Translate

الجمعة، 21 أبريل 2023

((النساء شقائق الرجال)

من مشكاة 

لقد سطر التاريخ صوراً مضيئة لدور المرأة في نصرة الإسلام، فـ((النساء شقائق الرجال)) كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن مقولة وراء كل عظيم امرأة لها وجه من الصحة، فالمرأة هي مصنع الرجال ومربية الأجيال، هي الأم والزوجة والأخت والابنة.

ونحن لو ذهبنا نُحصي بطولات النساء في الإسلام لوجدنا صوراً وقصصاً كثيرة، إلا أنها لا تعدل شيئاً بجانب قصص الرجال، فما السبب يا تُرى؟ إن ما وصلنا من قصص النساء أقل بكثير مما وصلنا من قصص الرجال، لأن الأصل في المرأة التستر والخفاء، فالمرأة يظهر أثر بطولاتها وتضحياتها على أبنائها وزوجها، والرجال الذين في بيئتها وأسرتها، لأن المرأة لم تُخلق لكي تكون بارزة للمجتمع، إنما خلقها الله تعالى لكي تكون سكناً لزوجها ومربية لأولادها.

ورضي الله عن الصحابيات الجليلات أمثال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فخديجة رضي الله عنها شدت من عزم النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع خائفاً مضطرباً مما جرى في غار حراء مع جبريل عليه السلام، فأخبرها كيف غطه ثلاث مرات آمراً إياه أن يقرأ، وأخبرها بالقرآن الذي سمعه منه، وعندما أخبرها أنه خشي على نفسه قالت له بكل ثقة: (كلا والله ما يُخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتَقري الضيف وتُعين على نوائب الدهر)، فكانت لكلماتها أفضل أثر على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم، فهدأ وسكن رَوْعُه، وواست النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بمالها ونفسها وهيئت للنبي صلى الله عليه وسلم البيت المريح الذي يجد فيه السكينة بعد المشقة والأذى الَّلذَيْن كان يجدهما من دعوة المشركين، فكانت خير معين على نشر الإسلام، ومناقبها كثيرة وعظيمة، فهي المرأة الوحيدة التي ما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عليها حتى ماتت، وهي التي رزقه الله منها الولد، وهي التي بشرها الله بالجنة كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((أتاني جبريل فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي قد أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيها ولا نصب))، لذا قالت عائشة والحديث في صحيح مسلم: (ما غِرْتُ للنبي صلى الله عليه وسلم على امرأة من نسائه ما غرت على خديجة لكثرة ذكره إياها، وما رأيتها قط)، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَبَحَ الشّاةَ يَقُولُ: ((أَرْسِلُوا بِهَا إِلَىَ أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ)) قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْماً فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنّي قَدْ رُزِقْتُ حُبّها))، واسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَىَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ. فَقَالَ: ((اللّهُمّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ)) فَغِرْتُ فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءَ الشّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدّهْرِ، فَأَبْدَلَكَ اللّهُ خَيْراً مِنْهَا، زاد الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أبدلني الله خيراً منها؟! قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد النساء)).

هذا الوفاء العظيم عباد الله، ما كان إلا لمكانتها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم وما بذلته للدعوة والإسلام، لذا استحقت أن تكون خير نساء العالمين وسيدة الجنة، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((سيدات نساء أهل الجنة)) وفي رواية ((خير نساء العالمين أربع:مريم وفاطمة وخديجة وآسية))، ولذلك عندما توفاها الله أُطلق على العام الذي ماتت فيه عام الحزن.

أقول قولي واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، إن نساءنا وبناتنا في أمس الحاجة إلى القدوة الصالحة التي تكون لهن نبراساً يضيء لهن الظلمات ويقشع غمام الفتن التي أحاطت بهن من كل جانب، ولا أجمل ولا أكمل من قصص الصحابيات والنساء الصالحات من سلف هذه الأمة، ففي هذه القصص تجد الفتاة المسلمة ضالتها في امرأة كاملةَ الإيمان صحيحةَ العقيدة، لا تُقلد غرباً ولا شرقاً، شعارها الحجاب ومبدأها الإسلام فلا تحيد عنه قيد أنملة، والمرأة عباد الله إن لم يكن لها قدوة صالحة فإنها تبحث عن أي قدوة ولو غير صالحة، وكذا النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولا شك أن وسائل الإعلام الهدامة تقوم بدور فعال في هذا الجانب، فهم يزينون للمرأة أن تكون ممرضة أو مضيفة أو قائدة طائرة، وينشرون المقابلات تلو المقابلات، حتى إنه ليخيل للمرأة التي لم تتربى على الدين والقيم الإسلامية أن هذه هي القدوة التي ينبغي تقليدها، وكم رفعت الصحف والمجلات صوراً ومقالات لنساء سافرات متبرجات مسترجلات، قد تبوءوا المناصب السياسية والاقتصادية واختلطن بالرجال حتى صرن منهم، ولو أن الأمر اقتصر على حالات شاذة يشير لها الإعلام إشارة عابرة ويمر علها مرور الكرام لهان الخطب والمصيبة، إلا أن طامة الطوام أن يخرج علينا كتاب ومفكرون يمدحون ويبجلون ويصفقون ويهللون لهذا الفتح العظيم، ويجعلونه نصراً للإسلام والمسلمين، ووالله إنها لأحدى الكُبَر، يُعصى الله عز وجل وتُكشف العورات وتُحَكَّمُ قوانين الطاغوت بتحديد النسل وإباحة الزنا والشذوذ وحرية الردة عن الدين وبمنع التعدد وكل ما هو معروف عن مؤتمر السكان الذي ترعاه الأمم المتحدة، ومع ذلك يعده أولئك نصراً للإسلام والمسلمين، فأين عقولهم بل قل فأين دينهم؟ لقد قال الله تعالى في المنافقين: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ [محمد:30]، أي أن ما يقولونه بالمعنى يفضح سريرتهم ويكشف خبيئتهم وإن لم يُظهروا ذلك صراحة، وكم من الكتاب من هم من هذا النوع، فرجل يطالب بقيادة المرأة للسيارة، وآخر يطالب أن تعمل بجانب الرجل، وثالث يطالب بنبذ الحجاب لأنه يعطل المرأة عن عملها، ورابع وخامس وسادس، هم في واد، والدين والشريعة والعلماء في واد آخر، ولا نستبعد أن يأتي يوم يشيد فيه أحد هؤلاء بالإسلام وكيف أن الإسلام دخل معقلاً من معاقل الكفر، لأن مغنيٍ فاسق أو راقصةً خبيثة غنى أو رقصت في البيت الأبيض، فاقرؤوا عباد الله بين السطور كي يتبين لكم من يريد نصرة الإسلام حقيقة ممن يريد هدم الدين وإشاعة الفاحشة والرذيلة، ونشئوا بناتكم على الفضيلة والأخلاق الكريمة والعفاف والطهر والحياء، علموهن قصص الصحابيات الجليلات ونساء السلف الصالح كي يقتدين بهن، وحذروهن من مكايد الشيطان وأعوانه وبصروهن بما يُراد بالإسلام والمسلمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم. 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟

الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال  المستقبل (4) الباب الرابع كيف نبني حضارتنا الإسلامية؟ الباب الخامس قيم التقدم   في ا...