The WholeWoman تعرضت المؤلفة فيه لقضية الختان هذه ، فذكرت

أنها كانت وما زالت معترضة على ختان النساء ، لكنها بعد أن سافرت واتصلت

بالثقافات الأخرى ، تبين لها أن اهتمام الغرب به هو تعبير عن احتقاره للثقافات

غير الغربية . واستدلت على ذلك بأدلة لا تخلو من طرافة :

منها : أنه لا فرق بين ختان الرجال وختان النساء ؛ لكننا لا نعترض على

الأول ولا نثير حوله زوبعة ؛ لأنه يمارس في الغرب .

ومنها : أن النساء في الغرب يجرين عمليات جراحية تجميلية هي أشد غرابة

من الختان . من ذلك العمليات التي تجريها بعض النساء لتصغير أثدائهن . قالت :

إنها عندما ذكرت هذا لبعض النساء السودانيات كان استغرابهن له كاستغرابنا

للختان ، وأنها تعلمت منهن أن الختان أنواع ، وأن منه ما لا ضرر فيه ، وأنه

لا يؤثر على الاستمتاع الجنسي ، وأنه ليس أمراً يفرضه الرجال على النساء كما

نظن في الغرب .

ومنها : أن بعض الناس في الغرب يخرقون ألسنتهم ليدخلوا فيها نوعاً من

الحلق كالذي يدخل في الآذان . بل إن منهم من يفعل ذلك لعضو الرجل !

لنفترض أن الحديث كان عن أسوأ أنواع الختان ، وهو مضر ما في ذلك شك ؛

لكن أهو أضرُّ من هذا الذي ذكرته الكاتبة ؟ أهو أضر من شرب الخمر الذي

يموت بسببه المئات بل ربما الآلاف في الغرب في ليلة واحدة هي ليلة عيد الميلاد ؟

أهو أضر من حمل السلاح الذي يرخص به القانون الأمريكي ، والذي يُقتل بسببه

عدد من الأبرياء وأحيانا الأطفال في كل يوم وليلة ؟ أهو أضر من الجمع بين السُّكْر

وحمل هذا السلاح ؟ أهو أضر من السفور ، وما ينتج عنه من أنواع الاغتصاب ؟

أهو أضر من الزنا واللواط الذي تُحله القوانين الغربية والذي كان سبباً في مرض

الإيدز وأمراض أخرى جسدية ونفسية ؟ أهو أضر من التدخين الذي صار من

أسباب الموت الأولى في البلاد الغربية ، والذي لا مسوِّغ لإباحته إلا استفادة بعض

الشركات منه ، كاستفادة أخرى من إباحة حمل السلاح ؟

كلا والله ! ولكن الأمر كما قال ربنا : فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ

الَتِي فِي الصُّدُورِ ( الحج : 46 ) .

إن قوة الغرب المادية صارت فتنة تعمي الناس ومنهم منتسبون إلى الإسلام

عن رؤية عيوبه وشروره . كما أن ضعف المسلمين صار فتنة تصد الناس عن

رؤية ما عندهم من خير وعن قبوله .

رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ

( الممتحنة : 5 ) .

________________________

 

 

 

الإسلام لعصرنا

هيئة الأمم

أ . د . جعفر شيخ إدريس

رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة

 

بما أن المسلمين أمة عظيمة من الأمم التي تسكن كرتنا الأرضية ، فإنه يهمها

أن تعيش في سلام مع غيرها من الأمم ، وأن تشاركها وتتعاون معها في الرقي

بالمجتمع الإنساني ، وفي البحث عن حلول للمشكلات التي تواجهنا جميعاً ، طبيعيةً

كانت أم سياسية أم اجتماعية . وهيئة الأمم المتحدة منبر من أحسن المنابر لتحقيق

ذلك . لكننا نرى أن استمرار هذه المنظمة في أدائها لهذه المهمة العظيمة رهين

بإقرارها لثقافات الشعوب المكونة لها ، وقيمها وخصوصياتها ، وأن تكون وسيلتها

للتغيير في المسائل التي تختلف فيها الثقافات والحضارات هي الحوار والتفاهم بالتي

هي أحسن ، وألاَّ تتحول إلى أداة تستغلها بعض الدول أو الجماعات لفرض

معتقداتها وقيمها ، وقمع المخالفين لها .

وعليه فإننا نود أن نؤكد باعتبارنا أمة إسلامية أننا لا نأخذ معتقداتنا وقيمنا من

مصادر غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن هذين المصدرين

الإسلاميين يمثلان قانوننا الأعلى الذي نحكم به على غيرهما ، فنرفض ما يتناقض

معه ، ونفسر في نطاقه ما نراه موافقاً له . وكما أن هذا الموقف مقتضى ديننا فهو

أيضاً مقتضى حرية الدين التي وردت في الإعلان العالمي للحقوق الإنسانية ؛ إذ إن

هذه الحرية لن يكون لها معنى بالنسبة لنا إذا كان غيرنا هو الذي يفرض علينا كيف

نفهم ديننا ، وماذا نأخذ منه وماذا ندع ، ثم يعاقبنا إذا نحن لم نلتزم بما أَمَرَنا به !

في ضوء ما سبق نقرر رفضنا القاطع لبعض ما ورد في مقررات مؤتمر

بكين متعلقاً بالعلاقة الجنسية ، ونرى فيه دعوة إلى الإباحية التي لن ينتج عنها إلا

مزيد من التفسخ الخلقي ، والتفكك الأسري ، وانتشار الأمراض التناسلية ، وتعزيز

النزعة الفردية ، وما يتبع ذلك كله من زيادة في الجريمة ، وتهديد لأمن المواطنين

وسلامتهم .

لكننا نقر مع ذلك أن المرأة تعاني عالمياً من ظلم يجب أن يرفع عنها ، ومن

فقر يجب أن يزال ، وأن هذا إنما يكون بالتعاون بين الجنسين باعتبارهما مخلوقين

بشريين تحركهما الحجج العلمية والدوافع الخلقية . ولن يتحقق أبداً بإثارة جنس على

جنس ، بل يُخشى أن تؤدي مثل هذه الإثارة إلى صراع تكون المرأة في نهايته هي

الخاسرة .

ويسرنا أن نشارك غيرنا من شعوب العالم في حل هذه المشكلات مهتدين

بديننا وتجاربنا وتاريخنا ، ومستفيدين كذلك من فكر غيرنا وتجربته وتاريخه .

وعليه فإننا في مجال إزالة الفقر ندعو دول العالم وأفراده إلى أن يطبقوا

فريضة الزكاة الإسلامية ، ولو فعلوا لما بقي على وجه الأرض فقير ذكراً كان أم

أنثى . كيف لا ، وهي ضريبة سنوية مقدارها 5,2% من رأس المال ، تؤخذ من

الأغنياء وتوزع على الفقراء ، وأن يطبقوا المبدأ الإسلامي الذي يجعل من حق

كل إنسان أن يعيش حياة كريمة ما دام المجتمع قادراً على ذلك . ونضم صوتنا

إلى المنادين بإزالة الآثار السلبية للعولمة وما ينتج عنها من زيادة فقر الفقراء،

واستغلال عمل النساء . ونرى مع غيرنا أن مما يساعد على تخفيف الفقر عن البلاد

النامية أن ترفع عنها الفوائد الربوية على الديون التي تقترضها من الدول الغنية ؛

فإن هذه الفوائد قد صارت عائقاً لهذه الأمم عن كل نمو اقتصادي .

وفي مجال التعليم نرى أن يشمل التربية الخلقية التي تغرس في المرأة

الاعتزاز بما ميزها الله به ، وترضى به ، ولا تحاول أن تلهث وراء تقليد الرجال

ومنافستهم فيما ميزهم الله به وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ

لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ( النساء : 32 ) وأن

يفهم ما يمتاز به كل من الجنسين بأنه وسيلة للتعاون بينهما ، وتكميل للواحد منهما

بالآخر ، وعون على بناء الأسرة واستقرارها ، وتحقيق لمصلحة الأولاد .

وفي مجال الموازنة بين عمل المرأة خارج بيتها وبين واجباتها الأسرية نرى

أن يطبق المبدأ الإسلامي الذي يلزم الرجل بالنفقة على زوجه وأسرته ، ويجعل ذلك

حقاً لهم ، وأن تعين الدولة كل امرأة تفضل البقاء في بيتها لتربية أولادها وإعانة

زوجها . إن عمل المرأة خارج بيتها ينبغي أن يُنظَر إليه على أنه ضرورة اقتصادية

لا أمر يقتضيه تكريم المرأة واحترامها .

________________________

 

 

 

الافتتاحية

الإعلام والتغيير الاجتماعي

 

الحديث بكثرة عن موضوع ما من خلال أكثر من منبر ولسان ، والدندنة حوله

بالحق والباطل حتى يبدو للناس وكأنه تيار كاسح أسلوب يسلكه بعض من يحملون

هَمَّ التغيير لتمرير طروحاتهم بحجة أن هذا هو التيار العام في هذا المجتمع أو ذاك ،   وأن الوقوف أمامه ضرب من الحمق ، وأن الواجب هو التعامل معه والتسليم به

دون مواجهة . وهذا الأسلوب يظهر واضحاً في أكثر من مناسبة في أغلب

المجتمعات - إسلامية أو غير إسلامية - عند حدوث صخب فكري أو سياسي أو

اجتماعي حول قضية معينة أو خلال حملة انتخابية لشخصية سياسية أو بلدية ؛ إذ

يلجأ مُلاَّك الإعلام والمتنفذون فيه إلى أسلوب الحشد واحتكار الأصوات لمحاصرة

المتلقين ذات اليمين وذات الشمال بالحديث في نسق واحد عن رأي أو دعوة يريدون

لها الانتصار والانتشار فيجعلونها محور حملاتهم الإعلامية .

ومُلاَّك الإعلام بجميع أنواعه يتكئون على حتمية نفسية واجتماعية تقول : إن

المعلومة وإن كانت كاذبة ، والفكرة وإن كان أنصارها قلة ، قد تتحول في عقول

الأفراد إلى عكس ذلك إذا كثر تردادها وبدا للجماهير أن الناس يؤيدونها (وإن كان

الواقع بخلاف ذلك) ؛ ولذا فإن الحملات الانتخابية في كل مكان تصاحبها حملات

استطلاعات الرأي التي وإن كان الأصل فيها أنها تعبر عن رأي الجماهير حول ذلك

الأمر أو ذلك الشخص إلا أنها قد تكون سائقاً للجماهير إلى هذا الأمر أو ذاك من

حيث لا يشعرون . فمقالات تنشر اليوم في مجلات وجرائد متعددة تنادي بفكرة أو

تطبل لشخصية مصحوبة ببضع برامج متلفزة حول الموضوع نفسه في مساء ذلك

اليوم كافية لجعل استطلاعات الرأي صباح اليوم التالي تصب في الاتجاه الذي يراد .   وعندما يفاجأ أصحاب الرأي الآخر بتلك الجماهيرية التي تؤيد ذلك الرأي يسقط

نصفهم في منتصف الطريق .

هذا الأمر وإن كان ظاهراً في الدول التي تطبق ما يسمى بالديموقراطية

الغربية ، إلا أنه أصبح منهجاً يسلكه غيرهم في سبيل تحقيق ما يريدونه من تغيير ؛

خصوصاً في تلك المجتمعات الإسلامية التي تتصارع عليها تيارات التغريب

ودعوات تجفيف المنابع بحكم صمودها مِن قبلُ في وجه الفكر الاشتراكي ، ومِن بعدُ

في وجه الفكر الغربي (الليبرالي) .

ومن التطبيقات البارزة لهذه الظاهرة : (قضية المرأة) ؛ فلقد كانت - ولا

زالت - قضية صمود المرأة المسلمة خصوصاً في بعض المجتمعات الإسلامية

مسرحاً لمنازلات متعددة بين أنصار المرأة المسلمة وأعدائها ، هذه المنازلات

تتفاوت من مجتمع لآخر حسب مستوى التغريب الذي وصل إليه .

فمن بلد إسلامي سيطر عليه العلمانيون تُمنع المرأة فيه من مجرد غطاء

الرأس ، وتُهدد بحرب استئصالية ، ومحاكمة الحزب الذي تنتمي إليه بهذه التهمة بل

الجريمة في زعمهم إلى مجتمع سبقت فيه الصحوة الإسلامية غيرها ؛ حيث تنطلق

دعاوى التحرر والاختلاط ونزع حجاب الوجه مصحوبة بحملات إعلامية منظمة

عبر منافذ إعلامية مقروءة ومرئية تشبه في فلسفتها الضربات الجوية العسكرية التي

تهدف إلى إنهاك الخصم تمهيداً للانقضاض عليه . هذه الحملات الإعلامية

استخدمت سلاح الحشد والأرقام المضللة مصحوبة بتلميحات وجداول زمنية للتغيير ،   ووضع هذه الحملة في قالب المصلحة المتوهمة والحرص على رقي المجتمع .

ورغم إخفاق تلك الحملات وانكشافها ووقوف الرأي العام ضدها فإنها أثارت

عدداً من التساؤلات والوقفات الجديرة بالتأمل . ومنها :

- ليس بمستغرب أن يتفنن دعاة أي فكرة ومنهج ويستميتون من أجل بث

فكرتهم ومنهجهم ؛ وإنما المستغرب هو التقاعس عن ذلك .

- التيارات العلمانية رغم أنها نخبوية - حسب زعمها - إلا أنها تيارات

منظمة ، لها أهداف قريبة وأخرى بعيدة المدى ، وهي تستخدم الإعلام والاحتكار

الفكري من أجل بث شعور كاذب في المجتمعات بأن طروحاتها تمثل رأي السواد

الأعظم .

- يوماً بعد يوم يزيد الاستقطاب بين الإعلام من جهة وبين المجتمعات

الإسلامية من جهة أخرى ، مما ينذر بأخطار تربوية على الناشئة ؛ فبعض ما هو

محرم وممنوع في البيوت والمدارس وكتب الفقه وبرامج الفتوى والمساجد مباح في

وسائل الإعلام ! هذا التناقض قد يستطيع أصحاب الحكمة التعامل معه على مضض ،   بخلاف الشباب والفتيات الذين يعيشون في طور المراهقة وطور النمو العقلي .

- لا بد أن يعي الإعلام الإسلامي دوره وواجبه في الوصول إلى عيون وآذان

المجتمعات ، لتسمع صوتاً آخر ، وترى صورة أخرى . فمن غير المعقول الانشغال

فقط بمخاطبة الذات وترك الجماهير للآخرين . لقد كان الإعلام ورجاله يُسمَّون

بالسلطة الرابعة في أي مجتمع ، وها نحن نراهم اليوم في مراكز أكثر تقدماً .

- يجب تربية المجتمعات والأفراد على أن يكون معيار القبول والرفض

عندهم هو ميزان الشرع والدليل وليس ميزان الكثرة والغلبة الفكرية أو الإرادة

السياسية أو الشعبية .

- يجب أن يكون للمجتمعات الإسلامية القدرة على تصحيح أخطائها ذاتياً حتى

لا ندع مساحة للعلمانيين ولا ثغرة ينْفذون من خلالها ؛ فحماية المرأة من أي ظلم يقع

عليها ، وتمحيص حقوقها التي كفلها لها الشرع مما علق بها من أوضار الجاهلية

والعلمانية أمور يجب عدم السكوت عنها ولا إهمالها .

- فضح الطروحات العلمانية التي تجعل من المرأة ضحية ، وهم يريدونها

طُعماً يُفسِدون به المجتمعات . إن النساء كما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

شقائق الرجال لهن دورهن في بناء المجتمعات في إطار ما قرره الشرع المطهر ،

وإقحامهن في كل شاردة وواردة ذريعة لاختلاطهن بالرجال وقتل الحياء في نفوسهن

وإشاعة الرذيلة بينهن ، وهذا ما يجب أن تتنبه له النساء المسلمات حتى لا يفتنهن

أولئك المشبوهون عن رسالتهن السامية بدعاوى كاذبة ومآرب معروفة .

________________________

 

 

المنتدى

يا من يريد نزع حجاب المرأة ! !

ظافر بن محمد بن فهاد المنديل

 

ما زال الإسلام مستهدفاً قديماً وحديثاً من أعدائه ؛ فهم وإن اختلفت مذاهبهم

ومشاربهم لكنهم يجتمعون على حرب المسلمين ، وكان من أعظم وسائلهم لتحقيق

هدفهم وهو صد المسلمين عن دينهم ، وتشويه صورته في أذهانهم : هجومهم

العنيف على تعاليم الإسلام المتعلقة بالمرأة بشكل عام ، وبحجابها وعفافها ووقارها

بشكل خاص ، فاستطاعوا إلى حد كبير زعزعة الثقة في النفوس بحجاب المرأة

المسلمة ، وساعدهم على ذلك غياب الفهم الحقيقي لحكمة الحجاب ، وتساهل المرأة

المسلمة ذلك التساهل الذي أغاض ماء الحياء ، وقلب الموازين ، وهبط بالمستوى

الفكري لكثير من الفتيات ، فأصبح الاهتمام ينصب على أمور تافهة ؛ ومن هنا

وَجَدَت المجلات سوقاً واسعة لنشر كتاباتهم بل رذائلهم . وكذلك استهدف أعداء

الإسلام المرأة المسلمة في عصر حرب الأفكار والمبادئ ؛ وذلك بعد أن أُحبطوا في

حرب المواجهة عبر تاريخ الإسلام الطويل ، فكان لا بد من إشاعة الفتنة في

المجتمع الإسلامي . ولما كانت المرأة هي أخطر وسائل الدمار على الرجال وعلى

الأمة جمعاء ، فقد جندها العدو لتكون سلاحاً فتاكاً ، وذلك بعد نزعها حياءها وعفتها ؛

ولذا أثاروا شبهاً في مشروعية الحجاب ، ومن هذه الشبه :

1 - زعم بعضهم أن الحجاب مشروع لكنه خاص بأزواج النبي صلى الله

عليه وسلم .

2 - قالوا : إن ذكر الحجاب وارد في القرآن الكريم ، وهو تشريع عام

للمسلمين ، ولكن أين في القرآن ذكر تغطية الوجه ؟

وغيرها من الشبه الكثيرة التي يثيرها أعداء الإسلام . وإذا استمر الإنسان

مستسلماً لهذه الشبه فستؤدي به في النهاية إلى الانسلاخ عن دينه ؛ إذ إن الدين

الإسلامي عقيدة وشريعة ؛ والتزام المسلم بما شرعه الله دليل على سلامة ما في

صدره ، ودليل على تقواه وقوة عقيدته .

ونقول لمن يقولون : إن الحجاب ليس أمراً واجباً : كذبتم وافتريتم على

الكتاب والسنة ؛ والدليل من الكتاب على مشروعية الحجاب قوله تعالى : يَا أَيُّهَا

النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ

سَرَاحاً جَمِيلاً ( الأحزاب : 28 ) .

وقوله تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ

( الأحزاب : 53 ) . وغيرها كثير .

وكذلك من الأدلة : قوله تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ

حِجَابٍ ( الأحزاب : 53 ) ، وسبب نزول هذه الآية أن عمر بن الخطاب رضي

الله عنه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر زوجاته بالحجاب كما روى

أنس رضي الله عنه قال : « قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قلت : يا

رسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب .

فأنزل الله آية الحجاب [1] » .

قالت عائشة رضي الله عنها : « يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَلَ لما أنزل

الله : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ( النور : 31 ) شَقَّقْن مُروطَهُنَّ

فاختمرن بها » [2] .

________________________

(1) أخرجه البخاري ، رقم 4790 .

(2) أخرجه البخاري ، رقم 4758 .

 

 

 

المنتدى

خلا لكِ الجو فبيضي واصفري

راشد بن عبد الله العدوان

 

نقرأ هذه الأيام في بعض المجلات (المرتزقة) بعض الكتابات من تسطير

أصحاب الأقلام المسمومة حول قضية المرأة ، وكيف أن الرجال سلبوها حقها ، وأن

الحجاب الشرعي بزعمهم ما هو إلا تقاليد وعادات دخيلة ورثناها إبان عصر الغفلة

والجهل ، وأن وقرن في بيوتكن [الأحزاب : 33] ما هو إلا حبس لها ، وإحكام

الخناق على حقوقها المسلوبة التي لا تَتَأَتى إلا بمشاركة المرأة للرجل ومخالطتها له

في شتى شؤون الحياة .

ولا أدري : أأعجب من كلام هؤلاء الموتورين ، أم أعجب من مدى جرأتهم

وصفاقة وجوههم ؛ حيث كشفوا عمَّا تُكِنُّ صدورهم ، بدون أدنى حياء أو خجل ؟

وأقول : إن هؤلاء الذين يَدَّعُون بأن للمرأة قضية ، ويَدْعُون مطالبين

ومزمرين ومطبلين بإخراج المرأة من مستقر حشمتها وعفافها ، إنما يَدْعون لإحياء

فتنة ، ويحاولون جاهدين إحداث الانقسام في المجتمع بين الرجل والمرأة ، وشغل

أفراده بقضايا لا تفتأ أذهانهم تثيرها بين الحين والحين ، ببريق لامع وغلاف يلفت

النظر ، في حين نجد العدو يتربص بالمسلمين الدوائر وواقعنا خير شاهد على هذا .

إن الرجل والمرأة حقيقةٌ واحدةٌ ربط الله بينهما بمودة ورحمة ، لتثمر وتنبت

التعاون على مسيرة الحياة كما شاء الله . يقول جل شأنه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا

رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً

واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء : 1] .

وإثارة قضية المرأة إنما يأتي على الطريقة الغربية لخدمة الكثير من الأهداف

المشبوهة في مجتمع المسلمين ، فإذا كان الإسلام عند الغرب ومقلديه قد صار مبادئ

عفا عليها الزمن بمرور القرون فعلى المسلمين أن يبحثوا لهم عما يعوضهم عنها من

مبادئ العصر وأفكاره تُشكل نمط حياتهم ، وتوجه مسارها ، ومن ثَمَّ فإن حاضرهم

يجب أن يُفصَل عن ماضيهم ، ومشكلات يومهم هي من ثمار أمسهم ، وحلول

الأمس لا تجدي نفعاً مع معطيات العصر ، فيتحتم إذاً ولوج جُحْر الضب فتُدعى

المرأة إلى الخروج والعمل ، والاختلاط ، والسفور ، والانتقال بلا ضابط أو رقيب

كالرجل ؛ فهي نصف المجتمع ، يجب ألا يموت ، ويجب أن تُرفع الوصاية عنها !

ويفسح لها المجال في كل اتجاه ، وهكذا تدور الحلقة في شرقنا المسلم كما دارت في

الغرب الصليبي ، وترفع لها شعارات ( حرية المرأة ) ، و ( قضية المرأة ) ، و

( التحديث ) ، ويتطرق الأمر إلى أن هناك موروثات يجب هدمها لإفساح الطريق

أمام النهضة الحضارية المزعومة .

ونحن اليوم نتساءل : لماذا كانت هذه الدعاوى المحمومة في سبيل نهضة

المرأة الحديثة ؟ هل لتنهض بالأمة ؟ هل لتسمو ببيتها وتعلو بأولادها وزوجها إلى

مراقي السعادة ، أم لكي تذوب المرأة المسلمة في خضم تقليدها للمرأة الغربية ،

والتي ضاعت وأصبحت متاعاً مباحاً وكَلأً ليس له من يحرسه ولكن تنتهك

حرماته ! !

ولكل من فشا فيهم مرض التجديد ووباء التقليد ، فتمسكوا بكل حديث ، ولو

كان بالاختلاط والتبذير والرقص والفسوق ، ونبذوا كل قديم ، ولو كان الدين والعقل

والفضيلة ، والذين يطالبون بمساواة الرجل مع المرأة ، أقول لهؤلاء جميعاً : اعلموا

أن لكل من الرجل والمرأة عمله المناسب له ، فالجدال حول هذا الأمر لا طائل

وراءه .

نعم : لا جدال في الوظيفة المثلى التي تستقل بها المرأة وهي حماية البيت في

ظل سكينةٍ زوجية من جهاد الحياة وحضانة الجيل المقبل لإعداده بالتربية الصالحة

لذلك الجهاد ، والعمل بكل ما يتناسب مع فطرتها ويخدم بنات جنسها . ألا يُحَكِّم

هؤلاء (المأفونون) عقولهم ، ويعلموا أن الرجل رجل له مقوماته وخصائصه ، وأن

المرأة أنثى لها طبيعتها ومميزاتها ؟

ألم يعلموا أن للرجال وظائف ومهام ومجالات عمل لا يتقنها بإجادة إلا هم ،

وأن للنساء وظائف ومهام لا يصلح لها ولا يقدر عليها إلا هن ؟

وأما دعاوى هتك الحجاب فليست نفياً للحجاب فحسب ، بل نفياً للمرأة ذاتها

وراء حدود الأسرة ، وما الحجاب إلا حفظ لمكانة المرأة ، وصونها من التبذل

الممقوت ، والارتفاع بها أن تكون سلعة بائرة ينادى عليها في مدارج الطرق

والأسواق . فخروج المرأة من حجابها وفطرتها خروج إلى الضياع ، وهو إضعاف

لها ، وجعلها فريسة للمغرضين .

إن الأسرة المسلمة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإسلامي ، وحجاب

المرأة جزء هام في وظيفتها الحياتية ، يصونها من غوائل السوء ، ويحفظها من

لصوص الأعراض ، ويقي حياءها من الخدش ، ويحفزها إلى صلاح الروح ،

وصلاح النفس ، ولهذا كان الغرب الحاقد شديد الحرص على نزع حجاب المسلمات

ليصلوا إلى بغيتهم ويحققوا أهدافهم ؛ فكأس وغانية تفعل بالمسلمين ما لا يفعله ألف

مدفع . وعندما أدرك أعداء الإسلام أهمية الحجاب ، وعرفوا ما فيه من وقاية

للمجتمع ومحافظة عليه من الذوبان في غيره وجهوا سهامهم إليه ، وأَلَّبوا عليه

جموعهم وأجْلَبوا عليه بخيلهم وَرَجِلهم ليصلوا إلى ما يريدون ويحققوا ما ينشدون .

وباسم حرية المرأة عمل المخدوعون ببريق حضارة الغرب على الدعوة إلى

تشبُّه المسلمات بالكافرات ، وصاحبات الخدور بالسافرات ، لتكون المرأة وسيلة

لتحقيق أهوائهم ورغباتهم ، بعد تجريدها من مكانتها ، وتهميش دورها ، وتحطيم

قيمها وأخلاقها ، ثم الوصول إلى هدم بناء الأسرة ، وتذويب المجتمع المسلم في

عاداته وسلوكه بالمجتمعات التي لا تَمُتُّ إلى عقيدتنا وقيمنا بأي صلة ، حتى لا تبقى

لشريعة الله بقية .

وقد كان من أول ما قررته القوى المعادية للإسلام من كيد للإسلام أن تُدفع

المرأة للتخلي عن معاني العفة ، ومكارم الحياة ، فزينت لها أسلوب الجاهلية في كل

مناحي حياتها ، وخاصة في موضوع حجابها ولباسها .

وختاماً أقولها صريحة وقوية : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا

العزة بدونه أذلنا الله .

________________________

 

 

 

 

الورقة الأخيرة

تيار النسوية في الفكر الغربي

د . رقية طه جابر العلواني

 

برز التيار النسوي تاريخياً في المجتمع الليبرالي الرأسمالي على أنه حركة

لتحرير المرأة في القرن التاسع عشر باعتباره من ردة الفعل لأوضاع المرأة

المتردية أثناء الثورة الصناعية وما تلاها . وعلى الرغم من تعاقب المحاولات

لتغيير وضع المرأة في المجتمع الغربي إلا أنها لم تكلل بالنجاح إلى القرن العشرين ؛

حيث تبلورت مطالب ذلك التيار بشكل أكثر تحديداً من خلال إنشاء بعض

الجمعيات هناك . وفي عام 1966م تم إنشاء الجمعية الوطنية للمرأة في الولايات

المتحدة The National Organization for Womenللمطالبة بحقوق

المساواة للمرأة .

وقد اتسم هذا التيار منذ بداية نشأته باتهام الدين بتكريسه لفكرة الأبوية ، كما

قام بدور مضاد للكنيسة ورجالاتها على اعتبار أن الكنيسة كانت وراء تردي أوضاع

المرأة وتخلفها عبر التاريخ الأوروبي . فقد تفجرت العديد من الممارسات الممقوتة

تجاه المرأة الغربية بناءً على قواعد راسخة في الذهنية الغربية وطدت دعائمها

جذور الأساطير اليونانية والتقاليد الرومانية من جهة ، وما جاء فيما يسمى على

لسان بولص من جهة أخرى . وتضايفت تلك العوامل لتشكل في الذهنية الغربية

تصوراً سلبياً عن المرأة ودورها في الحياة والمجتمع .

كما استعرت نيران تلك التصورات السلبية بشكل ممارسات اتسمت بالوحشية

والعنف تجاه المرأة . وتعد حملات القمع التي وقعت في نهاية القرن الخامس عشر

حلقة في سلسلة الاضطهادات التي تعرضت لها المرأة في المجتمع الأوروبي ،

واستمرت تلك الحملات إلى عام 1680م تحت دعوى محاربة الساحرات

والمتشيطنات التي راح ضحيتها من النساء بقدر ما راح في حروب أوروبا قاطبة

حتى عام 1914م [1] .

وسرت رياح التيار النسوي إلى عدد من بلدان العالم خاصة تلك التي وقعت

تحت الاحتلال الغربي في منتصف القرن التاسع عشر وما بعده ، وقد لاقت تلك

الدعوى دعماً واسع النطاق من قبل منظمة الأمم المتحدة التي أعلنت في عام 1945 م

أول وثيقة عالمية معاصرة تبنت فيها حقوق المساواة بين المرأة والرجل .

ولم تفرق تلك الحركات الناشئة في مختلف بلدان العالم بين البيئة التي تمخض

عنها التيار النسوي في الغرب وما واجهته المرأة في الغرب من ممارسات عنيفة ،

وبين موقع المرأة وظروفها المغايرة في مجتمعاتهم المحتضنة لتلك التيارات .

فقد قام أصحاب هذا الاتجاه ببناء تصورات حول المجتمع الغربي تعبر عن

الحرية الظاهرية التي تتمتع بها النساء هناك . إلا أنهم في الواقع لم يدركوا حجم

الانتهاكات التي تعاني منها النساء في أوروبا كما لم يدركوا جسامة تورط النساء

هناك [2] . كما أغفلوا الخلفية التاريخية التي نشأت في أعقابها تلك الحركات

والتيارات التي جاءت تعبيراً صارخاً عن معاناة المرأة ووضعها الاجتماعي هناك .

لقد جاء التيار النسوي في الغرب ثورة على تعاليم دينية محرفة وأقوال وسلوكيات

بشرية تحكم فيها الجهل والأثرة . وعلى هذا قامت بمحاولات عديدة للانفكاك من

مختلف الموروثات الدينية والاجتماعية المتراكمة ؛ مما أدى في النهاية إلى اتساع

البون والشقة بين الحركات النسوية في الغرب من جهة ، وبين الدين والكنيسة من

جهة أخرى .

إن إغفال الوعي بالخلفية التاريخية والظروف الاجتماعية التي قارنت ظهور

التيار النسوي في المجتمع الغربي يمكن أن تسوق إلى الوقوع في مزيد من عمليات

تقمص الآخر والسير على طريقه دون إدراك كاف لما يمكن أن ينجم عن ذلك من

مغالطات وثغرات .

________________________

(1) للمزيد حول هذه الممارسات انظر المراجع الآتية على سبيل المثال : Alvin J Schmidr, Velied and silenced, Meroer University press, Georgia, 1989, 51- 54 judith A Sabroskuy, From Rationality to Liberation : The Evaluation of Feminist Ideology, Greenwood Press, London, 1979, 13-19 Sheila Rowbotham Hidden From History, Pluto Press, New York, 1971, 7-26 .

(2) انظر ما ذكره الكاتب الغربي المنصف ويلثر : Welther, Wiebke In Islam Women From Medieval To Modern Times, Markus Wiener Publishing, New York, 1993, p 9 .

 

 

 

الورقة الأخيرة

تيار الحداثة وقضايا المرأة

د . رقية طه جابر العلواني

 

الحداثة حركة ثقافية غربية المنبت والمنشأ ، من أهم مرتكزاتها عقدة التمحور

الأوروبي على الذات ، والعلمانية ، وفقدان القيم الدينية لصدقها الضروري

كموجهات للحياة البشرية ، والنزعات العقلانية المتطرفة Rationalism Deism

فالعقل مقياس الأشياء كلها ، واللاهوت الطبيعي Natural Theology المنكر

للوحي والنبوة والمعجزات وكل أمر خارق لقانون العِلِّية المادية .. إلى آخر ذلك من

قضايا تبنتها الحداثة وقامت بتوظيفها .

وقد برزت الحداثة في العرف الغربي في أواسط القرن السابع عشر ، وبلغت

ذروتها في القرن التاسع عشر ، وانتهت وانحسرت مع الحرب العالمية الأولى ،

وتجاوب المفكرون في العالم الإسلامي لتحديات تلك الفلسفة التي غلب على

صياغتها إما : تقمُّص مبادئ فلسفة الحداثة وتنزيلها كما هي في المجتمعات المسلمة ،

أو ردّها ونقضها ، أو التكيف معها ومحاولة التلفيق والجمع بينها وبين مبادئ

ومقومات الهوية الإسلامية ، وبهذا باتت الحداثة مرجعية مطلقة تستفتيها جميع

الاتجاهات بقصد أو بدون قصد خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة .

وتوجهت جهود العديد من المفكرين ممن تبنوا فلسفة الحداثة نحو وضع المرأة

في العالم الإسلامي ، فطالبوا بحقوقها في التعليم والعمل والمشاركة في مختلف

المناحي العامة من سياسية واجتماعية وثقافية من تلك الزاوية ، كما حاربوا وضع

المرأة في مختلف المجتمعات المسلمة ، وأكدوا على ضرورة إعادة كرامتها عن

طريق الإصلاح القانوني والتربوي على حد سواء .

والحداثة في مفهومها الأساسي ومعالجتها لقضايا المرأة لم تنبثق من نظرة

أصيلة تستحضر مفهوم القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لتلك القضايا وكيفية

معالجتها ، بقدر ما راحت تروم الإصلاح والتطوير من خلال المقارنة بالآخر

الخارجي البعيد عن منطق الإسلام ومقاصده ابتداءً .

ومن هنا باتت تطرح أدبيات تتسم بالمقارنة حيناً والمقاربة حيناً آخر بين

المفاهيم الغربية والإسلامية دون محاولة جادة للكشف عن مفاهيم الإسلام الأصيلة

في قضايا المرأة وما يتعلق بمشاركتها في بناء المجتمع والنهوض به ، فوقعت في

محاولات الجمع والتلفيق بين ضدين غير متشابهين .

وقد أغفلت تلك الأدبيات حقيقة هامة وهي أن المفاهيم الكلية لأية دائرة

حضارية وليدة عنصرين متضايفين : الوضع التاريخي الذي أفرز تلك المفاهيم ،

والجهد الجمعي المشترك للجماعة الذي قام بصياغتها ، والواقع الإنساني يشهد

باستحالة استزراع مفاهيم حضارةٍ مَّا لها مكوناتها وخصائصها في دائرة حضارة

أخرى لها خصائصها الذاتية كذلك ، فمعالجة قضايا المرأة وغيرها مما يتعلق

بالمجتمعات المسلمة لا يتم البحث فيها بمنظار الآخر وتطلعاته ، بل ينبغي أن تتم

المعالجة من خلال نظرة شمولية متوازنة تستحضر القيم الإسلامية العليا التي جاءت

بها نصوص القرآن الكريم والسنة من جهة ، وتحديات الواقع ومفرزاته من جهة

أخرى .

________________________

 

 

إلى أختي المسلمة

حارسة القلعة

د . محمد محمد بدري

 

إلى أختي المسلمة ... إلى من رضيت بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد -

صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً ، إلى من رضيت بعائشة بنت الصديق ، وأسماء

وفاطمة أسوة حسنة ... إلى من أعزها الله بالإسلام ووقفت وسط جاهلية القرن

العشرين تمسك بحبل الله المتين وتحرص على مرضاته ، وترغب في الفرار إليه

لتفوز في الدنيا والآخرة وتكون لها الحياة الطيبة مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى

وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إلى

شريكة العبد المسلم وحارسة قلعة العقيدة ... إليها في بيتها (بيت الدعوة) .. أهدي

هذه الكلمات ، لتعلم أنها في بيتها تقف على خط الدفاع الأول ضد أعداء الإسلام ،

وأن وقفتها هذه تمثل نقطة الارتكاز في دائرة امتداد هذا الدين ، وأن نسيج ثوبها

الشرعي هو نسيج الراية الإسلامية في الصراع بين الإسلام والجاهلية .

أختاه ... تعلمين أنه في مكة ، وحين كان الإسلام يعيش غربته الأولى ، كانت

المرأة بجانب الرجل في مسيرة الدعوة أختاً وزوجاً وأمًا تعيش همه ؛ بل كان ربع

المجتمع الوليد في مكة من النساء ، وعاشت المرأة هذه المرحلة تحاول مع زوجها

إزالة غربة الإسلام وتحفظ السر وتكتمه ...

وتعلمين - يا أختاه - أن هذه الغربة الأولى للإسلام ... غربة النبي -صلى

الله عليه وسلم- وأسرة ياسر وبلال وغيرهم .. قد عادت للذين يقولون ربنا الله لا

قيصر ، والحاكمية لله لا للبشر ، .. وأن هؤلاء الغرباء مكلفون أن يصلحوا ما أفسد

الناس ، فمهمتهم كمهمة الغرباء الأوائل أن يزيلوا غربة الإسلام ويمكنوا له في

الأرض !

وتعلمين - يا أختاه - أن من أهم حقائق صراعنا مع الجاهلية من حولنا أنه

صراع اجتماعى قائم بين واقع إسلامي وواقع جاهلي ، وأننا في حاجة إلى سنوات

طويلة من صمود الظاهرة الاجتماعية الإسلامية في وجه الظاهرة الاجتماعية

الجاهلية الغالبة الآن ، والتي تحمل بين طياتها عوامل فنائها من العفن الخلقي

والشقاء المعيشي ! ! .

وتعلمين - يا أختاه - أن بيتك خلية من خلايا كثيرة يتألف منها الجسم الحي

للواقع الإسلامي ، فبيتك قلعة من قلاع هذا الدين ، وفي هذه القلعة يقف كل فرد

على ثغرة حتى لا ينفذ إليها الأعداء ؟ ! .

وأنت - يا أختاه - حارسة هذه القلعة ، ولقد أفردك الرسول -صلى الله عليه

وسلم- بالمسئولية فقال : « والأم راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها » فأنت

حارسة النشء الذي هو بذور المستقبل ، … وطفلك اليوم هو رجل الغد وامرأة الغد ،   ولكل دوره في الجهاد لإعلاء كلمة الله في الأرض ، وينبغي أن يؤهل لهذا الجهاد

منذ مولده بإعطائه القدر المضبوط من الحب والحنان والرعاية بغير نقص مفسد أو

زيادة مفسدة ! ! ثم حماية مبادئ الإسلام ومفاهيمه في ذهنه .

أعلمُ - يا أختاه - أنك تشعرين بثقل الوطأة الساحقة لهذا المجتمع بكل ما فيه

من مكائد ومثيرات ، وبما فيه من تقاليد موروثة تأخذ في بعض الأحيان طابع

العقيدة وتضغط على حسك - يا أختاه - أضعاف ضغطها على حس الرجل ، وهذا

يتطلب منك مضاعفة الجهد وأنت قادرة على ذلك - بإذن الله - فأنت صاحبة عقيدة

قوية واهتمامات عالية ، ... فهدفك عبادة الله وحده لا شريك له ، ورسالتك العمل

على بناء المجتمع المسلم ، ومسئوليتك تربية جيل مسلم ، ووجهتك رضا الله وجنته

في الآخرة ! !

ولا شك - يا أختاه - أنك لكي تقومي بدورك الحضاري على أتمه لا بد أن

تعرفي واقعك ، وعندها ستجدين أن دورك يتطلب قسطاً من الصفات الأخلاقية

والفكرية والعقائدية .. بل كل الصفات التي تلزم مجاهدة في معركة بين الحق

والباطل ، معركة يقف فيها أمامك أكابر مجرمي قرانا ينفذون أوامر أسيادهم من

اليهود فينشرون فكراً قذراً وأدباً مريضاً يحاولون به تدمير الأسرة ، بل وتدمير

جميع المعوقات الأخلاقية حتى يخرجوا أجيالاً مدمرة مهدمة لا تعرف حقوق الله ،

وصدق الله العظيم وكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ومَا

يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ومَا يَشْعُرُونَ وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :

« صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ،

ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا

يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا » .

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يربط في هذا الحديث بين الاستبداد السياسي

وبين الانحلال الخلقي ! ! فاحذري - أختاه - المجرمين الذين يريدون- أن يسيروا

بك بخطى سريعة وحاسمة إلى الجاهلية الأولى أو إلى جاهلية القرن العشرين ! .

إنهم يقولون لك إن الرجل قد ظلمك حين فرض عليك ارتداء الحجاب ، ولا

بد من التخلص من هذا الظلم وخلع الحجاب ! ! .. فقولي لهم - يا أختاه - لم يكن

الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضده لتتخلص من ظلمه ،

إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك -إن كانت

مؤمنة -أن تجادل فيما أمر به ، أو يكون لها الخيرة في الأمر ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا

مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ

ورَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ... وقولي لهم : لقد أسلمت نفسي لله وخرجت من

إسار الشيطان ورضيت بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وارتقيت في فكري وسلوكي .. ولله

الحمد والمنة .

وهم يقولون لك - يا أختاه - أن أختك الأوربية قد حملت قضيتها وأخذت

حقوقها ، وقضايا المرأة واحدة في كل بلاد العالم ! ! . فقولي لهم بادئ ذي بدء لا

أخوة بيني وبين الأوربية ؛ لأن المسلمة لا تؤاخي المشركة .

وأما عن الحقوق التي تزعمونها للمرأة الأوربية ، ففي الحقيقة لقد كانت هذه

المرأة ضحية من ضحايا المجتمع الذي - حررها - فقذف بها إلى المصنع والمكتب ،   وقال لها : عليك أن تأكلي من عرق جبينك ، في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها ،   فتركها في حرية مشئومة ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع ، ففقدت الشعور بالعاطفة

نحو الأسرة ، وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل

دون أن تبقى امرأة ، وهكذا حرم المجتمع من هذا العنصر الأساسي في بناء الأسرة ،   وجنت أوربا ثمار هذه الأسرة المنحلة مشكلات كثيرة … تلك هي الحقيقة يا من

تحاولون إعطاء كلمة ( تحرير المرأة ) معنى السفور والاختلاط ، بينما الإسلام يرى

أن التحرر إنما هو في الحجاب ، فقد كانت المحجبة هي الحرة والسافرة هي الأمة…   فالسفور هو العبودية . وهم يقولون .. ويقولون .. ويقولون ... ولسان حالهم

يشير إلى اليهود والملاحدة والفاسقين إشارة الحب والرضى هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ

الَذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ولما كان هذا هو ادعاؤهم واعتقادهم ، فأجيبيهم - يا أختاه -

بقول الحق تبارك وتعالى : ومَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ

غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءَتْ مَصِيراً

وقولي لهم - يا أختاه - لقد ودعت مواكب الفارغات وأسأل الله لكم الهداية

ولي الثبات ..

أختاه : كانت هذه بعض التحديات التي تحيط بك من خارج بيتك متمثلة في

مكر وكيد أكابر المجرمين وذيولهم فماذا عن التحديات التي تواجهك داخل البيت ؟

لا شك يا أختاه أن بيتك (بيت الدعوة) لا يعرف الخراب لأنه يتكون ومعه

أسباب حمايته من الحب والرضا . وليس معنى هذا أنه بيت لا يقع فيه شقاق أو

عتاب أو خلاف فهذا أمر لا يمكن أن يتحقق في عالم البشر ولم يتحقق في بيوت

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة البشرية كلها ، وإنما معناه أن الخلاف بين

المرأة المسلمة وزوجها لا يستمر بل يثوب كلاهما إلى الله سريعاً فيذهب الشقاق

ويبقى الوئام والحب والرضا .

فالزوج المسلم هو أحب الناس لزوجته ، وهي أحب الناس إليه يربطهما الحب

في الله - أوثق عرى الإيمان - وتزداد مشاعر الحب بينهما باستمرار العلاقة

الزوجية ، ومع ذلك فإن هذه المشاعر لا تدفع الزوج إلى الركون للبيت والزوجة ،

ولا تدفع الزوجة إلى محاولة الاستئثار بزوجها ، لأن كلا منهما يعلم أن من حلاوة

إيمان المرء « أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما » .. فكل منهما يقدم

حب الله ورسوله على أي حب ، وهذا يجعل حياة الدعوة والجهاد من أجل الإسلام

منبعاً للحب لا يجف بين الزوجين ، فالحياة في (بيت الدعوة) إما لحظة وداع وأمل ،   أو لحظة حنين وشوق ، أو لحظة لقاء وفرحة ... فهي حياة طيبة وعيشة راضية

وعمر مبارك ...

وهكذا بيتك - يا أختاه - بيت يملؤه الحب وينعم بظلال الرضا بعيداً عن

ظلمات المادية الطاغية وموبقات الفساد والإباحية ، فماذا عن ذريتك ؟ ذرية (بيت

الدعوة) ؟ .

لا شك - يا أختاه - أن الذرية في بيتك ليست مجرد الرغبة في التناسل ، بل

الرغبة في استمرار الدعوة بما في هذا الاستمرار من طاقة وإمكانية ..

وبعد إتمام الرضاع وإعطاء القدر المضبوط من الحب والحنان للطفل تأتي

أولى محاولات تحقيق عبودية الطفل لخالقه عند سن سبع « علموا أولادكم الصلاة

لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع » ، والصلاة تؤسس

في نفس الطفل إحساس التناقض مع أي مجتمع لا يقيم الصلاة ، ويبقى هذا

الإحساس في نفس الطفل حتى يأخذ صورة العمل لتمكين دعوة الإسلام حتى يسلم

المجتمع ويقيم الصلاة الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ .

وكما ينبغي تعليم الأطفال الصلاة ينبغي أيضاً الاهتمام بتكوين شخصيتهم قوية

قادرة على مواجهة الحياة من خلال طاعة الله والإيمان بالقدر ، ولذلك يقول رسول

الله -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس : « يا غلام ... احفظ الله يحفظك ، احفظ

الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة

لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو

اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت

الأقلام وجفت الصحف » .

ومن الأمور الهامة في التربية الحث على ممارسة الدعوة إلى الله ، وهذه

كانت نصيحة لقمان لابنه يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنكَرِ

واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ

وفي الحقيقة - يا أختاه - أن قضية تربية الأولاد ليس هذا موضع استيفائها ،

ولذا أنصحك - أختاه - بمراجعة كتاب ( منهج التربية الإسلامية ) للشيخ محمد

قطب ، وكتاب ( تربية الأولاد في الإسلام ) للشيخ عبد الله ناصح علوان ...

وأخيراً .. يا أختاه .. فإن الدور الذي تقومين به هو لون من ألوان الجهاد ،   وأنا أعلم أن لديك من إيمانك زاداً يستعلي بك على الجاهلية ، ويصمد بك في وجه   مكائدها ، غير أن النفس تحتاج دائماً إلى سلوى تعضدها ، ولا أجد سلوى للنفس أعظم   من القدوة ، ولذا أدعوك - أختاه - إلى زيارة بيت قدوة من بيوت الدعوة ،   وهو بيت ( الرميصاء ) امرأة أبي طلحة وكنيتها ( أم سليم ) . فأما كيف تكون هذا   البيت ؟ فقد طلب أبو طلحة زواج الرميصاء فاشترطت عليه أن يكون صداقها إسلامه   (وقد كان مشركاً) فأسلم وتزوجته .. وتكون بيت مسلم ، ويجىء ضيف إلى الرسول   -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن في بيته طعام ، فيسأل من يستضيف ضيف   رسول الله فيقول أبو طلحة : أنا يا رسول الله ، ويذهب بالضيف إلى بيته ويسأل    زوجته ( أم سليم ) عن الطعام ، فتقول : لا يوجد غير طعام الأولاد ، وتنيم       أم سليم أطفالها وتضع طعامهم أمام الضيف ، وتتصنع أنها تصلح السراج فتطفئه ،      وتتصنع هي وزوجها أنهم يأكلون حتى أكل الضيف وشبع ! ! ويذهب أبو طلحة إلى   صلاة الفجر فيستقبله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً : « يا أبا طلحة لقد   ضحك الله من صنيعكما الليلة » ، وهكذا أطعمت الرميصاء ضيف رسول الله طعام   الأولاد وعلمتنا نحن معنى إكرام الضيف ، ففي المعنى طعم الإيمان ورائحة الجنة ،   ويبارك الله تعالى كرم ( الرميصاء ) فيطعم بطعامها جميع الصحابة إذ صنعت   الرميصاء طعاماً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-وبعثت ابنها ( أنس بن مالك )   يدعو الرسول - صلى الله عليه وسلم- إلى الطعام فقال النبي -صلى الله عليه   وسلم- للصحابة : « لقد صنع لكم أبو طلحة طعاماً » ، وذهب جميع الصحابة إلى   بيت الرميصاء ، فقال أبو طلحة : ماذا نصنع؟! فقالت ( الرميصاء ) : رسول الله   أعلم بما يفعل ، فأمر الرسول الصحابة أن تدخل عشرة عشرة حتى أكلوا جميعاً   ولم ينقص من طعام الرميصاء شيء ! ! .

ويروي لنا أنس حادثة وفاة غلام في بيت الرميصاء :

عن أنس قال : مات ابن أبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا

طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، قال فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ، ثم

تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع وأصاب

منها قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا

عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا . قالت : فاحتسب بما كان ابنك ، فغضب أبو

طلحة وانطلق حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فأخبره ، فقال رسول الله

-صلى الله عليه وسلم- : « بارك الله لكما في غابر ليلتكما » ، قال : فحملت

وأنجبت بعد ذلك عشرة أولاد كلهم يقرءون القرآن ..

بل وتقاتل ( أم سليم ) بنفسها يوم أحد وتنقل القِرب وتفرغها في أفواه

الجرحى !!.

وكانت تلك معالم بيت من بيوت الدعوة في خير القرون ، امرأة جعلت

صداقها إسلام زوجها ، وأطعمت الصحابة من طعامها ، وأضحكت الله بكرمها ،

وقاتلت في سبيل الله بنفسها .. ، ربما قلت - يا أختاه - وأين نحن من هؤلاء الذين

عاش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم ؟ .. وأنا أقول لك - يا أختاه

- إن هذه الدعوة ما زالت تؤتي تلك الثمار الطيبة في عصرنا اليوم ، فبين أظهرنا

قام بيت من بيوت الدعوة ، وقلعة من قلاع العقيدة تحرسها أخت لك هي (أمينة

قطب) ، فكيف تكون هذا البيت ؟ …

لقد تقدم لخطبتها علية القوم فآثرت أن تخطب لأحد المحكوم عليهم بالأشغال

الشاقة المؤبدة في عام 1963 م ، و هوالأخ ( كمال السنانيري ) وكان هذا الارتباط

في وقته قمة التحدي للحاكم الفرد الطاغية الذي قرر أو تقرر له من قبل صانعيه

القضاء على دعاة الإسلام بالقتل أو الإهلاك بقضاء الأعمار داخل السجون ‍‍‍‍‍‍‍‍ ! ! .

وانتظرت ( أمينة قطب ) زوجها عشر سنوات .. وفي عام1973 خرج

زوجها من السجن وتكون البيت ..

لعلك تدركين الآن- يا أختاه - أن تاريخ هذا الدين وقد رسم فيه ? وجوهاً

كريمة تمثله ، فوجه المرأة ليس أقلها بروزاً وضوحاً ... وليس من العبث أن تاريخ

هذا الدين يحفظ في ذاكرته أسماء نساء عشن في لحظات ما قضية هذا الدين ..

فلتأخذي دورك يا أختاه .

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً .

________________________

 

 

 

إليكِ زميلتي ...

أروى إبراهيم عباس

 

أختي المسلمة : أيتها الطالبة الفاضلة ... أيتها الأخت المربية ... أيتها الأم

الحاضنة ؛ أنت معهد الرجال ، ومنبت الأبطال ، وأم العظماء ، ومدرسة القادة

الأفذاذ .. أنت مفخرة الزمان وأساس البناء ونواة المجتمع .

أنت - زميلتي - أمل الأمة ؛ بصلاحك يصلح المجتمع بأسره وتسعد الأجيال

قاطبة ، وبانحرافك - لاسمح الله - ينهار كيان الأمة ويتحطم بنيانها ، فأنت صلب

البناء الذي تقوم عليه أعمدة الخير ، وأنت في الوقت ذاته العقبة التي تتحطم عليها

الآمال العظام متى حادت عن الطريق . فلتعلمي أيتها الطفلة وأنت ترفلين في ثوب

البراءة .. وأنت أيتها البنت وأنت تحلمين بعش العفاف والطهر والنقاء ، وأنت أيتها

الزوجة كلما شغلت فكرك تفكرين في سعادة فلذات كبدك ومستقبلهم ... لتعلمي

زميلتى الطالبة وأنت تسهرين الليالي في طلب العلم ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ..

لتعلمي أختي المسلمة وأنت تسعدين بأي مرحلة من مراحل العمر وتعبرين أي

طريق من طرق السعادة والعيش في هذه الحياة ، أنك تعيشين في غربة عَزّ فيها

الحق ، وندر فيها سالِكوه وفشا فيها الجهل والفجور وكثرت فيها طرق الغواية ،

وتنوعت سبل الضلال وقل الخير والصلاح .

نعم - يا عزيزتي - إنك تعيشين في عالم لا يأبه بك ، ولا يحترم لك قدراً ،

ولا يقيم لك وزناً ، ولا يعرف لك فضيلة ، وليته يتركك وشأنك فيكفيك حينئذ رصيد

الفطرة ليقودك إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، بل لَيعاديك أشد العداء ويضللك من

خلال جميع المنافذ والمسالك والثغرات وعبر كل قناة من قنوات الشر والفساد .

إنه ينصب شراكه ويرسل أعوانه وشياطينه لملاحقتك في كل مكان ليدعوك

باسم الحرية التى أصبحت المرأة الغربية تئن من جمرها وقد رأت بعينيها بريقها

الزائف وقناعها المزور .

إنهم ينادونك اليوم - كما نادوها بالأمس - ينادونك بأسماء زائفة وألقاب طنانة

وتساعدهم على ذلك وسائل الإعلام المختلفة التي يمسكون بخطامها ويوجهونها حيث

شاءوا .. إنهم يهتفون لك ويلوحون : بالموضة .. بالأزياء .. بالفَرْنَجَة .. بالتحرر

.. بالحب .. بالجمال .. بالفن .. بالزينة .. بكل ما يغري الأنوثة من أسماء وكلمات

وكلها شراك خبيثة ومصائد تفتك بعفتك وتخدش حياءك وتنال من كرامتك وتدنس

عرضك وشرفك وتقتل مروءتك وتزعزع عقيدتك ثم ترمي بك في أوحال الرذيلة

ومستنقعات الجريمة وهوة الدمار .

فاستيقظي - أختي المسلمة - وكوني على حذر ، فلا تخدعنَّك سموم هذه

الألقاب الجوفاء والأسماء اللامعة والشهرة المصطنعة ، فقد تندمين ولاتَ ساعة مندم ،     وتصرخين فلا تجدين من يمد لك يد المساعدة .

مجلات الفن والتمثيل والمسرح .. المجلات الهابطة الخليعة التى تستعرض

فيها زينات النساء وتزين أغلفتها بصور العاهرات المائلات المميلات .. ماذا تريد

منك ؟ وماذا يريد منك أصحابها ومحرروها ؟ هل يريدون مصلحتك ؟ هل يريدون

تعليمك الأخلاق القويمة والآداب الحسنة ؟ هل يريدون إرشادك إلى الحق ؟ هل

يريدون صيانتك والمحافظة على دينك واستقامتك عليه ؟ هل يريدون أن يذكّروك

بقول الحق - جل ذكره - ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب : 33] ؟!     كلا وربي .

منظر ذلك العملاق الضخم ذي العضلات المشدودة والسروال الذي قد يغطي

سوءته أو شيئاً منها وبقية عورته مكشوفة لناظريك ، تمتلئ به عينك العفيفة

الطاهرة الشريفة ، وهو يصارع مثيله في حلبة الشر وميدان الفجور على إقرار

وإعجاب شديدين من آلاف المشاهدين . ماذا تريدين أن يترك في نفسك من أثر -

وإن كان حياؤك أمام الناس لَيمنعك من مشاهدة الشيخ العفيف الوقور المستتر السائر

إلى بيت من بيوت الله ؟ ! .

صوت الأغنية الفاجرة في شريط الكاسيت ، وما يصاحب ذلك من سم زعاف

وآهات كاذبة تريد أن تغزو قلبك العامر بذكر الله لتملأه قيحاً وصديداً ، هلاّ استبدلت

بها ذكر الله وتلاوة القرآن الذي فيه شفاء ورحمة للمؤمنين ؟ ! .

كلمات القصة الغرامية التي يكتبها القلم الفاسد الخبيث أو المستأجَر الماكر

وتنشرها وتوزعها دور النشر الماسونية الكافرة أو أعوانها من الدور التجارية

الجشعة المغفلة والتي تسوقك حبكتها الفنية الفاجرة وأدوارها الماكرة إلى سوق الفتنة

والبغاء ؛ فتأسر فكرك وتشوه عقيدتك .. هذه القصة وأمثالها ماذا تجنين من ورائها

من خير ؟ ! .

ألا تسألين نفسك هذه الأسئلة وتحاسبينها اليوم قبل أن يأتي يوم لا يَنفَعُ نَفْساً

إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام : 158] ؟ ، هلا

تعودين إلى رشدك وتعزمين على الحياة في ظلال القرآن والسنة ، تنهلين من

معينهما العذب ، وترشفين من رحيقهما الصافي وتكونين قرة عين لأهلك وقدوة خير

لزميلاتك ؟ .. هلا تسارعين إلى حديقة الإيمان وتتوجهين إلى محرابك لتؤدي

فريضة الصلاة كلما نادى المنادي قائلاً : الله أكبر ؛ لتكون لك نوراً وبرهاناً يوم

القيامة وليثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؟ ! .

هلا تعزمين العزم الأكيد على مقاطعة الأفلام الفاجرة والشرائط المحرمة

والمجلات المضللة وأماكن السوء والفجور وخليلات العشق والسفور ؛ لتكوني عوناً

على قيادة أخواتك إلى بر الأمان ؟ ! .

هذا ما أرجو ، والله يوفقكن وإياي إلى ما فيه الخير والصلاح .

________________________

 

 

 

بأقلامهن

دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح

(1/2)

خولة درويش

 

الأمة بأبنائها وبناتها ، بأجيالها البناءة المهيأة لنشر راية الإسلام خفاقة ودحر

عدوان ملل الكفر والطغيان ...

إن بناء الأجيال هو الذخر الباقي لما بعد الموت ... وهو لذلك يستحق

التشجيع والاهتمام أكثر من بناء القصور والمنازل من الحجارة والطين .

وحيث إن التربية ليست مسؤولية البيت وحده ؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم

في تربية الأجيال ، فسوف نتناول الدور التربوي للمرأة المسلمة في تنشئة الجيل

الصالح .

إنه لحلمٌ يراود كل أم مسلمة تملّك الإيمان شغاف قلبها ، وتربع حب الله تعالى

وحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم على حنايا نفسها ، أن ترى ابنها وقد سلك

سبل الرشاد ، بعيداً عن متاهات الانحراف ، يراقب الله في حركاته وسكناته ، أن

تجد فلذة كبدها بطلاً يعيد أمجاد أمته ، عالماً متبحراً في أمور الدين ، ومبتكراً كل

مباح يسهّل شأن الدنيا .

إنها أمنية كل أم مسلمة ، أن يكون ابنها علماً من أعلام الإسلام ، يتمثل أمر

الله تعالى في أمور حياته كلها ، يتطلع إلى ما عنده عز وجل من الأجر الجزيل ،

يعيش بالإسلام وللإسلام .

وسيبقى ذلك مجرد حلم للأم التي تظن أن الأمومة تتمثل في الإنجاب ، فتجعل

دورها لا يتعدى دور آلة التفريخ ... ! أو سيبقى رغبات وأماني لأم تجعل همها

إشباع معدة ابنها ؛ فكأنها قد رضيت أن تجعل مهمتها أشبه بمهمة من يقوم بتسمين

العجول ... ! وتلك الأم التي تحيط أبناءها بالحب والحنان والتدليل وتلبية كل ما

يريدون من مطالب سواء الصالح منها أو الطالح ، فهي أول من يكتوي بنار الأهواء

التي قد تلتهم ما في جعبتها من مال ، وما في قلبها من قيم ، وما في ضميرها من

أواصر ؛ فإذا بابنها يبعثر ثروتها ، ويهزأ بالمثل العليا والأخلاق النبيلة ، ويقطع ما

أمر الله به أن يوصل .

والأم المدلّلة أول من يتلقى طعنات الانحراف ؛ وأقسى الطعنات تتمثل في

عقوق ابنها .

ولنا أن نتساءل عن أهم ما يمكن للأم أن تقدمه لأبنائها .

أولاً : الإخلاص لله وحده :

إن عليها قبل كل شيء الإخلاص لله وحده ؛ فقد قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إلاَّ

لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ

القَيِّمَةِ [البينة : 5] ، فاحتسبي أختي المؤمنة كل جهد تكدحينه لتربية الأولاد ، من   سهر مضنٍ ، أو معاناة في التوجيه المستمر ، أو متابعة الدراسة ، أو قيام بأعمال   منزلية ... احتسبي ذلك كله عند الله وحده ؛ فهو وحده لا يضيع مثقال ذرة ، فقد   قال جل شأنه : وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ

[ الأنبياء : 47] فلا تجعلي للشيطان سلطاناً إن قال : أما آن لك أن ترتاحي .. ؟ !

فالرفاهية والراحة الموقوتة ليست هدفاً لمن تجعل هدفها الجنة ونعيمها المقيم .

والمسلمة ذات رسالة تُؤجَر عليها إن أحسنت أداءها ، وقد مدح الرسول صلى

الله عليه وسلم المرأة بخصلتين بقوله : (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش : أحناه

على ولد في صغره ، وأدعاه على زوج في ذات يده) [1]  .

ثانياً : العلم :

والأم المسلمة بعد أن تحيط بالحلال والحرام تتعرف على أصول التربية ،

وتنمي معلوماتها باستمرار .

قال تعالى : وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه : 114] فهذا ديننا دين يدعو إلى

العلم ، فلماذا نحمّل الإسلام قصور تفكيرنا وتخلفنا عن التعلم ، ليقال : إن الإسلام لا

يريد تعليم المرأة ... وإن الإسلام يكرس جهل المرأة ؟ !

لا ... إن تاريخنا الإسلامي يزخر بالعالمات من مفسرات ومحدثات وفقيهات

وشاعرات وأديبات . كل ذلك حسب هدي الإسلام ؛ فلا اختلاط ولا تبجح باسم العلم

والتحصيل !

فالعلم حصانة عن التردي والانحراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من لا

تعرف السبيل الحق ، فتنجرف إلى الهاوية باسم التجديد والتحضر الزائف ، والتعليم

اللازم للمرأة ، تفقهاً وأساليب دعوية ، مبثوث في الكتاب والسنة . ومما تحتاج إليه

المرأة في أمور حياتها ليس مجاله التعلم في المدارس فحسب ، وإنما يمكن تحصيله

بكل الطرق المشروعة في المساجد ، وفي البيوت ، وعن طريق الجيران ، وفي

الزيارات المختلفة ... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما بال أقوام لا يفقّهون

جيرانهم ولا يعلّمونهم ولا يعظونهم ولا يفهمونهم ؟ ! ما بال أقوام لا يتعلمون من

جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون ؟ والله لَيُعلّمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم

ويأمرونهم وينهونهم ، وَلَيتَعلّمنّ أقوام من جيرانهم ويتعظون أو لأعاجلنهم

بالعقوبة) [2] . فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع ، ولنجعل لنا في   مكتبة البيت نصيباً ؛ ولنا بذلك الأجر إن شاء الله .

ثالثاً : الشعور بالمسؤولية :

لا بد للمرأة من الشعور بالمسؤولية في تربية أولادها وعدم الغفلة والتساهل

في توجيههم كسلاً أو تسويفاً أو لا مبالاة .

قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ

وَالْحِجَارَةُ [التحريم : 6] فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار .

فالمحاسبة عسيرة ، والهول جسيم ، وجهنم تقول : هل من مزيد ؟ ! وما علينا

إلا كما قال عمر رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا ، وزنوا أعمالكم

قبل أن توزنوا ، وتجهزوا للعرض الأكبر) .

ولن ينجي المرأة أنها ربت ابنها لكونها طاهية طعامه وغاسلة ثيابه ؛ إذ لا بد

من إحسان التنشئة ، ولا بد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد صافٍ وعبادة

مستقيمة وأخلاق سوية وعلم نافع .

ولتسأل الأم نفسها : كم من الوقت خصّصتْ لمتابعة أولادها ؟ وكم حَبَتهم من

جميل رعايتها ، ورحابة صدرها ، وحسن توجيهاتها ؟ !

علماً بأن النصائح لن تجدي إن لم تكن الأم قدوة حسنة !

فيجب أن لا يُدْعى الابن لمكرمة ، والأم تعمل بخلافها . وإلا فكيف تطلب منه

لساناً عفيفاً وهو لا يسمع إلا الشتائم والكلمات النابية تنهال عليه ؟ ! وكيف تطلب

منه احترام الوقت ، وهي أي أمه تمضي معظم وقتها في ارتياد الأسواق والثرثرة

في الهاتف أو خلال الزيارات ؟ ! كيف .. وكيف ؟

أختي المؤمنة : إن ابنك وديعة في يديك ، فعليك رعايتها ، وتقدير المسؤولية ؛   فأنت صاحبة رسالة ستُسألين عنها ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ

وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا

أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم : 6] .

أما متى نبدأ بتوجيه الصغير ؟ ! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وتجنبه ،

وخاف أن يظهر منه أو فيه ، فهذا يعني أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صالحة

للعناية ؛ ولهذا يجب أن لا تُهمل أو تُترك ؛ بل يكون التوجيه المناسب للحدث بلا

مبالغة ، وإلا فقدَ التوجيهُ قيمته . وفي كل تصرف من تصرفات المربية وكل كلمة

من كلماتها عليها أن تراقب ربها وتحاسب نفسها لئلا تفوتها الحكمة والموعظة

الحسنة ، وأن تراعي خصائص النمو في الفترة التي يمر فيها ابنها ، فلا تعامله

وهو شاب كما كان يعامل في الطفولة لئلا يتعرض للانحراف ، وحتى لا تُوقِع

أخطاءُ التربية أبناءنا في متاهات المبادئ في المستقبل يتخبطون بين اللهو والتفاهة ،   أو الشطط والغلو ؛ وما ذاك إلا للبعد عن التربية الرشيدة التي تسير على هدي

تعاليم الإسلام الحنيف ؛ لذلك كان تأكيدنا على تنمية معلومات المرأة التربوية لتتمكن

من معرفة : لماذا توجه ابنها ؟ ومتى توجهه ؟ وما الطريقة المثلى لذلك ؟

رابعاً : لا بد من التفاهم بين الأبوين :

فإن أخطأ أحدهما فليغضّ الآخر الطرف عن هذا الخطأ ، وليتعاونا على الخير

بعيداً عن الخصام والشجار ، خاصة أمام الأبناء ؛ لئلا يؤدي ذلك إلى قلق الأبناء ،

ومن ثم عدم استجابتهم لنصح الأبوين .

خامساً : إفشاء روح التدين داخل البيت :

إن الطفل الذي ينشأ في أسرة متدينة سيتفاعل مع الجو الروحي الذي يشيع في

أرجائها .. والسلوك النظيف بين أفرادها .

والنزعات الدينية والخلقية إن أُرسيت قواعدها في الطفولة فسوف تستمر في

فترة المراهقة ثم مرحلة الرشد عند أكثر الشباب ، وإذا قصّر البيت في التربية

الإيمانية ، فسوف يتوجه الأبناء نحو فلسفات ترضي عواطفهم وتشبع نزواتهم ليس

إلا .

فالواجب زرع الوازع الديني في نفوس الأبناء ، ومن ثَمّ مساعدتهم على حسن

اختيار الأصدقاء ؛ وذلك بتهيئة الأجواء المناسبة لاختيار الصحبة الصالحة من

الجوار الصالح والمدرسة الصالحة ، وإعطائهم مناعة تقيهم من مصاحبة الأشرار .

سادساً : الدعاء للولد بالهداية وعدم الدعاء عليه بالسوء :

عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا

تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا

على أموالكم ؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجاب لكم ) [3] .

وأولاً وأخيراً : ينبغي ربط قلب الولد بالله عز وجل لتكون غايته مرضاة الله

والفوز بثوابه فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ

[الأنبياء : 94] . وهذا الربط يمكن أن تبثه الأمهات بالقدوة الطيبة ، والكلمة       المسؤولة ، والمتابعة الحكيمة ، والتوجيه الحسن ، وتهيئة البيئة المعينة على     الخير، حتى إذا كبر الشاب المؤمن تعهد نفسه : فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم   جادة الصواب ، ويبتعد عن الدنايا ، فتزكو نفسه ويرقى بها إلى مصافِّ نفوس   المهتدين بعقيدة صلبة وعبادة خاشعة ونفسية مستقرة وعقل متفتح واعٍ وجسم قوي   البنية ، فيحيا بالإسلام وللإسلام ، يستسهل الصعاب ، ويستعذب المر ، ويتفلت من   جواذب الدنيا متطلعاً إلى ما أعده الله للمؤمنين المستقيمين على شريعته : إنَّ   الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا   وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [ فصلت : 30] .

________________________

(1) متفق عليه : البخاري ، ح / 5082 ، ومسلم ح /2527 .

(2) رواه الطبراني في الكبير .

(3) رواه مسلم ، ك /الزهد والرقائق ، ح /3014 .

 

 

 

بأقلامهن

دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح

دور المعلمات - رائدات المجتمع

(2/2)

خولة درويش

 

استعرضت الأخت الكاتبة في الحلقة السابقة دور المرأة من خلال ما يمكن أن

تتحلى به وتقدمه لأبنائها من تربية وتوجيه ، وتطرقت لأهمية الاستعانة بالله ،

وتتحدث في هذه الحلقة عن جوانب أخرى من الموضوع .

- البيان-

كانت ابنة هادئة مهذبة يجللها الحياء .

وبعدما دخلت المرحلة المتوسطة بدا التغير عليها ...

رآها والدها وقد لوّنت إحدى خصال شعرها باللون الأخضر ، فلما سأل

والدتها عن ذلك مستغرباً قالت : ما العمل ؟ ! هكذا تفعل معلمتها في المدرسة ؛ إذ

تلوّن خصلة شعرها حسب لون فستانها ! ثارت ثائرة الرجل ، وما كان منه إلا أن

أقسم أن لا يعلّم بنتاً له بعد اليوم ! !

رويدك أيها الأب الغيور ! فبالعلم حياة القلوب ولذة الأرواح ، وبه يُعرف

الدين ويكشف عن الشبهات .

إن ديننا الإسلامي دين علم ، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت عَلَماً

في ذلك ؛ حيث حفظت وروت كثيراً من الأحاديث النبوية داخل المنزل الشريف .

ومثلها كانت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن وذلك استجابة لهدي هذا الدين :

- عن الشفاء رضي الله عنها قالت : دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم-

وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي : ألا تعلّمين هذه رقية النحلة كما علمتِها

الكتابة ؟ [1]  .

فالعلم مطلب شرعي للرجل والمرأة على السواء . فلماذا نضيّق واسعاً ،

ونحمّل الأجيال وزر معلمات كن قدوة سوء ؟ !

نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة ، وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة .

- يجب أن لا يُهمل تعليم البنات ؛ فقد قيل : تعليم رجل واحد هو تعليم

لشخص واحد ، بينما تعليم امرأة واحدة يعني تعليم أسرة بكاملها . وبتعليم بناتنا

وتنشئتهن النشأة الصالحة نردم الهوة الكبيرة التي تفصل أمتنا عن التقدم في كثير

من ديار المسلمين .

بل إن ديننا الإسلامي بلغ فيه حب العلم والترغيب في طلبه أن دعا إلى تعليم

الإماء من نساء الأمة ؛ كي تزول غشاوة الجهل ، وتسود المعرفة الواعية ، وقبل

ذلك ليُعبد الله على بصيرة وتستقيم الأجيال على أمر الله .

وفيما رواه الإمام البخاري رحمه الله قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : أيما

رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها ، وأدبها فأحسن تأديبها ، ثم أعتقها

فتزوجها فله أجران [2]  .

هذا إذا روعي في التعليم المنطلقات الشرعية .

وقد عرف أعداؤنا أهمية العلم ؛ فأسرعوا إليه ؛ ولكن على أسس علمانية ،

وعرفوا أثر المعلمة ؛ فعملوا على إفسادها ، وبإفسادها أضلوا الأجيال منذ مطلع هذا

القرن . ومما يؤسف له أن العلمانيين والملاحدة قد سبقوا أصحاب العقيدة السليمة

إلى تعليم المرأة ، فعاثت نساؤهم في العالم الإسلامي تخريباً وإفساداً نتيجة لما يربين

عليه الأجيال من مبادئ ضالة ومضلة ، وكان لتأسيسهن الجمعيات النسائية الدور

الكبير في صرف بناتنا عن طريق الهدى والرشاد .

فلا بد من بديل إسلامي لنحصن بناتنا بالتربية الرشيدة ، حتى لا يكون موقفنا

مجرد النقد واللوم ، وذلك بالتعليم النافع ، وأساليب الدعوة الجادة بين بنات جنسهن .

- لا بد من إعداد المرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى ؛ إضافة إلى

العلوم الشرعية الواجب عليها تعلمها ، فإذا أتقنت ذلك وكانت ممن أوتي موهبة غنية ،   وعقلاً خصباً ، وفكراً نيراً ، وتعلمت غير ذلك من العلوم والفنون فإن هذا حسن ؛

لأن الإسلام لا يعترض سبيلها ما دامت لا تتعدى حدود الشرع الحنيف .

وقد كانت نساء السلف خير قدوة في التأدب والحياء خلال خروجهن وتعلمهن ؛   إذ كانت المرأة المسلمة تتعلم ومعها دينها يصونها ، وحياؤها يكسوها مهابة ووقاراً

بعيداً عن الاختلاط والتبذل .

أَمَا وقد تمثل التعليم في عصرنا في المدارس الرسمية ، فلا بد أن تتولى

المرأة تعليم بنات جنسها ، لا أن تعلم المرأة في مدارس الذكور أو في مدارس

مختلطة ، ولا أن يعلم الرجل في مدارس الإناث ؛ فذلك من أعمال الشياطين .

وحتى في ديار الغرب المتحلل بدأت صرخات مخلصة تدعو إلى التراجع عن

التعليم المختلط بين الجنسين وتنادي بالعودة إلى الفطرة السليمة التي تنبذ الاختلاط .

لقد تبين بعد دراسات عديدة أن البنين والبنات يحتاجون إلى معاملة مختلفة ؛ نظراً

للاختلاف في تطورهم الجسمي والذهني ، كما أن الاختلاط يجرّ إلى ما لا تحمد

عقباه من مفاسد يندى لها الجبين ؛ هذا فضلاً عن اختلاف المادة الدراسية التي

يحتاجها كل من البنين والبنات .

- فالمنهج المدرسي للفتاة ينبغي أن يتناسب مع سنها مما يعدّها لوظائفها

الأصلية : ربة بيت ، أمّاً ، وزوجة ؛ لتضطلع بمهمتها التي تنتظرها ، وتقوم بأدائها

بطريقة سليمة ؛ مما يهيئ الحياة الناجحة لها ولأسرتها المقبلة ، ويجنبها العثرات ،

ويجعلها داعية خير تتفرغ وأخواتها المؤمنات لوظيفة إعداد النشء الصالح ، وأنْعِمْ

بها من وظيفة لإعداد الأجيال ، لا لجمع الأموال وتتبع مزاجيات الفراغ !

- الواجب أن تكون معلمات الأجيال المسلمة نخبة صالحة تحمل همّ الإسلام ،

وتسير بخطوات إيجابية في تعليم الأجيال المسلمة وتثقيفها ، وتزويد بناتنا بأساليب

التربية التي تفيدهن مستقبلاً ، لا بحشو الأذهان بقضايا لا تفيد ولا تغني في الحياة

العملية شيئاً .

إنها خير منقذ لطالباتها من الوقوع في أحضان الانحراف والإلحاد ؛ فهي

تعلمهن الفضيلة بسلوكها وأقوالها : تنمي شخصيتهن ، وتشحذ عقولهن ، وتنقل

إليهن الحقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي : أن نجاح الجيل وتفوّقه لا يتمثل إطلاقاً

في مدى ما يحفظ ، بل فيما يعي ويُطبّق ، ثم إن التفوق في الدراسة ليس غاية

وهدفاً ... بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن .

هذا ؛ ومع أننا نرفض أن تكون أجيالنا ضحايا الإهمال واللامبالاة ، فإننا نؤكد

على الأم المعلمة ؛ إذ عليها أن تقوم أولاً بواجبها الأساس كزوجة صالحة ، وأم

مربية تحسن تربية أولادها ، ومن ثم تربي أولاد الآخرين ، ولا تنسى أن فرض

العين أوْلى من فرض الكفاية .

- وقد حدد علماؤنا القدماء صفات المعلم المسلم في التعامل مع طلابه ،

وذكروا أفضل الآداب لاتباعها ، وعلى ضوء تلك الآداب ؛ فعلى المعلم أو المعلمة :

إخلاص النية لله تعالى : وأن تقصد بتعليمها وجه الله وتحتسب الثواب منه

وحده ، وتتطلع إلى الأجر الجزيل الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله :   من دل على خير فله مثل أجر فاعله [3] .

فلا تعمل لأجل المكانة ولا لمدح الناس ولا للراتب وحده ، وإنما عملها في

سبيل الله ، وتكون قدوة للناشئات في ذلك ، وإلا ... فإن فاقد الشيء لا يعطيه ،

وأنّى للأعمى أن يقود غيره ويرشده للطريق السليم ؟ !

أن تقوم بعملها وتربي الأجيال على أدب الإسلام : فيتعلمن العلم ويتعلمن

الأدب في آن واحد ؛ وقد قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا

تَفْعَلُونَ [الصف : 2] .

أمّا أن تأتي الطالبة كل يوم بقصة جديدة حدثتها بها معلمتها مما ينبو عن

الذوق السليم ، أو بتقليعة جديدة جاءت بها إحدى المدرّسات مما تتنافى مع ديننا ،

فهذا أسلوب من أساليب الهدم لا البناء !

على معلمتنا المسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع ، ولا تستهين بمخالفته مهما

بدت المخالفة بسيطة ؛ فإن ذلك السوء ينطبع في نفس الجيل ويصعب بعد ذلك

إزالته .

أن تكون حسنة المظهر تهتم بحسن هندامها باعتدال ؛ فالمظهر الأنيق يعطي

نتائج إيجابية في نفس الطالبة فتحترم معلمتها ، ويعين ذلك على العمل بنصائحها ،

والعكس صحيح ... وأن تركز على أن يعتاد الجيل الاهتمام بالجوهر لا المظهر ،

مع الابتعاد عن توافه الموضات المتجددة .

وليس من الإسلام أن تكون أحاديث طالبات المدارس مقتصرة على زي

المعلمة وتسريحة شعرها ، وجمال فستانها ، وهاتفها الجوال الظاهر للعيان .

وللأسف ؛ فإن بعض المدرسات يتبادلن أشرطة الأفلام والمجلات الإباحية مع بعض

الطالبات ؟ ! فيا لخيبة مسعاهن !

أن تتحلى بمكارم الأخلاق التي يدعو لها الدين ولا سيما الصبر فتحسن

التلطف في تعليم الطالبات مما يجعلهن بعيدات عن التجريح والتشهير ؛ فتكون بحق

داعية بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً بقوله تعالى : ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ

وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل : 125] .

والمدرّسة الحكيمة تنوّع في الطريقة التي تخاطب بها طالباتها حسب مقتضى

الحال ، وحسب سن الطالبات ، ولا يفوتها أن التعامل الطيب الحنون يجذب

الطالبات إليها وإلى المبادئ التي تنادي بها ... وليس من الدين الجفاف في المعاملة

أبداً ! فالمعلمة كالأم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاتها وتشفق عليهن وتشجع المجيدة

منهن ، ولتذكر أن نتائج التشجيع والمدح أفضل من التوبيخ والتقريع ؛ فتشحذ همة

طالباتها نحو الخير ببث الثقة في أنفسهن ، وتحبيبهن بالفضائل دون أن تثبط

عزيمتهن .

وإن احتاجت إلى عقوبتهن أو تنبيههن يوماً مّا فلتجعل الطالبات يشعرن أن

العقوبة إنما هي لأجل مصلحتهن ، ولو كانت بشكل غير مباشر ؛ فإن ذلك أشد

تأثيراً ، ولتشعرهن أنها حريصة عليهن وعلى سمعتهن ومستقبلهن ، ولتربط

توجيهاتها بالدين وسلوك السلف الصالح ؛ ليصبح الدافع الأساس في أعمالهن هو

الدين لا المصلحة ولا المجتمع ... وكل ذلك باعتدال من غير مبالغة لئلا يؤدي إلى

نتائج عكسية .

ولتكثر المعلمة من ذكر نماذج نساء السلف الصالح في الأجيال الخيّرة حتى

تبتعد الأجيال الجديدة عن الانبهار بنساء الغرب المنحلّ .

ومن صفات المعلمة المسلمة التواضع : فذلك من خلق الإسلام وقد قال تعالى

لنبيه الكريم : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ [الشعراء : 215] .

فتبتعد عن المفاخرة والمباهاة ، وإلا أصبحت أضحوكة حتى أمام طالباتها اللاتي

يزهدن فيها وفيما تدعو إليه . والمعلمة التي تعامل طالباتها بصلف وكبرياء لن

تجني غير كرههن لها ، والمعلمة التي تسخر من طالباتها ولو بالهمز واللمز تترك

جرحاً غائراً في نفس أولئك الطالبات . فأين هي من أدب الإسلام الذي حذر من تلك

المثالب بقوله تعالى : وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة : 1] . وأين القدوة الواجبة

عليها والمنتظرة منها ؟ !

وأن تكون المعلمة يقظة في رسالتها : فهي يقظة لجزئيات المنهج المدرسي

لتستفيد منها كما يجب ، وتوظفها لخدمة عقيدتها ؛ فلا يُدرس العلم بمعزل عن

العقيدة .

وينبغي أن تكون المعلمة يقظة لما يتجدد من أحداث يومية : فلا تدعها تمر

دون استفادة منها ، بل بالطرْق والحديدُ ساخن كما يقال فتعلق على الحادثة التعليق

المناسب في حينه .

وعليها أن تلاحظ تصرفات طالباتها ، فتزجرهن عن سيّئ الأخلاق ،

وترغّبهن في حسنها بطريقة سليمة ولا تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح .

تستفيد من النظريات التربوية : شريطة أن تتناسب مع قيمنا ، فتستثير أذهان

طالباتها بالأسئلة الموجهة والمفيدة ، مما ينمي شخصياتهن وينقل الحقائق العلمية

لعقولهن .

وعليها أن تشجع ذوات المواهب والكفاءات بالثناء على أعمالهن وتصرفاتهن ،   ولتذكر أن بدايات الابتكار على مقاعد الدراسة .

تتعاون مع زميلاتها المدرسات : فالتفاهم والوئام بين أعضاء الأسرة

المدرسية يفسح للمديرة القيام بعملها ومتابعة العملية التعليمية ، والارتفاع بمستوى

الأداء الوظيفي ... بدلاً من أن يكون عملها حل المشكلات التي تعملها المدرسات

الفارغات ...

تتعاون مع أسر الطالبات : فهن شريكات في عمل واحد ، وعلاقتها مع الأم

علاقة محبة وتقدير وتعاون لما فيه خير الطالبات ، فتساعد على تثقيفهن ؛ ويتم ذلك

من خلال حلقات إرشادية للأمهات ؛ فتعقد المدرسة الندوات وتقيم المحاضرات التي

تُدعى لها الأمهات ، سعياً لتضافر الجهود ، لوضع الأجيال أمام رؤية واضحة للحياة

ألا وهي : العمل لمرضاة الله تعالى ، وإلا فما تبنيه المدرسة يمكن أن تهدمه الأسرة

والعكس صحيح .

أخواتي المعلمات : إن رسالتكن جليلة وهي أمانة في أعناقكن وسيسألكن عنها

رب العباد . إنها رسالة إعداد الأجيال المؤمنة بربها وصد كل هجوم فكري يحاول

التسلل إلى حصوننا ، وغرس الفضائل السامية في النفوس ، والعلوم النيرة في

العقول .

والمعلمة الصالحة لن تنساها طالباتها ، بل تبقى في ذاكرتهن يشدن بأمجادها

وفضائلها ، ويأتسين بجميل خصالها وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا

تَعْقِلُونَ [الأنعام : 32] .

المرأة والمجتمع :

إن كثيراً من الفتيات ، ما إن تنتهي إحداهن من الدراسة النظامية حتى تهجر

الكتب ، بل والمطالعة عموماً ، وتنتكس إلى الأمية لارتباطها المعدوم بالكتاب ،

وتصبح اهتماماتها المحدودة لا تتعدى لباسها وزينتها والتفنن في ألوان الطعام

والشراب ، وهي هموم دنيوية قريبة التناول ، لا غير ...

- المرأة المسلمة عضو في مجتمع الإسلام ، فهي مؤثرة ومتأثرة به ، لا شك

في ذلك ؛ فهي ليست هامشية فيه أو مهملة ، ولا يصح بحال أن تكون سلبية أو

اتكالية ، وإن كان الأمر كذلك فهو الجحود عينه ، والنكران للجميل ، والابتعاد عن

الإيثار والتضحية .

أمتنا الإسلامية تنتظر من يعيد لها أمجادها من أبنائها البررة وبناتها الوفيات .

- وللمسلمة حضور اجتماعي واضح في كل ما هو نافع ، وهكذا ينبغي أن

يكون .

فعليها أن تضع نصب عينيها حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- : لا

تكونوا إمعة تقولون : إن أحسن الناس أحسنّا ، وإن ظلموا ؛ ظلمنا ولكن وطّنوا

أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساؤوا فلا تظلموا [4]  .

- للمرأة رسالة تربوية هادفة للرقي بمجتمعها ...

وتبدأ هذه الرسالة بإيفاء حق جيرانها ، فتعلّم الجاهلة ما تحتاجه لدينها ودنياها ،   وفي ذلك خدمة تؤديها للأجيال الناهضة ؛ فتصبح اجتماعات الجارات ليست للقيل

والقال ، بل للارتفاع بأسرنا المسلمة من الاهتمامات السطحية الساذجة إلى آفاق

سامية ؛ فكل حديث يمكن أن تحوّله المسلمة الصالحة إلى حديث هادف ، حتى

الحديث التافه لن تعدم المسلمة اللمّاحة أن تحوله للعبرة والتأمل ، والجارات

الصالحات يتدارسن أفضل السبل لتربية أولادهن وحل مشاكلهن .

ومن الصور المشرقة في التعاون بين الجارات :

أن أحد الأبناء كان يسرق المال من جيب أبيه وينفقه على ثلة من أصحابه

الذين كانوا يشجعونه على ذلك العمل المشين .

عرفت الأم ذلك عن طريق جارتها الناصحة التي ساعدتها في اجتياز الأزمة ،

بمدارسة المشكلة والنظر في جذورها ، ومن ثم احتواؤها وإيجاد الحل المناسب .

ومن ذلك أن امرأة كانت تكمل دراستها العليا ، وحيث إن لها أطفالاً بحاجة

إلى رعاية ، فقد تكفلت جارتها بالعناية بأطفالها تحتسب الأجر : أجر الإحسان إلى

الجار ، وأجر تخفيف الكربة عن جارتها التي من الممكن أن تتعرض لضغوط نفسية

عصيبة لو لم تجد الصدر الحنون من جارتها المسلمة .

وبالمقابل يجب أن لا ننسى الفضل لأهله ، فكلتاهما تشارك في الأجر . وهذه

إحدى صور التضامن بين الجيران بدلاً من الجفاء الذي عم وطم .

- ومن مهام المرأة المسلمة أن توطد العلاقات الحميمة بين الأقارب : من

صلة للأرحام ، وزيارة للمرضى ، ومشاركة في الأفراح ... وغير ذلك من أعمال

الخير مما يشيع روح التعاون والمحبة ، فتنشأ الأجيال على مُثُل الإسلام ، وقيمه

السامية ، بالتعامل الطيب وبالمحاكاة الودودة . وعلى المرأة المسلمة أن تشجع كل

بادرة خيرة تبدو من أجيالنا الناشئة ، فتهنئ بنجاحهم ، وتفرح لتفوقهم .

أمّا ما نسمعه عن خروج التافهات إلى الساحات العامة ليشجعن المباريات ؛

فذلك ليس من التشجيع المشروع ؛ فضلاً عن أنه لا يدل بحال على وعي المرأة لما

يناسبها من مهام .

- وبالمقابل أن تتيح الفرصة لمناقشة الصغار وسماع آرائهم وتقدير أعمالهم

الناجحة دون ضجر ، ولنذكر أن من يعتبره بعض الناس طفلاً كثير الثرثرة قد يكون

ممن له شأن في المستقبل ، وكثرة أسئلته ما هي إلا دليل على قوة ملاحظته ،

وتعبير عما يجيش في نفسه التواقة للمعرفة والاطلاع . ولا ننسى الأثر الطيب في

توجيه الصغار وتشجيعهم .

سمعنا أن محاضِرة كانت تتحدث بطلاقة تبهر كل من تسمعها من بنات جنسها ،   وكان من أكثر ما أثر فيها أن جاراتها ومعارف أبيها كانوا يستمعون لخطبها

ويشجعونها وهي لا تتعدى السادسة من عمرها .

فعلينا ألا نبخل بكلمة طيبة نشجع بها صغارنا ؛ فالكلمة الطيبة صدقة ،

والتوجيه الهادف لن يعدم له أثر ، والكلمة المخلصة تصل إلى القلوب بلا حواجز .

من المهام الأساسية للمرأة المسلمة أن تساهم في تحصين الأجيال بالثقافة

الأصيلة والعقيدة الصحيحة ، ولا تترك قيادة الأجيال بيد العابثات اللاتي يركبن كل

موجة من أجل الوصول إلى أهدافهن في تخريب النشء .

فمن خلال مشاركتها في المراكز الثقافية وعدم ترك هذا المجال الهام لغيرها

من صاحبات المذاهب الهدامة . ممن جعلن همهن أن تكون هذه المراكز بؤرة

للإفساد ووسيلة للتخريب .

ومن الصور المشرفة مساهمة المسلمة في الجمعيات النسائية الخيرية لتحافظ

على وجهتها السليمة من خلال مشاركتها بما تقدر عليه ، بالمحاضرات والندوات

والنشاطات الاجتماعية الطيبة والمتنوعة ؛ فتصبح تلك فرصة طيبة لها للتعلم

والتعليم وتوجيه الأجيال ، فتستفيد وتفيد في آن واحد ، ورب كلمة طيبة ونصيحة

مخلصة تأخذ بيد الأمهات والمعلمات والمربيات نحو الخير ، وتبعدهن عن الأخطار

التربوية ، وتصل بالنشء إلى التقدم والفلاح .

إننا إذ نطلب مساهمات المرأة والاستفادة من عمرها الذي ستسأل عنه وعن

علمها الذي تعلمته ، لا نعني بذلك التزامها بعمل رسمي مهني تداوم فيه ولو أدى

ذلك إلى إهمال حق زوجها ورعاية أبنائها ولا نعني المرأة العاملة التي تعود إلى

بيتها مكدودة الجسم مثقلة النفس بهموم العمل ؛ فأنّى لأمثال هذه المكدودة المتعبة أن

تفيد الأجيال التي تنتظر اللمسة الحنون منها ، فلا يجدون لديها إلا الزجر والتأنيب ؛

لأن أمهم متعبة وتريد أن ترتاح من عناء العمل طوال يومها ! ... وبنفس الوقت لا

يعني هذا أن تترك الأعمال الممكنة التي تتناسب مع فطرتها ولا تشق عليها كتطبيب

النساء ، وتعليمهن الخياطة ونحوها ؛ ولا تترفع عن أعمال يمكن أن تسد بها ثغرة

طيبة في مجتمعها .

إنها وهي المسلمة التي تريد أن تربي الأجيال على تعاليم الدين يجب أن

تبذل جهدها في تنقية الوسائل الإعلامية من كل ما يهدم الأخلاق ويسيء للمثل العليا .   ولا يخفى أن الإعلام يؤدي وظيفة من أخطر وسائل الغزو الفكري الحديث . وقد

اهتم به المروجون لأفكارهم وتنوعت أدواته من إذاعة وتلفزيون وصحافة ومجلات

وسينما ومسرح وكتب وفيديو و .... وأكثرها يعتمد على الإثارة ويتفنن في طرق

مخاطبة الغرائز وعداوة الدين وتعاليمه ، وتدعو بمجملها وفي غالب أحوالها إلى

التحلل والسفور والتمرد على الفطرة ، والتطبيل والتهليل لكل خبث وخبيث ، مما

يشيع الخنا والفجور ، ويشكك بالشخصية المسلمة وقدرتها على الإبداع ، حين

يصفونها دائماً بالمتخلفة ، فتنشأ الأجيال وقد فقدت ثقتها بنفسها ؛ وكأن الإبداع

والتفوق مقصوران على الكفار وحدهم ؛ وأما المتدينون فهم المتخلفون مما يُشعِر

الأجيال بالدونية والصّغار ، وهذه توجيهات خبيثة تنفث سمومها في مجتمعاتنا ، فلا

بد من تحصين الأجيال ضد هذا الغزو الفكري المركّز .

- والمسلمة الواعية تتعامل مع الإعلام بفطنة وحذر ، ولا يفوتها أن من

مقاصد التشريع الإسلامي حفظ الكليات الخمس وهي : الدين ، والعقل ، والنسب ،

والنفس ، والمال ، فإذا وجدت المسلمة ما يعمل على إضاعة هذه الكليات أو بعضها

فيجب أن تسعى ما أمكنها لتكون حائلاً دونه . إننا نناشد الأقلام النسائية لنصر

الفضيلة ، وتسفيه رأي شياطين الإنس وبيان زيفهم وضلالهم .

لا بد من مواجهة العدو الماكر بتخطيط سليم وعمل مضاد ، وإذا لم نبذل الجهد

لتدعيم الأخلاق الفاضلة وترسيخ العقيدة السليمة ، ندمنا حيث لا ينفع الندم ؛ فقد

تُكَرّس الخرافة والمثل الهابطة ، وتعيش الأجيال وهي تستنشق ذلك العبق القاتم .

ومن المزايا التي اختصت بها نساؤنا في الماضي كثرة القصص يسلين بها

الأطفال ، ويجذبنهم للأسرة ولمعتقداتها .

فلماذا تترك نساؤنا المثقفات أبناءهن هدفاً لقصص جرجي زيدان (وأمثاله)

يشوهون تاريخنا ويسيئون إلى مُثُلنا ؟

فلنساهم في الإعلام المقروء والإعلام المسموع كل واحدة بقدر طاقتها ، حتى

الأناشيد ينبغي أن تنظمها المسلمة ليترنم بها أبناؤنا ، ولتحل محل الأغاني الهابطة ،

ولتغرد الأجيال بكلمات عذبة تظهر الصورة الوضيئة للإسلام ومثله السامية ،

وتستميل قلوب الناشئة للخير .

وكذلك الحال في المجالات والقصص والروايات التي تعلم في كثير من

حالاتها خداع الآخرين في سبيل المال وتكرس القيم والأفكار الخاطئة ، من العنف

أو اللامبالاة ، أو العقوق وغير ذلك من سيئ الأخلاق ؛ فإن واجب المسلمة أن

تستفيد من وسائل المعرفة السريعة هذه ، حتى تصبح منبراً يعلم الخير ويدعم العقيدة ،   ويثقف العقل ، وفي الوقت ذاته يروّح عن النفس .

- إن أخطر أنواع الإعلام الحديث هو التلفزيون ؛ إذ زاحم الأسرة في توجيه

أبنائها وبناتها وذلك بجاذبية مدروسة ، وغزو مستور ، وشياطين الإنس تؤزّه لهدم

كل فضيلة . وقد قال الرئيس الفرنسي السابق ديغول متحدثاً عن أثر التلفاز :

أعطني هذه الشاشة أغير لك الشعب الفرنسي .

ولو علمنا أن كثيراً من الأسر قد تخلت عن دورها نهائياً في مهمة التربية

العقدية والفكرية ، وأسلمت أبناءها للتلفزيون يصنع بهم ما يحلو له من التوجيه

وغرس المفاهيم والعقائد المغايرة في كثير من الحالات لعقائدنا وحضارتنا ؛ لقدّرنا

أي واجب يحتم على المثقفة المسلمة أن تستفيد من إمكاناتها إن كانت تحسن كتابة

القصة أو الأنشودة أو الحوار أو المقالة .

يجب أن لا تتردد المسلمة في النزول إلى ميدان الإعلام ، لمواجهة الفتح

الإعلامي الذي يصب في آذان الناشئة صباح مساء .

فمن أجل أبنائنا ومن أجل مستقبل أفضل ، ولكي يبقى صوت الحق عالياً ؛

فإن على المسلمة أن تساهم في وضع المادة الصالحة البديلة عما يسيء لدينها

وعقيدتها ، وتنشط فلعلّ كتابتها تكون سداً حائلاً دون تسرب الخبث ؛ لأن من يُقدّم

له الطعام فيشبع لن يشتهي الفضلات ولن يُقْدِمَ على تناولها .

أختي المسلمة :

لا تتعللي بالأسباب فتقولي : أنا متعبة الصحة ، كثيرة الالتزامات ، ضيقة

الأوقات ؛ فاغتنام الوقت والصحة والغنى من تعاليم شرعنا الحنيف ؛ فعن ابن

عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : اغتنم خمساً

قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك

قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك [5]  .

- فإذا نظمت المرأة حياتها واستفادت من جزئيات وقتها ، وضنت به أن

يستهلك في الطهي وفضول الكلام ... فإننا عند ذلك لن نسمع لها شكوى من ضيق

الوقت ؛ فتلتفت إلى واجبها داعية للخير وقدوة لغيرها ، تثري الفكر في المجالات

التربوية والصحية التي تعود بالفائدة على الأجيال المؤمنة والمجتمع الإسلامي بأسره ،   وتبذل جهدها لإيجاد بديل إسلامي لمواجهة هذا الزخم الهائل من الهجمة الفكرية ،

وتدافع عن حوزة الدين في مجتمع الذئاب الذين يدأبون على التخطيط والعمل

لصرف الناس عن دينهم .

إن على المرأة المسلمة أن تنبذ الراحة الموهومة ، والنوم والكسل الذي ران

على نفوس الكثيرات ، وتجتهد لتقوم بواجبها نحو أمتها المسلمة ، ونحو أجيالها

الرشيدة بما تقدر عليه ، وتستثمر وقتها بما يفيد ؛ مع انتهاز الفرص المناسبة ؛ علّنا

نزيل الظلمة الحالكة التي ألمت بأمتنا ... ونورث الخير للأجيال القادمة ... وإلا

بقيت آمالنا حبيسة لا تتعدى صدورنا ، وبقيت أجيالنا في مؤخرة الركب بدلاً من

قيادته .

________________________

(1) أخرجه أبو داود ، ح / 3887 ، وأحمد ، ح / 26555 وصححه الحاكم .

(2) رواه البخاري ، ح /97 ، ك العلم .

(3) رواه مسلم ، ح / 1893 ، ك الإمارة .

(4) أخرجه الترمذي ، ح / 2007 ، ك البر والصلة عن حذيفة رضي الله عنه .

(5) أخرجه الحاكم وإسناده صحيح .

 

 

 

بأقلامهن

إضاءات عاجلة نحو النهوض بمستوى المرأة

فاطمة بنت محمد السليمان

 

إن القلب يذوب حسرة ، ويتفطر ألماً على واقع المرأة المسلمة وكيف أنها

تسير وفق مخططات الأعداء ، تُلدَغُ من الجحر نفسه مرة بعد مرة ، لا تروعها

التجارب ، ولا تعتبر بغيرها ، تراها تسير بنفس خطوات أختها التي ذاقت مرارة

الحرية المزعومة حينما عصت الله ورسوله ، وتخلت عن عبودية ربها .

تسير في طريقها ، وهي تسمع صيحات الغيورين ، وتحذيرات العلماء متبعة

هوى نفسها كأنما على بصرها غشاوة . وقد أدرك الأعداء أهمية دور المرأة ،

وكيف أن كأساً وغانية تفعل في أمة محمد ما لا يفعله سيف ومدفع ، كما جاء في

بروتوكولات حكماء صهيون ؛ ولذلك فقد جلبوا للمرأة قضية تحتاج إلى دفاع ،

ونصبوا أنفسهم مدافعين عنها مع أن قضية المرأة لا يكابر في الحق فيها إلا ذو

هوى كما يذكر الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله فهذا إما مراهق لا يفكر إلا في

أهوائه الجنسية ، أو كاتب يرى في إرضاء غرور المرأة ودغدغة عواطف

المراهقين والمراهقات طريقاً إلى رواج كتاباته ، وطاغية يتقرب للغرب بأنه متجدد

غير متعصب .

وما زادنا هذا التذبذب عزة      ولكن حصدنا دونه الشوك والعنا

أقول إن الناظر في هذا الواقع المرّ لا يملك إلا أن يطلق زفرة وهو يقول :

تكتلت قوة الدنيا بأجمعها      في طعنة مزقت صدري وما فيه

لكن البكاء والعويل لا يجدي ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن الحزن :

« بأنه إن أفضى إلى ضعف القلب ، واشتغاله به عمَّا أمر الله ورسوله به كان

مذموماً عليه من تلك الجهة » .

بل إن الواجب هو العمل حسب الوسع والطاقة وفق خطط منظمة مدروسة

يحاسب المسلم فيها نفسه : ماذا قدم ، وماذا تحقق من الأهداف ؟ ليكون ذلك دافعاً له

إلى تقديم المزيد ، أو إعادة النظر في خططه ووسائله ، ونحو ذلك . وقد حاولت أن

أطرح بعض الأفكار للعمل للنهوض بمستوى المرأة المسلمة ومن ثَمَّ بمستوى الأمة :

أولاً : احتواء الشباب الصالح ، والفتيات الصالحات ممن نجد عند كثير منهم

استعداداً للعمل والعطاء لكنه يريد من يوجهه ، ويأخذ بيده ، وذلك عن طريق

الدورات العلمية ، واللقاءات الدورية ، وهذه نقطة مهمة إذا أُعمِلت سدت كثيراً من

الثغور إذا ما أعطى كلٌّ في مجال تخصصه ، وإذا أُهملت أهدَرت كثيراً من

الطاقات الفاعلة .

ثانياً : نشر العلم الشرعي الصحيح بين الفتيات والشباب خاصة ؛ فإن أهل

الضلالة في هذه الأوقات الحرجة يدعون إلى باطلهم مصبوغاً بصبغة الشرع ؛ فكم

قرأنا في الصحف لمن ينادي بتغيير هيئة الحجاب الشرعي الذي تلبسه المرأة في

بلادنا ؛ لأنه لم ينزل من السماء بهيئته تلك ، وماذا يحصل للحجاب لو أن العباءة

وضعت على الكتف ؟ ! لأنهم يعلمون أنهم لو قالوا للمرأة المسلمة : انزعي حجابك

لقالت لهم : تباً لكم ولا كرامة . ولكن بهذه الخطوات الشيطانية تسايرهم المرأة ،

وهي مرتاحة الضمير .

وكم قرأنا في الصحف والمجلات عمن ينادي بضبط تعدد الزوجات بضوابط

معينة كالراتب المالي ، وغيره مما لم يُنزل الله به من سلطان فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا

فَوَاحِدَةً ( النساء : 3 ) ، ويذكرون في دعوتهم تلك روح الشريعة ، وضوابط

الشريعة جهلاً منهم ، أو مخادعة وهو الغالب ؛ لأنهم لو راموا حكم الشريعة لسألوا

علماء الشرع . وكم قرأنا في الصحف عن الدعوة إلى تحديد النسل ، وسلطة الرجل ،

وتسلطه ، ووجوب نزع الولاية من يده ، وأن المرأة الآن أصبحت ذات مال

خاص يحق لها التصرف والخروج بدون إذن الرجل أو الرجوع إليه وتصوير

المرأة مظلومة مضطهدة في مجتمعنا ... إلخ .

وهم في طرحهم هذا يحاولون دغدغة مشاعر المرأة ، والضرب على الوتر

الحساس .

أقول : إن المرأة المسلمة إذا قرأت مثل ذلك مما هو موافق لهوى نفسها

مصبوغاً بصبغة الشرع أخذته على علاته ، وهي وإن لم تفعله إلا أن نفسها تتشربه

من حيث شعرت أو لا تشعر ، وانعكس ذلك على تربية النشء في الأمد البعيد ، كما

هو ظاهر الآن .

لذلك يجب إثارة المسائل نفسها التي تثيرها الصحف وذلك بالرد عليها بردود

علمية مؤصلة بالأدلة في الصحف نفسها التي وجدت فيها هذه المقالات إن أمكن ،

أو في غيرها من وسائل الإعلام الممكنة .

ثالثاً : نشر الوعي بين الفتيات والشباب بمخططات الأعداء ، والاعتبار بحال

المرأة المسلمة في كثير من البلاد الإسلامية ، وما جنت على نفسها وعلى مجتمعها

من ويلات ، وبدأت ترجع إلى حجابها ، وتجدد عهدها بربها .

ويكون نشر الوعي عن طريق توضيح وسائل الأعداء ، وضرب الصور

والأمثلة من الواقع .

وكما قيل : ( عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ، ومن لا يعرف الشر يوشك أن

يقع فيه ) .

كما أنه لا بد من الوعي بأن الأعداء أذكى من أن يدعوا إلى ما يريدون

بأنفسهم ، بل إنهم ينصبون لذلك نساءاً ورجالاً من ذوي الفكر ، بل ومن ذوي الدين

من بني جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ؛ ليكون لكلامهم وقع في النفوس على كثير من

فتيات المسلمين وشبابهم الذين هم في الغالب سليمو الصدر ناقصو الوعي ،

وتوعيتهم بعداء اليهود والنصارى لنا بصور من عصرنا الحاضر الذي ينادون فيه

بالسلام وتوحيد الأديان ، ويكون نشر ذلك الوعي بالذهاب إلى أماكن تواجد الشباب

والفتيات سواء أكان عن طريق الدروس والمحاضرات أو عن طريق الكتابة في

الصحف والمجلات والنشرات والإنترنت ، أو عن طريق الحديث عن ذلك في

المجالس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

رابعاً : مشاركة الناصحين والناصحات في شغل أوقات الشباب والفتيات بما

يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة خاصة أنه قد كثرت منافذ الشر التي تشغل

أوقاتهم ما شاؤوا من ساعات الليل والنهار من القنوات الفضائية والإنترنت والتي

تثير غرائزهم وتشعل شهواتهم ، والقلب إذا امتلأ بالشهوة عمي العقل ، وانتهكت

الحرمات لسد هذه الشهوات التي لا تجد لها في الغالب منفذاً مباحاً ، وسد هذه

المنافذ غير ممكن في الغالب ؛ لذلك لا بد من احتواء هؤلاء الشباب والفتيات

وترشيدهم ، وإيجاد البدائل الممكنة بمشاركة كل ناصح وناصحة بأفكاره ، وتفعيل

المناسب منها .

وينبغي أن يكون بذل هؤلاء الناصحين والناصحات خالصاً لوجه الله تعالى

لتظهر بركته ، فيُقدم فيها كلُّ واحد منهم في فكره وعمله المصلحة على حظ نفسه ،

مذكراً نفسه بين حين وآخر بهدفه الذي يسعى لتحصيله .

خامساً : توعية الآباء والأمهات بضرورة تربية النشء على العقيدة الصحيحة

والفقه في الدين ، وتذكيرهم بعظم المسؤولية « كلكم راع وكلكم مسؤول عن

رعيته » [1] .

هذا بعض ما جاد به خاطري للنهوض بمستوى المرأة المسلمة ، وهو وإن

كان بطيئاً كما يقولون إلا أنه أكيد المفعول ؛ لأن تربية الفتيات والشباب

بالمحاضرات فقط التي تُلقى عليهم في الشهر أو نحوه مرة ، مع أنهم يكونون قد

أمضوا أمام الشاشات أكثر ساعات اليوم كما تدل على ذلك الإحصائيات المذهلة

والتي ليس هذا مقام سردها أقول : إن التربية بالمحاضرات وحدها لمثل أولئك لا

تكفي ، وخاصة أن التربية عن طريق هذه الشاشات يكون بأسلوب محبب للنفس

تتشربه من حيث لا تشعر .

وأخيراً وإن كان واقع الأمة الإسلامية الذي نعيشه اليوم من أسوأ عصورها ،

وإن تكاثرت على هذه الأمة السهام ، وتواترت مصائبها إلا أن الله متم نوره ولو

كره الكافرون ، ولو كره المشركون .

ونحن أُمرنا بالعمل ولا ننتظر النتيجة ، وإن كنا نحبها ونرجوها وَمَا كَانَ

رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ( هود : 117 ) .

والله أسأل أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا وأن يصلحنا ويصلح بنا ، وأن

يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ؛ إن ربي قريب مجيب .

________________________

(1) رواه البخاري ، ح/844 .

 

 

 

بأقلامهن

دور المرأة المسلمة في مواجهة التغريب

رهام أديب الزعبي

 

تمر أمتنا الإسلامية في الوقت الحاضر بمرحلة في غاية الخطورة هي محاولة

إرساء التغريب في أرضها وإحكام الهيمنة عليها من قِبَلِ أعدائها . والتغريب هنا هو

تحويل الثقافة العربية والإسلامية من عقيدة وسلوك ، وعادات وتقاليد إلى ثقافة

وعادات وتقاليد تابعة للغرب مخالفة تماماً لعقيدتنا وتراثنا الإسلامي ، ومن ثم تصبح

الهيمنة على أمتنا والسيطرة عليها واحتواؤها سهلاً ميسوراً ؛ بحيث تخضع خضوعاً

تاماً لما يريده الغرب ، الذي يحاول جاهداً دون كلل أو ملل بث أفكاره وثقافته بكل

السبل التي يستطيع الدخول من خلالها .

وهذا التغريب قائم على أبحاث ودراسات حشدت لها كل الطاقات والإمكانات

لكي تطبق على المسلمين ، منها ثقافية وفكرية ، ومنها نظم سياسية واقتصادية بعيدة

كل البعد عن الإسلام وتشريعاته ، مما يؤدي في النهاية بالمجتمع الإسلامي إلى أن

يتشبع بالفكر الغربي وثقافته وحضارته المعادية للإسلام ، فيقضي على شخصية

المجتمع وولائه لدينه وأمته ، ويصبح من السهل قيادته وتنفيذ كل ما يطلب منه .

والأمثلة على ذلك كثيرة ، ومن أهمها ما يتعلق بشؤون المرأة .

ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ولها تأثيرها المباشر

في تنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكاً ، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى

لمحاولة تغريبها والتركيز عليها ؛ وذلك من خلال الدعوات البراقة الكاذبة التي

انخدع بها كثير من أبناء وبنات أمتنا ... تلك الدعوات المسماة بالتحرر وانتزاع

الحقوق ، وطلب المساواة بينها وبين الرجل !

فإذا استجابت المرأة المسلمة لدعوتهم تلك فسيؤدي ذلك حتماً إلى إفسادها ثم

إلى فساد المجتمع وتدميره بأقصر الطرق وأسرعها ؛ لما لها من تأثير فعال في ذلك ،   مما لا يستطيع أن ينكره عاقل .

ومن المؤسف حقاً أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل ،

فتبنت أفكارهم المضللة تلك ، والدعوة لها ، وعشن بتبعية كاملة لهم فكرياً

واجتماعياً وسلوكياً ، مقلدات المرأة الأوربية تقليداً أعمى دون إدراك أو تفكير بحيث

ينطبق عليهن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (لتتبعن سنن من كان

قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قيل :

يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) [1] .

ولقد غاب عن وعي أولئك النسوة أن الظروف الاجتماعية والقانونية

والتاريخية التي واجهت المرأة الأوربية مختلفة تماماً عمّا واجهته المرأة المسلمة ؛

فالمرأة هناك تعيش مجتمعاً قائماً على قوانين من وضع البشر وليست شرائع ربانية ؛   فكان هناك انتهاك وهضم لحقوق المرأة مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل على

حقوقها .

أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام حقوقها كاملة منذ أربعة عشر قرناً ؛

فيحق لها أن تفخر وترفع رأسها عالياً بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها كثير من

النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن .

لقد كرم الإسلام المرأة أحسن تكريم ، ورفع مكانتها ووضعها في المكان اللائق

بها ، ولم يفرق بينها وبين الرجل ، بل ساوى بينهما في الحقوق والواجبات ،

والثواب والعقاب . ولا أدري والله ما هي الحقوق التي تطالب بها المرأة المسلمة ؟

وقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها الدنيوية والأخروية .. أما الدنيوية : فمنها حق

التعلم والعمل ، وحق التملك والتصرف بملكها وتجارتها دون تدخل من زوج أو أب .   كما أعطاها حق اختيار الزوج ؛ وحق الخلع إذا لم توفق بزواجها . ومن حقها

أيضاً المحافظة على اسم عائلتها بعد الزواج ؛ وذلك بعكس المرأة الأوربية التي

تحمل اسم عائلة زوجها بعد الزواج . وأيضاً أُعطيت المسلمة حق الإرث فهي ترث

وتورث ، يقول تعالى : لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ

نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً

[النساء : 7] .

وأما حقوقها ومساواتها مع الرجل في الأجر فقد بينه قوله تعالى : فَاسْتَجَابَ

لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى [آل عمران : 195] .

وقوله تعالى : إنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ

وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ

وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ

كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب : 35] . وبعد ذلك :

ماذا تريد المرأة أكثر من هذا ؟

وهنا سؤال يطرح نفسه : ما هو المطلوب من المرأة المسلمة أن تفعله ؟

المرأة المسلمة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تكون سلاحاً في وجه

أعدائها ؛ وذلك من خلال رفضها لكل الدعوات الكاذبة والخادعة التي ظاهرها

الرحمة وباطنها العذاب ، متمثلة قوله تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا

تَعْبُدُونَ [الكافرون : 1 ، 2] .

فعلى المرأة المسلمة أن تقف سداً منيعاً إلى جانب الرجل المسلم في وجه ما

يخطط للأمة الإسلامية من خلالها ، فلا تكون عوناً لأعدائها وأعداء أمتها ؛ بل يجب

عليها أن تعي وتدرك ما يدور حولها من خطط لإبعادها عن دينها ورسالتها في هذه

الحياة وتهميش دورها في بناء مجتمعها الإسلامي ، وإشغالها بتوافه الأمور ،

وإضاعة وقتها في تتبع ما تبثه الفضائيات ، وما تنشره المجلات الهابطة من

عروض للأزياء وآخر الموديلات من مكياج وعطورات ، ومتابعة أخبار الفنانين

والفنانات !

إنه من المؤلم حقاً أن نرى إلحاح الإعلام المرئي والمقروء على جعل تلك

الشخصيات الفنية قدوة لأخواتنا وبناتنا المراهقات .. وما كثرة استضافتهن على

شاشات التلفزيون وصورهن على أغلفة المجلات وداخلها ، غير تأكيد على ذلك ؛

وكأن الدنيا قد خلت إلا من هؤلاء !

إن أكثر ما يغيظ الغرب هو تمسك هذه الأمة بدينها ؛ فدعوتهم إلى تحرر

المرأة المسلمة والمتمثل عندهم بخلعها الحجاب واختلاطها بالرجال حتى يعم الفساد

في المجتمع الإسلامي ما هو إلا دليلاً كبيراً على ما يكنه الغرب لنا من عداء ؛ فلن

يهنأ لهم بال ولا يستقر لهم حال حتى نترك ديننا ونعيش بتبعية كاملة لهم منفذين

رغباتهم وأمانيهم التي لا تنتهي إلا باتباع ملتهم كما أخبرنا به سبحانه وتعالى بقوله :     وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة : 120] .

فالواجب على المرأة المسلمة أن تعود إلى إسلامها وتتمسك به بكل قوة ،

وتعيش تعاليمه كلها منهجاً وسلوكاً ، وتطبقها على نفسها أولاً ثم على من هم تحت

رعايتها . فلا بد أن تعلم المرأة المسلمة قبل كل شيء أن الإسلام كلّ لا يتجزأ ؛

عقيدة ، وعبادة ، ومنهج حياة ؛ فإذا أرادت أن تأخذ منه ما يطابق هواها وتترك ما

يغايره فإن هذا ينقض العقيدة وسلامتها . يقول تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ

إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب : 36] .

لذلك يجب عليها أن تلتزم التزاماً كاملاً بما أمرها الشرع من حقوق وواجبات ،

والبعد عن كل ما نهاها عنه قبل أن يستشري الداء ويزيد البلاء ، فيعمنا الله بعقابه

في الدنيا من قبل أن نلقاه . كما قال تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا

مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ [الأنفال : 25] .

ومن الواجب على المرأة المسلمة أيضاً أن تعمل على تثقيف نفسها والتسلح

بالعلم الشرعي ، وذلك من خلال حضورها لبعض الدروس الشرعية المتاحة في

مجتمعها ، وسماعها للأشرطة المأمونة المتوفرة في السوق ، وكذلك تلاوتها للقرآن

وتدبر آياته وحفظ ما تيسر منه ، وخصوصاً آيات الأحكام ، وكذلك الآيات الكونية ،

والاطلاع على كتب التفسير والسيرة حتى يساعدها ذلك على أداء مهمتها في الدعوة

لهذا الدين العظيم ، ذلك الدين الذي جعلنا خير أمة ؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى

عن المنكر كما قال تعالى : كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ [آل عمران : 110] فإن وجدت في نفسها الكفاءة والقدرة

للدعوة لهذا الدين العظيم في محيط مجتمعها فينبغي ألا تدخر جهداً في ذلك ؛ فهذا

واجب عليها . فإن لم تستطع فبإمكانها الدعوة بين أقربائها وجيرانها ، فإن لم تستطع

فيكفيها أن تنشئ أبناءها على العقيدة السمحة ، وتربيهم التربية الصالحة ، وتبث في

نفوسهم حب هذا الدين والولاء له والبراء من أعدائه ، وأن تشرح لهم معنى قوله

تعالى : لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..   [المجادلة : 22] لأننا اليوم في أمسّ الحاجة لكي يعلم أبناؤنا ما يخططه لنا الغرب

الصليبي واليهود الحاقدون ومن شايعهم في محاولتهم الخبيثة لتذويب شخصية شبابنا

المسلم في بوتقة الانحراف ، وإبعادهم عن هويتهم الإسلامية الصحيحة ؛ ففي هذه

الظروف التي نراها الآن وتعيشها الأمة الإسلامية وقد تداعت عليها الأمم كما

تداعت الأكلة على قصعتها ، نرى أمتنا وقد هانت على أعدائها وتكالبوا عليها

لتضليل أبنائها ونهب ثرواتها وخيراتها .. فهم كما نرى يصطنعون الأحداث في

بلادنا ويضعون لها الحلول .. يخططون وينفذون ما يريدون ؛ ففي مثل هذه

الظروف يجب أن تتكاتف الأيدي جميعاً .

فلتكن المرأة المسلمة عوناً للرجل تسانده وتشجعه بالدعوة لهذا الدين والذود

عنه ، فلا تضيع وقتها فيما لا يعود عليها ولا على أمتها بالخير ؛ فالعمر هو الوقت ،   والمسلم سوف يسأل عن عمره فيما أفناه ، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :

(لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن

شبابه فيما أبلاه ، وعن رزقه من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل

به) [2]  .

فعلى المرأة المسلمة الحذر كل الحذر من أن تقع في شراك أدعياء تحرير

المرأة ؛ فإنهم يهدفون من وراء ذلك الطعم اصطيادها وتحللها من دينها وقيمها

وأخلاقها ؛ وحينها تكون ذيلاً لهم وتابعة ذليلة لمناهجهم .

إن الأمر جد خطير ؛ فلا بد من تعبئة كل القدرات وتهيئتها وتضافر الجهود

وبذل الطاقات من أجل صحوة دينية نسائية صادقة هادفة تقوم على أسس هذا الدين

ومبادئه ؛ فقد آن الأوان لكي نرد لهذا الدين عزته ، وللمؤمنين كرامتهم ؛ فنحن أحق

بأنفسنا من التبعية للأجنبي الغريب ، بل نحن أحق بقيادة هذا العالم ؛ لأن ديننا

صالح لكل زمان ومكان ، وهو ينشر العدل والأمن والسلام بين البشر وميزانه :

إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات : 13] و (لا فضل لعربي على أعجمي   ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) .

فللّه العزة ولرسوله والمؤمنين ... ولينصرن الله من ينصره إن الله   لقوي عزيز .

________________________

(1) البخاري : كتاب الأنبياء ، حديث (50) وكتاب الاعتصام ، حديث (14) ومسلم : كتاب العلم ، حديث (6) .

(2) الترمذي : كتاب القيامة ، حديث رقم (1) .

 

 

 

دراسات تربوية

الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها (2من 2)

بقلم : عبد اللطيف بن محمد الحسن

 

تحدث الكاتب عن أهمية الدعوة في محيط النساء وأهمية أن تقوم النساء

بالدعوة ،وبيَّن الضوابط في خروج المرأة الداعية ، بعد أن بيَّن العوائق التي قد   تقف أمام حركتها في دعوة بنات جنسها ، ويواصل في هذه الحلقة بقية   الموضوع .

- البيان -

أهداف دعوة النساء :

أعظم معين على بلوغ الأهداف بعد عون الله (عز وجل) هو رسم الخطط

العلمية ووضوحها ، وتعيين الوسائل والطرق المعينة على الوصول إليها ، ومتابعة

العمل فيها بدقة وجدّ ، ولعل أهم الأهداف التي ينبغي للداعية رجلاً كان أو امرأة أن

يهتم بها في دعوته في داخل البيت وخارجه ، ما يلي [1]  :

أولاً : التربية الإيمانية ، ويتحقق هذا الهدف بالعناية بوسائل منها : الوعظ

والرقائق ، ودراسة أسماء الله وصفاته وآثارها ، وآياته في الكون من خلال الوسائل

المتاحة ، ودراسة الآيات والأحاديث ذات الصلة بها .

ثانياً : التأهيل العقدي ، بتأصيل عقيدة أهل السنة والجماعة إجمالاً ، وتأصيل

القضايا ذات البعد العملي كالشرك ، والولاء والبراء ، وخطر التشبه بغير المسلمين ،   وذكر ملامح أهل السنة والجماعة .

ثالثاً : التأصيل العلمي والشرعي ، بتنمية حب العلم ، والاهتمام به ، وحفظ

القرآن الكريم ، وبعض الدروس والبرامج العلمية .

رابعاً : التأهيل الفكري ، بالتوعية بمعرفة التيارات والأفكار المنحرفة ،

وخطط الأعداء الماكرة التي كثيراً ما تخدع المرأة بأنواع من زخرف القول وادعاء

إنصافها وتحريرها . ومن التأهيل الفكري أيضاً : توضيح المفاهيم الإسلامية الغائبة

لدى كثيرات في خضم كثير من المناهج القاصرة والبعيدة عن التأصيل الشرعي في

مناهج مدارس البنات في أكثر ديار الإسلام . والحق يقال : إن تعليم البنات في

السعودية يعتبر نموذجاً طيباً للالتزام الشرعي ، ويستحق التقدير .

خامساً : التأهيل الدعوي ، ويمكن تحقيقه من خلال : تحميل المدعوين همّ

الإسلام والدعوة ؛ بتبصيرهم بأحوال المسلمين وجهود الأعداء ، وتكوين الثقافة

الدعوية ، وبناء المبادرات الذاتية والمشاركة الفعالة في الدعوة ، وتنمية الملكات

التي يُحتاج إليها في الدعوة .

سادساً : تنمية الملكات التربوية ، نظرياً وعملياً بالاستفادة من الأخطاء وكيفية

التعامل معها ، والاستفادة من التجارب التربوية للآخرين ما أمكن ذلك .

سابعاً : تنمية الملكات الاجتماعية ، في التعامل مع الآخرين ، بتمثّل القدوة

الصالحة في نفسه ، والربط بالقدوات ، والتعريف بالحقوق والواجبات ، وذكر

النماذج الحيّة من حسن الخلق ، وبيان كيفية كسب الآخرين .

ثامناً : بناء الحصانة ضد المنكرات ، ويتم ذلك ببيان أضرار المعاصي

وخاصة النسائية وسد ذرائعها ؛ بإبعاد وسائلها ، وتجنب أماكنها .

تاسعاً : ملء الفراغ بالمباح ، واستغلاله بالمفيد ، ووسائل هذا كثيرة .

طرق إعداد المرأة للدعوة :

وهو المقصود الأهم من الحديث عن هذا الموضوع ، وغير ممكن أصلاً أن

تفي كتابة كهذه المقالة بشيء من هذا ، غير أن هذا لا يمنع من إشارة تذكّر بجوانب

من الموضوع ، وتفتح الذهن لمداخله ، وتبقي العهدة في مراجعة ما كتب في

الموضوع لمباشرة العمل ، ومما يعوّل عليه في هذا الصدد : رسالة (المرأة المسلمة

المعاصرة ، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة ، للدكتور أحمد أبا بطين) [2]  .

أسلوب إعداد المرأة للدعوة :

ولإعداد المرأة الداعية طريقان :

الأول : الإعداد النظري ، ويشمل الجوانب التالية :

1- الإعداد العلمي : وهو أمر ضروري في جانبين :

أولهما : المادة العلمية التي تدعو إليها ، وتريد تعليمها [3]  .

وثانيهما : العلم بالكيفية المناسبة لعرض تلك المادة .

وقد عني الإسلام بإعطاء المرأة حقها في التعليم ، مع التزام الضوابط

الشرعية لذلك ، والعلم المقصود هنا : ما يفيد المرأة في دعوتها من العلوم الشرعية ،   والعلوم المساعدة على فهمها ، ولا يجوز بحال أن نجعل العلم عائقاً عن الدعوة ،

كحال الكثيرين اليوم ، فالواجب التوازن ، وكل تدعو حسب علمها وقدرتها .

2- الإعداد النفسي : بأن تتوفر في الداعية صفات : الإيمان بالله ورسوله ،

والإخلاص ، والتفاؤل ، والجرأة في الحق ، والاعتزاز بالإسلام ، والصبر ،

ومعرفة حال المخاطبين وبيئاتهم .

وهو إعداد غاية في الأهمية لارتباط وظيفة الداعية بالناس ، وهم مختلفون في

أديانهم وثقافاتهم وعاداتهم وأخلاقهم وأهوائهم وأهدافهم .

3- الإعداد الاجتماعي : وهو أن تعيش الداعية الحياة الإسلامية في الأسرة

والمجتمع تطبيقاً عملياً كما تعلمتها نظرياً ، وكما تريد للناس أن يكونوا ، وذلك

بالتزام دين الله (عز وجل) ، والتخلق بأخلاق الإسلام ، وأخلاق الدعاة بخاصة ،

وإلا كانت الداعية على هامش المجتمع .

ومن أهم عناصر الإعداد الاجتماعي : الشعور بأن الدعوة حق لجميع الناس

يجب بذلها لهم ، والصدق والأمانة والكرم والسخاء في حدود ما تملك ، والزهد

والعفة ، والحلم والعفو ، والرحمة ، والتواضع ، والمودة والتآلف [4]  .

الثاني : الإعداد التطبيقي :

وهو : تهيئة الداعية بالتدريب العملي على فن الإلقاء ، والكتابة ؛ لنقل دين

الله (سبحانه وتعالى) إلى الناس ، عن طريق الخطبة والدرس والمحاضرة والندوة ،

والكتابة بأنواعها المختلفة .

وهو أمر في غاية الأهمية ؛ إذ الإلقاء والكتابة هما وسيلتا مخاطبة الناس

بالدعوة ، وبهما نحصّل الثمرات المرجوّة من الإعداد النظري ، فكم من الدعاة مَنْ

يضعف أثره بسبب ضعف إعداده التطبيقي ، وقد حصل في هذا الإعداد تقصير

كبير ، أسهم في قلة الدعاة المؤثرين .

ويقوم هذا الإعداد على أمرين :

أولاً : فن الإلقاء للمحاضرة أو الدرس أو الندوة ، أو الكلمة أو الموعظة أو

الخطبة .. ونحو ذلك .

ويعتمد على عنصرين :

1- إقناع المستمع بمخاطبة عقله بالأدلة والبراهين .

2- إثارة عاطفته وأحاسيسه ومشاعره وهما أساس التأثير .

ولكل نوع من أنواع الإلقاء خصائصه ومميزاته وفوائده وأسسه وطريقته

الخاصة ، ويتطلب الإعدادُ لها جانبين :

أ - النظري : بمعرفة أهمية الخطبة مثلاً وأنواعها وصفات الخطيب .

ب- العملي : بالتطبيق والإلقاء أمام النساء في خطبة في المسجد أو المدرسة

أو مجتمع النساء .. مع مراقبة المتدربة ، وملاحظتها وتقويم أخطائها شيئاً فشيئاً .

ثانياً : الكتابة وذلك بإعداد البحوث والمقالات والنشرات ... لنشرها في الكتب

والمجلات والصحف التي طالت كل الناس ، وأخذت جزءاً كبيراً من أوقاتهم ،

ويعتمد أسلوب الكتابة على عاملين :

1- دقة العبارة وسلامتها .

2- قوة إقناع القارئ بالمكتوب : بوضوح الدليل ، وقوة الاستدلال ، والصدق

والتوثيق .

وتعد الكتابة من أنسب وأهم الوسائل الدعوية بالنسبة للمرأة ؛ إذ يمكنها الكتابة

وهي في بيتها ، فتستغل بها أوقات فراغها ، وتصل بما تكتب إلى جميع طبقات

المجتمع . والكتابة كالإلقاء تتطلب إعداداً نظرياً وعملياً ليس هذا مكان تفصيله [5] .

ميادين دعوة المرأة :

الإنسان مكوّن من روح وجسد ، ويمكن تقسيم عمل الداعية بناء على هذا

قسمين :

أولاً : الميادين التربوية : وهي الميادين المتعلقة بتربية الروح وتزكية النفس

وتطهيرها بالإيمان ، ويمكن من خلالها مخاطبة عقل الإنسان وروحه ، وتتمثل هذه

الميادين في المساجد والمدارس والمؤسسات والجمعيات الدعوية ، ونحوها .

ثانياً : الميادين الاجتماعية ، وهي الميادين المتعلقة بتربية الجسد من ناحية

النمو والسلامة والصحة النفسية والاجتماعية والجسدية وأخذ الزينة ، وتبادل هذه

الخدمات بين الناس بما يخدم التربية الروحية ؛ لإبراز الشخصية المسلمة ، كما أراد

الله (عز وجل) .

وهذان الجانبان الروحي والجسدي مترابطان ، وينبغي الوفاء بهما جميعاً

بتوازن ؛ لأن تغليب طلروح : رهبانيةٌ ، وتغليب الجسد : حيوانيةٌ ، وكلاهما مذموم ،   وكم كانت تلبية الحاجات الجسدية سبباً في إسلام وهداية الكثير ، وهو أسلوب

يركز عليه المفسدون وخاصة المنصّرين اليوم ؛ لأنه يصةب على الجائع والمريض

والعاري والمشرّد أن يستمع لك ويعي كلامك ، بل يكاد ذلك أن يكون محالاً [6] .

وسائل دعوة المرأة :

يمكن للداعية أن تبث دعوتها في الميادين التربوية والاجتماعية من خلال

الوسائل التالية :

1- المنزل : وهو الميدان الخصب ، والوسيلة الأبلغ تأثيراً ، ولا غرو أن الله

جعل كلاً من الزوجين راعياً في بيته ، وسيسأله الله عن أهله وزوجه ، وأمرهما

بوقاية الأهل من النار ، ومهما حصل من تقصير من أهل المسؤولية في الدعوة من

خلال الوسائل الأخرى ، فإن ذلك مما يزيد مسؤولية الأبوين . والأم لها نصيب كبير

كما تقدم والمسؤوليات التي تشارك فيها الرجل كثيرة أهمها : مسؤولية التربية

الإيمانية ، والعلمية ، والخلقية ، والجسمية ، والنفسية ، والاجتماعية ، والجنسية ،

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوة إلى الله (تعالى) .

ويتميز المنزل عن بقية الوسائل باجتماع أفراد الأسرة فيه لساعات طويلة ،

والتوافق النفسي والاجتماعي بينهم ، مما يتيح إمكانية عرض القدوة الصالحة ،

والتأثير عبر التوجيه الموزع غير المباشر ، والملاحظة المستمرة ، والاستفادة من

سائر الفرص والأحوال وتأثير التوجيه والعقاب ؛ لكونه بعيداً عن أعين الناس .

2- المجتمع : من خلال الإحسان إلى ذوي القربى والجيران والمحتاجين ،

ودعوتهم وتوجيههم ، مما يوحي بترابط أفراد الأمة ، وكونهم كالجسد الواحد .

3- المدرسة : من خلال استغلال المناهج الدراسية ، والأنشطة المدرسية في

توجيه الطالبات ، وتربيتهن ، والعمل على توجيه المدرسات والعاملات وإصلاحهن .

4- المسجد : حيث يجوز للمرأة الحضور إليه بإذن زوجها ، ولا ينبغي له

منعها إذا استأذنته للاستفادة مما يلقى فيه ، ومن القدوة الصالحة ؛ حيث يرتاد

المسجد النخبة من الناس ، وهو مكان مناسب لأنشطة نسائية مفيدة من حلقات تحفيظ

القرآن ، وتعليم العلم الشرعي النافع وغيرها .

5- المستشفيات والسجون ومراكز الرعاية الاجتماعية [7] .

وعَوْداً على بدء أقول : إن المقصود بالكلام هو العمل ، ولا مكان اليوم

للكسالى ولا النائحين . إن إعداد المرأة ميدانُ تنافُسٍ كبير ، تتسابق فيه الأمم

والشعوب والملل والمذاهب .

انظر مثلاً : كتاب ( المرأة وبرنامج التثقيف المجالس الحسينية نموذجاً )

لـ (عالية مكي) لترى أن الرافضة ينتقلون من مرحلة النياحة ، إلى مرحلة أخرى   من البناء والتثقيف والإعداد والتربية ؛ ليقينهم أن العواطف لا تجدي شيئاً في   عالم الصراع اليوم .

ولقد وعت الصوفية هذه الحقيقة ، فسعت إلى إقامة حركة نسائية ، امتدت في

بلدان عدة ، تقوم بتربية المرأة تربية تتفق مع المنهج الصوفي .

فأين المتحرقون من أهل السنة والجماعة حقاً لواقع المرأة المسلمة حتى لا

تكون صيداً سهلاً للمنصّرين وللرافضة والمبتدعة ؟

وبعد : فما زالت المرأة تتطلع إلى المزيد من عناية العلماء والدعاة بها ، كما

أن الصحوة تنتظر من المرأة الكثير والكثير من التوجيه والإرشاد السليمين من

الإفراط والتفريط .

وما نيل المطالب بالتمني

والله من وراء القصد .

________________________

(1) انظر شرح هذه الأهداف ، ووسائل تحقيقها وطرقها ، في مقال : الدعوة إلى الله في البيوت ، عبد الله البوصي ، في البيان ، ع/88 ، ص 14 22 .

(2) وأظن الكتاب سد ثغرة مهمة ، فجزى الله مؤلفه خيراً ، ومن الكتب المفيدة في الجوانب الدعوية والتربوية النسائية على قلتها : مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة ، دكتورة/ مكية مرزا ، والمرأة في العهد النبوي ، دكتورة/عصمت الدين كركر ، ومسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، د/ فضل إلهي ، والنساء الداعيات ، د/ توفيق الواعي ، ويا نساء الدعاة ، للزبير فضل مضوي ، والداعية الناجحة ، لأحمد القطان ، وشخصية المرأة المسلمة ، د محمد علي الهاشمي .

(3) من الجوانب العلمية الملحّة : ما يخص المرأة من أحكام ، وهو أمر تأخر إفراده بالتأليف ، فقد كتب ابن الجوزي (رحمه الله) (ت597ه) كتاباً سمّاه (أحكام النساء) ، قال في مقدمته : (ولم أر من سبقني إلى تصنيف مثله) ، ولـ (صدّيق حسن خان) كتاب : (حسن الأسوة بما ثبت من الله ورسوله في النسوة) وهناك موسوعة نسائية شاملة بعنوان : (المفصّل في أحكام المرأة) ، د عبد الكريم زيدان ، غير أن (ابن الجوزي) (رحمه الله) قد ضمّن كتابه على صغر حجمه ما لم يشتمل عليه الكتابان على كبرهما وهو فصل لذكر صفحات نسائية مشرقة في جوانب عدة بمثابة قدوات عملية للمرأة .

(4) انظر تفصيلاً أكثر في رسالة د أحمد أبا بطين ، ص 153 244 .

(5) لمعرفة تفاصيل الخطوات العملية للإعداد ، انظر رسالة د أبا بطين ، ص 245 298 .

(6) انظر الميادين مفصّلة ، في مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة ، ص 432 459 .

(7) انظر : المصدر السابق ، ص 460- 520 .

 

 

 

دراسات تربوية

الاهتمام بدعوة المرأة وتربيتها (1من2)

بقلم : عبد اللطيف بن محمد الحسن

 

تعاني الصحوة اليوم من ضعف في طاقاتها العاملة المؤهلة التأهيل اللازم ،   مما يساعد على محدودية الانتشار ، ونخبوية العمل ، ومن أشد ذلك تَبِعَةً : عدم   تكافؤالجهد المبذول لدعوة المرأة وتربيتها مع الواجب تجاهها ، وما ترتب عليه من   تنحي المرأة عن ميدان الدعوة ، وبخاصة في ظل الدور الإفسادي المركّز الموجّه   إلى المرأة المسلمة في جل ديار الإسلام لإبعادها عن رسالتها .

التقصير في دعوة المرأة :

إن نظرة في واقع الصحوة اليوم ، ومكان المرأة فيه تنبئ عن ذلك دون عناء ،   ومن أبرز مظاهر ذلك :

1- قلة الطاقات والكفاءات الدعوية النسائية .

2- ضعف الاستفادة من هذا القليل ؛ لندرة المبادرات الذاتية المستغلة لتلك

الطاقات القليلة ، وإهمالها في غالب الخطط الدعوية .

3- ضعف التكوين الدعوي والتربوي والعلمي لدى الداعيات الموجودات ،

وكثير من نساء الدعاة .

4- ضعف استيعابهن لدور أزواجهن الدعوي المنوط بهم شرعاً مما يفضي

إلى شيء من التذمر ، وربما الخصام ! !

5- تفشي الجهل في الأمور الشرعية لدى غالبية النساء .

6- تأثير الدور العلماني الموجه لإفساد المرأة في الواقع المعاش .

7- ندرة المؤسسات الدعوية النسائية .

8- ضعف المؤسسات النسائية الدعوية القائمة غالباً ؛ بدليل ضعف الإنتاج ،

وكثرة الوقوع في الأخطاء [1]  .

أسباب التقصير :

إن مما سبب إهمال المرأة أموراً عدة ، هي في الحقيقة عقبات وعوائق ،

يصعب معها القيام بالواجب دون معرفتها وتحليلها ، والسعي إلى معالجتها وتجاوزها  :

-تسليم المجتمع للموروثات الخاطئة عن المرأة ، ونظرته المستنقصة لها ،

حيث يعتبرها مجرد أداة لحفظ النسل فقط ، وأيضاً بمراعاته للعادات والتقاليد التي

ليس لها أصل في الشرع ، والتي تحد من الحركة الدعوية للمرأة .

-عدم اقتناع الرجل بمسؤولية المرأة الدعوية ، وذلك عندما يحمّل قول الله

(تعالى) : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب : 33] ، ما لا يحتمل ، ويسيء استخدام

حق القوامة ، فيمنع المرأة من الخروج لمصلحة دينها ودنياها ، وينسى أن المعاشرة

بالمعروف تستلزم إذنه لها فيما لا محذور فيه ولا ضرر ، ويسوء الحال أكثر عندما

يكون أنانياً ، أو ضيِّق الأفق ، لا يفكر إلا في مصلحة شخصه ، وأسوأ من ذلك :

عندما يكون غير مستقيم .

-وبشكل أخصّ ، فإن من الأسباب : غياب الأولويات لدى الرجل الداعية

الذي أذهله واقع أمته عن الاهتمام ببيته وأهله ، واستُنفِدت طاقته في العمل الدعوي

خارج المنزل ، فلم يُبق له شيئاً في ظل تخاذل غيره عن القيام بواجبه ، مما أرهق

الداعية وأفقده شيئاً من التوازن الضروري .

-والمرأة ذات دور مؤثر في الموضوع ؛ وذلك عندما يضعف مستوى الوعي

عند الملتزمات ويقفن دون مستوى النضج المطلوب ، وأيضاً : حين تضعف رغبة

المرأة في التضحية ، أو تبالغ في التوسع في المباحات والكماليات ، مما يضاعف

جهدها داخل المنزل ، وحين تصعب عليها الموازنة بين الحق والواجب ، وحين

تفقد شيئاً من الموضوعية والتوازن ، فتنسى أن عملها داخل بيتها هو جوهر

رسالتها ، وتغفل عن أداء دورها فيه ، وأيضاً : حين تجهل ترتيب الأولويات

فترتبط بعمل وظيفي يشغلها عن بيتها ، فضلاً عن رسالتها الدعوية داخله وخارجه ،

وكذلك حين ينقلب الحياء خجلاً من أداء الواجب ، فيصير مرضاً خطيراً يفتقر إلى

العلاج .

-ومن الأسباب : محدودية بعض الدعوات الإصلاحية ، وعجز أكثرها عن

استيعاب المرأة ، وعدم مراجعتها لخططها وبرامجها ، وضعف التربية المؤدي إلى

ضعف الشعور بالمسؤولية بالشكل المتكامل .

-ومن الأسباب : الكيد الخارجي والداخلي أيضاً المتمثل في الغزو الفكري ،

وخاصة الموجه للمرأة ، تحت ستار : تحرير المرأة ، مما أقصى المرأة عن رسالتها ،   وشوّه صورة الإسلام في ذهنها ، واستخدمها في غير ما خلقت له ، ومنها أيضاً

الأوضاع الجائرة في كثير من بلاد المسلمين التي أقصت الرجال عن ميدان الدعوة ،   فضلاً عن النساء .

-وهناك أسباب أخرى ، مثل : صعوبة المواصلات ، وهذا أمر يهون ؛ إذ لا

مانع من الدعوة داخل البيت ، ومع الجيران والزائرات والأرحام ، وفي هذه الحال

على ولي المرأة وكل من يعنيهم الأمر احتساب الأجر ، وسعيهم في تذليل هذه العقبة .

أهمية إعداد المرأة الداعية :

ثمة أسباب ومسوغات كثيرة تعكس أهمية ذلك ، ومنها :

1- أن المرأة أقدر من الرجل على البيان فيما يخص المجتمع النسائي .

2- أن المرأة تتأثر بأختها في القول والعمل والسلوك أكثر من تأثرها بالرجل .

3- أنها أكثر إدراكاً لخصوصيات المجتمع النسائي ، ومشكلاته .

4- قدرتها على الشمولية للجوانب الدعوية النسائية ، والتمييز بين الأولويات ،   لطبيعتها ومعايشتها للوسط النسائي .

5- أنها أكثر قدرة وحرية في الاتصال بالنساء ، سواء بصفة فردية ، أو من

خلال المجامع النسائية العامة ، التي يكثر فيها لقاء النساء من خلال قنوات الدراسة

والتدريس والعمل والزيارات وغيرها .

6- أن كثيرات من المسلمات اللاتي يحتجن إلى دعوة وتوجيه وتربية يفتقرن

إلى وجود المحرم الذي يقوم بدعوتهن ؛ مما يعني تحتّم قيام بنات جنسهن بهذا الدور

تجاههن .

7- أن وظيفة المرأة التربوية أوسع من وظيفة الرجل ؛ لقيامها بالحمل

والولادة والرضاع والحضانة ، مما يجعل الأولاد أكثر التصاقاً وتأثراً بها من الأب ،

بالإضافة إلى طول ملازمتها للأولاد في البيت ، خاصة قبل بلوغ الأبناء وزواج

البنات ، مما يمكنها من تنشئة أولادها كما تريد ، وبالتالي فقد تضيِّع كثيراً من جهود

زوجها الدعوية ، إذا لم تحمل الهمّ الدعوي الذي يحمله ، أو تقتنع بجدواه على الأقل ،   ولعل في قصة امرأة نوح (عليه الصلاة والسلام) وابنه ما يشير إلى هذا (نسأل

الله السلامة) .

8- أن للمرأة تأثيراً كبيراً على الزوج ، فصلاحها معين على صلاحه ،

وأيضاً فإن ضعف قناعتها بأمر دعوته موهن له كثيراً ، وفي قصة طلب زوجة

فرعون الإبقاء على موسى (عليه السلام) ما يؤكد هذا ، وكذا قصة إسلام عكرمة

بسبب إلحاح زوجه أم حكيم (رضي الله عنها) [2] .

9- تتميز المرأة بجملة من الصفات والخصائص ، تؤكد الأهمية ، كما ينبغي

وضعها في الحسبان ، ومنها :

أ - رقة العاطفة ، والحماس لنشر قناعاتها .

ب - ضعف الإرادة ، وسرعة التأثر ، وحب التقليد .

ج - ضعف التحمل ، والميل إلى الفسحة واللهو .

د - كثرة الإلحاح على الرجل ومراجعته ، ومحاولة ثني إرادته ، وتغيير

قراره [3] .

آثار قيام المرأة بالدعوة :

-رفع الجهل وإعمال سعة الأفق الفكري ، وتوفير كفايات علمية نسائية تكون

مرجعاً للنساء .

-إصلاح السلوك ، واختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع

الظاهرة الاجتماعية في كثير المجتمعات .

-كون الداعية رقيبة على نفسها في حركاتها وسكناتها ، مما يقلل متابعة الرجل ،     وحرصه على ذلك للثقة بها .

-إبراز مكان المرأة في الإسلام وإشعارها بحقوقها وواجباتها ؛ لتسعى إلى

أداء الواجب ، والمطالبة بالحق الشرعي .

-التوازن في التوجيه ، واتحاد الأهداف وتضافر الجهود لتنشئة الجيل المسلم

الصالح .

-سدها ثغرة من ثغرات المجتمع ، بوقوفها أمام تيار الفساد الموجه ضد

المسلمين بعامة ، والنساء منهن بخاصة .

-إحياء قوة الانتماء للإسلام ، بإظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر ، وهي من أعظم شعائره .

-تأمين رافد مالي مهم للدعوة ، وهو جانب الإنفاق النسائي في وجوه الخير ،

لوفرة ما لديهن عادة ، ووجود المال أحياناً من إرث ونحوه ، ومن ناحية أخرى :

حفظ مال الزوج من تبديده في الكماليات ، للإبقاء عليه معيناً له على الاستمرار في

دعوته [4]  .

المرأة المسلمة مدعوّة وداعية :

كل أمر ونهي عام في خطاب الشارع فإنه شامل للذكر والأنثى قطعاً ، والمرأة

داخلة فيه بلا شك ، وإنما يوجّهَ الخطاب للذكور تغليباً على الإناث ، وهذا أمر سائغ

في اللغة ، إلا أن هناك أحكاماً لا خلاف في اختصاصها بالرجال .

وبالمقابل فإن الله (عز وجل) ونبيه قد خصّا النساء بأمور دون الرجال ، مما

يدل على اعتبار شخصيتها المستقلة عن الرجال ، وهذا وذاك يؤكد وجوب التوجه

إلى المرأة بالدعوة والتربية والإصلاح والتوجيه ؛ فإنها مخاطبة بدين الله (عز وجل) ،   مأمورة بالتزام شرعه ، مدعوة لامتثال الأوامر ، وترك النواهي .

ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوجه للنساء خطاباً خاصاً بعد حديثه

للرجال ، وربما خصهن بيوم يعلمهن فيه دون الرجال [5]  .

ويؤكد الوجوب أيضاً : مسؤولية الرجل عن بيته مسؤولية خاصة ، قال الله

(عز وجل) : يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ

عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

[التحريم : 6] ، وقال الرسول : (والرجل راعٍ على أهل بيته ، وهو مسؤولٌ عن   رعيته) [6] ، وقد أورد البخاري (رحمه الله) في باب : (تعليم الرجل أَمَته وأهله)   حديث أبي موسى (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :   (ثلاثة لهم أجران وذكر منهم : رجل كانت عنده أَمَةٌ فأدبها فأحسن تأديبها ،   وعلّمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها فتزوجها ، فله أجران) [7] ، ولا شك أن   الاعتناء بالأهل الحرائر في التعليم والتربية آكد من الاعتناء بالإماء .

ويزداد هذا الواجب في حق الداعية ؛ لاعتبارات كثيرة لا تخفى ، هذا من

ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن المرأة مكلفة بالدعوة إلى الله (عز وجل) ، ويستفاد

وجوب الدعوة عليها من أدلة كثيرة منها :

1- عموم الأدلة على وجوب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،

كقول الله (تعالى) : وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ وَيَاًمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ

وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ... [آل عمران : 104] ، ونحوه من الآيات والأحاديث .

2- تخصيصها بخطاب التكليف بالدعوة ؛ كقوله (تعالى) : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ

لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ

وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً [الأحزاب : 32] ، قال ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله

(تعالى) : وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْروفاً : (أمْرُهن بالمعروف ، والنهي عن المنكر) [8]

وهذا خطاب عام لنساء المؤمنين ، وقوله (تعالى) : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ

أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ

وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... [التوبة : 71] ، وهذا دليل على وجوب الأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر عليهن كوجوبه على الرجال ، حيث وجدت

الاستطاعة ، وكذا قوله : (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ... ) ، وفيه :

(والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده ، وهي مسؤولة عنهم) ، والراعي : هو

الحافظ المؤتمن على ما وضع عنده ، الملتزم صلاح ما قام عليه .

3- بعض الأحوال والقرائن والأحكام الشرعية ، نحو :

أ- حرمة الاختلاط بين الجنسين ؛ مما يعني وجوب قيام داعيات بين صفوف

النساء .

ب- وجود بعض الأحكام الشرعية التي اختصت المرأة بروايتها عن النبي .

ج- صعوبة قيام الدعاة من الرجال بكل ما تحتاجه الدعوة بين النساء ؛

لاختصاص المرأة ببعض الأحكام والأعذار الشرعية ، التي يصعب إفصاح الرجال

عنها ، وتستحيي النساء من السؤال عنها [9] ، إلى غير ذلك من الأمور التي

يصعب القول معها بغير الوجوب .

حقيقة دور المرأة الدعوي المطلوب :

الناظر في دور المرأة المسلمة في هذا المجال يجد أنه كان لدعم عمل الرجل ،

ولا يصح بحال أن يستهان بهذا الدور ؛ فإن المرأة تمثل السكن النفسي للرجل ،

وهي بذلك تؤدي دوراً دعوياً مهماً ؛ لأنه لا يستطيع حل مشكلاته الخاصة إذا كان

مشغول البال ، فضلاً عن تحمله أعباء الدعوة . وكم عرفت الدعوات أناساً سقطوا

على طريق الدعوة أو ضعف إنتاجهم ؛ لهذا السبب .

وموقف خديجة (رضي الله عنها) في مواساة النبي -صلى الله عليه وسلم-

ومؤازرته وعونه : أكبر دليل على الأهمية البالغة لهذا الدور . ولقد تأملت في حال

الصحابة (رضي الله عنهم) وسلف الأمة (رحمهم الله) في انطلاقهم في كل صقع من

الأرض ، مجاهدين ودعاة ومربين ... وغياب بعضهم المدد الطويلة فألفيتها تعطي

أوضح دليل على ما كان لنسائهم من دور فعّال في تربية أبنائهم ، الذين كانوا على

خطى آبائهم ؛ ديناً ومنهجاً وقوة ومَضَاء ! ! .

وجُلّ نساء اليوم لا تعي هذا الدور ، ولا تفهمه ، ومن باب أوْلى لا تقوم به ،

فعندما تزف البنت إلى عش الزوجية تظنه مكاناً للراحة والتدليل ، وما درت أنه

بداية الكفاح والتضحية والمسؤولية والعطاء الذي تطرق به باب الجنة ، إن قامت به

على وجهه .

ولا يقف دور المرأة عند هذا الحد ، فإن لها دوراً قوياً مؤثراً في كونها قدوة

حسنة ، كريمة الأخلاق ، حسنة المعشر ، تقضي حوائج الناس ، وتشاركهم همومهم

وأفراحهم مع التزام الشرع إضافة إلى الدعوة المقصودة في انتهاز الفرص المناسبة

للدعوة والتوجيه ، مع مراعاة أحوال المدعوات والمدعوين من المحارم [10] ، وقد

بلغ نساء السلف في هذا مبلغاً عظيماً .

صور من دعوة المرأة تجلي دورها :

حقاً لقد فهمت المرأة واجبها فبدأت بنفسها ، فبادرت بطلب حقها من التعليم

والتربية ولم تبالِ بعد ذلك بما حصلت عليه من متع الحياة الفانية ، روى البخاري

عن أبي سعيد (رضي الله عنه) قال : قالت النساء للنبي : غلبنا عليك الرجال ،

فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهن يوماً لقيهن فيه ، فوعظهن وأمرهن ..

الحديث [11] .

فكانت ثمرة ذلك الفهم النسوي مع ذلك الاهتمام النبوي صوراً مشرقة ، أدعو

المرأة المسلمة إلى الوقوف معها .

فهذه (أم سليم) (رضي الله عنها) تلقن ولدها أنس بن مالك الشهادتين ، مع

رفض زوجها مالك بن النضر الإسلام ، حتى هلك ، فخطبها أبو طلحة وكان مشركاً

فتجعل مهر زواجها الإسلام ، فيسلم ، فتتزوجه ، وتجعل ابنها خادماً لرسول الله -

صلى الله عليه وسلم- ، وأم حكيم كانت سبباً في إسلام زوجها عكرمة ، وعمة عدي

بن حاتم كانت سبباً في إسلامه (رضي الله عنهم) .

وعَمْرَة امرأة حبيب العجمي توقظ زوجها للصلاة ليلاً ، وتقول : (قم يا رجل !   فقد ذهب الليل ، وجاء النهار ، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل ، وقوافل

الصالحين قد سارت قدّامنا ، ونحن قد بقينا) [12]  ، وأسماء (رضي الله عنها) نهت

ابنها عبد الله ابن الزبير (رضي الله عنهما) عن قبول خطة غير مرضية خشية

الموت ، مع كبر سنها ، وحاجتها لابنها ، ومن قبل كان لها موقف في صباها يوم

هجرة الرسول ، حين سميت (ذات النطاقين) ، وكانت حفصة بنت سيرين (رحمها

الله) تقول : (يا معشر الشباب ! خذوا من أنفسكم وأنتم شباب ، فإني ما رأيت العمل

إلا في الشباب) [13]  ، فإذا كان هذا حالهن في دعوة الرجال ، فماذا يُظن بدورهن

بين النساء ؟ .

وإذا انتقلنا إلى دائرة أوسع وجدنا للمرأة المسلمة دوراً عظيماً في التضحية

والبذل لدين الله (عز وجل) ، فبذلت سمية (رضي الله عنها) نفسها قتلها أبو جهل

لإسلامها ، فكانت أول شهيدة في الإسلام ، وأنفقت خديجة (رضي الله عنها) مالها ،

فكانت أول مناصر للدعوة ، وكانت رقية (رضي الله عنها) من المهاجرات إلى

الحبشة أول مرة ، وضحّت أم سلمة (رضي الله عنها) بسبب الهجرة كثيراً ، ففارقت

زوجها ، وأوذي ولدها ، حتى جمع الله شملها ، وكان لعائشة (رضي الله عنها)

صولات وجولات في العلم والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،

وحضرت أم عمارة يوم أحد ، وابنها معها ، وقاتلت دفاعاً عن رسول الله -صلى الله

عليه وسلم- ، وحضر نساء من المسلمين يوم اليرموك ، فرددن المنهزمين إلى

صفوف القتال ، وكان لرفيدة الأسلمية وغيرها جهد في معالجة جرحى المسلمين ...

والأمثلة أكثر من أن تذكر .

ضوابط عمل المرأة الدعوي :

الدعوة الموجهة إلى المرأة ينبغي أن لا تخرجها عن فطرتها وأنوثتها ؛ وهناك

ضوابط مهمة في هذا الباب يمكن إجمالها فيما يلي :

1 - الأصل : قرار المرأة في البيت ، قال (تعالى) : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا

تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب : 33] ، وقال : (المرأة عورة ، فإذا

خرجت من بيتها استشرفها الشيطان حتى ترجع) [14] .

2 - للمرأة أحكام خاصة ، لا بد من مراعاتها في أي نشاط دعوي يوجه إليها ،     أو تقوم به ، ومن ذلك :

أ - التزام الحجاب الشرعي بشروطه ، مع تغطية الوجه والكفين ، فالوجه

موضع الزينة ، ومكان المعرفة ، والأدلة على وجوب ستره كثيرة .

ب - تحريم سفرها دون محرم ، قال : (لا تسافر المرأة إلا مع   ذي

محرم) [15] .

ج - تحريم خلوتها بالأجانب ، لقوله : (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي

محرم) وفي رواية : (إلا كان الشيطان ثالثهما) [16]  .

د - تحريم اختلاطها بالرجال الأجانب ، فقد قال للنساء : (استأخرن ؛ فإنه

ليس لكنّ أن تَحْقُقْن الطريق ، عليكن بحافات الطريق) ، فكانت المرأة تلتصق

بالجدار ، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به [17]  .

هـ تحريم خروجها من بيتها إلا بإذن وليها ... إلى غير ذلك من الضوابط

الشرعية التي لا يجوز الإخلال بها .

3 - يضرب أعداء الإسلام على هذا الوتر الحسّاس ، ويجعلون مثل هذه

الأحكام مدخلاً لوصفهم الإسلام بإهانته المرأة ، فتأثر بذلك بعض دعاة الإسلام ،

فحصل لديهم تفلّت في هذا الباب ، فيتأكد في حق دعاة أهـل السنة : ضرورة

الانضباط في ذلك ، وعدم التأثر والانصياع لشهوات المجتمع ورغباته .

4 - الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة : أنها للرجال ، كما كان

الحال عليه في عصر الرسول والقرون المفضلة ، وما رواه التاريخ من النماذج

النسائية الفذة لا يقارن أبداً بما روي عن الرجال ؛ وذلك مصداق قول النبي : (كمل

من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا : آسية : امرأة فرعون ، ومريم : بنت

عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) [18] ،

فطلبُ مساواة المرأة بالرجل في أمور الدعوة ينافي روح الدعوة أصلاً .

5 - ولا يعني هذا الكلام إلغاء دور المرأة وتهميشه وإهماله ، بل دورها لا

ينكر ، وشأنها له أهميته ، لكن مع التزام ما سبق [19]  من ضوابط ، وللحديث بقية

في العدد القادم إن شاء الله (تعالى)

________________________

(1) وانظر : مشكلات وحلول في حقل الدعوة الإسلامية ، عبد الحميد البلالي ، ص 151 .

(2) انظر : المرأة المسلمة المعاصرة ، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة ، د / أحمد أبا بطين ،

141- 146 (وهي رسالة دكتوراه قيمة في هذا الباب) ، نشرتها (دار عالم الكتب) بالرياض .

(3) انظر : منهج ابن تيمية في الدعوة ، د / عبد الله الحوشاني ، ج1 ، ص 216 ، 220 .

(4) انظر : المصدر السابق ، 147 152 .

(5) انظر : صحيح البخاري ، ح/98 ، 101 .

(6) متفق عليه ، البخاري ، ح/7137 ، مسلم ، ح/1829 .

(7) كتاب العلم ، ح/97 ، (الفتح ج 1 ، ص 229) .

(8) تفسير القرطبي ، ج 14 ، ص 178 .

(9) انظر : المرأة المسلمة المعاصرة ، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة ، د / أحمد أبا بطين ،

ص 121- 129 ، ومسؤولية النساء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، د / فضل إلهي

ظهير ، ص 11 .

(10) صفة الصفوة ، ج 4 ، ص 21 .

(11) رواه الترمذي ، ح/1173 ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ، ح/ 936 ، والمرأة

فتنة ولو كانت متحجبة ، لذا شُرع قرارها في البيت ، فيقدر خروجها بقدر الحاجة .

(12) رواه البخاري ، ح/1862 .

(13) رواه البخاري ، ح/5233 ، واللفظ للترمذي ، ح/1171 .

(14) رواه أبو داود ، ح/5272 ، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود ، ح/4392 ،

ومعنى (تحققن الطريق) : تركبن وسطها .

(15) رواه البخاري ، ح/3411 .

(16) انظر : مجلة البيان ، ع/95 ، ص 56 .

(17) انظر : مقابلة مع الأستاذة : خولة درويش ، في مجلة البيان ، ع/40 ، ص 78 84 .

(18) رواه البخاري ، ح/101 .

(19) صفة الصفوة ، ج 4 ، ص 30 .

 

 

فاتحة الملف

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

 

المسلسل العلماني في تغريب المرأة ومسخ هويتها الفكرية والأخلاقية مستمر ؛

فبعد مؤتمرات المرأة والسكان في : القاهرة ، وبكين ، وغيرهما اختتمت قريباً في

مقر الأمم المتحدة أعمال الدورة الثانية والعشرين للجنة المكلفة بالقضاء على

(التمييز ضد المرأة ! ) ، وطالبت الجمعية العامة الدول الموقعة على اتفاقية حقوق

المرأة بتطبيق قواعد المساواة بين المرأة والرجل ، كما فرضت على هذه الدول عدم

الاكتفاء بإقرار المساواة على مستوى النصوص التشريعية فحسب ، بل العمل على

تجسيد هذه النصوص في الحياة العامة من أجل تحسين الواقع اليومي الذي تعيشه

المرأة .

وقبل أيام كتبت نفيس صادق (المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة

للسكان) :  ( إنَّ إدماج النساء في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تعتبر   من أهم التطورات التي حدثت في المائة سنة الماضية ، ولكن هذه الثورة لم تكتمل   بعد ؛ فالمساواة النوعية ما تزال هدفاً لم يتحقق . إن ما يواجهنا من تحد ومسؤولية   بوصفنا رابطة من الأمم هو أن نبني على ما أنجزناه في العقود الماضية ، وأن   نضمن أن القرن الحادي والعشرين سيوفر للنساء الفرصة للمشاركة الكاملة في صنع   التاريخ ! !  ) .

وانظر إلى بعض انعكاسات تلك التوصيات الأممية في بعض الدول

الإسلامية ؛ فبعد الحمَّى البرلمانية لحقوق المرأة السياسية في الكويت ، وبعد الحشود   الصاخبة لمؤتمر مئوية قاسم أمين ، ثم مشروع قانون الأحوال الشخصية في مصر ،   يستمر الجدل العريض في المغرب حول مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية   الذي أعد بتمويل أجنبي مشبوه من البنك الدولي ! !

ولكن ألا يحق لنا أن نسأل : ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

إنهم يريدونها أن تتخلى عن أنوثتها الطاهرة ، وتصبح ألعوبة لشهواتهم ودمية

لأهوائهم .

يريدونها أن تتمرد على حجابها ، وتنتكس في حمأة الجاهلية ومستنقعاتها

الآسنة .

يريدون إلغاء دور الأسرة ، ومسخ الهوية الاجتماعية للأمة ، وإشاعة روح

الانحلال والفساد .

يريدون استنساخ المرأة الغربية في بلادنا لتنتشر ثقافة الإيدز والعري والشذوذ

الجنسي .. ! !

لقد كرَّم الله المرأة وشرفها ، ووالله الذي لا إله إلا هو ! إنها لن تجد من

يرعاها ويحفظ لها حقوقها كما تجد ذلك في الإسلام .. فيا بغاة الشر أقصروا .. !

وها نحن في مجلة  ( نفتح ملف (ماذا يريدون من المرأة ؟ !) ينشر بعون الله

في عددين ، ونحسب أن هذه القضية أوسع من أن يستوعبها ملف واحد ، ولهذا

يسعدنا أن نستقبل مشاركاتكم التي تثري الموضوع ، وتكمل بقية فروعه ) .

- البيان -

 

________________________

 

 

في دائرة الضوء

تدشين الأممية النسوية العلمانية

قراءة في خلفيات مؤتمر المرأة ببكين

(الحقائق والأهداف)

بقلم : د .محمد يحيى

 

اكتسب المؤتمر الدولي الذي عقد في بكين [*]  ، تحت رعاية وإعدادالأمم

المتحدة ، شكلاً يشبه إلى حد بعيد تلك المؤتمرات التي يعقدها المجلس العالمي

للكنائس الكاثوليكية كل بضع سنوات ؛ للخروج بنظريات جديدة في عقيدتهم ، أو

لوضع سياسات تنصيرية للدعاية والترويج .

ويأتي هذا المؤتمر تتويجاً لسلسلة من المؤتمرات والاجتماعات التي رعتها

الأمم المتحدة ، بدءاً من عام المرأة (1975م) ، الذي أعقبه عَقْد المرأة ، ثم عام

الطفل ، ثم عام الأسرة ، وعقد الأسرة ، وسارت معه بالتوازي في السنوات ذاتها

مؤتمرات السكان المشهورة ، التي عُقد آخرها منذ عام في القاهرة ، حيث تلاقت

أهداف وثيقته مع وثيقة وأهداف مؤتمر بكين ، فهي حلقات متتابعة ينظمها الهدف

الرئيس لهذه المؤتمرات ، لذا : جاء مؤتمر بكين في جوهره تدشيناً لحركة ممتدة

تعود إلى ما يزيد عن ربع قرن ، وتتويجاً لها كعقيدة عالمية جديدة : هي الاتجاه

النسوي المعروف ب (الفمنزم) [**]  ، وهكذا شهد العالم مولد (كنيسة) جديدة ،

وعقيدة وضعية تَخْلف الدين العلماني الساقط (الماركسية) وتجدد شباب الأطروحات

العلمانية الغربية .

وفي عالمنا الإسلامي مازالت الصورة غير واضحة ، لا يبصرها إلا القليل

ممن رحم الله ، وقد تشابكت في الأذهان عدة عناصر :

أ- البعض وهم الكثرة مازال يرى في أمثال هذه التحركات المحمومة بزعم

الاهتمام بالمرأة استمراراً للخط القديم الذي عرف باسم (حركة المطالبة بحقوق

المرأة) ، التي عرفها الشرق المسلم في مطلع القرن العشرين ، وكان لها أبطالها

وقديسوها ، التي سارت في ركاب الحركات القومية العلمانية والمتغربة .

ولكن حركات المطالبة بحقوق المرأة تَعُدّ شيئاً مختلفاً بالنوع عن التوجه

النسوي الجديد وإن كان مُهّدَ له ويلتقي معه في بعض الجذور الفكرية الغربية

الأصل ؛ ذلك لأن دعوة حقوق المرأة كانت على الأقل في الظاهر تدعي في العالم

الإسلامي أنها تعمل في إطار القيم والأوضاع الاجتماعية القائمة ؛ لتطالب بحقوقٍ

للمرأة موجودة في صلب هذه القيم والتقاليد ، لكنها نُسيت أو سُلبت . وفي الغرب

كان الشيء نفسه ؛ حيث جرت المطالبة بحقوق المرأة في التعليم والعمل والتصويت

في إطار الأوضاع القائمة (أي : المجتمع البورجوازي الرأسمالي الصناعي) .

ومن الصحيح أن هذه الحركات تطورت فيما بعد لتطالب بحقوق مزعومة

ليس لها أساس في تراث مجتمعاتها ، أو أنها اتخذت أشكالاً ثورية وفوضوية في

التعبير والعمل ، مما مهد بأثر غير منكور في ظهور اتجاه (الفمنزم) ، لكنها كانت

مختلفة عن هذا الاتجاه .

أ- أما البعض الآخر وهم القلة فما زالوا يرون في عباب هذه الاجتماعات

والتحضيرات والوثائق .. إلخ ، امتداداً لما عُرف بحركة تحرير المرأة في أوائل

وأواسط القرن العشرين ، التي كان لها كذلك وجود وقديسون ! في عالمنا الإسلامي ،   ولكن هنا أيضاً توجد اختلافات عن حركة (الفمنزم) المعاصرة ، بعضها نوعي ،

والآخر مجرد اختلاف في الدرجة والتركيز ، صحيح أن حركة تحرير المرأة كانت

السلف المباشر للحركة النسوية العلمانية ، وصحيح أنها اشتركت معها في الجذور

اللادينية الصريحة ، والعداء للأديان (وبالذات الإسلام في منطقتنا) ، وصحيح أنها

اشتركت معها في تجاوز الأوضاع الاجتماعية والثقافية القائمة مع رفضها ،

وصحيح كذلك أنها اشتركت معها في المطالبة ، ليس بحقوق معينة للمرأة ، وإنما

في الدعوة إلى وضع مختلف لها تماماً داخل المجتمع ، مع تغيير هذا المجتمع نفسه

ليتواءم مع الوضع المرتجى والمطلوب للمرأة ، وصحيح أخيراً أنها اشتركت معها

في رفض أنظمة الزواج والأسرة والقيم والتعاليم والتقاليد التي تحكمها سواء في

الغرب ، أم في الشرق داعية إلى إسقاطها ، وإحلال الحب الحر وغير ذلك من

أشكال التحلل من القيم محلها .

كل هذا صحيح ، لكن حركة تحرير المرأة كانت تختلف عن عقيدة (الفمنزم)

في جوانب أساسية وحاسمة ؛ فلم تكن لها فلسفة فكرية تؤصل نشاطها وتسنده ، كما

أنها لم ترتبط بحركة عالمية تقف وراءها وتدافع عنها وتروج لها ، على الرغم من

أنها حاولت في وقت من الأوقات الارتباط بالشيوعية ، ولا سيما في أوائل عهدها ،

ولأن (الفمنزم) أوجدت لنفسها فلسفة وعقيدة ، ولأنها تحولت إلى حركة عالمية تتخذ

من أدوات النظام العالمي أسلحة لها في حربها ، فإنها قد تجاوزت إلى حد بعيد أبعاد

حركة تحرير المرأة رغم أوجه الشبه والقرابة الواضحة بينهما .

وهذه النقطة لا يدركها معظم إن لم يكن كل من يتعرضون بالتحليل لظاهرة

مؤتمرات الأمم المتحدة ، وما يحيط بها من خضم للنشاطات التي تدور حول المرأة ،   إذ ما زال الكثيرون سواء أكانوا مؤيدين أم معارضين ممن يتصدون بالكتابة لهذه

الظاهرة يضعونها في سياق حركة المطالبة بحقوق المرأة ، أو يعتبرونها في سياق

حركة تحرير المرأة ، والحركة النسوية العلمانية ليست بهذه أو بتلك ، فنحن أمام

عقيدة شمولية تُطرح لكي تُفرض وتسود العالم كله ، وتحل محل العقائد والأديان

والمذاهب (وضعية أم غير وضعية) . ولهذا شبهنا مؤتمر المرأة باجتماعات الكنائس

الكبرى ؛ ليس فقط لشمولية الموضوعات التي يتعرض لها ، وإنما أيضاً لذلك الجو

من التبجيل الذي أحاط بهذا المؤتمر ؛ مما جعله تدشيناً لدين جديد أُعد على مدى

ربع قرن ، وهذا التشبيه يدل على مفتاح أساسي من مفاتيح فهم وتحليل هذه الظاهرة ،   يعني : على تجاوز جوانبها السطحية والنفاذ إلى أعماقها .

إن جوهر (الفمنزم) يكمن في الظاهرة العامة التي عرفها تاريخ الفكر

والممارسة الغربية على مدى القرنين الماضيين ، ألا وهي : ظاهرة وضع أديان

وعقائد بشرية وضعية لتجنب الدين الموحى به ، وسواء اعتقدنا أن هناك مؤامرة

يهودية ماسونية علمانية وراء هذه الظاهرة ، أم لا ، فإننا لا نملك إلا أن نرصدها ،

بدءاً من العوالم والمدن المثالية التي حفل بها تاريخ الفكر الأوروبي في القرن

السادس عشر وما بعده ، إلى عقيدة التنوير في القرن الثامن عشر ، وعقيدة أو دين

(عبادة العقل) في آخر هذا القرن ، ودين (عبادة المرأة) الذي ألّفه العالِم (العلماني)

(أوجست كومن) في أوائل القرن التاسع عشر . ثم هناك الأديان العلمانية المشهورة :   كنظام (هيجل) الفلسفي ، ثم نظريات (ماركس) التي أنجبت الشيوعية

والاشتراكيات المختلفة من مثالية إلى علمية ، وأخيراً : فلسفات الغرب الكبرى في

القرنين التاسع عشر والعشرين ؛ من الوضعية ، إلى الليبرالية ، إلى النزعة العلمية

وفلسفة العلوم ، والنفعية (البراجماتية) ، إلى الوجودية ، والظواهرية .

والدين الوضعي العلماني هو مذهب فكري يدعي أنه يحل محل الأديان الغابرة

في الغرب (كالنصرانية واليهودية) ، ويفسر كل جوانب الحياة بفعل مبادئ عامة

يرسيها ، كما يوجه بفعل نفس المبادئ إلى سبل الحياة السعيدة . وهذه العقائد

العلمانية تشترك في رفض الوحي المنزل ، بل ورفض وجود الإله ذاته ، وتجعل

من الإنسان أو من المبادئ التي تبتدعها وحياً منزلاً لا يناقش ولا يُرد ، وهي تتوسل

في دعاويها بادعاء أنها علمية الطابع والمنهج ؛ نظراً للقداسة التي أصبح العلم

التجريبي يحظى بها باعتباره مصدراً للحق واليقين بديلاً عن الأديان الساقطة . غير

أن الأديان العلمانية ذاتها أخذت تتعرض للسقوط واحداً تلو الآخر ؛ بفعل النقد الذي

وجّه لها من داخلها أو من خارجها .

ومع ذلك السقوط المتتالي للأديان العلمانية ، نشأت مشكلة في مجمل الوضع

العلماني الذي أصبح محور وجود وفكر المجتمعات الغربية ، ذلك لأن الأديان

الوضعية أصبحت تؤدي وظائف مهمة على مدى القرنين الماضيين داخل هذا

الوضع العلماني ؛ فهى التي تزوده بالسند الفكري و (الروحي) إن جاز التعبير ،

وترسم رؤيته للحياة ، وتحدد الأهداف والمثل التي توضع للمجتمعات لتحقيقها ، كما

أن هذه الأديان الوضعية هي التي تضمن للغرب إحساسه بالتفوق على الآخرين

بحكم امتلاك (الحق) و (العلم) و (اليقين) ، فضلاً عن أنها هي التي ضمنت للغرب

إضفاء غطاء فكري على حركة الاستعمار ، ثم الاستعمار الجديد ، ثم النظام

الرأسمالي الدولي ، وأخيراً النظام العالمي الجديد ، وكلها موجهة ضد ما يسمى

بالعالم الثالث ، وهو في الحقيقة العالم الإسلامي ، فالغرب وهو يحتل ويستغل

وينهب موارد العالم الإسلامي : يفعل ذلك تحت شعار هذه المبادئ والعقائد العلمانية

(النبيلة ! ) و (السامية ! ) ، والأهم من ذلك : أن الوضع العلماني المسيطر في

الغرب أدرك أنه لضمان استمرارية النهب والسيطرة فلابد من إلغاء الدين ، الذي

يبعث في نفوس المحتلين الثورة والرفض ، وإحلال المذاهب العلمانية نفسها محله

كأديان جديدة ، تضمن أن الأجيال الناشئة والطبقات الحاكمة في ذلك (العالم الثالث)

ستكون تابعة للغرب ؛ لأنها تشاركه أفكارها ، بل وتعتبرها المنقذ الوحيد لها ،

وتفرضها على شعوبها بالحديد والنار .

لهذه الوظائف الحيوية التي تلعبها المذاهب العلمانية داخل الغرب وخارجه في

ظل سيطرة الوضع العلماني : كان لابد كهدف اجتماعي حيوي من تجديدها كلما

شاخت ، أو اختراع بديل كلما سقط دين منها ، وأصبحت هذه المهمة ملحة في الربع

قرن الماضي بعد جلاء فشل الماركسية والليبرالية (وهي آخر الأديان الوضعية

الكبرى) وسيادة أفكار الشك والريبة والنسبية المطلقة ورفض الثوابت ، في فترةِ ما

أصبح يعرف بعهد ما بعد الحداثة .

وفي هذا السياق العام بالضبط تأتي حركة (الفمنزم) النسوية العلمانية كدين

جديد ، لكنه دين أخطر من الأديان الوضعية السابقة ؛ فإذا كانت الماركسية مثلاً قد

حاولت إحداث صراع بين قلة وكثرة وعلى أرضية اقتصادية بحتة ، فإن (الفمنزم)

تحدث انشقاقاً في وسط المجتمع ، وعلى أسس شاملة تمس أدق جوانب حياة الإنسان ؛   لتعيد صياغتها وفق النهج العلماني الراسخ في الغرب .

ولكن : ما المبادئ العامة التي تطرحها الحركة النسوية العلمانية وتجعلها محل

الدين ، والتي تتستر وراء كل هذه المظاهرات الصاخبة من مؤتمرات ، وضجيج

إعلامي ، وسياسات تنفذ بالقوة وبخاصة في المجتمعات المسلمة ؟ .

إنها ليست مجرد المطالبة بحقوق للمرأة أيّاً كانت ، وأيّاً بلغت درجتها من

المعقولية ، أو الشطط ، بل هي الدعوة إلى تغيير شامل وجذري ، وقلب لكل

المفاهيم بدون استثناء التي ظلت البشرية تنظر بها إلى المرأة ، وبخاصة المفاهيم

الدينية ، فبالاستناد إلى شذرات مقتطفة من الماركسية والليبرالية وعلوم

الأنثروبولوجيا ، تعمد (الفمنزم) إلى تصوير التاريخ البشري وكأنه دراما كبرى قام

فيها الرجال ومنذ عهد مبكر بقلب الأوضاع التي كانت المرأة فيها صاحبة السيادة

والطّوْل (المجتمع ( النسوي ) ، ليقيموا محلها المجتمع ( الرجالي ) الذي تبشر

(الفمنزم) بسقوطه ، لكن المستهدف ليس مجرد عكس للأوضاع بشكل مبسط ليعود

للنساء الحكم والسيطرة ، ويرجع الرجال إلى عهد العبودية القديمة المزعوم .

إن المطلوب عبر سلسلة طويلة من الخطط والإجراءات : هو إلغاء الجنس

ذاته ، أي : جنس الرجال والنساء معاً ، بكل ما ينطوي عليه من مفاهيم و (أدوار)

ثابتة تكرسها الأديان المنزلة ، وإحلال الجنس بمفهوم (النوع) ، الذي يعني : أن

يكون المخلوق البشري مادة خاماً محايدة تخلو من الملامح والقسمات التي درجت

البشرية على التمييز من خلالها بين النساء والرجال كجنسين مختلفين لكل منهما

أوضاع وأدوار محددة ، يقوم بها داخل المجتمع والأسرة ، وتدور حول تحليل

مفاهيم (العلمانية) .

ولا يوجد مانع داخل إطار هذا المفهوم الجديد ، أن يقوم أفراد هذا النوع

المحايد العام ولفترات محدودة فقط بانتحال بعض الأدوار التي كانت في (الماضي

الغابر) تنسب للرجال أو النساء ، شريطة أن يقوم الرجال بأداء أدوار النساء

التقليدية والعكس ، ومن المهم هنا أن نذكر أن هذا المفهوم الذي تروج له (الفمنزم)

يمثل في الوقت نفسه الأساس (الفكري) لحركات الشذوذ الجنسي التي أصبحت في

السنوات الأخيرة ذات نفوذ واسع في دوائر الثقافة والإعلام والمجتمع بل والسياسة

في الدول الغربية ، والتي لن تصبح (شاذة) بعد تطبيق مفهوم (النوع المحايد) ، بل

ستصبح هي أكثر الأوضاع طبيعية واعتيادية .

هذا هو الهدف العام وراء غابة النشاطات والمؤتمرات التي تخلقها الحركة

النسوية العلمانية من خلال مؤسساتها الدولية والمحلية ، إنه الغاية الكبرى وراء كل

الشعارات التي يجري عليها الإلحاح بشكل محموم حول (تمكين المرأة) ، وإكسابها

النفوذ الاقتصادي والسياسي ، و (إلغاء التقاليد) المعوقة لتقدمها ، ونشر (التعليم)

الجنسي ، وإدماج كل أشكال الانحراف (من الزنا إلى الشذوذ) لتصبح أوضاعاً

طبيعية .

نحن إذن أمام حركة تسعى إلى إلغاء جنس المرأة نفسه ، وكل ذلك تحت شعار

الدفاع عن المرأة وضمان تقدمها ، لكنه التقدم الذي يؤدي إلى إلغاء الجنس ذاته مع

جنس الرجال ، ولكن ، إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا أصبحت هذه الحركة عالمية

الطابع ؟ ولماذا أصبح لمؤتمر بكين كل هؤلاء المدافعين والأنصار في عالمنا

الإسلامي ؟ !

الإجابة على السؤال الأول هي : إن هذه الحركة تسد فراغاً عقديّاً في مجتمع

وصل به الخواء حد اعتبار الحملة ضد التدخين بمثابة أهم الأعمال الأخلاقية ، كما

أنها حركة تضمن لذلك المجتمع (الغربي) إسقاط ذاته وبسطها على المجتمعات

التابعة (الإسلامية والنامية) .

أما الإجابة على السؤال الثاني فهي في نوعية الجهات التي تحتضن هذه

الحركة في عالمنا العربي الإسلامي ، إنها النخب العلمانية ذات الهيمنة على

مجريات شؤون مجتمعاتنا ، وهي ، وإن كانت محدودة العدد ، إلا أن سيطرتها على

مفاتيح مؤسسات الإعلام والتعليم والثقافة بل والسياسة تعطي لها نفوذاً يفوق حجمها

بكثير .

ونعود إلى مؤتمر بكين ، وهو كما قلنا التتويج العملي لحركة (الفمنزم) ، أو

كما صرح عضو مجلس الشيوخ الأمريكي البارز السناتور (هيلمز) في 27 يوليو

الماضي من أن المؤتمر : تديره وتحدد أفكاره جماعة محدودة من النساء اليساريات

(وهذا اللفظ من الاصطلاح الأمريكي يتضمن معاني العلمانية الملحدة) اللواتي يعملن

لهدم قيم الأسرة وسائر التعاليم الأخلاقية .

لقد اتخذ مسار تبرير توصيات ووثائق وبرامج هذا المؤتمر في العالم

الإسلامي خطين أساسيين :

الخط الأول : بناه أنصار الحركة النسوية العلمانية ممن هم في مواقع السلطة

الرسمية ، أو الناطقين باسمها (كبعض المفتين الرسميين) ، وقد اعتمد هذا الخط

على تجاهل كل مخططات المؤتمر والتركيز في الدعاية الإعلامية على رسالة غير

معقدة تقول : إن هذا المؤتمر يبحث في حقوق المرأة ؛ وإن الإسلام يحض على

حقوق المرأة ؛ لذا : فإن المشاركة في المؤتمر وتبني توصياته وسياساته في هذا

الإطار عمل لا غبار عليه إن لم يكن من صميم الإسلام ( ! ) ، لكن أصحاب هذا

الخط يتجاهلون أن حقوق المرأة في الإسلام غير حقوق المرأة التي تدعو إليها

الحركة الواقفة وراء مؤتمر بكين ، فليس من هذه الحقوق حق الزنا ، والحمل

السفاح ، والشذوذ ، وهي حقوق رتبها هؤلاء في زعمهم كعلامات للتقدم ، وليس من

حقوق المرأة في الإسلام أن ترفض الدين بحجة أنه متخلف ومعادٍ للمرأة لمجرد أن

اليساريات الأمريكيات يقلن ذلك ، ثم إن حقوق المرأة في الإسلام تقترن بواجبات

معينة أهدرها أصحاب مؤتمر بكين : كواجبات الأمومة ، ورعاية الأسرة .. وحقوق

المرأة في الإسلام تؤخذ وتمارس في سياق الإيمان المشترك ، وفي سياق الأمة

الواحدة المتكاتفة ، أما الحقوق المزعومة التي يرتبها مؤتمر بكين : فتدار من خلال

عملية حادة تشق صفوف المجتمع ، ولا تؤخذ إلا على جثة حقوق الرجال ، أو حتى

وجودهم كجنس متميز ، وهي تمارس في سياق مجتمع يعادي الإيمان بالله وينشيء

دعائم الإلحاد تحت شعارات العلمانية .. ليس الأمر إذن سوى حركة خداع ساذجة !!.

أما الخط الثاني الأساس الذي يتخذه مسار تبرير توصيات المؤتمر فهو لا

يخلو كذلك من الخداع ، ويمثل هذا الخط الدوائر العلمانية التي لا ترتبط مباشرة

بالسلطة مما قد يكون عاملاً يفرض عليها حرجاً في التعبير عن التوجهات والآراء

والمشاعر . يقوم هذا الخط على أن قرارات مؤتمر بكين هي في حقيقتها مواصلة

لحركة تحرير المرأة ، وأن الإسلام يدعو لتحرير المرأة ، فالمؤتمر على هذا الوجه

يحقق هدف الإسلام ، ولكن الإسلام (التقدمي العلماني) ، وليس الإسلام (الرجعي)

(الظلامي) في زعمهم الذي يسود الدنيا الآن ! ! .

إن الإسلام حرر المرأة كما حرر الرجل من الجاهلية والضلال ، ولكن أنصار

مؤتمر بكين يريدون تحرير المرأة من الإسلام نفسه ، أو من الإيمان به وقيمه

وتعاليمه وشريعته ، وشتان ما بين النوعين من التحرير . وتحرير المرأة الإسلامي

يتم في إطار شامل لكل المجتمع ، لكن تحرير مؤتمر بكين يتم على أشلاء المجتمع

وبعد صراع مرير يتم فيه إلغاء جنس الرجال ، ثم جنس النساء نفسه ، وصولاً إلى

(النوع) البشري الذي يصلح لكل أدوار الأجناس : الخشن ، والناعم ، والثالث ، إنه

تحرير يتم عبر التدمير ، وليس تحريراً يتم عبر البناء والتعمير ؛ تدمير الأسرة ،

وتدمير كل القيم الإنسانية ، بحجة أنها كانت مجرد مواضعات نسبية زال أوانها منذ

عصور سحيقة .

هذه هي المحاور التي يدور حولها تبرير قرارات مؤتمر بكين ، والترويج لها ،     والدفاع عنها ، وهي محاور كما رأينا تعتمد أساساً على تجاهل الأبعاد الحقيقية

لهذا المؤتمر ، كما لاحظناها فيما سبق ، وتصور نتائجه في إطار محدود ومستأنس

فيما يبدو كمجرد دفاع عن حقوق للمرأة وتحرير لها من أوضاع ظالمة ، لكن أحداً لا

يخوض جهلاً أو خبثاً في حقيقة الحركة النسوية العلمانية التي توجت جهودها

بمؤتمر بكين .

لكن ما يهمنا حقيقة من المؤتمر : أن القرارات والتوصيات التي تصدر عنه

وعن أمثاله من المؤتمرات تتحول على الفور إلى أوامر وسياسات ، تلتزم جميع

الأجهزة الحكومية وغير الحكومية في البلدان الإسلامية بتنفيذها ، وكأن هناك

حكومة عالمية تقوم على هذه التوصيات ، ولا تهدأ حتى تراها مطبقة على واقع

الحياة . وإذا كانت المظاهر الواضحة لهذه الحكومة العالمية تتمثل في الأمم المتحدة

ووكالاتها في أخطبوط الإعلام الدولي الممتد والمسيطر بأقماره الصناعية ، وفي

شبكة ما يسمى المعونات الأجنبية ، التي هي أداة التدخل والتأثير في الدول

الإسلامية في العصر الحديث .. فإن هناك مظاهر أخرى غير واضحة لهذه الحكومة

العالمية أو ما يسمى بالنظام الدولي الجديد أبرزها على الساحة الإسلامية العربية :

تلك التجمعات للنخب العلمانية في أندية ومحافل ومنابر وروابط يطلق عليها الآن

وصف (المنظمات غير الحكومية) : وتزعم النشاط في مجالات حقوق الإنسان ،

والبحث العلمي والفكري ، والخدمات الاجتماعية ، وبالطبع حقوق الإنسان وأوضاع

المرأة ، وعلى الرغم من وصف (غير الحكومية) الملحق بهذه التجمعات إلا أنها في

الواقع تمارس نفوذاً قويّاً على الحكومات المحلية بمستوياتها المختلفة من أعلى إلى

أسفل ، بل إنها تمارس نفوذاً يفوق نفوذ هذه الحكومات ، وذلك بفضل اندماجها في

الشبكة العالمية لهذه المنظمات ، وبالفعل : فقد أصبحت هذه (المنظمات غير

الحكومية) الذراع الأساس للحكومة العالمية في فرض وإعمال كل السياسات

الموضوعة في مؤتمرات المرأة والسكان ، وآخرها مؤتمر بكين ، وقبله مؤتمر

القاهرة ، إن هذه المنظمات التي تضم نخباً نسوية علمانية منعزلة عن مجتمعاتها

الإسلامية أصبحت تستمد قوة كبيرة بفضل الدعم المالي والمعنوي الذي تتلقاه من

شبكاتها الخارجية ، بل إنها أصبحت أكثر ارتباطاً بالوضع العلماني الغربي من

ارتباطها أو حتى صلتها بمجتمعاتها المحلية ، وتحولت إلى مجرد فروع للحركة

العالمية للمنظمات غير الحكومية العاملة في مجالي المرأة والسكان .

إن المنظمات غير الحكومية المنعزلة عن مجتمعاتها ، والتي لا توجد لها

جذور في أرض المجتمعات الإسلامية تمارس نفوذاً لا تناسب بينه وبين الحجم

الحقيقي لأفرادها ووزنهم الفكري ، ويعود ذلك إلى الاندماج في النظام الدولي الجديد

والارتباط به لأداء دور الفروع من خلال شتى أنواع الدعم ، كما يعود إلى

الالتصاق بالسلطات السياسية والتنفيذية القائمة من خلال اختراقها والنفاذ إلى القمة

فيها ولا سيما زوجات الرؤساء ذوات الميول المتغربة .

إذن : نحن نواجَه حقيقةً ، ليس بحركة فكرية (في مجال (الفمنزم) أو الحركة

النسوية العلمانية) تسعى إلى نشر أفكارها بوسائل الإقناع والحجة وما أشبه ذلك ،

بل بحركة تآمرية الطابع تتوسل إلى أغراضها بأسلوب التآمر الخفي ، وإجبار

المجتمعات الإسلامية على تنفيذ وإطاعة سياسات لا توجد لها أية جذور في الأرضية

الإسلامية .

وهكذا .. فرغم أننا نبدو بعيدين عن مؤتمر بكين وأمثاله والقرارات الصادرة

عنه ، ورغم أننا نبدو بعيدين عن شطحات أفكار ومبادئ (الفمنزم) ، إلا إننا نجد ولا

أقول نفاجأ بأن هذه الأفكار تطبق في بلادنا الإسلامية كسياسات فعلية تنفذ بقوة

القانون دون أن يكون قد سبق حتى التبشير بها ، أو كسبت الأنصار لها ، واللجوء

إلى هذا الأسلوب المشبوه في الفرض والإجبار يدل على أن مروجي هذه الأفكار

والسياسات واثقون من أنه لو طرحت على حقيقتها فإنها لن تجد أي صدى مهما

كانت درجة لمعان الشعارات التي تحيط بها .

هذا هو الأسلوب الذي تُفرض به علينا مخططات نرفضها ، ونقدم الحجة

ضدها ، ونقول : إنها تخالف عقيدتنا وتاريخنا وتراثنا وشريعتنا ، لكننا مع ذلك

نجدها مطبقة ومنفذة بشكل يبدو سحري الطابع ، لكنه يعود في الحقيقة إلى أسلوب

التآمر غير الشريف الذي ألمحنا فيما سبق إلى بعض جوانبه وآلياته .

هذه هي الحقائق وراء كل الضجيج والصخب والبريق الذي أحاط بمؤتمر

بكين .

________________________

(*) عقد المؤتمر في بداية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الحالي ، وينقسم المؤتمر من حيث اللقاءات إلى محورين : لقاءات وفود الدول الرسمية ، ولقاءات المنظمات الدولية المتخصصة ، وحضره ما يزيد عن سبعين ألف مشارك ومشاركة ، بالإضافة إلى الوفود الحكومية ومما تجدر الإشارة إليه : أن (التجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية) شارك في هذا المؤتمر في خطوة رائدة مشكورة ، وهو المنظمة الإسلامية الوحيدة المشاركة فيما نعلم ويمثل التجمع في هذا المؤتمر وفد مكون من عدد من طلبة العلم والأساتذة المتخصصين ، وألقوا بلغات مختلفة عدداً من المحاضرات لبيان الصورة الحقيقية للمرأة في الإسلام ، كما أصدر التجمع عدة كتب وأبحاث وزعت في المؤتمر ، منها : كتاب : (شبهات حول المرأة المسلمة) للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، بسبع لغات حية ، وكتاب : (مكانة المرأة في الإسلام) للشيخ علي التميمي ، باللغة الإنجليزية                            - البيان - .

(**) الفمنزم (Feminsm) هي : نظرية المساواة بين الجنسين سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً ومن المفيد الرجوع إلى مقال : (الحركة النسوية إطار للفهم) ، للدكتور محمد يحيى ، المنشور في العدد (83)                                                                               - البيان - .

 

 

 

في دائرة الضوء

الحركة النسوية

- إطار للفهم -

د . محمد يحيى

 

على مدى العقدين السابقين أصبحت أفكار وطروحات وممارسات ما يطلق

عليه في الغرب الحركة النسوية أو ( الفِمِنِزْم ) تمثل تياراً قوياً وسائداً في الحياة

الاجتماعية والثقافية بل والسياسية ، ويجد المتابع هذا الأثر في العديد من دور النشر

المخصصة لنشر هذه الأفكار في عشرات الكتب الصادرة للترويج ونشر تلك

الطروحات ، كما يجده في جمعيات اجتماعية وفكرية نشطة ، وفي دوائر ذات نفوذ

داخل المعترك السياسي تعمل على تحويل الأفكار والطروحات النظرية إلى واقع

عملي فعلي من خلال استصدار القوانين والتمكين الاجتماعي للممارسات النسوية

عبر وسائل الإعلام الطاغية التي تشكل الرأي العام .

وبما أن الفمنزم قد أصبحت في الغرب وفي الولايات المتحدة على وجه

الخصوص أشبه بالأيديولوجية الفكرية التي وجدت فيها الليبرالية العلمانية تجديداً

لدمائها ، فقد سرت هذه الأيديولوجية بشكل واضح ومتحمس من خلال مؤتمراتها

عن المرأة والسكان والعقود التي كرستها للمرأة والطفل وكانت الصياغة اللغوية مثلاً

لوثيقة مؤتمر السكان العالمي الذي عقد بالقاهرة خلال شهر سبتمبر في العام 1994م   منشوراً نسوياً خالصاً تجلت فيه - في عباراته وكلماته - معظم دعاوى ومفاهيم

تلك الحركة مما مثل وصولاً للأيدلوجية النسوية الغربية إلى مستوى الطرح العالمي ،   لتكون نمطاً في الأفكار والقيم والعادات والممارسات يراد فرضه وتعميمه في الدنيا

بأسرها .

مرجعية هذه الحركة في الغرب :

إن الحركة النسوية في الغرب التي يراد لها الآن أن تصدر إلى العالم كله

لتصبح نموذجاً عالمياً ، ينبغي أن تفهم في إطار نشأتها الاجتماعية والفكرية والثقافية،   وفي إطار الروافد الثقافية التي غذتها ، والأوضاع الحضارية العامة التي أفرزتها،   ذلك لأن هذا الفهم هو الذي يعصم العقل من الدعوى التي تزعم أن هذه الحركة

ليست أيديولوجية نسبية ثابتة في بيئة فكرية واجتماعية معينة وخاصة ، بل إنها

فلسفة مطلقة عالمية صالحة لكل زمان ومكان ، أو هي نموذج مطلق للسلوك

البشري بعامة .

والحق أن الفمنزم في هذا التطور تكرر ما حدث للأيديولوجيات الغربية

السابقة من ليبرالية واشتراكية وبراجماتية التي طرحت على العالم ليست باعتبارها

اتجاهات خاصة بالحضارة الغربية ، بل باعتبارها مذاهب مثالية وعالمية ونماذج

تطبيقية تسري على كل البشر رغم اختلاف حضاراتهم وعقائدهم .

وهذا الإطار للفهم الذي نلمح إليه معقد ومتشعب ، لكن أول وأهم ما يمكن أن

يقال عن الفمنزم : إنها على عكس ما يفهم بعضهم في العالم الإسلامي - وهم

يريدون من خلال هذا الفهم إحداث نوع من التمازج أو التقارب بين أفكارها وبين

التعاليم الإسلامية تحت شعارات مثل تحرير الإسلام للمرأة- ليست حركة تهتم

بحقوق المرأة أو توفير العدالة والإنصاف لها فالحديث عن حقوق المرأة والعدالة في

تحسين وتصحيح أوضاعها هو حديث جزئي بل لا معنى له في ظل أفكار الفمنزم ،

ذلك لأن الحقوق والعدالة لا يمكن أن يكون لها معنى بمعزل عن إطار مرجعي

وقيمي ومفاهيمي عام ، يحدد ماهية تلك الحقوق وطابع العدالة ونوعها ، والفمنزم

في هذا الصدد لا تعترف طبعاً بأي إطار مرجعي عام في مجتمعها أو حضارتها ،

بل هي تزعم أنها تحدد وتنشيء إطاراً مرجعياً عاماً جديداً في السياق الغربي .

ومن هذا فالحركة النسوية ليست امتداداً - كما يحاول أن يوحي بعضهم إما

بجهل أو بسوء نية - لحركات ظهرت في الغرب خلال القرن الماضي ، تريد

انتزاع حق التصويت للنساء في الانتخابات ، أو حقوق الملكية والتعليم والعمل .

ومن باب أولى فإن الفمنزم لا يمكن أن تكون هناك رابطة أو صلة بينها وبين

حركات ودعوات ظهرت في بلدان إسلامية في مطلع القرن الحالي لتنادي بحقوق

المرأة في ظل الإسلام ، وتطالب بتحسين أوضاعها وفق القيم التي أرساها هذا الدين

الحنيف .

إن الفمنزم في جوهرها أطروحة جذرية ترفض أن تدافع عن حقوق المرأة

وفق الإطار القيمي الذكري أو الرجالي أو الأبوي السائد كما يصفونه ، وهي تسعى

في أفكارها إلى طرح إطار مرجعي عام بديل هو الإطار النسوي .

هذه الحركة في إطارها الفكري :

وهنا نصل إلى كنه الفمنزم ووضعها داخل السياق الفكري والثقافي الغربي

العام ، إنها سعي إلى قلب كل التصورات الاجتماعية والقيمية ، بل والأدبية واللغوية

التي تسود في الغرب عبر إدخال منظور جديد أو معيار ظل في تصورهم مكبوتاً

حتى الآن ألا وهو المنظور النسوي الذي ينبغي أن يعاد تفسير وكتابة كل التاريخ

البشري الاجتماعي والفكري وحتى الاقتصادي من منطلقه وباعتماده إطاراً مرجعياً

مطلقاً .

والحق إن الفمنزم في هذا لا تختلف عن فلسفات غربية سابقة سعت إلى قلب

جذري للمفاهيم والأوضاع من خلال إدخال منظور جديد لرؤية الأمور وتحليلها ،

ولعل أشهر هذه الاتجاهات هو النزعة الإنسانية (الهيومانزم) التي سادت ما يسمى

بعصر النهضة في أوروبا وأحلت الدنيوي (أو العلماني) محل الديني ، أو الليبرالية

التي أحلت البورجوازي محل الأرستقراطي محوراً للتفسير ، أو الماركسية

بإرجاعها كل الأمور البشرية إلى المعيار المادي الاقتصادي ... إلا أن الفمنزم تزعم

لنفسها تميزاً في هذا الصدد فكل الحركات السابقة - كالبراجماتية أو الفلسفات

الوجودية مثلاً - كانت تغيرات جذرية في المنظور ، ولكن داخل إطار قيمي

مرجعي أعلى واحد لم يتغير هو الإطار الذكري ، أما الفمنزم فتعتبر محاولة تتجاوز

كل محدوديات الفلسفات السالفة الذكر في أنها تغير وتبدل الإطار العام الذي حكم

تلك الفلسفات .

ولكن رغم هذه الدعوى العريضة فإن الدراسة السريعة لمحتوى أفكار الفمنزم

تكشف عن أنها استعادت وأخذت بشكل انتقائي من أفكار تلك الفلسفات الذكرية

الطابع ، بحيث يمكن القول بأنه لولا تلك الفلسفات لما نشأت الفمنزم ، وأنها تمثل

امتداداً للسياق العلماني العام الذي هيمن على الفكر والحضارة الغربية منذ عصر

النهضة ، فعلى سبيل المثال أخذت الفمنزم من الليبرالية ذلك الإحساس المفرط

بذاتية الفرد الإنساني منعزلاً عن السياق الاجتماعي والديني ، وإن كانت قد صبت

هذا الإحساس على المرأة وليس الرجل ، وأخذت من الماركسية بعض الشعارات

الثورية وتحليل الاستغلال الاقتصادي مع تطبيق هذه المصطلحات والتحليلات على

المرأة في الغرب وليس على الطبقات الاجتماعية وأشكال الإنتاج المادي ، وأخذت

من بعض مدارس التحليل النفسي مفاهيمها في نشأة الهوية الجنسية وتطورها ،

ولكنها طورتها لكي تتخذ منها مبرراً للدفاع عن مفهوم استرجال المرأة وتخنث

الرجل ، مما يمهد لظهور جنس ثالث يخرق كل المواصفات المستقرة حول طبيعة

كل من الرجل والمرأة ، وأخذت كذلك من فلسفة نتشه وبعض الفلسفات المعاصرة

كالبنيوية والتفكيكية مبدأ النسبية وتحطيم المطلق لكي تتوصل من ذلك إلى نسف

وهز الأسس الفكرية للمجتمع الذكري كما تسميه ، تمهيداً لإنشاء وإقامة طروحاتها

التي تريدها أطراً مطلقة ، مهيمنة وسائدة .

محددات أخرى للموضوع :

وإذا كانت العلاقة مع الفلسفات الغربية الكبرى تحدد موقع الفمنزم الفكري من

خلال آليات المعارضة والاستعارة والامتداد المقلد ، فإن محددات أخرى لهذه

الأطروحة لا يجب إغفالها لاسيما وأن هذه المحددات خاصة بالتجربة الغربية

العقائدية والحضارية ، وأنها هي التي ترسم للفمنزم مجالها الخاص باعتبارها

أيدلوجية غربية بحتة لا يجب ولا يمكن أن تمتد لتطرح باعتبارها رؤية عالمية

شاملة لكل البشر ، فمن هذه المحددات تصور الفكر الغربي العام للمرأة ذلك التصور

الذي حددته الفلسفات اليونانية والكنائس النصرانية والمفاهيم اليهودية ثم نقحته

الأفكار الإنسانية العلمانية ، ومن هذه المحددات الكبرى وضع المرأة الاجتماعي

والاقتصادي على امتداد القرون وما شابه في القرون الأخيرة من مشكلات مع تعقد

أنماط الحياة الغربية بفضل الثورة الصناعية ونتائجها .

وجلي أن هذه الفلسفات والقيم والأوضاع تختلف اختلافاً جذرياً ونوعياً عن

مثيلاتها في الإسلام وفي خبرة المجتمعات الإسلامية التي حددت أوضاع المرأة ،

وحتى لو تقبلنا الطرح القائل بوجود مشكلة للمرأة أو قضية للمرأة في إطار

المجتمعات الإسلامية ، فإن الحقيقة تبقى أن هذه المشكلة والقضية تختلف في تكييفها

عن مشاكل وقضايا المرأة في الوسط الغربي ، كما تختلف في الإطار القيمي الذي

تطرح من خلاله ، والحلول التي يمكن أن توجد لها في ظل هذا الإطار كما نجده في

الغرب .

لقد طرحت الفمنزم نفسها في البداية استجابة ومخرجاً من الأوضاع التي تحكم

حياة المرأة الغربية في الأوقات المعاصرة ، ورداً على ما حللته بأنه ظلم المفهوم

اليوناني - الروماني - النصراني الذي ظل يحدد كيان وهوية المرأة على مدى حياة

الحضارة الغربية ، وهي في هذا أوحت في الفترة المبكرة بأنها امتداد - وإن كان

جذرياً - لبعض الحركات النسوية السابقة التي دعت إلى تحرير أو انعتاق أو حقوق

المرأة في بعض النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية .

ولكن مع تطور واتساع الحركة فكرياً ، وتزعم بعض العناصر اليهودية

والراديكالية لطروحاتها ، ظهرت أبعاد الفمنزم الحقيقية التي ألمحنا إلى طرف منها

فيما سبق ، كما ظهر طابعها العنصري الذي يتخذ من معاداة الرجل محور الانطلاق

الأساس ، ويشعل نيران الحرب العنصرية بين الرجال والنساء في حرب مستعرة لا

ترضى بأقل من إخضاع الرجل -الذي يعامل في الفمنزم كجنس مطلق وشرير-

وتغيير طبيعته لكي يكتسب الأنثوية الرقيقة المستسلمة في الوقت الذي تسيطر فيه

المرأة باعتبارها هاجساً مطلقاً بعد أن تكتسب خصائص الاسترجال والذكورة مثل

القوة والشراسة والهيمنة .

هذا هو الهدف الأسمى للفمنزم أو الفردوس الأرضي الموعود كالفردوس

الماركسي للبروليتاريا ، وفي سبيل الوصول إلى هذا الهدف الطوباوي وضعت

المفاهيم الجذرية للعلاقات بين الجنسين ، واستعيرت الأفكار التي تنسف المطلق

وتروج للنسبية ، ونشطت عملية قلب وعكس القيم تحت دعوى الانطلاق من

المنظور النسوي في مواجهة الذكري .

الفمنزم أيدلوجية تغريبية مقصودة :

انتهت الفمنزم في الغرب - أو كادت - منذ سنوات باعتبارها حركة فكرية

نشطة ، ولكنها مع هذا الموت أو التجمد الفكري بقيت مترسخة هناك باعتبارها

مذهب أو أيدلوجية لها أتباع ، وارتبطت بمصالح مادية وإعلامية وسياسية ،

وتيارات اجتماعية تعادي الأديان والعقائد وتروج للإلحاد والإباحية والشذوذ الجنسي.

وكما هو الحال بالنسبة للفلسفات الغربية السابقة التي تحولت إلى هذا المصير،   بدأت الدوائر الحاكمة ذات النفوذ في البلدان الغربية الكبرى تنظر إلى الفمنزم

على أنها سلاح أيدلوجي ضد الخصوم والقوى الحضارية التي يتوجس الغرب منها،   وبدأت الفمنزم أداء هذا الدور في الثمانينات أولاً ضد الماركسية الثورية ، ولكن

بعد انتهاء قوة الشيوعية ظهر دورها الأساس في المرحلة الحالية سلاحاً فكرياً يواجه

قيم وتعاليم ومفاهيم وتصورات الإسلام .

ومن هنا بدأ طرح الأيدلوجية النسوية من خلال منابر الأمم المتحدة

والمنظمات الدولية ، لتجد طريقها إلى ما يسمى بدول العالم الثالث ومعظمها في

الحقيقة دول إسلامية ، بل إن هذه الدول بالذات هي المستهدفة خصيصاً من ترويج

وفرض هذه الأيدلوجية باعتبارها نموذجاً اجتماعياً سلوكياً يراد له أن يسود ليدمر

قيم الإسلام وممارساته وسلوكياته .

ولكي تؤدي الفمنزم دورها بشجاعة شكلت منها - كما حدث مع الفلسفات

الغربية السابقة التي صدرت إلى العالم - نسخة تصديرية تشبه تلك النسخ

التصديرية من أنواع السلاح أو الآلات المتقدمة التي لا يصدرها الغرب إلى البلاد

الإسلامية إلا بعد أن يدخل فيها تعديلات تسلب منها فعاليتها التقنية وإن بقيت على

شكلها الخارجي البراق والمتقدم ، والنسخة التصديرية للفمنزم نزعت منها دعاوى

الشذوذ الجنسي واسترجال المرأة ، وتخنث الرجل وقلب الأدوار وإعادة تفسير

التاريخ من المنظور النسوي في مواجهة المنظور الرجالي ، وهذه النسخة صيغت

في قالب الدعوة التي ألفها المسلمون من حقوق وحريات و إنصاف للمرأة ، لكنها

في الواقع بقيت في الجوهر محتفظة بهذه المفاهيم الأصلية لها بحيث إذا تساءل

إنسان عن نوعية هذه الحقوق والحريات والإنصاف المطلوب للمرأة في ظل الفمنزم

في نسختها التصديرية بإشراف الأمم المتحدة ، لوجد أنها تكمن في الحرب

العنصرية ضد الرجل وفي استهجانه ، وإبعاد الهداية الدينية والتوجيهات الإسلامية ،

وفي عكس الأدوار وصولاً إلى مجتمعات وثنية شائهة تشبه مجتمع قوم لوط .

أختي المؤمنة هذا ما يريدون !

ومن هذا الإطار نفهم أن ما يحدث الآن مع الفمنزم في العالم الإسلامي هو

بالضبط ما حدث مع فلسفات سابقة في إطار عمليات الإمبريالية الثقافية والغزو

الفكري والإلحاق والتبعية وتغريب وعلمنة المسلمين بالكامل ومحو هويتهم ،

فالتصدير والفرض للأيدلوجية النسوية من خلال آليات المنظمات الدولية والمعونة

الغربية ، يحدثان كما حدثا من قبل مع الماركسية والليبرالية ، والمروجون أنفسهم

من العملاء الذين يوصفون بالمفكرين والكتاب الذين يدعون أن الفمنزم حل سحري

جديد ، يروجون كما سبق أن روجوا للفلسفات الغربية الأخرى ، والانبهار نفسه

والاستخذاء الذي حدث مع المذاهب الفكرية السابقة الوافدة من الغرب يظهر الآن مع

الفمنزم حيث نسمع عن اتجاهات للتلفيق والمواءمة تستعير من مصطلحات

وشعارات الفمنزم ما تحاول أن تضفي عليه الطابع والمفهوم الإسلامي .

وأصبحنا نقرأ كتباً عن تحرير المرأة المسلمة لا بتعاليم ومفاهيم الإسلام

الواسعة المرنة والإنسانية ، بل من خلال أطر الفمنزم المرجعية لتصبح المرأة

المسلمة مجرد نسخة من امرأة الفمنزم المشاكسة العدوانية المحاربة لجنس الرجال ،

والتي قد تقبل من الإسلام ما تراه يكرس لها حقوقاً لكنها ترفض منه ما ترى أنه

واجبات تكبلها ، والمشكلة الأساسية وراء كل ذلك أن الفمنزم تحولت من أيدلوجية

غربية خاصة ذات سياق معين ومحدد إلى برنامج وخطة عمل تطبيقية يراد لها أن

تطبق على المسلمين لتحل محل دينهم ، كما يراد لها أن تطبق بشكل مطلق وعام .

________________________

 

 

قراءة في كتاب

الصحافة النسائية في الوطن العربي

تأليف : د . إسماعيل إبراهيم

عرض : د . مالك الأحمد

 

المرأة صانعة حضارة ، دورها على مر العصور يسجله التاريخ بحروف من

نور ، فهي أم الأنبياء والرسل ، ومربية الأجيال ، تدين لها البشرية بالفضل الكبير ،   عرف لها الإسلام هذه المكانة .. فكرمها القرآن الكريم ، وأنزلها منزلة رفيعة ...

كما شهدت عصور الإسلام الزاهرة نساء خالدات رائدات في سائر ميادين العلم

والمعرفة) .

هكذا بدأ الكاتب مقدمة كتابه الذي صدرت منه الطبعة الأولى عن الدار الدولية

للنشر والتوزيع (مصر) عام (1416ه) / (1996م) ، ويعتبر الكتاب أول دراسة

شاملة عن الصحافة النسائية في الوطن العربي ، حاصرةً للمجلات النسائية منذ بدء

ظهورها عام 1892م حتى نهاية 1994م .

وقد قسم المؤلف كتابه إلى بابين رئيسين : الأول بعنوان : مجلات المرأة

والأسرة في الوطن العربي - نشأتها وتطورها ، والباب الثاني : فن التحرير

الصحفي في مجلات المرأة والأسرة العربية ، ويتضح من هذا التقسيم : أن الكتاب

يتناول جانبين رئيسين : الأول - سرد تاريخي وحصر لأشهر المجلات النسائية

بدءاً من تاريخ نشوئها ، والجانب الثاني : تحليل صحفي فني .

وفي كلا البابين : صنف المؤلف المجلات تحت الدراسة حسب المناطق

الجغرافية ؛ ففي الفصل الأول تحدث عن مجلات المرأة والأسرة في وادي النيل :

(مصر والسودان) ، وفي الفصل الثاني تحدث عن المجلات في المشرق العربي :

(لبنان ، سوريا ، الأردن ، فلسطين ، العراق) ، وغطى في الفصل الثالث بلدان

المغرب العربي : (تونس ، ليبيا ، الجزائر ، المغرب ، موريتانيا) ، وفي الفصل

الأخير : تحدث عن صحافة الخليج والجزيرة العربية .

ما الجديد في الكتاب ؟

لا شك أن الكتاب دراسة موضوعية في بابه ، ولئن اقتصرت بعض الفصول

فيه على جوانب محددة في الصحافة الاجتماعية أو على بلد معين أو على فترة

زمنية معينة ، فإن الكتاب يغطي مساحة زمنية كبيرة ، ومساحة جغرافية واسعة ،

محللاً ودارساً لأغلب المطبوعات في هذا الجانب ، لقد غطى الباحث (مئة وثمانين)

مطبوعة منها (أربعون) ما تزال تصدر .

والكتاب تفرد بجمعه جانبين قلما يتاح للباحثين جمعهما في دراسة واحدة وهما :   السرد التاريخي والتحليلي لما صدر سابقاً ، والتحليل الصحفي الفني للمعاصرة

منها .

موجز تاريخي للصحافة النسائية :

تعتبر مجلة (الفتاة) التي أصدرتها اللبنانية (هند نوفل) عام 1892م في

الإسكندرية أول مجلة نسائية عربية في الوطن العربي ، ثم توالت المجلات النسائية

في مصر ، ثم تبعتها لبنان ، وكانت أول مجلة : (الحسناء) أصدرها جرجي نقولا

عام (1909م) ، ثم سوريا ، حيث أصدرت ماري عبده عام (1910م) مجلة

(العروس) ، ثم العراق ، حيث أصدرت يولينا صون مجلة (ليلى) عام 1923م ، ثم

صدرت مجلة (ليلى) في تونس عام 1936م ، ثم السودان حيث أصدرت (تاكوي

سركسيان) مجلة (بنت الوادي) عام 1946م ، ثم توالى صدور الصحافة النسائية

تباعاً في بقية البلدان العربية ، وتأخرت قليلاً في الخليج والجزيرة .

ملامح الصحافة النسائية حتى عام 1940م :

نظراً لأهمية مصر في تاريخ الصحافة النسائية وكثرة المجلات الصادرة فيها

في تلك الفترة ؛ فيمكن الإشارة إلى أهم الملحوظات على الصحافة النسائية من خلال

نظرة على الصحافة النسائية هناك :

- أغلب الصحافة النسائية الصادرة في تلك الفترة كانت تركز على : حقوق

المرأة ، خصوصاً التعليم والعمل ، ثم دعوى السفور ، وتحديد سن الزواج ، وتقييد

الطلاق ، وتعدد الزوجات .

- ظهرت بعض المجلات المتعاونة مع الاستعمار البريطاني مثل : (فتاة

النيل) ، وكذلك (العروسة) ؛ حيث كانت سجلاً لأخبار الراقصات والباحثين عن

المتعة المحرمة .

- صدر الكثير من المجلات النسائية : إما عن نساء أو جمعيات نسائية .

- كتب كثير من الرجال بأسماء نساء ؛ لتشجيع النساء على المشاركة .

- شارك النصارى ، وبعض اليهود بقوة في إصدار المجلات النسائية .

وكانت الفترة اللاحقة (فترة الحرب وما تلاها) فترة ركود إلى حد ما ، ثم

جاءت الثورة المصرية حيث تغيرت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ، ولعل أهم

الإصدارات في هذه الفترة مجلة (حواء) عام 1955م ، التي تمثل نقلة في نوعية

الخطاب الصحفي ، ورئيسة تحريرها الصحافية أمينة السعيد (وهي من دعاة تحرير

المرأة ! ، وقد استطاعت أداء دورها بشكل كامل في تدمير فكر المرأة بزعم

تحريرها) لمدة 26 سنة (1981) ، ومن المعلوم أن حواء صدرت عن دار الهلال

المعروفة سابقاً بمواقفها تجاه الإسلام وقضاياه ، ومن أخبث المجلات النسائية التي

صدرت لاحقاً ، واستطاعت الانتشار الواسع في مصر خصوصاً ، وبقية البلدان   العربية : مجلة (نصف الدنيا) ، التي تميزت بالفنون الصحفية الحديثة والورق   والطباعة الفاخرة .

المجلات النسائية في لبنان :

تعتبر لبنان من البلدان العربية الرائدة في العمل الصحفي عموماً ، ومنه

الصحافة النسائية ، وتتميز صحافتها في مرحلتها الأولى بالتردد بين الدعوة للتفرنج

والمحافظة على العادات ، وغلب على صاحباتها أنهن خريجات إرساليات نصرانية

أجنبية .

أما في المرحلة المتوسطة (1943م - 1975م) ، فقد تطورت وتنوعت

الصحافة النسائية ، وأصبحت حرفة الصحافة بارزة فيها ، ودخل عامل الربح ،

وارتفعت الأصوات بالحديث عن القضايا الجنسية والحرص على الأزياء والموضة .

ومن أشهر المجلات المعاصرة مجلة (فيروز) ، (زينة) ، (جمالك) ، (نور) ، ... وغيرها ، وغلب على المجلات المعاصرة : الجانب التجاري المتمثل في كثرة

الإعلانات التجارية ومحاولة كسب رضا القارئ أو على الأصح (دغدغة مشاعره) ،

فضلاً عن حرصها على كسب رضا الحكومات لتحسين التوزيع بغض النظر عن

المحتوى ومستواه الثقافي ، وظهرت مجلات هي عبارة عن ترجمة لمجلات أجنبية

بمحتواها الثقافي الأجنبي (جمالك) و (نور) وغلب موضوع الفنانات والأزياء

والجمال على موضوعاتها .

وفيما عدا مصر ولبنان فإن المجلات النسائية العربية تميزت بقلتها وعدم

انتظام صدورها وإقليميتها .

كذلك تميزت بعض الصحف التي تصدر في البلدان العربية الثورية (سوريا ،

العراق ، تونس ، ليبيا ، الجزائر) في فترات الثورات بأنها أشبه ما تكون بنشرات

حزبية ، تعكس وجهة نظر الحكومة تجاه القضايا الاجتماعية ، وتربط المرأة على

وجه الخصوص بتوجهات الحزب الحاكم التي هي غالباً ثورية يسارية .

مجلات المرأة والأسرة في الخليج والجزيرة :

رغم تأخر صدور المجلات النسائية في الخليج إلا أنها تميزت بالقوة (في

الجانب التحريري الصحفي) ، وكذلك بالتميز في الطباعة والورق الفاخر ، ولعل

(أسرتي) أقدم مجلة نسائية في الخليج حيث صدرت عام 1965م .

وفي الإمارات : صدرت (زهرة الخليج) عام 1979م ، وفي عُمان : (الأسرة)

عام 1974م ، وفي قطر : صدرت (الجوهرة) 1979م ، أما في السعودية فقد

صدرت مجلة (الضياء) عام 1977 ، عن جمعية النهضة النسائية بالرياض ، وهي

محدودة الانتشار وغير منتظمة في الصدور ، لكن انتشرت في السعودية المجلات

المهاجرة ، وهي مجلات أصحابها سعوديون سواء أكانوا أفراداً أو شركات ، وأشهر

هذه المجلات (الشرقية) التي صدرت في بيروت 1974م وكانت (ترويسة) المجلة :     (مجلة نسائية سعودية)  وهي لا تمت حقيقة للمجتمع السعودي بصلة .

ونافست (الشرقية) في سنواتها الأولى المجلات العربية الأخرى ، لكنها تدنت

في الانتشار فيما بعد ، ثم صدرت مجلة (سيدتي) عن الشركة السعودية للأبحاث

والتسويق من لندن عام 1981 ، ثم صدرت (عالم حواء) عام 1991م ، ثم توالت

المجلات من قبرص ولندن وبيروت .

مجلات المرأة والأسرة ذات الطابع الإسلامي :

أشار الباحث إلى بعض المجلات النسائية ذات الطابع الإسلامي وذكر منها :

1 - مجلة (أسماء) : صدرت عام 1987م عن الاتحاد الثقافي في فرنسا ،

لكنها تطبع في بيروت وتوزع في الدول العربية ، ولقد توقفت عام 1989م بعد

صدور أربعة أعداد فقط ، وتميزت أعدادها القليلة بالطباعة الجيدة ، والورق الفاخر ،   والتنوع في موضوعاتها ، والسمت الإسلامي البارز فيها .

2 - مجلة (هاجر) : صدرت في مصر عام 1990م ملحقاً شهريًّا لمجلة

(المختار الإسلامي) ، وتميزت المجلة بطرحها الإسلامي الجيد ومعالجاتها

الموضوعية لقضايا المرأة ، خصوصاً في مصر ، لكنها كانت ضعيفة في الجانب

الفني والإخراج والطباعة ، وتوقفت عن الصدور بعد فترة قصيرة من صدورها .

3 - مجلة (عفاف) : وهي مجلة نسائية اجتماعية متخصصة صدرت في

بيروت عام 1985 ، ورغم إمكانات المجلة التحريرية والإخراجية المتواضعة إلا

أنها أدت دوراً جيداً في العمل على إيجاد حلول إسلامية للمشكلات الاجتماعية

والحياتية للأسرة من منظور إسلامي .

ورغم حرص المؤلف فيما يظهر على الاستقصاء ، فإنه غفل عن مجلات

أسرية مهمة صدرت في الفترة نفسها التي غطاها المؤلف ، وهي كالتالي :

1 - (الشقائق) : وهي مجلة نسائية إسلامية ، تصدر عن جمعية النجاة

الاجتماعية في بيروت ابتداء من عام 1992م ، والمجلة إسلامية الطابع ، وتعالج

قضايا الأسرة من منطلق إسلامي ، وتفتقد المجلة إلى الفنون الصحفية المعاصرة ،

وتصدر شهريًّا بلون واحد وورق عادي ، وتعاني من قلة الإمكانات المادية وضعف

الانتشار .

2 - مجلة (الأسرة) [*]  وتصدر عن مؤسسة الوقف الإسلامي في هولندا .

صدر العدد الأول منها في محرم 1413هـ 1993م ، واستمرت في الصدور

شهرياً ، وتميزت المجلة منذ بدء صدورها : بالاعتدال ، والتنوع ، والبعد عن

الإقليمية ، واستقطاب عدد كبير من الكتاب المتميزين ، والإخراج الفني الراقي .

ولقد صدر أخيراً بعد صدور الكتاب مطبوعة نسائية جديدة ، وهي مجلة

(الشقائق) ، وترأس تحريرها د . سارة بنت عبد الرحمن من ، وهي مجلة إسلامية

خاصة بالمرأة صدر منها أربعة أعداد ، وتتميز بالطباعة الجيدة والإخراج والورق

الفاخر ، وتتخصص في قضايا المرأة من منطلق إسلامي ، وهي جيدة في بابها .

ملحوظات عامة على الكتاب :

- رغم الجهد الكبير الذي بذله الكاتب إلا أن الكتاب شابه بعض أوجه القصور ،       لعل أهمها :

- غياب الاستقصاء الكامل للمطبوعات النسائية والاجتماعية خصوصاً

المعاصرة منها ، ويظهر أن المؤلف لم يكلف نفسه عناء الذهاب إلى الأسواق ، لتفقد

كافة المجلات النسائية المتاحة ، وإن كان هناك استقصاء فيما صدر قديماً ، فإنه من

غير المقبول إغفال مجلات موجودة في الأسواق .

- الباب الثاني من الكتاب وهو تحليل الفنون الصحفية لبعض المجلات

المعاصرة غير مناسب ، وهو موجه أساساً للمتخصصين من رجال الإعلام ، ويغلب

عليه الجانب الأكاديمي البحت ، بينما الكتاب في الأصل لجميع القراء .

- الرصد التاريخي قاصر ، فنجد تحليلاً جيداً للفترات الأولى من ظهور

الصحافة النسائية ، خصوصاً في مصر ، لكنه مُفتَقَد في الفترات اللاحقة وخصوصاً

المعاصرة وكذلك غياب التحليل عن المطبوعات الصادرة في بعض البلدان العربية

الأخرى .

- التحليل الموضوعي للمجلات قاصر ؛ فهو يعتمد في كثير من الأحيان على

النقل عن مصادر أخرى ، وجهد المؤلف في هذا المجال محدود .

- التحليل المنهجي لمحتويات المجلات النسائية لا يعتمد النهج الإسلامي في

القبول والرد والاعتراض والنقد ، لكن يغلب عليه السطحية والبعد عن التأصيل

الإسلامي لواقع هذه المجلات ومدى قربها أو بعدها عن حقيقة الإسلام الصحيح .

- غاب عن المؤلف ذكر دور النصارى واليهود في الصحافة العربية عموماً

والنسائية خصوصاً ، سواء في فترة نشوئها أو تطورها لاحقاً ، وكذلك دور

الإرساليات الأجنبية في توجيه القائمين عليها .

- لم ينتقد الكاتب الحكومات الثورية اليسارية ودورها في وأد المجلات

النسائية ، وذلك بتوجيهها لخدمة أغراض الحزب الحاكم ، بعيداً عن حاجات

المجتمع والأسرة على وجه الخصوص .

- لم يبرز المؤلف دور المجلات النسائية الإسلامية ، وإنما اكتفى بذكرها

حفاظاً على الجانب الموضوعي في البحث ، ونقل فقرات من بعض افتتاحياتها .

وأخيراً : فإن الكتاب أنسب ما يكون للباحثين والمتابعين والإعلاميين ، وهو

مصدر غني بالمعلومات في هذا المجال ، وقد قدمت دراسات عديدة في هذا المجال ،   لكن أغلبها أكاديمي الطابع وأغلبها لم ينشر ، ومنها رسالة الدكتوراة الخاصة

بالباحث (أسامة مشعل) حول المجلات النسائية ، وقد ركز في بحثه على عينات

منها ، وقدم حولها دراسة تحليلة كاملة من منطلق إسلامي ، ونال الباحث على

رسالته التي أشرف عليها د . عبد القادر طاش الدكتوراة من قسم الإعلام جامعة

الإمام محمد بن سعود عام 1416هـ .

________________________

(*) مجلة الأسرة ، يرأس تحريرها د مالك الأحمد ، ورغم قصر عمر هذه المجلة إلا أنها وجدت قبولاً لدى كثير من القراء .

 

 

 

 

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

أساليب تغريب المرأة وآثارها

محمود كرم سليمان

 

الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على رسوله . وبعد :

فإن فساد المرأة فساد للأسرة كلها وللمجتمع بأسره لما له من أثر عميق على

الناشئة والشباب ، ولعل أبرز ما نراه اليوم هو هذا التخطيط المرسوم بدقة والذي

أخذ طريقه إلى المدارس والجامعات فأدى إلى تغريب المرأة وعلمنتها وابتعادها عن

دينها .

كما أصبح الإعلام الحديث بجميع ألوانه سلاحاً يفتك بالمرأة ويغريها على

الفساد خاصة أنه قد بلغ من الإبداع والتأثير قدراً كبيراً جعل من المستحيل مقاومة

إغرائه ، وقد اعتمد هذا الإعلام في معظم برامجه ومصنفاته الفنية والإعلانية

اعتماداً محورياً على مظهر المرأة ومفاتنها سواء أكان في التلفاز أو الإذاعة أو

الصحف والمجلات أو الإنترنت مؤخراً .

ولا شك أن الانحراف الخطير الذي تردت فيه المرأة قد أصبح ظاهرة واضحة

في المجتمع تشهد عليه تلك الآثار المستشرية في كافة مناحي الحياة الاجتماعية

والثقافية والاقتصادية والسياسية ، فضلاً عن خروجه عن مبادئ الدين الصحيح

وتعاليمه الأخلاقية والإيمانية .

ولا يخفى على الناظر البصير أن هذه الظاهرة في معظمها هي ثمرة

لمخططات الاستعماريين والعلمانيين التي وضعت بهدف إفساد المجتمع وتفريغه من

المقومات المستمدة من دينه القويم وتراثه الخالد ، وبذلك فَقَدَ قدرته على التماسك أمام

ضربات الاستعمار الغربي وأصبح لقمة سائغة له .

وقد توسلت هذه المخططات بعديد من الشعارات الزائفة البراقة التي تتخفى

تحت مبدأ مساواة المرأة بالرجل وتحرير المرأة من قيود الدين والعرف .

وإمعاناً في إتمام هذه الخطة الخبيثة تم وضع عملاء من أمثال (مرقص فهمي)

الذي أصدر كتاب ( المرأة في الشرق ) ، ونادى فيه المرأة إلى رفع الحجاب

والاختلاط بمحافل الرجال ، وهاجم فيه أحكام الشريعة الإسلامية التي تحرِّم زواج

المسلمة بغير المسلم ودعا إلى التمرد على هذه الأحكام .

وفي عام 1911م تأسس في مصر  ( حزب بنت النيل  ) الذي طالب بتحرير

المرأة من الحجاب وتقييد الطلاق وكان من قياداته القديمة درية شفيق ، وأمينة

السعيد وغيرهما .

وفي عام 1913م دعيت هدى شعراوي لحضور مؤتمر الاتحاد النسائي

الدولي بروما ، وكان من توصياته : العمل على تعديل قوانين الطلاق لوقفه ، ومنع

تعدد الزوجات ، وتقرير حرية المرأة في السفور والاختلاط .

وأصدر قاسم أمين كتابه : (المرأة الجديدة ) الذي نادى فيه بالاتجاه الأعمى

إلى تقليد الغرب فكرياً واجتماعياً ، وعلى دربه سار سعيد عقل ولويس عوض

ولطفي السيد ونجيب محفوظ ، وعديد من أعضاء المحفل الماسوني ، ومن الشعراء

صادق الزهاوي ، ونزار قباني وغيرهم .

ومما زاد الطين بلة قيام زعيم وطني بتمزيق النقاب من فوق وجه فتاة مسلمة

في أكبر ميدان في مصر ، كما أمر زوجته بحرق الحجاب أمام الجمهور .

ومن فضل الله تعالى أن قيَّض للأمة الإسلامية في هذا الوقت علماء مجاهدين

وقفوا بكل قواهم لصد هذه المخططات ولتفنيد هذه الدعوات المشبوهة مما كان له

أثره في التخفيف من مساوئها .

الآثار التي ترتبت على إفساد المرأة :

أولاً : مؤشرات عامة تظهر عمق ما أصيبت به المرأة والمجتمع :

1- البعد عن الدين : وذلك بعدم معرفتها لعقيدته السمحة وفروضه وسنته

وشريعته العادلة وأخلاقه الرشيدة ، وكذلك عدم الالتزام بأداء العبادات من صلاة

وصيام وزكاة وحج وعمرة وذكر وتلاوة وحفظ للقرآن الكريم واستغفار وحمد لله

تعالى ودعاء وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .

وقد تمرد بعضهن على تعاليم الدين وتنكرن لعقائده وعباداته وأحكامه مخالفات

لقول الله تعالى : ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا

الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ [البينة : 5] .

2- اتباع الشيطان وهوى النفس : وبذلك تمرغت في أوحال الفسوق

والانحلال ، وسارت خلف نوازع النفس الأمارة بالسوء ، وانطبق عليها قول الله

تعالى : ومَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ [القصص : 50] ،

وأنكرت قوله تعالى : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلاً

مَّعْروفاً (32) وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب :

32 ، 33] وقد ورد عديد من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا

الصنف من النساء نذكر منها :

عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : ( إياكم وخضراءَ الدمن ! قالوا : وما

خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء  ) [1]  .

روى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيما امرأة استعطرت

فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية  ) [2]  .

وروى كذلك :  ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال

بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال  ) [3]  .

3- التنكر للآداب الدينية : مثل الحجاب وغض البصر وعدم الاختلاط

بالرجال إلا بضوابطها الشرعية ؛ فهي لا تقيم وزناً لتعاليم الدين التي تنهى المرأة

عن الخروج كاشفة لملابسها الفاضحة ، أو متزينة بالجواهر والحلي البراقة ، أو

متعطرة ، أو متحلية بالأصباغ في وجهها خارج بيتها حتى لا تفتن الرجال ، وقد

روى أبو هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار : أحدهما

نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا

يجدن ريحها  ) [4]  .

4 - تضييع الوقت فيما يضر : فالوقت هو الحياة ؛ وهذا الصنف من النساء

يقتلن وقتهن في السهر في الملاهي التي تغضب الله تعالى كمشاهدة الأفلام الخليعة ،

وفي قراءة الكتب والصحف والروايات التي لا تراعي الآداب والأخلاق القويمة فيما

تنشر ، وفي مجالس الغيبة والنميمة والتآمر على الفضيلة وإفساد ذات البين ، وغير

ذلك من الآثام .

5 - مصاحبة أقران السوء : فالصحبة الفاسدة لها أثر كبير في نشر الفساد ؛

فهي كعدوى الأمراض ينتشر خطرها بالاختلاط خاصة بين النساء والرجال كما

سبق ذكره .

6 - انشغال المرأة بالعمل والاشتراك في النشاط الاجتماعي والاقتصادي

والسياسي على حساب بيتها وأبنائها ؛ والإسلام أباح للمرأة أن تعمل إذا الجأتها

الضرورات الاجتماعية إلى العمل لا أن يكون هذا نظاماً عاماً ، وعليها حينئذ أن

تراعي الشروط التي وضعها الإسلام لإبعاد فتنة المرأة عن الرجل وفتنة الرجل عن

المرأة .

وقد أثبتت التجربة الغربية الآثار السلبية لعمل المرأة ، ونذكر منها :

في الولايات المتحدة دخل المستشفى أكثر من 5600 طفل في عام واحد

متأثرين بضرب أمهاتهم العاملات لهم ، ومنهم نسبة كبيرة أصيبوا بعاهات .

في مؤتمر للأطباء عقد في ألمانيا قال الدكتور كلين رئيس أطباء مستشفى

النساء : إن الإحصاءات تبين أن من كل ثمانية نساء عاملات تعاني واحدة منهن

مرضاً في القلب وفي الجهاز الدموي ، ويرجع ذلك في اعتقاده إلى الإرهاق غير

الطبيعي الذي تعاني منه المرأة العاملة كما تبين أن الأمراض النسائية التي تتسبب

في موت الجنين أو الولادة قبل الأوان قد تعود إلى الوقوف لمدة طويلة أو الجلوس

المنحني أمام منضدة العمل أو حمل الأشياء الثقيلة ، بالإضافة إلى تضخم البطن

والرجلين وأمراض التشوه  ) .

توصلت نتائج دراسات أذاعتها وكالات أنباء غربية في 17/7/1991م إلى

أنه خلال العامين السابقين هجرت مئات من النساء العاملات في ولاية واشنطن

أعمالهن وعدن للبيت .

نشرت مؤسسة الأم التي تأسست عام 1938 م في الولايات المتحدة الأمريكية

أن أكثر من 15 ألف امرأة انضممن إلى المؤسسة لرعايتهن بعد أن تركن العمل

باختيارهن .

في استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق عام 1990م ، في فرنسا أجري

على 2.5 مليون فتاة في مجلة ماري كير كانت هناك نسبة 90% منهن ترغبن     العودة إلى البيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل ولعدم استطاعتهن رؤية   أزواجهن وأطفالهن إلا عند تناول طعام العشاء .

وفي الولايات المتحدة 40% من النساء العاملات ، وفي السويد 60 %

منهن ، وفي ألمانيا 30% ، وفي الاتحاد السوفييتي (سابقاً) 28 % يعانين من     التوتر والقلق وأن نسبة 76% من المهدئات تصرف للنساء العاملات .

أما في الاتحاد السوفييتي فقد ذكر الرئيس السابق ( جورباتشوف ) في كتابه

عن البروستريكا أن المرأة بعد أن اشتغلت في مجالات الإنتاج والخدمات والبناء

وشاركت في النشاط الإبداعي لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية من أعمال

المنزل وتربية الأطفال .

وأضاف قوله :  ( لقد اكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا في سلوك الأطفال والشباب

وفي معنوياتنا وثقافتنا وإنتاجنا تعود جميعاً إلى تدهور العلاقات الأسرية ، وهذه

نتيجة طبيعية لرغبتنا الملحة والمسوَّغة سياسياً بضرورة مساواة المرأة بالرجل  ) .

وفي دول الخليج ظهرت مشكلة من لون آخر فقد زاد عدد المربيات

الأجنبيات بسبب عدم تفرغ الأم لرعاية أطفالها ، ولو وضعنا في الاعتبار أن نسبة

كبيرة من هؤلاء المربيات غير مسلمات ، وأن معظمهن يمارسن عباداتهن الخاصة

أمام أطفال المسلمين ، وأسوأ من ذلك أنهن يزاولن علاقات جنسية مع أصدقاء في

منازل مخدوميهن بالإضافة إلى احتسائهن للخمر وتدخين السجائر بمصاحبة الأطفال                ومن ذلك ندرك حجم الخطر الذي يهدد الأسرة المسلمة بسبب تحرر المرأة من

تعاليم دينها وإهمالها لواجباتها نحو أولادها وبيتها .

ثانياً : مشكلات أصابت الأبناء من الجنسين :

وهذه مشكلات تشاهد في الجيل الجديد منذ الطفولة حتى من الشباب وتشمل

مشكلات تربوية ومشكلات تعليمية وثقافية .

فالمرأة الصالحة ذات الدين إذا كانت زوجة ولها أبناء تؤدي واجبها في تربية

الأبناء ورعايتهم بما توفره للأسرة من سعادة ، فينشأ الأبناء في رعايتها نشأة سليمة

بدنياً ونفسياً وثقافياً بحيث يلتزمون بالعقيدة الصحيحة ويمارسون العبادة لله الخالق

العظيم على أكمل وجه ، ويتمسكون بالأخلاق الحميدة والسلوك السوي والصراط

المستقيم والبر والتقوى .

أما النساء المنحرفات فهن محضن لكل فساد ، وقدوة سيئة لأبنائهن في كل

نواحي الحياة وفي كل أعمارهم منذ طفولتهم ؛ فهم لا يكتسبون منهن إلا القيم الفاسدة

والعادات السيئة والصفات الذميمة ، وهن يتركنهم بدون الرقابة الواجبة ولا التوجيه

الرشيد ؛ حيث تربيهم الخادمات الجاهلات أو المربيات الأجنبيات فيغرسن فيهم

أسوأ الخصال وأرذل القيم ؛ ولذلك آثار لا تمحى في أعماق نفوس الأبناء تلازمهم

في مستقبل حياتهم مما يكون له نتائج لا شعورية في كل سلوكهم ، وقد يؤدي إلى

إخفاقهم في الدراسة والعمل بل في تكيفهم مع المجتمع .

أما دور الأم في تعليم أولادها وبناتها خاصة قبل سن التعليم فهو في غاية

الأهمية ؛ فإن الطفل يخرج إلى الحياة مجرداً عن العلم بأي شيء ؛ تأمل قول الله

تعالى : واللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ

والأَبْصَارَ والأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل : 78] ، والأم هي التي تقوم بتعليم

أطفالها استخدام هذه الأجهزة الربانية في الحركة والكلام والأكل والإمساك بالأشياء

واللعب ، كما يتعلمون من الأم والأب وغيرهم من المصاحبين لهم اللغة ، ويعرفون

بالسماع أسماءهم التي ينادون بها ، ثم يلي ذلك تعلم القراءة والكتابة البسيطة والنطق

الصحيح للألفاظ ويحفظون اسم الله تعالى ومبادئ الدين .

وهذا الدور الهام لا يمكن أن تؤديه الأم المنشغلة عن أولادها التي تقضي وقتها

خارج بيتها ، كما لا تصلح له الأم الجاهلة بأمور دينها ودنياها وبواجباتها نحو

أطفالها .

وعندما يجتاز الأطفال هذه المرحلة يكون دور الأم في تحصيل أبنائها العلمي

مساعداً لدور المدرسة ؛ فهي تعاونهم على أداء واجباتهم الدراسية في المنزل كما

تهيئ لهم الأجواء المناسبة في البيت للشعور بالراحة والأمان والحنان والحب مما

يكسبهم الثقة في النفس والتفاؤل والثقة في المستقبل ، كما تتولى الأم الإجابة على

تساؤلات أبنائها في هذه المرحلة التي يكونون فيها دائمي السؤال عن كل ما يخطر

على بالهم ؛ ويتوقف على مدى صواب إجابات الأم امتلاء عقولهم وقلوبهم بحقائق

الحياة وتعرفهم على الفرق بين الحق والباطل والخير والشر والخطأ والصواب .

وأهمية دور الأم في هذه المرحلة في تعليم أبنائها دينهم ومراقبة ممارستهم

للعبادات والتزامهم بالسلوك والأخلاق التي يحض عليها الإسلام وتعريفهم تعاليم

الدين المتعلقة بالمجتمع وآدابه في كل شيء ؛ وذلك استكمالاً لمقررات الدين في

المدرسة ومراقبة تطبيقهم لهذه المعارف والآداب . وهناك أمور تحتاجها الفتاة من

الأم تختص بها دون الولد تعتمد على علم الأم بها واهتمامها بها بتبليغ بناتها بها في

الوقت المناسب وتدريبهن عليها ، نذكر منها ما تحتاجه البنت من معلومات عند

البلوغ وواجباتها الخاصة في تدبير المنزل وخدمة الأسرة لتعرف حقوق الزوج

والأبناء والبيت عندما تتزوج .

وهذه الواجبات السابق ذكرها لا يمكن أن تؤديها الأم الفاسدة ، أضف إلى ذلك

أن فساد عقيدة الأم يؤدي إلى دفع أولادها نحو الالتحاق بالمدارس الأجنبية ومن ثَمَّ

بالثقافة الغربية مما يكون له أثر بالغ في نشأة شخصيتهم غريبة عن مجتمعهم

ودينهم .

ثالثاً : مشكلات أصابت الرجال من أزواج وأقارب كما أصابت المجتمع كله :

1- تأثيرها على الزوج :

حيث قد يدفعه فسادها إلى ارتكاب المعاصي وإلى طريق الشيطان والبعد عن

الصراط المستقيم ، كما أن عدم التزامها بالحجاب وتبرجها أمام الرجال يثير سخط

زوجها وغيرته عليها مما يكون له أثره في ارتكاب الزوج لردود أفعال لجنون

الغيرة غير محمودة العواقب .

والمرأة التي لا تحترم الحياة الزوجية تضر بالأسرة وتهدد بتحطيمها بالطلاق

أو بإهمال الرجل لبيته أو بالاتجاه إلى زوجة أخرى ، أو الهروب إلى المقاهي ودور

اللهو ؛ وكثيراً ما تكون سبباً في إدمانه للتدخين والمخدرات والمسكرات .

ومشكلة الطلاق في الغرب تعبر عن هذه الظاهرة في بلاد تعيب على الإسلام

إباحته للطلاق ؛ فقد بلغت نسبة الطلاق إلى عدد الزيجات في السويد 60% ، وفي

الولايات المتحدة الأمريكية 40% ، وفي ألمانيا 30% ، وفي الاتحاد

السوفييتي 28 % ، وفي فنلندا 14% . ونذكر هذه الدراسة التي نشرتها مجلة شتيرن   من ألمانيا أن ثلثي الراغبات في الطلاق في فرنسا يمارسن عملاً خارج البيت

وأن 22% من حالات الطلاق في ألمانيا نتيجة الخيانة الزوجية ، و10% منها        لأسباب جنسية ، و 10% منها بسبب الإدمان .

أما في العالم العربي فقد وصلت مشكلة الطلاق إلى حجم غير مألوف مما

يحتاج إلى دراسة مستقلة .

ومن المشكلات الاجتماعية عزوف المرأة عن الإنجاب ؛ حيث لا ترغب في

تحمل متاعب الحمل والوضع ؛ وقد يدفعها ذلك إلى الإجهاض ، وقد تقصر المرأة

العاصية في تلبية حاجات زوجها الجنسية مما يؤدي به إلى الزنا أو الشذوذ .

وقد يؤثر ذلك على صحة الزوج بدنياً ونفسياً ، ويجعله عرضة للأمراض

الجنسية والنفسية وغيرها .

قد تدفع المرأة إلى انحراف زوجها مالياً لكي يحقق الثراء والكسب الحرام

تلبية لمطالبها من الملابس الفاخرة والمجوهرات والسهرات الماجنة والحفلات

الصاخبة .

2 - تأثيرها على الرجال من الأقارب والآخرين :

المرأة التي لا تلتزم بتعاليم دينها في الحجاب وعدم الاختلاط بالرجال لها

خطر عظيم على مجتمع الرجال ، لذلك فقد حرص الإسلام على أن يباعد بين

الجنسين إلا بالزواج لما يتبع هذا الاختلاط والتبرج من ضياع للأعراض وخبث

للطوايا وفساد للنفوس وتهدم للبيوت وشقاء للأسر .

وقد لوحظ في المجتمعات المختلطة بين الجنسين طراوة في أخلاق الشباب

ولين في الرجولة إلى حد الخنوثة والرخاوة .

والمرأة التي تخالط الرجال تتفنن في إبداء زينتها ولا يرضيها إلا أن تثير في

نفوسهم الإعجاب بها ؛ ولذلك أثره في الإسراف في تكاليف التبرج والزينة المؤدي

إلى الخراب والفقر .

ويترتب على ذلك انتشار الفحشاء والزنا والأمراض المصاحبة لها في الدنيا ،

وفي الآخرة عذاب عظيم لمخالفة تعليم رب العالمين نذكرمنها قول الله تعالى : قُل

لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا

يَصْنَعُونَ (30) وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ

زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ولْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ

لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي

إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي

الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ولا يَضْرِبْنَ

بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وتُوبُوا إلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ

تُفْلِحُونَ [النور : 30 ، 31] .

وقوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ

عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب : 95] .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم عن ربه عز وجل :  ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافتي

أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه  ) [5]  .

وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال :  ( إياك والخلوة بالنساء ! والذي نفسي بيده ! ما خلا رجل بامرأة إلا دخل   الشيطان بينهما ، ولأن يزحم رجل خنزيراً ملطَّخاً بالطين خير له من أن يزحم   منكبيه منكب امرأة لا تحل له  ) [6]  .

أخرج النسائي : قول النبي صلى الله عليه وسلم :  ( أيما امرأة استعطرت

فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية  ) [7]  .

وإثم مخالفة تعاليم الله تعالى لا تقف على النساء فقط بل على المخالفين من

الرجال ؛ ولا يعذرون عند الحساب لا في الدنيا ولا في الآخرة بأنهم كانوا فريسة

لفساد النساء ولغواية الشيطان بعد أن حذرهم الله تعالى .

3 - تأثيرها على المجتمع كله :

هذه المشكلات التي تهز اليوم أركان الأسرة والمجتمع بشدة كمشكلة

الاغتصاب وخطف الفتيات والأطفال غير الشرعيين وأولاد الشوارع كلها من آثار

فساد المرأة . وقد ظهر حديثاً ظاهرة انتشار ما يسمى بالزواج العرفي الذي وضع

الأسرة أمام مشكلات جديدة تضع غطاءاً يخفي الفساد الاجتماعي الناتج عن انحراف

الفتيات ويؤثر على مستقبل الأجيال القادمة .

كما زادت نسبة جرائم الأحداث والتشرد والتسول والأطفال المعاقين وهي

نتيجة لتحطم الأسرة الفاسدة وانحراف الزوجين وإهمال الأبناء .

وأخيراً :

هناك مشكلات اقتصادية تؤثر على المجتمع ترتبت على انحراف المرأة

العاملة فضلاً عن انخفاض إنتاجيتها ؛ فإنها تؤثر على إنتاجية زوجها وأولادها

العاملين وتعوق تفوقهم في العمل وتفرغهم للإنتاج ؛ ولذلك أثره المدمر على

الاقتصاد الوطني .

وختاماً فإن الحمد والفضل لله تعالى الذي أنزل للإنسانية كتابه الكريم الذي فيه

شفاء لكل أمراضها وعلاج لكل مشكلاتها وهداية لها من الضلال . وقال عز وجل :

يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ ويَعْفُو

عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ

سُبُلَ السَّلامِ ويُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

[المائدة : 15 ، 16] ، كما تكفل عز وجل بحفظه إلى يوم الدين ؛ حيث قال : إنا

نحن نزّلنا الذَكر وإنا له لحافظون [الحجر : 9] .

وذلك يبعث الأمل في الإصلاح بالرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله

صلى الله عليه وسلم والتمسك بهما والعودة إلى المجتمع الإسلامي الفاضل .

ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإيمان ويوفقنا إلى طاعته ذكوراً وإناثاً وبذلك

يتحقق صلاح الأمة بأسرها في الدنيا وتنال رضوان الله تعالى في الآخرة .

________________________

(1) المسند لشهاب ، 2/69 ، وقال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير ، 2/ 971 (رواه الواقدي من رواية أبي سعيد الخدري وهو معدود من أفراده ، وقد علم ضعفه) .

(2) رواه النسائي ، ح/6305 .

(3) رواه ابن ماجة ، ح/ 4981 .

(4) رواه مسلم ، ح/ 1793 .

(5) المعجم الكبير للطبراني ، 51/371 ، والمستدرك للحاكم ، 4/943 ، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وأقره العراقي وضعفه المنذري كما في كشف الخفاء للعجلوني ، 2/734 .

(6) مسند أحمد ، 1/62 ، والتومذي ، 4/564 وصححه الحاكم في المستدرك ، 1/411 وابن حبان في صحيحه ، 01/634 .

(7) رواه الترمذي ، ح/ 0172 .

 

 

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

حركة تحرير المرأة بمصر وحصاد

مائة وثلاثين عاماً

محمود بن محمد المختار الشنقيطي

 

لم يكن عفواً ولا من قبيل المصادفة أن يبدأ أعداء الإسلام من صليبيين ويهود

وعلمانيين ومتفرنجين وعبّاد الشهوة والجنس أن يبدؤوا حربهم ضد المرأة بمصر ؛

ذلك أن أرض الكنانة هي قبة الإسلام ، وقلعته ومركز ثقله ، ولتبوُّؤ أزهرها

الصدارة والريادة العلمية والفكرية لأمة الإسلام منذ أن تسلمت مصر زعامة العالم

الإسلامي في القرن السادس الهجري على يد الفاتح صلاح الدين الأيوبي رحمه

الله .

فلا غرو إذاً أن يلمس الحاقدون على الإسلام حتى عهد الاستعمار نزوع

المصريين الفطري إلى التديُّن وتمسكهم بعرى الدين ؛ لا غرو من اعتبار هذه

الظاهرة مصدر قلق لهم جعلتهم يبدؤون بها ، حتى إذا ما انتصروا في معركتهم ضد

المرأة بمصر سهل بعدئذٍ سقوط حصونها وقلاعها في سائر بلاد المسلمين .

احفظوها ؛ إنَّ مصر إنْ تَضِعْ ضاع في الدنيا تراث المسلمين

وبين يديك أخي القارئ بعض نتائج حركة تحرير المرأة وحصادها [1]

بمصر باعتبارها أول حركة تحرير في العالم الإسلامي قامت على إثْر حركات

التحرير في الغرب ، وإنما وقع الاختيار على هذه الحركة لأسباب أهمها :

1- عامل السبق الزماني وطول الفترة الزمنية لفصول حركة التحرير

بمصر ؛ حيث استغرقت مائة وواحداً وثلاثين عاماً من حين عودة رفاعة   الطهطاوي من باريس عام 1831م وهو الذي بذر البذرة الأولى إلى صدور     الميثاق الوطني عام 1962 في عهد جمال عبد الناصر ، وقد احتوى هذا الميثاق   على أكبر ما يعدونه تتويجاً للمرأة ، ونص على أنه لا بد أن تتساوى بالرجل ، ولا بد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية في صنع الحياة [2]  .

2- اكتمال تجربة حركة التحرير بمصر ونضجها ؛ حيث كانت الوسائل فعّالة

والتركيز عنيفاً .

3- توافر أسباب التدوين وكثرة المراجع والمصادر التي تحدثت عن هذه

الحركة من النشأة إلى النهاية .

وفي هذا المقال أسلط الضوء على أهم ما حصدوه من المكاسب وما حققوه من

المطامع ، وفق الأهداف التي رسموها مقتصراً على تعدادها ، دون العناية بتحليلها

ونقدها من منظور شرعي ؛ فعندما يكون الخير صرفاً ، أو يكون الشر واضحاً لا

يكاد يختلف الناس في تحديد مواقفهم ، وأحسب أن القارئ الكريم لن يجد عناءاً في

التحليل والربط بين حصاد حركة تحرير المرأة بمصر الذي سنذكره إن شاء الله

وبين نتائج ما تبعها من الحركات وحذا حذوها في مختلف أصقاع عالمنا الإسلامي .

وما ألصقَ مقولةَ الفاروق عمر بما نحن فيه لمَّا كتب لأبي موسى الأشعري رضي

الله عنهما :  ( اعرف الأشباه والأمثال ، وقس الأمور )  .

هل حصاد الحركة نتائج متقدمة أم متأخرة في طريق إصلاح المرأة   المسلمة ؟

ليس ثمة شك في أن حركة تحرير المرأة بمصر قد نجحت نجاحاً باهراً في

ضوء الأهداف المتوخاة منها ، بل حققت هذه الدعوة المضللة أعظم ما كانت تهدف

إليه في مدة وجيزة ، وبسهولة غير متوقعة ؛ نظراً لسياسة تكسير الموجة ، واتباع

سياسة (بطيء ولكنه أكيد المفعول) وتفادي التصادم المباشر مع الإسلاميين الذين

يمثلون الغالبية العظمى في المجتمع المصري ، واستدراج بعض المشايخ المعمَّمين

والعلماء ليكونوا في بداية الزحف ... إلخ وسائلهم وخططهم [3]  .

وليس غريباً أن ننظر نحن الإسلاميين إلى هذه النتائج على أنها حقوق سُلِبَتْها

المرأة ، ووسائل شقاءٍ جُرّت إليها [4]  .

بينما يراها السفوريون التحرريون نتائج متقدمة في طريق الإصلاح ،

وتعزيزاً للدفاع عن حقوق المرأة ، بل إن اتساع امتياز النساء من أهم الأبعاد

الحضارية التي يمكن أن تقاس وتصنَّف المجتمعات والشعوب من خلاله ، كما ذكر

ذلك الكاتب الفرنسي روجيه جارودي في كتابه : ( تتم التطورات الاجتماعية

وتبدلات الزمن وفقاً لتقدم النساء نحو الحرية . إن اتساع امتيازات النساء يشكل

الأساس العام لجميع التطورات الاجتماعية )  [5]  .

ويمكن أن نلخص نتائج هذه الحركة في النقاط الآتية :

أولاً : إيجاد القابلية وتهيئة الجو أمام الغزو الثقافي الغربي . ونقصد بالغزو

الفكري والثقافي : (الاستلاب الحضاري ، وأشكال التفسخ الأخلاقي ، مع التهاون

بالواجبات والرقة في الدين ، فأوجدت جهود دعوة تحرير المرأة عبر منابرها

الإعلامية ووسائلها الفعالة التي طالت الريف المصري وهو يشكل معظم

مصر [6] ، أوجدت لدى الناس شروط الهزيمة والانكسار ، مع تغيب دور   الإسلام الفاعل وتجريد تيار دعاة الفضيلة والحجاب من الإمكانات فاخترق الفكر   الأجنبي والعدوّ الحاقد الصفوف ، ليفتك كيف شاء ، دون وجود مقاومة وحصانة قوية   تذكر ، وفعلت جهود أكثر من مائة عام فعلها في الناس  ( فالمسألة لم تكن قاصرة على   تحرير المرأة كما يتوهم المتوهمون ، وإنما كانت إرادة التغيير الجذري والشمولي   باقتلاع المجتمع من جذوره)  [7]  .

ثانياً : قبول المجتمع وإذعانه للتعليم المختلط ، وقد كان السَّبْقُ في ذلك على

يد مَن يسمُّونه : أستاذ الجيل ! ! (لطفي السيد) ، فهو أول من أدخل الطالبات في

قسم الطلاب سافرات الوجوه ولأول مرة في تاريخ الجامعة المصرية يسانده في ذلك

طه حسين وكامل مرسي ، وتحت الضغط الخارجي رضيت وزارة المعارف بالأمر

الواقع واعتبار هذا من حقوق الفتيات [8]  .

قالت التحررية درية شفيق [9]  :  ( في سنة 1932م ظهرت صورة للدكتور

طه حسين بك في نادي الجامعة وعلى يمينه ويساره الطلبة والطالبات جلوساً

يتساءلون ويتناولون الشاي ، وقامت القيامة لهذه الصورة البريئة التي تضرب المثل

للأبوة في وجود العميد والإخوة في جلسة الطلبة والطالبات ، واتُّخذت الصورة تكأةً

يتخلص بها الرجعيون من (طه حسين) و (لطفي السيد) ، ووقف الرجعيون في

مجلس النواب يحملون على الجامعة ورجالها وفكرة تعليم البنات فيها ، ويرون ذلك

فضيحة من الفضائح يجب أن تحول دونها الحكومة) [10]  [11]  .

ثالثاً : إخضاع الثوابت من الدين والمسلَّمات من الأحكام الشرعية لاجتهاد

العلماء وتناول الباحثين ومناقشة الجاهلين والمبطلين ، فاستغلها السفوريون

وميَّعوها ، ولبّسوا على العامة والدهماء وجه الحق فيها .

فالأمر الرباني بغضّ البصر عن العورات ، وهو أمر من الواجبات الشرعية

والعدالة والنزاهة ، هذا الأمر صوَّروه بأنه عدم ثقة في النفس ، ومن مخلّفات

القرون الوسطى المظلمة التي كانت تنظر إلى المرأة على أنها دون الرجل فتخفي

بصرها ! ! [12]  .

وقوامة الأب والزوج التي اشترطها الشرع لصحة بعض عقود المرأة

وتصرفاتها اعتبروها ممارسات تعكس اضطهاد المرأة وظلمها ، وتجسِّدُ ارتهانها

لأبيها وأخيها أو زوجها ، وهي ظاهرة استغلال الجهات الأقوى اقتصادياً لامتلاك

يمين المرأة ، وإخضاعها لعملية القهر التاريخية [13]  [14]  .

وقاعدة قرار المرأة في بيتها وأنها الأصل نوزعت ، وجُعِل الأصل هو العمل

دون شروط أو قيود أو ضوابط [15]  .

وسفرها دون محرم لبلاد الكفر ألبسوه لباس الابتعاث وطلب العلم والدراسة ،

وصار من المفاخر الاجتماعية وسمات الأسر المتحضرة والطبقات الراقية .

وإبداء الزينة للرجال الأجانب الذي هو كسابقه محرّم ومعصية صار عند دعاة

التحرر من تمام الرشاقة والجاذبية لفتى الأحلام وشريك المستقبل ! ! [16]  .

ووجوب نسبة الابن لأبيه وحرمة انتسابه لغيره لم تعد موافقة لروح التقدم

والفرنجة ، فغيَّرن أسماءهن وانتسبن لأزواجهن فصرن : هدى شعراوي بدلاً من

هدى بنت محمد سلطان باشا ، وصفية زغلول بدلاً من صفية محمد فهمي ... إلخ .

أما البيت فهو السجن ودكتاتورية الرجل ، وشل للمجتمع عن الحركة ، وأما

الحجاب فهو كفن من اختراع المتشددات المتطرفات وعادات القرون البدائية ، ثم

تأتي (سيزا نبراوي) سكرتيرة هدى شعراوي ، فتتزوج من الفنان مصطفى نجيب ،

بشرط نقل العصمة إليها ، وكتب لها المأذون بذلك في العقد ، ونُشِرَ للناس [17] .

رابعاً : تسخرُ بعض العلماء (المعممين أدعياء العلم) واستخدامهم لصالح

حركتهم الضالة ، واصطياد الأدلة لباطلهم ، وليُّ أعناق النصوص لإضفاء الصبغة

الشرعية والتأصيل الفقهي على أفكارهم .

فالشيخ محمد عبده الذي ثبت أنه كتب فصولاً من كتاب قاسم أمين ( تحرير

المرأة ) ، هو الذي خذل أهل الإسلام يوم أن قاموا بموجة عارمة من المعارضة ضد

القضايا التي أثارها كتاب قاسم أمين ، وطلبوا منه فتوى في الكتابين ( تحرير المرأة)

و ( المرأة الجديدة ) ، ولكن الأستاذ ظل ملازماً للصمت إزاء هذه القضية التي

كانت شغل الناس والعامة آنذاك فضلاً عن العلماء والخطباء والفقهاء والدعاة ، فكان

لامتناعه أعظم الأثر في تمرير أفكار قاسم أمين ، مما جعل بعض علماء عصره

يرميه بالاتهامات لتواطئه مع دعاة الإباحية والفجور ، وما أوضح مواقف أستاذه

جمال الدين الأفغاني الذي كان له أعظم الأثر والدور في إخراج الدين من المعركة

تحت دعوى أن الحجاب تقاليد قديمة ضد تقاليد حديثة عصرية تقدمية ! حتى قال :

( وعندي أنه لا مانع من السفور إذا لم يُتخذ مطيةً للفجور )  [18]  .

ومن مكاسبهم استخدامهم لشيخ الأزهر حسن العطار الذي شجع رفاعة وبارك

فكرته ، وكذلك كسبهم للشيخ علي عبد الرازق ، والشيخ سليم البشري شيخ الأزهر

الذي أيّد قانون الأحوال الشخصية الوضعي عام 1319هـ ، حتى إن رفاعة

الطهطاوي مفتي البعثة المصرية إلى فرنسا كان يقول :  ( إن مراقصة النساء للرجال

نظير المصارعة في موازنة الأعضاء ، وإنه نوع من الأناقة والفتوة لا

الفسق ) [19]  ! !

خامساً : الحصول على بعض القرارات الرسمية الوضعية التي أصدرتها

الحكومة المصرية وعممتها إرضاءاً للتحرريين ومنها :

1- تقييد عدد الطلاق ومنع وقوعه إلا بعد موافقة الحكومة .

2- منع تعدد الزوجات إلا في ظروف توافق عليها الحكومة .

3- تأخير سن زواج الفتاة إلى السادسة عشرة فما فوق .

4- المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث .

5- منح حق الطلاق للمرأة كالرجل .

6- إعطاء ما يسمونه الحق السياسي [20] للمرأة بدءاً بحق الانتخابات

ومروراً بعضوية المجالس البلدية والنيابية وكافة الأعمال والحرف كالرجل سواءاً

بسواء ، وانتهاءاً بحق التمثيل النيابي [21]  .

سادساً : حصول التحرريين على الاعتراف الدولي العالمي بالحركة ؛ فأول

امرأة مصرية تحررية تعترف بها الحكومة لتمثيلها في المؤتمرات الدولية هي مَلَك

حفْني ناصف في حكومة رياض باشا عام 1911م .

ثم مثلت هدى شعراوي ، ونبوية موسى ، وسيزا نبراوي المرأة المصرية في

مؤتمر روما الدولي للمرأة عام 1932م والتقت سيزا نبراوي بالزعيم الهندي غاندي

عام 1931م في مصر [22]  .

والتقت هدى شعراوي على هامش مؤتمر روما بالقائد الاستعماري موسوليني

ثلاث مرات وتبادلا العواطف والمشاعر الحارة ، وكان مما صرح لها به قوله :

(إنني أراقب باهتمام حركات التحرير بمصر )  [23]  .

وفي عام 1935م التقت هدى شعراوي أيضاً بالزعيم الروحي للتحرريين

أتاتورك ، كما استضافت الحركة الدكتورة (ريد) رئيسة الاتحاد النسائي العالمي التي

مهدت للمؤتمر العربي الدولي للمرأة عام 1944م ، وأقيم على شرفها وسط

استنكارات الشعوب العربية واحتجاج العلماء ، وأرسلت زوجة الرئيس الأمريكي

روزفلت رسالة تبارك فيها المؤتمر [24]  .

سابعاً : حصول بعض أعضاء الحركة على مناصب حسّاسة في المجتمع

المصري رغم مهاجمة المجتمع لهم .

فقاسم أمين ترقى في مناصب المحاكم حتى صار مستشاراً في محكمة

الاستئناف وظل بمنصبه حتى مات بالسكتة القلبية في ليلة 23 إبريل عام 1908م .

سعد زغلول 1273-1346هـ ظل بعد تخرجه من الأزهر في   المحاماة ، وبعد اتصاله بحزب تركيا الفتاة لمع نجمه في صالون الأميرة نازلي   فاضل ، واشتهر حتى تعرف على اللورد كرومر ، فأسند إليه نظارة وزارة     المعارف في الحكومة المصرية في ظل الاحتلال .

هدى شعراوي أصبحت وكيلة الاتحاد النسائي الدولي بجهود حركات التحرير

الأوروبية والمحافل الماسونية ومنظمات الصهيونية العالمية [25]  .

ومنذ نشأة الحركة وحتى اليوم ورئاسة الاتحاد النسائي المصري لا تخرج عن

تلميذات هذه الحركة [26]  والزعيمة الحالية للاتحاد هي د . نوال سعداوي من

أنشط المنظرات للتحلل والسفور .

ثامناً : صبغ القضية بالصبغة القومية لكسب جميع العرب من مختلف الأديان

والملل ، واستنفار طاقاتهم من الصليبيين الحاقدين أمثال : فهمي مرقص ، وجرجي

زيدان ، وسلامة موسى .

وبعدُ أخي القارئ فما أشبه الليلة بالبارحة ! ففي كل عصر ومصر تطل من

جديد حركة تحرير المرأة مكرِّرة فصولها ، وأدوارها ، مع تغيير للافتات والأسماء

والوسائل ، أما الأهداف والغايات والنتائج والمنطلقات فهي هي ، ومن هنا كان لا

بد أن نقصد البحر وندع السواقي ، ونعيد فتح ملف الحركة الأولى التي آتت أكلها

بعد مائة وثلاثين عاماً من العمل الدؤوب والتخطيط المدروس ... نعيد فتح ملفها

لنقرأه قراءة ناقدة باصرة تساعدنا في إبطال المؤامرة على المرأة المسلمة وحجابها ،

ووأد الفكرة في مهدها ، والذب عن الحدود والمحارم ، ونفي تحريف الغالين ،

وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين السفوريين واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ

النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف : 21] .

________________________

(1) عقد الأستاذ محمد قطب فصلاً بعنوان : (هل للمرأة قضية أصلاً ؟) في كتابه : ( قضية تحرير المرأة ) ، ص3 ، وانظر أبعاد الحركة النسوية للدكتور محمد يحيى ، في مجلة البيان عدد 83 ، ص 102 .

(2) المؤامرة على المرأة المسلمة تاريخ ووثائق ، للدكتور السيد أحمد فرج ، دار الوفاء مصر ، الطبعة الثانية ، 1407هـ ، ص 116 .

(3) عودة الحجاب ، ج 2 ، ص 160 ، وسبل العفة وخطورة الانحراف وأسبابه ، مريم خميس ، الطبعة الأولى ، دار الوفاء مصر ، 1416هـ ، ص 46 ، والمرأة وكيد الأعداء ، د عبد الله وكيل الشيخ ، دار الوطن ، السعودية ، الطبعة الأولى عام 1412هـ ، ص 17 .

(4) من المراجع وهي كثيرة والحمد لله التي حللت ونقدت هذه النتائج : - عودة الحجاب ، محمد أحمد إسماعيل - قضية تحرير المرأة ، للأستاذ محمد قطب - ماذا يريدون من المرأة ، عبد السلام بسيوني - المرأة وكيد الأعداء ، عبد الله بن وكيل الشيخ .

(5) في سبيل ارتقاء المرأة ، ص 41 .

(6) ذكرت (روز اليوسف) أم الكاتب إحسان عبد القدوس في مذكراتها خبر إرسالها من قِبَلِ المندوب البريطاني السامي للريف المصري واشترط في مدّها بمساعدات أن تعرض مسرحيتها في الريف من (قضية تحرير المرأة ، ص 84) .

(7) المؤامرة على المرأة المسلمة ، د السيد أحمد فرج ، ص 72 .

(8) عودة الحجاب ، ج 2 ، ص 75 .

(9) لمعرفة تزاحم رجال ونساء حركة التحرير ، راجع موسوعة الندوة العالمية الميسرة ، وحجاب المرأة بين انتحال المبطلين ، د محمد البرازي .

(10) المصدر السابق ، ص 187 .

(11) انظر حول فكرة توحيد المناهج بين الجنسين ، كتاب المرأة وكيد الأعداء ، ص 32 .

(12) قضة تحرير المرأة ، ص 77 .

(13) المرأة والحياة الاجتماعية ، تغاريد ييضون ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1405هـ ، ص 27 ، 40 .

(14) تقول أمينة السعيد : (القوامة لا مبرر لها ، لأنها مبنية على المزايا التي كان الرجل يتمتع بها في الماضي ، في مجال الثقافة والمال ، وما دامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرجل في كل المجالات فلا مبرر للقوامة) من عودة الحجاب ، ص 142 .

(15) حول عمل المرأة كتب إبراهيم النعمة بحثاً مفيداً في مجلة الحكمة ، عدد 8 شوال 1416هـ ، بعنوان (عمل المرأة بين الإسلام والغرب) .

(16) قضية تحرير المرأة ، محمد قطب ، ص 78 - 79 .

(17) سبل العفَّة ، ص 45 .

(18) دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام ، مصطفى فوزي آل غزال ، دار طيبة الرياض ، الطبعة الأولى ، 1403هـ ، ص 270 ، وحجاب المرأة المسلمة للبرازي ، ص450 ، وقد أسهب في مناقشة قضية اشتراك الشيخ محمد عبده في كتاب قاسم أمين .

(19) سبل العفة ، ص 42 ، عودة الحجاب ، ص 77 ، المؤامرة على المرأة المسلمة ، ص 52 .

(20) هذا المصطلح غربي له مقاصد تصادم شرع الله جملةً وتفصيلاً ، راجع كتاب ( المرأة والحقوق السياسية في الإسلام ) ، مجيد محمود أبو حجير ، مكتبة الرشد الرياض ، الطبعة الأولى 1417هـ ، فقد أجاد في كشف أبعاد حقيقة هذا المصطلح ومفاهيمه .

(21) المؤامرة على المرأة المسلمة ، ص 99 ، 107 ، احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام ، د سعد الدين السيد صالح ، دار الأرقم بمصر ، الطبعة الثالثة ، 1413هـ ، ص 239 ، 252 ، قضية تحرير المرأة ، ص 37 ، والمرأة والحياة الاجتماعية ، ص 130 .

(22) عودة الحجاب ، ص 112 ، 117 .

(23) المؤامرة على المرأة المسلمة ، ص 84 .

(24) الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار ، محمد فهمي عبد الوهاب ، دار الاعتصام ، مصر ، ص 23 ، 27 .

(25) مدى علاقة الحركة بالمحافل الماسونية ، انظر كتاب ( تحديات أمام المرأة المسلمة ) للأستاذ أحمد الحصين ، ص 272 ، 290 .

(26) عودة الحجاب ، ص 38 ، الطبعة الخامسة ، دار البخاري ، السعودية .

 

 

 

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

الإعلام وقضية المرأة

فاطمة بنت عبد الله البطاح

 

دأب الإعلام بوسائله المختلفة على تصوير المفاهيم الإسلامية الخاصة بالمرأة

تصويراً يحط من قدرها ، وينتقص من صلاحيتها ، ويشكك في قدرتها على

الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية ، ويحقر من شأنها حتى في نظر أبنائها

المنتسبين إليها .. فضلاً عن أعدائها ! !

وبداية فإن هذا الدأب المستمر يُفترض ألا يبدو أمراً مستغرباً في نظر المسلم

الذي يدرك ما تنطوي عليه صدور الأعداء من ضغائن وأحقاد يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا

نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ . [الصف : 8] .

كما يُفترض أمام هذه المحاولة أو الحملة الإعلامية المحمومة .. ألا يكون

موقع المسلم المعاصر منها هو موقع المشتكي المغلوب على أمره ! بل لا بد أن

ينتقل بنفسه ورغم تحديات الواقع الرديء إلى موقع المشخِّص للداء ، الباحث عن

رؤى عملية واقعية تواجه هذه الحملة وتتصدى لها .

ولأن تاريخ الإعلام في هذا المجال ممتد ومتشعب ولا يسعنا استعراضه كله

أو الإفاضة فيه ، فسنكتفي بالتذكير بأن الإعلام قد سلك مسالك كثيرة ومتنوعة تصب

كلها في النهاية في قالب واحد وهو أن المرأة المسلمة مهضومة الحقوق مهيضة

الجناح !

ليتظاهر الإعلام بكل قنواته بالدفاع عنها والبحث عن حقوقها .. وإثارة قضايا

مفتعلة كضرورة تحريرها من القيود ومساواتها بالرجال ! ! بالإضافة إلى إلقاء

شبهات حول أحكام إسلامية معينة تُزرع في حس المرأة لتراها عبئاً ثقيلاً تتمنى

الخلاص منه !

ففي تعليم المرأة وعملها :

اضطلع الإعلام بدوره في بناء مفهوم خاطئ عن قرار المرأة في بيتها ؛ إذ

جُعِلَ هذا القرار مُبعِداً لها عن دائرة القوى العاملة أو الكوادر المنتجة ! !

فالمرأة المتفرغة لشؤون بيتها والحدب على أطفالها رعايةً وتعليماً بكل ما

يمثله هذا الدور المنزلي من حضور ديناميكي فاعل ومؤثر .. لا يُعترف به

إعلامياً !

وهذا يضع اليد على إشكالية الأولويات التي يفترض أن تحدد :

ما هو دور المرأة الأهم ؟ وهل هناك مجال مقارنة للعائد الاجتماعي الذي

يحصده المجتمع من تأدية المرأة دوراً رئيساً في بيتها ، والعائد الاجتماعي من أدوار

أخرى ثانوية وهامشية تمارسها المرأة خارج بيتها : مضيفة طيران ، أو سكرتيرة ؟

وثمة إشكالية أخرى :

تتمثل هذه الإشكالية في النظرة السائدة لعمل المرأة على أنه يكون خارج

منزلها لا داخله !

وهذا الاعتقاد قد يكون منشؤه (تضخم النموذج الغربي) في العقلية العربية في

ظل تقليد الضعيف للقوي والتبعية المطلقة له .

ومثلما صوَّر الإعلام قرار المرأة في بيتها بأنه أداة تعطيل لطاقات المرأة

وعزل لها عن المجتمع والفعل الاجتماعي كله .. دعا أيضاً إلى ضرورة التعليم

المطلق للمرأة ومنحها فرص التعليم حتى في مجالات لا تتناسب مع طبيعتها

الأنثوية ! ومن ثَمَّ إيجاد سيل هائل من الخريجات اللاتي يطالبن بفرص عمل ! !

وأُظهرت هذه الدعوة من خلال الإعلام على أنها الحل الأمثل للقضاء على

الأمية النسوية التي تحرم المرأة من فرص الالتقاء بالسياق الاجتماعي الطبيعي

المناسب لها ، والذي لن تصل إليه إلا بما يمنحه لها (التعليم بكل ألوانه وتخصصاته

وفنونه) من كفاءة وثقة وأهلية لتكوين رأيها الذاتي المستقل عن الرجل وعن قيود

قوامته !

ولا يخفى أن روح الاستقلال قد حرص الإسلام على إنمائها في شخصية

المرأة دونما حاجة لإلغاء حكم القرار في بيتها أو دعوة المرأة للانسحاب من أدوارها

المنزلية الرئيسة ، ودونما حاجة أيضاً لتعليمها علوماً لا تتناسب مع طبيعتها

الأنثوية !

فالخطاب القرآني نادى المرأة على أنها كائن له حريته واستقلاله ؛ إذ منحها

مثلاً حرية الدخول في الإسلام دون اشتراط رضا ذويها !

بل وقَبِلَ النبيُّ بأمر من ربه مبايعة المرأة له على اعتبار أنها كائن مستقل

عن الرجل وليست ملحقاً له : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ

يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً ولا يَسْرِقْنَ ولا يَزْنِينَ ولا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ

بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ واسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ

غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة : 12] .

ولو تأملت في حقيقة مطالبة الإعلام بمنح المرأة فرص التعليم بأنواعه أو ما

يسمى بحركة التنوير فستجد أن النساء الرائدات اللاتي أبرزهنّ الإعلام ورفع راية

المطالبة بحقهنّ في التعليم .. يعانين من تخلُّف وجهل شديدين حتى بعموميات

الإسلام ومجمل أحكامه !

وكأن دائرة التعليم تضيق عن أحكام الدين في الوقت الذي تتسع عند نزعة

العُري والرغبة في الاسترجال والتخلص من معالم الأنوثة والفطرة ! والانسياق

الغبي وراء قيم ومفاهيم المرأة الغربية بكل ما فيها من انحرافات ومفاسد وأوبئة ! !

مما حرم هؤلاء النسوة من العلم الشامل والتحرر الحقيقي ، وأوقعهنّ وبشكل أسوأ

في جهل ورِقٍّ مختلفين ! !

فالحجاب مثلاً أغفل الإعلامُ الجانبَ النصيَّ (الشرعي) منه ، وصوَّره على أنه

عادة شعبية يتوارثها الأجيال فيؤكدون بذلك دونيتها ، ورغبة المجتمع الذي تعيش

فيه في عزلها عنه نفسياً وجسدياً ! وهو بذلك معضلة حقيقية تقف عائقاً في طريق

هذه المرأة نحو النهوض والتعلُّم والارتقاء ، ونحوه !

ولم يقف دور الإعلام عند تصوير الحجاب بهذه الصورة الخلفية الرجعية !

وإنما تعدى ذلك إلى إيذاء المحجبات تصريحاً أو تلميحاً !

ففي الوقت الذي يدندن الإعلام حول إعطاء المرأة حريتها المسلوبة تتلون هذه

الدندنة وتصبح هجمة شرسة يمارسها الإعلام ضد كثير من المحجبات ؛ كما هو

الحال مع فئة التائبات اللاتي أعطى الإعلام نفسه حق التحدث حتى عن نواياهن

وما تنطوي عليه قلوبهنّ ! كما تولى كبر الهجوم على الحجاب بتأييده ومناصرته

لبعض الحكومات التي منعت المحجبات من دخول الجامعات ودور العلم ليمارسن

حقهنّ المشروع في الحياة !

أما التعدد : فليس بوسعنا تجاهل طرح الإعلام له بصورة متشنجة وعدائية

تزرع في حس المرأة شعوراً بأن التعدد حكمٌ شُرع عليها لا لها ؛ وذلك بعرضه

المستمر للمشاكل والآثار الاجتماعية السيئة للتعدد بدءاً بكمٍّ هائل من قصص النزاع

بين الزوجات وضرائرهنّ وأزواجهنّ ، وانتهاءاً بحالات التيه والضياع التي

يتعرض لها أبناء الأزواج المعدِّدين والذين ينشؤون بين عواصف مهيبة من الشقاء

العائلي !

وهذا كله لم يكن الهدف الإعلامي منه هو احتواء المشكلة وإيجاد حلول لها

وإنما الهدف كما يظهر إقصاء الحكم الشرعي كله وإظهار عدم تناسبه وتواؤمه مع

روح العصر ومعطياته ! !

وإلا فإن الإيمان بما للتعدد من آثار اجتماعية سيئة قد تنتج عنه في حالات

وظروف معينة لا يجعلنا نلقي بلائمة على الحكم ذاته ، وإنما ثمة أسباب حقيقية منها :   فساد أخلاق المرء ، وضعف دينه ، وتجاوزه وعدم انضباطه بالآداب الإسلامية

المشروعة التي تُلزِم الشخص المعدِّد بضوابط وحدود معينة تتواءم مع الحركة

الطبيعية لبنية المجتمع الذي يعيش فيه . وهذا الشخص المعدِّد لم يكن الإعلام منصفاً

في تشكيل ملامح صورته ؛ إذ أظهره على أنه شخص مغرِق بنزوات ورغبات

جنسية ملحة .

بينما يمارس الإعلام تجميل حالة أولئك الذين يتبعون رغباتهم بطرق حيوانية

وتحسينها ؛ على الرغم من أن نتيجتها غالباً ما تكون جملة من انحرافات ورذائل

وجمهوراً من أطفال غير شرعيين !

الآثار الملموسة لإفساد المرأة ظاهراً وباطناً بفعل الإعلام الموجَّه :

لا شك أن وسائل الإعلام المختلفة بكل ما تمثله من هيمنة وسيطرة وانتشار قد

تركت آثاراً سيئة وبالغة الخطورة على شخصية المرأة المسلمة المعاصرة !

وهذه الآثار تبدو بدرجات متفاوتة كمّاً ونوعاً ؛ إذ تختلف من مجتمع لآخر

ومن امرأة لأخرى . كما أن أساليب الإعلام في التأثير والتوجيه مختلفة ومتنوعة ؛

إذ قد يكون قصير المدى يظهر نتاجه مباشرة . وقد يحدث التأثير في ظل عملية

تراكمية تحتاج فترة زمنية ممتدة وطويلة ليتم التغيير الكامل في المواقف والمعتقدات

والقناعات .

ولذلك فقد يطول بنا المقام لو أردنا عرض كل نماذج آثار الإعلام في إفساد

المرأة المسلمة ؛ لكننا سنكتفي بذكر بعضها اختصاراً :

أولاً : ولعله أبرزها وضوحاً وأشدها خطراً وهو فقدان المرأة المسلمة لهويتها

الإسلامية وتميز شخصيتها وسحب قدر كبير من انتمائها لدينها وتراثها ! وهذا

نتيجة حتمية للظاهرة المرضية المتمثلة في التقليد والتبعية (للآخر) !

فالصحافة النسائية أو البرامج المرئية الموجهة للمرأة المسلمة في أهدافها

وطبيعة مضامينها لا تعكس قيم المجتمع المسلم الذي تظهر فيه وتروَّج ؛ بل تكرس

نموذج المرأة الغربية وتظهره بصورة ترسخ في الأذهان على أنه هو النموذج

القدوة ! !

وهذا التكريس كان سبباً طبيعياً ومباشراً لضمور الفارق في الاهتمامات

والممارسات بين المرأة المسلمة المعاصرة في بعض البلدان الإسلامية وواقع المرأة

الغربية !

ثانياً : الفراغ الفكري والإغراق في الهامشية الذي تعاني منه المرأة المسلمة

المعاصرة :

ومع أنه يُفترض أن يكون للإعلام النسائي مهمة بنائية وتربوية تهدف إلى

الارتقاء بفكر المرأة نحو آفاق أشمل وأبعد ؛ بحيث يكون دوره معها حلقة مستمرة

من التعليم والتربية والتثقيف .

إلا أن واقع الإعلام الموجَّه للمرأة يؤكد أنه قد مارس تهميش فكرها وتعامل

معها على أنها جسد وحسب !

فطغيان البرامج الترفيهية التافهة وإشغال جزء من ساعات البث ، وصفحات

الصحف بالغث من الموضوعات التي تحصر اهتمامات المرأة بدائرة ضيقة تنطلق

بالاهتمام بالشكل وتنتهي إليه ! بدءاً بالموضة والأزياء ، الإكسسوار ، وبرامج

التخسيس وعمليات التجميل ! وانتهاءاً بكيفية استغلال المرأة إمكاناتها الشكلية

(المظهرية) للفت انتباه (الآخر) !

وحقيقة فإن طغيان مثل هذه المواد واحتلالها مساحة كبيرة من البث الإعلامي

يعكس نظرة الإعلام للمرأة ؛ إذ يراها وجهاً وجسداً جميلين مع إلغاءٍ وإماتةٍ مستهدفة

لروح العقل والفكر والفهم !

وهذا كله جعل المرأة نفسها تعيش خواءاً فكرياً وفراغاً روحياً وخلطاً عجيباً

بين الغايات والوسائل ! واختلالاً ظاهراً وعدم توازن في النظرة لكثير من الأمور ؛

ففي الوقت الذي يتبلور المفهوم الإسلامي المعتدل للجمال على أنه وسيلة تأخذ منه

المرأة قدراً معيناً تُحقق به أنوثتها يزرع الإعلام في حس المرأة أن (الجمال

المظهري) غاية تستحق أن تبدد المرأة جهدها ووقتها ومالها بل وربما تعيش

لأجله ! !

وبهذه الهمة الدنيوية والاهتمامات السطحية التي أصبحت تشغل المرأة

وتسيطر على تفكيرها أخرج الإعلام المرأة وحرمها المشاركة الفعلية التي ينادي

بها .

دور الإعلام الإسلامي في التصدي للهجمة :

لعل ما ذكر سلفاً يوقفنا وجهاً لوجه أمام القضية الأهم التي اقتضت هذا التناول

المتواضع وهي دور الإعلام الإسلامي للتصدي للهجمة الإعلامية تجاه المرأة

المسلمة .

وبداية فإن ثمة حقيقة يُفترض أن نعترف بها ونعتني بجوانبها وهي افتقار

الصحوة الإسلامية ذات الرصيد الجماهيري الكبير إلى الإعلام الشامل والفاعل .

وهذه الحقيقة (المرة) ستظل معضلة حقيقية نعاني منها حتى إيجاد الإعلام الإسلامي

القادر على المنافسة !

ونحسب أن هذا الإيجاد لن يكون إلا إذا تنامى الوعي الجماعي بأهمية الإعلام

في حياتنا وبمسيس حاجتنا إليه ، وإذا تخلص أبناء الصحوة من سيطرة العقلية

النكوصية المتشوقة للماضي والتي تحفز لدى أصحابها أحاسيس العزلة والانسحاب

والخوف من الجديد سواء كان رأياً أو ثقافة أو مشروعاً حضارياً !

فالواقع أن المسلم المعاصر ليس راضياً عن الأوضاع القائمة في الإعلام

المعاصر ويرفض كل الاتجاهات والقيم والأسس السائدة المنبثقة منه .

وتنحصر رؤيته تجاه الإعلام بأنه عدو آخر يجب بغضه والحذر منه وإدارة

الظهر له وحسب ! ! دون محاولة إيجاد بدائل « مسموعة ، مرئية ، مقروءة »

واتخاذها خطوة أولى في طريق الحل الطويل !

فالخطوة وإن كانت متأخرة عن مسيرة الإعلام (الآخر) وضئيلة مقارنة بحجم

قدراته وآلياته إلا أنها ستزرع الأمل بنقلة نوعية تتجاوز فيها ردة الفعل إلى الفعل

نفسه ، وتتخطى الندب والتشاكي إلى العمل الجاد .

فقد مضى على الصحوة زمن طويل مارست فيه التحذير من جملة المجلات

والصحف والبرامج المرئية الموجهة للمرأة وذكر قائمة طويلة من مضارها

ومخاطرها ، وتقديم حل إسلامي جاهز للعرض وهو مقاطعتها وإغلاق الأبواب

دونها وحسب !

بمعنى أن موقفها الإعلامي بدأ بالرفض وانتهى إليه .. وهو الموقف الأسهل

دائماً !

وكان يفترض أن يثمر هذا الموقف على الأقل عن أوراق عمل ودراسات

ومشاريع إعلامية مستقبلية مقترحة تساهم في إزالة الرهبة من خوض التجربة

الإعلامية لدى الإسلاميين وتشعرهم بأن هذا الكم الهائل والاهتمام الكبير بالمرأة

المعاصرة من قِبَل الإعلام (الآخر) والذي يغمرنا بقوالب متنوعة ما بين برامج

مرئية وصحف ومجلات متخصصة إنما هو تحكُّم في مستقبل هذه المرأة ، وتشكيل

لفكرها وعقليتها ، وصياغة جديدة لممارساتها واهتماماتها على غير ما نريد ! !

ومن ثَمَّ فإن المقاطعة ستبقى حلاً مؤقتاً لو ناسب مرحلة زمنية معنية افتراضاً

فلن يُناسب المراحل التي ستليها يقيناً .

فالاختراق الثقافي الذي تتسع دائرته يوماً بعد آخر سيتيح للجيل إلغاء الحدود

والسدود وعنصري الزمان والمكان ثم امتلاك القدرة للوصول إلى جميع أنحاء

العالم ؛ وربما يكون ذلك بطريقة أقل تكلفة وأسهل استعمالاً من الضغط على

الريموت ! ! لذا فليس من الواقع المنطقي والعملي ونحن أمام ثورة تقنية ضخمة    لوسائل الاتصال أن نربي الجماهير على المقاطعة والانعزال ونحرمها من التكيف   الإيجابي بإيجاد البديل الهادف الذي يحفظ خصوصيتنا العقائدية والثقافية ، وفي   الوقت ذاته يكون عوضاً لنا عن مرارة الشكوى وسلبية الانعزال .

وثمة ملامح أولية لهذا التكيف أوجزها فيما يلي :

1- ضرورة توعية الأمة بأهمية الإعلام ، والتذكير بأننا أمة قام تاريخها

المجيد من خلال وسائل إعلام إما مقروءة مثلها الكتاب ، أو مسموعة من محاريب

يرتفع صوتها بالقرآن ثلاث مرات يومياً ، ومن منابر ارتفع منها صوت الخير

والنصر والإرشاد منذ مرحلة التأسيس وإلى قيام الساعة .

2- أهـمية الاحتفاء بالبحوث والدراسات والممارسات الإعلامية على

اختلاف هويتها وتوجهاتها ومحاولة استيعابها والإفادة منها ، مع تحريض النخب من

الإسلاميين من ذوي الخبرة المهنية والميدانية لتقديم رؤاهم ومعالجاتهم للاتكاء عليها

في بداية التجربة ؛ فقد تلفت النظر لمسارات واتجاهات إعلامية غائبة نحن بحاجة

إليها .

3 - صناعة البدائل الإسلامية في مجال الإعلام بمختلف فنونه وضروبه

وألوانه ؛ على أن تكون هذه البدائل ملتزمة بالرؤية الإسلامية ومؤطَّرة بالمرجعية

الشرعية ، مع تذكير المتلقي المعاصر إلى أن صياغة هذه البدائل صياغة إسلامية

إنما هو صورة من صور التحدي الحضاري الذي يواجه الأمة في الحاضر

والمستقبل ، ويتطلب من أبنائها مزيداً من سعة الأفق والمرونة والإنصاف والتخلص

من الأحكام الجاهزة (ومبدأ : إما صفر أو مائة بالمائة) ! ! إذ إن وجود خلل أو خطأ

أو تجاوز هو من طبيعة العملية الإعلامية ولا شك .

4 - الرؤية الشاملة للإعلام الإسلامي المنتظر وعدم حصره بالإعلام الديني

البحت ؛ حيث لا يُنتظر منه التركيز على إيضاح الجانب العبادي ، كما هو الحال

مع نتاج الصحافة الإسلامية الذي يغلب عليها ما يتعلق بالعبادات ، وكما هو الحال

أيضاً مع البرامج المرئية الدينية التي لا يعدو نتاجها عن فتاوى وأحكام وتوجيهات

وعظية مباشرة وتلاوات قرآنية مكررة .

5 - الإلمام بالواقع الذي ينبثق منه الخطاب الإعلامي الإسلامي ويوجه إليه ؛

بحيث يستند في مضامينه إلى تصور موضوعي لواقع متلقيه والمستفيدين منه

واحتياجاتهم الحقيقية ؛ ففي قضية المرأة مثلاً : لا بد أن نحدد أولاً من هي المرأة

التي نتحدث إليها ؟ واستيعاب كامل مراحلها العمرية واهتماماتها وقابليتها ، ومن

ثَمَّ : ماذا نُريد منها ؟ وماذا نُريد لها ؟

بمعنى أن يكون لإعلامنا مع المرأة المسلمة هدف رئيس ينشد تحقيقه ؛ بحيث

لا يكون جل نتاجه ردود أفعال لأطروحات الآخر أو تفنيداً لآرائه وهجماته

وحسب ؛ فالأصل تقديم مادة ذات مهمة وقائية بنائية معاً ؛ بحيث تبني شخصية   المرأة المتلقية المتزنة والمستقلة القادرة فيما بعد على تفنيد ما تسمعه أو تراه أو   تقرؤه !

وبعد : فهذه الكتابة لا تعدو عن كونها ومضات أمل بأن ترفع الأمة راية

جهادها الإعلامي فتخوض معركة الكلمة والمعتقد في زمن تجوبه الأقمار

الصناعية ، وتسود فيه الذبذبات الإذاعية ليل نهار .

________________________

 

 

 

ماذا يريدون من المرأة .. ؟

الحجاب الإسلامي بين المد والجزر

أحمد فهمي

 

كانت عودة الحجاب ملمحاً أساساً من ملامح الصحوة الإسلامية في مرحلتها

المعاصرة التي تبدأ من سبعينيات القرن العشرين ، وأصبح الحجاب رمزاً من رموز

الصحوة وشعاراً من شعاراتها .

والآن وبعد ما يقرب من ثلاثين عاماً ، تنوعت وتعددت فيها أشكال المواجهة

وميادينها بين الصحوة وأعدائها لا تزال راية الحجاب ترفرف في ساحة المعركة ،

ولكن على نحوٍ يختلف كثيراً عما كانت عليه في السبعينيات في أكثر المجتمعات

الإسلامية ؛ وهذا الاختلاف في مسألة الحجاب هو ما نحن بصدد توصيفه وتقويمه

في هذه الصفحات .

ولأن الواقع لا يعطي معانيه ولا يكشف أسراره إلا بإضافته إلى ما قبله من

الزمن ، فلا بد من إضافة بُعدٍ تاريخي يسير بقدر ما يكشف لنا الدورة الكاملة لنشوء

الحجاب وتراجعه .

الأبعاد التاريخية لمعركة الحجاب والسفور في المجتمعات الإسلامية :

يروق للمحللين والعلمانيين المحليين كلما طرحت قضية الحجاب أن يُغرِقوا

في التساؤل عن الدوافع والأسباب وراء انتشار هذه الفريضة المتزايدة منذ

السبعينيات ، وهذا تساؤل معكوس حقيقة ، لا بد معه من إضافة البعد التاريخي حتى

نرى الأشياء في سياقها الحقيقي ، فيصبح التساؤل الصحيح عن الدوافع والأسباب

الكامنة وراء تخلي المرأة المسلمة عن حجابها ؛ فانحرافٌ فرعيٌّ في التاريخ لا

يتجاوز سبعين أو ثمانين عاماً (متوسط عمر رجل واحد) ، لا يمكن بحال أن يقضي

على أصلٍ متجذِّر منذ ما يزيد على ثلاثة عشر قرناً من الزمان كشجرة ضخمة

فرعها ثابت ، وأصلها في السماء .

ومن الشواهد العجيبة على هذا الانتقال التعسفي التاريخي من الحجاب إلى

السفور أن بعض رواده الكبار (الأصاغر) يشعر المتأمل في سيرة أحدهم كأنه يقرأ

عن شخصين ، الأول : يرفع راية الحجاب ويدافع عنه ، والثاني : يعادي الحجاب

ويرفع راية السفور ، ونذكر مثالين على ذلك : الأول من مصر ، والثاني من

تونس .

ففي مصر : كان أول كُتُبِ قاسمِ أمين :  " المصريون  " دفاعاً حماسياً عن

فضائل الإسلام على المرأة المصرية ، ورفعاً من شأن الحجاب ، ثم لما تمت إعادة

برمجته على أيدي رواد صالون نازلي ، أصدر كتابيه :  " تحرير المرأة  " ،  " المرأة

الجديدة  " ، وجعل من نفسه الداعي الأول لفتنة التبرج بين المسلمين .

وفي تونس : سنة 1929م وقف شاب عمره يومذاك 26 سنة في إحدى

الندوات يرد على امرأة سافرة تدعو إلى تحرير المرأة ، فقال :  " الحجاب يصنع

شخصيتنا ، وبالنسبة لخلعه : جوابي هو الرفض ، وارتفع الضجيج في القاعة ،

وانتقل الجدال إلى الصحف ، وتابع الشاب الدفاع عن الحجاب بنشر مقالات في

صحيفة تونسية فرنسية ، ولم يكن هذا الشاب سوى المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة

نفسه الذي قام في اليوم التالي للاستقلال بسحب غطاء الرأس عن النساء

التونسيات  " [1]  .

وسار كثيرون في أنحاء العالم الإسلامي على نهج قاسم أمين فأصدروا كتبهم

المسمومة ، مثل كتاب :  " امرأتان في الشريعة والمجتمع  " للطاهر الحداد في تونس

سنة 0391م ، و  " السفور والحجاب  " لنظيرة زين الدين في سوريا في

العشرينيات .

واستمرت جهود المثقفين والمفكرين المتبنين للمنهج التغريبي طيلة الحقبة

الاستعمارية في الترويج للتبرج حتى أصبح واقعاً مفروضاً إلى جوار الحجاب ،

ولما أن أتى عهد الاستقلال وتولى القوميون زمام الأمور عملوا ما عجز عنه

الاستعمار ، وعمدوا إلى القضاء على البقية الباقية من الحجاب في بلادهم .

يقول صحفي ألماني واصفاً فترة إقامته في مصر من 1956 1961م :  "

ويكفي أن تعلم أنه منذ عشرين عاماً فقط كانت كل النساء تقريباً يرتدين الحجاب ،

أما اليوم فإنه حتى في أكثر المناطق شعبية لم نعد نرى الحجاب  " [2] .

وفي سوريا مزق رجال  " البعث  " الحجاب في شوارع دمشق ، ومنعوا

المحجبات من دخول المدارس بحجابهن [3]  .

وفي الجزائر دعا  " بن بيلا  " الجزائريات إلى خلع حجابهن ، وقال : إنني

أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر ! [4] ، فخرجت العذارى

المحاربات من بيوتهن ، ونزعن الحجاب لأول مرة منذ أن اعتنقت بلادهن

الإسلام [5]  .

وحقق العهد الاستقلالي في المغرب ما لم يستطعه الاستعمار في عشرات

السنين [6]  .

أما المجاهد بورقيبة فبزَّ أقرانه في حرب الحجاب ، وأصدر مرسومه الشهير

(108) بمنع الحجاب في المؤسسات الرسمية للدولة ، ودعا التونسيات ألا يُشْعِرْنَ

السياح الأجانب بالغربة في بلادهن [7]  ، ولا يزال الحجاب محارباً بشدة حتى الآن

في تونس ، ولكن ما أن بدأ تهافت الفكر القومي مع هزيمة يونيو 1967م ، حتى

عاد الحجاب يتربع على عرشه المسلوب من جديد ، وما أصدق القائل :  " إن

الحجاب لم يكن ثمرة النكسة بقدر ما كانت النكسة ثمرة التخلي عن الحجاب كمظهر

من مظاهر التخلي عن الإسلام  " [8]  .

ولو شئنا دراسة تطورات الحجاب منذ بدء عودته في السبعينيات وحتى

الآن ، فلا بد من انتقاء بلد يصبح نموذجاً معبراً عن أحداث هذه الفترة ، ولا نجد   أفضل من النموذج المصري في التعبير عنها ؛ فهو نموذج ثري بتطوراته   وأحداثه ومتغيراته ، كما أنه نموذج رائد يراد تسويقه للدول التي لم تبلغ   مرحلته بعد .

ولكي تكتمل الرؤية بأن تحتوي على الأبعاد الزمنية الثلاثة : الماضي ،

الحاضر ، احتمالات المستقبل ، نتناول قضية الحجاب في تركيا ، باعتبارها تحتل

المرتبة الأولى في التطرف العلماني الرافض للإسلام ، ومن ثَمَّ فهي هدف تُدفع

معظم الدول الإسلامية دفعاً مع اعتبار تفاوت مواقعها الحالية لبلوغه في السنوات

القادمة ؛ فدراستها وإن كانت تعتبر واقعية بالنسبة لتركيا ، إلا أنها مستقبلية بالنسبة

لغيرها من الدول الإسلامية .

الحجاب في مصر :

إن ثراء النموذج المصري كما سبق يجعل من الصعب تغطيته في صفحات

معدودة بتفصيل وشمول ، ولذا سننتقي منه أهم المعالم التي تخدم موضوعنا .

أولاً : توزيع الأدوار في معركة الحجاب والسفور بين السبعينيات

والتسعينيات :

لمعركة الحجاب سَمْتٌ متميز ؛ فهناك أطراف متعددة ، وأدوار متداخلة ،

وهناك أيضاً صور مختلفة للهزيمة والفوز ، كما أنها معركة مفتوحة نحسب أنها

باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وفي الساحة المصرية يظهر ذلك بوضوح ، وتنحصر الأدوار المؤثرة في

الأطراف الآتية :

1 - المؤسسات التعليمية : ويبرز دورها في ثلاثة اتجاهات :

الأول : أخطرها ، وهو السعي للعلمنة الكاملة لمناهج التعليم مع حصار

وتحديد لدور المؤسسات التعليمية الدينية ، وهذا الاتجاه يظهر أثره في المستقبل

بتخريج أجيال تنتمي إلى العلمانية قبل الإسلام .

الثاني : العمل على إضعاف ظاهرة الحجاب في تلك المؤسسات حتى لا تعوق

بوجودها جهود العلمنة . وهذا الإضعاف يأخذ شكل مضايقات وحصار ولوائح

وقرارات تمنع دخول المحجبات خاصة المنقبات إلى تلك المؤسسات عاملات أو

طالبات ومن أشهر القرارات قرار رقم 113 سنة 1994م الذي يمنع ارتداء غطاء

الرأس إلا بطلب من ولي الأمر [9]  .

الثالث : وهو اتجاه غير مباشر ؛ وذلك بتشجيع تحول المؤسسات التعليمية

إلى ساحات لهدم الأخلاق والقيم ، وتحطيم القيود على تطور العلاقة بين الشاب

والفتاة ، ويكفي النظر إلى ظاهرة الزواج الزنا العرفي وتزايدها المستمر وأسلوب

معالجتها الذي اقتصر على عقد ندوات دينية في تلك المؤسسات ذراً للرماد في

العيون أحدثت في بعض الأحيان أثراً عكسياً ، فأخرجت الظاهرة إلى نطاق النقاش

العلني واختزلتها إلى مجرد خلاف فقهي .

2- وسائل الإعلام : تقول إحدى الدراسات : إن أغلبية المجتمع المصري يقع

تحت سطوة وسائط الإعلام الرسمية [10]  ، وأن النساء خاصة يقبلن عل مشاهدة

برامج التلفاز أكثر من الرجال [11]  ، وفي أحد استطلاعات الرأي الهامة ، كان

هناك عامل مشترك بين الموافقات على أن دعوة قاسم أمين تقدمية ، هو مشاهدة

برامج التلفاز والراديو [12]  .

لا شك أن الإعلام أصبح يلعب دوراً خطيراً في محاربة الحجاب عبر منابره

المتعددة ، وله في ذلك أساليب متنوعة مباشرة وغير مباشرة فهناك الهجوم المباشر

الفج الذي يسخر من الحجاب ، أو يُرجِع دوافعه إلى مشاكل اجتماعية ونفسية

ومادية .. إلخ .

ومنها تخصيص الهجوم بفئات معينة من المحجبات مثل : الفنانات التائبات ،

ومهاجمة كل من له دور في حجابهن من العلماء والدعاة [13]  ، ومنها التركيز على

عدم ارتباط الحجاب بمستوى معين من الأخلاق ، وارتباط صور معينة من الحجاب

النقاب بارتكاب جرائم متنوعة [14]  ، ومن الأساليب غير المباشرة مهاجمة

التيارات الإسلامية ورموزها ، واتهامها بالتطرف ، وربط انتشار الحجاب بفكر هذه

التيارات المتطرفة ومنها اختزال المواد الدينية ما أمكن ؛ خاصة أن الدراسات تثبت

أن زيادة الإعلام الديني تؤدي إلى إشاعة مناخ ديني عام في المجتمع وسرعة انتشار

الأفكار الدينية ، ومن تلك الأساليب القذرة إشاعة الفاحشة بين المسلمين وتجريئهم

عليها ؛ فمع تدني الأخلاق وغلبة الشهوات لا يكون هناك مجال للحديث عن

الحجاب .

3 - الأسرة : تفكك الأسرة وضعف دورها الرقابي من سمات المجتمعات

العلمانية الغربية التي يريد العلمانيون في بلادنا محاكاتها حذو القذة بالقذة ، وبينما

تُظهِر الأبحاث عن فترة السبعينيات أن حوالي 60% من المحجبات أقررن بموافقة

كل الأسرة على ارتداء الحجاب [15]  ، فإن الأمر يختلف حالياً مع تعدد الهجمات

الموجهة للأسرة ولدور الرجل فيها ، وإذا قلنا : إن موقف الأسرة تجاه الحجاب

ينحصر في ثلاثة أمور : التشجيع السلبية الرفض ؛ فالواقع الحالي يشهد بأن الزيادة

الكبيرة كانت من نصيب الموقف الثاني (السلبية) [16]  ، والموقف الثالث حظي

بزيادة قليلة خاصة بالنسبة لصور معينة من الحجاب (تغطية الوجه والكفين) ، وكان

النقص من نصيب الموقف الأول .

وهناك أطراف أخرى يفترض أنها تمثل الإسلام في معركة الحجاب   والتبرج وهي :

4 - المؤسسات الدينية الرسمية : وتنحصر في مشيخة الأزهر ودار الإفتاء

والهيئات التابعة مثل : المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، ومجمع البحوث ،

ووصفها بالرسمية ينبع من أمرين ، أحدهما : أن تعيين رجالها يتم بقرارات حكومية

، والثاني : تحولها عرفاً وإلزاماً أحياناً إلى تبني الموقف الرسمي من القضايا المعدَّة

سلفاً وتكلف تطويع أحكام الشريعة لها . وبالنسبة لقضية الحجاب ، فإن أغلب النقد

الموجه لهذه المؤسسات حتى فترة قريبة كان ينحصر في الموقف السلبي من تدعيمه

، والدعوة إليه والتعرض لمهاجميه ، وهذا لا يمنع من بعض مواقف قوية ، كما

حدث في الرد على القرار السابق لوزير التعليم ؛ حيث صدرت فتوى بمخالفته

للشرع [17]  إلا أنه في السنوات الأخيرة تطور الوضع إلى مزيد من السلبية ، بل

إلى مهاجمة الحجاب أحياناً ، متمثلاً في بعض صوره واتهامها بالتطرف (النقاب)

[18]  ، كما اقترن ذلك بالتهاون في إلزام الطالبات في مدارس الأزهر وكلياته

بالحجاب الشرعي الصحيح .

5 - العلماء والدعاة المستقلون : وأغلبهم في الأساس من خريجي كليات

الأزهر والعاملين فيه ، ويزداد تميزهم مع تزايد تبني المؤسسات الدينية للمواقف

الرسمية في مختلف القضايا ، ورغم التضييق عليهم إلا أن تأثيرهم واضح من

الرأي العام ، وموقفهم من قرار وزير التعليم بمنع الحجاب كان قوياًَ ، حتى طالب

بعضهم بمحاكمته ، ومنهم د . محمود مزروعة ، د . محمود حماية ، د . محمد

المسير ، د . عبد الحي الفرماوي ، د . عبد الغفار عزيز ، د . يحيى إسماعيل ...

وغيرهم [19]  .

6- الحركة الإسلامية : كان لها الدور الفعال في نشر الحجاب في المجتمع

المصري ، وانتشارُه في الجامعات المصرية أحد مظاهر النشاط الإسلامي فيها ،

والدراسة السابقة عن ظاهرة الحجاب في السبعينيات أظهرت أن 05% من

المحجبات وغير المحجبات يُرْجِعن انتشاره إلى تزايد نشاط الجماعات الإسلامية بل

هو السبب الرئيس [20]  ، وتظهر هذه العلاقة كذلك في فترة التسعينيات ، ولكن في

الاتجاه المعاكس ؛ إذ من الملاحظ ارتباط تراجع معدلات الحجاب عامة ، والحجاب

الشرعي الصحيح خاصة مع تزايد التضييق على النشاط الإسلامي في مختلف

الميادين وعلى الأخص في المدارس والجامعات .

7 -  " إن المحجبة تظهر في سمت عفريت  " هذه العبارة لن نتعجب إذا قالها

علماني حقود ، ولكن عندما نعلم أنها صدرت من عالم داعية في وزن الشيخ محمد

الغزالي [21]  رحمه الله نقداً لبعض صور الحجاب فإننا نصاب بدهشة عظيمة لهذا

الخلط الواضح في الأوراق ، والأدوار . أين كان يقف الشيخ ؟ وكيف يجعل نفسه

مشابهاً لعلمانية فجة مثل أمينة السعيد ، تصف المحجبات اللاتي يرتدين الزي نفسه

الذي ينقده الشيخ بأنهن يرتدين  " ملابس تغطيهن تماماً ، وتجعلهن كالعفاريت  "

[22]  .

إن هذا الخلط الذي أصاب عدداً من المفكرين والدعاة ممن أصبحوا يمثلون

تياراً قوياً هذا الخلط أحدث بدوره خلطاً في مفاهيم الناس حول الحجاب وهو ما

سنبينه بعد قليل وجعل من هفواتهم وسقطاتهم تكأة لكل من أراد الطعن في أحكام

الشريعة بأسلوب باطني استغلالاً لتلك الهفوات والسقطات .

ثانياً : الحجاب والتدين :

هناك ُبعدان لدراسة العلاقة بين الحجاب والتدين :

الأول : الارتباط بين الالتزام بالحجاب ، والالتزام العام بأوامر الشرع .

الثاني : الارتباط بين معدل ارتداء الحجاب ومستوى الحالة الدينية للمجتمع .

فبالنسبة للبعد الأول : يتمثل في دوافع ارتداء الحجاب ، والحالة الدينية للمرأة

بعد إضعافها .

أما عن الدوافع : فلا خلاف في أن ارتداء الحجاب في السبعينيات كانت

دوافعه دينية مباشرة ، ووفقاً لأحد البحوث الاجتماعية كان 90% من الأسباب

الدافعة للحجاب كما أقرت المحجبات تدور حول الخوف من الله من عذاب الآخرة

الرغبة في الجنة يقظة الضمير الديني [23]  .. إلخ ، ولكن مع مرور الوقت

وانتشار الحجاب بين فئات المجتمع تحول عند بعض الناس إلى ما يشبه العرف

العام ، والتقليد المتبع ، ونشأت أجيال كان ارتداؤهن للحجاب ينبع من كونه تقليداً

أو عرفاً أو ضغطاً اجتماعياً قبل أن يكون أمراً شرعياً ، ويقوِّي هذا الرأي تزايد

نسبة المحجبات اللاتي يرتبط حجابهن بأمور مثل : الزواج [24]  ، تقدم السن ، ولا

يشمل ذلك بالطبع كل المحجبات ، وخاصة اللاتي ينتمين إلى التيارات الإسلامية

بمعناها العام . وهذا التحول بالحجاب إلى تقليد لدى الكثيرات لم يكن حتمياً ، وإنما

كان مدعماً بأمرين : عدم إتاحة الفرصة لتعميق هذه الظاهرة وتقوية ارتباطها

بأصلها الديني المباشر من قِبَل العلماء والدعاة ، والحرب المعلنة على الحجاب التي

يؤرخ بعضهم بَدْأها من عام 1981م [25]  .

أما بالنسبة للحالة الدينية للمرأة بعد ارتداء الحجاب ، فهنا نجد أنفسنا وفقاً لما

سبق أمام ثلاث حالات :

الأولى : من ارتدت الحجاب عرفاً أو طاعة لوليٍّ (زوج أب) أو لأسباب

أخرى ، لكن ليس لوازع ديني .

الثانية : من ارتدت الحجاب التزاماً انتقائياً وليس عاماً بأحكام الشرع .

الثالثة : وهي التي يشكل ارتداؤها للحجاب أحد مظاهر التزامها العام

بالشرع .

فالمحجبة في الحالة الأولى لا يترتب على حجابها في معظم الأحيان تغير

واضح في السلوك أو الطاعات ، وهي تنتمي غالباً إلى الفئة السلبية دينياً في

المجتمع ، والتي ليس لها موقف واضح من عوامل الإفساد ، ويصل التعارض بين

السلوك عند بعضهن لدرجة التناقض ، مما يساهم في تشويه الصورة العامة

للمحجبات ، ويدفع كثيراً من الجهال لاتهام الحجاب نفسه ؛ ولا يفوت الأقلام

العلمانية أن تستغل هذه الفئة في حربها على الحجاب .

أما في الحالة الثانية فالمرأة دفعها وازع ديني للحجاب ، ومن ثَمَّ فهي تحرص

على عدم التناقض بين زيِّها وسلوكها ، ولكن في إطار عرفي ، بمعنى البعد عن كل

ما ينتقد المجتمع صدوره عن المحجبة ، أو ما يعيبها خارج بيتها ، وهذا بالطبع

غير منضبط ؛ فالمجتمع يتعارف في كثير من الأحيان على ما يخالف الشرع ،

ولذلك فالمحجبة في هذه الحالة لا ترى بأساً في المصافحة أو النظر أو الحديث مع

الرجال أو الاختلاط المسموح به عرفاً لا شرعاً ، ولا شك في ميوعة هذا الوضع ،

وإن كان أقل من الحالة الأولى ، وأنه يجعل للمحجبة قابلية قوية للوقوع في بعض

صور الانحراف المناقضة لحجابها ، خاصة مع توفر عوامل مثل : صغر السن ،

الوسط الملائم (الجامعة مثلاً) انتشار الفساد ، ضعف رقابة الأسرة .

وتنتمي المحجبة في هذه الحالة إلى الفئة المحافظة دينياً التي تقف موقفاً

واضحاً من مظاهر الفساد ، وإن كانت تتعاطى وسائله في الوقت نفسه (التلفاز

الاختلاط ... إلخ) .

أما الثانية : فحجابها منذ البداية كان مقترناً بالتزام عام بالشرع ؛ لذا تتوفر في

حالتها الضوابط اللازمة لتوافق السلوك مع الزي ، مع انتماء أكثرهن للتيارات

الإسلامية ولو شعورياً .

وعند المقارنة بين نسبة توزع المحجبات على هذه الفئات الثلاث في

السبعينيات بمثيلتها حالياً نجد تغيراً واضحاً ؛ حيث زادت نسبة محجبات الحالة

الأولى زيادة ملحوظة ، فأصبحت تقارب الحالة الثانية ، بينما حدث تراجع في نسبة

محجبات الحالة الثالثة .

البعد الثاني للعلاقة بين الحجاب والتدين : وهو ارتباط معدل ارتداء الحجاب

بالحالة الدينية السائدة في المجتمع .

من المسلم به أن المجتمع الصغير هو الأسرة أو العائلة ، وتأثر المرأة بأسرتها

في ارتدائها للحجاب أو عدمه حقيقة أثبتتها الدراسات ؛ فكلما زادت نسبة المحجبات

في الأسرة كان ميل الفتاة نحو التحجب أقوى [26]  .

وفيما يتعلق بالمجتمع الكبير نلاحظ هنا اتجاهين مختلفين : فبينما نجد من

الثابت أن انتشار الحجاب في السبعينيات كان أحد مظاهر إقبال الناس على الدين

وعودتهم إليه ، وأن التراجع في مستويات الحجاب يقترن أيضاً بانتشار موجات من

الانحلال الخلقي في المجتمع ، خاصة مع سهولة استقبال الإعلام الإباحي عبر

القنوات الفضائية ، مع ذلك ، فهناك اتجاه آخر لتأثير المجتمع في الحجاب ، وهو

أن استمرار الانحلال الخلقي وانهيار القيم يكون سبباً معاكساً لإفاقة الناس ورجوعهم

إلى الدين [27]  ، ولكن بعد حين .

ثالثاً : الحجاب والفئات الاجتماعية :

إعطاء معدلات عامة عن الحجاب في المجتمع المصري لا يعبر بدقة عن

حقيقة الوضع ؛ فهناك فئات اجتماعية متعددة ومتداخلة يتفاوت تأثرها وتفاعلها مع

هذه القضية تفاوتاً ملحوظاً .

وفيما يتعلق بالحجاب يمكننا أن نقسم المجتمع في مصر وفق هذه

الاعتبارات : الطبقة الاجتماعية الريف والحضر الفئة العمرية والحالة   الاجتماعية .

باعتبار الطبقة الاجتماعية : فإن الطبقة المتوسطة تمثل الصدارة ؛ من حيث

ارتفاع معدل ارتداء الحجاب بين نسائها ، ويقل الالتزام بالحجاب مع ارتفاع المؤشر

الاجتماعي الطبقي أو انخفاضه [28]  ، وإن كان هذا لا يمنع من وجود الحجاب في

جميع الطبقات ، ويكفي أنه نجح في غزو طائفة من أهل الفن .

ولو نظرنا إلى الريف والحضر فإننا نجد أن الريف بطبيعة تكوينه الاجتماعي

والثقافي يكون أقل تأثُّراً بالتغيرات السياسية والثقافية والأخلاقية العامة من المجتمع

الحضري ، ولذلك لم يختفِ الحجاب من الريف إبَّان الستينيات كما حدث في

المدينة ، بل استمر تقليداً يُحرَص عليه ، حتى توافق مرة أخرى مع مجتمع   المدينة في السبعينيات . ولكن نتيجة لارتفاع معدلات التعليم ذي التوجه

العلماني ، واتساع تأثير الإعلام ، وكذا ارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى    المدن ، لم يعد تمسك المجتمع الريفي حالياً بالحجاب كما كان أولاً .

ووفقاً للاعتبار الثالث ، وعلى عكس الغرض الشرعي من الحجاب وهو منع

الفتنة ، وأن المرأة كلما صغر سنها زاد الافتتان بها ، على العكس من ذلك نجد أن

نسبة ارتداء الحجاب في مصر تزداد مع تقدم السن ، حتى إنه قلما تجد امرأة

تجاوزت الستين سنة من العمر متبرجة من نساء الطبقة الوسطى وفي المقابل يقل

إلى درجة كبيرة اقتران الحجاب بوقت البلوغ ، ثم يرتفع تدريجياً مع ارتفاع الفئة

العمرية ، وتتزايد معدلات الحجاب مع الزواج عنها قبله .

رابعاً : الحجاب في مصر ، أنماط وأشكال متعددة :

" فلانة المحجبة  " وصف نسمعه كثيراً عند التعريف بامرأةٍ مَّا ، ولكن هل

يتخيل السامع صورة معينة لزي هذه المرأة ؟ أم أن هناك عدة صور وأشكال

للحجاب تتداعى في مخيلته ، أحدها فقط هو الزي الحقيقي لها ؟

لقد أصبح الحجاب مصطلحاً فضفاضاً ، وأُهمِلت ضوابطه ، وعند أول مقارنة

بين مدلول كلمة الحجاب في الواقع ومدلولها الأصلي في الشرع نجد بوناً شاسعاً ،

وقياساً على ما اشتهرت به اللغة العربية من دقة متناهية في وصف الأشياء ومراحل

تغيرها ، فإننا نجد أنفسنا بحاجة إلى مصطلحات كثيرة لتغطية الفارق الكبير بين

الحجاب الشرعي والحجاب الواقعي .

ولمعرفة حجم التنافر بين المفهومين الشرعي والواقعي للحجاب يمكن أن نقلب

مفردات المفهوم الشرعي كلها ، ورغم ذلك يحتمل الواقع أن يطلق عليها : محجبة ،

لمجرد غطاء رأسها ، واستعراض الأشكال المنتشرة للحجاب في المجتمع يثبت

ذلك ؛ فهناك غطاء الرأس مع كشف بعض الشعر والرقبة وجزء من الصدر     والساقين ، وقد تكون الملابس ضيقة أو متشبهة بالرجال ، ثم غطاء للرأس والرقبة   والصدر مع ملابس طويلة ولكنها زينة في نفسها ، وقد تكون ضيقة تصف الجسم ، أو معطرة ، ثم الخمار الطويل الذي يستر البدن مع كشف الوجه والكفين ، ثم   الحجاب الكامل الذي يحقق الشروط كلها .

ومن أهم أسباب هذا التذبذب الخطير في مستوى الحجاب الحرب المتصاعدة

ضده من بداية الثمانينيات ، واستخدام مكيدة التطرف والاعتدال في هذه الحرب ،

وأيضاً وجود طائفة من المتبرجات اللاتي هرولن نحو  " الحل الوسط  " تخلصاً من

الحرج الاجتماعي الضاغط الذي سبب انتشار الحجاب .. ومنها غلبة البعد الرمزي

للحجاب لدرجة تفرغه من مضمونه الشرعي في أحيان كثيرة .

ومن الأسباب الهامة : استدراج فئة كبيرة من الكُتَّاب والمفكرين الإسلاميين

المتبنين للاتجاه التنويري في هذه المعركة والاكتفاء منهم بالهجوم على أشكال معينة

من الحجاب يتهمونها بالغلو والتطرف ، استناداً على قاعدتهم الذهبية في تطويع

الشرع للواقع ، لا العكس ، وأن وسطية الشرع تكون بجعل الظرف الواقعي هو

الأساس في استصدار الأحكام ووضع التصورات ، وهذا لا شك في خطئه ؛ فمع

تغير الواقع تكون الإرادة المطَّردة للتوسط بينه وبين ثوابت الشرع تعني أن ننادي

غداً بما نستنكره اليوم ، حتى يأتي علينا وقت لا يبقى من الدين إلا أن ننوي أحكامه

ونفعل ضدها .

ومن الشواهد القوية على صحة هذا الرأي ، موقف أحد التنويريين [29]

المقيم في بريطانيا من القضايا الإسلامية المثارة في ذلك الواقع العلماني والذي هو

المثل الأعلى لعلمانيي الشرق والذي تطور فكره وفق القاعدة السابقة ليتوافق مع هذا

الواقع فيما يتعلق بقضية الحجاب ، أصدر فتوى بأنه لا يجب على المرأة أن ترتدي

الحجاب لتعرضها للأذى بارتدائه في تلك البلاد ، واستدل بآية : ذلك أدنى أن

يعرفن فلا يؤذين [الأحزاب : 59] ، فلا يسع المسلمة والحال هكذا إلا أن تنوي

الحجاب وتتبرج !

وبناءاً على النظرة الواقعية المتفحصة ، نستطيع القول : إن هناك تناسباً

وتوافقاً بين مستوى الحجاب وأنماط الحالة الدينية للمحجبة والمذكورة آنفاً فكلما

تضاءل تأثير الدين في حياة المحجبة عند حجابها وبعده كلما تدنى مستوى الحجاب ،

والعكس صحيح ، فتصبح أكثر المحجبات تديناً هي التي تتمسك بكافة شروط

الحجاب ، بما فيها تغطية الوجه والكفين ، ولذلك نجد أنه انطلاقاً من تحول محاربة

التدين الشامل إلى سياسة عامة ، أصبح النقاب محارباً بشدة أكثر من أي شكل آخر

للحجاب ، واستهدفته جميع الجهات العلمانية بهجوم مكثف متواصل ، ولعل ذلك

يرجع إلى ضعف قابليته للتميع والتطويع بخلاف الصور الأخرى للحجاب ، وكذا

اعتماداً لأسلوب ضرب القمة ، وقبول ما بعدها ، تدرجاً في القضاء على الحجاب .

الحجاب في تركيا :

للحجاب في تركيا قصة طويلة حزينة ، تبدأ من قوانين أتاتورك ، ولا تنتهي

عند مروة قاوقجي ، ولو اكتفينا بالاطلاع على الفصول الأخيرة من هذه القصة ،

فستبدو لنا سمات بارزة لحرب الحجاب في تركيا :

1 - لا يمكن استيعاب أبعاد قضية الحجاب في تركيا حالياً ، بدون الاطلاع

على الجهود التاريخية الحثيثة للقضاء عليه منذ أتاتورك ، هذه الجهود التي ليس لها

مثيل في دولة إسلامية أخرى ، في شدتها واستمراريتها إلى الآن ، فمنذ ما يزيد عن

سبعين عاماً كان البوليس التركي يقوم بنزع الحجاب عن النساء بالقوة وعقابهن

أحياناً امتثالاً لقانون أتاتورك [30]  ، ورغم اختفاء هذا القانون إلا أن الحرب لا

تزال قائمة .

2 - أحدثت علمانية أتاتورك شرخاً كبيراً في الانتماء الإسلامي للمجتمع

التركي ، فأوجدت قطاعات من الجماهير تفضل العلمانية على الإسلام ، وأظهر أحد

استطلاعات الرأي الهامة أن نسبة 18% من الأتراك يثقون بالجيش التركي (حارس

العلمانية) [31]  ، مما أوجد موقفاً جماهيرياً لا يستهان به رافضاً للحجاب ، وإن

كانت الأغلبية تقبل به ، وقد أحدث فوز الرفاه في انتخابات 1994م حالة من القلق

المتولد لدى العلمانيين وقطاعات من الشعب من إقدام الرفاه في حاله تولي السلطة

على إجبار النساء على ارتداء الحجاب ، واضطر أربكان لنفي ذلك تهدئة للأوضاع

[32]  ، وعندما أعلن عن احتمال حدوث ائتلاف بين الرفاه والوطن الأم ، قامت

النساء المؤيدات للثاني بإرسال حجاب إلى زوجة يلماظ احتجاجاً على ذلك [33]  .

3 - لا يتضمن الدستور التركي أي إشارة إلى الإسلام أو الشريعة ؛ لذا

ينطلق الإسلاميون من دفاعهم عن الحجاب ضد الدولة لا من أصله الشرعي

الإسلامي ، بل انطلاقاً من مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وهو ما

يزيد الأمر صعوبة عليهم بخلاف الحال في معظم الدول الإسلامية الأخرى التي

يعطي النص على الإسلام ولو باعتباره ديناً رسمياً في دساتيرها منطلقاً قوياً

للإسلاميين في الدفاع عن الحجاب .

4 - يتمثل جهد الدولة في محاربة الحجاب في وسائل عدة ، نذكر منها :

- إصدار قانون 1987 يمنع دخول المحجبات إلى الجامعات ، وينفذ القانون

في 82 جامعة تركية ، وقد تم التراجع عن هذا القانون سنة 1991م [34]  من قِبَل

البرلمان والمحكمة الدستورية ، ولكن لم يمنع هذا من استمرار الحظر في جامعات

كثيرة ، ومن المعتاد أن نجد في كل عام دارسي القوات المدججة بالسلاح تحيط

بالجامعة لمنع المحجبات ، وتقوم الشرطة النسائية بإخراجهن بالقوة .

- منع المحجبات من العمل في المؤسسات الحكومية ، وقد تعرضت مئات

الموظفات للفصل أو الإجبار على الاستقالة بسبب الحجاب [35]  .

- اتخاذ بعض الإجراءات المحاصرة للحجاب مثل حظر ارتداء نساء

العسكريين له ، وعرقلة حصول المحجبة على جواز للسفر [36]  ، وتعرضت

الكثيرات للسجن أكثر من مرة بسبب تبنيهن لهذه القضية [37]  .

- حاولت الحكومة التركية في أواخر الثمانينيات مطاردة المحجبات خارج

تركيا ، فأرسلت طلباً للحكومة الألمانية بمنع الطالبات التركيات من ارتداء

الحجاب ، إلا أن ألمانيا رفضت للسبب ذاته الذي من أجله تطارد تركيا   الحجاب وهو العلمانية ! [38]  .

5 - تتمثل المواجهة الإسلامية بدورها في وسائل عدة ، نذكر

منها :

- رفض الامتثال لقوانين منع الحجاب في الجامعات ومحاولة فرضه بالقوة ،

والأمثلة عديدة وتتكرر بصفة دورية ، ومنها : قيام مدير المعهد العلمي للتمريض في

أحد المدن برفض قيام الطالبة الأولى بإلقاء خطبة الوداع في حفل التخرج ؛ لأنها

ترتدي الحجاب تحت قلنسوة التمريض ، وحدثت مشادات كلامية رافقها استخدام

الأيدي [39]  .

وفي المقابل تُؤْثِرُ طائفة من المحجبات ترك الدراسة على خلع

الحجاب [40] ، ومن المعروف أن مروة قاوقجي أثناء الدراسة الجامعية تركت   الدراسة في الجامعة التركية وذهبت إلى أمريكا لرفضها أن تخلع حجابها .

- استخدام أسلوب التظاهرات المؤيدة للحجاب والمناهضة لرفض الحكومة

له ، ومن أمثلتها ما يسمى بسلسلة الحرية ، والتي شارك فيها مائة ألف مواطن   أمسكوا يداً بيد احتجاجاً على منع الحجاب ليشكلوا سلسلة تمتد من أنقرة إلى   اسطنبول ، إلا أنها قُطِعَت لتدخُّل البوليس في بعض المناطق ، ولكنها وصلت في   أماكن أخرى مثل مدينة  " قيصري  " إلى عشرين كيلو متراً [41] .

- يستفيد حزب الرفاه من البلديات التي فاز بها في الانتخابات في تعيين عدد

كبير من المحجبات في إداراتها إقراراً لوجودهن في المؤسسات الحكومية ، كما

يحاول مواجهة الدعارة والإباحية بوصف هذه المواجهة وسيلة غير مباشرة لنشر

الحجاب من خلال غلق بيوت الفساد ، وقام عمدة أنقرة بإزالة التماثيل العارية من

الشوارع وقال بغضب :  " إذا كان هذا هو الفن فأنا أبصق عليه  " [42] .

- يعمد الإسلاميون أيضاً إلى إثارة قضية الحجاب إعلامياً وسياسياً بصفة

مستمرة ، والمثال القريب إصرار مروة قاوقجي على حضور جلسات البرلمان

بالحجاب رغم المواجهة الشرسة والصياح الهستيري الذي كانت تتعرض له داخل

البرلمان ، ورغم تراجع نائبتين لحزبين آخرين عن حجابهما إذعاناً للضغوط ، فقد

تحولت مروة قاوقجي إلى رمز لقضية الحجاب والاضطهاد الديني ، وحظيت

بتعاطف الكثيرين معها محلياً ودولياً .

6 - للحجاب في تركيا أشكال متعددة ومستويات مختلفة ؛ ففي الريف

والأحياء الشعبية تغطي أغلب النساء شعورهن ولكن من قبيل العادة والتقليد ، ومن

أكثر أنواع الحجاب انتشاراً حجاب يتكون من غطاء للرأس والرقبة ، ومعطف

(بالطو) طويل ، ويُرتدى من تحته سروال ، وقد يُرتدى معه قفازات للكفين ،

وتتخير المرأة ما تشاء من الألوان ، وهذا الزي هو أكثر ما يميز ذوات التوجه

الإسلامي . ويوجد النقاب أيضاً في أماكن كثيرة ، إلا أن التركيات يُظهرِن من خلف

النقاب العينين وجزءاً من الوجه إلى أسفل الأنف ، ويقلن : إن ذلك أبعد من الفتنة !

وإذا كان وضع الحجاب في مصر يتجه إلى مشابهة وضعه في تركيا فهناك

دول إسلامية تسير ببطء نحو مشابهة الوضع المصري ، ومن فاته بعض فصول

حرب الحجاب في مصر يمكنه أن يشاهدها الآن في تلك الدول ؛ حيث يعيدها

التاريخ للحاضر مرة أخرى ، مع تعديلات يسيرة في المصطلحات والشعارات ،

التي تعتبر من لوازم عصر حقوق الإنسان والألفية الثالثة !

ولكن إلى أي مدى سيظل التاريخ يعيد نفسه هناك ؟ سؤال للحكماء .

________________________

(1) النهوض الإسلامي ، عبد الجبار البو بكري ، ص 13 .

(2) عودة الحجاب ، ، ج 1 ، ص 288 .

(3) المصدر السابق ، ص 216 .

(4) المصدر السابق ، ص 216 كان هذا يوم كان (بن بيلا) على رأس السلطة وقبل الانقلاب عليه وسجنه ، ليعود وقد تغيرت كثير من آرائه .

(5) الإسلام في الغرب ، جان بول ، ص 188 .

(6) ومن حصاد هذه السياسة الميمونة ظاهرة محزنة فيما يتعلق بالمرأة بدأت من منتصف الثمانينيات وهي : تزايد أعداد المهاجرات المغربيات بمفردهن إلى أسبانيا ، حتى فقن عدد الرجال ، ويعمل أغلبهن خادمات في منازل النصارى ، مجلة الرائد ، عدد 139 سنة 1991م ، ص 56 .

(7) أشواق الحرية ، قضية الحركة الإسلامية في تونس ، محمد الحامدي ، ص 193 .

(8) عودة الحجاب ، ج1 ، ص 253 .

(9) لم يكن هناك موقف رسمي واضح من الحجاب منذ السبعينيات ، وإنما كان هناك مواقف فردية ، حتى بادرت وزارة التربية والتعليم باتخاذ الموقف الموضح .

(10) في دراسة على عينة تمثل الطبقة الوسطى كان التلفزيون هو المصدر الرئيس للمعرفة ، أحوال مصرية ، عدد 1 ، ص 113 .

(11) المصريون والسياسة استطلاع رأي مشترك بين الأهرام ومالكي مركز المشكاة ، ص 30 31 .

(12) ظاهرة الحجاب دراسة عن فترة السبعينيات المركز القومي للبحوث الاجتماعية ، ص 263 .

(13) كما حدث مع د عمر عبد الكافي ، على صفحات مجلة روز اليوسف رائدة مهاجمة الحجاب .

(14) في حادث تفجير مقهى ميدان التحرير بالقاهرة ، نشرت إحدى الصحف أخيراً أن إحدى المنقبات دخلت المقهى ووضعت حقيبة المتفجرات ثم خرجت ثم خفيت القصة بعدها ، إحقاق الحق هويدي ، ص 63 .

(15) ظاهرة الحجاب ، ص 123 .

(16) في الدراسة السابقة لدورية أحوال مصرية عبر أغلب المبحوثين عن رفضهم لفكرة فرض الحجاب على نسائهم معلنين أن الأفضل أن ينبع القرار منهن ، ص 113 .

(17) نشرت الفتوى في مجلة الأزهر عدد ربيع أول 1415هـ .

(18) في حوار مع مفتي الجمهورية من مجلة أكتوبر بعنوان (غسيل مخ) قال عن النقاب : إنه ليس من الإسلام ، وتحدى أن يأتيه أحد بنص يفيد ذلك يعلق محمد إسماعيل المقدم على ذلك بقوله : إن المفتي نفسه قبل تولي المنصب فسر آية الإدناء في سورة الأحزاب بأنها تشمل تغطية الوجه من المرأة ، " بل النقاب واجب " محمد إسماعيل ، ص 37 .

(19) انظر الحرية الشخصية ، د عبد الله خير الله ، ص 361 362 .

(20) ظاهرة الحجاب ، ص 202 204 .

(21) أضواء على تفكيرنا الديني ، محمد الغزالي ، ص 22 .

(22) عودة الحجاب ، ج 1 ، ص 126 .

(23) ظاهرة الحجاب ، ص 130 .

(24) المصدر السابق ، ص 130 .

(25) عودة الحجاب ، ج 1 ، ص 228 .

(26) ظاهرة الحجاب ، ص 122 .

(27) المصدر السابق ، ص 204 .

(28) المصدر السابق ، ص 60 .

(29) د زكي بدوي رئيس مجلس المساجد في بريطانيا .

(30) عودة الحجاب ، ج 1 ، ص 205 .

(31) رؤى مغايرة ، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ، مايو 1997م ، ص 11 (32 ، 33) المصدر السابق ، ص 33 .

(34) مجلة البيان عدد 36 ، ص 63 .

(35) عودة الحجاب ، ج1 ، ص 214 .

(36) حزب الرفاه ، يوسف الجهماني ، ص 18 .

(37) عودة الحجاب ، ج1 ، ص 215 .

(38) مجلة المختار الإسلامي نوفمبر ، 1987م .

(39) رؤى مغايرة مرجع سابق ، ص 30 .

(40) انظر البيان عدد 5 ، ص 90 .

(41) جريدة الشفق الجديد التركية .

(42) رؤى مغايرة ، ص 20 .

 

 

 

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

مشاريع هدم الأسرة المسلمة

من التخطيط إلى التنفيذ

كمال حبيب

 

كانت الأسرة المسلمة ولا تزال تمثل قاعدة الاجتماع الإسلامي ، وكانت ولا

تزال أيضاً تمثل حصن هذا الاجتماع وقلعته ، ومنذ أن اكتشف الغرب بحضارته

(النصرانية اليهودية) أنه لا يمكنه أن يخترق الأمة الإسلامية ، أو يُجهِز عليها

بالوسائل العسكرية عقب محاولاته ومخططاته العسكرية التي كان آخرها الحروب

الصليبية ؛ فإن الغرب سعى إلى تغيير وسائله ، فتحول عن المواجهة العسكرية إلى

المواجهة الفكرية والسلوكية وهو ما يعبر عنه عادة في الأدبيات الإسلامية بـ

(الغزو الفكري ) وكانت أهم أدواته في ذلك إنشاء جيش من المنصِّرين

والمستشرقين ، وتأسيس كراسٍ للدراسات الاستشراقية ، التي تستهدف اكتشاف         العالم الإسلامي واختراقه لمعرفة عاداته وتقاليده ونفسية أبنائه .

وبلغ شأو هذه الجيوش الاستشراقية والتنصيرية حداً سجن العالم الإسلامي

سجناً كبيراً ، فلم تدع شيئاً إلا دسَّت أنفها فيه حتى دخلت مخادع النساء بتعبير

(محمود شاكر ) في رسالته القيمة : ( الطريق إلى ثقافتنا ) وكانت جيوش المنصرين

والمستشرقين هم طليعة الاستعمار ( الاستخراب ) الغربي للعالم الإسلامي كما كانت

هذه الجيوش الاستشراقية هي الأساس الذي قامت عليه مراكز الأبحاث وأجهزة

الجاسوسية والمخابرات المتصلة بالنفاذ إلى أعمق أعماق عالمنا الإسلامي .

وبعد انتهاء الاستعمار ( الاستخراب ) العسكري ظل العالم الإسلامي بحكم

موقعه الاستراتيجي وبحكم موارده ، وبحكم ما يمثله من امتلاك الثروة الحضارية

والروحية الهائلة ، والمتثملة في الإسلام ظل موضع اهتمام لما يمكن أن نطلق

عليه : ( الاستشراق الجديد ) . والاستشراق الجديد لا يعتمد في دراسته عن العالم     الإسلامي على جنوده وأبنائه من الغرب ، بل سعى إلى وجود مستشرقين من أبناء العالم الإسلامي نفسه ؛ بحيث تقوم علاقة ترابط قوية بين المراكز الاستشراقية   في الخارج وبين أطرافها وذيولها في الداخل .

وتمثل ظاهرة ( الأبحاث المشتركة ) عن الاجتماع الإسلامي فيما يتصل

بمظاهر قوته الخاصة بالصحوة الإسلامية ، واللغة العربية ، والأزهر ، والأسرة

المسلمة ، والحجاب ، وانتشار السلوك الإسلامي تمثل موضوعات هامة للاستشراق

المحلي المرتبط بالاستشراق الجديد في الخارج ؛ فلم يعد الذين يرصدون الظواهر

التي تمثل مظاهر قوة في المجتمع الإسلامي من الغربيين وإنما هم من جلدتنا

وأبنائنا ويتحدثون بألسنتنا . ووُجِدت نخبة متغربة تتبنى قيم الغرب نمطاً للحياة

بديلاً عن نمط الحياة الإسلامي ، وقد استطاعت هذه النخبة السيطرة على مراكز

صناعة القرار وخاصة الإعلام والفكر والكتابة ، وصارت الذراع الفكرية التي

تحمي النظم الحاكمة وتسوِّغ لها الاندفاع في التبعية للأفكار والقيم الغربية : تارة

باسم التقدم ، وتارة باسم ( الوراثة ) . وبلغت الرغبة في الاختراق حداً مريعاً ؛ إذ

وصل الأمر بالإصرار على اختراق المؤسسة الدينية ذاتها ؛ وكأن الغرب يريد أن

يقول : إنه لا توجد مؤسسة مهما كان شأنها عصية على الاختراق . وبالطبع فإن

دراسة الوقائع الميدانية للعالم الإسلامي تمثل مدخلاً هاماً لصناع القرار السياسي في

الغرب وخاصة في أمريكا ؛ حيث تعتبر أمريكا ما تطلق عليه :  ( فهم الطابع القومي

للشعوب) أحد أهم مداخل سياستها الخارجية تجاه العالم الإسلامي بالذات .

وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي غير مأسوفٍ عليه فإن أمريكا صارت القوة

الوحيدة المهيمنة على العالم ، وطرحت ما أطلقت عليه : ( النظام العالمي الجديد ) ثم

نظام ( العولمة ) ورغم أن المصطلح الأول اتخذ طابعاً تبشيرياً يشير إلى وجود نظام

عالمي مرجعي واحد للعالم ؛ بحيث تتلاشى الخصوصيات والصراعات ، وتتوحد

المعايير في التعامل مع المواقف المتشابهة ؛ إلا أن الوقائع أثبتت فشل المصطلح .

أما المصطلح الثاني فرغم أنه حاول المراوغة بالحديث عن نظام اقتصادي تبادلي

تيسره الثورة التقَنيَّة إلا أنه استبطن فرض منظومة قيمية فيما يتصل بالسياسة

والثقافة والاجتماع .

ويبدو أن الغرب بدأ يشعر بأنه حقق ما أراده بالنسبة إلى العالم الإسلامي فيما

يتصل بالسياسة بسيطرته على النظم الحاكمة وفرض ما يريده عليها ، وأن شهيته

الآن بدأت تتجه إلى نظم الاجتماع والثقافة بفرض نظام موحد في الاجتماع والثقافة

وهو ما يمكن أن نطلق عليه :  ( عولمة الاجتماع والثقافة  ) فالاجتماع أساسه

الأسرة ، والثقافة أساسها القيم الدينية ، وفي حالة العالم الإسلامي فإن القيم   الإسلامية هي التي تصوغ الاجتماع والثقافة وحياة البشر والناس .

إن الغرب شعر أن النظم الحاكمة قدمت عبوديتها وولاءها ؛ لكن الناس

والبشر في العالم الإسلامي لا تزال تأبى إلا أن تجعل عبوديتها وولاءها لله ؛ ومن

هنا كان اقتحام عالم الأسرة التي تمثل أساس الاجتماع الإسلامي .

وبشكل عام فإن الغرب وأمريكا خاصة تتبنى ( سياسة تفكيك المجتمعات ) أي

جعل أهلها شيعاً وأحزاباً وهي السياسة الفرعونية التي تعبر عن الطاغوتية

والاستعلاء ، ولكي تفكك هذه المجتمعات فإنها تسعى إلى ضرب مواطن القوة التي

تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية . وأحد أهم مواطن القوة في العالم

الإسلامي نظام الأسرة الذي يحفظ للمجتمع قوته وتماسكه . وتبدو الهجمة الغربية

(الأمريكية) الآن عبر تسيدها وهيمنتها وشرائها للنخب العنكبوتية ، واحتفائها

بجمعيات ضغط نسائية منتفعة ، وعبر جمعيات حقوقية نسائية وحقوقية عامة ،

وعبر تمويل هذه الجمعيات وكأنها فيها تفرض ولو بالقوة أجندة خاصة ، وتأتي

الأسرة والمرأة وقضاياها ذات الأولوية من الهجمة الغربية الأمريكية الجديدة ، وهذه

الهجمة تؤكد أن الغرب ووكلاءه في المنطقة ينتقلون من التخطيط والإعداد للغزو

الفكري والقيمي للعالم الإسلامي إلى التنفيذ منتهزين لحظة تاريخية إنما هي القوة

المتسيدة للغرب وضعف العالم الإسلامي .

تعميم الحالة المصرية :

في مصر حيث يعتبر الأزهر المؤسسة الإسلامية الأولى وأحد المرجعيات

السنِّية الأعلى في العالم الإسلامي في مصر هذه تم  ( إقرار قانون الأحوال الشخصية

الجديد  ) وهو قانون أعدته بالأساس وزارة العدل المصرية . ووفق معلوماتنا فإن

مشروع القانون جاء استجابة لتلبية مطالب ( اللوبي النسائي المصري ) الذي يرتبط

بالتيار النسوي الغربي وهو التيار الذي صاغ أجندة مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد

في القاهرة عام 199م ، ثم أجندة ( وثيقة مؤتمر بكين ) الذي عقد ببكين في الصين

عام 1995 م ، وهي سلسلة مؤتمرات بدأت في السبعينيات تبنتها الأمم المتحدة ،

وتستهدف بشكل أساس ( إعادة الهندسة الاجتماعية للأسرة وللاجتماع الإنساني

والبشري ) . وهذه المؤتمرات وأفكارها تستمد قوتها من أمريكا والأمم المتحدة

والعالم الغربي الذي يريد أن يفرض عولمة الاجتماع الإنساني وفق منظومة القيم

الغربية مستظهراً دعاوي حقوق الإنسان وحماية المرأة ؛ حيث إن العالم الغربي لم

يعد يرى أن ترتيب قواعد الاجتماع البشري مسألة داخلية تخص أبناء دين أو

مجتمع بعينه ؛ وإنما هي مسألة كونية عالمية تفرض القيم الغربية ، وتستدعي

حمايتها ولو بالتدخل الذي يحمل صفة إنسانية .

ووفق معلوماتنا فإن الغرب وأمريكا لم تكن بعيدة عن مطالبة وزارة العدل

المصرية بطرح مشروع القانون الخاص بالأحوال الشخصية ، وفرض مواد

موضوعية فيها وهي المواد الخاصة ( بالخُلع ) ( وسفر الزوجة ) و ( قبول طلاق

المتزوجة عرفياً  ) ؛ فقد كان مشروع القانون الذي عرض على مجلس الشورى

المصري عام 1998م إجرائياً بحتاً ؛ لكن إضافة هذه المواد عليه نقلته من كونه

قانوناً للإجراءات إلى قانون موضوعي ؛ والهدف من ذلك كسر قوامة الرجل

بالسماح لزوجته بالسفر دون إذنه ، وتفكيك الأسرة المسلمة عن طريق إعطاء المرأة

( حق الخلع  ) أي الحرية بالمفهوم النسوي لإنهاء العلاقة الزوجية متى شاءت دون

أن يكون هناك أي عوائق يتطلب إثباتها مثل  ( الضرر  ) .

ولأن القانون يدخل في نسيج العلاقات الخاصة أولاً ، ويتدخل في منطقةٍ

فَصَل الإسلامُ فيها باعتبار أن التشريع لها حق لله وحده ثانياً ، ولأن هذه المنطقة من

التشريع لا تزال البقية الباقية من القوانين القائمة الآن ومرجعيته الإسلام ، لكل هذه

الاعتبارات أراد واضعو المشروع أن يحصلوا على موافقة الأزهر ، فعرض على

مجمع البحوث الإسلامية الذي رده مرتين اثنتين بعد مناقشات وتمحيص ، ثم عرض

على مجلس الشعب ؛ حيث تمت الموافقة عليه بعد حذف مادة حق الزوجة في السفر

بدون إذن زوجها ، وبقيت مادة الخلع .

والذي لم يجرِ الالتفات إليه في قانون الأحوال الشخصية الجديد بمصر ؛ أنه

ألغى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية وهي آخر ما كان باقياً للإسلام من أثر حاكم

ومرجعي في القوانين ؛ ومن ثم فإن القانون الجديد رغم المعارضة الإسلامية

والشرعية له فإنها معارضة في الفروع وليس في الدفاع عن المرجعية الإسلامية

ذاتها أي أنه قانون مرجعيته مدنية علمانية ، والقصد من ورائه هو تعميم هذه

التجربة في قوانين البلدان العربية الأخرى ؛ بحيث يكون هناك قانون موحد للبلدان

العربية للأحوال الشخصية وتكون مرجعية هذا القانون الموحد مدنية علمانية ، وهو

جزء من المشروع الغربي لعولمة الاجتماع الإسلامي وعلمنته ، وتواكب الحديث مع

إخراج قانون الأحوال الشخصية الجديد في مصر عن تعديل المادة 240 في قانون

العقوبات التي تساوي بين المرأة والرجل إذا وجد أي منهما الآخر متلبساً بالزنا ؛

فالمادة الحالية تجعل الرجل الذي يقتل زوجته إذا رآها متلبسة بالزنا مع آخر في

فراشه تجعله متهماً بجنحة باعتباره دفاعاً عن شرفه ؛ بينما إذا حدث ذلك بالنسبة

للمرأة فإنها تكون جريمة خيانة وهي مادة مأخوذة من القانون البلجيكي لكن الفكرة

المهيمنة على النائبة التي طالبت بتعديل المادة هي فكرة المساواة بين المرأة والرجل

رغم أن المناط مختلف ؛ فقد تكون المرأة التي رأتها الزوجة مع زوجها زوجته

الثانية وليست خدينة له ، بينما في حالة المرأة لا يمكن أن يكون من معها زوج

لها ؛ لأنها لا تجمع بين زوجين في آنٍ واحد .

لكن المطالبة بتعديل المادة هو جزء من حملة نسوية تطرق على الحديد وهو

ساخن ؛ وبالمنهج نفسه والاستراتيجية ذاتها بدأ تحرك الجمعيات النسوية المصرية

المشبوهة لتأسيس اتحاد فيما بينها على طريق تنظيم صفوفها لطرح مطالبها النسوية

ذات الطابع الشاذ والعنصري . وعلمنا أن المحرِّكة لفكرة تأسيس اتحاد نسوي هي       (نوال السعداوي) التي قامت بعقد مؤتمر صحفي دعت إليه الوكالات الغربية العاملة

في مصر وحدها مطلع هذا الشهر ؛ حيث طالبت بتشريعات نسوية علمانية لا يكون

لله فيها أي سلطان أو حق على حد تعبيرها ، ومعلوم أن الجمعيات النسوية المصرية

والعربية قد تفككت عُراها بسبب اتهامات بسرقات تمويل هذه الجمعيات من الجهات

الأجنبية . وآخر ما أمكننا رصده مما يمكن أن نطلق عليه :  ( توابع قانون الأحوال

الشخصية المصري ) ما تقدم به النائب ( محمد خليل قويطة ) من اقتراح مشروع

قانون لتعديل قانون العقوبات ، بحيث يتناول التعديل في مادته 290 جواز قيام

النيابة بالإذن بإجهاض الفتاة التي تحمل سفاحاً بناءاً على تقرير الطبيب الشرعي .

وقال النائب : إن الاقتراح يخفف من متاعب الجنين عليها ، ويزيل مخاوفها من

رعاية طفل فرضته جريمة الاغتصاب .

ولا بد من ذكر المظاهرة النسوية التي سبقت إخراج (مشروع) قانون الأحوال

الشخصية والتي تمثلت في المؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في مصر في

الذكرى المئوية الأولى لصدور كتاب قاسم أمين ( تحرير المرأة ) الذي صدر عام

1998م وذلك في الفترة من23 - 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1999م ؛ وفي تجمع

لنساء أخفقن في حياتهن الزوجية أو العجائز والمقعدات ليعبرن بصراحة عن محادة

الله ورسوله والدعوة إلى تبني القيم النسوية الغربية والتخلص مما أسموه : (القيود

الدينية) في ذلك المؤتمر طالب هؤلاء النسوة بالمساواة بين الرجل والمرأة في

الميراث وبحق المرأة المطلَق في الحرية بجسدها ، وبحقها في كسر أي قيود للرجل

عليها . وبلغ التطرف النسوي العربي حداً دفع بعض المشاركات إلى رفض هذا

التطرف للمرأة العربية ، وانسحبت المحجبات من الجلسات التي بالغت في الهجوم

على الإسلام والدعوة الصريحة للعري وإلى التبذل المحرم ، كما امتنع ممثلو التيار

الإسلامي (ممن دعي) من الحضور لاقتناعهم أن النسوة الذين تم مشاركتهن لا

يعبرن عن تيار حقيقي في العالم العربي والإسلامي وأنهن فئات مهمشة ومهووسة

بتقليد الغرب ومنسحقة أمام قيمه ؛ فالحالة المصرية تستجمع قوتها النسوية للتنفيذ

والإعلان عما كان مخبوءاً .

وبينما كان الصخب حول مشروع قانون الأحوال الشخصية على أشده في

القاهرة إذا بالرباط تتجاوب معها ؛ حيث انتقل الصخب إلى هناك حول ما أطلق

عليه المغاربة : (خطة الحكومة لتفعيل مشاركة المرأة في التنمية) وحكاية التفعيل

هذه هي أحد بنود الأجندة النسوية القومية لجعل المرأة أكثر فعالية . ومعنى فعاليتها

عندهم هو تأخير سن زواجها ، وانخراطها في العمل بعيداً عن أسرتها باعتباره وفق

قيم الغرب يدر دخلاً ، ومن ثَمَّ فهو العمل المحترم حتى لو كان من البغاء بينما يُنظر

للمرأة التي تعمل في البيت بأنها خارج الإطار ولا تعمل عملاً منتجاً . وفي الواقع

فإن مسألة الاندماج في التنمية بالمغرب ليست سوى ستار لإقرار قانون أحوال

شخصية جديد هناك شبيه بقانون الأحوال الشخصية الذي تم صكه في مصر ووافق

عليه شيخ الأزهر ورئيس جامعته . ومن قبل في لبنان ثار موضوع ( الزواج

المدني  ) ؛ حيث تكون مؤسسة الزواج لا تقيم أي اعتبار للدين أو العقيدة ؛ بحيث

يمكن للمسلمة أن تتزوج كافراً أو مشركاً ، وتصبح العلاقة الأسرية علاقة مدنية

يحكمها عقد ينظمها بعيداً عن المودة والرحمة التي يفرضها الالتزام بالإسلام . وفي

الكويت شهدت مسألة حقوق المرأة السياسية صراعاً بين العلمانيين والإسلاميين ،

وتم التصويت ضدها في مجلس الأمة الكويتي . ويهدف الذين يتبنون قانون الحقوق

السياسية للمرأة في الكويت إلى كسر الحجاب بين المرأة والرجل وفرض الاختلاط

بشكل مطلق ؛ وهو ما يعد تهديداً لتقاليد المجتمع الكويتي . وفي الإمارات دعوة إلى

اقتحام المرأة للوزارة .

إن ما يحدث الآن هو التلاعب بقواعد الاجتماع الإسلامي وطرح قواعد جديدة

مستلهَمة من الرؤية الغربية إلى حد محاولة فرض أيديولوجية نسوية جديدة لها

انتشارها وذيوعها كما كان الحال بالنسبة للاشتراكية والشيوعية والليبرالية وتكون

هذه الأيديولوجية عابرة للقارات ؛ بحيث تكون المساواة بين الذكر والأنثى هي

محورها ! إنها الحرب الجديدة ولا شيء سوى كونها حرباً حقيقية تحتاج إلى وعي

وجهاد لمدافعتها ورد خطرها عن مجتمعنا الإسلامي ؛ فهو آخر خطوط دفاعنا عن

حصوننا .

________________________

 

 

 

مقال

المرأة .. وتخرصات التحريريين

بقلم : علي التمني

 

القراءة الواعية لكثير مما تنشره بعض الصحف والمجلات تكشف حملة

الأكاذيب التي تشنها هذه الأيام بعض أقلام السوء والهزيمة والتبعية في شأن المرأة

وشجونها ، وذلك من قبل بعض المنابر الإعلامية التي آلت على نفسها إلا أن تكون

حرباً لا هوادة فيها على القيم الإسلامية بعامة وعلى ما يعني المرأة منه بخاصة ،

لقد كان الإسلام وسيظل كريماً مع المرأة والرجل على حدّ سواء ، لأنه الدين الذي

ارتضاه الخالق (عز وجل) ليقود البشرية إلى الرفعة والسعادة والطمأنينة ، خلاف

كل المبادئ الوضعية التي أغرقت الإنسان في الضياع والرذيلة والعبثية ؛ الأمر

الذي أدى إلى فقدان الإنسان المعاصر على وجه التحديد لقيمة الغاية والهدف في هذه

الحياة ، فأصبح الإنسان غير المؤمن بالإسلام ضائعا تائهاً بين مبادئ وأفكار

ونظريات كلها يصب في بوتقة الحسية والمادية والشهوانية بكل صورها وأبعادها ،

أقول هذا لأنني والعقلاء في كل زمان ومكان على إدراك بأن الحياة لاتقوم في فهمها

على مبدأ الاختزال ، اختزال المبادئ في نظرية أو مقولة كمقولة (تحرير المرأة)

على سبيل المثال والتضحية بكل معاني الحياة وجوانبها الأخرى . إن الداعين إلى

تحرير المرأة على الطريقة العلمانية (اللادينية) والداعيات إلى ذلك التوجه في

الوطن الإسلامي كذلك ، إنما ينشدون محالاً من الأمر ، فهم وهنّ في شقاء مستمر

في سبيل الوصول إلى مركب يجتمع فيه الخير والشر في آن ، وكما قلت : فذلك

من المحال ؛ إن الإسلام الذي جاء شاملاً وكاملاً من عند الله لا يمكن أن يكون

ألعوبة في أيدي هؤلاء العابثين المخربين دعاة وداعيات التحرير المزعوم ، فالمرء

مخير بين أمرين لاثالث لهما : إما الإسلام كله ، أو التبعية للجاهلية المعاصرة كلها ،   ولاخيار ثالث لهما ، فليعِ هذا من أراد مناطحة الجبال .

لقد ظهرت الدعوة إلى تحرير المرأة في أوائل القرن العشرين (الميلادي » في

صور مختلفة وأساليب متعددة وإن كانت الغاية واحدة في كل الأحوال لجميع الدعاة

إلى هذا الأمر الغريب العجيب :

فهناك الوضوح السافر في الدعوة إلى تحرير المرأة وخروجها على تعاليم

ربها (سبحانه وتعالى) ومن خلال الكتب المنشورة على أوسع نطاق ككتابَي قاسم

أمين : » تحرير المرأة « و » المرأة الجديدة « .

وهناك الدعوات المستترة المترددة التي تخشى رد فعل المسلم الغيور على دين

الله القويم ، وكتابات بعض كاتبات هذه الأيام في بعض المجتمعات الإسلامية التي

وقفت بكل صلابة في وجه دعاة التغريب والذوبان في الآخر غير المسلم وهي التي

تعرف بالمجتمعات المحافظة لدى بعض كتاب التغريب في تناولهم لهذه المجتمعات

المسلمة المخلصة لدينها ، أقول : تبدو دعوات التحرر المستترة الخائفة المترددة تلك

في كتابات بعض كاتبات تلك المجتمعات تارة بتسفيه نص من القرآن أو من السنة ؛

كتسفيه إحدى الكاتبات للحديث الصحيح حول خلق المرأة من ضلع أعوج في

مجموعة قصصية لها بعنوان (والضلع حين استوى » ! ، أو الكاتبة التي تسخر من

الحديث الصحيح » وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن « في

قصة لها عنوانها (تمرد) .

ومن تلك الكتابات الداعية إلى تحرير المرأة المسلمة بل تخديرها وصولاً إلى

الهدف المنشود ، وهو : إقصاء الإسلام من الحياة ، تلك التي تعتمد الكذب والبهتان

بمناسبة وغير مناسبة .. التأكيد على أن الكثير من الأحكام المتعلقة بالمرأة مثل :

الحجاب الشرعي المتضمن حجب الوجه عن الأجانب والميراث ، والقرار في البيت ،     وعدم الخروج إلا لحاجة وفق الضوابط المشروعة ، وكذا الشهادة ... وغيرها من

الأمور المتعلقة بالمرأة المسلمة ، هذه الأحكام عند هؤلاء ليست من الدين في شيء

رغم قناعتها بأنها من الدين وهي تحاول جاهدة وبكل ما تملك من قدرة على الإقناع

أن تغرس هذه الأغاليط والأكاذيب في عقول وأفئدة القراء ، وهي في أكاذبيها تلك

إنما تحاول الإيهام بأنها ليست ضد الدين (الصحيح) ، بل ضد ما تزعم أنه ليس من

الدين في شيء ، مدعية أنها بعملها ذاك إنما تخدم الدين وتذود عنه الجهلة الذين

يشوهون وجهه المشرق (سبحانك هذا بهتان عظيم) وَلَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا

يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور : 16] .

ومن صور الهجوم على المرأة المسلمة والدعوة إلى تحريرها في كتابات

أدعياء التحرير والتنوير : القول بأن ما ورد في القرآن والسنة حول المرأة أحكاماً

وآداباً ملزمة للأمة من قبيل ما تقدم في الفقرة السابقة إنما هو قشور وفروع لا قيمة

لها ، ولن يترتب على تخطيها أدنى ضرر ، بل إن إيقاع العصر في زعمهم يتطلب

هذا التخطي والاستبعاد لهذه الأحكام التي لم تعد صالحة لعصر الصعود إلى القمر

ودخول سباق الفضاء وعالم الحاسوب وغير ذلك ، وكأن التقدم العلمي والتقني لن

يتحقق إلا على أنقاض الفضيلة والإيمان والالتزام بأحكام وقيم الإسلام الخالدة ، التي

هي في الواقع لمن لم تطمس فطرته النقية ولم تذهب معالم الإيمان من نفسه هي

خير معين على العطاء والعمل والابتكار بما ينفع الناس ، إنها الهزيمة النفسية

والمعنوية ، حينما تحل في امرئ فإنها تفقده القدرة على التمييز بين الحق والباطل ،

فيرى الحق باطلاً والباطل حقّاً ، والله المستعان .

إن الهجوم على المرأة المسلمة إنما هو هجوم على قيم الإسلام ، ذلك أن

الدعوة إلى تحرير المرأة إنما هو تسفيه لدينها الذي هو عصمة أمرها وهو اختيارها

ووجودها عبر أكثر من أربعمئة وألف من الأعوام ، وهو الذي أخرجها من ذل

وأسر الجاهلية إلى عز الإسلام ، فالدعوة التحريرية دعوة في الواقع إلى إرجاعها

إلى الذل والأسر من جديد ، ودعوة إلى تحويلها إلى دمية لمجرد المتعة على

الطريقة التي يعرفها دعاة التحرير في » كان « و » هوليود « و ... حيث مسارح

الرذيلة وملاهي الخنا .

لقد ملت هذه الدعوات هناك الكثيرات من عاقلات الغرب الذي يسير دعاة

وداعيات إلى الإسلام بكل سعادة وسرور نافضات عن كواهلهن ميراث الكفر الذي

أورثهن الذل والضياع في الدنيا رغم دعاوى التحرر والمساواة التي يتشدق بها دعاة

الرذيلة الذين لا همّ لهم إلا معاقرة الخنا والجريمة عن طريق الإيقاع بالمرأة

واستدراجها بعيداً عن قلعة العفة ؛ لتكون لعبة الرجل المفضلة كما يريدها أصحاب

الفجور الذين لا خلاق لهم ، إن المرأة التي تنطلي عليها هذه المؤامرة واحدة من

اثنتين : جاهلة لاعلم لها بشيء على الإطلاق ، لا بما يحاك ضدها ولا بأمور دينها ،   أو عالمة بما يدور حولها وبنتائج هذه الدعوة الخبيثة ، فتكون في هذه الحالة جزءاً

من المخطط الجهنمي الذي يدبر بليل ونهار ، ليس للإيقاع بالمرأة فحسب ، ولكن

لتقويض الكيان الإسلامي من أساساته ، ولن يتم ذلك لدعاة الهدم والتخريب بإذن الله

ثم بيقظة المخلصين ، فليتدبر كل منا أمره ؛ فالخطب جسيم ، والهجمة شرسة ،

والطريق طويل وشاق ، والله المستعان .

________________________

 

 

 

مقالة

المرأة بين تفكيرين

إعداد :نورة السعد

 

لم تعِ المرأة المسلمة بعد أنها الخاسرة في هذه الصفقة العصرية المسماة »

تعليم البنات « في كثير من البلدان ، وهي خسارة لم تطلها وحدها بل انسحبت

بآثارها المدمرة على المجتمع بأكمله .. ماذا جنت المرأة عندما دفعوها دفعاً إلى

صعود مراقي التعليم العلماني ؟ ! غير أنها جنت على نفسها وعلى من سواها ؟ لقد

أخرجوا المرأة من بيت وليّها : أباً أو زوجاً ، بشتى الحيل وأهونها فكان ذلك بداية

المحذورات جميعاً ، وتركت المرأة جهادها الكريم في بيتها وانصرفت إلى نضال

مدنّس أو على الأقل ثانوي في الخارج ؛ سعياً وراء تحصيل العلم بزعمهم ! !

وتحقيق الكيان الاجتماعي ! ! والوظيفة المرموقة ، وباسم العلم والنور والتقدم ! !

أخرجوا لنا نماذج نسويّة تمرست وتقلبت في معتركات التعليم ومجالات العمل

ومسارح الاختلاط المختلفة ، نماذج (رائدة) خلّفَت وراءها رسالتها وبخاصة هموم

البيت ، ومشاكل الزوج والأولاد ! ! فضلاً عن تخلّى الرجل عن ولايته وقوامته

على المرأة ، فلم يعد يأمر في أهل بيته ولا ينهى وانسحبت المرأة من البيت ،

وتفككت الأسرة وضاعت المسؤوليات .

لماذا تتعلم المرأة ، وماذا تتعلم ؟

تتعلم المرأة لتنير عقلها وقلبها ، وبماذا تنيره يا ترى ؟ بالمناهج الدراسية

الرجّالية التي لا تنفع المرأة ، ولا تستقيم مع فطرتها ، ولا مع دورها الحقيقي في

المجتمع ! أم بالمناهج التعليمية إياها في شتى المراحل المملوءة بالأفكار اللادينية بل

المناوئة للدين أحياناً .. تلك المناهج التي تكرس الازدواجية في الأذهان (تعليم ديني

ومدني ، قديم وحديث) وتعرض المفاهيم الدخيلة وتزكيها وتطمس على المفاهيم

الإسلامية وتشوهها (لاسيما مناهج التاريخ والتربية والاجتماع ، وخصوصاً مناهج

الدين ! ! ) . [1]

وما ضرورة الدراسات العليا للمرأة المسلمة ؟ في كثير من الأحيان هل حقاً

هو التحصيل العلمي ! ! أم صرعة المساواة مع الرجل ؟ إذن فما الآثار المترتبة

على تخريج تلك الأفواج من حاملي الإجازات (العلمية) ؟ ! أين فاعليتهم الاجتماعية ؟   وماذا قدموا للمجتمع ؟ ! ماذا قدمت تلك الرسائل الجامعية في معظمها غير انتحال

أفكار الآخرين واقتباس كلامهم ، وتبني مناهجهم الضالة دون فهم أو تمحيص ؟

حتى أصيب كثير من الرجال والنساء بالخلل العقدي ! !

فأجيبوني ما ضرورة الدراسات العليا للمرأة ؟ لاسيما إذا جرها ذلك إلى

التغرّب وحدها ؟ ! فإن سفر المرأة يعني : سفراً دون محرم ، وإقامة دون ولي

واختلاطاً ومنكرات لا تعد ولا تحصى ، خصوصاً في هذا العصر ، وعند فتيات

اليوم ، اللاتي لا يبالين بركوب الصعاب ، وخوض غمار التجارب ، برغم قلة الزاد .

وحتى عندما ترافق المرأة زوجها المبتعث إلى الخارج ، يتفتق الذهن التجاري

للزوجين في كثير من الأحيان عن فكرة إكمال المرأة للدراسة أيضاً ، لا من أجل

سواد عيون العلم ، ولكن تجميعاً للمرتبات (مرتب دراسي هنا ومرتب وظيفي هناك)

أما الأولاد فيحصلون على الحشف وسوء الكيلة ، ففوق التغريب يلاقون الإهمال ،

فيرمى بهم إلى جليسات السوء (baby setters) والمدارس الأجنبية ، وإلى خضم

الحياة الغربية الموبوءة ذاتها .

ويدّعي الجهلة والمضللون : بأن الاختلاط أقل كلفة من إنشاء كليات للبنين

وأخرى للبنات ، ولكن ما الداعي أصلاً إلى تعلم المرأة لعلوم الذرة والهندسة

والزراعة ! ! والإعلام والصحافة ! ! والآداب والفنون ! ! وغير ذلك ؟ هل

ليستوي الرجل والمرأة ، في الخضوع للغزو الثقافي وغسيل الأمخاخ والتناقضات

العقدية ، ولماذا كل هذا الحرص على إخراج المرأة وإفسادها ؟ لماذا تمجّد وتلمّع

النماذج الشاذة في المجتمعات الإسلامية من شويعرات ومتأدبات وفنانات ومفكرات

ومتحزبات ومستوزرات ! ! لماذا جعلوا المرأة التقدمية بزعمهم تمشي تحت هالة

من الأضواء والتعاطف ، وصوروا المجتمع الشرقي المتخلف كما يحبون أن يطلقوا

عليه يكمن مترصداً وراء الجدار على هيئة رجل ملتحٍ بيده خنجر ؟ ! هل الإسلام

عدو للمرأة ؟ ! سيقولون لك : لا ، لكن الإسلاميين كذلك ! فالإسلام الموجود بين

دفتي المصحف ليس خصماً لهم مادام القرآن مهجوراً ! !

ولكن أين هي المرأة المسلمة ؟ ! هل هي تلك الخيمة المتحركة كما يدعون !!   المرأة الجاهلة المتخلفة ! تلك التي أورثتها جدران البيت قصر النظر وبلادة الحس ،   وسُقم التفكير ! ! هل هي تلك التي لا تعرف من الحياة سوى الطبخ والنفخ ، »

واسكت يا ولد « ، وهات أيها الزوج ؟ ! أم أنها تلك المرأة العصرية (الواعية) ! !

التي تتمتع باستقلالية اقتصادية وفكرية ! ! تلك التي تدفع بأبنائها إلى المدارس

الخاصة أو المدارس الأجنبية ! ! تلك التي تختار بلداً أجنبياً لتمضية الإجازة

الصيفية ، لينعم أطفالها » بكورسات « اللغة الإنجليزية ويمارس أفراد العائلة

حرياتهم بعيداً عن أعين الرقباء ! ! تلك الأم العصرية التي اهتدت ( ! ! ) إلى

تطبيق التربية الحديثة الفذّة فألبست صغيرتها ذات الاثني عشر ربيعاً ( ! ! ) »

البنطال « و » التي شيرت « وتركتها تقص شعرها كالصبي ، وتمارس الهوايات

الرياضية ، وتتلقى دروساً في الموسيقى ، ولأنها تتفوق في الفيزياء والرياضيات

الحديثة ، فليس عليها بعد ذلك ألا تحسن شأناً نسوياً واحداً وألا تعرف من القرآن

والدين إلا ما تجتاز به امتحاناً ، دون ممارسة أو تطبيق ، ولماذا تتحجب هذه الفتاة

وأمها لا تلتزم كثيراً بالحجاب الشرعي ! ! ولماذا تتحجب والحجاب مسألة

شخصية ! ! ولماذا تكره على الصلاة ؟ وليس لديها وقت لذلك ! ! فالوقت مزدحم   بالدراسة والنادي والأتاري والفيديو والفسح ... الخ عندما تبلغ الفتاة سن الرشد فإنها   ستختار (أو لن تختار) لنفسها الحجاب والصلاة وبقية الأمور المؤجلة ! ! أما   الآن فالأم تسلح ابنتها بأساسيات الحياة وبما ينفعها حقاً في حياتها العملية ! !

هذا جانب من التربية الحديثة التي تفتخر بها الأمهات العصريات في المجالس

النسوية ، ويفضلن الحديث فيما أنفقنه على المدارس الخاصة ، ودورات المهارات

الالكترونية ، وملابس الصيحات الحديثة ، والسفريات هنا وهناك فسينفقون أموالهم

ثم تكون عليهم حسرة .

إن المرأة المسلمة حقاً هي التي بايعت الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم-على

السمع والطاعة : فصانت نفسها ، وحصنت بيتها ، وجعلت همها الأول في حمل

الأمانة التي استحفظت عليها : تربية الأجيال الربانية المحمدية ، وعرفت حق

المجتمع عليها ، فانطلقت تتفقه في دينها ، وتدعو قريناتها ، وتنصح لأخواتها .

إنها تلك التي طالبت بنصيبها من الهدي الرباني لما غلبها الرجال عليه

فاستجيب لها ، لأنها شقيقة الرجل ، أي شريكته لا نده ، فإن اختلاف الطبائع

الجسدية والنفسية ، عند كل من الرجل والمرأة يعني بالضرورة اختلافاً حاسماً في

الوظائف والأدوار ، وإلا فإنه من المجافي للمنطق أن يخلق الإنسان ذكراً وأنثى

دون أن يترتب على ذلك أمرٌ ما .

ولقد خرجت المرأة المسلمة في خير القرون ، مجاهدة في ظل القرآن لكن ذلك

لا يعني أنها هجرت بيتها ، وحملت السيف وجالدت الرجال ، فإن النماذج المعروفة

لنا لا تمثل صوراً عامة ، لكنها نماذج معدودة فحسب لنساء مسلمات ، استجبن

بشجاعة منقطعة النظير لدوافع إيمانية بحتة ، فقد شهدت نسيبة بنت كعب مع

زوجها وابنتها أُحداً ، وشهدت أيضاً الحديبية ويوم حُنين ويوم اليمامة ، وشهدت

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما اليرموك مع زوجها الزبير ، وشهدت أم سُلَيم

حنيناً مع زوجها أبي طلحة ، وابنها أنس بن مالك ، وحمل عبادة بن الصامت زوجه

أم حرام معه لما غزا قبرص في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه .. ويتجاهل

الكثيرون أن هاتيك النسوة المسلمات ، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله

عنها قد شاركت في الأحداث المهمة في عصرهن ، وخُضنَ المعارك ، ومع ذلك كله

فلم تكن إحداهن تكلم الرجال إلا من راء حجاب .

إذا كان الرجل نصف المجتمع فإن المرأة هي نصفه وحاضنة نصفه الآخر

فهذا الرجل نفسه قد تعرض لتربية المرأة أماً وتأثيراتها أختاً وابنةً وزوجاً ، وإذا

كان في وسع الرجل أن يتنصل قليلاً أو كثيراً من مهامه داخل بيته ، فإن المرأة لا

يسعها من ذلك أقله ، فهي المربية المدبرة المسؤولة ، شاءت أم أبت ، فإذا صلحت

صلح الأمر كله وإن غاب الرجل وإذا فسدت لم يُجْدِ مع ذلك دواء .

إن صلاح الرجل والمرأة ، مرتبط أساساً بعودة المجتمع إلى نظام الإسلام ،

إنه في بلوغنا القيم الإيمانية التي تجعلنا نحيا في سبيل الله حياة ربانية كاملة ، في

أقوالنا وأفعالنا ومشاعرنا وأذواقنا ، وخلجات صدورنا وآفاق تصوراتنا ، وغايات

آمالنا ، إنطلاقاً من غاية التربية الإسلامية ومناهجها المبنية على تكوين الفرد

الصالح في نفسه المصلح لما اسّتُرّعي عليه .. وقد اسّتُرّعيت المرأة على البيت

المسلم الذي يمثل بحق نواة مصغرة للمجتمع كله ، بل الحياة بأسرها .

________________________

(1) انظر د يوسف القرضاوي الحل الإسلامي فريضة وضرورة ط 3 - 1397 هـ مكتبة وهبة القاهرة ص 44-45 .

 

 

 

 

ملفات

العولمة .. مقاومة وتفاعل

العولمة الاجتماعية للمرأة والأسرة

فؤاد بن عبد الكريم آل عبد الكريم [*]

 

أصبحت « المرأة » و « الأسرة » محورين أساسيين من محاور عمل

التجمعات والفعاليات الاجتماعية في العالم ، ولدى كثير من المنظمات والجمعيات

( الحكومية وغير الحكومية ) التي ترفع لواء ورداء الحرية والمساواة وحقوق

الإنسان .

كما أصبح الشغل الشاغل لتلك التجمعات والمنظمات : السعي لعولمة

الحضارة الغربية ممثلة في الحياة الاجتماعية لتلك الدول ؛ وذلك من خلال تقنين

الإباحية والرذيلة ، ومن خلال محاولة تعميم الشذوذ باسم حقوق الإنسان والحرية

الشخصية ، وتقويض بناء الأسرة ؛ لأنها في زعمهم أكبر عائق من عوائق التقدم

والرفاهية ؛ فهي أقدم مؤسسة اجتماعية يدَّعون أن الرجل يتسلط من خلالها على

المرأة ، ويمارس عليها أشكال القهر ، ومن أجل التحرير المزعوم للمرأة فإنهم

يرون ضرورة التخلص من شيء اسمه « الأسرة » ، ولو أدى ذلك إلى التمرد على

كل التعاليم الدينية ، والمبادئ الفطرية ، التي أرست دعائم الشعوب والأمم على مر

التاريخ البشري .

تلك هي رؤيتهم التي دأبوا على بثها بكل وسيلة ممكنة ، وذلك هو برنامجهم

الذي لم يسأموا من السعي لتحقيقه في الواقع ، وفرضه بالقوة [1] مستعينين بأمور

منها :

أولاً : وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها ( المقروءة والمسموعة

والمرئية ) ، وهذا الأمر معلوم للجميع ومشاهد على أرض الواقع .

ثانياً : الاستعانة بمؤسسات الهيمنة الدولية ، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة ،

وصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي . وهذا ما سيدور حوله الكلام إن شاء الله ؛

حيث إنه يقع في دائرة الاهتمام والمتابعة الشخصية .

ففي السنوات الأخيرة وخاصة في التسعينيات الميلادية ، كما سيتبين ذلك بعد

قليل كثفت الحركات النسوية جهودها ، وكذلك نشطاء حقوق الإنسان من أجل نقل

تصوراتها وأفكارها من حيز الكلام التنظيري إلى حيز التنفيذ العملي ، ومن الأطر

الثقافية ، والأخلاقية ، والاجتماعية الخاصة ببعض الشعوب والحضارات الغربية

إلى النطاق العالمي العام مستغلين طغيان موجة العولمة ؛ وذلك بإقامة مؤتمرات من

خلال هيئة الأمم المتحدة بعضها خاص بالمرأة ، وبعضها الآخر تصبح المرأة فيه

جزءاً مهماً من قضاياها .

أولاً : أجهزة الأمم المتحدة المعنية بالمرأة :

هناك أجهزة وهيئات تابعة للأمم المتحدة معنية بالمرأة تشارك في الإعداد

والتجهيز لهذه المؤتمرات ، منها :

أ - لجنة مركز المرأة التابعة للأمم المتحدة .

ب - صندوق الأمم المتحدة للسكان [2] .

ج - صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة .

د - برنامج الأمم المتحدة الإنمائي .

هـ - المعهد الدولي للبحث والتدريب من أجل النهوض بالمرأة .

و - جامعة الأمم المتحدة .

ز - معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية .

ح - اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة .

ط - منظمة الأمم المتحدة للطفولة .

ي - مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ( الموئل ) .

ك - مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين .

ل - منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة .

وهذه المنظمة الأخيرة التي تعرف باسم : « منظمة اليونسكو » ، لها دور

فاعل ومميز في هذه المؤتمرات من حيث الإعداد والمشاركة فيها ؛ فقد قرر المدير

العام لهذه المنظمة إنشاء لجنة استشارية معنية بالمرأة ، وعهد إلى هذه اللجنة بإعداد

ما يمكن لهذه المنظمة الإسهام به في مؤتمر المرأة الرابع في بكين 1995م ،

وتهدف هذه المساهمة إلى ما يلي :

- تعزيز نشاط اليونسكو وتفكيرها بشأن موضوعات المؤتمر الثلاثة :

المساواة ، والتنمية ، والسلام ، وإبرازها بصورة أوضح .

- تعزيز أهمية نوعية التعليم المقدم إلى البنات والنساء على جميع

المستويات ، وفي جميع المجالات .

- إشاعة صور إيجابية عن المرأة تبرز مواهبها ، وخبراتها ، وقدراتها ،

وإسهامها الفعلي بصفتها عاملاً من عوامل التغيير الاجتماعي .

- تعزيز إمكانيات المرأة في اتخاذ القرار في جميع مجالات اختصاص

اليونسكو كالتربية ، والاتصال ، والعلوم ، والثقافة ، ومكافحة جميع أشكال التمييز

والعنف تجاه المرأة .

- الإسهام في القضاء على القوالب الجامدة التي لا تزال تحدد أدوار وسلوك

الرجال والنساء ، وتبقي من ثم على أشكال التفاوت والتمييز التي تستند إلى

الجنس [3] .

ثانياً : تاريخ موجز لهذه المؤتمرات :

بدأ اهتمام هيئة الأمم المتحدة بالمرأة منذ عام 1946م ، حين أُنشئت لجنة

مركز المرأة ( وهي هيئة رسمية دولية تتألف من خمس وأربعين من الدول

الأعضاء تجتمع سنوياً بهدف عمل مسودات وتوصيات وتقارير خاصة بمكانة المرأة

وتقويم تلك الأعمال ) .

وقد أكد دستور هيئة الأمم المتحدة وميثاقها [4] الذي أبرم بتاريخ 26/6/

1945م مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس ، فجعل للرجال والنساء حقوقاً

متساوية ، كما ورد في نصوص موادها : الأولى والثامنة .

ونشير هنا إلى تركيز الأمم المتحدة في اتفاقياتها ومؤتمراتها على قضية

المساواة بين المرأة والرجل بالمفهوم الغربي [5] بوصفها قيمة عليا من القيم التي

قامت عليها الحضارة الغربية ، والتي أصبحت من القضايا المسلَّمة التي لا تقبل

النقاش حولها ، واستخدمت قضية المساواة هذه في تمرير كثير من القضايا التي

تنادي بها الأمم المتحدة لعولمة النموذج الغربي للمرأة في جميع مجالات الحياة

السياسية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والإعلامية .. إلخ .

وقد أكدت المادة الثامنة هذا المفهوم ؛ حيث جاء فيها : ( لا تفرض الأمم

المتحدة قيوداً تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأي صفة وعلى وجه

المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية ) [6] .

وفي عام 1948م صدر ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) شاملاً كافة

حقوق الإنسان المدنية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية التي

يجب أن يتمتع بها كل فرد رجلاً كان أو امرأة .

ففي المادة الثانية مثلاً من هذا الإعلان : ( لكل إنسان حق التمتع بجميع

الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان ، دونما تمييز من أي نوع ، ولا سيما

التمييز بسبب العنصر ، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي

سياسياً وغير سياسي ، أو الأصل الوطني ، أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو المولد ،

أو أي وضع آخر ) [7] .

كما أكدت الأمم المتحدة [8] ضمن بنود دستورها ( ل ) و ( م ) ، على حقوق

المرأة السياسية والاجتماعية ، وحقها في الزواج والاتفاق على الرضا بالزواج

والتوصية بذلك ، بالإضافة إلى حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ

والمنازعات المسلحة .

وفي عام 1951م اعتمد المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية : ( اتفاقية

المساواة في الأجور بين العمال والعاملات ) [9] .

وفي عام 1952م أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ( الاتفاقية الخاصة

بالحقوق السياسية للمرأة ) ، وذلك بناء على توصية اللجنة الخاصة بمركز المرأة .

وبالنظر إلى ( العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية

والثقافية ) المتفق عليه ، والذي أصدرته الأمم المتحدة في عام ( 1966م ) ، نجد

أن المادة الثالثة من هذا العهد [10] تنص على ما يلي : ( تتعهد الدول الأطراف في

هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية

والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد ) [11] .

وكذلك صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ( العهد الدولي الخاص بالحقوق

المدنية والسياسية ) في عام 1966م ، ونص في مادته الثالثة على ما يلي : ( تتعهد

الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع

الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد ) [12] .

وفي عام 1967م صدر ( الإعلان الخاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة ) ،

وقد أقرته هيئة الأمم المتحدة مع توصية ببذل أقصى الجهد لتنفيذ المبادئ الواردة

فيه للحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد ، والذي ينص على حق المرأة

الدستوري في التصويت ، والمساواة مع الرجل أمام القانون ، وعلى حقوقها في

الزواج والتعليم وميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية مع الرجل سواء

بسواء ) [13] .

وفي عام 1968م عقد في طهران مؤتمر دولي لحقوق الإنسان تحت إشراف

الأمم المتحدة ، وسمي : ( إعلان طهران 1968م ) ، ونص في بنده الخامس عشر

على أنه : ( يتحتم القضاء على التمييز الذي لا تزال المرأة ضحية له في عديد من

أنحاء العالم ؛ إذ إن إبقاء المرأة في وضع دون وضع الرجل يناقض ميثاق الأمم

المتحدة ، كما يناقض أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتنفيذ الكامل

لإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة ضروري لتقدم الإنسانية ) . أما البند

السادس عشر من هذا الإعلان فكان من ضمنه ( أن حماية الأسرة والطفل تظل

شاغلاً للمجتمع الدولي ) [14] .

ثم بعد ذلك بدأت الأمم المتحدة في عقد مؤتمراتها الخاصة بالمرأة :

- فعقدت أول مؤتمر عالمي خاص بالمرأة وهو : ( مؤتمر مكسيكو لعقد

الأمم المتحدة للمرأة : المساواة والتنمية والسلم ) ، وذلك في عام 1975م في

المكسيك ؛ حيث حضرته 133 دولة ، واعتمد فيه أول خطة عالمية متعلقة بوضع

المرأة على المستوى الحكومي وغير الحكومي في المجالات السياسية والاجتماعية

والتدريب والعمل على حماية الأسرة .

كما اعتمدت خطة العمل العالمية لعقد الأمم المتحدة للمرأة : المساواة والتنمية

والسلم ، للأعوام ( 1976 - 1985م ) .

- وفي عام 1979م عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار :

( القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ) ، وخرج المؤتمرون باتفاقية للقضاء

على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .

وجاءت هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها ،

إما بتصديقها أو بالانضمام إليها . وقد بلغ عدد الدول التي انضمت إلى هذه

الاتفاقية مائة وثلاثاً وثلاثين دولة ، إلى ما قبل مؤتمر بكين عام 1995م . وكان من

أبرز مواد هذه الاتفاقية :

- الاعتراف بتساوي الرجل والمرأة في الميادين السياسية ، والاقتصادية ،

والاجتماعية ، أو في أي ميدان آخر ، بغض النظر عن حالتها الزوجية .

- اتخاذ جميع التدابير المناسبة - بما في ذلك التشريعي منها - لتغيير أو

إبطال القائم من القوانين ، والأنظمة ، والأعراف ، والممارسات التي تشكل تمييزاً

ضد المرأة .

- تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية للقضاء على العادات القائمة على فكرة

تفوق أحد الجنسين ، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة .

- القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل والمرأة على جميع

مستويات التعليم ، وفي جميع أشكاله ، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من

أنواع التعليم .

- تمنح الدول الأطراف المرأة في الشؤون المدنية أهلية قانونية مماثلة لأهلية

الرجل ، ونفس فرص ممارسة تلك الأهلية .

- أن يكون للمرأة نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسؤولية

عدد أطفالها ، والفترة بين إنجاب طفل وآخر .

- نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية ، والقوامة ، والوصاية على

الأطفال وتبنيهم [15] .

- وفي عام 1980م عقدت الأمم المتحدة ( المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة

للمرأة : المساواة والتنمية والسلم ) في ( كوبنهاجن ) بالدانمارك وهو المؤتمر الثاني

الخاص بالمرأة ؛ وذلك لاستعراض وتقويم التقدم المحرز في تنفيذ توصيات المؤتمر

العالمي الأول للسنة الدولية للمرأة الذي عقد عام 1975م في المكسيك ، ولتعديل

البرامج المتعلقة بالنصف الثاني من العقد الأممي للمرأة .

- وفي عام 1985م عقد ( المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد

الأمم المتحدة للمرأة : المساواة والتنمية والسلم ) في ( نيروبي ) المؤتمر الثالث

الخاص بالمرأة والذي عرف باسم : ( استراتيجيات نيروبي المرتقبة للنهوض

بالمرأة ) وذلك من عام 1986م حتى عام 2000م . وقد شارك فيه سبع وخمسون

ومائة دولة . وقد بين المؤتمر أهداف وغايات العقد الأممي ، وشدد على صحتها

بالنسبة إلى المستقبل ، وبين الحاجة إلى اتخاذ تدابير ملموسة للتغلب على العقبات

التي تعترض سبيل إنجازها أثناء الفترة 1986-2000م .

- وفي عام 1995م عقدت الأمم المتحدة ( المؤتمر العالمي الرابع المعني

بالمرأة ) في ( بكين ) . وقد دعت فيه إلى مضاعفة الجهود والإجراءات الرامية إلى

تحقيق أهداف استراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة بنهاية القرن الحالي .

ويعتبر هذا المؤتمر متميزاً عن المؤتمرات الأخرى التي تبنتها الأمم المتحدة ؛

حيث دعت فيه بصراحة وبوضوح إلى العديد من الأمور التي فيها مخالفة للشريعة

الإسلامية ، بل فيها مخالفة للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها . مثل :

الدعوة إلى الحرية والمساواة - بمفهومهما المخالف للإسلام والقضاء التام على أي

فوارق بين الرجل والمرأة ، دون النظر فيما قررته الشرائع السماوية ، واقتضته

الفطرة ، وحتمته طبيعة المرأة وتكوينها .

وكذلك الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة شرعاً ؛ ومن ذلك :

السماح بحرية الجنس ، والتنفير من الزواج المبكر ، والعمل على نشر وسائل منع

الحمل ، والحد من خصوبة الرجال ، وتحديد النسل ، والسماح بالإجهاض المأمون ،

والتركيز على التعليم المختلط بين الجنسين وتطويره ، وكذلك التركيز على تقديم

الثقافة الجنسية للجنسين بسن مبكرة ، وتسخير الإعلام لتحقيق هذه الأهداف .

كما أن في هذا المؤتمر إعلاناً للإباحية ، وسلباً لقوامة الإسلام على العباد ،

وسلباً لولاية الآباء على الأبناء ، وقوامة الرجال على النساء .

بالإضافة إلى هذه المؤتمرات الخاصة بالمرأة فهناك مؤتمرات أقامتها الأمم

المتحدة خاصة بالسكان ، إلا أنها ناقشت في وثائقها قضايا متعلقة بالمرأة وبالعقد

الأممي الخاص بالمرأة ، وهي :

- المؤتمر العالمي الأول للسكان في ( رومانيا ) عام 1974م . وقد اعتمدت

في هذا المؤتمر خطة عمل عالمية ، جاء فيها :

* الدعوة إلى تحسين دور المرأة ودمجها الكامل في المجتمع .

* الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل .

* الدعوة إلى تحديد النسل ، وتخفيض المرأة لمستوى خصوبتها .

- ( المؤتمر الدولي المعني بالسكان ) في ( المكسيك ) عام 1984م . وقد

جاء في هذا المؤتمر :

* الدعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها المساوية لحقوق الرجل في جميع مجالات

الحياة .

* الدعوة إلى رفع سن الزواج ، وتشجيع التأخر في الإنجاب .

* إشراك الأب في الأعباء المنزلية ، وإشراك المرأة في المسؤولية على

الأسرة .

* الإقرار بالأشكال المختلفة والمتعددة للأسرة .

* الدعوة إلى التثقيف الجنسي للمراهقين والمراهقات .

* الإقرار بالعلاقات الجنسية خارج نطاق الأسرة .

* تقديم الدعم للزناة والزانيات ، بتقديم الدعم المالي ، وتوفير السكن المناسب

لهم .

* وفي عام 1994م أقيم ( المؤتمر الدولي للسكان والتنمية ) في ( القاهرة ) .

وقد نوقشت في هذا المؤتمر قضايا شبيهة تماماً بالقضايا التي سبق ذكرها في

المؤتمر الرابع للمرأة ببكين ؛ فقد أكد قضية المساواة بين الجنسين وأفرد لها فصلاً

مستقلاً [16] . وأما التنمية فإن عنوان المؤتمر أشار إلى ذلك ، فضلاً عن قضايا

تنمية المرأة التي نوقشت في ثنايا المؤتمر .

ومؤتمر السكان والتنمية هذا يعد من المؤتمرات التي أثارت وثيقته ضجة

واسعة في العالم الإسلامي وغير الإسلامي ؛ بسبب مخالفتها للشرائع السماوية

وللفطرة السليمة .

كما أقيمت مؤتمرات أخرى للأمم المتحدة نوقشت فيها بعض قضايا المرأة ؛

فمن هذه المؤتمرات :

- ( المؤتمر العالمي لتوفير التعليم للجميع ) المنعقد في ( جومتيان - تايلاند )

عام 1990م الذي تم فيه الإعلان العالمي لتوفير التعليم للجميع .

- ( مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل ) المنعقد في ( نيويورك ) عام

1990م الذي أكد فيه ما ورد في اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة

للأمم المتحدة عام 1989م . ومن ذلك : حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين ،

والدعوة إلى سلب ولاية الآباء على الأبناء ؛ وذلك من خلال الدعوة إلى تمكين

الطفل من الحصول على المعلومات والمواد من شتى المصادر الوطنية والدولية .

- ( المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية ) المنعقد في ( ريودي جانيرو البرازيل )

عام 1992م الذي أشير فيه إلى حقوق النساء في التحكم في قدرتهن على الإنجاب ،

والدعوة إلى إنشاء مرافق صحية وقائية وعلاجية للرعاية الصحية التناسلية تكون

مأمونة وفعالة ، وكذلك الدعوة إلى تحديد النسل .

وكذلك المطالبة بتحسين مركزهن الاجتماعي والاقتصادي ، ومن ذلك وضع

استراتيجيات للقضاء على العقبات الدستورية ، والقانونية ، والإدارية ، والثقافية ،

والسلوكية ، والاجتماعية ، والاقتصادية التي تحول دون مساواة المرأة بالرجل .

- ( المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان ) في ( النمسا ) ، عام 1993م . وقد

حث هذا المؤتمر على تمتع المرأة تمتعاً كاملاً وعلى قدم المساواة بجميع حقوق

الإنسان السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، وغيرها من الحقوق بالمفهوم

الغربي لهذه الحقوق ، وأن يكون هذا الأمر أولوية من أولويات الحكومات .

وكذلك أكد على قضايا تخص المرأة مثل قضية المساواة التامة مع الرجل ،

وأهمية إدماج المرأة في عملية التنمية بوصفها فاعلة ومستفيدة من هذه العملية .

وكذلك حث هذا المؤتمر على استئصال جميع أشكال التمييز ضد المرأة الخفية منها

والعلنية على السواء وطالب هذا المؤتمر بالتصديق العالمي من قبل جميع الدول

على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بحلول عام 2000م .

- ( إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد النساء)،

وذلك في عام 1993م .

- ( مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية ) الذي أقيم في ( كوبنهاجن ) عام

1995م الذي تم فيه الإقرار بأشكال الأسرة المختلفة ، والدعوة إلى المساواة بين

المرأة والرجل ، ومن ذلك إسقاط قوامة الرجل على المرأة داخل الأسرة ، ودعوة

الرجل لتحمل الأعباء المنزلية ، ودعوة المرأة للخروج للمساهمة في سوق العمل .

وكذلك إزالة القيود المفروضة على المرأة في وراثة الممتلكات .

- ( مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ) ( الموئل الثاني ) الذي انعقد

في ( تركيا ) عام 1996م ودعا إلى كفالة مشاركة النساء مشاركة تامة وعلى قدم

المساواة مع الرجال في الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية . وكذلك الالتزام

بهدف المساواة بين الجنسين في تنمية المستوطنات البشرية ، وكذلك الالتزام

بإدماج الاعتبارات المتعلقة بنوع الجنس ( جندر ) في التشريعات ، والبرامج

والمشاريع المتصلة بالمستوطنات البشرية ، عن طريق التحليل الذي يراعي نوع

الجنس .

كما تم الاعتراف بالأشكال المختلفة للأسرة . وأيضاً دعا هذا المؤتمر إلى

إجراء إصلاحات تشريعية وإدارية ؛ من أجل الحصول الكامل وعلى قدم المساواة -

على الموارد الاقتصادية ، بما في ذلك الميراث ، والائتمان .

- ( مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة عام 2000م المساواة والتنمية والسلام في

القرن الحادي والعشرين ) الذي انعقد في ( نيويورك ) .

وقد تضمنت وثيقة هذا المؤتمر التحضيرية ما يلي :

* الدعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية للمراهقين والمراهقات والتبكير بها

مع تأخير سن الزواج . وأوجدوا مسمًى جديداً للداعرات وهو : ( عاملات الجنس ) ،

وتشجيع جميع أنواع العلاقات الجنسية خارج إطار الأسرة الشرعية (  رجلاً

وامرأة ) ، وتهميش دور الزواج في بناء الأسرة .

* إباحة الإجهاض .

* تكريس المفهوم الغربي للأسرة ، وأنها تتكون من شخصين يمكن أن يكونا

من نوع واحد ( رجل + رجل ، أو امرأة + امرأة ) .

* تشجيع المرأة على رفض الأعمال المنزلية ، بحجة أنها أعمال ليست ذات

أجر .

* المطالبة بإنشاء محاكم أسرية من أجل محاكمة الزوج بتهمة اغتصاب

زوجته .

* إباحة الشذوذ الجنسي ( اللواط والسحاق ) ، بل الدعوة إلى مراجعة ونقض

القوانين التي تعتبر الشذوذ الجنسي جريمة .

* فرض مفهوم المساواة الشكلي المطلق ، والتماثل التام بين الرجل والمرأة

في كل شيء بما في ذلك الواجبات : كالعمل ، وحضانة الأطفال ، والأعمال

المنزلية ، وفي الحقوق : كالميراث .

* المطالبة بإلغاء التحفظات التي أبدتها بعض الدول الإسلامية على وثيقة

مؤتمر بكين 1995م .

ويعتبر أهم هدف في هذا المؤتمر هو : الوصول إلى صيغة نهائية ملزمة

للدول بخصوص القضايا المطروحة على أجندة هذا المؤتمر ، والتي صدرت بحقها

توصيات ومقررات في المؤتمرات الدولية السابقة ، تحت إشراف الأمم المتحدة .

ولأهمية هذا المؤتمر وتعويل التيار النسوي العالمي عليه ؛ فقد أقيمت عدة مؤتمرات

إقليمية لمتابعة توصيات مؤتمر بكين ، والتمهيد لهذا المؤتمر المسمى : « المؤتمر

التنسيقي الدولي للنظر في نتائج وتطبيق قرارات المؤتمرات الأممية للمرأة » .

ومن هذه المؤتمرات الإقليمية :

- اجتماع في نيويورك في عام 2000م ، تحت شعار ( بكين +5 ) إشارة

إلى السنوات الخمس التي مضت على مؤتمر بكين وقد جرى في هذا الاجتماع

محاولة لإدخال تعديلات على وثيقة مؤتمر بكين .

- ( مؤتمر المرأة الخليجية ) في البحرين ، في شهر مارس تحت شعار

(الفرص ، والمعوقات ، والأدوار المطلوبة ) الذي نظمته جمعية فتاة البحرين ،

وشارك فيه عدد من الشخصيات النسائية والرجالية من كل دول الخليج .

- ( مؤتمر تونس ) في 1999م لدول المغرب العربي .

- ( المؤتمر النسائي الأفريقي السادس ) في 1999م في أديس أبابا ، نظمه

المركز الأفريقي التابع للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية .

- مؤتمر - شبيه لما سبق - في عمان بالأردن ، وفي بيروت ، وذلك في

أواخر عام 1999م ، نظمته اللجنة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا .

ثالثاً : أهم السلبيات التي دعت إليها هذه المؤتمرات وهي كما يلي :

1 - ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والاجتماعي ، ومن ذلك [17] :

أ - الدعوة إلى حرية العلاقة الجنسية المحرمة ، واعتبار ذلك من حقوق

المرأة الأساسية .

ب - توفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة .

ج - نشر وسائل منع الحمل ذات النوعية الجيدة ، ومنع حالات الحمل غير

المرغوب فيه ، والدعوة إلى منع حالات الحمل المبكر .

د - الدعوة إلى تحديد النسل .

هـ - الاعتراف بحقوق الزناة والزانيات .

و - الاعتراف بالشذوذ الجنسي .

ز - السماح بأنواع الاقتران الأخرى غير الزواج .

ح - التنفير من الزواج المبكر ، وسن قوانين تمنع حدوث ذلك .

ط - إنهاء تبعية المرأة والبنت من الناحية الاجتماعية .

ي - سلب قوامة الرجال على النساء .

ك - سلب ولاية الآباء على الأبناء .

2 - ما يتعلق بالجانب التعليمي [18] :

أ - تشجيع التعليم المختلط .

ب - الدعوة إلى المساواة في مناهج التعليم .

ج - الدعوة إلى التثقيف والتربية الجنسية .

3 - ما يتعلق بالجانب الصحي [19] ، وأهم السلبيات في هذا الجانب :

أ - الأمراض الجنسية ، ومن ذلك :

- الدعوة إلى أن يكون السلوك الجنسي المأمون ، والوقاية من الأمراض

المنقولة بالاتصال الجنسي جزءاً لا يتجزأ من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية ،

مع ضمان السرية والخصوصية للمراهقين والمراهقات فيما يتعلق بهذا الجانب .

- تيسير انتشار وتوزيع الواقيات الذكرية ( الرفالات ) بين الذكور على

نطاق واسع وبأسعار زهيدة .

- القضاء على التمييز ضد الأشخاص المصابين بالإيدز .

- ضمان عدم تعرض المصابات بالإيدز للنبذ والتمييز بما في ذلك أثناء السفر .

- تقديم ما يلزم من الرعاية والتعاطف للرجال والنساء المصابين بالإيدز .

- الاعتراف بهذه العلاقات الجنسية المحرمة ، والتي تسبب هذه الأمراض

الجنسية .

ب - الإجهاض ، ومن ذلك :

- الدعوة إلى أن يكون الإجهاض غير مخالف للقانون ، وأن يكون مأموناً

طبياً .

- الدعوة إلى إلغاء القوانين التي تنص على اتخاذ إجراءات عقابية ضد المرأة

التي تجري إجهاضاً غير قانوني .

- الدعوة إلى أن يكون الإجهاض حقاً من حقوق المرأة ، وتيسير حصولها

على هذا الحق ، عندما تريد إنهاء حملها .

- الدعوة إلى إنشاء مستشفيات خاصة للإجهاض .

- الدعوة إلى قتل الأجنة داخل الأرحام ، بحجة أنه غير مرغوب فيه .

ج - ختان المرأة ، ومن ذلك :

- حث الحكومات على حظر بتر أجزاء من الأعضاء التناسلية للإناث .

- أن يكون التنفير الفعال من الممارسات الضارة - مثل بتر أجزاء من

الأعضاء التناسلية للأنثى جزءاً لا يتجزأ من برامج الرعاية الصحية الأولية .

- أن إزالة أجزاء من الأعضاء التناسلية للإناث يشكل انتهاكاً للحقوق

الأساسية للمرأة ، ويعتبر من العنف والتمييز الواقع عليها .

- تضخيم الآثار السلبية الطبية ، من جراء عملية ختان المرأة .

- سن وإنفاذ قوانين لمواجهة مرتكبي ممارسات العنف ضد المرأة - ومنها

ختان الإناث .

4 - ما يتعلق بالجانب الاقتصادي ، ومن ذلك [20] :

أ - التقليل من عمل المرأة داخل المنزل ، واعتبار ذلك عملاً ليس له مقابل ،

ومن ثم فهو من أسباب فقر المرأة .

ب - الدعوة إلى خروج المرأة للعمل المختلط .

ج - الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل فيما يتعلق بالعمل ( نوعية العمل

ووقته ) .

د - دعوة الحكومات للقيام بإصلاحات تشريعية وإدارية لتمكين المرأة من

الحصول الكامل على الموارد الاقتصادية ، كحقها في الميراث بالتساوي مع الرجل .

هـ - تيسير حصول المرأة على الائتمانات ( القروض الربوية ) .

5 - ما يتعلق بالجانب السياسي ، ومن ذلك [21] :

أ - دعوة الحكومات والمنظمات لاتخاذ إجراءات من أجل مشاركة المرأة في

الأنشطة السياسية .

ب - ضمان حق التصويت للمرأة ، وحقها في الانتخاب .

ج - تشجيع الأحزاب السياسية على تعيين مرشحات من النساء من أجل

انتخابهن على قدم المساواة مع الرجل .

د - الدعوة لإصدار تعليمات حكومية خاصة لتحقيق تمثيل منصف للمرأة في

مختلف فروع الحكومة .

هـ - الدعوة لتمثيل المرأة تمثيلاً منصفاً على جميع المستويات العليا في

الوفود ، كوفود الهيئات والمؤتمرات واللجان الدولية التي تعالج المسائل السياسية

والقانونية ونزع السلاح ، وغيرها من المسائل المماثلة .

و - حق المرأة في أن تكون رئيسة دولة ، أو رئيسة وزراء ، أو وزيرة .

رابعاً : أهم جوانب الخطورة في هذه المؤتمرات ، وهي :

أ - أن القاسم المشترك بينها هو المرأة ، ومساواتها التامة بالرجل في كافة

مجالات الحياة المختلفة ، وكذلك الجنس ، والحرية المطلقة .

ب - أنها تستظل بمظلة الأمم المتحدة ، وتستثمر شعارات العولمة وأدبياتها .

ج - أنها توظف سلطان الدول الكبرى سياسياً واقتصادياً وحضارياً لفرض

تنفيذ توصياتها .

د - أن الهدف النهائي لها هو : عولمة الحياة الاجتماعية بالمفهوم الغربي

الإباحي .

خامساً : بعض إيجابيات هذه المؤتمرات :

الأمور السابقة هي أبرز سلبيات مؤتمرات الأمم المتحدة - في نظري - حول

المرأة . إلا أنه إحقاقاً للحق وحكماً بالعدل ، وامتثالاً لقول الله تعالى : َلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ

شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( المائدة : 8 ) فإن هذه

المؤتمرات قد دعت إلى أمور تخص المرأة ، وتعتبر أموراً إيجابية ،

ومن ذلك :

أ - الدعوة إلى تعليم المرأة ، وإزالة الأمية عنها .

ب - الدعوة إلى مكافحة الأمراض السارية عند النساء ، خاصة في البيئات

الفقيرة .

ج - الدعوة إلى الرضاعة الطبيعية ، بالنسبة للأم .

د - محاربة الاتجار بالمرأة والطفل ، واستغلالهما جنسياً ، من خلال شبكات

وعصابات دولية متخصصة في هذا المجال ، واعتبار ذلك جريمة دولية محرمة .

هـ - تشجيع وسائط الإعلام على الامتناع عن تصوير المرأة على أنها

مخلوقة أدنى منزلة من الرجل ، وكذلك عدم استغلالها مادة وسلعة في سوق الجنس .

و - الدعوة إلى المساواة في الأجور بين الجنسين لنفس العمل ، وبنفس

الجودة .

ز - الدعوة إلى إعطاء إجازة أمومة للمرأة العاملة .

ح - مكافحة التحرش الجنسي ضد المرأة من قِبَل الرجل في مواقع العمل

وغيرها .

ط - مسؤولية الوالدين عن تربية الطفل وتنشئته تنشئة سوية .

ي - منع استغلال المرأة جنسياً من خلال النزاع المسلح ، أو من خلال

استغلال ظروف اللاجئات وفقرهن .

ك - التحذير من وأد البنات ، والانتقاء الجنسي قبل الولادة .

سادساً : المواقف والظواهر السلبية والإيجابية حول هذه المؤتمرات في

العالم العربي والإسلامي :

1 - الظواهر والمواقف السلبية ، ومنها :

أ - مشاركة بعض الجمعيات النسائية العربية والإسلامية في الإعداد لهذه

المؤتمرات والمشاركة في اللجان التحضيرية ، بل إن بعض الجلسات التحضيرية

لمؤتمر بكين - مثلاً - عقدت في الأردن ، وبمشاركة بعض الجمعيات النسائية فيها .

ب - تزايد نشاط التيار النسوي الوافد بما يحمله من فكر تغريبي ، ومثاله :

الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية بالمغرب ، وما قامت به الهيئات المساندة

لمشروع الخطة من تنظيم مسيرات تأييد من 8 مارس/ آذار 17 أكتوبر/ تشرين

الأول 2000م .

ج - تزايد التمويل الأجنبي المشبوه لمنظمات نسوية ، أو معنية بشؤون المرأة

والأسرة في العالم العربي .

د - بداية الاتجاه لإعادة النظر في قوانين الأسرة - أو ما يسمى بالأحوال

الشخصية - في العالم الإسلامي ، كما حصل في مصر .

هـ - طرح مناقشات وبرامج تجاه المرأة في المجتمعات المحافظة ، كما هو

الأمر في بعض دول الخليج .

2 - بعض المواقف والظواهر الإيجابية ، ومنها :

أ - قيام عدد من الهيئات الإسلامية باستنكار بعض ما ورد من وثائق لهذه

المؤتمرات وخاصة الأخيرة منها ، ومنها : موقف هيئة كبار العلماء في السعودية ،

وموقف الأزهر في مصر حول وثيقتي مؤتمري السكان في القاهرة ، والمرأة في

بكين .

ب - ازدياد ظاهرة الوعي الإسلامي بهذه المؤتمرات المشبوهة ، ورصد

المؤامرة وكشفها .

ج - وجود بعض الفعاليات الإسلامية ضد التيار التغريبي ، مثل :

د - مؤتمر الاتحاد النسائي العالمي من 25 27 فبراير 2000م ، وهذا

الاتحاد هو مؤسسة دولية غير حكومية ، ذات صبغة استشارية لدى المؤتمر

الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة ، تأسس عام 1996م للدفاع عن الممارسات

الظالمة ضد المرأة ، والتي تخالف الدين وكرامة الإنسان ، ومقره الخرطوم ، وهذا

الاتحاد ونشاطاته عليه بعض الملاحظات ، إلا أننا نقدر الهدف الذي من أجله نشأ

وأقام مؤتمره .

هـ - اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ( ممثلة رابطة العالم الإسلامي)،

والتقرير الذي أعدته ، والمعنون بـ  ( التقرير البديل ) ، والمقدم إلى لجنة

مركز المرأة بالأمم المتحدة بوصفها اللجنة التحضيرية للدورة الاستثنائية للجمعية

العامة للأمم المتحدة ، والتي عنوانها : « المرأة عام 2000م » تحت شعار :

(مساواة النوع الاجتماعي والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين ) .

و - ما قامت به الندوة العالمية للشباب الإسلامي من خلال المؤتمر الصحفي

الذي عقده أمينها العام د . مانع الجهني في 20 صفر 1421هـ ، لكشف أبعاد ما

في وثيقة ( مؤتمر بكين + 5 ) من مخططات إفسادية .

وغيرها من الظواهر والمواقف الإيجابية .

سابعاً : كيفية مواجهة هذه المؤتمرات المعولمة للحياة الاجتماعية ( أو

الموقف من هذه المؤتمرات ) :

إن الوعي بأهداف هذه المؤتمرات ، وما تدعو إليه ، ومن يقف وراءها يجعلنا

نتمكن من اختيار الطريقة المناسبة لكيفية مواجهتها ، واتخاذ الموقف المناسب

تجاهها . وهذه الطريقة ذات اتجاهين : موقف نظري معرفي ، وموقف عملي .

فالموقف النظري المعرفي يقوم على ما يلي :

1 - كشف سوءاتها وعوارها للجمهور الإسلامي ، وبيان مراميها ، ومخالفتها

لمقاصد الشريعة ، وأنها أحد أذرعة العولمة المعاصرة ؛ وذلك من خلال وسائل

الإعلام المختلفة ( المقروءة ، والمسموعة ، والمرئية ) ، والندوات ، والمحاضرات ؛

وذلك من قبل العلماء ، والدعاة ، وطلاب العلم ، والمثقفين الإسلاميين ،

والإعلاميين ، والقيادات النسائية ، وتحميلهم المسؤولية في بث الوعي العام ؛

للوصول إلى تحصين داخلي قوي .

2 - أن تقوم الوزارات والهيئات والمؤسسات الإسلامية ( الرسمية وغير

الرسمية ) ، كوزارات الخارجية ، والشؤون الإسلامية ، والشؤون الاجتماعية ،

ورابطة العالم الإسلامي ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وهيئة كبار العلماء ، وعلماء

الأزهر ، ودور الإفتاء ، وكل من يقوم على أمور المسلمين بأداء دورهم اللازم ،

وتكوين حضور قوي في الداخل والخارج ، ومن ذلك إصدار بيانات تستنكر هذه

المؤتمرات وأهدافها الخبيثة ، ونشر هذه البيانات وتغطيتها تغطية إعلامية حتى

يتبين الأمر للجمهور الإسلامي .

3 - كشف زيغ التيار النسوي التغريبي في العالم الإسلامي والعربي ، وأنه

جزء من تيار الزندقة المعاصر ، والمدعوم من هيئات مشبوهة خارجية .

4 - قيام الجهات الخيرية الإسلامية والأقسام النسائية فيها على وجه

الخصوص ، والجمعيات الخيرية النسائية ، بتحمل مسؤولياتها ، والتنسيق فيما بينها ،

وإصدار وثيقة للأسرة المسلمة تؤصَّل فيها الرؤية الشرعية حول المرأة وحقوقها

الأساسية في الإسلام ، وكذلك الأسرة ومفهومها الشرعي .

وكذلك القيام بالمناشط الدعوية التثقيفية لمختلف شرائح المجتمع .

5 - عمل رصد إعلامي جاد لكل فعاليات المؤتمرات الدولية والإقليمية ،

ومتابعة الخطوات الفعلية لتنفيذ توصيات المؤتمرات السابقة التي ناقشت قضايا

المرأة ، وإصدار ملاحق صحفية ؛ لبيان الموقف الشرعي من هذه المؤتمرات

وتوصياتها .

6 - إقامة أسابيع ثقافية في المدارس والجامعات ؛ لبيان مخالفة مثل هذه

المؤتمرات لمقاصد الشريعة الإسلامية .

7 - ممارسة ضغوط شعبية قوية على وسائل الإعلام المختلفة التي تقوم

بالترويج والتغطية السيئة لهذه المؤتمرات لتكف عن ذلك .

8 - اعتماد إدخال الأسرة في مناهج التعليم في المرحلة المتوسطة والثانوية

للبنين والبنات ، ويشتمل هذا المنهج بوصفه صيغة مقترحة على : قيمة الأسرة ،

ومكانة المرأة في الإسلام ، والمفهوم الشرعي للعلاقة بين الرجل والمرأة ، والحقوق

الزوجية ، والوسائل الفعالة في تربية الأولاد ، وبيان الأفكار المتصادمة مع الفطرة ،

ويشتمل هذا المنهج أيضاً على عرض تاريخي للجهود الدولية في إفساد الأسرة

والمرأة المسلمة ، وعولمة الحياة الاجتماعية عموماً عن طريق هذه المؤتمرات

العالمية ، وبيان أهدافها الخبيثة الحالية والمستقبلية .

9 - تكوين هيئات عليا للنظر في كل ما يتعلق بالأسرة من النواحي النفسية ،

والثقافية ، والصحية ، وتفعيل دور وزارات الشؤون الاجتماعية للقيام بدور فاعل

للاستجابة لمتطلبات الأسرة المسلمة .

10 - تفعيل دور الأئمة والخطباء ، وإعطاؤهم دورات تثقيفية حول هذه

المؤتمرات ، والإيعاز إليهم بتكثيف التوعية بخطورة مثل هذه المؤتمرات

وتوصياتها على الأجيال القادمة مع تجنب العنف والإثارة .

أما الموقف العملي فيقوم على ما يلي :

1 - المشاركة الفعالة في هذه المؤتمرات ، وطرح البديل الإسلامي في

المسألة الاجتماعية ، وكشف عوار الحياة الغربية الاجتماعية - كلما أمكن - .

وحجة القول بهذا الرأي : أن الضعيف إذا قاطع مثل هذه المؤتمرات لا تؤثر

مقاطعته ، وبذلك تسود وجهة نظر القوي . بينما إذا قاطع القوي فإن مقاطعته ستؤثر .

وكنموذج لهذا الكلام فإن مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية لمنظمة اليونسكو قد

أضعفتها كثيراً .

والمسلمون اليوم ضعفاء أمام أصحاب وجهات النظر الأخرى ؛ فمقاطعتهم لا

تؤثر ، بخلاف لو حضروا وطرحوا ما عندهم بقوة ، وأبدوا ما لديهم من تحفظات ؛

فإن هذا يقطع الطريق على تفرد وجهة النظر الغربية في هذه المؤتمرات ؛ حيث

يعلم البشر أنه يوجد وجهة نظر أخرى في المسألة الاجتماعية ؛ خاصة إذا علمنا أن

قرارات هذه المؤتمرات ملزمة إلى حد كبير .

ومما يؤكد هذا الاتجاه - أي المشاركة - ما حصل في مؤتمر السكان والتنمية

بالقاهرة/1994م ومؤتمر المرأة الرابع في بكين /1995م ؛ حيث كان لمشاركة

الوفود والهيئات الإسلامية دور واضح في رفض وتعديل بعض توصيات هذين

المؤتمرين .

2 - تأسيس مراكز متخصصة لمتابعة النشاط النسوي التغريبي العالمي

والإقليمي ، ومعرفة ما يتعلق به من مؤتمرات ، من حيث : مواعيد إقامتها ،

وأوراق العمل التي ستقدم فيها ، والاجتماعات التحضيرية لها ، وغير ذلك ؛ حتى

يتمكن المهتمون بهذا الجانب من مقاومة أفكار هذه المؤتمرات بكل جدية وسرعة ،

وتقديم الأبحاث ، والرؤية ، والرأي لأصحاب الشأن العلمي ، والاجتماعي ،

والشرعي لإعانتهم على تشكيل الموقف الصحيح عند الحاجة ، وكذلك كشف الوجه

الآخر البشع للحياة الاجتماعية الغربية ، وتقديم الإحصاءات ، ورصد الظواهر في

تلك المجتمعات ؛ حتى يتبين لهم أنه الحق .

3 - الاستفادة من بعض الجمعيات النسائية الغربية - المناهضة والمعارضة

لبعض أفكار هذه المؤتمرات - وذلك من خلال الاستفادة من نفوذها في بلدانها ،

وكذلك ما يتوفر لديها من معلومات وحقائق عن مجتمعاتها وعن بعض الاجتماعات

السرية التي تدور من خلف الكواليس ؛ وخاصة أن كثيراً من هذه الجمعيات لها

مواقع على شبكة المعلومات العنكبوتية ؛ فيمكن من خلال « الإنترنت » التواصل

معهم ، والحصول على المعلومات منهم .

________________________

(*) باحث يحضر شهادة الدكتوراة في موضوع بعنوان : ( قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية،

دراسة نقدية في ضوء الإسلام ) ، كلية الشريعة ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

(1) انظر : مجلة المجتمع ، العدد 1402 ، بتاريخ 26/2/1421هـ .

(2) بدأ هذا الصندوق عملياته في عام 1966م ؛ وذلك للأغراض الآتية كما ورد هذا في موقع الصندوق على الشبكة العنكبوتية : أ - المساعدة على إيجاد برامج الصحة الإنجابية ، بما في ذلك تنظيم الأسرة ، والصحة الجنسية أي الدعوة إلى الحرية الجنسية المأمونة طبياً ! ! ب - حل المشاكل المقترنة بسرعة النمو السكاني ج - مساعدة البلدان النامية بناء على طلبها ! ! في حل مشاكلها السكانية د - العمل على تحسين الصحة الإنجابية هـ - المناداة بالمساواة بين الجنسين ، وبتمكين المرأة ، والسعي إلى تثبيت تعداد سكان العالم انظر : http : // www unfpa org ، ويشرف هذا الصندوق على الإعداد للمؤتمرات العالمية السكانية .

(3) المصدر : مطبوعة للأمم المتحدة بعنوان : « القرارات والتدابير التي اتخذتها منظمات الأمم المتحدة ، والتي تهم اليونسكو في دورة المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ، في دورته الرابعة والأربعين بعد المائة » ، ص 32 ، 33 .

(4) انظر : هذا الدستور في موقع الأمم المتحدة ، وعنوانه : http : / /www un org/arabic/aboutun/charter/ charter .

(5) القائم على مفهوم التماثلية التامة (لا التكاملية) بين المرأة والرجل ، دون اعتبار لأي فروق بينهما ، سواء كانت فروقاً جسدية ، أو نفسية ، أو عقلية ، (وهي ما تسمى علمياً بالفروقات البيولوجية ، والفسيولوجية ، والسيكولوجية) ، هذه الفروق التي اعترف بها علماء الغرب أنفسهم من خلال دراساتهم وأبحاثهم ، فضلاً عن المفهوم الإسلامي للمساواة بين المرأة والرجل القائم على مفهوم التكامل بينهما ، واختصاص كل منهما بخصائص تختلف عن الآخر ؛ بحيث يكمل كل منهما الآخر ، ويقوم بما أوجبه الله عليه في عمارة هذا الكون ، دون أي تمييز بينهما ، وليس هذا مجال التفصيل في هذه القضية .

(6) مجموعة الصكوك الدولية للأمم المتحدة نيويورك 1983م ، نقلاً عن كتاب المرأة في الإسلام سامية منيسي ، ص 165 .

(7) اعتمد هذا الإعلان ونشر بقرار الجمعية العام 217 (أ) (د 3) المؤرخ في 10 كانون الأول ديسمبر 1948م ، انظر : حقوق الإنسان في الإسلام ، محمد الزحيلي ، ص 393 ، وحقوق الإنسان ، محمود بسيوني ، ص 17 .

(8) المرأة في الإسلام ، سامية منيسي ، ص 165 .

(9) انظر : حقوق الإنسان ، محمود بسيوني وآخرون ، ج 1 ، ص 90 .

(10) اعتمد هذا العهد الدولي وعرض للتوقيع والتصديق بقرار الجمعية العامة 2200 (أ) (د 21) المؤرخ في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966م ، وتاريخ بدء النفاذ : 3 كانون الثاني/ يناير 1976م ، طبقاً للمادة 27 .

(11) حقوق الإنسان ، محمود بسيوني ، ج 1 ، ص 23 .

(12) حقوق الإنسان ، محمود بسيوني ، ج 1 ، ص 32 .

(13) حقوق الإنسان ، محمود بسيوني ، ج 1 ، ص 93 .

(14) المرجع السابق ، ج 1 ، ص 49 .

(15) حقوق الإنسان ، محمود بسيوني ، ج 1 ، ص 97 107 .

(16) هو الفصل الرابع ، وعنوانه : (المساواة بين الجنسين والإنصاف وتمكين المرأة) .

(17) انظر : وثيقة المؤتمر العالمي كوبنهاجن ، 1980م ، الصفحات : 6 ، 26 ، 28 ، 35 ، 39 ، 44 ، 51 ووثيقة المؤتمر العالمي للمرأة نيروبي ، 1985م ، الصفحات : 28 ، 31 ، 46 ، 55 ، 57 ، 58 ، 61 ، 79 ، 80 ، 106 ، ووثيقة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة بكين ، 1995م ، الصفحات : 6 ، 11 ، 18 ، 41 ، 46 ، 47 ، 48 ، 51 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58 ، 61 ، 63 ، 101 ، 103 ، 105 ، 106 ، 142 ، 144 ، 148 ، ووثيقة المؤتمر الدولي المعني بالسكان مكسيكو ، 1984م ، الصفحات : 3 ، 4 ، 12 ، 13 ، 21 ، 23 ، 27 ، 29 ، 30 ، 31 ، 32 ، 42 ، ووثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية القاهرة، 1994 م ، الصفحات : 11 ، 14 ، 21 ، 24 ، 25 ، 27 ، 29 ، 30 ، 31 ، 32 ، 33 ، 36 ، 37 ، 41 ، 43 ، 44 ، 45 ، 47 ، 49 ، 50 ، 52 ، 53 ، 55 ، 56 ، 65 ، 66 ، 67 ، 87 ، 88 ، 92 ، 93 ، 95 ، 102 ، 104 ، 110 ، 108 ، 112 ، 115 ، ووثيقة المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية ريودي جانيرو ، 1992م ، الفصل (24) ص 400 ، 401 .

(18) انظر : وثيقة المؤتمر العالمي للمرأة كوبنهاجن ، 1980م ، الصفحات : 28 ، 39 ووثيقة المؤتمر العالمي للمرأة نيروبي ، 1985م ، الصفحات : 35 ، 57 ، 61 ، 248 ووثيقة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة بكين ، 1995م ، الصفحات : 35 ، 41 ، 46 ، 55 ، 56 ، 142 ، 147 ، 148 ، ووثيقة المؤتمر الدولي المعني بالسكان مكسيكو ، 1984م ، ص 31 ، ووثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية القاهرة ، 1994م ، الصفحات : 30 ، 37 ، 44 ، 45 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 ، 84 ، 85 ، 89 .

(19) انظر : وثيقة المؤتمر العالمي للمرأة كوبنهاجن ، 1980م ، ص 37 ، ووثيقة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة بكين ، 1995م ، الصفحات : 21 ، 46 ، 48 ، 52 ، 55 ، 56 ، 58 ، 59 ، 60 ، 61 ، 62 ، 64 ، 68 ، 125 ، 141 ، 142 ، 146 ، 150 ، ووثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية القاهرة ، 1994م ، الصفحات : 29 ، 32 ، 44 ، 45 ، 49 ، 50 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55 ، 59 ، 66 ، 67 ، 93 .

(20) انظر : وثيقة المؤتمر العالمي للمرأة كوبنهاجن ، 1980م ، الصفحات : 22 ، 30 ، 31 ، 33 ، 46 ، 51 ، ووثيقة المؤتمر العالمي للمرأة نيروبي ، 1985م ، الصفحات : 26 ، 27 ، 31 ، 32 ، 45 ، 50 ، 51 ، 52 ، 53 ، 65 ، 75 ، 106 ، 143 ، 146 ، 167 ، ووثيقة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة بكين ، 1995م ، الصفحات : 7 ، 8 ، 16 ، 18 ، 22 ، 25 ، 26 ، 31 ، 32 ، 33 ، 34 ، 87 ، 88 ، 90 ، 91 ، 95 ، 96 ، 98 ، 99 ، 100 ، 102 ، 113 ، 144 ، 196 ، 204 ، 207 ووثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية القاهرة ، 1994م ، الصفحات : 26 ، 28 ، 31 ووثيقة المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية ريودي جانيرو ، 1992م ، الفصل (24) الصفحات : 400 ، 401 ، 403 ووثيقة مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية كوبنهاجن ، 1995م ، الصفحات : 21 ، 52 ، 57 ، 73 ، 76 ، 78 .

(21) انظر : وثيقة المؤتمر العالمي للمرأة كوبنهاجن ، 1980م ، الصفحات : 23 ، 148، ووثيقة المؤتمر العالمي للمرأة نيروبي ، 1985م ، الصفحات : 19 ، 25 ، 26 ، 34 ، 36 ، 37 ، 85 ، 94 ، 115 ، 124 ، 127 ، ووثيقة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة بكين ، 1995م ، الصفحات : 6 ، 14 ، 15 ، 18 ، 23 ، 102 ، 103 ، 104 ، 105 ، 106 ، 107 ، 108 ، 125 ، 195 / ووثيقة المؤتمر الدولي المعني بالسكان مكسيكو ، 1984م ، ص 20 ، ووثيقة المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية ريودي جانيرو ، 1992م ، ص 403 ، ووثيقة مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية كوبنهاجن ، 1995م ، الصفحات : 20 ، 37 ، 87 .

 

 

 

ملفات

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

(2-2)

عولمة المرأة

قراءة في الأيدلوجية النسوية الجديدة

كمال حبيب

 

عولمة المرأة أي جعلها كائناً عالمياً يمكن وصفه بأنه كائن فوق الحكومات أو

كائن عابر للقارات .. ولجعلها كائناً عالمياً كان لا بد من عقد المؤتمرات الدولية

وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات العالمية التي تلزم الحكومات بحقوق هذا الكائن ،

وتمثل توصيات المؤتمرات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات العالمية المرجعية

العالمية الجديدة التي يمكن وصفها بأنها ( أيديولوجية نسوية ) لها قوة الأيديولوجيات

السياسية التي عرفها القرن الماضي ثم انهارت وخبت وماتت .

وكما كان يحدث بالنسبة للأيديولوجيات السياسية والفكرية فإن الأيديولوجية

النسوية الجديدة يراد لها أن يكون معتنقوها في كل العالم وفي كل الدول والشعوب

وفي كل الأعمال ؛ فإنها الوسيلة الجديدة لغزو العالم وشعوبه ، وهي الدين الجديد

الذي يُراد للعالم أن يتوحد خلفه ويدين به : بيد أن الخطر في هذه الأيديولوجية

والدين الجديد يكمن في أن الذي يُبشر بها ويدعو إليها هو النظام العالمي الجديد الذي

حقق ما اعتبره انتصاراً نهائياً وعالمياً للفكر الغربي العلماني ، ويريد أن يفرض هذا

الدين والأيديولوجية بالقوة على العالم كله بحيث تكون هناك قوة عالمية واحدة

ومرجعية كونية واحدة وإنسان عالمي واحد ، وتنهار كل الحدود والقيود والحصون

أمام هذه القوة العالمية الجديدة والمنفردة بحيث تصبح إرادتها ورغباتها ومصالحها

مُسلَّماً بها ومُرحَّباً بقدومها بلا أي عوائق من الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو

القومية أو الثقافة . أي أن المرجعية الكونية الجديدة هي بديل لكل ما عرفته الأمم

والأجناس البشرية من ثقافات وتاريخ وصراعات وأفكار ؛ بحيث يغدو كل هذا

ذكرى بلا قيمة ولا معنى ، وتصبح القيمة والمعنى في المرجعية الكونية البديلة

والجديدة التي يتحوَّل البشر جميعاً فيها عبيداً للإله الذي قررها ، وهو النظام العالمي

الجديد .

كما أن خطر هذه الأيديولوجية البديلة يتمثل أيضاً في اقتحام مناطق كان يُنظر

إليها باعتبارها خاصة أو شخصية وينظم أوضاعها بشكل أساسٍ الدينُ والتقاليد

والأعراف المحلية والثقافات الخاصة ، أي أن الاقتحام والهدم لهذه الأيديولوجية ينال

مناطق متصلة بالهوية والثقافة والوجود ، وهي محور الكيان الإنساني والوجود

البشري . ويقف وراء هذه الأيديولوجية فكر شيطاني يريد أن يجعل من الأخلاق

فوضى ومن الفاحشة شيوعاً وذيوعاً .

وتستمد النسوية الجديدة جذورها الفكرية من الماركسية الحديثة  ( حيث تعتبر

أن خطأ الماركسية القديمة هو اللجوء إلى الأساليب الاقتصادية لبناء مجتمع

لا طبقي ؛ بينما اللجوء إلى الأساليب الاجتماعية هو السبيل الوحيد لمجتمع خالٍ من   الطبقات والميول الطبقية ، وتمثل ( الأسرة ) والأمومة في نظر ( الماركسية

الحديثة ) التي تستمد النسوية أفكارها منها تمثل السبب ، وراء نظام طبقي جنسي

يقهر المرأة لا يرجع إلا لدورها في الحمل والأمومة .

وإذا كانت السنن الكونية الطبيعية عندهم هي التي اقتضت هذا الاختلاف

البيولوجي فلا بد من الثورة على هذه السنن الطبيعية والتخلص منها بحيث تصبح

الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة فروقاً اجتماعية متصلة بالأدوار التي يؤديها

كلٌّ من الرجل والمرأة وليست متصلة بالخواص البيولوجية لكل منهما ؛ ومن ثَمَّ فإذا

قام الرجل بوظيفة المرأة وقامت المرأة بوظيفة الرجل فإنه لن يكون هناك ذكر

وأنثى وإنما سيكون هناك نوع ( جندر ) وهذا النوع هو الذي سيحدد طبيعة دوره في

الحياة بحيث يجوز للأنثى أن تمارس دور الذكر والعكس ، وبحيث لا تكون

هناك أسرة بالمعنى التقليدي ولا أبناء ولا رجل ولا امرأة ، وإنما أسر جديدة شاذة

وأبناءٌ نتاج للتلقيح الصناعي ؛ فأي فكر شيطاني ذلك الذي تتبناه ( النسوية

الجديدة ) ؟ ! وأي قوة تجعل من الأمم المتحدة وأمريكا والغرب تتبنى هذا الفكر

الشيطاني لفرضه على العالم ؟ ! ! إنها تعبير عن إرادة لا نقول علمانية ، وإنما إلحادية لتحويل الوجود البشري وجوداً بلا قيمة ولا معنى تنتفي معه العناية من

استخلاف الله للإنسان في الأرض . وفي الواقع فإن هذا الفكر الإجرامي ليس

خطراً على المجتمعات الإسلامية فحسب ولكنه خطر على الحضارة الإنسانية ذاتها ؛ لكن المجتمعات الإسلامية تأتي في القلب من معتقد هذا المخطط

الإجرامي البديل والجديد .

أدوات المرجعية الجديدة :

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إرساؤه عام 1948 م يمثل البذرة

الأولى لهذه المرجعية الجديدة التي طرحت موضوع الأسرة والمرأة قضية عالمية

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لكن ضجيج القضايا السياسية والاقتصادية على

دول العالم الثالث في هذا الوقت غطى على الجانب الاجتماعي والثقافي المتصل

بالأسرة والمرأة والأحوال الشخصية ؛ فمنذ عام 1950 م حاولت الأمم المتحدة عقد

الدورة الأولى لمؤتمراتها الدولية حول المرأة والأسرة بعنوان : ( تنظيم الأسرة ) لكن

الحكومة المصرية في العهد الملكي قاومته بقوة ، وأخفق المؤتمر الذي كان يترأسه

ماركسيٌّ صهيوني ، ثم عاودت الأمم المتحدة مرة ثانية تطلعها في بناء المرجعية

النسوية الجديدة ، فعقدت مؤتمراً في المكسيك عام 1975 م ودعت فيه إلى حرية

الإجهاض للمرأة والحرية الجنسية للمراهقين والأطفال وتنظيم الأسرة لضبط عدد

السكان في العالم الثالث ، وأخفق هذا المؤتمر أيضاً ، ثم عقد مؤتمر في  ( نيروبي  )

عام 1985م بعنوان (استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقدم المرأة) ثم كان

مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي عقد في سبتمبر 1994م ، وأخيراً كان مؤتمر

المرأة في بكين الذي عُقد عام 1995 م تحت عنوان (المساواة والتنمية والسلم)

وهو المؤتمر الذي ختمت به الأمم المتحدة القرن الماضي ، وانتهت إلى الشكل

النهائي للمرجعية الجديدة والبديلة التي يراد فرضها على العالم والتي تهدف بكلمة

واحدة إلى  ( عولمة المرأة  ) .

وعولمة المرأة هو الجانب الاجتماعي والثقافي في ( العولمة ) الذي تسعى

الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا إلى فرضه على بقية العالم خاصة العالم الثالث .

والتوصيات والوثائق التي توقع عليها الدول والحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة

تعتبر ملزمة لها ، كما أن الأمم المتحدة تقوم بكل هيئاتها ومؤسساتها بتنفيذ ما جاء

في توصيات هذه المؤتمرات الدولية ووثائقها بما في ذلك المراقبة والمتابعة لمدى

التزام الدول والحكومات بها . كما أن المنظمات غير الحكومية الممثلة في الأمم

المتحدة تمثل قوة ضغط في دولها لمراقبة التزام هذه الدول بقرارات الأمم المتحدة

وتوصياتها ومتابعة ذلك ، وهي في هذا تشبه  ( جواسيس للأمم المتحدة  ) في دولها .

ولا تكتفي الأمم المتحدة بذلك وإنما تعقد مؤتمرات مع الأطراف الحكومية

والمنظمات غير الحكومية كل سنة أو سنتين للتأكد من الالتزام الحكومي بالمرجعية

الكونية البديلة والخضوع للنظام العالمي الجديد ؛ فهناك مؤتمر سنوي يطلق عليه

مؤتمر السكان + 1 أو + 2 أو + 3 وهكذا حتى يأتي موعد المؤتمر الدولي القادم

للسكان عام 2004م . وأيضاً بالنسبة لمؤتمر بكين [1]  قد عُقد بكين + 4 في الهند

وسوف يعقد مؤتمر للمرأة أيضاً عام 2005م أي بعد عشر سنوات من مؤتمر المرأة

الذي عُقد في بكين ، أي أن هناك آلية دولية لها طابع الفرض والإلزام والمتابعة

تتدخل في الشؤون الداخلية للدول لتطلب منها الالتزام بما وقعت عليه ؛ وهذه الآلية

يمكن أن تمارس الإرهاب بفرض العقوبات الدولية على الدول التي ترى الأمم

المتحدة أنها غير ملتزمة ؛ كما أن هذه الآلية تمارس الإغراء بمنح معونات أو

قروض أو ما شابه إذا التزمت بمقررات الشرعية الجديدة .

ومن ثَمَّ فإن ما يجري في مصر أو المغرب أو الأردن بشأن تغيير قوانين

الأحوال الشخصية أو العقوبات هو جزء من الالتزام بالأجندة الدولية التي وافقت

هذه الدول عليها في المؤتمرات الدولية وليس تعبيراً عن حاجة داخلية لشعوب هذه

الدول . فحق المرأة في فسخ عقد الزواج ، وحقها في السفر هي وأولادها بلا قيود ،

وحقها في المواطنة الذي يستخدم ستاراً لمساواتها مع الرجل في الإرث والطلاق

وعدم الخضوع لسلطة أي رفض القوامة وإقامة علاقات ود وصداقة خارج نطاق

البيت والعائلة ، كل هذه القضايا كانت مطروحة باعتبارها جزءاً من أجندة دولية

للتسليم بالدخول في طاعة النظام العالمي الجديد والإقرار بالالتزام بالدين النسوي

البديل .

وفي الواقع فإن كل ما سيحدث في هذا الإطار سيكون مثل تأسيس  ( المجلس

القومي للمرأة  ) في مصر [2]  الذي يضم الوجوه النسوية المصرية التي تدعو

للأيديولوجية الجديدة بلا خجل أو حياء .

وهذه الوجوه النسوية هي انعكاس للفكر الغربي النسوي ؛ حيث تشعر تجاه

المرأة الغربية بالنقص ، وتشعر أن الالتحاق الفكري بها سوف يعوض هذا النقص

لهن كما يبلغ النقص بهذه الوجوه حد كراهية الدين الإسلامي ونظمه الاجتماعية

وقوانينه في الاجتماع والأسرة ؛ وهم في ذلك أشبه  ( باللامنتمي  ) ومن ثَمَّ فهذه

الوجوه تعبر عن حالة نفسية مرضية ؛ ورفعها إلى مستوى التخطيط والحديث عن

قضايا المرأة ليس سوى خضوع للقوى الدولية الخارجية التي تحب أن يعبر عن

أوضاع المرأة في العالم الإسلامي النسوةُ اللاتي يرددن الأفكار الغربية ويبشرن

بالأيديولوجية النسوية الجديدة .

وثيقة بكين .. مفردات المرجعية الجديدة :

وبالعودة إلى وثيقة بكين التي تمثل منتهى الفكر النسوي الجديد نجد مخططاً

واضحاً لتدمير الأسرة والمرأة ، وتدمير الحضارة البشرية ذاتها ، ويبدو لنا أن

الحضارة الغربية تريد أن تدمر الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة

الإسلامية بعد أن شارفت هي على الهلاك والتدمير والفوضى بسبب خضوعها

للأفكار النسوية والشذوذ الجنسي والأخلاقي [2]  .

ومن المؤكد أن الجانب الثقافي والاجتماعي الذي يراد فرضه على الحضارات

الأخرى والإسلامية على رأسها هو جزءٌ مما أطلق عليه ( صموئيل هنتنجتون ) :

(صراع الحضارات) هذه الوثيقة وهي في حقيقتها تمثل مخططاً تحاول فرض

مصطلح ( النوعGender ) بدلاً من كلمة Sex والتي تشير إلى الذكر والأنثى أما

النوع فمعناه رفض حقيقة أن الوضع البيولوجي هو المصير لكل فرد ، ورفض

حقيقة أن اختلاف الذكر والأنثى هو من صنع الله عز وجل وإنما الاختلاف ناتج

عن التنشئة الاجتماعية والأسرية والبيئة التي يتحكم فيها الرجل . وتتضمن هذه

النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها ،

ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشواذ والمخنثين والمطالبة بإدراج حقوقهم الانحرافية

ضمن حقوق الإنسان ومنها حقهم في الزواج وتكوين أسر والحصول على أطفال

بالتبني أو تأجير البطون . وتطالب الوثيقة بحق المرأة والفتاة في التمتع بحرية

جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء وليس بالضرورة في إطار الزواج

الشرعي ؛ فالمهم هو تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه العلاقات (الآثمة) مأمونة

العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من ناحية الإصابة بمرض الإيدز .

وتطالب ( وثيقة بكين ) الحكومات بإعطاء الأولوية ؛ لتعزيز تمتع المرأة

والرجل بالكامل وعلى قدم المساواة بجميع حقوق الإنسان والحريات بدون أي نوع

من التميز وحماية ذلك ، ويدخل ضمن هذه الحقوق والحرياتِ : الحرياتُ الجنسية

بتنويعاتها المختلفة والتحكم في الحمل والإجهاض وكل ما يخالف الشرائع السماوية ،

وتطالب الوثيقة الحكومات بالاهتمام بتلبية الحاجات التثقيفية والخدمية للمراهقين

ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم معالجة إيجابية ومسؤولة ، وتطالب

بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل السِّفَاح .

ولا تتحدث  ( وثيقة بكين  ) عن الزواج من حيث إنه رباط شرعي يجمع

الرجل والمرأة في إطار اجتماعي هو الأسرة ؛ وإنما ترى أن الزواج المبكتر يعوق

المرأة ، ومن ثَمَّ فهي تطالب برفع سن الزواج وتحريم الزواج المبكر . ولا ترد

كلمة  ( الوالدين  ) إلا مصحوبة بعبارة  (أو كل من تقع عليه مسؤولية الأطفال

مسؤولية قانونية  ) في إشارة إلى مختلف أنواع الأسر المثلية ، ولا تستخدم الوثيقة

عبارة الزوج وإنما الشريك أو الزميل .

وتخاطب وثيقة بكين المرأة الفرد وليست المرأة التي هي نواة الأسرة ، ولذا

فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة ؛ أمَّا المرأة العاملة داخل البيت ربة الأسرة فيُنظر

إليها باعتبارها متخلفة وخارج السياق الدولي الجديد ؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل ،

ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة ، ولذا فعبارة :  ( الأمومة ) وردت

حوالي ست مرات ؛ بينما كلمة : ( جندر) جاءت ستين مرة ، وجاءت كلمة ( جنس )

في مواضع كثيرة . إن وثيقة بكين التي أصبحت ( مقررات بكين ) ووقعت عليها  180 دولة هي أساس المرجعية الكونية البديلة والتي أشارت بوضوح إلى أن الدين

يقف عائقاً أمام تحقيق هذه المقررات ، ولذا ناشدت المقرراتُ المؤسساتِ الدينيةَ لكي

تساعد على تحويل مقررات مؤتمر بكين إلى واقع أي أن تصبح المؤسسات الدينية

أحد أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها

على العالم . وهنا لا بد من تأمُّل دور بعض المؤسسات الدينية الإسلامية في

الموافقة على تمرير المطالب التي تفرضها الأجندة الدولية مثل حق الزوجة في

السفر بدون إذن الزوج وكذا الأولاد القُصَّر بما في ذلك البنات . والمثير أن تستخدم

الوثيقة كلمة (المساواة) للتعبير عن إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة ، وتستخدم

(التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي ، وتستخدم كلمة (السلم)

لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية وتحويل الإنفاق إلى خطط التخريب

والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة ؛ حيث تلزم مقررات بكين الحكومات المحلية

بتنفيذ الأهداف الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية

النسوية الجديدة ، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .

هذه هي المفردات الجديدة ، والمقررات التي يسعى النظام العالمي الجديد

لفرضها أيديولوجية كونية على العالم . وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب

مواطن القوة في الحضارات المختلفة معه .

وبالنسبة للحضارة الإسلامية فلا يزال الدين الإسلامي يمثل مرجعية للناس

ونظاماً لحياتهم خاصة في مسائل الأسرة والأحوال الشخصية وفي مسائل الفكر

والثقافة والاعتقاد وهو ما يزعج الأمم المتحدة والغرب ؛ إذ إن المسلمين يمثلون

ملياراً وربع مليار نسمة ، والعالم الإسلامي بإمكاناته وثرواته وأهله يهدد النظام

العالمي الجديد بفقدان سيطرته عليه ما بقي الإسلام حاكماً للجوانب الاجتماعية

والثقافية وللهوية ، ولذا لا بد من تسديد الضرب إلى الصميم للقضاء على الهوية

الإسلامية وعلى النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي

من السقوط والانهيار ، ولذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي

إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود ؛ وهو ما يتطلب وعياً

جديداً وأدوات جديدة ؛ كما يتطلب يقظة ومقاومة .

إن الإنسان : الرجل ، والمرأة ، والأطفال ، والأسرة هم المقصودون بالهجمة

العالمية الجديدة وهم المقصودون بالمرجعية الكونية البديلة للنظام العالمي الجديد ؛

وعلى عالمنا الإسلامي أن ينتفض ويستيقظ ؛ فإن وجودنا مرتبط بمدى ارتباطنا

بكلمة : ( مسلمين ) اسماً وفعلاً ؛ وإلاَّ فالاستبدال كما قال تعالى : وإن تَتَوَلَّوْا

يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد : 83] .

________________________

(1) الدعوة لتخصيص مقاعد للنساء في البرلمانات هو عنوان لندوة تقوم بها جمعية تنمية الديمقراطية ومسألة المشاركة السياسية للمرأة هي أحد بنود الأجندة الدولية ، والتي قد تشهد تدخلاً لفرض نسبة مقاعد للنساء في الانتخابات العامة .

(2) يواجه العالم الغربي في أوروبا حالة من العقم ؛ حيث أدى الانحلال الأخلاقي والشذوذ إلى عدم تعويض الأجيال العجوز بأجيال جديدة من المواليد كما أن مؤسسة الأسرة تواجه الانقراض هناك ؛ حيث ترتفع نسب الطلاق والامتناع عن الزواج ، كما ترتفع نسبة الأولاد غير الشرعيين ، وترتفع نسب الإلحاد ، والمثير أن ذلك كله يتناسب تناسباً طردياً في حالة الدول ذات الوضع الرفاهي الأعلى ، وفي أمريكا حيث يتمرد المهاجرون من آسيا والشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتينية على برامج تنظيم الأسرة وهو ما يحافظ على إبطاء شيخوخة المجتمع الأمريكي ، وبالنظر إلى الأرقام التي تنفقها أمريكا على الانحلال الأخلاقي نصاب بالدهشة ؛ فهي تقدم ما مجموعه 600 مليار دولار في عام 2020م لتبني الأطفال غير الشرعيين ، وتقديمُ المساعدات العائلية والطبية سوف ترتفع إلى تريليون دولار عام 2030م ، وأظن أن الدمار الذي أصاب الغرب يريد أن يشاركه فيه العالم كله خاصة المسلمين كالزانية التي تود أن لو صار الجميع مثلها .

 

 

 

ملفات

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

(2-2)

لكي لا نسقط في الهاوية

عبد الله أحمد ناصر

 

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله

وصحبه وسلم .

أما بعد :

فقد أخفق العلمانيون في محاولتهم إقناع الأمة بأفكارهم ، واستمروا على

اختلاف اتجاهاتهم شراذم قليلة معزولة لا تمت إلى عامة الأمة بِصِلَةٍ ، وبعد فترة

طويلة اتجهوا إلى تطوير استراتيجيتهم ؛ فمن محاولة التأثير على الأفكار إلى

محاولة تغيير السلوك والأخلاق وتفكيك الأسرة وإفساد المجتمع وطمس هويته من

داخله ، والقيام بتفريغ عقول الأمة من قيمها وإغراقها بالشهوات من دون ضابط

شرعي أو حاجز أخلاقي .

والمتأمل في واقع الأمة اليوم يلمس نجاحًا كبيرًا تحقق للقوم في هذا الاتجاه ،

وكان المدخل الكبير والباب العريض الذي ولجوا منه إلى ذلك هو التأثير على

المرأة دفاعًا عن حريتها وإرجاعًا لحقوقها المهدرة فيما زعموا .

ويعود هذا النجاح إلى أسباب عديدة يمكن إجمالها في جوانب ثلاثة :

الأول : أسباب تعود إلى المرأة والمجتمع ، وأهمها :

- الجهل المفرط في أوساط كثير من النساء بقيم الإسلام وأحكامه ومقاصده ،

وقد زاد من خطورة هذا الأمر عمليات التشويه التي يمارسها العلمانيون تجاه

التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة عن طريق تناولها بشكل مجزأ يجعلها بعيدة

عن التشريعات التي وردت في سياقها ، مع إغفال متعمد لبيان مقاصد الإسلام من

تشريعها ؛ بهدف إظهار قصورها وتجاوز العصر لها ووقوفها حجر عثرة في طريق

نيل المرأة لحريتها وحقوقها .

- ظاهرة ضعف الإيمان لدى كثير من النساء نتيجة عدم قيام المؤسسات

التربوية في المجتمعات الإسلامية بالدور المنوط بها تجاه هذا الأمر، وتركها الحبل

على الغارب لصواحب السوء وذوي الشهوات ليقوموا عبر الوسائل المختلفة

بالسيطرة على عقل المرأة ومشاعرها ومن ثَمَّ تحديد اتجاهاتها وتوجيه ميولها حسب

ما يشتهون .

- غفلة كثير من النساء عن حقيقة رسالتهن في الحياة ، والدور المنوط بهن

في بناء الأمة وصيانتها من عوامل الزيغ والانحراف .

- قيام بعض النساء المترفات بتبني دعوات العلمانيين ، وبروزهن واجهة لكثير من الأنشطة المقامة ، وتوفيرهن للدعم المعنوي ، والمادي الذي تحتاجه بعض

الأنشطة ، إضافة إلى تغريرهن بقطاع عريض من النساء اللاتي جرت العادة بقيامهن بتقليد مترفات المجتمع وكبرياته لعظم جهلهن وضعف إيمانهن .

- أن جزءًا كبيرًا من المحافظة الظاهرة لدى كثيرات يعود إلى أعراف قبلية

وتقاليد اجتماعية متوافقة مع الشرع دون أن يكون لها بعدٌ إيماني في نفوس

كثيرات ، ومن المعلوم أن الأعراف والتقاليد ليس لها طابع الثبات بل هي قابلة للتبدل بمرور الوقت خصوصًا متى تغيرت أوضاع المجتمع : علمًا وجهلاً ، غنىً وفقرًا ، انفتاحًا وانغلاقًا ، ويتسارع هذا التغير حين توجد جهات تخطط للتغيير وتستخدم سبلاً ملتوية تحتفي فيها بالقديم إذا احتفت معتبرة إياه تراثًا لعصر

مضى ، وتلمِّع فيها ما تريد نشره وتجعله من متطلبات التقدم وعلامات

الرقي والنهضة .

- الانحراف العام والانحطاط الشامل الذي أصاب المجتمع المسلم في كثير من

جوانب الحياة المختلفة ، والذي بدوره كان له أكبر الأثر في ضعف كثير من النساء

وقيامهن بالتفاعل مع الطروحات العلمانية بشكل ظاهر .

الثاني : أسباب تعود إلى العلمانيين ، وأهمها :

- عملهم بهدوء وبأساليب خافتة حرصًا على عدم الدخول في مواجهات

مكشوفة ، وسعيهم إلى تحقيق أغراضهم المشبوهة عن طريق لافتات وشعارات

مقبولة ، مع الحرص على الاستفادة بأقصى مدى ممكن من بعض أهل العلم وبعض

المحسوبين على الدعوة لقبول أعمالهم من قِبَل العامة وتسويغها أمامهم شرعًا من

جهة ، ولإحداث شرخ في صفوف العلماء والدعاة من جهة أخرى .

- استفادتهم من مرحلة الضعف والهوان التي تمر بها الأمة ، ومن قوة الغرب

النصراني - حيث يرتبطون به ويعملون على تحقيق مصالحه بصورة فجة -

والذي يضغط بقوة في سبيل فرض حضارته وهيمنة قيمه وشيوع سلوكياته في

المنطقة تحت مسميات مختلفة كالعولمة والديموقراطية ودعاوى حقوق الإنسان

وحرية المرأة وحرية الاعتقاد إلى آخر القائمة .

- إبرازهم لصور الظلم التي تقع على المرأة في مجتمعاتنا ، واتخاذها

موضوعاً ومدخلاً للحديث عنها بهدف تحقيق مآربهم وإشاعة السلوكيات والأخلاق

التي يروجون لها ويدعون النساء إلى تطبيقها .

- العمل على زعزعة الثقة بين العلماء والدعاة من جهة والمرأة من جهة

أخرى بهدف إيجاد فجوة بينها وبين الدين ، وذلك عن طريق وصمهم لأهل العلم

والدعوة بالتخلف والجمود وعدم عيش الواقع وإدراك متطلبات العصر والوقوف

حجر عثرة في طريق نهضة المرأة ورقيها ، والتسبب في صور الظلم الحاصلة

عليها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية .

استهواء المرأة وإغرائها وتزيين ما يشتهون لها عن طريق الاستفادة من

بعض الخصائص التي تتمتع بها إجمالاً كقوة العاطفة وسرعة التأثر وضعف الخبرة

في مجريات الحياة ومكائدها ، وحب التزين والرغبة في الترفيه .

- تحسين صورتهم لدى المرأة وكسب ثقتها عن طريق إقامة بعض المؤسسات

الطوعية التي تقدم بعض الأنشطة الاجتماعية ، والجمعيات التي ترفع عقيرتها

بالمطالبة بحقوق المرأة وإنصاف المجتمع لها .

- الاستفادة من الخلاف الفقهي وشذوذات بعض أهل العلم في بعض المسائل

الشرعية المتعلقة بالمرأة في محاولة إيجاد مسوغات شرعية لما يدعون المرأة إليه

عن طريق التلفيق بين تلك الآراء والأخذ من كل عالم فتواه التي تخدم أهواءهم ،

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى سعيهم إلى الاستفادة من ذلك في تشويه صورة

بعض أهل العلم والدعوة ، وزعزعة الثقة بينهم وبين المرأة عن طريق ضرب آراء

بعض أهـل العلم ببعض ، ووصم أصحاب الاجتهادات التي لا تتوافق مع أهوائهم

بالتشدد والجمود وإرادة التعسير على المرأة وكبتها والتضييق عليها .

- التدرج في تحقيق أهدافهم ؛ فمن المطالبة بحقوق مشروعة هي من صميم

قيم الإسلام وتعاليمه إلى مزج ذلك بحقوق تتناقض مع قيم الإسلام إلى العمل على

إحلال قيم الغرب وتقاليده محل قيم الأمة وتقاليدها ومطالبة أفراد المجتمع بتغيير

هويتهم للوصول إلى الوضع المرتجى لهم .

- سعيهم إلى الفصل بين ما يزعمون أنه الدين الصحيح الذي يرفعون شعار

التمسك به والدفاع عنه ، وبين العلماء والدعاة الذين يزعم العلمانيون بأن دعوتهم

للمرأة ليست من الدين الصحيح في شيء وإنما هي مجرد تشدد وتحكم في المرأة

بأمر لا أصل له في الدين .

- تضخيم أخطاء العلماء والدعاة ونسبة بعض الشنائع زوراً إليهم ، والاستفادة

من ذلك في عملية التشويه وزيادة الفجوة بينهم وبين بعض نساء المجتمع ، وفي

المقابل تضخيم العلمانيين لأعمالهم والمنكرات التي يروجونها لتضخيم وزنهم في

المجتمع ، ولتصوير أن جل النساء معهم ، ولتيئيس العلماء والدعاة من إمكانية

الإصلاح .

الثالث : أسباب تعود إلى العلماء والدعاة ، وأهمها :

- ضعف مستوى الجهود والأنشطة العلمية والدعوية الموجهة للمرأة ، وقلتها

وعدم كفايتها لسد احتياج الساحة ، وذلك يعود في ظني إلى قلة الاهتمام وضعف

عملية التخطيط وتشتت الأفكار والجهود وعدم التركيز مما أدى إلى عدم استثمار

الطاقات بصورة مرضية .

- عدم وجود طروحات متكاملة لقضية المرأة والقيام بطرح النظرة الشرعية

مجزأة مما يفقدها قيمتها ويظهرها في كثير من الأحيان بأنها غير صالحة للتطبيق ؛

لأنها تتصادم مع جوانب من الواقع المعاش ؛ علماً بأن الواقع السيئ للمرأة يرجع

إلى عدم أخذها بالتوجيه الشرعي في كافة جوانبه .

- مجاملة بعض العلماء والدعاة للواقع السيئ ، ومحاولتهم التعايش مع رغبات

بعض أفراد المجتمع المتجهة نحو التغريب ، وقيامهم بإصدار الفتاوى المتسقة مع

ذلك .

- الرتابة والتقليدية في جل البرامج والأنشطة العلمية والدعوية الموجهة

للمرأة ، وعدم وجود إبداع أو تجديد فيها مما أدى إلى ضعف التفاعل معها وقلة

الإقبال عليها من كثير من النساء .

- عدم أخذ زمام المبادرة في التعامل مع القضايا والأحداث ، والتفاعل حسب

ردود الأفعال دون أن يكون هناك مشاركة في صنعها أو تأثير في تحديد اتجاهها في

غالب الأحيان ، وهو مما أفرغ الساحة الاجتماعية أمام العلمانيين ، ومكنهم من فعل

ما يحلو لهم تخطيطًا وتنفيذًا وتوجيهًا وقطفًا للثمار بما يخدم مصالحهم ويحقق

أغراضهم .

- عدم بيان أهل العلم والدعوة لدائرة المباح المتعلق بالمرأة بشكل جيد ،

وأخذهم لها بالأمثل عن طريق طرحهم للأفكار وتبنيهم للحلول المثلى في كثير من

المواقف والقضايا بطريقة يفهم منها بأنها الطرح الشرعي الوحيد في الجانب

المتناول .

وقضية الأخذ بالأمثل من الأمور التي لا يطيقها سوى قلة من الصالحات ، أما

غيرهن من نساء الأمة فقد وسَّع الله عليهن بما أباحه لهن ، وواجب العلماء بيانه ،

وعدم التثريب على من أخذت به ما دامت لم تتعد حدود الله و لم تنتهك محارمه .

- عدم مراعاة بعض الدعاة لتعدد الفتوى ووجود خلاف بين أهل العلم في

بعض المسائل الاجتهادية ، وقيامهم بمحاولة إلزام المرأة برأي معين مع أنها ليست

مكلفة شرعاً إلا بتقليد الأوثق لديها في دينه من أهل العلم لا صاحب رأي أو بلد

بعينه .

- حساسية بعض الدعاة المفرطة في التعامل مع المرأة وقضاياها ، وانغلاقهم

الشديد الذي يمنعهم في أحيان كثيرة من تناول الأمور بموضوعية ؛ مما جعل الأمور

تتجاوزهم بشكل أدى إلى انفتاح صارخ غير منضبط .

- الخلط بين الأعراف والتقاليد والمنهج ، وعدم تمييز بعض العلماء والدعاة

بين الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة والمبنية على نصوص الشرع وقواعده وبين

آرائهم التي تكون مبنية على أعراف وتقاليد اجتماعية ، ولا ريب في أن لهم الحق

كغيرهم من أبناء المجتمع في أن يتخذوا ما يشاؤون من مواقف تجاه أعراف

المجتمع وتقاليده التي لا تتعارض مع الشرع ، وأن يحاولوا إقناع من يشاؤون

بمواقفهم تلك كما يحاول غيرهم ، لكن الواجب عليهم إيضاح أن تلك الآراء مردها

إلى العرف والتقاليد من غير محاولة إلباسها لباساً شرعياً متكلَّفاً فيه ، وأن لكل أحد

أن يتخذ الموقف الذي يشاء ما دام رأيه غير متعارض مع الشرع ، وهذا بخلاف

الأحكام الشرعية الثابتة التي يجب على الناس التزامها كل حسب وسعه وطاقته .

- التعميم : بعض من الدعاة يقومون بمحاربة المشاريع والأنشطة النسوية

التي تتضمن بعض المخالفات الشرعية في المجتمع بشكل مطلق بدل محاولة مد

جسور التفاهم والثقة مع أصحاب تلك المشاريع وتنمية جوانب الخير لديهم ، والقيام

بترشيد مناشطهم وتوجيهها الوجهة السليمة ، مما يدفع القائمين عليها من ذوي النفوذ

ورجال الأعمال في أكثر الأوقات إلى استخدام كافة ما يملكون من أوراق لمضي

الأمر على ما يريدون .

- هيمنة الأعراف والتقاليد وخوف بعض الدعاة من تجاوزها ؛ إلى جانب

إغفال بعض المناشط الملائمة للمرأة التي أثبتت نجاحها في مجتمعات أخرى وفسح

المجال أمام العلمانيين ليسدوا الفراغ الذي تعاني منه نساء المجتمع من خلال

البرامج والأنشطة التي يقيمونها .

- عدم إدراك كثير من العلماء والدعاة لطبيعة التحول الذي حصل في عقلية

النساء وسلوكياتهن واحتياجاتهن في وقتنا وحجم ذلك ، واستصحابهم لواقع المجتمع

في زمن ماض ، أو تعميمهم لواقع بيئاتهم الخاصة على البيئة العامة مما جعلهم لا

يشعرون بأهمية إعطاء دعوة المرأة أولوية ومزيد عناية .

- إغفال العناية بالجوانب التي فطر الله المرأة على الاهتمام بها كأمر الزينة

والجمال ، والأمور التي لكثير من النساء تعلق قوي بها في وقتنا كالترفيه بحيث لم

يتم تقديم برامج ومشاريع حيوية مباحة في هذا المجال تسد حاجة المرأة وتقطع

الطريق على العلمانيين الذين يكثرون من الولوج إلى المرأة عبر هذه البوابة ولا

يجدون أدنى منافسة من العلماء والدعاة حيالها .

- ضعف الرصد والمتابعة لجهود العلمانيين وأنشطتهم مع عدم المعرفة بكثير

من أعمالهم إلا بعد وقوعها مما يؤخر من مواجهتها ويجعل العلماء والدعاة يتعاملون

مع آثارها ويتناسون في الغالب أهدافها والأسباب التي هُيِّئت لنجاحها وشجعت القوم

على المضي فيها .

- ضعف كثير من العلماء والدعاة في بناء العلاقات وتكوين الصلات والقيام

بواجبهتم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة

والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، مما هيأ الفرصة للعلمانيين لكسب

كثير من ذوي النفوذ ومثقفي المجتمع ورجال الأعمال لخدمة طروحاتهم ودعم

مشاريعهم مع أنهم ليسوا منهم .

الانفصام لدى بعض الدعاة بين النظرية والتطبيق في التعامل مع المرأة

فبينما يوجد لدى جلهم إدراك نظري جيد لما يجب أن تكون عليه الأمور ، نجد

ممارسة سيئة لدى كثيرين تمشياً مع الأوضاع البيئية ورغبة في الراحة وعدم

المعاناة في مواجهة شيء من ذلك .

كيف ندافع العلمانيين ؟

تعد النجاحات التي حققها العلمانيون في مجال المرأة ثمرة التقصير والغفلة

التي عانى منها قطاع كبير من العلماء والدعاة وتيار الصحوة ، وعليه فإن المدخل

الصحيح للمدافعة يقتضي استشعار الخطر وإدراك ضخامة المسؤولية والتفكير

بموضوعية والتنفيذ بجدية للخطوات المراد تحويلها إلى واقع ، وما لم يتم ذلك فإن

الخطر سيستفحل والخرق سيتسع على الراقع ، ولن يجدي عندها كثير من خطوات

الحل المؤثرة والمتاحة الآن .

وقبل أن أتطرق إلى ذكر بعض السبل التي يمكن بواسطتها مدافعة القوم وكبح

جماحهم أو التخفيف من شرهم ، لا بد من ذكر بعض القواعد والمنطلقات التي لا بد

من استيعابها قبل الدخول في مواجهة معهم ، ومنها :

- لا بد من التوكل التام على الله وصدق اللجوء إليه والاستعانة به والتضرع

بين يديه وطلب عونه وتسديده مع الأخذ بالأسباب وإعداد العدة ، وذلك لأن من

ينصره الله فلا غالب له ، ومن يخذله فلا ناصر له كما قال تعالى : إن ينصركم

الله فلا غالب لكم [آل عمران : 160] .

- الاعتناء بالوضوح الإسلامي في الطرح ، والمطالبة بجلاء لكافة أفراد

المجتمع بتحقيق العبودية الحقة لله تعالى والانقياد التام له والتسليم لشرعه وعدم

الخروج عن أمره والتأكيد على الدعاة بعدم إخفاء حقيقة دعوتهم في طروحاتهم سعياً

في استصلاح جوانب الانحراف في المجتمع ، وإقامةً للحجة على العباد وإبراءاً

للذمة أمام الله تعالى .

الحذر من التفلت الشرعي الذي يقع فيه بعض الدعاة أثناء طروحاتهم عن

المرأة ، ومع إدراك أن الدافع لبعضهم قد يكون الحرص على الدعوة والسعي إلى

تقريب الكثيرات إلى الإسلام ؛ إلا أنه قد فاتهم تذكُّر أن الانضباط بالشرع شرط

لصحة العمل وأن الغاية مهما كانت شريفة لا تسوِّغ الوسيلة ، وأن الباري عز وجل

لا يُتقرب إليه بمعصيته ومخالفة أمره بل بطاعته وامتثال شرعه .

- التوجه إلى التخطيط الجاد والمتكامل في دعوة المرأة وتربيتها ، والمبني

على إدراك عميق للماضي ومعايشة للحاضر واستشراف للمستقبل ، وترك الارتجال

والعفوية وسطحية التفكير والتنبه إلى أن ذلك وإن قُبِلَ في أزمنة ماضية فإنه غير

مقبول بحال اليوم نظراً لضخامة الاستهداف للمرأة والعمق في التخطيط والدقة في

التنفيذ لدى العلمانيين ، والحذر من أن ينشغل العلماء والدعاة بردود الأفعال تجاه

قضايا وأحداث جزئية يصنعها العلمانيون تتصف بالإثارة والهامشية على حساب

قضايا جوهرية سواء في جهة البناء والتربية أم في جهة مواجهة القوم ودفع

أخطارهم .

- العمل على طرح مبادرات إصلاحية جذرية تتسم بالعمق والشمول

والواقعية بدلاً من الحلول الترقيعية وتجزئة القضايا بشكل يمكن العلمانيين من

التلاعب بالأمر والمزايدة فيه بالدعوة إلى إصلاحات جزئية هامشية لها بريق تستغل

في تخدير فئات كثيرة من المجتمع وتحييدهم عن الوقوف في صف العلماء والدعاة

والذين يسعون إلى القيام بإجراء إصلاحات جوهرية في القضايا والمجالات

الأساسية .

- الاعتناء بالقيام بإجراء تقييم شامل لأنشطة الدعاة ، وبرامجهم المختلفة

والموجهة إلى المرأة ، ومراجعتها من حيث الكم والكيف ، ويتأكد ذلك اليوم نظراً

لتغير الاحتياجات وتبدل الأحوال وتطور الإمكانات ، وما لم يتم ذلك وتهيأ له

الفرص الكفيلة بالنجاح فإن الزمن سيتجاوز أنشطة الدعاة وبرامجهم ، ويجعلهم كمن

يوصل الرسائل بين البلدان عبر الأقدام ، والدواب في زمن الأقمار الصناعية

والإنترنت .

- توحيد الصفوف ولمّ الجهود وسعة الصدر لرأي أهل العلم الأثبات المخالف

في مسائل الاجتهاد ، والتطاوع فيما لا إثم فيه ، والمحاورة بالتي هي أحسن ،

وحسن الظن بالآخرين ، والتماس العذر لهم ، ومغفرة زلاتهم ، والتجاوز عن

هفواتهم ... من أهم المهمات التي على العلماء والدعاة العناية بها ؛ لأن الاختلاف

شر والفرقة عذاب ، وتضرر الدعوة من كون بأسها بينها وعدوها من داخلها أعظم

عليها جداً من تربص أعدائها بها وكيدهم لها .

إدراك الدعاة لحقيقة الوضع وأنهم في صراع مع قوم ينتمون إلى جهات تريد

اجتثاث قيم الإسلام وأخلاقياته وإحلال قيم وأخلاقيات حضارة أخرى تناقضها

مكانها ، وعليه فالواجب عليهم طول النفَس وبعد النظر ومحاسبة الذات وإدراك   صعوبة الطريق وأن الهدم أسهل من البناء وتهيئة النفْس لتحمل الهزيمة والمواصلة     بعدها لأن العاقبة للمتقين ، ومعرفة أن الانتصار الحقيقي يكمن في الثبات على

المبدأ ، أما شيوع المبدأ فالداعية يسعى له ويجد في سبيل ذلك ، ولكن ليس من

شأنه تحققه ، وله أسوة بالأنبياء عليهم السلام إذ قتل بعضهم وطرد آخرون ،   ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد ، والنبي ومعه سواد كثير قد سد الأفق .

- أهمية أن تتجه برامج الدعاة إلى تربية كافة شرائح النساء في المجتمع

والبناء الصحيح لشخصياتهن وبخاصة تلك التي لم تؤثر فيها طروحات العلمانيين

بعدُ ، أو أن تأثيرهم محدود فيها ، وأن تشتمل تلك البرامج على جرعات تحصينية

ضد أساليب العلمانيين في الطرح ، وذلك لأن الوقاية خير من العلاج وما استدفع

الشر بمثل الاستعاذة بالله منه ، والتعرف عليه للحذر من التلبس به .

- الإقرار بوقوع صور متعددة من الظلم الواقع على المرأة في مجتمعاتنا

بسبب الجهل بالشرع وعدم تطبيقه ، وهو ما يجب إفهامه للمرأة التي يريد

العلمانيون تشويه صورة الإسلام في ذهنها ، والإسلام لا يتحمل نتاج البعد عنه .

- الاعتناء بتحلي صغار شباب الصحوة بصفات الحكمة والصبر والحلم

والروية وعدم الاستعجال ، والموازنة بين المصالح والمفاسد ، والتعامل مع الأحداث

بعقل لا بعاطفة مجردة ، ومشاورة أهل العلم والخبرة في سبل مدافعة العلمانيين حتى

لا تُجَر الصحوة إلى مواقف غير محمودة العواقب ، وبخاصة أنه لا توجد لدى

(القوم) أي معايير أخلاقية تمنعهم من فعل أي شيء في سبيل تحقيق أغراضهم

ومآربهم .

إقامة تعاون إيجابي في المجالات الدعوية والتربوية بين البيئات والمناطق

المختلفة يتم بواسطته تبادل الأفكار والخبرات ، والبدء في البرامج المختلفة من

حيث انتهى الآخرون ، وهذا ولا شك سيشجع على مزيد انطلاق ، ويوسع دائرة

الاختيار أمام الدعاة ويمنع من هدر الطاقات والإمكانات في إقامة برامج ثبت إخفاقها

متى امتلك الدعاة الشجاعة الأدبية للتراجع عن أنشطتهم ذات العائد الدعوي

والتربوي الأقل ، وتجاوز المألوف مما لا بعد شرعياً له وتحمل الضغوط البيئية

الناتجة عن ذلك .

سبل المدافعة :

السبل المقترحة لمدافعة العلمانيين في مجال المرأة كثيرة ، ومن أبرزها :

أولاً : سبل تتعلق بالمرأة والمجتمع ومن أبرزها :

العناية بتأهيل المرأة وبناء شخصيتها بناءاً متكاملاً في كافة الجوانب التي

تحتاجها و من أبرز ذلك :

أ- تعميق قضية الهوية والانتماء لهذا الدين لديها وتوضيح مقتضيات ذلك

ولوازمه كوجوب المحبة الكاملة لله ، والانقياد التام لشرعه فيما وافق هوى العبد

وفيما خالفه ،  ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به  ) [1]  .

ب - تجلية رسالة المرأة المسلمة في الحياة والدور المنوط بها في عصرنا في

سبيل نهضة الأمة ورقيها واستعادتها لعزتها ، والسبل المعينة لها على أداء ذلك .

ج - العناية بالجوانب الإيمانية ، والعبادية لدى المرأة ، وتزويدها بالعلم

الشرعي ، وبخاصة فيما تحتاج إليه ولا يسعها جهله في مراحل حياتها المختلفة .

د - رفع مستوى ثقافة المرأة وتحبيبها بالقراءة وتدريبها على ممارسة التثقيف

الذاتي والاستفادة من الوسائل التقنية المتاحة في ذلك .

هـ - رفع مستوى وعي المرأة وإدراكها لواقعها والتغيرات الضخمة الحاصلة

فيه ، وما يحاك ضد الأمة عموماً والمرأة خصوصاً من مخططات تهدف إلى إبعادها

عن دينها ، وتهميش دورها في الحياة بشكل يجعلها تعيش في عزلة شعورية عن

حاضرها .

و - الرقي باهتمامات المرأة وتعميقها وإبعادها عن السطحية ، وتعويدها على

الجدية وترتيب الأولويات وعدم الانشغال بالترهات والتوافه .

- تقرير الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة ، نحو : كون الأصل قرارها في

البيت ، والتزام الحجاب ، وعدم إبداء الزينة والتبرج تبرج الجاهلية الأولى ،

ودعوة المرأة إلى التزامها .

- رصد المشكلات التي تعاني المرأة منها في كافة الجوانب المختلفة ،

والسعي إلى تلافيها والتقليل من نتائجها السلبية .

- العناية بوقت المرأة وشغله بالمفيد واقتراح السبل الملائمة لتحقيق ذلك [2] .

- تقوية البناء الأسري وبخاصة في المجال الدعوي ؛ إذ إن للدعوة العائلية

أهمية فائقة في تعليم المرأة دينها وتحصينها ضد طروحات العلمانيين ومكائدهم .

- تفعيل دور المرأة في مواجهة مخططات العلمنة ؛ الساعية لإفسادها ،

وتشجيعها على القيام بدعوة بنات جنسها ؛ لأنها الأعرف بمجتمعاتهن والأكثر تأثيراً

فيهن والأقدر على الاتصال بهن والبيان لهن فيما يخصهن ، مع أهمية العناية

بجانب التحفيز لها وإيجاد الدوافع لديها لمواصلة نشاطها الدعوي حتى لا تفتر أو

تصاب باليأس والإحباط نتيجة طول المسير ومشقته [3]  .

- مطالبة النساء بالعناية ببيئاتهن الخاصة أزواجاً وأولاداً والقيام بالدور

المنشود منهن في استصلاحها وإمدادهن بالوسائل والآليات والسبل المناسبة ،

وخاصة فيما تجهله المرأة مما يناسب في خطابها للرجال من محارمها ؛ لأنهن

الأكثر دراية بها ، والأقدر على توجيهها والتأثير فيها متى استخدمن الحكمة . تفعيل

دور الصالحات في المجتمع وإفساح المجال وفتح القنوات والميادين الملائمة أمامهن ،   ومحاولة إعداد بعض المتميزات علماً وتفكيراً وسلوكاً ثم إبرازهن بصفتهن قدوات

لنساء المجتمع .

- توعية المجتمع بأهمية دور المرأة في نهضة الأمة ورقيها ، ومطالبة أفراده

بمؤازرتها والتواصي برفع صور الظلم المختلفة عنها والموجودة في بعض البيئات ،   وترك اللامبالاة والغفلة والتهميش للمرأة الذي يقع فيه بعض الأفراد ، اقتداءاً بنبينا

صلى الله عليه وسلم في تعامله مع المرأة .

ثانياً : سبل تتعلق بمجابهة العلمانيين ، ومن أهمها :

- إبانة أهداف العلمانيين والتي من أبرزها :

أ - التشكيك بالأصول وإزاحة ثوابت الأمة العقدية وأسسها الفكرية والسلوكية

وإحلال حضارة الغرب وقيمه مكانها .

ب - إخراج المرأة عن العبودية لله عز وجل والاستمساك بشرعه ، وجعلها

مجرد متاع في مسارح الرذيلة وملاهي الخنا ووسائل الإعلان وأوراق الصحف

والمجلات وشاشات التلفزة والقنوات الفضائية .

ج - الدعوة إلى التفلت الديني والفوضى الاجتماعية تحت مسمى الحرية

والمساواة .

د - إيضاح أن حقيقة الحقوق المزعومة التي يطالبون بإعطائها للمرأة حق

الإلحاد والزنا والعري والحمل السفاح والشذوذ الجنسي سالكين طريقة التلميع

للوسائل والتزوير للحقائق والإظهار للباطل بمظهر أخاذ .

- تتبع العلمانيين وكشف تاريخهم ودراسة إنتاجهم الفكري ورصد أنشطتهم

ووزنها بميزان الشرع وإبانة ما فيها مما يتناقض مع ثوابت الأمة والسعي إلى

زعزعتها لكي يتم فضح القوم ، وكشف انعزالهم عن قيم الإسلام وحضارته ،

وارتباطهم خدمة وتربية وفكراً وسلوكاً بجهات خارجية معادية تسعى إلى استئصال

هوية الأمة وإحلال قيمها مكانها ، وذلك من شأنه أن يمكن العلماء والدعاة من نقل

الطرف الآخر من مرحلة الهجوم إلى الدفاع .

- تتبع مداخلهم النفسية وأنشطتهم الجاذبة لكثير من النساء والعمل على الحد

منها والتخفيف من آثارها وإيجاد بدائل إسلامية عنها .

- العمل على استمالة القريبين فيهم من الحق ودعوتهم والعمل على كسبهم

إلى جانب الموقف الشرعي الصحيح .

- تحديد الشبهات التي يثيرونها حول النظام الإسلامي في مجال المرأة مما

يتخذونه وسيلة لتشكيك المرأة في دينها وزعزة عقيدتها ، والقيام بتفنيدها [4]

والإثبات عقلاً وواقعاً - أن النظام الإسلامي هو الطريق الأمثل لحماية المرأة من

الظلم وصيانة المجتمع من الفساد ، وإعطاء كل ذي حق حقه .

- بيان حقيقة واقع المرأة في الغرب وكشف ضخامة الأمراض والمشكلات

التي تواجهها على كافة الأصعدة [5]  ، وفي ذلك أعظم تعرية للعلمانيين والذين

يطالبون المرأة في مجتمعاتنا بمحاكاة المرأة الغربية والسير على منوالها إن هي

أرادت سلوك طريق التقدم والمضي في دروب الحضارة كما زعموا .

ثالثاً : سبل تتعلق بالعلماء والدعاة ، ومن أهمها :

-إدراك الواقع إدراكاً جيداً وتحليل جوانب القوة والضعف لدى الطرفين [6]  ،

والاستفادة من ذلك في تحديد أهداف المرحلة والسبل المثلى للمدافعة . إبانة حقيقة

النظام الإسلامي في معاملة المرأة ، وتجلية محاسنه وإزالة الشبهات التي تثار حوله ؛

لأنه لن يدحض الظلام إلا النور كما قال تعالى : وقل جاء الحق وزهق الباطل

إن الباطل كان زهوقا [الإسراء : 18] .

- إيضاح الاختلاف الجذري بين النظام الإسلامي وواقع المجتمعات الغربية ،

والذي من أبرزه :

أ - أن الأسرة في النظام الإسلامي تعد اللبنة الأولى في تكوين المجتمع ؛

بينما يعد الفرد في الغرب هو الركيزة الأساس .

ب - أن العلاقة بين الجنسين في النظام الإسلامي علاقة تكامل وتلاحم

وحرص من كلا الطرفين على مصالح الآخر كحرصه على مصالحه ، وطبيعة

العلاقة في كثير من أرجاء الغرب اليوم قائمة على التنافس والتنافر بين الجنسين

وحرص كل من الطرفين وبخاصة المرأة التي تشعر بالاستضعاف على فرض

هيمنته على الآخر .

ج - أن النظام الإسلامي يعطي المرأة حقوقها الشرعية كاملة وفي المقابل

يطالبها بالقيام بالواجبات الشرعية التي يفرضها عليها والتي لا تقوم الحياة السوية

إلا بها ، وفي الغرب نجد أن كثيراً منهم يتبعهم العلمانيون في بلداننا يوهمون المرأة

بسعيهم لإعطائها حقوقاً هي في واقع الأمر بوابتهم الرئيسة لاستعبادها واستخدامها

استخداماً جسدياً قذراً بعيداً عن مراعاة متطلبات روح المرأة وعقلها وقيم المجتمع

وأخلاقياته .

- إقامة لجان ومراكز أبحاث مهمتها العناية بالجوانب الإعلامية وإبراز جهود

العلماء والدعاة أفراداً ومؤسسات في قطاع المرأة عموماً والأسرة خصوصاً في

الجوانب المختلفة : العلمية ، الاجتماعية والصحية ، وإعداد المعلومات

والإحصائيات عنها ، ونشر ذلك بشكل دوري عبر وسائل الإعلام لإظهار ضخامة

الجهد المبذول وضآلة ما يقوم به العلمانيون مقارنة بها .

- العناية بالنساء في البيئات الخاصة بالدعاة تعليماً وتربية ؛ نظراً لإمكانية

التأثير القوي والاتصال المباشر لكي يتم تلافي الإهمال غير المتعمد لها الناتج عن

الانشغال بالبيئة الخارجية وإبراز قدوات نسائية للمرأة ذات عمق في التفكير وجدية

في الاهتمامات وقوة في الأخذ بالإسلام .

- تفعيل دور العلماء والواجهات الاجتماعية الخيرة ذكوراً وإناثاً وكافة أفراد

المجتمع ومطالبتهم بالقيام بالدور المنشود منهم في مواجهة طروحات العلمانيين ودفع

خطرهم ، استفادةً منهم من جهة وتوسيعاً لدائرة المعركة من جهة أخرى بدلاً من

جعلها كما يريد العلمانيون بينهم وبين الدعاة فقط .

- زيادة المناشط الدعوية والاجتماعية ، وتحسينها ، والاعتناء بتناول

الموضوعات المختلفة التي تحتاجها المرأة مع الحرص على التجديد في الأساليب

والإبداع في الوسائل لضمان تفاعل المرأة معها بشكل أكبر .

- توثيق الصلة بالمثقفين ورجال الأعمال ومد الجسور معهم لترشيد أعمالهم

من جهة والحيلولة دون أن تكون عوناً للعلمانيين على إفساد المرأة من جهة أخرى ،

وللتنسيق معهم في اقتحام مجالات جديدة تحتاجها المرأة كصناعة الترويح والملابس

ونحوها وفق الضوابط الشرعية .

- توسيع دائرة الانفتاح الدعوي على كافة مجتمعات النساء : ملتزمات وغير

ملتزمات ، مثقفات وعاميات ، متزوجات وغير متزوجات ، أمهات ، وأخوات

وبنات ، وعدم قصر النشاط على فئة دون أخرى .

- اقتحام ميادين وقنوات دعوية جديدة في مجال المرأة ، ومن أهم ذلك :

أ - قيام العلماء والدعاة بإنشاء جمعيات تنادي بالحقوق الشرعية للمرأة ؛

لقطع الطريق على العلمانيين الذين يَلِجُون من هذا الباب لتحقيق مآربهم .

 

ب -إقامة مراكز أبحاث نسوية خاصة بشؤون المرأة .

ج - إنشاء مؤسسات إنتاج ودور نشر متخصصة بقضايا المرأة ودعوتها .

العمل على تغيير هيكلة تعليم المرأة ؛ ليناسب وضعية المرأة ، ورسالتها في

الحياة ، والسعي لتطوير المناهج وفتح التخصصات التي تساعدها على القيام

بدورها  الأساس المنوط بها زوجةً وأماً ومربية .

وختاماً :

فلا بد من إدراك أن الخطب جسيم ، ويحتاج إلى استعانة صادقة

بالله تعالى وعمل جاد ، وتضافر قوي لكافة جهود المخلصين ؛ وإلا فإن العاقبة ستكون

وخيمة ، والمصير غير محمود ، وعندها سيهيئ الله لدينه جيلاً ينصره ، ويقوم بأمره

ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

________________________

(1) تاريخ بغداد للخطيب : 4/963 ، شرح السنة للبغوي : 1/312 ، وصححه النووي في الأربعين واستبعد ذلك جداً ابن رجب في جامع العلوم والحكم : 2/493 ، وقال الحافظ في الفتح : 31/203 : (أخرجه الحسن بن سفيان وغيره ، ورجاله ثقات) .

(2) من الأمور الهامة التي ينبغي تحريض المرأة على ممارستها : العبادة والذكر ، مدارسة القرآن والأحاديث النبوية ، القراءة المبرمجة ، الاستماع إلى الأشرطة النافعة ، إدارة المشاريع النسوية التعليمية والاجتماعية ودعمها ، التعرف على الأرامل والأسر المحتاجة ومساعدتها ، تعلم الأعمال المهنية والأنشطتة الملائمة من خياطة وحاسوب وأشغال فنية ومسائل الأمومة والاهتمام بالطفل ونحو ذلك .

(3) من أهم الحوافز التي ينبغي العناية بها : بيان ما أعد الله للداعين للهدى ، وإيجاد الشعور بالتحدي ببيان ضخامة الاستهداف العلماني الموجه للمرأة ، وذكر نماذج متميزة لبعض داعيات الحق وأخرى لداعيات الضلال .

(4) من أبرز الجوانب التي يكثر القوم من الطعن فيها : أحكام التعدد والميراث والحجاب والخلوة والاختلاط ، ومسائل القوامة والولاية والطلاق .

(5) من الأمور التي لا بد للدعاة من الحديث عنها في هذا المجال : نسب العفة والزواج والطلاق والأولاد غير الشرعيين والخيانة الزوجية في الغرب ، ومشكلات العنوسة والخروج عن الفطرة والتحرش بالمرأة والأمراض الجنسية والنفسية والتفكك الأسري وواقع الأبناء بعد خروج المرأة للعمل والمعاناة التي تلقاها الفتاة حتى تتزوج هناك ، ومسائل النفقة والمعاملة التي تلقاها المرأة الغربية في أطوار حياتها المختلفة : أماً وأختاً وابنةً وزوجةً ومسنةً ، متزوجة ومطلقة وأرملة .

(6) من أبرز جوانب قوة العلماء والدعاة : جلاء الحق الذي يدعون إليه ، وعمق انتمائهم إليه ، والعاطفة في المجتمع نحو الدين ، وكراهية أفراده لأعدائه والعاملين لحساب جهات خارجية تريد تقويضه ، والعودة الصادقة لكثيرات من نساء المجتمع نحو الالتزام بالإسلام عقيدة وسلوكاً .

 

 

 

 

ملفات

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

(2-2)

الحجاب وأصول الاعتقاد

عبد العزيز بن ناصر الجليل

 

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا

محمد وآله وصحبه . أما بعد :

فلم يعد خافياً على أحد ما تشهده مجتمعات المسلمين اليوم من حملة محمومة

من الذين يتبعون الشهوات على حجاب المرأة وحيائها وقرارها في بيتها ؛ حيث

ضاق عطنهم وأخرجوا مكنونهم ونفذوا كثيراً من مخططاتهم في كثير من مجتمعات

المسلمين ؛ وذلك في غفلة وقلة إنكار من أهل العلم والصالحين ، فأصبح الكثير من

هذه المجتمعات تعج بالسفور والاختلاط والفساد المستطير مما أفسد الأعراض

والأخلاق ، وبقيت بقية من بلدان المسلمين لا زال فيها والحمد لله يقظة من أهل

العلم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حالت بين دعاة السفور وبين كثير مما

يرومون إليه . وهذه سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل والمدافعة بين

المصلحين والمفسدين .

ومن كيد المفسدين في مثل المجتمعات المحافظة مع وجود أهـل العلم والغيرة

أن أولئك المفسدين لا يجاهرون بنواياهم الفاسدة ؛ ولكنهم يتسترون وراء الدين

ويُلبِسون باطلهم بالحق واتباع ما تشابه منه ، وهذا شأن أهل الزيغ كما وصفهم الله

عز وجل في قوله : فّأّمَّا بَّذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً زّيًغِ فّيّتَّبٌعٍونّ مّا تّشّابّهّ مٌنًهٍ \بًتٌغّاءّ بًفٌتًنّةٌ

ّابًتٌغّاءّ تّأّوٌيلٌهٌ [آل عمران : 7] . وهم أول من يعلم أن فساد أي مجتمع إنما يبدأ

بإفساد المرأة واختلاطها بالرجال ، ولو تأملنا في التاريخ لوجدنا أن أول ما دخل

الفساد على أية أمة فإنما هو من باب الفتنة بالنساء ، وقد ثبت عن النبي صلى الله

عليه وسلم قوله : ( ما تركت فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) [1] ، وقوله

صلى الله عليه وسلم : ( ... واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في

النساء ) [2] .

وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد ، وملل الكفر أول من يعرف هذه الحقيقة ؛

حيث إنهم من باب الفتنة بالنساء دخلوا على كثير من مجتمعات المسلمين وأفسدوها

وحققوا أهدافهم البعيدة ، وتبعهم في ذلك المهزومون من بني جلدتنا ممن رضعوا من

ألبان الغرب وأفكاره ، ولكن لأنهم يعيشون في بيئة مسلمة ولا زال لأهل العلم

والغيرة حضورهم ؛ فإنهم كما سبق بيان ذلك لا يتجرؤون على طرح مطالبهم

التغريبية بشكل صريح لعلمهم بطبيعة تديُّن الناس ورفضهم لطروحاتهم وخوفهم من

الافتضاح بين الناس ، ولذلك دأبوا على اتباع المتشابهات من الشرع ، وإخراج

مطالبتهم في قوالب إسلامية وما فتئوا يلبسون الحق بالباطل .

ومن هذه الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونة الأخيرة مطالبتهم في

مجتمعات محافظة بكشف المرأة عن وجهها وإخراجها من بيتها معتمدين بزعمهم

على أدلة شرعية وأقوالٍ لبعض العلماء في ذلك . ولنا في مناقشة هؤلاء القوم

المطالبين بكشف وجه المرأة المسلمة أمام الأجانب واختلاطها بهم في مجتمع محافظ

لا يعرف نساؤه إلا الحجاب الكامل والبعد عن الأجانب لنا في ذلك عدة وقفات :

الوقفة الأولى :

إن هناك فرقاً في تناول قضية الحجاب وهل يدخل في ذلك الوجه أم لا ؟ بين

أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق ، المجتهدين في تحري

الأدلة ، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر ، وبين   الأجر الواحد مع العذر هناك فرق بين أولئك وبين من يتبع الزلات ، ويحكم   بالتشهي ، ويرجِّح بالهوى ؛ لأن وراء الأكمة ما وراءها ؛ فيؤول حاله إلى الفسق   وَرِقَّة الدين ونقص العبودية وضعف الاستسلام لشرع الله عز وجل .

وهناك فرق بين تلك الفتاوى المحلولة العقال المبنية على التجرِّي لا على

التحري التي يصدرها قوم لا خلاق لهم من الصحافيين ومن أسموهم المفكرين تعج

منهم الحقوق إلى الله عجيجاً ، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجاً ، ينفرون

من تغطية الوجه لا لأن البحث العلمتي المجرد أدَّاهم إلى أنه مكروه أو جائز أو

بدعة كما يُرجفون ، ولكن لأنه يشمئز منه متبوعهم من كفار الشرق والغرب . فاللهم

باعد بين نسائنا وبناتنا وأخواتنا وبينهم كما باعدت بين المشرق والمغرب  ) [3]  .

( ولك أن تقدر شدة مكر القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتَّبعوا التمدن

الغربي ، ثم يسوِّغون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي .

ولقد أوتيت المرأة من الرخص في النظام الإسلامي أن تبدي وجهها وكفيها إذا

دعت الحاجة في بعض الأحوال ، وأن تخرج من بيتها لحاجتها ، ولكن هؤلاء

يجعلون هذا نقطة البدء وبداية المسير ، ويتمادون إلى أن يخلعوا عن أنفسهم ثوب

الحياء والاحتشام ، فلا يقف الأمر بإناثهم عند إبداء الوجه والكفين ، يل يجاوزه إلى

تعرية الشعر والذراع والنحر إلى آخر هذه الهيئة القبيحة المعروفة ، وهي الهيئة

التي لا تخص بها المرأة الأزواج والأخوات والمحارم فقط ، بل يخرجن بكل تبرج

من بيوتهن ، ويمشين في الأسواق ، ويخالطن الرجال في الجامعات ، ويأتين الفنادق

والمسارح ، ويتبسطن مع الرجال الأجانب .

ثم يأتي القوم فيحملون رخصة الإسلام للمرأة في الخروج من البيت للحاجة

وهي الرخصة المشروطة بالتستر والتعفف ؛ على أنه يحل لها أن تغدو وتروح في

الطرقات ، وتتردد إلى المتنزهات والملاعب والسينما في أبهى زينة ، وأفتنها

للناظرين ، ثم يتخذ إذن الإسلام لها في ممارسة أمور غير الشؤون المنزلية ذلك

الإذن المقيد المشروط بأحوال خاصة يُتَّخذ حجة ودليلاً على أن تودِّع المرأة المسلمة

جميع تبعات الحياة المنزلية ، وتدخل في النشاط السياسي والاقتصادي والعمراني

تماماً وحذو القُذَّة بالقذة كما فعلت الإفرنجية .

وها هو ذا الشيخ المودودي رحمه الله يصرخ في وجوه هؤلاء الأحرار في

سياستهم ، العبيد في عقليتهم قائلاً :  ( ولا ندري أيُّ القرآن أو الحديث يُستخرَج منه

جواز هذا النمط المبتذل من الحياة ؟ وإنكم يا إخوان التجدد إن شاء أحدكم أن يتبع

غير سبيل الإسلام فهلاَّ يجترئ ويصرح بأنه يريد أن يبغي على الإسلام ، ويتفلَّت

من شرائعه ؟ وهلاَّ يربأ بنفسه عن هذا النفاق الذميم والخيانة الوقحة التي تزيِّن له

أن يتَّبع علناً ذلك النظام الاجتماعي وذلك النمط من الحياة الذي يحرمه الإسلام شكلاً

وموضوعاً ، ثم يخطو الخطوة الأولى في هذا السبيل باسم اتِّباع القرآن كي ينخدع

به الناس فيحسبوا أن خطواته التالية موافقة للقرآن ؟  ) [4]  .

الوقفة الثانية :

وهي نتيجة للوقفة الأولى ، وذلك بأن ينظر إلى قضية الحجاب اليوم وما يدور

بينها وبين السفور من معارك إلى أنها لم تعد قضية فرعية ومسألة خلافية فيها

الراجح والمرجوح بين أهل العلم ، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية ترتبط

بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة وعدم فصله عن

شؤون الحياة كلها ؛ لأن ذلك هو مقتضى الرضى بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد

صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .

إن التشنيع على تغطية المرأة وجهها والتهالك على خروجها من بيتها

واختلاطها بالرجال ليست اليوم مسألة فقهية فرعية ولكنها مسألة خطيرة لها

ما بعدها ؛ لأنها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس وعلى   تغريب المجتمع وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنه بالطلقة   الأولى .

وإن لنا في جعل قضية الحجاب اليوم قضية أصولية كلية مع أن محلها كتب

الفروع إن لنا في ذلك أسوة في سلف الأمة ؛ حيث صنفوا بعض المسائل الفرعية

مع أصول الاعتقاد لَمَّا رأوا أن أهل البدع يشنِّعون على أهل السنة فيها ويفاصلون

عليها ، من ذلك ما ذكره الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية في قوله عن أهل

السنة والجماعة : ( ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في

الأثر ) وعلق شارح الطحاوية على ذلك بقوله : ( وتواترت السنة عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين وبغسل الرجلين ، والرافضة ، تخالف هذه

السنة المتواترة ) [5] .

ومعلوم أن المسح على الخفين من المسائل الفقهية ؛ ولكن لأن أهل البدع

أنكروه وشنعوا على مخالفيهم فيه نص العلماء عليه في عقائدهم .

إذن فلا لوم على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضية أصولية مصيرية ،

وذلك لتشنيع مبتدعة زماننا ومنافقيهم عليه ولحملتهم المحمومة لنزعه وجر المرأة

بعد ذلك لما هو أفسد وأشنع من ذلك ، وأنها لم تعد مسألة فقهية يتناقش فيها أهل

العلم المتجردون لمعرفة الراجح وجوانب الحاجة والضرورة فيه .

وقد صرَّح بعضُ العلماء بتكفير من قال بالسفور ورفْع الحجاب وإطلاق حرية

المرأة ؛ إذا قال ذلك معتقداً جوازه .

قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه :  ( المسائل الكافية ؛ في

بيان وجوب صدق خبر رب البرية  ) [6]  :

( المسألة السابعة والثلاثون  ) : من يقول بالسفور ورفع الحجاب وإطلاق

حرية المرأة ففيه تفصيل :

فإن كان يقول ذلك ويُحسِّنُه للغير مع اعتقاده عَدَم جوازه ، فهو مؤمن فاسق

يجب عليه الرجوعُ عن قوله ، وإظهارُ ذلك لدى العموم .

وإن قال ذلك معتقداً جوازه ، ويراه من إنصاف المرأة المهضومة الحق على

دعواه ! فهذا يكفر لثلاثة أوجه :

الأول : لمخالفته القرآن : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ

يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب : 59] .

الثاني : لمحبته إظهار الفاحشة في المؤمنين . ونتيجة رفع الحجاب ، وإطلاق

حرية المرأة ، واختلاط الرجال بالنساء : هو ظهور الفاحشة ، وهو بيِّنٌ لا يحتاج

إلى دليل .

الثالث : نسبةُ الحيف على المرأة ، وظلمها إلى الله تعالى الله عما يقول

المارقون ؛ لأنه هو الذي أمر نبيه بذلك ، وهو بيِّنٌ أيضاً .

قلتُ : وظهور الفاحشة نتيجة لرفع الحجاب ، وإطلاق حرية المرأة ، واختلاط

النساء بالرجال يَشهد به الواقعُ من حال الإفرنج والمتفرنجين الذين ينتسبون إلى

الإسلام ، وهم في غاية البعد منه .

وصرح الشيخ محمد بن يوسف الكافي أيضاً بتكفير من أظهرت زينتها الخلقية

أو المكتسبة ، معتقدة جواز ذلك ، فقال في كتابه المشار إليه ما نصُّه :  ( المسألة

السادسة والثلاثون  ) : من أظهرت من النساء زينتها الخِلقية أو المكتسبة ؛ فالخلقية :

الوجه والعنق والمعصم ونحو ذلك ، والمكتسبة ما تتحلى وتتزين به الخلقة كالكحل

في العين ، والعقد في العنق ، والخاتم في الإصبع ، والأساور في المعصم ،

والخلخال في الرِّجل ، والثياب الملونة على البدن ، ففي حكم ما فعلتْ تفصيل :

فإن أظهرت شيئاً مما ذُكِرَ معتقدة عدم جواز ذلك ، فهي مؤمنة فاسقة تجب

عليها التوبة من ذلك ، وإن فعلته معتقدة جواز ذلك فهي كافرة لمخالفتها القرآن ؛ لأن

القرآن نهاها عن إظهار شيء من زينتها لأحد إلا لمن استثناه القرآن ، قال الله

تعالى : ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ [النور : 31] .

قال هشام بن عمار : سمعت مالكاً يقول من سَبَّ أبا بكر وعمر أُدِّب ، ومن

سَبَّ عائشة قُتِل ؛ لأن الله يقول : يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ

[النور : 71] . فمن سَبَّ عائشة فقد خالف القرآن ، ومن خالف القرآن قُتِل أي

لأنه استباح ما حرَّم الله تعالى انتهى .

الوقفة الثالثة :

ليس المقصود في هذه الوقفات حشداً للأدلة الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها

عن الرجال الأجانب ووجوب الابتعاد عنهم ؛ فهي كثيرة وصحيحة وصريحة

والحمد لله ويمكن الرجوع إليها في فتاوى أهـل العلم الراسخين ورسائلهم كرسالة

الحجاب للشيخ ابن عثيمين . ومن الكتب التي توسعت في هذا الموضوع وردَّت

على شبهات المخالفين كتاب : (عودة الحجاب/ القسم الثالث) للدكتور محمد بن

إسماعيل المقدم حفظه الله وإنما المقصود في هذه المقالة ما ذكر سابقاً من فضح

نوايا المنادين بكشف الوجه والاختلاط بالرجال ، وأن وراء ذلك خطوات وخطوات

من الفساد والإفساد ؛ ومع ذلك يحسن بنا في هذه الوقفة أن نشير إلى أن علماء الأمة

في القديم والحديث من أجاز منهم كشف الوجه ومن لم يجزه كلهم متفقون ومجمعون

على وجوب ستر وجه المرأة وكفيها إذا وُجِدَت الفتنة وقامت أسبابها ؛ فبربكم أي

فتنة هي أشد من فتنة النساء في هذا الزمان ؛ حيث بلغت وسائل الفتنة والإغراء

بهن مبلغاً لم يشهده تاريخ البشرية من قبل ، وحيث تفنن شياطين الإنس في عرض

المرأة بصورها المثيرة في كل شيء في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة

والمرئية ، وأخرجوها من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع ؛ فمن قال بعد

ذلك : إن كشف المرأة عن وجهها أو شيء من جسدها لا يثير الفتنة فهو والله   مغالط مكابر لا يوافقه في ذلك من له مُسْكَة من دين أو عقل أو مروءة .

وبعد التأكيد على أن أهل العلم قاطبة متفقون على وجوب تغطية الوجه إذا

وجدت الفتنة يتبين لنا أن خلافهم في ذلك كان محصوراً فيما إذا أُمِنَتِ الفتنةُ ، ومع

ذلك فتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذا القدر من الخلاف بقي خلافاً نظرياً إلى حد

بعيد ؛ حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية خلال مراحل

التاريخ الإسلامي ، وفيما يلي نُقُول عن بعض الأئمة تؤكد أن التزام الحجاب كان

أحد معالم ( سبيل المؤمنين ) في شتى العصور : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه

الله تعالى :  ( كانت سُنَّة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة

تحتجب ، والأَمَةُ تبرز  ) [7]  .

وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى :  ( لم يزل الرجال على مر الزمان

مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات  ) [8]  .

وقال الحافظ ابن حجر :  ( لم تزل عادة النساء قديماً وحديثاً أن يسترن

وجوههن عن الأجانب  ) [9]  .

وقد يتعلق دعاة السفور أيضاً ببعض الحالات التي أذن الشارع للمرأة فيها

بكشف وجهها لغير محارمها كرؤية الخاطب لمخطوبته ، وعند التداوي إذا عدمت

الطبيبة بشرط عدم الخلوة وعند الشهادة أمام القاضي ونحوها ، وهذا كله من يُسْر

الشريعة وسماحة الإسلام ؛ حيث رُخِّص للمرأة إذا اقتضت المصلحة الراجحة

والحاجة الماسة أن تكشف عن وجهها في مثل هذه الأحكام ؛ وليس في هذا أدنى

مُتَعَلَّق لدعاة السفور ؛ لأن الأصل هو الحجاب الكامل وهذه رخص تزول إذا زالت

الحاجة إليه .

الوقفة الرابعة :

ومن منطلق النصح والشفقة وإقامة الحجة أتوجه بالكلمات الآتية إلى أولئك

القوم الذين ظلموا أنفسهم وأساؤوا إلى مجتمعهم وأمتهم وخانوا أماناتهم وحملوا بذلك

أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون فأرجو أن تجد هذه

الكلمات آذاناً صاغية وقلوباً واعية قبل مباغتة الأجل وهجوم الموت ؛ حيث لا تقبل

التوبة ولا ينفع الندم .

1 - أذكِّركم بموعظة الله تعالى ؛ إذ يقول : قُلْ إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن

تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا [سبأ : 46] .

فماذا عليكم لو قام كل فرد منكم مع نفسه أو مع صاحبه ، ثم فكرتم فيما أنتم

عليه من إفساد وصد عن سبيل الله عز وجل ، هل أنتم مقتنعون بما تفعلون وبما

تجرُّونه على أمتكم من الفتن ؟ وهل هذا يرضي الله تعالى ، ويجلب النعيم لكم في

الآخرة ؟ إنكم إن قمتم لله عز وجل متجردين مثنى أو فرادى ، وفكرتم في ذلك فإن

الجواب البدهي هو أن الفساد والإفساد لا يحبه الله عز وجل ، بل يمقته ، ويمقت

أهـله ، وسيأتي اليوم الذي يمقت فيه أهل الفساد أنفسهم ، ويتحسرون على ما

فرطوا وضيعوا وأفسدوا ، وذلك في يوم الحسرة ؛ حيث لا ينفع التحسر ولا التندم ،

فعليكم بالتوبة قبل أن يحال بينكم وبينها .

2 - أذكِّركم بيوم الحسرة والندامة يوم يتبرأ منكم الأتباع وتتبرؤون من

الأتباع ، ولكن حين لا ينفع الاستعتاب ولا التنصل ولا التبرؤ ، بل كما قال تعالى :

وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَذِينَ كَفَرُوا هَلْ

يُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ : 33] .

أذكِّركم بالأثقال العظيمة التي ستحملونها يوم القيامة من أوزاركم وأوزار الذين

تضلونهم بغير علم إن لم تتوبوا ، قال تعالى : ولَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ

ولَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت : 13] ، وقال عز وجل :  لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ ومِنْ أَوْزَارِ الَذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا

يَزِرُونَ [النحل : 25] .

وإن الظالمين جميعهم رئيسهم ومرؤوسهم ، تابعهم ومتبوعهم لهم يوم مشهود

ويوم عصيب ، يوم يكفر بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضاً ، ويحيل التبعة

بعضهم على بعض ؛ ولكن حين لا يجدي لهم ذلك إلا الخزي والبوار .

3 - إن لم يُجْدِ واعظُ الله سبحانه والدار الآخرة فيكم فلا أقل من أن يوجد

عندكم بقية مروءة وحياء تمنعكم من إفساد المرأة وإفساد المجتمع بأسره .

إن المتأمل لحال المتبعين للشهوات اليوم ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم !

فما لهم وللمرأة المسلمة التي تقر في منزلها توفر السكن لزوجها وترعى أولادها ؟

ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها

وطبيعتها ؟ ماذا يريدون من عملهم هذا ؟ !

ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون على الخير والدين والخصال

الكريمة ؟ ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد المختلفة عليهم ؟ هل

يريدون جيلاً منحلاًّ يكون وبالاً على مجتمعه ذليلاً لأعدائه عبداً لشهواته ؟ إن هذه

هي النتيجة ؛ وإن من يسعى لهذه النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها الأسر المسلمة

اليوم لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه .

إن من عنده أدنى مروءة ونخوة فضلاً عن الدين والإيمان لا يسمح لنفسه أن

يكون من هؤلاء الظالمين ، وما ذُكِرَ من إفساد الأسرة إنما هو على سبيل المثال لا

الحصر ؛ فيا من وصلوا إلى هذا المستوى من الهبوط والجناية ! توبوا إلى ربكم ،

وفكِّروا في غايتكم ومصيركم ، واعلموا أن وراءكم أنباءاً عظيمة وأهوالاً جسيمة

تشيب لها الولدان ، وتشخص فيها الأبصار ؛ فإن كنتم تؤمنون بهذا فاستيقظوا من

غفلتكم وراجعوا أنفسكم ، والله جل وعلا يغفر الذنوب جميعاً ، وإن كنتم لا تؤمنون

بذلك فراجعوا دينكم ، وادخلوا في السلم كافة قبل أن يحال بينكم وبين ما تشتهون .

4 - يا قومنا ! أعدوا للسؤال جواباً وذلك حين يسألكم عالم الغيب والشهادة

عن مقاصدكم في حملتكم وإجلابكم على المرأة وحجابها وقرارها في بيتها ، فماذا

أنتم قائلون لربكم سبحانه ؟ إنكم تستطيعون أن تفروا من المخلوق فتدلِّسون وتلبِّسون

، وقد يظهر ذلك للناس في لحن القول وقد لا يظهر ؛ لكن كيف الفرار ممن يعلم ما

تخفون وما تعلنون ؟ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [الحاقة : 81] .

فتوبوا إلى علاَّم الغيوب ما دمتم في زمن التوبة ، وصحِّحوا بواطنكم قبل أن يُبعثَر

ما في القبور ويُحَصَّل ما في الصدور .

وختاماً :

أوصي نفسي وإخواني المسلمين الحريصين على دينهم وأعراضهم وسلامة

مجتمعاتهم من الفساد بأن يكونوا يقظين لما يطرحه الظالمون لأنفسهم وأمتهم من

كتابات وحوارات مؤداها دعوة إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال الأجانب ، فما

دامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين فإن الله عز وجل يقذف بالحق على الباطل

فإذا هو زاهق . وينبغي أن لا ننسى في خضم الردود على ما يكتبه المفسدون من

الشبهات والشهوات ؛ ذلكم السيل الهادر الذي يتدفق من وسائل الإعلام المسموعة

والمرئية في بلاد المسلمين ؛ وذلك بما تبثه الإذاعات والتلفاز والقنوات الفضائية من

دعوة للمرأة إلى السفور ومزاحمة الرجال في الأعمال والطرقات ، والتمرد على

الرجل سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً ؛ ولقد ضربت هذه الوسائل بأطنابها في بلاد

المسلمين فكان لزاماً على المصلحين محاربتها وإبعادها عن بيوت المسلمين قدر

الاستطاعة ، فإن لم يكن إلى ذلك سبيل فلا أقل من تكثيف الدعاية ضدها والتحذير

من شرها ووقاية المسلمين من خطرها ؛ وذلك بإصدار الفتاوى المتتابعة والخطب

المكثفة حول أضرارها وأثرها المدمر للدين والأخلاق ؛ فإنها والله لا تقل خطراً عما

تكتبه الأقلام الآثمة عن المرأة إن لم تزد عليه ، والمقصود أن لا يكتفي المصلحون

بمحاربة ما يكتبه المفسدون في الصحف والمجلات عن المرأة فإن هم سكتوا سكت

المصلحون وظنوا أن الخطر قد انتهى . كلا ! إن الخطر لم ينته وإن المعركة

مستمرة ؛ لأن الخطر الأكبر لا يزال قائماً ما دامت الوسائل المسموعة والمرئية لا

تكفُّ عن المرأة والاستهزاء بحجابها وقرارها في بيتها وقوامة الرجل عليها ، وإثارة

الشبهات في ذلك .

أسأل الله عز وجل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعز دينه

ويعلي كلمته ، وأن يرد كيد المفسدين في نحورهم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب

العالمين .

________________________

(1) رواه البخاري ، ح/ 6074 .

(2) رواه مسلم ، ح/ 5294 .

(3) انظر عودة الحجاب ، 3/ 734 .

(4) انظر مقدمة عودة الحجاب للدكتور محمد إسماعيل المقدم ، ص 22 ، 32 باختصار وتصرف يسير .

(5) شرح الطحاوية ، ص 683 .

(6) عن كتاب الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور ، للشيخ حمد التويجري رحمه الله .

(7) تفسير سورة النور ، ص 56 .

(8) إحياء علوم الدين ، 4 / 927 .

(9) فتح الباري ، 9/423 .

 

 

 

 

ملفات

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

(2-2)

ندوة عن : واقع المرأة في الغرب

أشرف على إعدادها وترجمتها في بريطانيا

براق البياتي ، وعبد السلام عبد اللطيف

 

المرأة الغربية هي الأنموذج والمثل الذي يُحتذى من قِبَلِ أدعياء التحرر

والتغريب ؛ فهي بزعمهم قد وصلت إلى قمة السعادة ، وحصلت على كافة حقوقها

الإنسانية ، ولكن هل هذا الزعم صحيح حقاً ؟ ! أم أنه مجرد وهْم كبير يريدون أن

يوقعونا في شراكه ؟

هذا ما سوف نراه في هذه الندوة التي شاركنا فيها مجموعة من الأخوات

الغربيات المسلمات ، كلهن من أصول إنجليزية وويلزية ، عشن في الغرب ،

وتربين في أحضانه ، ثم عرفن حقيقته بعد أن شرح الله صدورهن للإسلام .

الأخوات المشاركات :

1 - فاطمة أم إسماعيل ، واسمها قبل الإسلام : فيكتوريا كيب وول .

2 - عائشة أم سعدية ، واسمها قبل الإسلام : راشيل بريتشرد .

3 - خديجة أم عارف ، واسمها قبل الإسلام : ويندي بووث .

4 - أم يوسف ، واسمها قبل الإسلام : آشلي داينتي .

5 - خديجة أم محمد ، واسمها قبل الإسلام : جوان توماس .

6 - نبيلة أم إسماعيل ، واسمها قبل الإسلام : روبين رييد .

البيان : مفهوم الأخلاق مرَّ بتغيرات جذرية متعددة : فكرية واجتماعية ،

حتى وصل إلى مرحلته الحالية ، فما مفهوم الأخلاق في الغرب ؟

الأخت : خديجة أم عارف :  تختلف الأخلاق في الغرب من شخص إلى شخص ومن بيت إلى بيت ، وهناك تصور عام أن كل التصرفات الشخصية مصونة

مهما كانت هذه التصرفات إذا لم تؤثر على شخص آخر . ومن هذه التصرفات

المقبولة عند الغرب مثلاً : أن ينتحل الرجل شخصية المرأة بزيها وعلاقاتها وأن يُظْهِرَ

ذلك أمام أطفاله ، ومثال آخر : هو الكَمُّ الهائل من المواد والعروض الإباحية في شتى

وسائل الإعلام والتي أصبحت متقبلة . وبالرغم من أن هناك فئة من الناس تشعر

بالخجل من هذه التصرفات إلا أنها لا تستطيع الانتقاد العلني خوفاً من أن

توصف بالتحجر والتخلف . وتحت ضغط الإعلام أصبح الكثير من هؤلاء ومنهم

أرباب الكنيسة يقبلون بالقيم الجديدة ، ومثاله : السماح بزواج الشواذ داخل الكنيسة .

نعم ! الأخلاق في انحدار عجيب ؛ وهناك ذلك المفهوم السائد بأن تفعل ما يحلو لك ما

دمت تشعر بالسعادة ، وما دام مقبولاً عندك ، هذا المفهوم الذي بدأ ينتشر من

الستينيات حتى الآن .

الأخت : فاطمة أم إسماعيل : أنا لا أعتقد أن هناك قيماً باقية في الغرب؛

فالنساء أصبحن كالرجال ، والرجال كالنساء ، حتى الكنيسة التي كانت أساس القيم

الغربية غيَّرت كلام الله لتكثر حضور الناس ، فصاروا يجعلون الحرام حلالاً .. فالقيم

الغربية قد انهدمت !

الأخت : خديجة أم محمد : لقد فُقِدَت فكرة القيم في الغرب ؛ والأحوال تقزز

النفس أكثر وأكثر ، فالأفعال التي تحصل هنا من هذه الأنواع كثيرة ، والناس

المسؤولون عنها لا يوجد لديهم قيم ، فهم لا يعتنون بتصحيح الأخلاق للناس

والأطفال هذه الأيام ، المسلمون الملتزمون هم فقط الذين لهم قيم هنا في الغرب .

الأخت : نبيلة عبد الله :  لم تعد فكرة القيم موجودة في الغرب ، فالغرب يؤمن بأن حرية الاعتقاد الشخصي أهم من مسألة الالتزام بقيم معينة . وبهذا فإن

الغرب سمح للمجتمع أن ينقلب ضد نفسه ؛ حيث إن كل فرد يعتقد بأن ما يؤمن به

هو الصحيح ، كما أن من المسلك الحسن عندهم أن يترك الأمر لكل فرد يدعو لما يعتقد به بغض النظر عما قد يحمله من أفكار ومعتقدات شاذة . لقد مضى عهد طويل

منذ أن كان الغرب يهتم بالقيم ؛ حيث إن الاهتمام بالماديات أصبح بمثابة الإله

المعبود .

البيان : دعوات تحرير المرأة في الغرب قديمة جداً ، فهل استطاعت تلك

الدعوات أن تستنقذ المرأة الغربية وتنصفها وتكرمها ؟ وهل استطاعت أن تسعدها

حقاً ؟

الأخت : عائشة أم سعدية :أنا شخصياً لا أعتقد أن المرأة المسماة « محررة »

بأنها سعيدة ، فالشيء الذي حصلت عليه هو الغرور بأن تعتبر مساوية للرجل فقط ؛

إذ ليس لها وقت أو إحساس لتحيا حقيقة أنها زوجة أو أم ، وهذا مما يُحزِن ؛ لأن

الله سبحانه وتعالى خلق المرأة زوجة للرجل وأمّاً لأولاده لتراعي بيت الأسرة

والأطفال وحاجات زوجها ، ولمَّا لم يتحقق ذلك للمرأة المتحررة فقد ضاع عليها أهم

شيء في الحياة ؛ ويوماً مَّا سوف تشعر بهذا ، ولكن بعد فوات الأوان ! كيف يوجد

للمرأة ذرة من الكرامة وهي تريد أن تكون كالرجل ؟

الأخت : خديجة أم محمد : لا ... تحرر المرأة في الغرب لم يستطع أن

ينقذ المرأة أو يكرمها ، فقط استطاع أن يضغط على النساء ليخرجن من البيوت

من غير رقيب ولا حسيب ، يكون لهن هواياتهن وحياتهن الخاصة ، لا يردن العمل

فقط بل دفعن بأنفسهن للوصول إلى أعلى مرتبة في العمل ، والوصول إلى هذه

(القمة) ليس بالسهل للنساء ، ولهذا هن دائماً تحت ضغوطات محاولاتهن للتنافس مع الرجال ، وفي النهاية إذا وصلن إلى أعمال ووظائف فعادةً لا يرقين إلى ما يحققه

الرجال ؛ فبعد كل هذا العمل ، والوقت ، والجهد والضغط ما زالت النساء هنا

مثلاً لا يحصلن على المرتبات نفسها لنظائرهن من الرجال ، وهذا يؤدي إلى

نتيجة سلبية !

بعض الشركات لا تقبل النساء للعمل عندهم إذا كن حوامل ولا يوظفون

النساء اللاتي لديهن أطفال ، وهذا يزيد التعقيدات للنساء اللائي يسعين للتساوي التام

مع الرجال ، وهذا التعقيد هن اللواتي جلبنه ؛ فبدلاً من أن يرفعن مكانتهن جعلن

حياتهن مضطربة وتحت ضغوط جمة هذا لا بد أن يؤدي إلى الحزن والأسى .

الأخت : نبيلة عبد الله : أنا أرى أن النساء في الغرب عشن مراحل (التحرر)

واستُعبدن من قِبَلِ أفكار المجتمع الداعية لتحرير المرأة . ولقد ناضل النساء لنيل ما يسمى : (حقوق المساواة في أماكن العمل) وطالبن بالمعاملة بالمثل مساواة بالرجل  ولكن هؤلاء النساء أنفسهن سمعناهن فيما بعد يصرخن مطالبات بحقوق تختلف عن

الرجال العاملين ، مثل مطالبتهن بإجازات وضع الحمل ، وتفريغهن للبقاء في رعاية

أطفالهن الرضع ، وفي هذا تناقض مع دعوات المساواة ، حيث إن الرجال ليس لهم مثل تلك الحقوق ، وهناك أمور أخرى مثل ترقيات العمل ، فالمرأة عادة لا تمنح مثل تلك الترقيات ما لم تكن مستعدة لتقبل التحرشات المخدشة للعرض من قِبَلِ

رؤسائها في العمل . ثم إذا ما نظرنا إلى واقع المرأة العاملة فسنجد مثلاً أن عليها

التضحية في مسائل مثل تربية أطفالها والتي تلجئها ظروف العمل في كثير من

الأحيان إلى إيكال تلك المهمة إلى مربيات ؛ وقد أثبتت تجربة استخدام المربيات أنها

قد تسيء إلى الأطفال ؛ حيث تم ضبط كثير من الحالات التي يعنف فيها الأطفال

ويُضربون ، بل وكان منها حالات أدت إلى قتل الأطفال !

أما عن وضع أزواج النساء العاملات فهي الأخرى لا تخلو من خلل ؛ فكثير

من هؤلاء الأزواج قد يعاني من إهمال وتقصير زوجته تجاهه خصوصاً من الناحية

العاطفية مما قد يؤدي به إلى العزوف عنها ، والبحث عن امرأة أخرى ، فينتهي الأمر

إلى الطلاق وتفسخ العائلة ؛ ولذا فالمحصلة الكلية لمثل تلك الدعوات التحررية

وبشكل عام لم تؤدِّ إلى السعادة .

البيان : خرجت المرأة الغربية للعمل في شتى الميادين مع الرجل جنباً إلى

جنب ؛ فهل تجربة العمل هذه ناجحة ؟ وما أثرها على الأسرة والأبناء ؟

الأخت : فاطمة أم إسماعيل : لا أصدق أن من النجاح أن يعمل الرجال

والنساء جنباً إلى جنب ؛ فمن فطرة الرجل أن يكون القائم والأقوى ، ومن الطبيعي

أن يرفض منافسة المرأة في مكان العمل ، وعليه فسيصعب عليها العمل في مثل

هذه الأجواء ، وسيؤثر هذا بدوره على حياتها الأسرية ، وذلك عندما تنقل تأثرها

بمشاكل العمل إلى البيت وتؤثر بذلك على الأسرة .

وهناك أيضاً : الدعوة للوقوع في العلاقات المحرمة في العمل ، إذا كانت

الأحوال في البيت تمر في ظروف صعبة .

الأخت : عائشة أم سعدية : كثير من النساء خرجن للعمل مع الرجال ،

ولكن تسمية ذلك نجاحاً شيء يحزن ؛ والتنافس مع الرجال خطأ بالكلية ، ولعل

المرأة العاملة تعتقد أنها ناجحة بالتمكن من نفس مكانة الرجل ، أو أعلى منه ، ولكنها

في الحقيقة هي الخاسرة ؛ فمن مشاكل الاختلاط مع الرجال أنها تخاطر بنفسها في

الوقوع بعلاقات محرمة معهم ، وطبيعي أن يؤدي هذا إلى الطلاق فتخسر زوجها

وأطفالها .. ونحو ذلك . أيضاً عدم وجودها مع زوجها قد يقلل من اكتراثها به ،

ويمكن أن يجعله هو الآخر يدخل في علاقات جنسية غير مشروعة ، حينئذ الأطفال

حتماً سيعانون ؛ لأن الأم ليست موجودة لتعلمهم ولترعاهم . وعادة ما يؤدي هذا إلى

أن يخرج الأطفال إلى الشوارع ، فيزيد احتمال وقوعهم في مشاكل عويصة، ومن

تلك المشاكل الحمل المبكر غير الشرعي للبنات . وللمعلومية فيوجد في المجتمعات

الغربية أكثر عدد من حالات الطلاق في العالم ، وكذلك حالات حمل المراهقات

من علاقات جنسية غير مشروعة .

الأخت : خديجة أم عارف :  في مجتمع العمل المختلط ينظر إلى العلاقات التي تنشأ بين الرجال والنساء على أنها علاقات من قبيل المتعة غير الضارة ، ولكن

ينسى هؤلاء أن هذه العلاقات قادت إلى الزنا وإلى تفكك الأسرة والقضاء على الكثير

من الزيجات . هذا الاختلاط خلق كثيراً من الشك بين الأزواج حول العلاقات غير

المشروعة التي يقيمها كلا الطرفين من خلال العمل ، كما أنه ورَّث كثيراً من

المضايقات والتحرشات الجنسية في العمل من قِبَل الرجال للمرأة ، تلك المرأة التي

تبدي نصف جسدها أثناء العمل . إن دور المرأة أمّاً ومربية للأطفال

لم يعد له قيمة في الغرب ، بل إن المرأة تُلقي بأطفالها في الحضانة أو إلى شخص

آخر ربما يكون غريباً ، وتنطلق للعمل وبأجر أقل من أجر الرجل . أعتقد أنه ليست

هناك وظيفة أكثر ربحاً ، وأجراً من وظيفة الأم التي تربي أطفالها في بيئة متزنة

حانية . كل طفل يحتاج أن يشعر بالحنان والطمأنينة ، وهل يستطيع أحد أن يعطيه

هذا الشعور مثل الأم ؟ ! على الرجال في الغرب أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أسرهم

وأن يقوموا على الأسرة معيلين لها ، وأن يشعروا بأخطائهم عندما يدفعون

نساءهم للعمل خارج البيت .

الأخت : أم يوسف : عمل النساء بجانب الرجال خطر جداً وهو ليس بناجح

حتماً ، والخاسرون منه هم الأسرة عموماً والأطفال بالذات ؛ فعندما تعمل المرأة

فإنها تهمل البيت الذي هو مسؤوليتها ، ولعل إحدى آثار عمل المرأة أن الأكل

الجاهز أصبح الوجبة الأساسية للأطفال ، مما يدعو إلى تدهور صحة الأطفال

بمرور السنين ، وهناك أثر ثانٍ وهو أن الأمهات يصبحن غير متفرغات لأطفالهن

مائة في المائة ، والأطفال يشعرون بذلك ؛ وبهذا يظهر النقص في الاتزان

والتصرف وتنشأ مشكلات سلوكية .

أما الأثر الثالث فهو أن المرأة تبدأ في لبس زي معين لكي تجذب الرجال

داخل العمل ، كما يؤدي اختلاطها بالرجال إلى عدم الرضا عن زوجها . ولعل

وجود المرأة في محيط عمل الرجال من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع

نسبة الطلاق .

البيان : التعليم المختلط وخاصة في سنوات المراهقة من خصائص التعليم في

البلاد الغربية ؛ فما تقويم هذه التجربة ؟

الأخت : عائشة أم سعدية : التعليم المختلط يشجع على العلاقات بين الأولاد

والبنات ، وإذا أُحصي عدد المراهقات الحوامل من مدارس مختلطة ومن مدارس

بدون اختلاط (خصوصاً المدارس الإسلامية) لوجدنا في الغالب أن النسبة في

المدارس المختلطة ستكون 57 % على الأقل مقارنة بالمدارس التي تطبق الفصل

بين الجنسين بنسبة لعلها تقرب من 5% (في حين ستجد أن النسبة في

المدارس الإسلامية هي الصفر) ، كما أنني أعتقد أن اختلاط الجنسين يؤدي

إلى عدم تركيزهم من الناحية الدراسية ؛ لأن اهـتمامهم سيكون موجهاً

للجنس الآخر .

الأخت : خديجة أم محمد :  لتقويم التربية المختلطة في المدارس الغربية أقول : إن اختلاط الأولاد والبنات مثلاً في هذه المدارس شيء في غاية التهديم ؛

فعندما يكبر الأطفال وينمون سوف يبدؤون يفهمون أمور النساء في المدرسة ، وهم

ليسوا تحت رعاية دائمة ، والآن غدت مواضيع الحياة يُتحدَّث فيها علانية ، وعند

ذلك فإن الأطفال سوف يُشجَّعون على الفعل القبيح من زناً وما شابه ذلك ، والذي

يجري في الصفوف العُليا (الفصول المتقدمة) في هذه المدارس أن ترتب النشاطات

للبنين والبنات معاً ويتركوا للاختلاط بحريَّة ، والنتيجة التي لا مفر منها أن البنات

والبنين يبدؤون بعلاقات الحب والغرام ، وهذا يؤدي إلى الزنا وحالات حمل البنات

الصغار ، وبعد ذلك تُترك البنت لتربية الأطفال وحدها ، وهذا هو سبيل

تفكك المجتمع !

الأخت : نبيلة عبد الله : التعليم المختلط خطر يهدد المجتمع ؛ فالمربون

(المعلمون والمعلمات هنا) يؤمنون بمشروعية إقامة العلاقات بين الجنسين من الطلبة

المراهقين ، متناسين الأبعاد الخلقية والصحية والجنسية لهذا الأمر ، وهم أنفسهم

(الهيئة التعليمية) قد يكونون متورطين في أعمال غير خلقية ، مثل تعاطي

المخدرات والعلاقات غير الخلقية بل وحتى الزنا . الشغل الشاغل للمراهقين في

مثل هذه الحال هو معايشة هذه الأجواء وبذلك يصبحون معرضين لمختلف الأخطاء

التي تحيق بهم في مجتمع تحطمت فيه القيم الخلقية ، والمجتمع نفسه هو الخاسر في

نهاية الأمر .

البيان : تعاني الفتاة الغربية المراهقة من مشكلات اجتماعية ونفسية متعددة

نتيجة انتشار الشذوذ والزنا والاغتصاب ونكاح المحارم .. ونحو ذلك ؛ فهل هذه

المشكلات موجودة حقاً ؟ وما حجمها ؟ وهل يدرك الغربيون خطورة ذلك ؟

الأخت : خديجة أم عارف : لا أعتقد أن نكاح المحارم منتشر ، ولكن الزنا

منتشر ؛ فالأولاد يُعَلَّمون في المدارس أن العلاقات الجنسية مسموح بها بشرط أن

يُستخدَم الواقي ، أو ما يسمى بالجنس الآمن ؛ ولكنهم لا يعلمون القيم الأخلاقية أو

أهمية الزواج . وهذه الأشياء لم تؤدِّ إلى أعداد كثيرة من الحمل المبكر غير

المرغوب فيه ، وإلى أعداد من الأمهات بدون أزواج فحسب ؛ بل أدت إلى مجتمع

يفتقر إلى الاتزان الأخلاقي والذي هو من الضرورات لتربية الأطفال في أي مجتمع .

كثير من الفتيات أصبن بصدمة نفسية نتيجة الحمل المبكر (بطريق الزنا) وأدى

ذلك إلى الإجهاض ، ولا تسأل عن آباء صغار السن والذين يتنكرون

للمسؤولية عادة . إن الصدمة النفسية والمعاناة المترتبة على هذه المشاكل خيالية . الإعلام يدفع الفتاة إلى التجمُّل والخروج بشكل سافر وهو ما يؤدي غالباً إلى الاعتداء

الجنسي ، والقتل أحياناً . كل ذلك له تأثير سيئ على المجتمع ؛ فالفرد الذي

اعتاد الخلاعة والإباحية يصعب عليه أن يقيم علاقة متزنة من خلال أسرة وأن يربي

أطفالاً . المجتمع والمربون والآباء لا يقدمون إلا القليل في مواجهة هذه المشاكل .

الأخت : نبيلة عبد الله : أنَّى للمربين أن يُقدِّروا خطر هذه الانحرافات وهم

أنفسهم من ضحاياها ؟ ! لقد انضم كثير من ذوي الانحرافات وبمختلف أصنافها إلى

فئة المربين ، وهذا يشجع المراهقين على ممارسة ما يسمى بالطرق المأمونة

لتعاطي المخدرات وممارسة العلاقات الجنسية وهم في عمر يافع لا يعون معه

المخاطر التي تحيق بهم !

الأخت : أم يوسف : هذه المشاكل موجودة ، وأعتقد أن حجمها أكبر من أن

يتخيله أحد . أنا أعتقد أن المربين واعون لأخطار هذه الانحرافات السلوكية ولكن لا

يعرفون كيف يوقفونها .

الأخت : خديجة أم محمد : نعم ! هذه المشاكل موجودة ، ومدى هذه المشاكل

يؤدي إلى خلخلة أسرية ؛ فعندما يكبر الأطفال يغدون مختلين وينقلون مشاكلهم

وخللهم الاجتماعي إلى مراهقين آخرين أو حتى أطفالهم ؛ وهذا ينتج قلة الاحترام

في المجتمع ، ولهذا فإن هناك تفككاً كبيراً في الحياة الأسرية ، وفي القدرة على

التعامل الاجتماعي الجيد .

الأخت : فاطمة أم إسماعيل : نعم هذه المشاكل موجودة ، ولكن أنا أشعر أن الموضوع في غاية البشاعة ، ولا أريد أن أعلق أكثر .

البيان : للإعلام دور بارز في صناعة الأخلاق والقيم ؛ فكيف يصور الإعلام

الغربي المرأة الغربية ؟ وهل لهذه الصورة دور في إفساد المجتمع وتفككه ؟

الأخت : فاطمة أم إسماعيل : الإعلام يستخدم النساء معظم الوقت أدوات

للنظر إليهن ، والبنات الصغيرات يشاهدن هؤلاء النساء ويرغبن في الظهور

مثلهن ، ولذلك فإن المشكلات كثيرة منها تخلي المرأة عن عملها البيتي كالطبخ   وغيره من الخدمات وانشغالها بجسمها .

الأخت : خديجة أم عارف : الإعلام يركز على منظر المرأة ومظهرها ؛

فالمرأة الجميلة ذات الجسم الرشيق تغطي صورتها الصفحات ، وتعرض جسمها

بطريقة مقززة ، والمرأة تفاخر بجمالها وتعتبره سلعة ناجحة . وتعتقد بعض النساء أن

الحرية للمرأة هي في التعليم وفي تحقيق المنصب والشهرة ، ولا يخفى أن هذه الحرية

هي التي أنتجت صناعة الجنس والتي تعتبر من أكثر الصناعات نمواً في الغرب .

نعم ! لقد امتُهِنَت المرأة في الغرب وهي التي سمحت للعابثين بذلك . غسيل الدماغ

مستمر في الإعلام من خلال طرح نماذج على أنها مثال أعلى ؛ إذ تقدم حياتهم

الجنسية على أنها المثال ، مثل نجوم الموسيقى والغناء مع عدم تقديمهم أمثلة

إيجابية يمكن الاقتداء بها .

الأخت : خديجة أم محمد : الإعلام الغربي يصور المرأة الغربية على أنها

قوية ، مستقلة ، جميلة ومثالية ؛ لأن النساء يرغبن بذلك كما يقول الإعلام ،

وإذا لم يكن عندها أي من تلك الصفات فستفعل أي شيء للحصول على ما يتوقعه

الناس من هذه المظاهر مثل لون الشعر ، ولون البشرة ، وإذا لم تستطع أن تحقق

ذلك فسوف تكون في غاية من الضيق ؛ لأنها لم تبلغ (المثالية) التي يصوِّرها

الإعلام ! وهذا يؤدي بها إلى الكآبة الشديدة والإحباط بل ، وأحياناً إلى قتل النفس .

صورة الإعلام هذه شر ماحق يمكن أن يدفع المرأة إلى أن تحطم عزتها

بنفسها ، وإذا فقدت عزة النفس فلن تُكرَم أو تراعي أي أحد ، أو أي شيء آخر ،

وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإجرام واللامبالاة بين أفراد المجتمع .

الأخت : نبيلة عبد الله : إن الإعلام في تصويره للمرأة في الغرب يهمل

دورها في المجتمع زوجةً وأمّاً ، ويركز على مسائل مظهرها وهيئتها ودوافعها إلى

كسب المال . الغالب هنا أن البنات الناشئات لم يعد لهن قدوة حسنة في أمهاتهن اللائي

أصبحن يعلمنهن أن قيمة المرأة تكمن في اهتمامها بالملبس وقابليتها على جذب وإبهار

الرجال . ومن المفاهيم المنحرفة التي أصبحت مترسخة عند كثير من النساء أن

الاهتمام برشاقة الجسم مثلاً مقدم على الإنجاب والاعتناء ببيتها . كذلك فإن نظرة

المرأة الغربية للرجل أصبحت تتسم بقلة الاكتراث لدوره في المجتمع ، حيث إنها

ما عادت في حاجة ملحة للارتباط بزوج ؛ فالحرية الجنسية تصور لها أن الزواج

أضحى من عادات الماضي وتقاليده وأن الزواج يؤدي إلى استعبادها من قِبَل رجل

واحد !

الأخت : عائشة أم سعدية : الإعلام بارع في إبراز قضية تحرر المرأة

الغربية .. الحرية في الذهاب إلى العمل ، السياحة ، السوق .. ونحوها . النساء في

خطر كبير وهو : الاقتناع بأن كل شيء في الحياة رائع ويُشْرَع لها نيله ؛ فلماذا

تتزوج ، وفي استطاعتها نيل المتعة من غير زواج ؟ ! ولماذا تجلس في البيت وفي

استطاعتها أن تعمل وتختلط بحرية مع الرجال ، وتحصل على أي عدد من

الأخلاء كما تريد ؟ ! المرأة في الغرب اليوم لا يوجد عندها قيم لنفسها ، وليس لها كرامة البتة ، وسوف تهلك نفسها بنفسها .

البيان : التفكك الأسري ، والتمزق الاجتماعي يعده بعض الناس أحد سمات

المجتمع الغربي ، فهل هذا صحيح ؟ وهل له أثر على تربية الأبناء ؟

الأخت : خديجة أم عارف : من أهـم أسباب تفكك الأسرة في الغرب كثرة

الطلاق وارتفاع نسبته ، وقلة الزواج ؛ فالكثير لا يتزوج . ومن آثار هذا التفكك الآثار

السلبية على الأطفال الذين يقعون ضحية للطلاق . ومن مظاهر التفكك كثرة

الأمهات العزاب التي يكون لديهن أطفال من غير زواج ، ولكن من علاقات غير

مشروعة ، وعدد هؤلاء في ارتفاع مع ما يواجهن من صعوبات في تربية الأطفال

وفقدان للعطف والرعاية من الآباء . وهذا يفسر انحراف كثير من الأطفال في هذا

المجتمع . إن تعاليم الإسلام تحفظ للمرأة كرامتها وأي حدود توضع لها هي لحفظها

وصيانتها ؛ ولكن للأسف فإن هناك جهلاً بحقوق المرأة في الإسلام ؛ فمثلاً واجب

الإنفاق من قِبَلِ الزوج على المرأة والأطفال والبيت هو حق لهم مقرر في الإسلام ؛

فعلى الزوج أن ينفق ومع ذلك يحق للمرأة أن تحتفظ بما تمتلك لنفسها إلا إذا أرادت

المساعدة في حال العسر مثلاً . المرأة في الإسلام ليست تحت ضغط يدفعها للخروج

من المنزل للعمل ، بل لها الحرية في البقاء في البيت لتربية أطفالها دون الشعور

بالذنب الذي تشعره الكثيرات من النساء غير المسلمات في الغرب . وللمرأة حق

التعلُّم وخاصة في أمور دينها وأن تسد الحاجة في مجال الطب والتدريس حتى تقوم

بخدمة أخواتها المسلمات في بيئة تعمل فيها بعيداً عن الاختلاط وتحكم بأحكام

الإسلام .

إن نظرة الذين لم يذوقوا حلاوة الإسلام والإيمان بأننا لسنا سعداء بطريقتنا

الإسلامية في الحياة هذه النظرة غير صحيحة ولا واقعية ؛ فأنا مثلاً أشعر بسعادة

غامرة عندما التقي بأخواتي المسلمات بعيداً عن الرجال في مجتمع نسائي منفصل ؛

حيث لا تحاسُد ولا تباغُض كما يحدث في المجتمعات المختلطة ؛ حيث الغيرة

والتباغض . كما أن الإسلام يحث المرأة على الاهتمام بالمنزل والأسرة ؛ فإنه يفتح

المجال لتعارف النساء ، وفتح باب التعلم لهن ، وخاصة العلم الشرعي . النساء غير

المسلمات اللائي يحضرن أحياناً معنا في الحلقة بغرض التعرف على الإسلام يفاجأن

بالتواد والتراحم الموجود بين المسلمات .

أما الحجاب الذي يتصور الغرب أنه حاجز أو عائق فقد كان تحرراً بالنسبة

لي ، تحرراً من أن يُنظَر إليَّ تلك النظرة المادية نظرة الجسد الخالي من العقل ،

وكان الحجاب دافعاً لأن أعامل باحترام وكرامة .

الأخت : أم يوسف : هذا صحيح ، والآثار على تربية الأطفال بالغة ؛ ففي

المجتمع الغربي لا يربى الأفراد في أسرة تعتني بهم ؛ لأن كل عضو في الأسرة منشغل بنفسه ، ولهذا عندما يصل الأطفال إلى سن البلوع فإنهم يمرون بهذه المرحلة

الحساسة (سن المراهقة) وحدهم دون رقيب ولا حسيب ولا قلب حانٍ شفوق ،

وحتماً فإن المجتمع سيتدهور عندما يعاني الناس من المشاكل ، وهذه نتيجة طبيعية لا مفر منها .

الأخت : خديجة أم محمد : نعم ! ما ذكر صحيح وله تأثير على الأطفال ؛

فالأطفال إذا ما نشؤوا في أسرة مفككة فلربما أدى ذلك إلى مرورهم بطفولة مؤلمة .

كما أنهم عندما يكبرون ربما تنشأ عندهم مشكلة بخصوص تحمل مسؤوليات الزواج ،

هذا إذا لم يعدلوا عن فكرة الزواج أصلاً خوفاً من الوقوع في زيجات غير موفقة ، مما

يدفعهم إلى أن يخوضوا في العلاقات المحرمة التي بدورها ستنتج أطفالاً غير

شرعيين في بيوت لا تربطها الأنظمة الأسرية ؛ وهكذا دواليك .

الأخت : نبيلة عبد الله : إن التفكك الأسري من سمات العائلة الغربية ؛

فمصطلح (العائلة) أصبح يعني مجموعة من الأفراد الذين يتقاسمون مكاناً معيناً ،

ولكن ليس عندهم هموم ولا أهداف ولا قيم مشتركة ، وتُرِكَ الأمر للصحافة والتلفاز

والحاسب لتثقيف العائلة . والغربيون يصدقون ما تبثه لهم هذه الوسائل على أنها

الحقيقة الخالصة ولا يلتفتون كثيراً إلى ما قد يبث عبرها من حملات إعلامية

تضليلية . كما انشغل أفراد العائلة الغربية فأصبحوا نادراً ما يأكلون سوياً ، وقلما

يتخاطبون فيما بينهم ، بل وقد ينعدم اكتراث بعضهم ببعض ، وأصبحت الأنانية

وحب الذات من سمات المعيشة في المجتمع الغربي ، ومن أساسيات البقاء فيه على

(هامش الحياة) . كما صار العزوف عن القيم الأخلاقية من قِبَلِ الأبوين ينعكس على

أولادهم فينشؤون هم بدورهم أفراداً بعيدين عن المعايير الخلقية ينقصهم احترام

الذات واحترام الآخرين .

البيان : بعد هذه الندوة اللطيفة هل لنا أن نسأل عمَّا جعلكن تهتدين إلى

الإسلام ؟ !

الأخت : خديجة أم عارف : ما زلت أتذكر أني كنت أؤمن بالإله منذ الثامنة

من عمري ، وكنت أذهب إلى الكنيسة مع وجود لَبْس وعدم وضوح لديَّ لمفهوم

التثليث ومفاهيم أخرى ، ثم توقفت عن ذلك في سن التاسعة عشرة وعشت حياة

الغربيين . سمعت لأول مرة عن الإسلام في سن الرابعة والعشرين ، وبعد سنوات

قابلت رجلاً مسلماً في العمل ، وعرفني على زوجته ، ثم بدأت أتعلم الإسلام ، كل

شيء كان بالنسبة لي صحيحاً ويقع في الموقع الصحيح ، لقد كنت أؤمن بالتوحيد

بأن الله واحد ؛ وما ذُكِرَ في القرآن والسُّنَّة عن عيسى عليه الصلاة والسلام كان منطقيا ومقبولاً لي . كثير من تفاصيل الإسلام جذبتني كالرفق بالحيوان والاهتمام بالبيئة والأدلة العلمية في القرآن وأصبحت أكثر وضوحاً عندي الآن . ثم بدأت

بالتحدث مع عائلتي والأصدقاء عن الإسلام والمسلمين ، وبعد سنتين من

القراءة والتأمل والتفكير وهذا التأخر ليس لتشككي في صحة الإسلام ولكن

كان بسبب التأمل بقدرتي على تحمل الأعباء والتحولات التي سوف تنتج عن

إسلامي بعد ذلك كله أعلنت الشهادة وأصبحت مسلمة والحمد لله .

الأخت : خديجة أم محمد : كان لديَّ صديقات مسلمات كثيرات ، وكنت

دائماً أحب أن أسمع تعاليم النبي ، وأحببت كثيراً من الأشياء المذكورة في القرآن

والحديث ، لقد قرأت كتاباً يشرح الحياة الأسرية في الإسلام وهذا ما أردته . أيضاً

لقد انجذبت للإسلام ؛ لأن المسلم الصالح أمين ، ومن ناحيتي فإني أحب الاجتماع مع

الناس ، والحياة مع زوج أمين يتقي الله سبحانه وتعالى ، وأنا أرى أن المسلمين هم

الناس الوحيدون الذين يستحقون الاجتماع معهم .

الأخت : نبيلة عبد الله : لقد تقبلت معتقد الإسلام بعد أن وجدت أن الله تعالى

أنه قد وضع نظاماً شاملاً لحياة البشر رحمة بالعالمين . وهذا النظام الشامل الذي يتيح

للبشر أن يتعبدوا ربهم الخالق من خلال تطبيقه في نواحي حياتهم المختلفة ؛ فهو نظام

مهذِّب يغطي جميع القيم الخلقية والحريات والتربية وأسس العلاقات الزوجية ، بل

وعلاقات البشر بعضهم ببعض . كنت أشعر بأن حياتي كان ينقصها شيء معتبر ،

وكنت أفتش في قرارة نفسي عمن يستحق الثناء والشكر ، متناسية من هو أهل للثناء

والشكر وهو الخالق المنان . وكنت دائمة الاستجابة لتوقعات الآخرين مني ، وفي الوقت نفسه غير آبهة بالأحكام والسنن الإلهية المفروضة على العباد . أمَّا الآن وقد

هداني الله تعالى للإسلام فسعيي حثيث للقبول بتوجيهاته ، والاستسلام لحكمه

وتعاليمه جل شأنه وأدعو الله ألا أنسى أبداً أن الفضل والحمد كله يعود له

وحده سبحانه وتعالى . أسأل الله أن يتقبل صالح أعمالنا وأن يشملنا برحمته جميعاً .

البيان : الحمد لله على نعمة الإسلام . والآن نود لو تحدِّثْنَنا عن تجربتكن في

الإسلام : هل وجدتن في التعاليم الإسلامية ما يُقيد المرأة أو ينتقص من كرامتها ، أم

أن الأمر مغاير لذلك ؟

الأخت : فاطمة أم إسماعيل : لا ، نحن محميون ونعامَل بأعلى كرامة .

الأخت : عائشة أم سعدية : لا يوجد شيء في الإسلام يقلل من كرامة المرأة ،

الإسلام يعطيها الكرامة ، إنها لا تعرض على أي شيء سيئ ، إنها تحفظ نفسها

بالستر والكرامة وتغض نظرها وتخفض صوتها ولا تكون مصدراً للمشاكل لا داخل

البيت ولا خارجه ، إنها محدودة فقط داخل نطاق الإسلام ، ولكن ليس كما يصوره

الإعلام الغربي ؛ فالمرأة المسلمة تعامل بالود والكرامة التي تستحقها ، وإذا عرفت

النساء الغربيات كيف تُعامَل المرأة المسلمة كما يأمر الله سبحانه وتعالى فسوف

يسرعن لاعتناق الإسلام إن شاء الله .

الأخت : نبيلة عبد الله : إن الإسلام لا يقيد ولا يصادر أي شيء من كرامة

المرأة . والحقيقة أن الإسلام يرفع من منزلة المرأة إلى درجة لا يمكن التعرف عليها

ما لم تعتنق المرأة الإسلام فعلياً . عند دخولي في الإسلام دهشت لما يتمتع به النساء

من منزلة رفيعة . فالصورة مغايرة لتلك التي عند الغربيين ؛ فالمرأة عندهم زينة في

ذراع الرجل يتباهى بها ثم يلقيها أرضاً بعد حين . إن التزام المسلمة بالحجاب

والنقاب يُعد بمثابة حماية داخلية ، وأخرى خارجية لها . فلسان حال مظهرها

الخارجي يقول : إنني أغطي جسدي لأحميه من قلة الستر المستشرية في المجتمع ،

وحتى لا أدع مجالاً للآخرين كي ينجذبوا لعورتي ؛ ومن دون ذلك ربما كانوا

سيهينونني بنظراتهم أو لمساتهم التي كان من الممكن أن تنشأ نتيجة سوء فَهْمٍ

لمظهري أو حركاتي فيما لو كنت غير ملتزمة بالزي الإسلامي . إنني أعتز بكوني

مسلمة ، والآن وقد تزوجت فأحس بالمشاعر الخاصة كوني امرأة لها زوج يعتني

بها ، وإن شاء الله يكون ممن يتذكر تعاليم الله تعالى وأحكامه بخصوص معاملة

الزوج لزوجته .

________________________

 

 

 

 

ملفات

ماذا يريدون من المرأة .. ؟ !

(2 - 2)

فاتحة الملف

وماذا نحن فاعلون ؟

 

دأب العلمانيون على اتباع تقطير سمومهم في جسد الأمة المسلمة قطرة

قطرة ، حتى تحوَّل قطاع كبير من الأمة إلى مجتمع متشرب لهذا السم ، وكان هذا   الهدوء الماكر والخبيث في اطِّراح العقائد والمناهج الإسلامية .

وهكذا اقتفوا سبيل إمامهم في الشر باتباع منهج ( الخطوات ) وقد أثمر هذا

المنهج ثماره الخبيثة من تحول هذه المناهج من مجرد أفكار فردية إلى قضايا تكبر

شيئاً فشيئاً ، ويكبر معها عدد المدافعين عنها .

ولم تخرج معركة المرأة من هذه الدائرة الخبيثة ؛ بيد أن تلك المرحلة كانت

سجالاً بين الكائدين من العلمانيين ، وبين المدافعين من الإسلاميين وأهل الصلاح ،

لكن المعركة شهدت تحولاً خطيراً يصب في صالح العلمانيين ، وهو ذلك التأطير

الدولي لهذه القضية ، وتبني المؤسسة الدولية لها ، وفرضها على دول كانت في

حاجة إلى هذا التبني ، حيث إنها لم تستطع بشكل واضح تبني الطرح العلماني في

هذه القضية الاجتماعية لحساسيتها في المجتمعات الإسلامية ، أما الآن فقد أصبح

لزاماً عليهم الالتزام بالشرعية الدولية ، وإلا تعرضت الأمة كلها للعقوبات ، وهذا

المشهد وهو في بداياته يعتبر إخلالاً بالموازين التي كانت تحافظ عليها الحكومات

بين التيارات الفكرية داخل مجتمعاتها .

ونحن هنا ومع بداية هذا التطور نحتاج إلى وقفة نخرج بها من دائرة

التوصيف للكيد العلماني ، والأساليب ، والطرق التي انتهجوها إلى الوصول إلى دور

فاعل بوضع التصورات الواقعية في مواجهة هذا الكيد الشيطاني . نحتاج إلى وضع

السياج القوي حول حُرُمات الأمة بعيداً عن الندب والشجب ، نحتاج إلى إطلاق

القدرات لمواجهة هذا التواطؤ على الحرمات .

وبهذا الجزء الثاني من ملف (ماذا يريدون من المرأة ؟) نرجو أن نكون قد أسهمنا

بدورنا في هذا السعي ، آملين أن نتبعه ويتبعه غيرنا بفاعلية أكثر .

ونحن في سعينا هذا نستعين بالعلي القدير الذي لا يُصلِح عملَ المفسدين .

 

 

________________________

 

 

 

 

منتدى القراء

المرأة وجهاد القلم

بقلم : مريم المحمد

 

لقد كثرت الزوايا الصحفية والمقابلات والندوات والمقالات التي لا تزال تنال

من الإسلام ، فتارة تعترض على بعض تشريعاته ، وتارة تهاجم بعض دعاته

وتلمزهم ، وتارة تطالب بالتجديد بل مسخ أحكامه ... وهكذا .

وكثيرٌ من شباب الصحوة يعلمون حقيقة هذا الأمر ، ولكن قليل أولئك الذين

يبادرون بأداء دورهم المطلوب تجاه هذه المشكلة أو تلك ، وهنا تختلف المعوقات ،

ما بين معوقات حقيقية يُعذر أهلها وأعذار واهية وقيود مصطنعة وضعها أصحابها

لتسويغ مواقفهم السلبية .

وهناك العديد من الموضوعات والقضايا التي تدعو الحاجة لنقاشها والردّ على

من يتبنّاها ، فمثلاً : ما أكثر ما يتطرق المغرضون إلى الحديث عن قضية المرأة ،

ودعوى ظلمها في مجتمعاتنا ، وهضم حقوقها في ظل عاداتنا وتقاليدنا بخلاف بلدان

الحضارة والنور ! المزعومة .... إلخ .

وكأنه ليس في العالم مشكلة سوى هذه المشكلة التي تتواطأ الأقلام بل

والمؤسسات الصحفية والنقابية على عرضها وتكرارها بدعوى أنها هي العائق

الأكبر في مسيرة تقدم الأمة نحو الحضارة والرقي .

صحيح أن هناك بعض القصور وسوء الفهم لقضية المرأة ، لكن الإسلام

بريء من أي ظلم للمرأة ، وحسبنا قول الرسول في خطبة الوداع من الوصية

بالنساء خيراً بقوله : (فاتقوا الله في النساء) .

موقفنا من التغريب : يلزم فضح هذا الاتجاه وأصحابه بكتابة الردود

والتعقيبات التي توضح خطر هذا التوجه ومَن وراءه ، ولذلك فوائد : منها :

1- نقد الصوت الآخر وفضحه والتخفيف من ضغطه وزحفه ، لأن تركه في

الساحة دون مُنازل سيشعره بانهزام مقابله ، ويغريه بالتقدم والهجوم .

2- دفع الإحباط وطرد اليأس الذي أخذ يسري وينتشر في بعض النفوس ،

مع غفلة عن إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران : 160] .

3- حفز همم أهل القدرات والطاقات ، وحثّهم على المبادرة والعمل البناء .

4- إظهار نموذج مقبول لطريقة الردّ المنضبطة التي تحتذى ويقتدى بها ؛

لأن هناك ردوداً وتعقيبات كُتبت بدافع الحماس والغيرة مع اشتعال العواطف وخبوء

ضوء الفكر فيها ، فجاءت لنا بثغرات هوجمت الدعوة من خلالها .

ضوابط للرد والتعقيب :

حتى تكون مناقشتنا موضوعية ومقنعة يلزم الأخذ بالأسباب التالية :

- الإلمام بخلفية كافية عن القضية المطروحة والآراء المتداولة حولها .

- العلم بخلفية كافية عن الكاتب واتجاهه ونمط تفكيره وأسلوب طرحه .

- فهم المقال المراد نقده أو تأييده فهماً جيداً ، دون تحميل الكلام ما لا يحتمل .

- الموازنة بين الرد على الفكرة والرد على الأسلوب ، وانتقاد الكاتب دون

تجريح أو تهجم ، فإن هذا أقوى وأسلم وأدعى للقبول .

- مراعاة الفروق والاختلافات بين الكتّاب (حتى لو تماثلت القضايا

المطروحة) ، فالرد على من يُعرف عنه سوء الاتجاه وخبث الطوية يختلف عن الرد

على من أخطأ عن غير قصد .

- مراعاة الوضوح في عرض الفكرة وجودة العرض والموازنة بين الإسهاب

والاختصار .

- الحذر من الاندفاع العاطفي غير المنضبط والسقوط في العبارات الساقطة

المبتذلة .

- البدء بالأهم فالمهم ، والتغاضي عما يمكن التغاضي عنه من صغار المسائل .

- حسن التقسيم والتفريع لنقاط الموضوع ؛ مما يعطي المقال قوة وقبولاً ؛

ولئلا يمله القارئ .

- الاهتمام بقواعد اللغة العربية وسلامة الأسلوب وصحة الإملاء .

- تدعيم الآراء بالأدلة والبراهين العلمية الشرعية والعقلية .

- الجمع بين القوة والثقة من ناحية ، والتواضع ورحابة الصدر وفتح المجال

للنقاش وإبداء وجهات النظر وفق الضوابط الشرعية من ناحية أخرى .

- الحذر من الدخول في قضايا شائكة تفتح ثغرات لردود مقابلة .

- إظهار أن صاحب الرد لا يقف وحده ، بل هذا هو موقف كل مسلم غيور

على دينه .

- عرض الرد على بعض أهل العلم والتخصص ، واستشارة ذوي الرأي ما

أمكن ، دون أن يعوق ذلك سرعة النشر التي قل أن ننتبه لها .

- التنسيق بين عدة أشخاص للتفاعل مع القضية ، بإعداد ردود وتعقيبات

موضوعية من جوانب أخرى .

- متابعة الصحيفة أو المجلة للتأكد من نشر الرد ، والمهاتفة أو المكاتبة عند

عدم النشر .

- معرفة ردود الفعل على الرد وأثره ، سواء من المؤيدين أو من المعارضين ،   ومتابعة الكتابة مرة أخرى إذا لزم الأمر .

آملة أن يكون فيما ذكرته حافزاً لإخواني وأخواتي للمبادرة بنصرة قضايانا

الدعوية ، التي طالما تشدقنا بفهمها ومعرفة أبعادها ، دون أن يكون لنا في الواقع

رصيد من نصرتها والدفاع عنها على الوجه المطلوب .

والله من وراء القصد ،

________________________

 

 

 

منتدى القراء

أختاه .. فلتحذري

 

بقلم : أم سلمان

 

إلى كل حرة أبية ، تأبى الضيم وترفض أن تكون تابعة للعبيد وأداة لتحطيم

الأمة .. أتوجه بهذا النداء ...

أختاه .. أناديك هل تسمعينني ؟ أصرخ إليك ، هل يصل إليك صوتي ؟

إن القوم يأتمرون بك ، بل إن العالم يتآمر عليك ، اليهودية المفسدة ، العلمانية

الكافرة ، الكل قد حشد الحشود لفتنتك ، الكل قد جمع العقول لإغوائك ، الكل

يطاردك ، يريد الذل لنفسك ، إنه حزب الشيطان يريد لينزع عنك لباسك لتتبدى

سوأتك وعوراتك ، ويدعك خلقاً مشوهاً ممسوخاً فتضلي في نفسك وتكوني لمن

خلفك فتنة ، وينهدم صرح الأمة ، وتشيع الفحشاء ويتميع في إثرك الرجال ،

وتغوص الأمة في بحر الشهوات .. فهم ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ

سَوَاءً .

ها هم يهود يقفون وراء بيوتات الأزياء والموضات يزينون من خلالها الفجور

والعري فتفسد الأمم ، وتصب في جيوبهم الأموال .. ها هم يزينون الفحشاء .. في

الأزياء العارية ، والأفلام الساقطة والمسرحيات الهزلية الفاجرة ، في المجلات

الدنسة والصحف العميلة ، في المقالات العارية من كل حياء ، في القصة اللئيمة ،

في المسلسلات والبرامج الهابطة ..

فهل تنتصرين لنفسك وتثأرين لدينك ، هل تفيقين وترتفعين فن تلك الهوة

السحيقة التي زينها لك الماكرون ؟ فقط أذكرك بحديث رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- الذي يقول فيه : » صنفان من أهل النار لم أرهما : .. ونساء كاسيات

عاريات مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا

يجدن ريحها ... الحديث « . فهل ترضين لنفسك هذه الحال ؟ ! أم تنتصرين لدينك

ولإنسانيتك التي كرمها الله ، فتعود الصورة الوضيئة للمرأة المسلمة العفيفة الطاهرة

النقية المتوضئة الراكعة الساجدة .. صورة الأم في نضارتها ومكانتها ، صورة

الحرة لا الأَمة المستعبدة لكل الأهواء ..

أتمنى أختاه .. أن تعودي ، فنحن هنا في انتظارك في شوق على باب الإسلام

الكريم .

________________________

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال  المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟ الباب الخامس قيم التقدم   في ا...